متسلسلة ندبة الذيب - حتي الجزء الرابع 14/2/2025

ابو دومة

ميلفاوي خبير
عضو
ناشر قصص
إنضم
11 يوليو 2024
المشاركات
346
مستوى التفاعل
145
النقاط
0
نقاط
326
النوع
ذكر
الميول
طبيعي
اهلا 🚬

ليا فتره طويله جدا مدخلتش هنا و صراحه لفت نظري القصص الي موجوده حاليا بحكم اني متابع من زمان و كتبت كام حاجه بسيطه ف مش اول مره اكتب عموما دي قصه حبيت اكتبها ك رجعه ليا طبعا هكملها كامله بس لو عندك تعليق او ملاحظه يشرفني اني اسمعه و شكرا 💯🖤


🌙🌙🌙🌙🌙🌙🌙🌙🌙🌙🌙🌙🌙🌙🌙🌙🌙🌙

الجزاء الاول


انفتح الباب الحديدي القديم ، وصوت المفاتيح المعدنية اختلط مع صوت المساجين العالي دخل الظابط وهو بيجر أدهم، وراه كأنه جثة بتتحرك من غير روح

عيونه الخضراء كانت زي بحر غريق، مدفون جواه أكتر بكتير من اللي ظاهر على السطح.

بص حواليه، وفجأة جه الصوت...

"طان!"

الباب الحديدي الكبير اتقفل، صوته كان كأنه طلقة نارية اخترقت قلبه، ختمت على مصيره بلا رجعة.

رفع راسه وبص للمساجين.

نظراتهم كانت كلها أسئلة مألوفة لأي وجه جديد يدخل المكان:
"ده مظلوم ولا مجرم؟ خطير ولا واحد عادي؟ إيه قصته ده؟"

أسئلة كتير قرأها أدهم في عيونهم، لكنه ما كانش عنده رفاهية الرد، ولا حتى رغبة في الكلام.

قعد جنب الحيطة، سكت لحظة، وبعدها... ضحك.

ضحك بصوت عالي، هستيري، خلا الكل يبص له باستغراب.

واحد من المساجين بص له بسخريه وقال:
إيه ده؟ بقوا يجيبوا لنا المجانين كمان؟

بس أدهم ما ردش... فضل يضحك. مش عليهم، ولا على كلامهم، لكن على نفسه يمكن على غبائه... أو على المصير اللي جابه هنا يمكن الضحك كان طريقته الوحيدة في جلد ذاته

من اول يوم و ادهم ما اتكلمش مع اي حد كان عايش في عالم لوحده لحد ما قرب منه واحد من المساجين قعد جنبه و ب ابتسامه هاديه

محمد : سمعت الظابط بيناديك ادهم ؟

فضلت نظره ادهم ثابته قدامه بعيون فاضيه مكنش مهتم او يمكن حتي ما سمع صوت الي بيتكلم جمبه فسره محمد علي انها احتقار او ممكن حزن مكنش قادر يحدد بس الي اكيد ان سكوت ادهم استفزه

محمد : بكلمك علي فكره

في نفس الحظه علي سبيل السخريه اتكلم مسجون تاني و بص لمحمد و اشار ل ادهم

: اهو عايشلك دور المجنون

اتعصب محمد ضرب كتف ادهم ب ايده و علي صوته

محمد : مش بكلمك يلا !

فضلت نظره ادهم ثابته علي الارض لسبب ما ابتسم كئنه معدش بيهتم حتي لو قتله بس للحظه صحي ادهم علي كف محمد وهو نازل علي وشه بص ادهم لمحمد بعدم فهم و صدمه شويه بس لسه ساكت

محمد : يعني دلوقتي بصيت يبن المره هاه ؟

لفت راس ادهم مع كف و ضربه محمد بصله فضلت عيون ادهم بارده لثانيه كئن وصله الشعور متئخر و سمع كلام محمد كئنه جاي من عالم تاني بس في نفس الحظه الي حس بيها و رجع للواقع رجع ادهم كئن البرق ضربه نظر لمحمد بس مشافش محمد كان بيشوف حاجه رعبته اكتر وش شخص تاني عيون فاضيه هوه كان خايف منها كئنها عيون شيطان ... بس الي رعبه فعلا انها مكنش وش محمد ده كان وشه هوه!

كان ادهم شاف مشهد غريب عقله كان بيلاعبه تخيل نفسه بيمسك براس محمد و بسكينه ظهرت سكينه في ايده كان ملمسها بارد علي ايده حركها وهوه ماسك بشعر محمد و قطع الجلد الي استغرب انه كان ناعم و سهل القطع كئنه زبده و اتقطعت الجلد و الحم بسهوله نزل الدم الدافي بين صوابع ادهم و دفي ايده

ابتسم و فصل العظم عن الرقبه و رفع الراس و بدا يدوس عليها وهوه بيضحك و الكل بيبص و فجئه !

محمد : عشان لما اكلمك ترد .. انا هعلمك ازاي تكون مجنون كويس يا روح امك

نزل الضرب زي المطر على جسم أدهم. كان مرمي على الأرض، وشه بينزف، جسمه كله كدمات من تسعة مساجين غير محمد. بس كل اللي كان حاسه... هوه الراحة. الراحة إن الدم اللي في إيده مكنش ددمم محمد.

عدّى اليوم بصعوبة. في الآخر، كان مرمي جنب الحيطة الباردة، ملفوف في هدومه الزرقة اللي ما بتدفّيش. نام مش لأنه عايز ينام، لكن لأنه مش قادر يعمل حاجة غير كده.

الليل كان طويل. الأحلام؟ كانت أسوأ من الضرب. كوابيس، أشباح من الماضي، ووجوه مش بيشوفها غير هوه.

صحي الصبح على ضربة فجرت بطنه، حس إنه هيترمي من مكان عالي، لقى نفسه بيرجع كل حاجة في معدته. الضربات التانية نزلت على جسمه، كانت مجرد "تسلية" لمسجون زهقان.

أدهم ما اهتمش. زحف على نفسه، خد صينيته، وراح يفطر مع باقي المساجين. أكل. أو بمعنى أصح، كان بيرمي الأكل في بقه بدون إحساس. فراخ؟ لحمة؟ خضار؟ كله كان مجرد حاجة تخلّيه يعيش شوية كمان.

"أنا ليه أصلاً عايز أعيش؟"

الفكرة دارت في دماغه. كان تعبان لدرجة إنه مش قادر حتى يفكر في إجابة.

"طاخ!"

القلم نزل على وشه، مخليه يحس بلسعة سخنة في خده. محمد كان واقف، بيضحك. شتمه، قال كلام كتير، بس صوت محمد كان جاي من مكان بعيد... بعيد أوي.

أدهم ما اهتمش او ممكن مكنش عايز اساسا انه يستوعب او يهتم لحد ما وقفت المعلقة قبل ما تدخل بقه ... الكلمة اللي سمعها محمد خلته يرفع عينه لأول مرة

محمد : بس تعرف انا تعرف الي رماك الراميه دي جدع قدر يحطك في مكانك كلب ابن (..) فاكر نفسك حاجه تلاقيه دلوقتي بيلعب نع اختك ههههههه

سكت ادهم محمد ثواني قام و بص لمحمد في عينه كلنت عيون ادهم الخضراء غريبه زي بحر عميق حتي محمد حس ان فيه حاجه غلط كان متنبئ ان ممكن ادعم يكون مجنون او بيمثل الجنون بس عمره ما توقع الي كان مستخبي تحت عينه المكسوره و فجئه !

حس محمد كئن شاكوش نزل علي صدره صوت العظم وقف كل الاصوات و انتشر الصمت و ادهم واقف محدش مصدق اساسا المنظر كان محمد مرمي علي الارض ماسك ضلوع كلها مكسوره و داخله لجوه جسمه و ادهم فوقه بعيون بارده زي عيون الاسود بارده و مفيهاش الي كلمه واحده مرسومه ( القتل )

ادهم : تعرف فيه دايما حدود كلاب زيك مينفعش تعديها

رفع ادهم رجله و لواها بضربه خلت راس محمد يطير و يخبط في رجل الطاوله قبل ما تقع علي الارض من تاني قعد ادهم فوقه و بدات تنزل ايده كانت كل ضربه اشبه بشواكيش بتضرب .... الضربه الاولي اتكسرت الضلوع .... الضربه الثانيه دخلت مناخير محمد لجوا في شكل مشوه و نافوره من الدم ظهرت .... الضربه الثالثه انكسرت ركبته و صنعت سنفونيه من صوت كسر العظم و وسط كل دا كانت ايد ادهم بتنذف من شده الضربات الي حتي عظم ايده هو نفسه مقدرش يستحمله

ادهم : تعرف سئلت نفسي كتير ليه انا بس الي حصلي كل ده ؟

قام ادهم وهوه بيلهث و نفسه ثقيل داس بجزمته علي راس محمد ضغط و نظر للكل بعدها رجعت نظرته لمحمد كان القرار اوتخذ في عقله خلاص زاد الضغط و محمد بيصرخ

ادهم : بس معدش مهم المهم دلوقتي هوه انتم !

جري الظباك في اخر ثانيه و ادهم حس ب العصايه بتنزل فوق دماغه كئن جسمه كله اضرب ب الكهربه و موقفش الحرس دول كانو لسه بيبداو نزلو فيه ضرب لحد ما الدم نزل من راسه عل كتفه شعره الاسود كان عليه شويه من دمه الاحمر من كثره الدم بس محدش اهتم سحبوه لحد مكتب مئمور السجن رموه قدامه وهما رابطينه

عرفات : انتا بقا الي عامل فيها شبح و ماشي تقتل في المساجين صح ؟!

ضرب المئمور ب ايده علي المكتب وهوه بيبص ل ادهم و متعصب من المشاكل الي عملها ادهم بس كان رد ادهم بسيط و يكاد يكون ساخر ابتسم بهدواء و بص للمئمور

ادهم : ددمم الي عندك ده ؟

اتعصب المئمور من سخريه ادهم و شاور علي الباب و وشه احمر من كتر العصبيه صرخ في الظباك

عرفات : خدو الكلب ده ل الانفرادي يومين ولا ياكل ولا يتمشي مع البقيه !

سحبو الظباط ادهم لحد الزنزانه الانفراديه فتحت بابها الي واضح ان بقاله كتير متفتحش مسكو جسمه و رموه في الزنزانه البارده الضيقه و جه نفس الصوت المزعج مره تانيه زي الانفجار في ودان ادهم صوت باب الزنزانه و مفاصله وهيه بتتقفل بعنف قعد يبصل للزنزانه الضيقه ضحك و مكنش مرعوب

ادهم : يومين ؟ ههههه مش مشكله عندي سنتين مش هخسر حاجه من يومين

قعد أدهم في الانفرادي يفكر في الماضي، بصّ لإيده وابتسم بسخرية... الإيد اللي عمرها ما مسكت ولا حتى شافت سلاح، لبّسوها حيازة سلاح سنتين ظلم. كان عقله صافي لأول مرة من فترة، يمكن لأن ماحدش معاه، يمكن لأن الوحدة أهدى من الضوضاء اللي في دماغه.

كان سرحان، عينه تايهة في الجدار اللي قدامه، مافيهوش هدف، مافيش حتى أفكار. لكن لما عينه نزلت للخاتم الفضي في إيده، منحوت يمكن من الزمن، ابتسم... حاجة شبه الراحة، أو حتى ابتسامة طايرة ماخدش باله منها.

"أنا بتلاشى...
مفيش مكان لصورتي، وعلى الشاشة صورة الباشا
صُفِّت في عيون الخلق، وتحت عيوني شَتِّت
قسَمنا كل شيء بالنُص، زعلت... وهي فرحت."

سحب نفس طويل، حسه بيتكسر بين ضلوعه، وبصّ لإيده المتورمة من الضرب، ضحك ضحكة مكسورة وقال بصوت أوطى:

"حزين...
لكن مش هين، أحكيلك وأبين
أنا بتكلم لما بيئس، العالم ده مش حنين
هيكعبلوك في مسوخ، هيعلقوك ويسبوك
هيعجزوك بحبك... وهيجوا عليك عشان معكش أبوك."

الزنزانة كانت زي القبر، كل نفس بيتحشر في صدره. رفع إيده الغرقانة ددمم، الخاتم لمع تحت ضوء خافت، كان بيقول الكلام بعشوائية، كأنه مش بيكلم حد غير نفسه... أو يمكن بيكلم حد كان موجود زمان، لكنه راح ومارجعش.

بعد ما عدّى اليومين بصعوبة من غير أكل، عايش على شوية ماية، خرج أدهم أخيرًا من الحبس الانفرادي. الحراس رموا جسمه جوه الزنزانة من تاني، وقع على السرير بتعب كأنه خلاص مش قادر. لسه هيغمض عينه لما سمع صوت ساخر بيخترق هدوء المكان:

فؤاد الحديدي: غريبة... ما دخلتش علينا برشاش وقتّلتنا كلنا؟

أدهم حاول يتجاهله، بس فجأة لقى نفسه بيضحك ضحكة خفيفة، شبه العيال الصغيرة لما تضحك على حاجة ملهاش معنى. قعد باعتدال على السرير وبص لفؤاد بعين تعبانة، بس كلها تحدي.

أدهم: ليه، فاكرني تاجر سلاح؟

قام فؤاد الحديدي و بدا يمشي في الزنزانه وهوه بيتكلم و ظهرت عليه الهيبه في كلامه و شويه من الغرور المدفونين تحت السطح

فؤاد الحديدي (وهو بيبص لأدهم بتركيز): لا، بس مستغرب شوية… مرة تضحك زي المجانين، ومرة تعجن الواد محمد لحد ما بعته المستشفى. مش بس كده، ده حتى هياخد عفو طبي ويخرج قبلك، بفضلك طبعًا. فاستغربت… انتَ المجنون الهادي اللي بيضحك على كل حاجة؟ ولا اللي القتل عنده زي شُرب المايه؟"

أدهم سكت. ابتسم بهدوء من غير ما يرد، كأن الكلام مش فارق معاه. عدت الأيام، لكن النوم كان بيهرب منه كل ليلة. قاعد وسرحان في الفراغ، لحد ما فجأة سمع صوت فؤاد بيكسر الصمت من تاني.

فؤاد الحديدي (بصوت هادي بس فيه فضول): "بس مقولتليش… انتَ هنا ليه؟ شكلك لا شكل واحد داخل بسلاح ولا خيانة. فيك حاجة مختلفة…

أدهم ضحك ضحكة قصيرة، وبص لخاتمه وهو بيلعب بيه بين صوابعه.

أدهم (بابتسامة مريرة): حب… وغباء

فؤاد رفع حاجبه، مستغرب من الجواب. الأسئلة بدأت تتجمع في دماغه، والفضول بدأ ياكل فيه. بص لأدهم، خد نفس من السيجارة، وبعدين مدّ له واحدة.

فؤاد الحديدي (وهو بينفث الدخان): خُد، دخّن… معندناش في الدنيا أكتر من الهموم، ولا عندنا وقت نضيّعه. احكي، يمكن حكايتك تهون الوقت

أدهم خد السيجارة، ولّعها بهدوء. هو عمره ما كان مدخن، بس يمكن الدخان يخفي ملامحه وهو بيحكي. عينه غيمت بالدخان، وكأن الزمن بيرجع بيه سنين ورا. سحب نفس بطيء، وبدأ يحكي بصوت هادي، كأنه بيتكلم مع نفسه أكتر ما بيتكلم مع فؤاد.

أدهم: قبل سنتين… لما كانت الأحلام بسيطة، وكنت فاكر إن بذرة الأمل هتطرح لو سقيتها بجهدي. مكنتش عارف إنها كانت بتطرح فشل

....

الجزاء الثاني


قبل سنتين *


لمعت مياه النيل تحت ضوء القمر، عاكسة بريقًا يشبه لمعة عيون نور، اللي كان جمالها مش مختلف عن هدوء الليلة دي. شعرها الأسود انساب مع الهوى، وعينيها البنية فيها شرود كأنها تايهة في الموج. وقفت جنب أدهم، إيده ماسكة إيدها، لكن التوتر كان واضح على وشها.


نور (بصوت خافت): حاسّة إنّي مخنوقة يا أدهم...


أدهم (بنبرة مطمئنة): إنتي بس مضغوطة، الموضوع مش مستاهل.


نور (والدموع بتلمع في عينيها): مش مستاهل بالنسبالك، إنما أنا... كل يوم الضغوط بتزيد، وكل ما أقول لأ، أمي تسألني: لحد إمتى؟


رفع أدهم إيدها لشفايفه، باسها بحنية، وعينه ما سابتش عيونها.


أدهم (بجدية): لحد ما أجي بنفسي، آخدك من إيدك على بيتي.


نور ابتسمت بخفة، لكن تحت ابتسامتها، كان الخوف لسه موجود... خوف من إن اللحظة دي تبقى مجرد حلم.


