• سجل عضوية لنشر مواضيع ومشاركات ومحادثة الأعضاء بدون إزعاج الإعلانات

مكتملة قصيرة أمام شباك التذاكر - توفيق الحكيم (1 مشاهد)

ابيقور

ميلفاوي أبلودر
العضوية الفضية
ميلفاوي معلم
عضو
ناشر قصص
ميلفاوي نشيط
إنضم
21 سبتمبر 2023
المشاركات
563
مستوى التفاعل
311
نقاط
620
النوع
ذكر
الميول
طبيعي

أمام شباك التذاكر​

(أمام شباك تذاكر مسرح الأُديون في باريس عام ۱۹۲٦م.)

(صرَّافة التذاكر – الشاب.)

هي : سيدي يريد …؟
هو : لا شيء يا آنسة! … أشكرك!
هي : لا شيء؟!
هو : لا شيء مطلقًا!
هي : لا شيء مطلقًا؟!
هو : لا شيء على الإطلاق! … أيدهشك ذلك أيتها الآنسة؟
هي : بعض الشيء يا سيدي! … ألا تطلب شيئًا؟
هو : وماذا تريدين أن أطلب؟
هي : اطلب … محلًّا مثلًا!
هو : ليس لديك محل!
هي : ليس لدي؟!
هو : نعم! … ليس لديك!
هي : كيف تدري؟!
هو : أعلم حق العلم! … وأثق أنا من ذلك! … متأكد كل التأكد!
هي : هذا عجيب! … ولكني أؤكد لك يا سيدي أن عندي محلَّات خالية!
هو : أؤكد لك يا آنسة أنه ليس عندك محل خالٍ!
هي : بلى!
هو : كلا!
هي : بلى! … بلى!
هو : كلا! … كلا! … صدقيني أنا!
هي : كيف أصدقك يا سيدي وأمامي لوحة المحلَّات؟
هو : لا تهمني لوحة المحلَّات! … إني أقول لك ليس لديك محل! … وأنت تؤكدين لي وجوده … فلنتراهن! … إني أراهن … وها هي ذي مائة فرنك! … (يخرج من جيبه ورقة بمائة فرنك).
هي : أما ما لا محل للنزاع فيه، فهو أنك ستخسر نقودك!
هو : على العكس … وسوف ترین!
هي : هذا عجيب!
هو : لا محل للعجب! … هذا بديهي … معقول … وكل منطق سليم يؤكد أن ليس لديك محل! … لا تنظري إليَّ هكذا! … إني أتكلم مالكًا جميع قواي العقلية! … ليس لديك محل خالٍ، كل امرأة جميلة ليس لديها محل خالٍ في قلبها! … أفهمتِ؟ … إني أرى جليًّا أنه لم يبق في قلبك «فوتيل» واحد شاغر! … حتى ولا في أعلى «التياترو» … حتى ولا مكان للوقوف في آخر الصفوف … أليس كذلك؟ … أليس هذا حقًّا؟
هي : دعابة ظريفة!
هو : أعندك حتى مكان للوقوف؟
هي : يا له من مزاح!
هو : نعم … إنه مزاح! … ولكن أجيبي: أعندك أم لا؟
هي : مكان للوقوف؟! … في قلبي؟! (تضحك) ما أغرب ذلك!
هو : ليس لديك! … لقد سبق أن توقعت ذلك، وقلته لك … أترين صدق حكمي على الأشياء؟! … وأنني كنت مصيبًا، وأنني على ذلك الرابح؟!
هي : بالعكس! … لا تمس الرهان من فضلك يا سيدي!
هو : كيف؟!
هي : لست أنت الرابح! … أنت تطلب مكانًا للوقوف في آخر الصفوف! … أليس كذلك؟
هو : بلى!
هي : حسنًا … عندي طلبك! … عندي محل! … محل واحد بقي لحسن الحظ … فما رأيك؟
هو : مكان للوقوف، في آخر الصفوف؟ … كيف ذلك؟
هي : ألست أنت الذي طلبت؟ … ومع ذلك ليس هذا صعب التفسير … أفهمت؟
هو : لا … لم أفهم.
هي : إن هذا المحل يا سيدي يعطيك الحق في الحضور هنا في أوقات فراغك! … تراني، وتتحدث إليَّ … وأنت أمام شباك التذاكر … واقف كما أنت الآن!
هو : بغير جلوس؟
هي : لا جلوس … تقف هكذا مثل عود الزئبق … هذا هو المحل!
هو : أهذا كل شيء؟
هي : كل شيء! … والآن قد سُوِّيَت المسألة! … وبناء عليه فقد أصبح الرهان لي! … وهذا حق! … وإني أضع هذه الورقة المالية بلطف وبذوق في جيبي!
هو : بلطف وبذوق؟! … شيء جميل جدًّا!
هي : ومعقول جدًّا!
هو : إذن فقد خسرت أنا مائة الفرنك … ولم أجئ هنا إلا لأخسرها وأذهب كالمغفلين!
هي (ضاحكة) : ولكنك كسبت الوقوف في آخر الصفوف!
