• سجل عضوية لنشر مواضيع ومشاركات ومحادثة الأعضاء بدون إزعاج الإعلانات

مكتملة الزمار - توفيق الحكيم (1 مشاهد)

ابيقور

ميلفاوي أبلودر
العضوية الفضية
ميلفاوي معلم
عضو
ناشر قصص
ميلفاوي نشيط
إنضم
21 سبتمبر 2023
المشاركات
563
مستوى التفاعل
310
نقاط
620
النوع
ذكر
الميول
طبيعي

الزمار​

(مكتب طبيب صحة في الأرياف، قاعة عارية الأرض بها مكتب قديم، وبضعة كراسي من القش فوق حصيرة، وبعض خرائط طبية على الحائط، وخرائط جغرافية لبلدة «تلا» ومقياس للنظر، وطشت صيني فوق حمَّالة تصبُّ فيه حنفية صغيرة مركَّبة في صهريج صغير من الزنك مُعَلَّق بالجدار، وبالقاعة نافذة تظهر منها مزارع خضراء وسيمافور سكة حديد مصرية، وبالجدار آلة «تليفون» من طراز «تلفونات» المراكز، وباب القاعة مفتوح على مصراعَيه، يؤدي إلى شِبه صالةٍ بها بعض دكك خشبية للجلوس … «التمرجي سالم» نائم على المكتب، ورهط من الفلَّاحين والفلاحات والأطفال مكدَّسون، بعضهم فوق بعض، بمدخل باب القاعة، وهم يزحفون شيئًا فشيئًا إلى داخلها في لغط، وقد ارتفع صوت صياح *** في حجر أُمِّه، حتى كاد يُغطِّي على غطيط «التمرجي»!)

سالم (يرفع رأسه) : اكتمي نفس الواد يا حُرمة … ألا أقوم أقطم لك رقبتُه!
الحرمة : الغيار إمتی یا حضرة الصحة؟
(سالم يغط.)
(بعد لحظة.)
الغيار!
سالم (وهو مُغمِض) : هس!
الحرمة (تصيح) : الغيار!
سالم (يفتح عينَيه) : يا ولية طيَّرتِ النوم الحلو من عيني!
الحرمة (في توسل) : الغيار!
سالم : إنتِ عليكي عفريت اسمه الغيار؟
الحرمة : أحب على إيدك تغير للولد.
سالم : لمَّا يجيني مزاجي!
فلاح : باجور الضُّحى فات من بدري يا افندي!
سالم : عجايب! وحياة النبي أقوم أكب عليكم حمض فنيك!
(صمت.)

الحرمة (في همس) : بقى لنا هنا ياخواتي من طلعة الشمس.
فلاح ثانٍ : وأنا هنا من الفجر!
الفلاح الأول : الميت زمانه عفِّن!
حرمة ثانية : ميت مين؟
الفلاح الأول : البرَكة فيكي … خالي إبراهيم الجرف … عايزين له شهادة دفن من الصحة.
الحرمة الأولى (في همس تُشير إلى «سالم») : هو ده مش الحكيم الكبير؟
الفلاح الثاني (في همس) : دا «سي سالم التمرجي» ماحضرتُهشِ في ليالي؟ عقبال ما يجي لك في الأفراح!
الحرمة (في استنكار) : أفراح؟! … إنشا **** انت اللي يجي لك في الأفراح … أنا كنت سارقة فراخك، والَّا حارقة دارك لمَّا تِدعي عليَّ؟!
سالم (يصيح بهم) : بس يا عيَّان انتَ وهوَّه.
الحرمة : یا «أفندي» اعمل معروف! … الولد!
(سالم يغط.)
رجع شخر ثاني … يا غلبي!
فلاح ثالث : فوَّقيه بحق الدخان!
الحرمة : معايه حق المدعوق الدخان … بس يصحى لنا … الولد ما نامش الليل!
الفلاح الأول : روحي صحِّيه … ألَّا سوق الاثنين فات.
الحرمة : ما تروح انت!
الفلاح الثاني : روحي قوليله ندرًا عليَّ أطاهِر الولد؛ وأسهَّرَك في سبوعه!
الحرمة : بِعد الشر عليَّ وعلى أولادي!
صوت في الطريق (في ترنيمٍ عربي) : وين … وين … وين يا عرب! … وين … وين … وين يا عرب! … (ثم صوت زغاريد.)
الفلاح الأول : الناس راجعة من السوق!
الصوت في الطريق : وين … وين … وين يا عرب.
سالم (يصحو وينهض وقد أرهف السمع) : ده فرح والَّا مِتهيألي؟
(يدنو من النافذة وينظر إلى الطريق.)

الفلاح الثاني : فرح عربان یا «افندي»!
سالم (ناظرًا من النافذة) : آي و**** … الصندوق الأحمر جديد مزوَّق، فوق الجمل، وحتِّتين النحاس في إيديهم، وراس السُّكَّر القُمع طالَّة من جوه الخُرج!
(يصيح في النافذة مُترنمًا مثل العرب: وين … وين … وين ياعرب!)
(ثم يُهرَع إلى دولاب الأدوية والإسعاف الصغير المُعلَّق بالجدار، ويتناول من فوقه مزمارًا من البوص، يعودُ به إلى النافذة مُسرعًا وهو يزمِّر به موَّالًا ريفيًّا ثم يصيح.)
های یا شیخ العرب! … جاي لك يا شيخ العرب! … حضَّر الفتِّ والدِّبيح يا شيخ العرب! (ثم يعود إلى الزمر: لو … لو … لو …)
الحرمة : الولد یا «افندي»! … الولد عَياه شديد!
الفلاح الأول (في رجاء) : إدفن لنا الراجل يا سِيدنا «الافندي»!
سالم : هس! … سمع … سمع.
(ينفخ في الأرغول.)

الفلاح الأول (يتمتم) : لسه ما طلعوش بالميت هناك، وأنا قاعد أسمع أرغول هنا؟!
سالم (يلتفت إلى الفلاح الثاني بقربه) : اطلع يا واد اجري ورا الجماعة العرب دول، شوفهم مسهَّرين الليلة مين.
(الفلاح الثاني يخرج مُسرعًا، «سالم التمرجي» يضع المِزمار تحت إبطِه، ويُطلُّ من النافذة قائلًا للفلاح الذي خرج خلف الأعراب.)

سالم : اسمع يا واد! … قول لهم عندنا اللي ينشد قصايد على الأرغول ويزف بلدي، ويغني مواويل حُمر!
الحرمة : الولد سخسخ في إيدي يا جناب الأفندي … الحقني!
سالم : اسكتي يا حرمة مش وقته!
(يعود إلى النظر من النافذة.)

الفلاح الأول : يا سي الأفندي … اعمل معروف، ادفن لنا الراجل!
سالم (يلتفت، وينظر إليه شزرًا) : حاضر! … طوِّل بال حضرتك عليَّ!
(صمت.)