مشوا جنب بعض على الكورنيش، ورغم إن القلق في عيونها بدأ يهدى، إيدها كانت بتتحرك لا إراديًا، تلف خاتمها الفضي حوالين صوابعها. فجأة، أدهم مسك إيدها وخلع الخاتم، ولبسه في صباعه.


نور (باندهاش): بتعمل إيه؟


أدهم (بنبرة واثقة): هياخده معايا... عشان يوم ما ترجعيله، يبقى في بيتنا


نور ابتسمت، بس في قلبها، كان فيه إحساس غريب... إحساس إن كل ده ممكن يكون حلم، نهايته محفوظة زي أي قصة حب الواقع كسره


رجع أدهم لبيته، والخاتم في إيده كان بيلمع تحت نور اللمبة اللي في مدخل العمارة، كأنه بيفكره بالوعد اللي لسه قاله من شوية. رفع المفتاح وفتّح الباب بحماس، قلبه كان خفيف، مليان فرحة نادرة... فرحة كان محتاج يصدقها.


لكن أول ما دخل، وقف مكانه.


أمّه كانت قاعدة على الكنبة، مشغولة بصمتها. على عكس عادتها، كانت لابسة عباية سودا، وعينيها فيها حاجة مش مرتاحلها كان البيت ساكت بطريقه غريبه تكاد تكون مرعبه و مش شغال غير صوت مروحه السقف البسيط و ريحه البخور ادت جو غريب للبيت


أدهم (بقلق، وهو يقفل الباب وبيبص عليها): ماما... فيه حاجة؟


قامت زهره والده ادهم عدلت طرحتها و كان النور واطي في البيت عكس العادي عيونها كانت بتحكي سر اكبر من السكون بس الابتسامه علي وش ادهم خلتها تسكت او ممكن مكنتش عايزه تحكي


زهره ( بتوتر بعدت نظرها ) : لا يا ادهم مفيش روح انتا اوضتك ارتاح تلاقيك تعبان


بصلها ادهم شويه مكنش فاهم التغير الغريب بس ... لف ببساطه و مشب كئنه كان عارف ان فيه مشكله بس عقله مكنش عايز ولو ذره من الحزن في الحظه دي كان كل الي مهم هوه الخاتم الفضي المنحوت عليه اسمه بين صوابعه


ادهم ( بيقفل الباب و بص لوالدته بصه اخيره ) : امي انا في الاوضه لو عوزتي حاجه ناديلي


للحظه اتخيل ادهم انه سمع صوت همهمه او شهقه مكسوره بصوت مكتوم مركزش و قفل الباب وهوه بيسمع صوتها


زهره ( بصوت اقرب للهمس ) : ادهم باباك هيتئخر شويه في البلد هوه قالي اقولك كدا


استغرب ادهم من ورا الباب بس مهتمش كتير كدا كدا مكنش ب القرب الكافي من والده ... رمي جسمه علي السرير و طارت كل الافكار التانيه من دماغه و نور الاباجوره العالي انعكس علي اسمه المنحوت علي الخاتم وهوه بيحركه بين صوابعه و بيبصله بحب كئنه بيبص لنوره حتي لو كانت الضلمه برا الاوضه بتكبر و معاها حاجات كتير ادهم مكنش مستعد ليها


الصمت كان تقيل… مفيش غير صوت المروحة اللي بتزن في السقف. فجأة، الموبايل رن بصوت عالي، صوت جه مفاجئ وسط السكون، خلا قلبه يدق أسرع للحظة. أدهم زفر بضيق، بص في الشاشة، ولما شاف اسم عمر، لف وشه وسند ضهره على السرير، كأن المكالمة دي آخر حاجة محتاجها دلوقتي.


رن الجرس تاني، فمسك الموبايل بقرف ورد:


أدهم (بصوت ناشف وهو بيحط الموبايل على ودنه): الو يا زفت.


كان عمر صاحبه من سنين، يمكن من الطفولة… بس الزمن خد كل واحد فيهم في سكة. أدهم بعد عنه فترة بسبب شغله الشمال، لكنه كان عارف إن عمر مش هيبطل يحاول يرجعه.


عمر (بضحكة سخرية): ايه يا ادهوم، مالك؟ فصلتك وِنتَ مع المزة ولا ايه؟


أدهم شد نَفَس، ضحكة عمر دي كان حافظها، وكانت كفيلة تخلي نفسه يضيق.


أدهم (بتنرفز وهو بيحاول يقطع الكلام بسرعة): ايوه كنت مع أمك… عايز ايه يا عمر؟ متنجز، مش فاضي لك.


ضحك عمر ضحكته المعتادة، الضحكة اللي كانت بتضايق أدهم على طول، كأنها مستفزة عن قصد.


عمر (وهو بيضحك): مفيش يا عم، اهدا بس، كنت عايز أقابلك نشرب خربوش شاي ونتكلم في حوار كده عايزك فيه.


أدهم زفر بضيق، كان متوقع إن عمر مش بيتصل بالساهل. بص للخاتم اللي وقع من إيده، للحظة حس بفزع مش مفهوم، كأن جسمه برد فجأة. اتأخر وهو بيلمح انعكاس نور الأباجورة عليه، وبعدين شد نَفَس، مسكه ولبسه من تاني.


أدهم (ببرود وهو بيعدل الخاتم في صباعه): ماشي يا عمر، قابلني على القهوة بعد نص ساعة كده، هلبس وأنزلك.


قفل المكالمة وهو لسه حاسس بإحساس مش مريح، بس هز راسه، مش وقته يخلي تفكيره يسرح في حاجات ملهاش معنى.


قام أدهم، فتح باب أوضته، خرج وهو عدى من الصالة، الإحساس بالسر اللي أمه مخبياه كان بياكل في قلبه، بس مكنش عايز يفكر ولا يسأل دلوقتي نهائيًا. عدى جنبها وهو بيركز نظره في الباب، كأن عقله رافض يواجه نظرتها.


أدهم (وهو بيفتح الباب، بصوت عادي كأنه بيحاول يتجاهل أي حاجة): أمي، هنزل نص ساعة كده وجاي، عايزة حاجة؟


زهره كانت قاعدة بنفس الوضع، مغيرتش جلستها، بس عينيها اتحركت نحوه ببطء. فتحت بُقها، وبعدين قفلته، كأن الكلام كان محبوس جواها، وخايفة تطلّعه.


زهره (بحزن وصوت متردد، وهي بتحاول تبتسم بس مش قادرة): أدهم... أنا عايزة أقولك حاجة...


وقف أدهم مكانه، قلبه انقبض للحظة، الشعور البارد اللي حسه لما وقع الخاتم رجع له تاني. كانت مجرد جملة عادية، بس حسها تقيلة على ودنه.


أدهم (بتوتر، وهو بيحاول يضحك نص ضحكة تهوّن عليه القلق اللي مش فاهم سببه): حاجة إيه؟


زهره أخدت نفس، كأنها هتنطق بحاجة، بس فجأة غيرت رأيها. بصت بعيد، شدت طرف طرحتها، وحركت إيدها على حجرها في حركة متوترة.


زهره (بهدوء مش طبيعي، وعينيها مش بتواجهه): ... لا، مفيش، روح إنت، خلّص مشوارك... تروح وتيجي بالسلامة


بصلها ادهم لثانيه كان عارف ان في مصيبه هوه مش عارفها بس كانت الافكار الي جوه دماغه متسمحش خالص انه يقعد و يسمع مصايب زياده


أدهم (بتوتر وهو بيقفل الباب وراه، بنبرة هادية لكنها مترددة): طيب... لما أرجع نتكلم، سلام.


نزل أدهم على السلم وهو حاسس إن حاجة تقيلة مربوطة في قلبه. دماغه كانت شغالة ألف سؤال في الثانية، بس مكنش عايز يغرق فيها أكتر. زفر بضيق ومسح وشه بإيده، حس فعلاً إنه مُنهك، كأنه بيتسحب من جوه. فجأة، بص للخاتم الفضي اللي بين صوابعه، وللحظة، كأنه كل حاجة راحت، كأنه أخد نفس عميق جوه مخه. ابتسم بهدوء وهو بينزل السلم، خطواته بقت أخف، كأن الحمل اللي على كتافه اختفى.


لما وصل للقهوة، لمح عمر قاعد في الركن المفضل ليهم، رجله فوق التانية، بيهزها بإيقاع ثابت وهو بيشرب شاي. أول ما شافه، قام بسرعة ومد إيده.


عمر (بحماس وهو بيفتح دراعه لحضن سريع): إدهوووم! حبيبي، فينك مختفي؟!


ضحك أدهم وهو بيرد الحضن، حضن مطارات، حضن قديم بقاله سنين.


أدهم (وهو بيضرب عمر على كتفه بمزاح): موجود يا عر... بس إنت اللي مبسألش، إنت اللي فينك؟


قعدوا سوا، القهوة كان فيها الدوشة المعتادة، صوت كوبايات بتتخبط، شخير شيش، وضحك عشوائي في الخلفية. عمر سحب علبة السجاير وولّع واحدة.


عمر (وهو بينفخ الدخان بهدوء): مفيش، يا عم كنت مسحول في حوارات الــ...


قبل ما يكمل، أدهم زفر بملل ورفع إيده كأنه بيوقفه.


أدهم (بعصبية شوية وتأنيب واضح): الشمال.


عمر ( سكت لحظة، بص لأدهم ) :ما تعملش فيها شيخ "


أدهم كان لسه ماسك السيجارة بين صوابعه، عينه كانت متعلقة بعمر وهو بيتكلم، بس عقله كان في حتة تانية. سحب نفس عميق، حس بالدخان وهو بيملأ صدره، وبعدها زفره ببطء، كأنه بيحاول يطرد التوتر معاه.


أدهم (بهدوء وهو بيلاعب الدخان قدامه): عايز إيه يا عمر؟


عمر سابه لحظة كأنه بيقيس ردة فعله، بعدها ملامحه بقت جدية فجأة، اختفى منها الهزار اللي كان من شوية.


عمر (بهدوء لكنه واثق): سمعت إن صاحبي مزنوق في فلوس، قلت أساعده... ولا إيه؟


أدهم بصله لثانية، ضحك بسخرية وهو بيرمي السيجارة تحت رجله ويدعسها بكعبه.


أدهم (وهو بيعدل قعدته، نبرته بقت أخف بس عينه بتلمع بدهاء): لا يا عمر، مسمهاش مساعدة، اسمها إنك محتاج حد يشتغل معاك في البيع.


عمر ابتسم ابتسامة خفيفة، فيها نفَس العصبية، سحب نفس سريع من سيجارته، وبعدها ميل على الترابيزة.


عمر (بصوت واطي لكنه قاطع): مفرقتش التسمية، المهم إنك فاهم اللعبة. إنت دماغك حلوة وهتنفعني، وأنت عارف إن الفلوس اللي بتشقى عليها شهر، هتعملها معايا في طلعة نص ساعة.


أدهم كان عارف إن الكلام اللي عمر بيقوله حقيقي... بس هل ده معناه إنه لازم يمشي في السكة دي؟


فضل السكوت كذا دقيقة، أدهم فعلاً كان بيفكر... هيفضل لحد إمتى كده؟ الفلوس مش هتنزل عليه من السما، والشغل اللي بيعمله مش عمره هيجوزه نور. بس لحظة واحدة، حاجة جواه صحته، مسحت الفكرة من دماغه تمامًا.


أدهم (بثبات، وهو بيبص في عين عمر مباشرة): عمر، أبويا معلمنيش ودخلني مدارس وجامعة عشان أنزل أصرفلك وأبيعلك.


عمر بصله ثانية، صوابع إيده كانت بتضغط على الكرسي لحد ما عروقه بانت، عض على سنانه وظهر خط فكه بحدة، بعدها خبط بإيده على الكرسي بقوة.


عمر (بعصبية وصوته بيعلى): يعني عايز تقنعني إنك كده مرتاح، يا أدهم؟ افهم يا ابني، أنا مش هضرك! **** مخلقناش عشان نعيش مدفونين... بنعيش عشان نشتغل ونكسب!


الناس بدأت تبص لهم، وأدهم حس بالتوتر بيزيد، بس حاول يفضل هادي، رغم إن كلام عمر تسلل لعقله لثانية... لثانية واحدة بس.


أدهم (بتوتر لكنه مصمم): بس برضه، مخلقناش عشان نضيع عبادتنا يا عمر! نبيع وإحنا عارفين إن أول كمين أو كبسة هنتحط في كلبوش!


عمر ضحك بسخرية، هز راسه كأنه مش مستوعب كلام أدهم، وبعدها مال عليه شوية.


عمر (بهدوء لكنه مليان استفزاز): وأنت فاكر إنك كده بعيد عن الكلبوش؟ ولا فاكر نفسك عايش في فيلم أبيض وأسود؟ الدنيا يا أدهم مش ماشية بالمثالية اللي في دماغك... إنت بس مش عايز تشوف الحقيقة!


سكت ادهم شويه كان حاسس فعلا ان كلام عمر صح مهما حاول انكار ده عقله بيصورله طريق واحد اصل ايه الي هيعلمه غير الطريق ده هل كان اصلا عنده طريق تاني وهوه رفضه ؟


عمر ( حس ان ادهم فعلا بدا يتقنع فضغط اكتر ) : يا ادهم دي الحقيقه لو بتدور كلام ابوك مزور انسي انك تمشي جمب الحيط عشان متجيش


زاد سكوت أدهم شوية، كأنه بيحاول يلاقي ثغرة في كلام عمر يقدر يمسكها ويكسر منطقه، بس الحقيقة؟ الكلام كان فيه جزء منطق، حتى لو كان ضد مبادئه.


أدهم سحب سيجارة، ولعها بسرعة، وملاحظش إن إيده بترتعش شوية. خد نفس، ونفخه بحدة كأنه بيطرد الأفكار اللي بتزن في دماغه، بس صوته غصب عنه بدأ يعلى:


أدهم (بعصبية وهو بيشاور بالسيجارة): عمر، الفكرة مش كده! أنت مش متخيل فيه كام واحد هيتأذي من تحت تجارتك؟ أنت باصص للفلوس بس، بس هل فكرت في الناس اللي هيدمنوا؟ اللي حياتهم هتبوظ؟ اللي هيموتوا بسبب الكيف اللي هتبيعه؟


عمر سحب نفس عميق من سيجارته، نفخه براحة، وبص لأدهم بنظرة ثابتة، كأنه عارف إنه بيصارع نفسه أكتر ما بيصارعه هو. ابتسم بسخرية، وضحك بخفوت، كأنه بيكلم *** صغير:


عمر (بهدوء مستفز): أدهم، انت عامل زي العيال الصغيرة، لسه عايش في المدينة الفاضلة بتاعة الكتب اللي كنت بتقراها زمان؟ فكّر شوية، هو في حاجة في الدنيا بدون مقابل؟ حتى عبادة **** بتيجي بمقابل، هو لولا طمع الناس في الجنة كانت الدنيا أصلاً باظت من زمان!


اتوتر أدهم أكتر، فجأة سحب سيجارة جديدة، ولعها بسرعة، وسحب نفس عميق كأن الدخان بيحاول يطفي النار اللي شبت جواه. بس لا، النار زادت. تبغ السيجارة ولع زي ما مبادئه كانت بتتحرق لحظة ورا التانية.


فجأة، ضرب الطربيزة بكفه بعنف، الصوت كان حاد، خلا كام زبون يبص ناحيته.


أدهم (بعصبية وانفعال): لا يا عمر! مش للدرجة دي... مش هنقتل الناس بالكيف عشان شوية فلوس!


أول ما خلص الكلمة، سكت. حس إنه فقد السيطرة، وكأنه قال حاجة مش المفروض يعترف بيها. رجع ضهره للكرسي، أخد نفس جديد من السيجارة، بس المرارة كانت واضحة على وشه.


عمر فضل ساكت، بس عينيه كانت بتلمع بانتصار خفي. ابتسامة صغيرة ظهرت على طرف شفايفه، كأنه كان متأكد من اللحظة دي، اللحظة اللي أدهم فيها فقد دفاعه الأول.


أدهم فجأة رمى السيجارة، قام بسرعة، عدل هدومه، وحاول ينهي النقاش قبل ما يضعف أكتر.


أدهم (بصوت محايد، وهو بيظبط كمه): عمر، هنتكلم بعدين في الحوار ده، دماغي مشغولة دلوقتي.


بصله عمر بنفس الابتسامة الصغيرة، وسحب نفس طويل من سيجارته، وكأنه كان مستني اللحظة اللي أدهم هيقول فيها "بعدين" بدل "لأ"


زي المجنون، مستناش رد من عمر، مشي بسرعة واختفى وسط الناس. سابه واقف وراه، بس ساب معاه حاجة تانية... فكرة، شك، إحساس غريب إنه مش هو نفس الشخص اللي كان من شوية. حاجة جواه اتكسرت، أو على الأقل، اتغيرت. طعم الدخان في بُقه كان أمرّ من العادي، كأنه بيحرق لسانه، بس مكنش عارف هو الدخان اللي مُرّ، ولا الدنيا كلها بقت كده.