الفلاح الأول (مستعطفًا) : أنا وقعت في مداسك يا أفندي … الميت بايت من ليلة امبارح، وقعد للشمس العالية من غير دفن، مستنظرين شهادة الصحة، زمانه عفن دلوقت!
سالم (ينظر إليه شزرًا) : إيه هو اللي عفِّن؟
الفلاح الأول : وعزيز راسك بايت وزمانه عفن!
سالم : وحُمُض والَّا لسه؟
الفلاح الأول (في توسل) : يا سِيدنا الأفندي!
سالم (ضائق الصدر) : بس بقى اتلم، وجَعْ في شقتك! … طول عمرنا ندفن أموات، بعد يوم، واتنين، واربعة، وعشرة، ماسمعناش حد قال: عفِّن ولا سوِّس! … الميت بتاعك انت يعني اللي حلاوة حُمصية؟
الفلاح الثاني (يعود من الخارج) : جاهم خابط!
سالم : عملت إيه؟
الفلاح الثاني : دول ما — تأخذنيش — عرب جرابيع، لا يعرفوا مواويل حُمر، ولا مواويل خُضر!
سالم : يعني الغرض! … مسهَّرين والَّا مش مسهرين؟
الفلاح الثاني : ما يفهموش الكلام ده … دول — من غير مؤاخذة — رايحين يطلقوا لهم في الهوا كم عيار بندق، ويِنزلوا سَقْف بإيديهم لمَّا يبطلوا … ويلهفوا العصيدة ملهلبة نار، وينفخوا بطونهم ويناموا!
سالم : وده اسمه فرح؟
الفلاح : فرح العربان كده يا افندي!
سالم : جات دول الغم في فرحهم!
الفلاح الثاني : معلهش! … عاود بكرة موسم الفول يطلع، وأفراح الفلاحين تكتر!
سالم : مش باين.
الفلاح الثاني : *** كريم!
سالم : موسم الغلة يطلع نقول موسم القطن، وموسم القطن نقول موسم الفول … لا حد بيفرح ولا يحزنون!
الفلاح الثالث : في موسم الفول الأشيا بإذن **** تبقى معدن!
سالم : شي **** يا موسم الفول!
الفلاح الثالث : اللي عنده ولد يِطاهره … اللي حَدَاه بِنَيَّة يكتب كتابها … واللي مراته عويلة يتجوز غيرها.
سالم : ما هو بس انتُم يا فلاحين مالكوش مزاج في الطرب!
الفلاح الأول : الوقت راح ياجناب الأفندي، إدفن لنا الراجل.
سالم : اتفرج! … شوف احنا بنقول في إيه، وابن الكلب ده بيقول في إيه! … ما عندوش مزاج أبدًا بالأصالة كده!
الفلاح الثاني : لو بس الفول جاب السنة عشر برايز!
سالم : لو جاب الفول عشر برايز تعمل إيه؟
الفلاح الثاني : أكتب كتابي!
الحرمة : النبي يافندي تغير للولد وتشوف الرغاوي اللي طالعه من بقه!
سالم : وبعدين بقا في القرف الحراتي ده؟!
الحرمة : والنبي يا حضرة الصحة … تنهضني.
سالم : اسمعي يا حرمة!
الحرمة : نعم!
سالم : عايزة ابنك يطيب؟ … اعملي له ليلة!
الحرمة (تُرهف أذنها) : لبخة؟
سالم : شوف بنت الكلب بردُه؟! … بقول لك ليلة … اعملي له ليلة بالطبل والأرغول!
الحرمة : ليله؟ … والنبي أعمل، ندرًا عليَّ، بس يطيب!
سالم : أنتم ناس مالكوش مزاج في الدنيا والسلام … طبعكم كده، أعمل لكم إيه؟ … أشتري لكم مزاج من السوق؟ … الموال ده بطال؟ … (يرفع أرغوله ويزمر) لو … لو … لو … (يسكت بين صمت بارد ولا يُجيبه أحد) أيوه بس وحِّدُوه! … أنتم فين؟!
الجميع (في خوف) : ****!
الفلاح الثاني (في تحمُّس متَزِّلفًا) : أحسنت يا «سي سالم»!
سالم : أيوه كده يا عیان … خليك صهبجي!
الجميع : ****! … كمان يا «سی سالم»!
سالم : بس! … سمع … سمع! … أنتم لسه شفتم حاجة؟ أمال بس لو كنت أغني لكم دور، من أدوار «الماكنة» اللي عند «سي عبد المنطلب» كنتم تقولوا إيه؟ … آخِر اسطوانات جات له من مصر شيء من ورا العقل! … لكن يا خسارة ما تفهموش أنتم الكلام ده … خلِّينا على قدِّنا … إسمعوا الوصلة دي (يزمر).
(يدخل عبد المطلب أفندي، وهو يشقُّ بقدمِهِ طريقًا بين جموع الفلاحين.)

عبد المطلب : ****! … ****! … ما شاء **** على دي صحة!
(سالم يُنزل المزمار ويلتفت إليه في صمت.)
بقى بذمتك دي صحة؟
سالم : معلوم! … أحسن صحة في المديرية!
عبد المطلب : حضرتك ناصب لي هنا سامر؟
سالم (ببرود) : مش شغلك!
عبد المطلب (ناظرًا إلى الفلاحين) : وأصناف اللبد دي إيه؟ … والحريم والعيال بدبَّانهم ووسخهم وقرفهم، ملمومين في أودة الكشف حواليك، زي اللي في المولد؟!
سالم : مالكش شأن!
عبد المطلب : الأمور دي ماتعجبش الدكتور یا «سی سالم» أديني بقولك! … يعني لو كان دخل عليك دلوقت، وشاف دي الحالة، مش كان يخصم منك يومين؟
سالم : الزَم مركزك يا «عبد المطلب افندي»!
عبد المطلب : عجايب!
سالم : مالك ومال أودة الكشف؟ … إنت لك أودة اسمها أودة كاتب الصحة، لمَّا أروح عندك، وانصب سامر ابقي اتكلم! … لكن هنا مالکش دخول إلَّا لمَّا يكون «الدكتور» موجود، تخش تودي البوستة وتخرج!
عبد المطلب (في حدة) : أنا أخش أتخن أودة تعجبني … أنا بصفتي أكبر موظف هنا بعد الدكتور أخش مطرح ما أخش … وأخش في عينيك دول كمان!
سالم : مفيش حاجة اسمها أكبر متوظف وأصغر متوظف!
عبد المطلب : بقى اسمع يا واد يا «سالم»، وشرفي إن ما كنت تلايمها وتبطل العنطزة وقلَّة الحيا ما اسكت عن رنك عريضة في حقك!
سالم : عريظة؟ … اكتب ياخويا ستين عريظة في بعض! … حاتقول إيه؟ … حرامي؟ … مُرتشي؟ … قمرتي؟ … ذمتي مفهومة عند الناس كلها! (يلتفت إلى الفلاحين) يا عيَّان انت وهوه أخدتش منكم قرش؟
الجميع : لأ (ينطقونها: لع)!
سالم (يستأنف) : غاية ما هناك إني أحب الحظ شوية!
عبد المطلب : شوية؟!
سالم : زي بعضه … وماله؟ … لكن أنا أعرف أقول لشنودة الصراف يهفَّك عريظة تطيرك من «تلا» «لإدفو»!
عبد المطلب (في قلق) : تقول إيه؟!
سالم : أقول حاجات مفهومة … أنا واخد بالي طيب، مش حمار! … أقول إن حضرتك فشر دلال المساحة وصراف المديرية، ضارب مهيات شهرية على العطارين، وأصحاب البوظ، والخُضرية! … بصفة إن منك كاتب صحة، ومعاون محلات، ومفتش ماكولات!
عبد المطلب (وهو يُلقي نظرة سريعة على الحاضرين) : وبعدين يا «سالم»؟
سالم : وأقول إنك كل ليلة تتجمع انت على كاتب ظبط المركز، على معاون راحات المحطة، على مخزنجي السباخ الكيماوي، وتقعدوا طول الليل في المخزن تلعبوا القمار على نور اللمبة نمرة خمسة، قيمة ليلتين مسكتم في خناق بعض؛ علشان ورقة، وانكسرت بلا قافية اللمبة، وكانت حاتشيل حريقة في المخزن!
عبد المطلب : اختشي یا «سالم» یا «تلاوي» … الأهالي واقفة!
سالم : ما يهمنيش؟
عبد المطلب (في رجاء وعتب) : يخلصك تقول الكلام ده قُدَّام الأهالي؟!
سالم : أيوه كده أمال صلح «نهاوند» بالعجل! … حاكم انت من غير مؤاخذة لسانك زفر!
عبد المطلب : أنا اللي لساني زفر؟
سالم : ما اعرفش بقا زفر، نضيف! … أنا مش حكيم!
عبد المطلب : يخونك يا «سالم» العيش والطرشي اللي تقعد تقزقز فيه عندي، وانت بتسمع اسطوانات «منيرة» و«سومة» و«عبد الوهاب» وتقول آه، وبقك مليان وتحدف طقيتك في الأرض!
سالم : ما حدش له فضل علي! … إنت راخر تخونك القراقيش!
عبد المطلب : مش ناکر! … (يغير لهجته) على فكرة يا سالم، عندي خبر رايح يطير عقلك تمام!
سالم (في لهفة) : الأسطوانات الجديدة جات لك من مصر؟
عبد المطلب : إسطوانات إيه؟ … أكثر من كده قوي! … قوي! … وأعجب من كده كتير! … خبر ما سمعتوش!
(الحرمة تعود إلى التوسل.)

الحرمة : إمتى بس الغيار يا حضرة الصحه؟
سالم : اسکتي یا حرمة، لمَّا نشوف الخبر العجيب!
عبد المطلب (لسالم) : إنت كنت فين ليلة امبارح؟
سالم (ناظرًا إليه) : كنت سهران عند «الخواجة جبور» الأجزجي!
عبد المطلب : نص عمرك راح!
سالم : ليه؟
عبد المطلب : عارف سومة، اللي بتسمعها في الفونوغراف؟
سالم : مالها؟
عبد المطلب : كانت هنا ليلة امبارح!
سالم : بلاش كدب!
عبد المطلب : وشرفك!
سالم : احلف كده بشرف أُمك!
عبد المطلب : وشرف أُمي غنت للصبح، في سراية «عيسوي بك»!
سالم (في دهشة) : سومة، اللي في «الماكنة»؟
عبد المطلب : آي «سومة» اللي اسطواناتها في «الماكنة»!
سالم : اللي مرسومة على علبة الإبر؟
عبد المطلب : وهو ألف «سومة» في مصر؟
سالم : كانت هنا في تلا؟
عبد المطلب : إنت مش فاهم عربي؟ … بقول لك كانت في سراية «عيسوي بك»!
سالم (بعد لحظة تأمُّل) : والناس شافوها؟
عبد المطلب : ناس مخصوصين!
سالم : وجنسها إيه؟
عبد المطلب : جنسها إيه إزاي؟
سالم (حالمًا) : هلبت دي حاجة مخلوقة من النور!
عبد المطلب : شوف بقا «سومة» كلها، اللي ما فيش مثلها في الدنيا!
سالم (بعد لحظة) : وغنت؟
عبد المطلب : للصبح! … والدكتور بتاعنا كان هناك، أمال هو تأخر عن المكتب النهارده ليه؟! وناس كبار كانوا في السراية معزومين! … البك المأمور، وكبار الموظفين والأعيان ذوي الحيثية في البلد!
سالم : وانت كنت معزوم؟
عبد المطلب : طبعًا!
سالم : كويس خالص! … ما فضلش هلفوت غيري أنا بقا؟ … أنا يعني اللي مش من ذوي الحيثية في البلد!
عبد المطلب : آه یا «سالم» لو كنت شفتها ساعة ما قالت: «اللي حبك يا هناه»! … أحسن طربوش بقى ينحدف تحت رجليها!
سالم (ينظر إلى طربوش عبد المطلب) : یعني طربوشك مش مطبق!
عبد المطلب (يخلع طربوشه وينظر إليه) : لازم وقع فوق المخدة الحرير، اللي كانت دايسة عليها!
سالم : وكانت دايسة على حرير؟
عبد المطلب : أمال يا بارد عايزها تدوس على قزاز!
سالم (لنفسه) : يادي الخسارة!
عبد المطلب : معلوم! … دي كانت ليلة من الجنة! … ليلة لا تحسب من العمر … من فينا كان يتصور يعيش، ويشوف «سومة» عن قُرب، في ليلة زي دي! … بس لَجْل احنا موعودين!
سالم (في ثورة) : نص عمري راح في شربة ميه يا مسلمين، ولا فيش بني آدم يعشق النبي ويديني خبر؟
عبد المطلب : هدي خلقك! … حد عارف انت كنت فين؟!
سالم : يخرب بيتك يا «جبور»! … كان مالي أنا ومال الخواجات، وسهر الأجزاجات؟!
عبد المطلب : علشان آخر الليل يشوفك بكاسين عرقي عند «طناشي» البقال!
سالم : يا خلق هوه! … هم اللي اختشوا ماتوا؟! هي مفيش إنسانية، ولا مروَّة في البلد؟! … تبقى يا «سی عبد المطلب» عارف ليلة زي دي ولا تقولليش؟
عبد المطلب : أصل المسألة جت فجأة … الست كانت مسافرة على البر من «اسكندرية» «لمصر» وعطل منها الأوتوموبيل، عند «بركة السبع»، وحيث إن «عيسوي بك» من معارفها اتكلموا في التليفون، قام عيسوي بك، ورجالته على بركة السبع، واستقبلوها!
سالم : وموجودة لسه في البلد؟
عبد المطلب : مسافرة دلوقت!
سالم (يتحرك بسرعة) : الحمد ***!
عبد المطلب (يمسك به) : جرى إيه يا «سالم»، على فين؟
سالم (يتملص) : سيبني!
عبد المطلب : رايح فين؟
سالم : أشوفها بس من بعيد … جنسها إيه!
عبد المطلب : طوِّل بالك!
سالم : ما تعطلنيش، اعمل معروف! … انت مفيش منك غير الخساير؟!
عبد المطلب : مش مسافرة دلوقت!
سالم (يقف) : إيش عرَّفَك؟
عبد المطلب : أوتوموبيلها لسه مكسور على السكة الزراعية، وقام له الصبح سواق عيسوي بك.
سالم : يعني ما أروحش دلوقت!
عبد المطلب : مفيش فايدة!
سالم : وأشوفها إمتى؟
عبد المطلب : ساعة ما تيجي مسافرة بأتومبيلها، حاتلاقي البلد كلها هاصت وطلعت تتفرج!
(لحظة صمت.)

سالم : إنت بقى يعني شفتها من قريب؟
عبد المطلب : يا سلام! … جمال إيه ده؟!
سالم : وسمعت صوتها من قريب؟
عبد المطلب : يا سلام! … ما تفكرنيش!
سالم : كويس خالص! … والدكتور راخر سمع وشاف؟
عبد المطلب : طبعًا … ودي عايزة كلام؟! … سمعها، وشافها، وكلمها!
سالم : وكان معاها تخت؟
عبد المطلب : لأ … التخت بتاعها في مصر … ماكانش معاها غير الملحن بتاعها و«زكريا»، و«سامي» الشاعر اللي بيكتب لها الطقاطيق والأدوار! … والمعلم «طوبة» متعهد الحفلات!
سالم : بس؟!
عبد المطلب : إنما سمع صحيح! … تخت إيه؟ … هي محتاجة لتخت؟
سالم : وسهرتم كتير؟
عبد المطلب : للفجر!
(سالم يتنهد.)
وتصور بعد سهرة زي دي، قال أروح بيتنا ألاقي مراتي فاتحة حلقها، وعايزة تنصب لي مولد! … أقول لك الحق دمِّي فار، رحت، شاكمها طيرت لها سِنِّتين!
سالم : من طقم أسنانها؟
عبد المطلب : يا ترى، كلام في سرك، مراة الدكتور حاتعمل له إيه، وأنا قمت وسبتُه لسه قاعد هناك؟!
سالم (يتنهد في ألم) : أنا اللي ضعت وصعت والسلام من دون الخلق!
عبد المطلب (باسما) : صحتك!
سالم : قال في ليلة زي دي أسهر عند «الخواجة جبور»، يقول لي شو بتحكي منديل الحلو عم بيطرف نن عيني … واقعد أخش له من مذهب، واطلع على دور، لمَّا طلَّع مذاهبي!
(عبد المطلب يضحك.)
سالم (ينظر إليه شزرًا) : بتضحك!
عبد المطلب : الغرض! … يمكن يكون لك قسمة يوم وتسمعها!
(ثم يتحرك للخروج.)

سالم (بلهفة) : فين؟
عبد المطلب (خارجًا) : في الأسطوانات الجديدة! … (يخرج.)
(لحظة صمت … سالم، يُطرق في حزن وألم.)

الفلاح الأول : صرح لنا بقا بالدفن يا سيدنا الافندي! … خللينا نطلع بالراجل!
سالم (يصيح في ضيق غير مُتمالك أعصابه) : أنا اللي مُتِّ واندفنت!
الفلاح الأول : طب ادفن لنا الراجل ده راخر، اعمل معروف ينوبك ثواب!
(سالم ساهمًا لا يُجيب.)

الفلاح (في إلحاح) : يا حضرة ما يصحش!
سالم (لنفسه صائحًا) : آه! … أنا اللي اندفنت!
الفلاح : واشمعنا بس احنا اللي قاعدين من غير دفن؟!
سالم : إف!
الفلاح : يا حضرة الصحة ادفنَّا!
سالم (ثائرًا) : یعني شایف مزاجي رايق دلوقت، علشان دفنك؟!
(لحظة صمت.)

(يذهب «سالم» إلى المكتب وهو مُطرق، وتدخل بعد لحظة خادمة حبشية سن ١٥.)