كلام عمر كان لسه بيتردد في دماغه، كل كلمة كان لها صدى جوه عقله، بتحفر جواه حاجة مش عايز يعترف بيها. خطوته كانت تقيلة، كأن رجله مش عايزة توديه للمكان اللي رايحه، لحد ما فجأة رفع عينه...


واقف قدام باب الشقة.


من إمتى؟ ساعة؟ أكتر؟ هو نفسه ميعرفش. الحيطة اللي قدامه كانت بتلف، مش لأنه تعبان، بس لأنه حاسس إنه مش في مكانه، مش هنا، ولا هناك، ولا في أي حتة مفهومة


زهره ( وهيه بتفتح باب الشقه ) : ادهم ؟ ... ليه واقف كدا


كان ادهم سرحان عينه فاضيه بس فاق علي صوتها حاول يرجع لطبيعته رغم الاعصار من المشاعر و المبادئ الي كانت جواه


ادهم ( بيحاول يبتسم ) : مفيش يا امي المهم


دخل ادهم معاها و كان زي المسحور لدرجه انه ملاحظش الحزن و عيونها الحمراء الي كانت منفوخه من كتر الدموع صوت المروحه المزعج و الهدواء الي كان مرعب رعبه شويه والدته ؟ ... كانت في عالم تاني خالص كئنها مش مستوعبه و بعد لحظه صمت


زهره ( وهيه بتمسح وشها ) : ادهم .... عايزه اقولك حاجه بس خليك هادي.


رفع ادهم عينه و لاحظ عيونها الحمراء كل الخيوط اتجمعت في عقله ادهم مكنتش غبي بس يمكن عقله مكنش عايز يستوعب


زهره ( دمعه نزلت علي خدها ) : ادهم ... ابوك مات


سحب ادهم نفس عميق مكنش بيحب والده ؟ دي حقيقه مشاعره ناحيه والده كانت غريبه بس الاكيد انه مكنش بيكرهه بشكل كامل علي الاقل .. كانت تعبيره بارد كل حاجه جواه هديت فجئه كئنه سمع جمله عاديه لف بعينه في الشقه الفاضيه بعدها رجعت ل زهره وهيه بتعيط و بصوت هادي


ادهم ( ببرود تام ) : دفنتوه ؟


شهقت زهره وهيه بتعيط و كان الكلام مر علي لسانها امر من اي سم


زهره ( وهيه بتمسح دموعها ) : لسه كنت مستنياك عشان اقولك و نروح ندفنه في البلد


حط ادهم ايده علي راسه كانت المشاعر بتطلع بسرعه تحت وشه البارد مشاعره قطعته زي سكينه بس .. مكنش قادر ينزل دمعه واحده او حتي يحزن كان بس .. هادي.


ادهم ( وهوه بيقوم ) : بكره هنروح.


قام ادهم و ساب امه بتكي كان محتاج حد يواسيه مكنش قادر يواسي حد .. وقف قدام المرايه بص لملامحه لمح ابوه لثانيه في شكله في ثانيه كانت ايد ادهم غرقانه ددمم و الزجاج متكسر و في الشظايا المتطايره كشفت عن دمعه نزلت علي وشه
في اليوم التاني، كان أدهم واقف قدام المراية. لفّ كام قماشة بيضا على إيده وهو بيبص لشظايا الزجاج المتناثر. البدلة السودة كانت متفصلة على جسمه، بس مش لفرح… لسخرية القدر، بقت بدلة عزاء.


ابتسم بسخرية، لمّ هدومه وخرج من الأوضة. ماردش على أي كلمة… كأن الكلام نفسه ماكانش بيوصل له.


ركب عربية أبوه وبدأ يسوق، عقله تقيل، مشاعره متلخبطة، وكأن الطريق نفسه بقى جزء من دوامة أفكاره.


زهره (بصوت مخنوق وسط دموعها): أدهم… حاول متتكلمش مع عيلة أبوك… وبالذات جدك… حاول تسايسهم، احنا مش عايزين مشاكل.


أدهم (بعصبية، وهو بيخبط على الدركسيون): مش هاممني رأيهم! أنا رايح أدفن أبويا، واللي هيفتح بقه هيدفع التمن. الناس دي عمرها ما كانت أهلي… لو سابوني، هسيبهم، بس اللي هيتكلم…


سكت أدهم لحظة، بس ملامحه قالت كل حاجة. كان في حافة الانفجار، وأي كلمة زيادة كانت كفيلة تشعله


في نفس اللحظة، كان التليفون بيرن... نور. في الحقيقة، هي كانت بترن طول الليل، لكن أدهم كان متجاهل. عارف إنها مش هتبطل تحاول، وعارف إن جواه حاجة بتقوله يرد، لكنه اختار يتجاهل. عزلته كانت أرحم. شاف في الوحدة عزاء، وفي الهروب راحة. بص للتليفون للحظة، وبهدوء، بدون أي تردد، ضغط على الزر الأحمر.


أدهم (بهدوء وهو بيقفل التليفون): مش وقته.


في اليوم الي بعده كان ادهم وصل ل اصوان نزل من العربيه قدام بيت العيله كان البيت كبير و الرجاله المسلحه في كل مكان هوه كان عارف ان عيله ابوه كبيره بس هل ده ليه معني عند ادهم ؟ ببساطه لأ


في اليوم اللي بعده، كان أدهم وصل أسوان. نزل من العربية قدام بيت العيلة، رفع عينه للسور العالي، للرجالة اللي شايلين سلاح واقفين عند البوابة. كان عارف إن عيلة أبوه كبيرة، بس هل ده فارق معاه؟ ببساطة، لأ.


أخد نفس طويل، زفره ببرود، وساب كل حاجة وراه وهو بيتقدم لجوه.


جمال (بصوت بارد، كأنه بيتأمر عليه): اتأخرتوا.


أدهم بصله لحظة، عينه كانت فاضية، لا اهتمام ولا حتى استهزاء. كأنه مش موجود. عدى جنبه ومشي على طول، راح عند القماش الأبيض الملقى على التُراب.


ركع على ركبه، مده إيده بحنان غريب على القماش، حس ببرودة الموت تحت أطراف صوابعه. لا دموع، لا صدمة، بس فراغ. فراغ قاتل.


سميه (بصوت عالي، كله قرف): مش عمك بيكلمك يا حيوان انت؟ هتجيبو منين؟ مهو من أبوه!


قبل ما تكمل، قبل حتى ما الناس تلحق تستوعب، أدهم ضرب النعش الخشبي بإيده بقوة، الصوت جه حاد زي صوت الطلقات في المكان الواسع. رفع عينه لسُميّة، كانت عيونه الخضراء في اللحظة دي مش مجرد غاضبة… كانت زي السكاكين.


أدهم (صوته عالي هزّ القصر، لهجته تقيلة، صعيدي صرف): سكّري فمك يا حرمة!


كل اللي في المكان سكتوا، حتى الهوا وقف. مفاجأة… مش بس في قوة الرد، لا، في اللهجة اللي نطق بيها. اللهجة اللي كان دايمًا بعيد عنها.


قبل حتى ما حد يلحق يعترض، لف أدهم وبص مباشرة لجده، جبار، كبير العيلة.


أدهم (بعينين بتقطع زي حد السيف): من إمتى الحريم بيعلي صوتها عن صوت الرجالة؟


صمت تام. حتى سميّة، اللي لسه كانت بتزعق، لقت نفسها بتبلع ريقها ومش عارفة ترد. أما جبار، فكان واقف بهيبته، شفايفه مالت بابتسامة خفيفة وهو بيبص لأدهم… حفيده.


في اللحظة دي، وقبل ما حد يستوعب، إيد جبار اتحركت بسرعة.


طق!


كف نزل على وش سميّة، صوت الضربة دَوّى في المكان.


جبار (بصوت تقيل، وهو بيمدّ إيده ويضربها بعرض يده): ما تنسيش نفسك يا سميّة… انتي في بيت الديب!


سميّة شهقت، رفعت إيدها على خدها، بس مقدرتش تنطق. المكان كله كان ساكت.


جبار سابها ولف ناحية جمال، رفع نبوته اللي كان منقوش عليه بالذهب كلمة "الديب"، وثبّت عينه عليه.


جبار (بصوت تقيل، وهو بيشاور بالنبوت على جمال): علِّم مراتك الأصول يا جمال… وإلَّا نعلمها احنا!


لف بعدها جبار ناحية أدهم، وظهرت ابتسامته. كان فاهم ذكاء حفيده، اللي بكلمته حط رجالة العيلة كلها في كفة، وكلمة سميّة في كفة، وأجبر جده يتدخل. يا إمّا كان هيسيب ست تهين رجالة الديابة، يا إما ياخد موقف... وجبار كان فاهم ده كويس، وقدّر ذكاء أدهم.


جبار (بفخر وهو بيهز راسه): **** يرحم أبوك يا أدهم… كان ديب، وخلف ديب… عضَّته والقبر!


ابتسم ادهم ابتسامه خفيفه بس مردش كان فيه تفاهم صامت بينه و بين جده و ظهر الشبه بينهم بعدها رجع ادهم لجثه والده شالها و حطها في النعش الخشبي


صمت تام. الكل كان بيراقب أدهم وهو بيرفع جثة والده بحرص، كأنها أثقل من مجرد وزنها. حطها جوه النعش الخشبي، ومدّ إيده على الغطا، لكن قبل ما يقفله، وقف لحظة وبص لملامح والده الباهتة، حسّ بحاجة غريبة... لا حزن، لا غضب، بس فراغ.


جبار (بهدوء وهو بيراقب حفيده): نطّو الفاتحة للمرحوم.


كل الرجالة وقفوا في لحظة واحدة، صوتهم ارتفع مع بعض وهم بيقروا الفاتحة. بس أدهم كان صامت، عيونه كانت متعلقة بوجه والده، كأنه مستني منه ردّ، كلمة أخيرة، نظرة... لكن الموت ملهوش ردود.


بعد لحظات، قفل النعش بإيده، وضرب عليه بكفه ضربة خفيفة، كأنه بيوّده للمرة الأخيرة.


جمال (بحقد وهو بيهمس لواحد من الرجالة): ديب مين بس؟ ده عيل متكبر، وجبار بيعامله كأنه ولي العهد!


الراجل (بخوف وهو بيبص على أدهم): حتى لو كان... مش شايف عيونه؟! الولد ده مش عادي.


في اللحظة دي، أدهم رفع عينه ناحيتهم. كان سامع، أو حاسس، بس ماردش. سابهم، ووقف جنب النعش، مستني الرجالة تشيله عشان يودّوه لمثواه الأخير.


نور كانت لسه بتتصل. الموبايل بيرن في جيب الجاكيت الأسود، لكن أدهم كان في عالم تاني. عالم مليان صمت، تراب، وريح خفيفة بتحرك أطراف الجلابيات السودة اللي حواليه.


عينه لمحت حاجة بتلمع جوه جلابية جمال.


مفيش تردد. اتحرك ناحيته، وسط نظرات الرجالة اللي واقفين زي الأصنام، حتى جبار كان بيراقب بصمت.


مد إيده جوه جلابية جمال، سحب المسدس براحة، ورفعه قدام عينه.


"الديب."


الكلمة كانت محفورة بالدهب على جنب المسدس. مسدس والده، اللي المفروض كان مدفون معاه.


أدهم بص للمسدس لحظة، بعدين رفع عينه لجمال. مفيش كلمة. مفيش انفعال. بس نظرة واحدة كانت كفاية تخلي الوشوش تتغير.


أدهم (بصوت هادي لكنه قاطع): "أبويا قاللي: أوعى تسيب حقك."


حط المسدس في جيبه، وبدون ما يبص تاني، لف ورجع ناحية النعش.


الصمت كان خانق. جمال وشه اسود، والرجالة بصوا لبعض. ازاي وسط كل ده... كان بيفكر يسرق؟


جبار لاحظ كل حاجة. لكن ملامحه مكنش فيها غير ابتسامة خفيفة، وهو شايف حفيده بياخد حقه من غير ما ينطق بكلمة زيادة.


أدهم مد إيده، رفع النعش و جه جده و رجاله العيله رفعوه معاه صوت سويط النسوان و عياط زهره ام ادهم كان ملي القصر ولكنه اتبخر و اختفي تدريجي و الرجاله بيبعدو و رايحين ناحيه المقابر ادهم كان بيمشي وهوه في عالم موازي عينه فاضيه مفيش دموع او وجع بس فراغ رهيب


جبار ( حط ايده علي كتف ادهم ) : ادعيله يا ولدي ادعيله


جبار مكنش فاهم بس ادهم من كلمته بس نزلت دموعه و بدا يدعي وهوه ماشي بصوت واطي اقل من الهمس لحد ما وصلو للمقابر


نزل الرجالة النعش، وإيد أدهم كانت مسكة القماش الأبيض بقوة، كأنه عايز يتمسك بآخر أثر من والده. عيناه كانت ثابتة عليه، كأنه بيحاول يحفر ملامحه الأخيرة في عقله. لكن مع لمسة خفيفة من جبار على كتفه، ساب القماش ينزلق من بين أصابعه والنعش ينزل تحت.


أدهم مسك الجروف، وبدأ يرمي التراب ببطء، كل حفنة تراب كانت تقيلة على إيده، لكنها أتقل على قلبه. للحظة، التراب تحرك وكشف جزء من وش والده... كانت الابتسامة لسه مرسومة على ملامحه.


المنظر ضرب أدهم في مقتل. ابتسامة قبل الموت؟ كأن أبوه كان مستعد، كأنه مات وهو عارف إن اللحظة دي هتيجي.


صوت زهره كان بيعلي، بكاها ملي المكان، لكن أدهم كان عامل زي التمثال، مش قادر حتى يبص ناحيتها. كمل يرمي التراب، كأنه بيحاول يخفي الإحساس اللي جواه مع الجثة اللي بتختفي تحت الأرض.


جبار بصله، كان فاهم إن مفيش كلمة ممكن تهون عليه دلوقتي. كل اللي يقدر يعمله هو إنه يسيب الزمن يعمل شغله


....


لف دخان السيجارة على وش أدهم، والطعم المر رجعه للواقع من تاني. بص لفؤاد اللي كان مستنيه يكمل، لكنه نفخ الدخان ببطء


ادهم ( بصوت هادي و برود ) : كفايه كلام عني المهم انتا ايه الي جابك هنا


رجع فؤاد بظهره على الكرسي، وعليه نظرة حزن خفيفة.


فؤاد الحديدي (بهدوء وحزن): غباء.


ضحك أدهم بصوت واطي، سخرية أكتر منها تسلية.


أدهم (بسخرية): متقلقش، كده كده شوية وهتنسى.


بصله فؤاد لحظة قبل ما يبتسم، رفع سيجارته، وسرح شوية وهو بيتأمل أدهم بنظرة هادية.


فؤاد الحديدي (وهو بيدخن): مش انت اللي هتنسى يا أدهم... زمان قرأت جملة بتوصف حالنا دلوقتي، بتقول: 'الزمن ينسينا ما نحب، ويعوضنا ما نكره'.


أدهم سكت لحظة، حط سيجارته على جنب، كأنه لقى في الكلام حاجة منطقيّة، أو يمكن حاجة كان عايز يسمعها.


أدهم (بهدوء): بس الحب مبيتنطبقش عليه القاعدة دي.


فؤاد الحديدي (بابتسامة خفيفة): ده بالنسبالك... إنما أنا طول عمري بحب بعقلي، مش بعواطفي.


أدهم فضل ساكت، يفكر في الجملة... بس ملقاش لها تفسير، أو يمكن عقله رفض يفسرها. فسأل بفضول حقيقي:


أدهم: وهو فيه فرق بين العقل والعواطف في الحب؟


فؤاد خد نفس عميق، ورمى نظرة هادية قبل ما يرد:


فؤاد الحديدي: فرق كبير أوي يا أدهم... لو حبيت بعواطفك، هتصادفك خيانة وغش وخداع.


أدهم (بتركيز): وإذا حبيت بعقلي؟


فؤاد بصله وابتسم، كأنه كان مستني السؤال ده بالذات.


فؤاد الحديدي (بابتسامة هادية): مش هتلاقي حاجة من دي أبدًا


سرح أدهم في الكلام لفترة، وهو بيسترجع الأيام اللي فاتت، شهر عدى على الحال ده، كان خلاله قرب جدًا من فؤاد، حسّ إنه فيه حاجة شبه أبوه في طباعه، وده اللي خلاه يقضي معظم وقته معاه.


وقت الغداء، فؤاد قطع الصمت وسأل وهو بيرفع المعلقة ناحية بُقه


فؤاد : بس لسه مقولتليش، إنت إيه اللي جابك هنا؟


رفع أدهم عينه لفؤاد، عقله كان بيلف ما بين ذكرياته، كأنه أخيرًا مستعد يحكي… بس فجأة، حسّ بحاجة غلط.