الخادمة الحبشية : عم سالم!
سالم (يرفع رأسه إليها) : عايزه إيه انت رخرة؟
الخادمة : تعالى كلم ستِّي!
سالم (يدير وجهه عنها) : مش فاضي!
الخادمة : ستي بتقولك هات الزمارة بتاعتك، وتعالى علشان عندنا ضيوف!
سالم (ناظرًا إلى الخادمة شزرًا) : ما شاء ****!
الخادمة : یعني جاي والَّا مش جاي؟
سالم : غرض حضرتكم أسيب الصحة، والتلفون، وأنفار الكشف، والغيار، وأروح أسلي الضيوف؟!
الخادمة : وماله؟ … ما انت كل يوم بتسيب الأنفار والغيار وتقوم تجري ما تصدق حد يقول لك زمَّر، إيش عجب النهارده؟!
سالم : كيفي كده النهاردة!
الخادمة : بعدين ستي تزعل … عندها مراة المأمور، وعايزين يسمعوا «سبَع سواقي»!
سالم : مفيش النهاردة لا سبَع سواقي ولا سبع جرادل!
الخادمة : والنبي بعدين ستي تقول لسيدي الدكتور لما يرجع!
سالم : يرجع منين؟
الخادمة : مش قام ليلة امبارح في حادثة ضرب نار؟
سالم : حادثة ضرب نار؟!
الخادمة : «البك المأمور» خبَّط علينا نص الليل وقال ناحية كفر الشيخ سليم فيها واقعة ضرب نار، وأخذ سيدي «الدكتور» وراح!
سالم : ضرب نار، والَّا ضرب عود، ما يهمنيش!
الخادمة : یعني مش ناوي تسمع الكلام يا «عم سالم»؟
سالم : إمشي يا بت من هنا، ما تفوريش دمي أكتر ماهو فاير، ألَّا أقوم أآيس وأكسر لك مفاتيح ضبك الوحش!
الخادمة : يا باي! … طب والنبي إن ما جيت وسمعت كلام ستي ما إلَّا يكون يومك النهارده يوم مقندل!
سالم : آه ياوش القرد ياصبغة اليود!
الخادمة : آه يازمار!
سالم (ينتفض) : بتقولي إيه؟
الخادمة (تشير بإصبعها على فمها مقلدة المزمار) : لُو … لُو … لُو … لُو …
سالم (كاظمًا) : إختشي با بت!
الخادمة : ياللي بتزمَّر بشوية قراقيش!
سالم (يلتفت إلى الفلاحين والفلاحات أمامه) : شاهدين؟ … وشرف أُمك ما أنا فايتك! … امسكوها يا أولاد!
الخادمة (تجري) : آي … یا دهوتي!
سالم (صائحًا) : حلقوا عليها … إمسكها ياعيان!
الخادمة (تصرخ وتهرب ممن يُريد مسكها) : يا خرابي! … يا دهوتي!
(الدكتور يدخل مُقابلًا الخادمة المُستغيثة، والمرضى يُحاولون القبض عليها.)

الدكتور : إيه ده؟ … جرى إيه الهيجان ده؟
الخادمة : إلحقني يا سيدي! … مُت! … «عم سالم» عاوز يموتني!
الدكتور (لسالم) : دي مش صحة أبدًا … واللي يقول كده كدَّاب … دا مُستشفى مهابيل! … إنت يا سي سالم عامل لي هنا مرستان؟
سالم : بتقول لي يا زمَّار!
الدكتور : وإيه يعني؟
الخادمة : كداب في أصل وشه!
الدكتور (للخادمة) : إمشي روحي!
(الخادمة تخرج.)

سالم : زمار؟ … وهي أبوها اللي كان كاتب في بوظة.
الدكتور : بس! … قصَّر بقا الكلام الفاضي اللي انت فالح فيه … إسمع أما أقول لك. أولًا اكنس لي المواشي دي من هنا بسرعة! … ألف مرة أقول لك الأودة بتاعتي مش زريبة تدخل فيها الأهالي بوسخهم، وقملهم، وقرفهم! … يالله بسرعة … فيه ناس جاية دلوقت هنا تتفرج!
سالم (باهتمام) : ناس مين؟
الدكتور : مش شأنك! … نضَّف الصحة بسرعة!
الحرمة : يا حضرة الدكتور الكبير!
سالم (يدفعها إلى الخارج مع بقية الفلاحين) : هس … على برة!
الدكتور (يشمر أكمامَه ويتجه إلى الطشت المُعلق والحنفية بالجدار) : ****! … فين الميه؟ … الحنفية فارغة! أنا مش قايل لك يا سي سالم، أول ما تصطبح تِملا الفنطاس؟ … الزير فيه ميه، والسقا ييجي في ميعاده؟
سالم : وأنا كنت فاضي؟ … مش قاعد من الصبح أغير لأنفار الغيار؟
الدكتور : قبل الغيار، ليه ما شفتش الحنفية بمجرد ما جيت؟
سالم : ؟
الدكتور : انكتمت ليه؟ … ما ترد!
سالم (في صوت خافت) : نسيت!
الدكتور : نسيت؟ … دايمًا تنسى، أنا و**** مش فاهم اللي دايمًا ينسى ده، يقعد يعمل إيه في الدنيا؟
سالم (في صوت خافت) : صدقت!
الدكتور : ناولني بقى القلَّة والسلام، أغسل وشي!
سالم (في دهشة) : تغسل وش مين؟
الدكتور : وش مين ازَّاي؟ … وشي أنا … فيه وش تاني هنا؟
سالم (في تردد) : حضرتك؟ … مش غسلت وشك الصبح في البيت؟
الدكتور (في حيرة) : في البيت … آه … أصل أنا بقا … أقول لك الحق نسيت.
سالم (في ابتسامة خفيفة خبيثة) : نسيت حضرتك تغسل وشك؟
الدكتور (مُنتهرًا) : أيوه نسيت … جرى إيه بقا يعني في الدنيا؟
سالم (في أدب) : لا … ولا حاجة … أنا قلت جرى حاجة!
(يذهب ويحضر القلَّة من الشباك.)

الدكتور (الصابون في وجهه وعيناه مُغمضتان يمدُّ يده) : صُب بلاش قلة أدب!
سالم (يحتج) : أنا مش قليل الأدب! … أنا حاكم أفهمها وهي طايرة! … حضرتك ماغسلتش وشك في البيت علشان كنت سهران!
الدكتور (يرفع رأسه فجأة ويفتح عينَيه في الصابون) : أنا؟ … سهران فين؟
سالم (مُستدركًا في خبث) : غرضي يعني في واقعة … واقعة ضرب نار ناحية كفر الشيخ سليم!
الدكتور : آه … أيوه … تمام! … تمام!
سالم (في خبث) : مش كده؟ … حضرتك بس نسيت!
الدكتور : أيوه صحيح نسيت!
سالم : آه … حاكم بقا اللي دايمًا ينسى.
الدكتور : وانت إيش عرَّفَك إني كنت في واقعة ناحية «كفر الشيخ سليم»؟
سالم : أمَّال إحنا قاعدين هنا نلعب؟ … مش الصبح جات إشارة تليفونية كفر الشيخ سليم، بأن الدكتور لسه ما وصلش لتشريح جثة قتيل؟!
الدكتور (كالمخاطب لنفسه) : بتقول إيه يا «سالم»؟ … إشارة تليفونية؟
سالم : أمال إيه؟ … ورديت وقلت لهم الدكتور قام هو وحضرة المأمور من قيمة ساعة! … مش حضرتك قمت مع حضرة المأمور؟
الدكتور : قمت فين؟ … خبرك اسود! … (يستدرك) أيوه … طبعًا قمت!
سالم : أنا بردُه قلت لهم كده!
الدكتور : والقتيل ده كان الليلة؟
سالم : مش حضرتك شرحت جثته؟
الدكتور : آه … طبعًا!
سالم (في خبث) : طبعًا!
الدكتور : والإشارة جت إمتى؟
سالم : بقول لحضرتك الصبح!
الدكتور (مفكرًا) : قتيل من عيار ناري؟
سالم (في خبث) : حضرتك أدرى!
الدكتور : أيوه … طبعًا … طبعًا … روح انت بقا تمِّم برَّه على أنفار الكشف!
سالم : نسيت أقول للدكتور خبر مُهم!
الدكتور : إيه كمان؟
سالم : عيسوي بك، بعت يعزم حضرتك في السراية، علشان تسمع الست سومة، بتاعة مصر!
الدكتور (في اندفاع) : عارف! … حصل … ما أنا … الغرض يعني إمتى الكلام ده؟
سالم : امبارح! … وعزموا كمان عبد المطلب أفندي.
الدكتور : من اللي قال لك عزموا عبد المطلب؟
سالم : هو بيقول إنه كان معزوم!
الدكتور : كدَّاب! … دا كان واقف على الباب الكبير مع الأغوات والسواقين.
سالم : حضرتك شفتُه؟
الدكتور : قصدي يعني لمحته، وأنا مارر بالصدفة، قدام السراية!
سالم : بقا ماكانش معزوم جوَّه مع ذوي الحيثية في البلد، وبقى يرمي طربوشه؟!
الدكتور : يرمي طربوشه برة في الجرن … معلهش!
سالم : على المخدة الحرير.
الدكتور : دي كانت ليلة خصوصية، مافيش معازيم ولا شي. أبدًا! … كل الموجودين عبارة عن سبع أشخاص!
سالم (في خبث) : وحضرتك شفتهم سبعة وانت مارر بالصدفة من قدام السراية؟
الدكتور : طبعًا! … یعني قصدي! … الغرض امشي انجرِّ من هنا … قليل الحيا!
سالم (يتحرك للخروج) : الحق عليَّ … غلطت!
الدكتور : إيش دخَّلك انت في مسائل زي دي؟ … أنا مش ملزوم أقول لك على أسراري الخصوصية … مابقاش الَّا كده!
(يسمع صوت بوق أوتوموبيل، في الخارج.)