عينه لمحت حركة سريعة، حد بيقرب من ورا فؤاد، إيده متشنجة، وفيها حاجة صغيرة بتلمع تحت نور المبه الي فوقهم.


في لحظة، كل حاجة جواه صرخت بالخطر. قام بسرعة، اتقدم خطوة احترازيه صوته كان هادي بس مش طبيعي، كأنه بيتنبئ بلي كان هيحصل


ادهم : هحكيلك بعدين.


وفي أقل من ثانية، اللمعة تحولت لشفرة، والمسجون ضرب بكل قوته، السكينة اخترقت جسم أدهم، الألم كان صادم، بارد، مفاجئ.


صوت فؤاد كانت آخر حاجة سمعها قبل ما نظرته تسودّ…


الجزاء الثالث

ضباب… ده كل اللي أدهم كان شايفه. فتح عينه بضعف، حس بحبال شادة جسمه، حاول يتحرك لكن مفيش فايدة. النور بدأ يدخل عينه ببطء.

قدامه، كان في مراية… بس الانعكاس اللي فيها مكنش طبيعي.

الابتسامة الباردة، العيون السودة اللي مفيهاش رحمة، الجلد المتشوه وكأنه اتحرق، والشعر الأسود المنكوش… لكن أكتر حاجة رعبته كانت العيون الخضرا اللي بتبصله كأنها بتحفر جواه.

أدهم كان بيبص لنفسه.

الانعكاس (بابتسامة خبيثة): مفاجأة، صح؟!

الانعكاس ابتسم… بهدوء غريب. قام من كرسيه، ومفاجأة… خرج من المراية، واقف قدام أدهم.

ادهم ( برعب و توتر ) : ازاي!

الانعكاس (بابتسامة هادية، وعينين حادة بتلمع بخطر): مش مهم إزاي… المهم إني هنا.

وفجأة!

صوت صفعة قاطع الصمت.
الألم لسع وشه، ودماغه لفت… الضربة كانت من الانعكاس!

صوته انفجر في المكان كله، غضبه كان مرعب.

الانعكاس (بغضب، صوته بيجلجل في الفراغ وهو بيضربه تاني): انت فاكر نفسك مين؟!
ملاك نازل من السما؟ جاي تنقذ ده، وتضحي عشان ده؟!
ولا تكون نسيت اللي اتعمل فينا؟!

أدهم سكت… لكن صوت الانعكاس كان بيشق روحه زي سكينة بتقطع في اللحم الحي.

وفجأة!

قبضة الانعكاس نزلت على راسه، شدها بعنف وواجهه بالمراية.
صوته انفجر في ودانه، كأنه جاي من جوه عقله نفسه!

الانعكاس (بصوت عالي، صدى صوته بيرج المكان): لو ناسي… أفكرك باللي فات، اللي انت فاكر إنه هيعدي!

رعب… حقيقي. لأول مرة حس إن الخوف بيمشي في دمه زي سم بطيء.
حاول يتكلم… مقدرش.
الصوت اتحشر في حلقه، وكأنه حد كتم نفسه بإيده.

المراية اسودت… الشرخ الأول ظهر في سطحها، وبعدها… الصور اتبدلت.

أدهم… واقف، وحيد، قدام قبر أبوه.

الرياح الباردة لفت حواليه، كأنها بتهمس له بذكريات كان فاكر إنه نسيها. التراب تحت رجله كان ناشف… بس في قلبه كان طري، مستعد يبلع أي أمل لسه باقي.

فجأة… كل حاجة حواليه بقت أغمق.
الصوت اتغير، الهوا بقى تقيل…

قبل سنتين.

كان الليل بدأ يرمي ظله، الهوى بارد كأنه بيشارك في الحزن، صوت نعيق غراب بعيد زاد إحساس الوحدة

وقف وحيد قدام القبر و كان حاسس كئنه في حفره منغير قاع، كان نفسه يسمع ولو كلمه من ابوه حاول يكتم بكاه لحد اخر لحظه بس غصب عنه نزلت دموعه و هوه بيمسح التراب عن القبر كئنه بيحاول يمسك في حاجه عارف انها مش هترجع

جر جسمه بالعافيه و بعد بخطوات صعبه .. كائن رجله مربوطه بسلاسل تقيله بس هل كان ليه خيار الرجوع ؟ .... مشي لساعتين لحد ما وقف قدام القصر

خطواته كانت تقيلة، عينه مرفوعة بالعافية، شايف الجو الهادي قدامه بس الحريق اللي جواه كان عامل دوشة في دماغه.

العيلة كلها قاعدة، وشوش مختلفة، نظرات متباينة... شاف الحزن، شاف اللي شمتان، وشاف حتى الفرحان في مصيبته. بس أكتر حاجة شدته كانت نظرة جده جبار... نظرة مكسورة بس ثابتة، فاهمة.

قام جبار، فتح دراعاته، حضنه. الطبطبة على راسه كانت تقيلة، كأنها بتقول "عارف اللي فيك، بس شد حيلك". مسك إيده وسحبه يقعد. أدهم ساند راسه على كتفه، للحظة حسّ بأمان زائف، راحة عمرها ما هتكمل.

جمال (بابتسامة جانبية، بنبرة فيها استغلال واضح) : أنا آسف يا أدهم، بس مافيش وقت للمواساة... دلوقتي وقت الورث، ولا عايز نأجل—

طاخ!

قبل ما يكمل، الصوت دوى في المكان.

طلقة واحدة في السقف.

العيلة كلها تحجرت مكانها. التراب نزل من السقف ببطء، والدنيا سكتت.

أدهم كان لسه ساند على كتف جده. بس عينه؟ فاضية... سودة، مرعبة.

أدهم (بهدوء قاتل، نبرته عاملة زي السكين البارد) : النهارده أبويا مات… بلاش يكونوا اللي ماتوا اتنين.

مد جبار ايده و سحب المسدس من ايد ادهم و حطه في جلبيته

جبار ( وهوه بيبعد المسدس ) : هدي يا ولدي

بص لثانيه لجمال كان عارف ان كلام جمال كان صح بس في الوقت الحالي كان ادهم في اخر نقطه في القاع و ادني استفزاز هيكون بيحفر قبره

جت زهرة بسرعة، حضنت أدهم وهي بتعيط بحرقة.

كان جسمها بيرتعش، بس أدهم رفع راسه وضمها لصدره، حس بإيدها اللي ماسكة فيه كأنها خايفة يختفي. أخد نفس عميق، عدل جلسته، رجع له اتزانه. مش وقت انهيار، ولا هو أصلاً مسموح له ينهار؟ الإجابة كانت بسيطة: اللي يقع بين الديابة… يتاكل.

جبار (وهو بيضرب الأرض بعكازه بقوة) : هنبدأ الكلام… لازم نشرح لأدهم أصول التوريث في العيلة.

سكت المكان. أدهم رفع عينه ناحية جده، الراجل العجوز اللي كان ثابت زي الجبل، نظرته تقيلة، مفيهاش أي تعاطف.

وقف جبار، راح للكرسي الكبير، قعد عليه ببطء، سحب نفس عميق وبص لأدهم مباشرة.

جبار (بصرامة) : أول حاجة لازم تفهمها، إننا في العيلة بنشتغل شغل خاص. يعني مفيش حد فينا عنده فلوس لوحده، فلوسنا واحد. أبوك كان زينا… لحد ما خرج من العيلة، راح القاهرة واتجوز والدتك. خد نصيبه، واشترى البيت اللي انتو ساكنين فيه دلوقتي. بحكم ده… ولا حد فينا ليه حق في ورثه. هو خرج من زمان… براه.

أدهم سمع الكلام كله، عينه كانت مركزة، بس ملامحه مكنتش بتتحرك. أومأ برأسه ببطء.

كان فاهم… بس الحقيقة؟ مكنش مهتم. الورث، الفلوس، كل ده كان آخر حاجة في دماغه

جبار (بهدوء، لكن نبرته تقيلة): أدهم… لو عايز، ممكن ترجع لينا تاني، زي ما كان أبوك. انت مالكش ذنب تشيل ذنبه.

أدهم سحب نفس بطيء، رجع راسه لورا، لحظة صمت وهو بيشوف صورة أبوه في خياله… ضحكته، صوته، الأيام اللي قضاها معاه. افتكر آخر كلمة قالها له، كأنه كان حاسس:

"أوعى تشتغل في شغل الديابة يا أدهم."

رجعت نظرته لجده، ملامحه هادية، ابتسامة صغيرة على طرف شفايفه.

أدهم (بابتسامة هادية، لكن صوته حاسم): مش هينفع يا جدي… عندي شغلي وحياتي، مش هقدر أدخل في شغل العيلة.

لحظة صمت. جبار أخد نفس، اتنهد بخيبة أمل خفيفة، لكنه مخلاشها تبان عليه، قبل ما يفتح بقه…

جمال (وعينيه بتلمع بمكر وهو مستفز): يبقى تسلّم المسدس… مسدس الديب الكبير، حق العيلة.

نظرة أدهم اتحولت ليه، البسمة فضلت على وشه، بس بقت أبرد. بهدوء، رفع المسدس، لفه، وصوّب ناحيه دماغ جمال، إصبعه على الزناد.

أدهم (بابتسامة ساخرة وهو بيسند المسدس على راس جمال): تعال… لو قدرت، خده.

سحب أدهم المسدس ببطء… قام من مكانه، عيونه كانت هادية، لكن فيها قوة، بصّ لجمال، الابتسامة الساخره ما فارقتش وشه.

مشي بخطوات ثابتة ناحية جبار، ولما وصله، مسك إيده بحنية نادرة، نزل وباسها، بعدين لف إيده، وحط فيها المسدس.

أدهم (بصوت عالي هزّ القصر، عيونه بتلمع بتحدي): مسدس كبير العيلة لواحد بس… كبير العيلة هو اللي ليه الحق فيه، ولا حد غيره!

لحظة صمت. كل العيون عليه، البعض انبهر، البعض اتضايق، جمال عض على أسنانه، بس معرفش يرد.

جبار بصّ لحفيده… شاف فيه شيء كان فاكره ضاع من العيلة. طبطب على كتف أدهم، لمعة فخر في عيونه، قبل ما يضحك ضحكته التقيلة

جبار (بضحكة هادية، لكن كلماته كانت تقيلة بالمعنى): زي أبوك يا واد… ومني ليك، مكانك محفوظ، يوم ما ترجع… طول ما أنا على وش الأرض، ليك مكان، ولي أبوك كمان

جبار ضحك بهدوء وهز رأسه، كأنه فهِم حاجة محدش غيره استوعبها، بعدين طبطب على كتف أدهم مرة أخيرة.

جبار (بابتسامة خفيفة): الديب ما بيتأخرش على وكْره… بس الدنيا غدّارة يا واد، خليك دايمًا صاحي.

أدهم شد ضهره وعدّل جاكيته، لَفّ عينه على القصر للمرة الأخيرة، كأنه بيطبع المكان في ذاكرته قبل ما يمشي. شاف نظرات مختلفة من أفراد العيلة—فيها اللي مستغرب، واللي حاقد، واللي شايفه بنظرة مزيج بين الإعجاب والخوف.

بصّ لجده، ابتسم نفس الابتسامة الهادية اللي حافظ عليها طول القعدة، بعدين خطى أول خطوة ناحية الباب.

أدهم (بصوت هادي، لكن فيه نبرة ثقة): يادوب نلحق نرد على القاهرة…

وخطوة بعد خطوة، خرج من باب القصر… لكنه كان عارف، جواه، إن الخروج من هنا مش معناه إن العيلة خرجت منه

أدهم خد نفس عميق، لكنه ما ردش، بس عينه كانت ثابتة قدام الطريق، كأنه مش شايف اللي حواليه. صوت العربية كان الوحيد اللي بيكسر الصمت بينهم.

زهره (بهدوء وهي بتبصله): أنا عارفه إنك متحمل فوق طاقتك… بس يا أدهم، الحزن اللي جواك لو سبته يكبر، هيأكلك

ضغط أدهم على الدركسيون شوية، كأن كلامها خبط في حتة جواه هو نفسه مش عايز يفتحها. لف وشه ناحيتها للحظة، وبصّ في عينيها، شاف فيها خوف الأم، مش مجرد حد بيعزيه وخلاص.

أدهم (بهدوء، لكن صوته كان جاف): أنا مش زعلان يا امي ...

رجع ببصته للطريق، وزهره سكتت… لأنها عرفت إن الكلام مش هيوصل له دلوقتي، وإن الصمت ساعات بيكون أحن من أي مواساة

بعد كام ساعه دخل ادهم الشقه بص حواليه بعيون بارده منغير ما يتكلم ولا كلمه دخل اوضته شاف الزجاج المكسور بس مهتمش كتير رمي جسمه علي السرير

فضل السكوت شويه و ادهم بيبص للسقف بعيون فاضيه لحد ما سمع صوت الموبايل فتح و كان عارف انها نور بمجرد ما حط الموبايل علي ودنه سمع صوتها

نور ( بعصبيه ) : الو انتا كنت فين بكلمك من امبارح يا ادهم انا حاسه انك بتبعد عني و ...

قبل ما نور تكمل الجمله

ادهم ( بصوت هادي ) : ابويا مات يا نور

سكتت نور للحظة، كأن الكلام ضربها في صدرها، سمع نفس أنفاسها وهي بتتسارع قبل ما صوتها ييجي ضعيف.

نور (بهمس مصدوم): إيه؟… أدهم، أنا… أنا آسفة، و**** ما كنت أعرف.

بس أدهم كان سامع في صوتها حاجة تانية، حاجة غير الحزن… كان فيها حاجة تخلّيه متأكد إن الحزن اللي في صوتها مش كفاية بالنسبة له، مش قد وجعه.

أدهم (بنفس هدوئه البارد): حصل، خلاص.

نور حاولت ترد، بس كان واضح إن أدهم مش في مود يسمع كلام مواساة. هو مش عايز تعاطف، مش عايز حد يقوله "البقاء ***"، مش عايز يسمع أي حاجة.

نور (بحذر): طب… طب قولتلي ليه؟

هنا، أدهم اتنفس ببطء، وكأن السؤال كان لازم ييجي. رفع عينه للسقف وهو ماسك الموبايل، وبنفس الصوت اللي كان شبه الهمس، قال:

أدهم: عشان تبطلي تسألي عني.

وقبل ما تسمع نور الجملة كويس، كان الموبايل مقفول في وشها

فضل ادهم ايان بعيد عن نور منغير مكالمات منغير حتي انه يطمن فضل كدا شهر تقريبا لحد ما الاربعين عدا اتفاجئ ب مكالمتها نزل و راح قالبلها في نفس المكان علي الكورنيش اول ما بص في عينها اتفاجئ بعيونها الحمرا

وقف أدهم قدامها، الهواء البارد كان بيضرب في وشه، بس البرودة الحقيقية كانت في عيون نور. شاف عيونها الحمرا، كأنها كانت بتعيط طول الليل، أو يمكن طول الشهر اللي فات.

نور (بصوت مهزوز شوية): انت فين يا أدهم؟

أدهم سكت لحظة، بص للبحر كأنه بيدور على رد وسط الموج. وبعدين رجع يبصلها، نبرته كانت هادية بس تقيلة.

أدهم: كنت هنا، بس بعيد.

نور (بحزن وغضب مكبوت): ولا مرة كلمتني، ولا سألت عليا، حتى لما حاولت أوصلك كنت بترفض تقابلني!

أدهم خد نفس، عارف إنها عندها حق، بس جوه عقله كان شايف نفسه بيحاول يلم شتاته، مش بيهرب منها.

أدهم (بهدوء): مكنتش عارف أقول إيه، كنت حاسس إني تايه.

نور مسحت دمعة نزلت غصب عنها، وبصتله بنظرة مليانة عتاب.

نور: كنت تايه؟ وأنا؟ فاكر إنك الوحيد اللي موجوع؟ أنا كنت مستنياك، كنت عايزة أبقى جمبك، بس انت اخترت تبعدني.

أدهم حس بقلبه بيتقبض، بس مكنش عنده رد يقنعها.

أدهم (بهدوء): مقصديش أبعدك، بس...

نور قاطعته، صوتها كان أضعف، كأنها استسلمت.

نور: خلاص يا أدهم، أنا تعبت.

الكلمة دي نزلت على صدره تقيلة، لأول مرة يحس إنه بيخسرها فعلاً، وإنه ممكن يكون أذى أكتر حد كان بيحبه .

سكت ادهم لثانيه كئنه مش مستوعب او عقله مش واصله الكلام في ثانيه مسك ايد نور و ضغط عليها بص في عينها

ادهم ( بخوف و توتر ) : هوه ايه الي خلاص...