سالم (صائحًا) : «الكومبيل»!
الدكتور (في لهفة) : أيوه … أهُم جم … اسمع يا سالم … بسرعة دخَّل الأهالي أودة المخزن واقفل عليهم … مش عايزين جنس نفر وسخ في الصالة! … اعمل معروف یا «سالم»! … إسعفني بحُسن تصرفاتك!
(سالم، يخرج مُسرعًا وهو ينتفض فرحًا وانفعالًا … الدكتور يُرتب هندامه بسرعة ويقف مُستعدًّا في موقفٍ مصطنع.)

(تدخل «سومة»، وحولها «عيسوي بك» و«سامي» و«زكريا» والمعلم طوبة، و«المأمور» و«سالم» خلفهم.)

الدكتور (يُهرَع إليهم) : أهلا … وسهلا … أهلا … أهلا.
سومة : أنا قلت لازم اوَدَّعك قبل ما أروح مصر … وادِيني جيت یا دکتور حسب الوعد!
الدكتور : مُتشكِّر خالص وممنون اللي تنازلتِ، الصحة نوَّرت وتشرفت بالزيارة … قهوة يا سالم!
سامي (يلتفت إلى أنحاء المكان) : دي الصحة؟
الدكتور : شيء على قد الحال! … صحة أرياف طبعًا! … مفيش استعداد ولا نضاقة!
عيسوي بك : أنا قلت لك يا دكتور خابر المصلحة وأنا أبيض لك الحيطان بالمصيص، وأدهنها لك بوية بالزيت!
سومة : البيت ده ملكك يا «عیسوي»؟
المأمور : البلد كلها تقريبًا ملك «عيسوي» بك!
عیسوي (للمعلم «طوبة» و«زكريا»، اللذين ينظران إلى مقياس النظر في ركن الحجرة) : ما تقرب هنا يا أستاذ زكريا … وانت یا «معلم طوبة» بتعمل إيه عندك؟ تعال أهو الدكتور موجود يكشف عليك (للدكتور) بعد انت ما سبتنا يا دكتور في الغيط، «المعلم طوبة» خاف يركب الحصان، قُمنا جبنا له، جحشة، وطلعت في دماغه قال يسابق الأستاذ «زكريا» راح متشقلب من فوق الجحشة وقع في المصرف!
(الجميع يضحكون.)

زكريا : قول الحمد *** المصرف كان ناشف، ولو كان فيه شبر ميه، كان طوبة غرق! … حاکم ده ما يعومش، وخيبته تقيلة!
سومة (ضاحكة) : أما يا دكتور ضحكنا ضحك!
طوبة : وماله؟ … حاكم ما يقعش إلَّا الشاطر.
الدكتور (ضاحكًا) : والأستاذ «زكريا»؟
زکریا : «زکریا»، دا خیبان ماوقعش!
المأمور : إنتم بتعملوا إيه عندكم؟
زكريا : بامتحن نظره!
الدكتور وسومة : وطلع إيه؟
زكريا : طلع شرك بالجوز! … وأنا اللي مش عاجبه طلعت صاغ سليم!
طوبة (يشير إلى المقياس) : الميزان ده مغشوش!
زكريا والجميع (ضاحكين) : دا مقياس الصحة!
سومة (ضاحكة) : الحقيقة إن طوبة أمره معروف! … هو مسكين بيقدر يقرا الإعلانات الكبيرة على الحيطان أيام الحفلات؟ … (تلتفت إلى «سامي» بقربها) مش کده یا «سامي»؟
سامي (في فتور) : ما اعرفش!
(سومة تطرق في امتعاض.)

طوبة : كلام ايه ده يا ست؟ … بقا زكريا ده يطلع عنده نظر؟ … بقا أنا أكدب عينيَّ دول اللي وسع الفناجين، وأصدق الميزان الخرفان ده؟
سالم (بالباب) : «سي الدكتور! … سي الدكتور»!
الدكتور (في قلق) : إيه؟ … خبر إيه؟
سالم (يهمس) : خبر مهم!
الدكتور (يتَّجِه إلى الباب قلقًا) : قول بسرعة!
سالم (في شبه همس) : خلِّي الست تغنِّي موَّال!
الدكتور : دا الخبر المهم؟
سالم : والَّا تقول اللي حبك ياهناه!
الدكتور : ما شاء ****! … دي القهوة اللي قلت لك هاتها بالعجل؟!
سالم (هامسًا) : ماعندناش فناجين تقضِّي، بيت المأمور، قريب بعتنا نشحت فنجانين!
الدكتور : هس، وطِّي صوتك! … (يلمح عبد المطلب، خلف الباب بدون طربوش وجاكته) وانت بتعمل إيه عندك يا «عبد المطلب أفندي»؟
عبد المطلب : بس … عايز آجي أورد البوستة.
الدكتور : استذوق شوية! … مش وقته (يعود الدكتور إلى ضيوفه الذين يتكلمون، ويضحكون فيما بينهم)، شرفتينا وشرفت تلا یا «ست سومة»!
سامي : يلَّا بينا بقا!
سومة : زهقت قوام یا «سامي»؟ طيب يلَّا بينا!
الدكتور : قبل ما تشربوا القهوة؟ … مايصحش!
زكريا : وحانروح ازَّاي؟ … أوتوموبيل الست عطلان على السكة الزراعية!
طوبة : یعني عجبتك الأرياف قوي يا سي زکریا، علشان ماعرفت ترکب لك حصان؟!
عيسوي : إن كنت شاطر يا أستاذ «زكريا» تقنع الست تشرفنا كمان ليلة … يجرى إيه؟
طوبة : لا إعمل معروف يا بك! … يستحيل الكلام ده! … الست مطلوبة في مصر الليلة!
سومة : صحيح ضروري أروح مصر دلوقت!
عيسوي : حيث كده بقا «الباكار» بتاعتي توصَّلك! … من حسن حظي إنها لسة جديدة، مستلمها من تلات أيام، ولا طلعتش بها لسه! … مش عارف بقا إذا كانت تعجبك؟
طوبة : تعجبنا قوي!
سومة (في احتجاج وتعنيف) : «طوبة»؟ … لا يا «عيسوي بك»! … مرسي أنا ما أقدرش!
سامي : إحنا مسافرين في الوابور!
سومة : أيوه نسافر في الوابور، … المحطة قريبة من هنا!
(تلتفت إلى النافذة حيث يظهر «سيمافور» القطار.)

عيسوي : أنا ما كنتش أعتقد إنك تكسفيني في حاجة زهيدة زي دي!
سومة : مش قصدي!
عیسوي : على كل حال دي معاملة ما كنتش أنتظرها!
سومة : وإيه رأيك إذا كان أتوموبيلي اتصلح؟ … مش معقول إنه لسه عطلان لدلوقت، إذا كان كنا نقدر نبعت خبر للشوفير؟
المأمور : تبعت حالًا صف ضابط يقوم لبركة السبع!
سومة (تشير إلى التليفون) : أو بالتليفون!
عيسوي : وزَعَلي بقا ما تحسبیلوش حساب؟!
سومة : و**** يا عیسوي!
(عندئذٍ يدخل سالم، حاملًا صينية عظيمة عليها فناجين قهوة بعدد الحاضرين ولكنها بلونَين مختلفين، من طاقمين، ثم صحن قراقيش كبير وأكواب ماء. ويدخل سالم، مزهوًّا شامخ الأنف بالصينية الكثيرة الألوان في نظره، ويتقدَّم أولًا في خطوات مضطربة.)

الدكتور (لسالم) : قرب! … (ينظر في الصينية ويقول خافتًا) إيه ده؟ … قراقيش! … (خافتًا في إعجاب) عال يا «سالم»! … أهو ده حسن تصرف! … إنت بدَّعت النهارده!
سالم (يتقدَّم نحو «سومة» بالصينية، رافع الرأس) : اتفضلي!
سومة : كل ده؟ … لا ما أقدرش، متشكرة خالص، إحنا لسه فاطرين عند عيسوي بك!
سالم : ده مش أكل يا ست؟ … دي قراقيش!
سومة : أشكرك! … إديني بس فنجان قهوة!
الدكتور : دي حاجة خفيفة سهلة الهضم، يا ست سومة!
سالم : حاجة مفتخرة، من اللي تبوش في الحنك!
الدكتور (خافتًا مُنتهرًا سالم) : اسكت انت، بلاش تقريظ!
سالم (يتناول فنجان قهوة بيدٍ، والصينية باليد الأخرى، ويُقدِّم الفنجان لسومة) : دي معجونة بلبن رايب! … دا نهارنا یا ست النهاردة زي اللبن!
(وعندئذٍ يسقط الفنجان من يدِه على «سومة» ويتلطخ معطفها، فتنهض في الحال، وينهض الحاضرون في حيرة وارتباك، ويختل النظام، ويصفرُّ وجه «سالم» ويسود.)

الدكتور (حانقًا) : نهارك زي القطران! … أودِّي وشِّي فين دلوقت؟
سالم (يلطم خدَّيه) : أودِّي وشي أنا فين دلوقت يا خلق هو؟
سومة (باسمة) : حصل خير!
المأمور، «عیسوي»، «طوبة»، «زکریا» (لسالم) : هات فوطة نضيفة بالعجل!
سالم (يتحرك مُرتبكًا بسرعة) : فوطة وش والَّا فوطة حمام؟
الدكتور : أنا متأسف یا ست سومة!
المأمور (لسومة) : أظن الأحسن تقلعي المانتو، واحنا نشوف له طريقة!
(سومة تخلع «المانتو» وتُسلِّمُه لهم.)

عیسوي (لطوبة وزكريا) : يلَّا نطلع ننشره في الشمس!
زكريا (ينظر حوله) : دا فيه صابونة وحنفية هنا … هاته یا طوبة تحت الحنفية!
(يذهبان إلى الحنفية في صهريج الحائط.)

طوبة (يفتح الحنفية) : الحنفية عندها زنقة ميه!
الدكتور (يتنبه) : **** يلعنه «الواد سالم» … نسِي يملا الفنطاس!
زكريا : كمان!
طوبة (في تهكم) : يا بختك بسالم ده يا دكتور!
عيسوي : أحسن طريقة نمسح المانتو، بشوية بنزين من الأوتوموبيل، تعالوا! … هات المانتو، یا «طوبة» وتعال ورايا انت وهوه!
(الجميع يخرجون بالمانتو ما عدا سامي الذي لم يتحرك من دون الجميع، لحادث المانتو ولا لغيره.)

سومة (لسامي) : مسكين التمرجي اتوهم!
سامي (في برود) : آه!
سومة : مش واخد بالك يا «سامي»؟
سامي (في فتور) : لأ!
سومة : مالك؟ … انت كل ما تشوف واحد يعاملني بلُطف تبوَّز؟ «عيسوي» ده أنا أعرفه من زمان، مش بس امبارح، أحوالك دي مش عاجباني، ماكانش يصح أبدًا تسيب المجلس الليلة وتقوم تنام! … بعدين نتحاسب على ده كله، هنا مش وقت كلام!
سامي : مش عايز أسمع من حضرتك كلام!
سومة : أشكرك!
سامي (بعد لحظة) : عیسوي بتاعك ده دمُّه تقيل!
سومة : على قلبك انت بس!
سامي : أيوه قلبي أنا بس! … قلبي اللي خرج منه الشعر والأغاني اللي عملتك ملكة طرب، لك تاج، وعرش، ورعية! … مش قلب عيسوي، ولا قلب عمر، … قلبي أنا!
سومة : النبي تسكت، فلقتني بقلبك!
سامي : أشكرك!
سومة (بعد لحظة) : یعني بتکافئني یا سامي، على معاملتي لك، وشفقتي عليك المدة دي كلها!
سامي : شفقتك؟ … كفاية! … مش عايز أسمع حاجة بقى! … قُلتيها في وشي وبس.
سومة : هي إيه؟
سامي : كل ده كان شفقة؟
سومة : طبعًا.
سامي : آدي اللي كنت خايف منه!
سومة : كنت خايف من إيه؟
سامي : خايف يكون حُبك لي شفقة عليه!
سومة (تنصت إلى الخارج) : هس!
(يسمع في الخارج بالردهة صوت لغط وشجار.)

الدكتور (في الخارج في همس مسموع وفي حدة مكتومة) : إنت واحد تسوِّد الوش! … إنت ما تنفعش في حاجة! … إنت مش بتاع شغل!
سالم (في الخارج) : أصلي كنت خايف على فناجين البك المأمور!
الدكتور : اخرس … وطِّي صوتك!
سالم : الحقيقه إني لبَّخت والسلام، وختمتها ختام زفت! … قسمتي كده … أعمل إيه؟ … إذا كنت زعلان قيراط أنا زعلان أربعة وعشرين، هو كان عشمي يحصل مني كده مع الست سومة، كلها؟ … فصل يستحق الشنق … أجيب لك حبل من المخزن تشنقني واخلص؟!
(سومة تبتسِم … ويستمر اللَّغَط ثم يدخل عيسوي، والمأمور، وجميع من خرجوا، وكذلك الدكتور، وخلفه «سالم».)

الدكتور (لِسالم بصوت مسموع) : طول ما انت عامل زمَّار مش نافع!
سالم (في غضب) : أول هام ماتقولشي زمار!
الدكتور : أمال أقول إيه؟ … مطرب! … امشي اطلع برة!
(سالم يخرج.)

المأمور : «سالم» ده أحسن واحد في البلد، يضرب على الأرغول والناي!
عيسوي : مش «سالم» ده؟ … طبعًا ده مشهور قوي في تلا!
سومة : صحيح يا دكتور؟
الدكتور : آهو بيهجص، ولو كان حكيم صحة غيري هنا، كان تسبب في رفته من زمان! … دا عامناول عشق واحدة غزية غجرية، من اللي ترقص على الغاب، وطلعت في دماغُه راح سايب الصحة والشغل، وطفش وراها، وفضلنا نبحث عنه أسبوع، وأنا مش راضي أبلغ عنه، خوفًا على مستقبله، وأخيرًا ما نشعر إلَّا راجع لنا داقق اسمها على دراعه!
(سومة تضحك مسرورة.)
والسنة دي، كان رايح يموت لي واحد!
الجميع : إزاي؟
الدكتور : بقا حضرته يسهر طول الليل، وينام طول النهار، وفي يوم كنت باعمل عملية طربنة لواحد، ووقفت «سالم» بالبنج، وقلت له: خُد بالك، إوعى يُسهى عليك، وتعطي له بنج درجة تالتة، اللي بعده على طول الموت! … قال لي: ما تخافش! … وفعلًا ارتكنت عليه، وانشغلت في العملية، مش واخد بالي، وما أشعر إلا والعيان لونه يزرق … شوية … بشوية، والتفت لقيت «سالم» واقف نايم على روحه، يشخر، وإيده كابسة بالبنج آخر درجة على نفس العيان! … ساعتها اتغظت، قمت ضاربه بالقلم فاق من النوم، وأقسمت بعدها إنه ما يقفش معايا في عملية أبدًا!
المأمور : هو ماله ومال كده! … هو يقف معاك في زفَّة! … (لسومة): «الست سومة» طبعًا ما سمعتس ضربه على الأرغول! … و**** مش بطَّال أبدًا.
سومة : صحيح؟
عيسوي : مفيش فرح في البلد ما يسهرش فيه «سالم»!
طوبة : عجيبة! … الواد التمرجي ده اللي دلق القهوة؟!
زكريا : تمرجي ومُطرب!
طوبة : یعني زي قولة حانوتي ومطرب!
سومة (تضحك) : أنا أحب أسمعه!
الدكتور : تسمعي إيه؟ … دا أرغول ريفي، على قد عقل الفلاحين!
(في هذه اللحظة، يسمع من خارج باب القاعة صوت مزمار يعلو بأنغام موال.)