افتاجئت نور من التغير في سلوك ادهم بس هوه فعلا مكنش في حالته الطبيعيه لدرجه انه كان بيضغط علي ايدها وهو بيلويها

نور ( بوجع و هيه بتحاول تبعد ) : ادهم .. اه سيب ايدي فيه ايه !

بصّلها أدهم، ولأول مرة، كان عدّى صبره.

أدهم (وهو بيضغط أكتر): نور، إحنا ممكن نزعل من بعض... ممكن نقطع كلام فترة، بس...

قرب منها، رفع ذقنها بخفة، عينيها اتعلقت بعينيه. قرب أكتر، لحد ما أنفاسه سخنت ودنها، وهمس:

أدهم (بصوت هامس): نور، إنتِ بتاعتي أنا لوحدي... إنتِ معايا من دلوقتي لحد ما أموت... أو تموتي.

أي حد مكان نور في اللحظة دي كان ممكن يترعب، يخاف، يبعد، لكن نور كانت فاهمة شخصية أدهم التملكية كويس. عشان كده، بسكوت، لفّت إيديها حواليه، وعكست مية النيل دموعها وهي بتنزل ببطء.

بعد دقائق لما ادهم هدي حسس علي ايدها الي كانت ازرقت من الضغط بعدها بصلها و باس خدها

ادهم : انا...اسف

سكتت نور لثانيه و دموعها بتنزل مش بسبب ادهم بس عينها كانت شايله سر كبير و بصوت مهزوز

نور ( بتوتر و خوف ) : ادهم، ابن عمي اسامة متقدملي

رفع ادهم عينه ب استغراب مش كان غريب ان حد يكون متقدملها الغريب انها خايفه ادهم حس بس دلوقتي ان فيه حاجه غلط

ادهم : يعني ايه ؟ طب ما ده بيحصل كتير زيه زي غيره يا نور ارفضيه و قولي ل امك اي حاجه انا حتي لو شديت علي نفسي و روحت و خطبتك دلوقتي مش هينفع منتي عارفه ابويا لسه ميت

سكتت نور مكنش عندها كلام تاني تقوله شدت ايدها علي شنطتها كئنها كانت عارفه ان الحظه دي هتيجي لفت مكنتش عايزه ادهم يشوف وشها

نور (بتشهق وبتعيط): ادهم مقدرش المرادي... ارفض اهلي مش سامعين صوتي أساسًا، لو عوزتني انتا عارف بيت أهلي.

مستنتش حتى رد أدهم. سابته واقف لوحده، ومشت. كل خطوة من كعبها كانت زي سكينة بتضرب في قلبه. الصدمات كترت... أبوه... نور... متبقي إيه أكتر من كده؟

وقف أدهم يبص للنيل بعيون فاضية، رفع إيده بجنون، كأنه ماسك كاس. لوي إيده وحس بالسائل بينزل بين صوابعه للنيل. سمع صوت الخمر، اللي مكنش موجود زي الحب اللي كان ممكن يكون موجود جواه لوحده.

لف ومشي على الكورنيش، بعدها بين الشوارع. بص للسماء، والناس كلها بتمشي حواليه. بدأ يضحك بصوت واطي، متحطم، متكسر لأجزاء أصغر من أنها تتشاف. وسط كل العذاب الأبدي، فاق، ولقى نفسه متحركش خطوة من مكانه. فاق على رنة موبايل. شخص واحد بس، رقم مكنش يعرفه، لكنه كان هو اللي هيغير حياته للأبد.

رفع التليفون وحطه على أذنه، سمع صوت غريب.

أسامة: الو... معايا أدهم؟

...

في نفس اللحظة، شهق أدهم، وفاق، كانت أنفاسه عالية بجنون وهو على سرير المستشفى في السجن. الجرح والشاش، شم ريحة الدم وذاق طعمه في بقه. نزلت عينه على القماش الأبيض الملفوف حوالين بطنه، وبين كل خطوة وكل نفس كان فيه شعور غريب، كأن حياته كلها بتتغير في ثانية.

الدكتور (بابتسامة هادئة وهو بيفحص نبض أدهم): حمدلله على السلامة يا بطل، عامل إيه دلوقتي؟

بصله أدهم لثانية وهو لسه بيتنفس بصعوبة، عنيه كانت تقيلة كأنه لسه مش مستوعب هو فين.

أدهم (ببرود وهدوء): تمام... أنا تمام.

الدكتور (بلهجة مطمئنة): طيب، أنا هسيبك ترتاح، وهخلي فؤاد يدخل. كان مستنيك تصحى، ده حتى موصي الأمين إنه يزورك بنفسه.

أومأ أدهم برأسه من غير ما ينطق، كان لسه حاسس بجسده تقيل وكأن روحه لسه مش متعلقة كويس بالعالم ده. سند راسه لورا على السرير، عينه علقت في السقف، شريط الذكريات دار في دماغه، شدّ على إيده بقوة لحد ما دوافره سابت علامات هلالية على جلده.

فاق بس لما لمح فؤاد داخل من الباب.

فؤاد (بيقعد على الكرسي بابتسامة هادية): عامل إيه دلوقتي يا أدهم؟

أدهم كان ذكي بما فيه الكفاية عشان يعرف إن دي مش مجرد زيارة عابرة. كان فيه حاجة أعمق، حاجة أكبر بتحصل ورا الكواليس.

إزاي مسجون زي فؤاد، اللي يعتبر راجل كبير في السجن، الكل هنا بيعمله ألف حساب؟ لكن الأغرب من كده، إزاي عنده الصلاحية إنه يخرج من الزنزانة ويزور حد في مستشفى السجن؟

الأسئلة بدأت تترتب في دماغ أدهم... ووقتها فهم إن حياته في المكان ده مش هتمشي عشوائي، فيه لعبة بتتلعب، وهو داخل فيها غصب عنه.

أدهم (بشك وصوت مهزوز): فؤاد... انت مين؟

ضحك فؤاد ضحكة طويلة وهو فاهم إن سؤال أدهم مش عن اسمه، بل عن المكانة اللي أدهم لسه ملاحظها دلوقتي.

فؤاد الحديدي (بابتسامة ساخرة): هههههه... ياااه يا أدهم، انت لسه فاكر تسأل؟

عدل أدهم جلسته ببطء، ابتسامته كانت ضعيفة، لكنها مليانة سخرية.

أدهم (ساخراً): معلش، استيعابي بطيء، بس مش لدرجة إني ما أخدش بالي إنك مش مجرد مسجون عادي... راجل في سنك، الكل بيحسبله ألف حساب، وبدل ما تبقى محبوس جوه الزنزانة زي أي حد، أنت دلوقتي في مستشفى السجن وكأنك صاحب المكان... بس اللي محيرني أكتر، إيه اللي يخلي حد عايز يقتلك؟

سكت لحظة، عيناه تضيقان وهو بيركز على فؤاد:

أدهم (بحدة): إنت مين بجد يا فؤاد؟

رفع فؤاد سيجارته ببطء، سحب منها نفس عميق، وبعدها ابتسم بخبث وهو بينفخ الدخان.

فؤاد: تعرف يا أدهم... أنت فدتني بروحك، وعشان كده، أنا هديك فرصة عمرك... فرصة عمرك اللي عمرك ما كنت تتخيلها.

ميل بجسمه لقدام، عينه ثبتت على أدهم، وصوته نزل درجة كأنه بيهمس بسر.

فؤاد: تشتغل معايا؟

أدهم بصله باستغراب للحظة، وبعدها انفجر ضحك، ضحكة عالية بتهز الجدران، كأنها نابعة من قلب مكسور ومخنوق.

أدهم (وهو بيحاول يلتقط أنفاسه): إيه؟ هنستورد مساجين؟

ضحك فؤاد ضحكة خفيفة، بس عينه فضلت ثابتة على أدهم، نظرة كلها جدية.

فؤاد الحديدي (بهدوء قاتل): لا... هنستورد سلاح.

سكت أدهم، عينه وسعت وهو مش مستوعب الكلام اللي لسه خارج من فم فؤاد. لحظة صمت، بس في عقله الدنيا كانت بتضرب نار، حرائق بتاكل كل حاجة وتحرق كل الخيوط اللي كان بيحاول يربطها... وكلها اجتمعت تحت جملة واحدة:

"فؤاد... تاجر سلاح!"

حدقة عيون أدهم الخضراء اتسعت، أنفاسه زادت كأنه الزمن وقف للحظة... بس قبل ما حتى يستوعب الصدمة، جه صوت فؤاد، هادي، بارد، كأنه بيتكلم عن حاجة عادية زي شرب الشاي.

فؤاد الحديدي (بابتسامة هادية): "بس خلينا من ده دلوقتي... لسه الكلام بينا مخلصش. قولي بقى يا ابن هارون... إيه اللي جابك هنا؟"

رفَّ أدهم بعينه لفؤاد، الضحكة طلعت منه لا إرادياً، ضحكة مش كاملة، لكنها مليانة سخرية.

أدهم (بسخرية مريرة): "مش هستغرب لو كنت عرفت اسم جدي كمان..."

سحب نفس عمييييق جداً، رجع راسه لورا، عينه سرحت، مش هنا، مش دلوقتي... لا، عقله كان راجع سنين ورا، للّي بدأ كل ده.

...قبل سنتين.

اسامة : الو ... معايا ادهم ؟

استغرب ادهم من الصوت الي كان غريب عليه بس الي استغربه اكتر هوه نبض قلبه الي كان زي الطبول

ادهم ( بتوتر ) : ايوه انا ادهم مين حضرتك

سكت الصوت لثانيه بعدها رجع تاني

اسامة : انا اسامة ممكن تكون نور حكتلك عني انا ابن عمها عايز اقابلك لو تسمح

استغرب ادهم من الحوار ككل اسئله كتيره دخلت جوه عقله زي ليه بيكلمه و اي حوار ابوه و ليه عايزين يشوفوه سكت لثانيه بعدها اتكلم

ادهم ( بهدواء ) : غريبه .. مش عادي الصراحه انك تكون عارف ان خطيبتك بتحب غيرك و اول حاجه تعملها انك تكلمني او تطلب تقابلني

اسامه : ادهم انا بس عايز اقابلك الموضوع مش زي ما انتا فاهم خالص

فكر ادهم شويه وهوه بيبص للنيل بعدها اتنهد بهدواء

ادهم : تمام هبعتلك لوكيشن قهوه نتقابل هناك كمان ساعه

قفل بعدها ادهم الخط و رغم الاحساس الغلط الي ضرب في صدره زي الطبل مكنش عارف يعمل ايه يروح ؟ ميروحش ؟ في الاخر استسلم حس ان ممكن يكون فيه امل حتي لو كان بسيط خدته رجله لحد القهوه

بمجرد ما وصل كان اسامة مستنيه و معاه راجل كبير كلن اسامة راجل كبير بشعر اسود خفيف و جسم كبير نسبيا ملامحه كانت عاديه و عيونه سوده بس كانت حواليه زي شعور ب الفوقيه او هوه كان قاصد يظهر ده

رغم كده مد ايده و سلم علي ادهم بهدواء

ادهم ( مد ايده و سلم علي اسامه و حس ب ايده البارده ) : صراحه انا مستغربك بس مش هنخسر حاجه

قعد ادهم قدام اسامه و بدا اسامه الكلام

اسامة : اسمعني يا ادهم اولا و قبل اي حاجه انا مش عايز نور

اتجمد ادهم شويه و عينه وسعت

ادهم ( بصدمه ) : نعم ؟ امال خطبتها ليه

اتنهد اسامه تحت عيون ادهم الي كانت حرفيا بتفحص كل حركه كل نفس كل فعل كان بيعمله اسامة

اسامة : العيله عندنا كدا يا ادهم ابويا موصر اني اتجوز من جوا العيله و للئسف وقع ده علي نور و خطبتها و ولا انا عايزها ولا هيه عايزاني و ده بعد ما بالصدفه عرفته لما شوفت الشات بينكم

اتوتر ادهم شويه و خرج سيجاره و ولعها رجع ضهره في الكرسي و بص ل اسامة كئنه بيحلله

ادهم ( بينفث دخان السيجاره ) : بس ده ملهوش معني انتا مش عيل صغير عشان يقولولك تتجوز مين

سكت اسامه لثانيه و ركز مع تصرفات ادهم

اسامه ( بهدواء و برود ) : معاك حق بس عيلتنا مش ماشيه ب النظام الي انتا متصوره عيلتنا مختلفه شويه يا ادهم بمعني اننا لينا شغل هاص بينا يعني فلوس العيله بتفضل جوه العيله حتي الي بيتجوز مننا بيدخل في ده حتي لو مكنش عايز

فكر ادهم في كلام اسامه و اقتنع بيه لان حتي عيلته فيها نفس النظام بس المشكله انه كان عارف ان اغلب العائلات الي بتتبع النظام ده بيكون شغلها عامل ازاي

ادهم ( اتنهد و رمي سيجارته و بص في عيون اسامه ) : يعني ايه المطلوب دلوقتي عايز افهم

أسامة (بابتسامة هادية وهو بيقلب فنجان القهوة): بص يا أدهم... أنا مش جاي أبيع لك كلام، ولا جاي أضيع وقتك... أنا جاي أعرض عليك فرصة.

أدهم (بعيون ضيقة وحذر): فرصة؟ زي إيه يعني؟

أسامة (بنبرة فيها جدية): إني أفتح لك باب... باب لو دخلته،

حياتك كلها هتتغير. فلوس؟ هتلاقي. نفوذ؟ هيبقى عندك. انتقام من اللي ظلموك؟ أسهل مما تتخيل.

أدهم حس إن الكلام مغري... بس الجزء الحذر جواه مش سايبه يرتاح. خد نفس طويل، وشبك إيديه قدامه.

أدهم (ببرود): طيب... وإنت مستفيد إيه؟ ماحدش بيعمل خير لوجه **** دلوقتي.

أسامة ابتسم وهو بيهز راسه، كأنه كان مستني السؤال ده.

أسامة: استفادتي إني محتاج واحد بدماغك. مش أي حد بيعرف يمسك العصاية من النص... وأنا واثق إنك تقدر... وإنت كمان عارف كويس إن الفرصة دي مش بتيجي مرتين.

أدهم سكت لحظة، عينيه راحت على الراجل اللي قاعد معاهم ساكت، ملامحه جامدة وعينيه مش بتتحرك.

أدهم (بشك): ولو طلعت مصيدة؟

أسامة (بهدوء وهو بيرشف قهوته): لو كنت عايز تأذيك... كان أسهل أعملها وأنت جاي في الطريق... ماكنتش هستناك هنا أقعد أشرحلك.

الجملة دي دخلت دماغ أدهم... منطقية. بس الخوف لسه موجود... وبرضه الطمع بدأ يلعب لعبته بس ادهم برضو مش غبي للدرجه دي

ادهم ( بحذر ) : وليه ميكونش كل دي لعبه ؟ مش ممكن تكون مجرد لعبه منك عشان تاخد نور

ضحك اسامة بصوت واطي و رفع عينه و بص في عيون ادهم

اسامة : طيب بالعقل انا لو عايز نور طيب مهي بين ايديا فكر ب العقل مكنتش هحتاجك اساسا يا ادهم ولا كنت جيتلك

سكت ادهم رجع راسه لوراء و بص للسماء مكنش عارف فعلا لاول مره يعمل ايه كلام اسامه اقنعه ايه الي هيخليه يلعب بيه اساسا اسامه في ايده كل حاجه حتي نور ليه هيسبها لو كان عايزها اخر ما وقع ادهم نزل راسه و بص لاسامة

أدهم (بتنهيدة): طيب... نفترض وافقت... إيه أول خطوة؟

أسامة (بابتسامة خفيفة): أول خطوة... تثبت إنك قد الكلام... وبس

رفع اسامه تليفونه و بعت لادهم عنوان

اسامه ( قام وهوه باصص ل ادهم بهدواء ) : عشان بس يكون فيه مجال للكلام العنوان الي عندك ده هيكون اول شغل ليك معانا و ب ايدك تيجي او متجيش لو اخترت انك تروح رجالتي هتشرحلك كل حاجه

بص ادهم التليفون بهدوء افكاره كانت اكتر من انها تتقال حتي انه ملاحظش ان اسامة مشي من فتره فضل ادهم يبص للتليفون و الساعه بعدها خد التليفون و طلع شقته دخل و فتح الباب عدا من الصاله قدام زهره منغير ما يشوفها تقريبا

زهره : ادهم انتا كويس ؟

سئلت لما شافت وشه الازرق بصلها لثانيه وهوه بيفتح باب الاوضه

ادهم ( بتوتر و قلق ) : اه كويس يا امي مفيش حاجه

دخل و قفل الباب وراه قعد علي السرير و نام عبي ظهره وهوه بيبص للسقف رفع التليفون قدام عينه في الضلمه بص للعنوان و لسبب معين اتردد كلام عمر في ودنه :

"لازم تفهم ان الناس بتكيل ب مكيالين و الفرد بحد ادني يمتلك وشين مش هيبصو الي انتا فيه دفعت ايه مقابله كلا يبكي علي ليلاه و شيطانه بيطبطبله. "

فضلت عيون ادهم علي التليفون قراء الاسم كذا مره بعدها اكتشف ان مفيش تاني داس علي العنوان قام لبس لبسه الاسود و وسط كحل اليل نزل و ساق العربيه لحد المخزن علي عكس اي حد تانيه ادهم كان بيغني وسط سوداء اليل لانه لولال مره حس انه حر

نزل من العربية قدام المخزن، الجو حواليه كان مليان صمت غريب، غير صوت هدير البحر البعيد. بص حواليه، الجاردات واقفين في كل زاوية، عيونهم ماسكة أي حركة، والأسلحة التقيلة في إيديهم كانت كفاية تخلي أي حد يعيد حساباته. ابتسم أدهم ابتسامة هادية ودخل، عينه جابت العرباويه الـ"سينا" و عربيتهم المتغطية بشمع أسود، عرف ساعتها طبيعة الشغل... تهريب، وأكتر بكتير من اللي كان متوقعه.

قبل ما يغرق في التفاصيل، جهله واحد من رجالة أسامة، طويل، جسمه مليان عضل ووشه مليان ندوب تحكي عن ماضي مش نظيف.

ناصر (مد إيده وهو مبتسم بخفة): أهلا بيك يا أدهم.

أدهم بص لإيده للحظة، دماغه شغالة بسرعة، بعدها سلم عليه بابتسامة صغيرة. الجلد الخشن في إيد ناصر قاله كل حاجة محتاج يعرفها عن الراجل ده... ده مش واحد بيسيب شغله نص نص.

بعد شوية ترحيبات شكلية، قعدوا على صناديق مقلوبة جنب الحيطة، ريحة الزيت والحديد كانت مالية المكان، وصوت صناديق بتتشد في الخلفية عملت خلفية مش مريحة. أدهم لمح من طرف عينه واحد من العمال بيهمس لزميله:

العامل (بصوت واطي): السلع دي لفؤاد الحديدي... الشحنة دي مهمة، متبهدلوهاش.

القلب دق غصب عنه، الاسم ده مش غريب... لكنه ما أظهرش أي رد فعل.

ناصر (جمع إيديه في شكل قبضة وضغطها ببطء): أول حاجة لازم تفهمها... شغلنا في أي حاجة بتجيب فلوس. تقدر تخرج وقت ما تحب، بعد ما نصفي الحسابات طبعا.

ابتسم ناصر ابتسامة باهتة، بس عينه قالت كل الكلام اللي اتقال بتهديد واضح.

ناصر (بص في عينه): مش محتاج أقولك إن التسليمات والخيانة تمنهم الموت... إحنا مش حكومة، مفيش عندنا لا سجن ولا تحقيق. اللي يغلط... بيتحاسب بطريقتنا.

أدهم أخد نفس بطيء، عينه رجعت تاني للعامل اللي قال اسم "فؤاد الحديدي"، دماغه بدأت تركب الصورة... مصادفة؟ ولا القدر بيلعب لعبته؟

ادهم (رفع عينه لناصر بابتسامة هادية) : تمام... أنا سامعك.

ولع ناصر السيجارة بهدوء، دخانها طلع في الهوا وعمل غلالة خفيفة حوالين وشه، عينه كانت مركزة على أدهم كأنه بيقرأه كلمة كلمة.

ناصر (وهو بيدخن): شغلتك معانا شغل دماغ... يعني تعرف تصرف نفسك تمام، معرفتش واتمسكت؟ ملناش دعوة. أبيض؟

شد أدهم على فكه شوية، ملامحه تشدت لأنه لمح الغدر بين حروف ناصر، عارف النوع ده من الناس... يبتسم وهو بيجهز الطعنة. قرر يحط خطوطه من البداية.

أدهم (بحذر): لو كلامك صح... يبقى محدش يتدخل. اللي دخلني هنا دخلني عشان دماغي. بمعنى إني هرسم الخطة وأنا اللي ههرب البضاعة، ومش عايز أعرف هي إيه... اللي يهمني كميتها ووزنها عشان أرتب. ومش عايز تعديل عليا بعد ما أثبتلكم. تمام؟

بصله ناصر شوية، وساب لحظة من الصمت تتمدد بين الكلام، حتى الرجالة اللي كانوا واقفين قريب بقوا مركزين. بعد ثواني، ضحك ناصر بصوت واطي، ضحكة مفيهاش غير السخرية والاختبار.

ناصر (وهو بيرمي السيجارة ويده على وسطه): ماشي يا أدهم... أثبت إنك قادر. كل ما تثبت أكتر... هتكون مسئول عن نفسك أكتر.

أدهم هز راسه، عارف إنه لسه في أول الطريق، وإن أي غلطة هنا تمنها ميت مرة أغلى من اللي فات... بس مفيش رجوع. اللعبة ابتدت.

مشي مع ناصر لحد ما وقفوا قدام صندوق خشبي كبير، ناصر رفع عصاية خشب زي النبوت وفتح الصندوق... الأدخنة الترابية طلعت، وكشفت عن أكياس بيضا مرصوصة جوه. أدهم عينُه علقت على الكمية، عارف كويس إيه ده... كوكاين. قلبه اتقل لحظة، بس دماغه قالتله: مش وقت تفكر في الصح والغلط... دي اللعبة اللي دخلت فيها بإيدك.

ناصر (بهداوة وهو ماسك كيس): دي شغلتك الأولى... اختبار بسيط كده على خفيف. الوزن كيلو واحد. توصله للعنوان اللي عندك. أبيض؟

أدهم طلع ولاعته، ولع السيجارة، وسحب منها نفس طويل. الدخان دخل صدره، يمكن يحس إنه بيهدى... يمكن بس بيغرق أكتر.

أدهم (وهو سرحان وبيفكر): أبيض.

ناصر ضحك ضحكة قصيرة ومشي، ساب الجو حوالين أدهم تقيل بالكلام اللي لسه بيرن في ودنه. اختبار؟ ولا فخ؟... مفيش وقت يسأل، الزمن هو اللي هيجاوب.

مسك الكيس بإيده، الإحساس بوزنه كان تقيل على قلبه أكتر من إيده، لكن ملامحه فضلت هادية. راح على عربيته، ركب، وبعد عن المخزن لحد ما بقى بره مجال الرؤية تمامًا.

وقف على جنب، نزل، وراح للشنطة. كان مجهز نفسه من أيام الشغل مع عمر... فتح جزء سري بين الشنطة والعجلة الخلفية، مكان حتى الشيطان نفسه مش هيعرف يوصل له إلا لو فك العربية حتة حتة. حط الكيس جوه، قفل كويس، ولمس مكان الفتح كأنه بيتأكد إن مفيش حاجة باينة.

سحب نفس تاني من السيجارة، رماه في الهوا، وركب العربية... الدماغ شغالة خطط، والقلب بيندق على لحن خطر. مشي ب العربيه الي شقت سواد اليل عدا علي كذا كمين بس ادهم كان هادي لدرجه انه هوه نفسه استغرب هدوائه لحد ما وصل للعنوان علي الصحراوي

نزل من العربيه كان فيه راجل بجلبيه مستنيه قدام فيلا في مكان مهجور شويه نزل ادهم و بص للراجل

وقف الراجل يبص ل ادهم لثواني الاتنين فضلو علي نفس الحال لدقايق بعدها اتقدمو ادهم كلن سحب الكيس قبل ما يترحك وقف قدام الراجل و عينه بتلمح كل حركه

الراجل ( مد ايده ب شنطه فلوس ) : صغير علي شغلنا بس مش عيب مادام قدرت توصل لهنا المهم اسمك ايه ؟

ابتسم ادهم و قبل ما يديله الكيس فتح الشنطه شاف الفلوس و عدها بعينه بسرعه بعدها اداله الكيس بهدواء

ادهم ( ببرود و هدواء ) : مش جايين نتعرف ليك شغلك عندك بس لو عايز ليا اسم فهوه "الديب"

رجع ادهم بظهره مكنش مئامن يدي ظهره لحد و خصوصا موزع مخدرات ركب عربيته منغير ولا كلمه طار علي الطريق راجع للمخزن اول ما دخل و في ايده الشنطه صفر ناصر بصوت عالي

ناصر ( بابتسامه هاديه ) : ديب هاه ؟ هههههه لا بس حلو المهم انتا خلاص معانا و الشنطه دي اعتبرها عربون امانه

عدت بعدها الايام صفقه في التانيه بس الغريب ان ادهم مهما اتصل بنور مكنش فيه رد و في مره فتحت اخيرا كان ادهم علي سريره اتكلم بصوت هادي

ادهم ( بصوت هادي ) : نور ...

جت شهقه غريبه من نور من التليفون توقع ادهم انها كانت بتبكي بس الاصوات كانت غريبه علي ادهم اصوان دخلت لقلبه شك قذر

نور ( وهيه بتتنفس بصعوبه ) : ادهم ... الو

بصوت مهزوز مكنش عايز ادهم يصدق

ادهم ( بصوت مخنوق ): نور... انتي... انتي بتعملي إيه؟!

سكتت نور، وصوت أنفاسها كان كفاية يولع الدنيا في دماغه، لحد ما دخل صوت أسامة، السخرية في نبرته كانت زي السكين بتلف في قلب أدهم.

أسامة ( بسخرية ): قوليله يا نور... ولا أقول أنا؟

ضربة! صوتها جه عالي وواضح... صوت جلد على جلد. قلب أدهم وقع... إيده شدّت على التليفون لدرجة إنه سمع صوت البلاستيك بيتكسر تحت صباعه. عينه لمعت بدموع غضب مش قادر يكتمها.

ادهم ( بصوت متكسر ): أنتَ...

ما كملش. قام، رجليه اتقلّت، دماغه بتلف، لكنه عارف هو رايح فين. سلاحه تحت المخدة، قبض عليه وهو بيترعش... وعيونه شايفة أسامة في كل مكان.

إيد أدهم شدت السلاح من تحت المخدة، أصابعه بتترعش، بس عينه... عينه كانت نار. قلبه بيدق بسرعة مجنونة، أنفاسه متقطعة، كل حاجة حواليه ضباب... مفيش غير صوت أسامة اللي لسه بيرن في ودنه، وسخرية دمها تقيل زي الرصاص.

لبس أول حاجة قدامه، فتح باب الأوضة بعنف، وزهرة قامت مفزوعة.

زهرة ( بخضة ): أدهم! في إيه؟! رايح فين؟!

مردش... عينه متعلقة بالباب، خطواته تقيلة بس سريعة. قلبه بيصرخ جوه صدره: "لازم أوصل... لازم أخلص عليه!"

فتح باب الشقة بعنف، نزل السلم جري، رجله كانت بتنزل الدرج كأنها بتكسر الأرض تحته. فتح باب العمارة، الهوا البارد ضرب وشه، بس النار اللي جواه أكبر. ركب عربيته، كبس البنزين لأقصى سرعة، والعربية طارت بيه وسط شوارع الليل، العيون حواليه مجرد أنوار بتعدي، ولا هو شايف غير وش أسامة ونور قدامه.

*التليفون بيرن في جيبه... بص عليه، رقم نور.

ضغط على السماعة:*

ادهم ( بصوت متحشرج ): نور... فين؟!

نور ( بتبكي ): أدهم... ما...

أسامة ( وهو بيضحك ): هتعمل إيه يا ادهم ؟ ههههه هتيجي تكمل معاها ولا تشيل من عليها شويه

كل كلمة بتزيد البنزين تحت رجلي أدهم. قفل التليفون وحدفه في الكرسي الجنب.

العربية عدت إشارات مرور، عربيات بتزمر، ناس بتشتم... هو مش سامع غير نبض قلبه.

وصل المكان، فرمل فجأة قدام فيلا مهجورة، نفس اللي اتسلم فيه أول شغل.

نزل من العربية، السلاح في إيده، كل خطوة بتدق زي الطبول في ودنه. قلبه بيصرخ، دموعه نازلة، بس عينه مركزة على الباب.

وصل... دفع الباب برجله...

بس قبل ما يتحرك خطوة...

ـــ صاااااااااااااااااااااااااااوت! ـــ

أنوار عربيات الشرطة مولعة حواليه من كل اتجاه، صوت مكبرات الصوت جاي عالي:

الشرطة: ارمِ السلاح يا أدهم هارون! أنت محاصر!

*عينيه وسعت... اتلفت حواليه، الشرطة في كل مكان. فخ... دا كان فخ!

ضحك ضحكة مكسورة... رفع السلاح، ولسانه تمتم بحروف متقطعة:*

ادهم ( وهمس ): يا ابن الكلب!

خرجت نور من الفيلا، شعرها منكوش وهدومها مبهدلة، بتحاول تعدل نفسها بسرعة. جنبها أسامة، قافشها من وسطها، ضاحك ضحكته السامة، والسيجارة مولعة في إيده. عينين أدهم اتعلقت بالمشهد، الدنيا اسودت حواليه، وكأن كل حاجة في اللحظة دي ماتت.

أسامة ( بصوت واطي مستفز وهو بيبص لنور ): قولتلك هيجيلك زي الكلب... شوفيه واقف إزاي؟ مكسور... زي بالظبط زمان لما كان بيشحت مني فرصة!

نور ( وهي بتبص للأرض بصوت واطي ): كفاية يا أسامة...

أسامة ( ضحك بخبث ): كفاية؟ ده لسه ما شافش حاجة!

بص لأدهم وهو بيقرب خطوة، صوته مليان استحقار:

أسامة: فاكر لما كنت بتجري وراها زي العيل الصغير؟! وأنا كنت... (ضحك) كنت بقفل التليفون في وشك وهي في حضني! كل مرة كنت بتتصل؟ كنا بنضحك عليك... مش كده يا نور؟

نور دموعها نازلة، بس ساكتة، والسكوت كان طعنه أكتر من الكلام.

أسامة ( وهو بيقرب أكتر ): وأحلى حاجة... إنك آخر واحد فهم اللعبة! اتعب، اشتغل، موت نفسك... وفي الآخر؟ أنا اللي خدتها منك... كلها.

الهواء اتحبس في صدر أدهم، إيده كانت بتترعش على السلاح، عينه دمعت، بس مفيهاش ضعف... فيها نار.

أسامة ( همس باستفزاز ): عارف طعم الخيانة إيه؟... زي الطلقة، بس أبطأ.

أدهم ضغط على الزناد...

ـــ طرااااخ! ـــ

طلقة جت من الشرطة، السلاح طار من إيده، وقع على ركبته، قلبه بيتقطع، وعينيه لسه على أسامة اللي ضحك بصوت عالي:

أسامة: كنت فاكر نفسك مين يا ادهم؟! أنا اللي دمرتك... بكلمة خدت منك الي طول عمرك بتسعاله ده مقام الب زيك علي الارض!

كات صوت اسامه بيتردد في ودن ادهم حفر نار عمرها ما هتنطفي

الشرطة ( بصوت عالي ): على الأرض! إيديك فوق راسك!

أدهم ( وهوه بيبكي و ببصرخ ) : ليه ... انتي كل حاجه في حياتي

نور (بصوت مكسور) : أنا آسفة...

أسامة ( ساخر وهو بيولع سيجارة ): سلام يا ادهم اتمني تتبسط في السجن هههههههههههههه

شد الظباط ادهم اخذو الحرز و من نيابه ل محكمه مكنتش الحياه حتي في عين ادهم مفقش غير علي قفله باب الزنزانه

.....

كانت عيون فؤاد هاديه وهوه بيسمع و بعد ما ادهم خلص كلامه بصله فؤاد بهدوء و بداء يتكلم :

فؤاد الحديدي ( بهدواء ) : كويس انك لسه عايش و ان اسامة كان عايز يذلك مش يقتلك وهوه بنفسه سابلك فرصه ترجع

مد فؤاد ايده ل ادهم و كانت نبرته جديه

فؤاد الحديدي ( وهوه مادد ايده ) : ادهم انا عمري ما فكرت بعواطفي زي ما قولتلك قبل كدا بس النهارده بس هفتحلك باب يا ادهم و من حكايتك انتا عارف مين هوه فؤاد الحديدي تشتغل معايا ؟

بص ادهم ل ايده كان نفس العرض بس المرادي كانت مختلفه كان ادهم رايح طريق هوه عارف ان مفيهوش رجوع مفيهوش امان كل خطوه محسوبه و الخيانه جايزه

ادهم ( بخبث ) : فؤاد عايز تخرج من هنا ؟!!!!!

.......