طوبة (صائحًا) : ****! … ****! … **** يشفيك يا «سي سالم»!
(الزمَّار يستمر بلا انقطاع.)

زكريا (صائحًا) : یا بخت … يا بخت اللي مش هنا!
(ضحك من الجميع.)

الدكتور (يتَّجِه إلى الباب) : اسكت بقا يا واد أنت! … اسكت بقى بلاش كسوف!
سالم (يظهر بالباب حاملًا الأرغول) : أسمَّع «الست»؟
طوبة : **** يحنن عليك!
الدكتور : تسمَّعنا إيه؟ … انت مجنون؟ … امشي روح شوف شغلك، عندك العيانيين غيَّر لهم!
سالم : الموال اللي فات ده بطال؟ … فيه أحسن منه.
زكريا : لأ … روح للعيانين أحسن!
سومة : بزيادة بقا … حرام … مش عايزة حدِّ يکسفه!
الدكتور (لسالم) : واقف ليه؟ … روح لشغلك … الأنفار قلقت برة!
سالم : علشان خاطر «الست»!
الدكتور : الست مش عايزة تسمع كلام فارغ!
سالم : بلاش … أنا خدَّامها … (يتحرك للانصراف.)
سومة : يا دكتور … مين قال أنا مش عايزه أسمع؟!
زكريا (في همس) : أهو كان رحل! … اعملي فينا معروف!
سومة : اسكت! … (للدكتور) خلِّي التمرجي بتاعك يدخل هنا يسمعنا یا دکتور!
طوبة : يا ساتر! … عِشنا وسمعنا تمارجية!
سومة (في أمرٍ صارم) : ما حدش يتكلم أبدًا.
الدكتور (لسالم) : ادخل يا «سالم»!
(سالم يدخل مُضطربًا هذه المرة خجولًا يتعثر والمزمار بيده.)

سومة (متلاطفة ورقيقة) : قُل لنا بقا يا «سالم»!
(«سالم» يقف ويرتج عليه.)

الدكتور (نافد الصبر) : ما تقول!
سالم (يتنحنح) : أقول إيه؟
سومة : اللي يعجبك … كله كويس.
سالم (يفكر) : أقول موال؟
سومة : قول موال!
سالم (يفكر) : والَّا أقول غنوة بلدي؟
سومة : قول غنوة بلدي!
سالم : غنوة إيه؟
سومة : اللي تعجبك!
سالم : والَّا أقول موال؟
طوبة (همسًا) : انت یا ست مطولة بالك عليه قوي!
(سالم يتنحنح ويقف وينظر إلى الجميع في خجل.)

الدكتور (نافد الصبر للغاية) : وبعدين وياك؟
المأمور : قول منديل الحلو طرف عيني!
سالم : عندي مواويل حُمر!
الدكتور (حانقًا صائحًا) : حمر، والَّا صفر؟! … قول بقا ما تبقاش ابن كلب رزل!
سالم : ما تشتمنيش … ما لكش عليَّ شتيمة أبدًا … إلزم مركزك!
الدكتور : بتقول إيه؟
سالم : أنا متوظف … زيي زيك!
الدكتور (ينهض) : إيه؟! … إنت موظف زيي؟!
طوبة (لزکریا) : آهي رایحة تقلب بغم!
سالم : معلوم! … متوظف زيك تمام! … اسمي واسمك بيطلعوا آخر الشهر سوا في الماهيات … ماهيتي وماهيتك ٤٢ جنيه في الشهر!
المأمور (ضاحكًا يهدي الدكتور) : معلهش روَّق دمك يا سالم، (للدكتور) ما تزعلش منه يا «دکتور» … ده «ارتست».
الدكتور : جرى له إيه؟ … عمره ما تهور زي النهارده!
سومة : ما انت يا د دکتور اللي شتمته قُدامنا!
المأمور : علشان خاطر «الست» تصفح عنه يا دکتور، وخليه يسمعنا!
الدكتور (لسالم) : طيب! … قول … والسلام.
عیسوي : قول بقا يا سالم!
سالم : مزاجي اتلخبط خلاص!
زكريا (لنفسه) : الحمد ***!
المأمور : قول علشان خاطر «الست».
سالم : يا سلام! … أنا أخدم الست برقبتي … أنا في دي الساعة … أنا في حلم والَّا في علم! … حد كان يصدق إني كنت أعيش وأشوف «الست» اللي في الماكينة، واللي اسمها ملو الدنيا كلها! … أشوفها بعيني، وبيني وبينها قيمة … قيمة قصبة؟!
المأمور (وعيسوي معًا) : وتسمعك!
سالم : قال وتسمعني؟ … مش ممكن!
المأمور : اللي حصل!
(لحظة صمت.)

سامي (في ضيق يلتفت إلى النافذة) : يلَّا بينا بقا … شيء يضايق!
سومة : أنا منتطرة الغنوة!
المأمور (لسالم) : سامع؟ … تشجع بقا!
عیسوي : یا «سالم» قول!
سومة (لسالم) : تحب أشجعك الأول؟
(لا تنتظر جوابًا، وفجأةً تُغني بصوتها الرخيم أغنية «خايف يكون حبك ليه شفقة عليَّ» وهي تنظر بطرف عينها إلى سامي، المُطرق المضطرب ويقف وسالم. بأرغوله كالتمثال غير شاعر بنفسِه. وبغير وعي يرفع أرغوله وزمَّر مُعقِّبًا بعدَها.)

الحرمة (على رأس العيانين، وأنفار الغيار يقتربون من الباب يستمعون) : يا حضرة الصحة!
الدكتور (يفيق من نشوة الطرب، ويلتفت إلى المرضى) : ****! اطرد العيانين!
المأمور (باسمًا) : يا ترى زمان الأنفار بيقولوا إيه في عقل بالهم؟!
سالم (يطرد المرضى بالباب) : هس! … سمع … سمع … برة يا عيان انت وهوه … سمع!
طوبة (همسًا لزكريا) : خُد بالك … قال ده اسمه بيسكِّت عيانين!
سالم (يعود إلى قرب «سومة» في حُزن وكآبة) : والست مسافرة برده دلوقت حالًا؟
سومة (تنهض) : طبعًا، دلوقت حالًا، إحنا بس حبينا نسمعك قبل ما نقوم وسمعناك، وانبسطنا قوي، وأنا متشكرة خالص … يلَّا يا سامي!
الدكتور : «الست سومة» شرفت الصحة والبلد بزيارتها التاريخية دي، وإن شاء **** ما تكونش دي آخِر زيارة!
المأمور وعيسوي (معًا) : بالطبع … مش آخر زيارة!
سومة (تبتسم) : بالتأكيد … المانتو، بتاعي فين؟
الدكتور : «سالم» … بالعجل «المانتو» بتاع «الست».
عیسوي : «المانتو» بتاع الست، تحت الشمس مع الشوفير!
الدكتور (لِسالم الواقف بِلا حراك) : سالم، واقف كده ليه؟ … روح بسرعة شوف «المانتو»!
(سالم يظلُّ واقفًا مُطرقًا، ثم يرفع رأسه، ويُشير إلى الدكتور برأسه طالبًا أن يُسِرَّ إليه أمرًا.)
عايز إيه؟ … كلمة سر يعني؟ طيب قول! … (يدنو منه ويُعطيه أُذنه لحظة، ثم يصيح به): إنت مجنون؟!
سالم : بس اترجَّاها حضرتك، ومالكش دعوة!
الدكتور (في حدة) : مُستحيل أقول كلام زي ده … إمشي هات المانتو!
سالم : مفيش بالطو!
المأمور : إيه الحكاية؟
الدكتور : الواد سالم، اتجن … قال عايزني أترجَّى له الست علشان تسفَّره معاها!
زكريا وطوبة (معًا) : **** أكبر!
(سامي ينظر إلى «سالم» مُحدقًا.)