الجزاء الرابع

فؤاد رجع ب الكرسي لورا وهوه مرعوب رغم ان كلام ادهم كان اشبه بكلام عبثي ازاي ممكن اصلا يخرج واحد خد مؤبد زي فؤاد الحديدي

فؤاد الحديدي ( بئمل و صوت مهزوز ) : ازاي... هوه ممكن

ابتسم ادهم بخبث و رفع يده كئنه ماسك الفرصه لفؤاد

ادهم ( بيبتسم بخبث ) : طبعا ينفع بس ايه المقابل ؟ هل اني اشتغل كا دراعك اليمين؟ انتا شايف ان خروجك من السجن تمنه ده بس

فؤاد مسك في ايد ادهم كئنها حبل النجاه و وسط كل ده ادهم الي كان شيطانه مسيطر عليه كان حاسب كل حاجه و كل كلمه

فؤاد الحديدي ( بصوت عالي ) : اطلب اي حاجه فلوس ؟ سلاح ؟ رجاله ؟ اي حاجه بس تقدر تخرجني

فؤاد الحديدي كان بيبص لأدهم بعيون مليانة يأس وأمل في نفس اللحظة، كأن الحياة رجعتله بعد ما كانت ضايعة. إيده لسه ماسكة إيد أدهم بقوة، كأنه ماسك آخر طوق نجاة ليه.

أدهم (بهدوء قاتل وصوت منخفض): أنا مش عايز فلوس... ولا محتاج رجالتك. اللي عايزه أكبر من كده بكتير يا فؤاد.

فؤاد الحديدي بلع ريقه، وقلبه بيدق بسرعة، مش عارف أدهم ناوي على إيه.

فؤاد (بصوت متوتر): عايز إيه؟ قول وخلصني!

أدهم قرب منه أكتر، عينه فيها لمعة شر مخيفة، وهمس:

أدهم: عايزك تفتحلي باب الدنيا اللي انت قافله جواك... عايز مفاتيح اللعب الكبيرة. الشبكات، الصفقات، العلاقات... كل اللي عندك يبقى عندي.

لحظة صمت تقيلة سيطرت على الجو، وفؤاد قاعد يحاول يستوعب الطلب.

فؤاد (بصوت واطي): يعني... تاخد مكاني؟

أدهم (بابتسامة باردة): لا مش هاخد مكانك بس هكون شريك انا مش هنزل الملعب احتياطي او دراع يمين، انتا هتكون الدماغ و انا علي الارض و نسبتي تكون محفوظه

فؤاد قعد يفكر، عقله بيقول له إنه بيتعامل مع شيطان، لكن قلبه بيصرخ "الهروب أو الموت هنا!"

فؤاد (بنبرة استسلام): ماشي... بس اعرف اني لو مخرجتش بعد وعدنا انتا عارف مين اول واحد هيندم!

أدهم قرب من وشه، ونظرة عينه بقت حادة زي السكين.

أدهم: أنت الوحيد اللي ممكن يندم هنا... لو خنتني.

الزنزانة غرقت في صمت قاتل، مفيش غير صوت أنفاسهم وضربات قلبهم اللي بتعلي من التوتر. وفجأة... أدهم رجع يقعد وهو بيبتسم لنفسه، وعينيه بتلمع بأفكار مرعب

ادهم (مبتسم ببرود): سيبني دلوقتي يا فؤاد أفكرلها، عد على إيدك عشرين شهر، لو مخرجتش بعدهم... هههه ابقى اعمل اللي إنت عايزه.

أومأ فؤاد برأسه، ملامحه خليط بين الأمل والخوف. كان مدرك إن أدهم مش بني آدم عادي، فيه حاجة في عينه بتقول إن اللي ناوي عليه أكبر من مجرد هروب. قام فؤاد وساب الزنزانة وهو بيلم شتات نفسه، لكن في قلبه شعلة أمل اتولعت من جديد.

بمجرد ما الباب اتقفل، وسعت ابتسامة أدهم. عيونه لمعت بالخبث وهو بيبص في الفراغ كأنه شايف كل تفاصيل المستقبل مرسومة قدامه. كل حاجة محسوبة... كل خطوة متخططة من زمان، لكن دلوقتي بيأكد على كل تفصيلة. مفيش مجال للغلط.

أدهم (بيهمس لنفسه): اللعبة ابتدت..

الزنزانة غرقت في صمت، بس في عقل أدهم كانت الحرب شغالة على أعلى مستوى. الزمن بيعدي، وده معناه إن وقت التنفيذ قرب... جدًا.

وعدت الأيام على كده، وأدهم مكنش بيظهر أي تحركات غريبة، بالعكس كان هادي ومستسلم للروتين. لحد ما في يوم الظابط دخل الزنزانة ونادى:

"أدهم هارون، عندك زيارة!"

رفع أدهم حاجبه مستغرب، محدش زاره من أول ما دخل، حتى والدته مظهرتش. قام من على السرير ومشي مع الظابط وهو بيفكر مين ممكن يكون؟ ولما وصل لقاعة الزيارات، عينه وقعت على عمر اللي قاعد مستنيه.

ادهم (ابتسم بخفة ): إيه يا عم؟ نسيت شكلي ولا إيه؟

عمر( ضحك ) : قولت أجي أطمن عليك... يعني مهما حصل إحنا إخوات، مش كده؟

أدهم ( قعد قدامه وسكت لحظه) : أنا تمام... السجن مش جهنم زي ما الناس بتقول، الواحد بيتعود على أي حاجة.

عمر ( هز راسه وقال بهدوء ) : كنت عارف إنك هتستحمل. بس... في حاجة لازم تعرفها.

ادهم ( ببرود و عيون بارده ) : اعرف ايه؟

سكت عمر لثانيه و سحب نفس طويل قبل ما يتكلم بسرعه كئنه عايز يخلص

عمر ( بتوتر شديد ) : نور ... اتجوزت ابن عمها

فضلت عيون ادهم بارده ابتسم و سحب نفس طويل سحب سيجاره من علبه عمر ولعها و ملامحه هاديه

ادهم ( بهدواء ) : عادي كل واحد بياخد سكته و بيحاسب عليها

سكتوا لحظة، وعمر حاول يغير الجو

عمر ( بتوتر ) : المهم... محتاج حاجة؟ فلوس، هدوم، أي حاجة قولي.

أدهم ( هز راسه ) : أنا كويس. وجودك كفاية.

قام الظابط بعدها وقال: "الوقت خلص."

وقف عمر ومد إيده لأدهم

عمر ( مستعجل ) : خد بالك من نفسك يا صاحبي. لما تخرج عايزين نشوفك على رجلك مش واقع أكتر.

أدهم ابتسم وهو بيمد ايده عشان يسلم عليه

ادهم : هخرج... هخرج متقلقش

ومشي بعدها للزنزانة، لكن جواه كان في نار مولعة. خبر جواز نور وقع عليه زي الطعنة، بس بدل ما يضعفه... شحنه بغضب لو كان خرج علي الدنيا لكان حرقها ما ساب فيها مخلوق

رجع أدهم للزنزانة، الباب اتفتح ودخل بخطوات هادية، عنيه تقابلت مع نظرة فؤاد اللي كان بيراقبه، بس أدهم ما اهتمش. قعد على طرف السرير المعدني، طلع سيجارة من جيبه وأشعلها، وسحب أول نفس كأنه بيبتلع همومه مع الدخان.

صوته الداخلي (بسخرية): عملوا الكمين ونصبوا العزا في ثواني... أراهن إنه كان جاي يقولك كده عشان يدوس أكتر. مهو دلوقتي العجل اللي كترت سكاكينه.

ابتسم أدهم ابتسامة هادية، وزفر الدخان ببطء كأنه بيطرد كل حاجة حواليه، وبنبرة ثابتة قال:

أدهم (بهدوء): صنفهم معروف، تمامهم الكلمة فعلها... ظروف. بس طول ما فيا الروح، هفضل على رجلي... حتى لو أسد مجروح. بخروجي؟ هزعلهم.

وسط دوشة المساجين وصوتهم العالي وكلامهم اللي ملوش لازمة، كان أدهم قاعد ساكت وسط الزحمة، غارق في أفكاره. فؤاد قرب منه وقعد جنبه، حط إيده على كتفه بنظرة فيها فضول وهدوء.

فؤاد الحديدي (بهدوء): كان مين؟ أسامة؟ ولا نور؟ ولا حد تاني؟

أدهم زفر دخان سيجارته ببطء، عينه على اللاشيء.

أدهم (بارد): عمر... جاي يقول إن نور اتجوزت اسامة.

فؤاد هز راسه بتنهيدة قصيرة، لكن طرف عينه لمح مجموعة مساجين بيقلبوا العيش بشكل غريب. أدهم لاحظهم هو كمان.

أدهم (ساخر): مالهم؟ بيقلبوا العيش زي الكوتشينة كده ليه؟

فؤاد (مشدود): معناها إن النفوس لسه شايلة.

ضحك أدهم ضحكة خفيفة، لكنه بسرعة رجع ببرود.

أدهم: أمال لو مكنش طعني من اقل من يومين... كانوا هيعملوا إيه؟ وانت؟ إزاي لسه سايب عماد عايش؟

فؤاد سكت ثواني، عينه فيها نار، لكنه اتنهد.

فؤاد: رجالتنا برا. جوه هنا... الوضع مختلف. لوحدي مش هقدر عليه بس في نفس الوقت ميقدرش هوه يكرر الي عمله

ابتسامة خبيثة رسمت على وش أدهم. وقف، وبدأ يفك قميصه ببطء.

أدهم (وهو بيقلع القميص): فلوسك هتغطي على اللي هيحصل... صح؟

تردد بسيط ظهر على وش فؤاد، لكنه أومأ. لحظتها الكل بدأ يركز عليهم، الجو في العنبر اتغير.

أدهم تحرك ناحية أحد الأركان، لقف كام موس حلاقة مهرب. قعد يربط اتنين منهم مع بعض بسلك قديم كان مخبي، إيده بتنزف بس ملامحه ما اتغيرتش. الدم نازل على الأرض، ورغم كده إيده ثابتة.

عماد، اللي كان في الجنب، قرب بخطوة مترددة.

عماد (مضطرب): إنت... إنت ناوي على إيه؟

أدهم ما رفعش عينه. لف الأمواس في إيده، جرب وزنهم.

ادهم ( بحزن ) : تعرف يا عماد انا عمري ما كنت عايز اكون هنا ولا اعمل الي بعمله ده بس الانجاس من نوعك مبيسبوش حد في حاله

اتوتر عماد اكتر و مكنش خايف من الكلام قد النظره الفاضيه في عيون ادهم الي كانت بتبلغ بمولد كارثه

عماد ( بخوف كرر السؤال ) : ادهم .. عايز ايه

رفع ادهم عينه بابتسامه هاديه

أدهم (ببرود): سلاح... عشان لما أقطع رقبتك، ما تعبش كتير.

الصمت خيم على المكان. الكل وقف يتفرج، أنفاسهم محبوسة، وبرق ضرب في السما برا كأن الدنيا نفسها واقفة تستنى اللي هيحصل.

قعد أدهم لحد ما ربط كل الأمواس ببعض، شدهم شدة خفيفة واتأكد إن كل حاجة تمام. قبل ما يتحرك، زي ما كان متوقع، نزل عليه عماد بضربة زي الشاكوش من الخوف والتوتر، لكن في ثانية، كانت رجل عماد متشرحة بالأمواس اللي أدهم سحبها بسرعة، الجلد اتقطع واللحم اتفتت.

عماد (بيصرخ ودموعه بتنزل): "آآآآه! ر-رجلييي!"

أدهم وقف بهدوء، بص للخمسة التانيين بابتسامة ما كانتش على وشه قبل كده – ابتسامة شيطانية خلت الدم يتجمد في عروقهم.

أدهم (ببرود وبصوت منخفض): مش هتحبوا تجربوا نفس الإحساس؟ تقدروا ترجعوا... لو مش عايزين تموتوا.

الخمسة رجعوا خطوة الورى فوراً، عارفين إن اللي جاي ما فيهوش رحمة، دي بقت مسألة حياة أو موت. رجعت نظرة أدهم لعماد اللي واقع على الأرض، صرخاته مليا المكان. مسك شعره وسحبه لحد باب الزنزانة، خبط دماغه في الباب وخلاه يحس بالبرد المعدن في جمجمته.

أدهم (بصوت هادي): "تعرف يا عماد... عمري ما جربت إحساس إني أقتل حد. بس دلوقتي، لقيت نفسي بسأل سؤال بسيط..."

نزل برأسه قريب من ودنه، الكلام طالع من بين شفايفه بهمس بارد زي السكين.

أدهم: تفتكر إيه الشعور والجلد بيتفصل عن اللحم؟ واللحم عن العضم؟ وسخونة دمك بتنزل بين صوابعي وصوت عضمك وهو بيتكسر... يا ترى الطعم ده هيبقى عامل إزاي؟

عماد عينه اتسعت من الرعب، قلبه بيدق بجنون. اللي قدامه مش مجرد واحد بيدور على انتقام... ده واحد بيكسر الحاجز اللي بينه وبين الجنون.

عماد (بيعيط ورجليه بتترعش): أبوس رجليك! مش هقرب تاني... أرحمني يا أدهم، الرحمة!

أدهم بعينين فاضية، بدون أثر للمشاعر، ربط حبل الأمواس في طرف باب الزنزانة ولفه حوالين رقبة عماد. أي حركة بسيطة كانت كفيلة تفصل راسه عن جسمه. وقف أدهم، بص له لحظة، وبدل ما يخلص عليه، رجع بخطوات هادية، سايب عماد يتنفس رعبه مع كل نفس بياخده.

الزنزانة كلها سكتت... حتى الأنفاس بقت تتاخد بحذر. اللي حصل ما كانش مجرد تهديد، كان كأنه الموت نفسه دخل المكان. بص أدهم لعماد اللي قاعد بيعيط وبيتوسل، وعيونه فاضية مافيهاش أي رحمة.

أدهم (بهدوء وبرود): تعرف يا عماد... أنا عشت زي قطة شوارع، الناس بتضربها عشان تضحك. بس دلوقتي... كلكم هتشوفوا أسد، هينهش في لحمكم، ومش هفرق... كبير ولا صغير، كله هيدفع، بس التمن بيختلف.

الكلام نزل على عماد زي الصاعقة، والزنزانة كلها فضلت ساكتة، الكل واقف مش قادر يتنفس. بعد شوية، بدأت خطوات الظباط تقرب على صوت الصريخ.

عماد (برعب وخوف وصوت مبحوح): لا... لا! أوعي... أبوس رجليكم... لا لا لا!!

لكن الكلام اختفى مع صوت المفتاح وهو بيلف في الباب. الباب اتفتح ببطء... والكل اتجمد.

رأس عماد اتدحرجت على الأرض، عينه لسه فيها نظرة الرعب الأخيرة، والدم سايح حواليها. جسمه متعلق على الباب، منظر بشع خلا الظابط اللي دخل يتجمد مكانه، عينه مفتوحة ورجله مش قادرة تتحرك. الزنزانة كلها تحولت لساحة صمت... بس في قلب الصمت ده، أدهم قاعد على الحيطة قدام الباب، مبتسم بهدوء بعيون فاضية وإيده غرقانة ددمم، زي ديب لسه مخلص أكله.

أول ما لمح الظباط إيد أدهم اللي مليانة ددمم، جريوا عليه وربطوه بإيديهم قدام الأمين اللي رفع إيده وسط كل المساجين ونزلت على وش أدهم بقوة.

عرفات (صرخ برعب وغضب): انت إيه؟ شيطان؟!

بص له أدهم بعيون هادية، تف الدم على جنب وعلي صوته وهو بيقول بخبث وسخرية:

أدهم: يا رجالة... حد فيكم شافني بقتل عماد أو حتى قربت منه؟

نزلت عيون المساجين للأرض، واتقالت الكذبة بصوت واطي زي الهمس: "لأ."

اتلجم الأمين، معرفش يتصرف... بس وسط التوتر ده، قام فؤاد الحديدي، حط إيده على كتف الأمين وهو مبتسم بهدوء كأنه متعود على المنظر.

فؤاد الحديدي (ببرود): أظن سمعت الإجابة يا عرفات... خد الجثة دي، ريحتها بقت وحشة.

رجع فؤاد وقعد، ابتسامته لسه على وشه، وبصوت ساخر قال:

فؤاد الحديدي: صعبان عليا عماد... صغير على الانتحار.

مكنش قدام الظابط الي انه ياخد الجثه و يخرج و ادهم ببساطه عدل لبسه و قعد جمب فؤاد ب ابتسامه هاديه و بعد ما خرج الظباط بدا الاثنين يضحكو بصوت عالي ادهم كلن بيضحك و دموعه بتنزل و فؤاد كان بيضحك لانه عرف ان ادهم مشي اما الي موجود دلوقتي .... حتي هوه ميعرفش ده ايه

لمحت عيون فؤاد الخاتم في ايد ادهم

فؤاد ضحك ضحكة قصيرة، لكن ملامحه ماخبيتش استغرابه فؤاد و. قعد قدامه، ماسك نظرة أدهم اللي ما تغيرتش.

فؤاد الحديدي: لو مكنتش أعرفك كنت قلت إنك زعلان عليها... بس اللي مش داخل دماغي، ليه لسه لابس الخاتم ده؟

أدهم بص لخاتمه ثانية، حركه بين صوابعه كأنه بيسترجع ذكرى، وبعدها رفع إيده تحت نور القضبان اللي داخلة من برا الزنزانة.

أدهم (بابتسامة هادية): وعدتها أرجعه... وعمري ما خلفت وعدي ليها.

كلامه دخل دماغ فؤاد لحظة، بس بعدها اتبدلت ملامحه وصارت على وشك الصدمة، كأن ريح باردة عدت في المكان.

أدهم (همس وعينه على الخاتم): هيبقى شكله حلو عليها... وهي جثة.

عيون أدهم الخضرا كانت زي بحر غريق، مفيهوش قرار... جوه النظرة دي ضاع كل اللي كان، وكل اللي لسه جاي. هو لغز... للكل، ويمكن حتى لنفسه

...

يوم... شهر... سنة... سنتين.
كل يوم كان ضربة مطرقة على روحه، وكل ليلة أتعلم فيها إن السجن مش بس حيطان... السجن لما تبقى حر براسك ومتكتف بجسمك.

المطر كان بيغسل الشوارع، وريحة الأرض المبلولة طالعة مع أنفاس البرد. العيال بتجري في الساحة البعيدة، صوتهم ضايع وسط الرعد.

(طخ!)

الباب الحديد اتفتح، اتحرك أدهم... خطواته بطيئة، مش عشان تعبان، عشان كل خطوة كانت بتدوس على ذكرى في المكان ده. السجناء على الجانبين:

واحد بيهمس لصاحبه: ده أدهم هارون....

التاني بيرد: "محدش لعبها زيه... ده ركع الكل في سنتين"

بس أدهم؟ ودانه سامعة، بس قلبه في حتة تانية. عيونه الخضرا ماسكة في بوابة السجن اللي بتصغر كل ما يقرب منها.

وصل عند الظابط، اللي كان بيقلب في الأوراق بتوتر:

الظابط (بيرفع راسه) : أدهم هارون... مبروك الخروج. امضي هنا.

مد أدهم إيده، أمضى من غير كلمة. الورقة اتطوت، وباب السجن الكبير اتفتح بصوت بيخربش في القلب.
وقف لحظة... بص وراه، ابتسامة هادية على شفايفه:
"الحيطان بتنسى... بس اللي جوه القلب عمره ما بينسى."

قدامه الطريق... والمطر بينزل زي ستارة سودة.
دقايق وعدت، عربية BMW سودا وقفت قدامه، الإزاز اتفتح ببطء.
نزل هشام، الراجل الكبير، رأسه لتحت وصوته واطي:

هشام: جاهزين.

أدهم (من غير ما يبصله): تحرك.

ركب العربية، الباب اتقفل، والزجاج اتعتم.
عنينا لأدهم... بص للطريق، بعدها غمض عينه لحظة. ريحة المطر... صوت قلبه... واسم واحد بيرن في دماغه: "اسامة."

فتح عينه... والابتسامة راحت الطريق طويل يمكن حتي يموت بس هل ادهم لسه بيخاف من الموت؟

بعد ساعتين، وقفت العربية قدام فيلا قديمة باين عليها آثار الزمن. الحوائط مشققة، والبوابة الحديد بتصدر صوت صرير مع أقل نسمة هوا. هشام طلع كومة أوراق من جنب الكرسي وناولها لأدهم بابتسامة هادية لكن عينيه فيها توتر مخفي.

هشام (بهدوء واحترافية): ده الورق اللي طلبته.

أدهم مسك الورق وقلب فيه ببرود. عنيه بتمر على الأسامي وتفاصيل قضية فؤاد الحديدي من غير ما يرمش كأن الحكاية مش فارقة معاه. فجأة، وقف عند نقطة معينة في الورق، رفع عينه لهشام وسأله بصوت منخفض لكن تقيل زي الرصاص:

أدهم (بهدوء قاتل): الورق ناقص. فين أسامي اللي قبضوا على فؤاد؟ عايز كل ظابط وعسكري... واللي عنده عيلة تجيبلي اسم عياله الثلاثي. مفهوم؟

هشام اتفاجئ شوية، بس بسرعة هز راسه بموافقة مستسلمة:

هشام: مفهوم... حاجة تانية؟

فتح أدهم باب العربية ونزل بخطوات هادية لكنها تقيلة، وهشام فهم الإشارة وسحب العربية ومشي يجهز الورق. أدهم وقف لحظة قدام الفيلا، بص حواليه كأنه بيستوعب التغيير اللي حصله، وبعدين دخل.

الخدامين كانوا مستنينه عند الباب، واحد فيهم اتقدم وقال بحذر:

الخادم: أستاذ أدهم... الحمام جاهز.

ضحكة خفيفة طلعت من جواه، ضحكة فيها مرارة. "الزمن غريب..." فكر أدهم، اللي كان من يومين بينام على بلاط السجن وبيفتح عينه على صوت صريخ أو خناقة، ودلوقتي في حد بيسخنله الحمام.

دخل الحمام وبدأ يخلع هدومه، كل قطعة بتقع كأنها بتشيل معاها طبقة من الهموم اللي شالها السنين اللي فاتت. وقف قدام المراية، لأول مرة من سنتين يبص على نفسه بتمعّن.

مد إيده على الندوب اللي مليا جسمه... كل خط حكاية، كل جرح ذكرى. عضلاته بقت مشدودة، جسمه منحوت مش نتيجة رفاهية... ده شغل سنين من الألم والصمود. عينه وقعت على ندبة كبيرة في ضلوعه، لمسة خفيفة عليها رجعته لفلاش باك خاطف – زنزانة ضيقة، صوت ضرب، نفسه المتقطع، وصوت حد بيصرخ اسمه من بعيد. رمش بسرعة عشان يطرد الصورة من دماغه.

ضحك... ضحكة واطية بس تقيلة، كأنها خارجة من بئر جواه مليان مرارة. قال لنفسه بصوت خافت:

أدهم: اللي في المراية ده... مش أنا... أو يمكن أنا اللي كنت مخدوع في اللي كنت عليه.

لفت المية السخنة حواليه، بس السخونة دي مكنتش قادرة تدفي التلج اللي جواه. الزمن فعلاً قتل جزء منه، واللي باقي... حاجة تانية تمامًا.

خرج أدهم بعدها، جسمه مغطى بفوطة بسيطة، قطرات المية لسه بتنساب على جلده المشدود والندوب اللي بتحكي عن معارك عاشها جوه السجن. قعد على السفرة، الأكل قدامه مرتب بطريقة تليق بمكان زي ده، بس عينه وقعت على العيش. لحظة صمت مرت قبل ما يمد إيده ويقلب العيش قطعة وراء التانية، كأنها عادة بقت محفورة فيه.

ضحك لنفسه بهدوء، وصوت كلمات فؤاد الحديدي بيرن في دماغه: "معناها إن النفوس لسه شايلة." جملة بسيطة، بس وزنها عنده كان تقيل... تقيل أوي.

أخد نفس عميق، وكمل أكله ببطء، كأنه بيسترجع طعم الحياة برا القضبان. وبعد ما خلص، قام بخطوات هادية ناحية الأوضة، الباب اتقفل وراه، وغرِق في السرير، عينه بتبص للسقف لكن دماغه مش هنا... أفكاره كلها في اللي جاي اتنهد و مال علي جنبه نام لاول مره من سنين بهدواء

.....

فتح أدهم عينيه فجأة، لقى نفسه في مكان غريب، طاير في السما، كل حاجة حواليه ضباب وسحاب. الهوا كان بيلطم وشه بقوة، وهو بيبص حواليه مش فاهم إزاي وصل هنا. قلبه بيدق بسرعة والخوف ماسك فيه. فجأة، سمع ضحكة مألوفة بس مريبة.

"هههههههههههههه."

لف بسرعة ناحية الصوت، عينيه اتسمرت مكانها. فوق برج عالي، راسه داخل في السحاب، كان واقف شخص... لأ، ماكانش أي حد، ده كان هو نفسه! نفس الملامح، نفس العيون الخضرا، لكن الجروح مغطية جسمه، والدم نازل تحت رجليه عامل بركة صغيرة، ومع كل ده كان بيضحك، ضحكة فيها سيريالية وجنون.

بص أدهم حواليه لقى تحت البرج جيش كامل، آلاف واقفين مرعوبين، عنيهم مرفوعة للنسخة اللي فوق البرج كأنهم شايفين الشيطان بنفسه. في وسط الرعب ده، رفع "أدهم اللي فوق البرج" عينه ليه، ونظرته كانت زي السهام بتخترق القلب. فجأة، بدأ يتكلم بصوت عالي، صوته كأنه صدى جاي من كل حتة حواليه.

"أعزائي الحضور الكرام على الأرض... أحب أبلغكم إن كل إنسان... ذكي كان أو غبي... صغير كان أو كبير... غني كان أو فقير... هوه رهينة تحت إيدي 8 مليار إنسان!"

الكلمات وقعت على ودن أدهم زي مطرقة، قلبه اتقبض، وبدأ يتراجع خطوتين، بس رجليه تقيلة كأن الأرض ماسكاه. رجع يبص للنسخة اللي فوق البرج، لقاه بيبتسم ابتسامة هادية لكن مليانة تهديد. وفجأة، بدأ يهمس... والهمسات دخلت ودن أدهم كأنها بتتقال جنبه.

"في قمه الهيكل ... عين ترا الجميع...في ارض الذائب وجب من اجتماع قطيع ."

مدت النسخة الملطخة بالدم إيدها لأدهم. التردد كان ماسكه، بس لقى نفسه بيقرب غصب عنه. إيده اتحركت لوحدها، وكل ما قرب أكتر، البرودة زادت كأنها طالعة من جبل جليدي. أول ما أطراف صوابعه لمست صوابع النسخة دي...

فجأة!

.....

"هوف! هوف!"

صحى أدهم بفزع، جسمه كله عرقان، العرق بينقط من جبينه، وقلبه بيدق بسرعة تكاد تفرقعه. عيونه الخضرا بتلمع في الضلمة، فيها خوف حقيقي أول مرة يحس بيه من سنين. إيده بتترعش، وأنفاسه ضحلة وسريعة، كأن الحلم كان أكتر من مجرد كابوس...

رنت التليفون دخلت ودان أدهم، الصوت كان زي طلقة صحته من الغرق في العرق والخوف اللي لسه متمكن منه. مد إيده المرتعشة، مسك التليفون، عيونه الخضرا اللي لسه فيها بقايا الرعب بصت للشاشة... رقم هشام.

ضغط على زر الرد، رفع التليفون لودنه، صوته رجع للبرود المعتاد، كأن اللي حصله من شوية ماكنش غير كابوس عابر:

هشام (بهدوء ثابت): الورق جاهز يا أدهم بكل اللي طلبته.

وقف أدهم، جسمه العاري لامع من العرق، شد أنفاسه كأنه بيلم شتات نفسه. سحب التيشيرت من على الكرسي، لبسه على مهل، عيونه رجعت للبرود اللي بيقتل أي عاطفة. وهو بيلبس البنطلون، ضغط زر الاسبيكر، صوته تقيل وبيرن في الأوضة:

أدهم (ببرود): أيوه... هات الورق، وجهز تسعة رجالة... ومليون أو اتنين، هنحتاجهم في اللي جاي.

هشام: تمام.

اتقفل الخط. أدهم كمل لبسه بهدوء، عيونه اتسمرت في المراية لحظة... انعكاسه بيرجع يذكره بالكابوس، بس ابتسامة خفيفة طلعت على شفايفه، ابتسامة بتوعد إن اللي جاي... هيكون جحيم.

نزل أدهم وعيونه زي بحر مالوش نهاية، مشى بهدوء للعربية وركب، خد الورق وبدأ يقرأ بتفاصيل القضية ببرود تام.

أدهم (بهدوء): اتحرك على عنوان محمد محسوب.

اتفاجئ هشام شوية قبل ما يتكلم.

هشام (بتوتر): محمد محسوب؟ بس ده أمن دولة، يعني حراسة ومراقبة... لو احتجنا نتصرف معاه ممكن...

قبل ما يكمل، بصله أدهم بعيون هادية وتنهد وهو بيولع سيجارته، وكان فيه خيبة أمل في صوته.

أدهم: حد قالك إننا بلطجية أو إننا رايحين نقتله؟ متشغلش دماغك يا هشام... اتحرك، والي أقوله يتنفذ، مفهوم؟

اتعصب هشام من نبرة أدهم اللي كانت كأنه بيكلم خدام، شد على فكه وأعصابه ظهرت. أدهم ابتسم وهو شايف رد فعله، بصوت مكتوم.

هشام: مفهوم.

اتحركت العربية وأدهم بص من الشباك، وبعد خمس دقايق اتكلم ببرود قاتل.

أدهم (بتعبير بارد زي التلج): حاول تخفي نظرتك شوية يا هشام، أنا فاهم إنك عايز تقتلني... بس حاول متظهرش ده على وشك، أو على الأقل ميكونش واضح. مش عايز اقتلك دلوقتي، انت مفيد حاليًا... على الأقل.

انصدم هشام، لف راسه وبص لعيون أدهم الخضرا، لكن اللي رعبه أكتر إن ده فعلًا كان في دماغه أو فكرة عابرة جاتله.

هشام (بصوت مهزوز): أنا... مفكرتش في كده، بس...

قبل ما يكمل، أدهم رد ببرود من غير ما يحول عينه عن الشباك.

أدهم: لا، فكرت... بس مش هتعرف تفسر لفؤاد اللي بيعتبرني دلوقتي أمله الوحيد إنه يخرج. أنت مستني فرصة تقتلني أو تعرف إزاي هخرّجه وتبقى أنت اللي خرجت فؤاد، وبكده تخلص من "العيل" اللي بيقولك تعمل إيه ومتعملش إيه. عموماً... ده تفكير منطقي، بس مش لازم يظهر... عشان مقتلكش .

سكت هشام وعينه مش مفارقه الطريق، أما أدهم فكان عقله شغال زي آلة حاسبة معقدة. الدنيا في عينه بقت معادلات وألغاز بيحلها بهدوء قاتل. الرحمة؟ الخوف؟ السعادة؟ الحزن؟ كلها مشاعر تحولت لرف مهجور في دماغه، مابقاش ليها أي قيمة قدام هدفه. كل خطوة محسوبة، وكل نفس بياخده ليه وزن في المعادلة اللي بيرسمها.

بعد نص ساعة من الصمت المشحون، وقفت العربية قدام بيت محمد محسوب. أدهم، وهو ماسك السيجارة بين صوابعه، كان بيراقب المكان بعيونه اللي لونها أخضر بس برودها زي الجليد. ركز على كل حركة، كل تفصيلة، كأنه أسد بيراقب فريسته في اللحظة اللي قبل الانقضاض. العربيات بتمر حواليهم، صوت الكلاكسات بعيد، والجو كان مشحون بتوتر ساكن، كأن الزمن نفسه وقف مستني الحركة الجاية.

محمد محسوب طلع من البيت بخطوات هادية، ركب عربيته من غير ما يحس إن في عيون متسمرة عليه. أدهم نفخ نفس طويل من السيجارة، عيونه متحركتش عنه لحظة. رفع عينه لهشام، قال بصوت واطي لكن مليان بأمر مابيتناقشش:

"انزل يا هشام."

هشام استغرب، لكنه ما لحقش يسأل. نزل من العربية بسرعة، وقبل ما يقفل الباب حتى، كان أدهم دايس بنزين وطاير ورا عربية محمد محسوب. الكاوتش صرّخ على الأسفلت، والدخان طلع من ورا العربية، والمطاردة بدأت. الطريق قدامهم مفروش بكشافات الشوارع الباهتة، وزحمة العربيات اللي بتدي إحساس خانق، لكن في وسط كل ده، أدهم كان شايف هدفه بس،

ادهم داس على البنزين، والعربية انطلقت بسرعة وسط الشوارع المزدحمة. عينه كانت مركزة على المراية الجانبية، بيراقب محمد محسوب اللي أخيرًا لاحظ الملاحقة. رفع محمد حاجبه، لف الدركسيون ناحية شارع جانبي، لكن ادهم كان متوقع الحركة دي. قبل ما يلحق يفكر في خطة جديدة، ادهم بيديه الثابتة طلع المسدس من جنب الكرسي، لف العربية بحدة، وضرب طلقة مباشر

......

احب اسمع رايكم لو حد لاحظ غلطه او حاجه ياريت يقولي عشان اقدر احسن من كتابتي+ قررت اعمل فعاليه بسيطه اي حد عايز اسمه يتحط غي القصه يكتبه بس طبعا بقول اسم منطقي عشان اعرف احطه يعني ميحطش مثلا ( دراحون ستورم ) وهكذا بس كدا قولولي رايكم 🙂
 


أكتب ردك...

مواضيع مشابهة

أعلى أسفل