عیسوي : بصفة إيه؟
سالم (يتقدم) : الصفة اللي تشوفوها يا سيدنا «البك»، … أي شغلة والسلام عند الست!
المأمور : ووظيفتك؟
سالم : أستعفي حالًا … في عرضكم!
سومة : إيه رأيك يا «زكريا» … تعلمه؟
زكريا : لأ … اعمِلي معروف … ما ينفعناش!
سالم : أنفع يا «سيدنا زكريا» أبوس رجلك!
زكريا : تتعبني من غير فايدة … شغل «التخت» بتاعنا حاجة تانية بالمرة!
سالم : طيب بلاش «التخت» … شغلوني شغلة ثانية!
طوبة : حاضر … لما نبقى نقفل الصالة ونفتح اسبتالية نبقى نجيبك.
سومة : مُتأكد يا زكريا إنه ما ينفعناش؟
زكريا : طبعًا ما ينفعناش بس نجيب تمرجي من الصحة نقعَّده على تخت صاله؟ … إيه المناسبة؟!
سومة (لسالم) : أنا مُتأسفة خالص!
الدكتور : سامع یا «سي سالم» اعقل بقا وروح شوف أشغالك، وراك عيانين تغير لهم!
سالم (ثائرًا) : ملعون أبو العيانين لأبو اللي يغير لهم … أنا يا خلق هوه مُت خلاص من الشغل ده! … يا ست هانم اشتريني من غير فلوس … أبوس مداسك … شغلیني مرمطون والَّا اصبغيني عبد تنتون!
سومة : إذا كان كده تقدر تشتغل مرمطون في أي بيت.
سالم : لا … عندك بس!
سومة : ليه بقى؟
سالم : لأن أنا واحد ابن كار، لازم أعيش عند أهل الكار، عند ملكة الكار كله، في مصر وبر الشام!
سومة : طيب تعالى!
سالم : آجي؟ … صحيح؟ … سامعين؟ شاهدين … (يصيح هاتفًا) يحيا العدل!
سومة (باسمةً) : بس روح أولًا شوف «المانتوه»!
سالم : حاضر! … فين هو البالطوه؟
(يخرج يجري.)

عیسوي (ضاحكًا) : طار من الفرح!
المأمور : زأطط!
الدكتور : والمجنون حايقوم دلوقت، قبل ما نخطر، وييجي البدل؟
المأمور : فضك! … أفرض إنه قام في أجازة مرضية!
زكريا (لسومة خافتًا) : ورايحين نعمل به إيه ده یا ست «سومة»؟
سومة (همسًا) : مش عارفه!
(«سالم» يدخل «بالمانتو» يحمِلُه على كفِّه في احترام. «عيسوي» كذلك الدكتور والمأمور يُسارعون فيتناولون «المانتو» ويُلبسونه «لسومة».)

سومة : مرسي! … مين بقى يعطي خبر للأسطى «إبراهيم» الشوفير! بتاعي؟
المأمور : الشوفير واقف بالأوتوموبيل عند «بركة السبع» … نقدر نطلب من هنا نقطه «بركة السبع» حالًا!
الدكتور : اسمع يا «سالم» (يشير إلى التليفون) اطلب نقطه بركة السبع بسرعة!
سالم (في نشاطٍ عجيب وفرح يُمسك التليفون) : حاضر! … (يتكلم في التليفون) يا مركز «تلا» يا مركز «تلا» إنت مين؟! … رد عليَّ يا مركز!
المأمور : عامل التليفون بيلعب، قول له البك المأمور طالب السكة!
سالم (يستأنف الكلام في التليفون) : یا مرکز، يا «عبد المقصود» رد عليَّ … البك المأمور واقف طالب السكة، ادِّيني بركة السبع، إنت مين؟ … «ميت حبيش القبلية»؟ … عايز بركة السبع. أنا «تلا» بقولك «تلا» جاتك البلا، إيه؟ … اختشي، أنا أتلهي على عين أُمي، اسمع يا واد يا «عبد المقصود»، الزم مركزك، الكلام ده فيه مسئولية عليك! … أنا إيه؟ … جحش! … انت اللي جحش!
طوبة : سابو السكة ونزلوا في بعض تسبيخ!
الدكتور : خبر إيه يا «سالم»؟
سالم (في التليفون) : يا «بركة السبع»، يا بركة، يا بركة، يا بركة … أنت مين؟ … اسكتي يا ميت حبيش، ياقبلية … أنا عايز بركة السبع! … إيه؟ … مشغول مع تفتيش الري؟! (يضع السماعة.)
المأمور : «بركة السبع» مشغولة مع تفتيش الرى.
عیسوي : عربيتي «الباكار» توصلك بقا يا «ست سومة»، ما تعمليش تكليف، ونبقى نعطي خبر «للأسطى إبراهيم» يحصلك على مصر، «الباكار» آهي جاهزة على الباب بالشوفير!
طوبة وزكريا : دا أحسن حل!
سالم : مش أنزل أركب في الكومبيل يا ست؟
زكريا : كومبيل إيه؟ … رايح تركب فين بس؟ … الأتومبيل يا دوب يسعنا إحنا الأربعة، تلاتة جوة، وواحد جنب السواق، وانت تروح فين؟
سومة : صحيح … لك حق … راح يركب فين؟
سالم : أركب على الرفروف!
زكريا : رفروف! … تركب من هنا لمصر على الرفرف؟!
طوبة : علشان يقع في السكة يعمل لنا حادثة تانية، ويعطل الأتومبيل ده راخر!
سالم : ما يكونش عندكم خوف … اربطوني بحبل، بلا قافیة زي قفص البلح!
الدكتور (ينظر إلى ملابس سالم البيضاء) : ورايح حضرتك كده بفوطة الصحة؟
طوبة : ومربوط على الرفرف بحبل؛ علشان يقولوا علينا خاطفين تمرجي!
سالم : لكم عليَّ أقلع الفوطة واتهيأ حالًا أربعة وعشرين قيراط؟
(يخرج جاريًا.)

سومة (يتحرَّك نحو الباب، تتهيَّأ للانصراف) : أنا ممنونة قوي یا دکتور وإن شاء **** أحب تزورني في مصر، وانت يا حضرة المأمور طبعًا … «عيسوي» … طبعًا مش قادرة أشكرك على ضيافتك اللطيفة.
(تخرج مع «سامي» الذي يُسلِّم صامتًا.)

طوبة وزكريا (يتحركان نحو الباب خلف «سومة» و«سامي») : إن شاء **** تشرَّفونا في مصر!
عيسوي (لسامي وهو يُسلِّم عليه باليد في صمت) : الأستاذ سامي، برده مش مبسوط؟ … أظن صحتك أحسن من ليلة امبارح!
سامي (في برود) : الحمد ****!
(«سالم» يدخل مُهرولًا قبل خروجهم من القاعة، وهو يرتدي جاكته على الجلابية، وطربوشًا على رأسه.)

سالم (يُشير إلى زيِّه الجديد في تفاخر) : کده کویس یا «ست»؟!
الدكتور (همسًا لسالم) : جبت منين الجاكتة دي والطربوش؟
سالم (يغمز بعينِه) : كلام في السر! … (بصوت مرتفع) نشوف وشك في خير يا سي الدكتور!
الدكتور : يعني خلاص أنت مستعفي؟ … أنا أراهن إن ما كنت ترجع لنا تاني بعد أسبوع اتنين … جنانك ده أنا عارفه طيب!
سالم : لا … ما تخفش … دي آخر مرة، على كل حال ما انساش جميلك أبدًا، سلم لي على الست الصغيرة والست الكبيرة، وجميع أهل المنزل بما فيه البت «مرجانة» اللي لون صبغة اليودا! … (يخرج مع الجميع.)
(الجميع يخرجون، وتبقى القاعة خالية ويسمع بوق السيارة وحركة مسيرها في الخارج.)

عبد المطلب (يدخل مسرعًا بدون جاكتة وطربوش) : یا دکتور! … یا دکتور! مين أخد جاكتتي وطربوشي من فوق المسمار (ينظر في أنحاء الغرفة) مفيش حد هنا (يخرج وهو ينادي) یا «سالم» یا تلاوي!
 

الميلفاوية الذين يشاهدون هذا الموضوع

مواضيع متشابهه

أعلى أسفل