هو : كفى يا سيدتي! … ليس من السهل الدعابة معك! … وداعًا أيتها الآنسة!
هي (ضاحكة) : وداعًا سيدي!
هو : أريد أن أقول كلمة قبل رحيلي: إن السيارات التي تسير ليلًا في الطرقات دون مصابيح لا تعبث بالأمن العام عبث عيني المرأة الجميلتين … وإنه لمما يؤسَف له، ويُعَد ظلمًا، أن تُترَك الأعين النُّجْل تُحدِث خسائر فادحة للأرواح والجيوب، دون الحيلولة بينها وبين ضحاياها! … إني أقترح أن تتدخل السلطة في ذلك … قد يبدو هذا متعذرًا، ولكن أمرًا يصدر من إدارة «البوليس» كفيل بحل المسألة!
هي : أمر من إدارة «البوليس»؟
هو : نعم! … أمر يقضي بأن كل امرأة ذات عينين نجلاوين ملزمة بوضع نظارة سوداء! … وإلا حُكِمَ عليها بمخالفةٍ مائة فرنك!
هي : شيء جميل!
هو : أليس كذلك؟
هي : هذا منطقي ومعقول! … كل امرأة ذات عينين نجلاوين يجب أن تحجبهما بنظارة سوداء! … كما ينبغي لكل صاحب كلب أن يضع لكلبه كمامة!
هو : أحسنتِ! … وقد نبهَتْني المقارنة إلى شيء … أن صاحب الكلب مسئول عن الخسارة التي يسببها كلبه غير المكمم! … غير المكمم! … أفاهمة؟
هي : من غير شك!
هو : وعلى ذلك، فكل امرأة بغير نظارة هي كذلك مسئولة مدنيًّا … أفاهمة؟
هي : لا … لم أفهم هذا!
هو : ينبغي أن تفهمي … والآن … ما دمت أنت الساعةَ بغير نظارة؛ فإنك محكوم عليك بالمسئولية المدنية … وبناء عليه ردي إليَّ بلطف وبذوق مائة الفرنك!
هي : في المشمش.
هو : مشمش؟
هي : بأي حق أرد إليك الرهان؟
هو : بناء على أمر «البوليس»!
هي : الأمر الذي اخترعته أنت الآن؟!
هو : دعينا إذن من هذا كله … ما علينا … أحقًّا أنه حُكِمَ عليَّ ألا يكون لي غير الوقوف في آخر الصفوف؟!
هي : بالتأكيد! … ما دمتُ للأسف لا أملك «فوتيلًا» خاليًا!
هو : وهل يظل ذلك «الفوتيل» دائمًا مشغولًا؟!
هي : هذا ما أجهله.
هو : ومكان الوقوف هذا … لا يسمح لي بأكثر من المجيء، لأزرع نفسي أمام شباك التذاكر؟
هي : يقينًا.
هو : أهذا كل حقي؟
هي : نعم.
هو : ألا ترين أنك بذلك تظلمينني!
هي : ربما … ولكن ما حيلتي؟
هو : تستطيعين توسيع دائرة حقوقي!
هي : عفوًا يا سيدي إذا سألتك عن صنعتك! … أنت من رجال القانون بلا شك! … أليس كذلك؟
هو : صدقتِ! … ولكنني أريد أن أسألك شيئًا!
هي : ماذا؟
هو : أريد أن تحبيني … بأي ثمن!
هي : هذا طلب مدهش!
هو : وما يدهشك؟
هي (ضاحكة) : خير لك أن تقول: أريد أن تحبيني بأمر «البوليس»! … وإلا حُكِمَ عليكِ بمخالفة!
هو : عفوًا … إني تنقصني رقة الأسلوب!
هي (بجِد) : لست أقول ذلك … لا!
هو : بلى! … بلى! … وأنت محقة! … إني أعرف عيوبي! … وطالما قيل لي إن التي تحبني يجب أن تكون امرأة غريبة، عجيبة في أفكارها وأساليبها … حتى ترضى بشاعر مجنون مسرف … فنان يحب الفوضى والهوس، ويحيا الحياة البوهيمية … ولن تحبني قط امرأة عادية، تراعي أصول المجتمع، وتحافظ على التقاليد!
هي : حسنًا … وأنت تجدني إذن عادية أو غير عادية؟
هو : عليك أن توجهي هذا السؤال إلى نفسك!
هي : بالعكس!
هو : أنت تعرفين وتشعرين!
هي : ولماذا تريد أن أحبك بأي ثمن؟ … (تلاحظ مجيء حارسة الألواح) أوه!
الحارسة (على عينيها نظارة سوداء) : عفوًا سيدي! … «بونجور مدموازيل!»
هي : «بونجور مدام كوزان!» … ماذا تطلبين؟ … عجبًا! … ماذا أرى؟ … (بتهكم) نظارة سوداء! … آه … أنت إذن ذات عينين نجلاوين يا «مدام»! … يا للعينين الجميلتين الخطرتين!
الحارسة : أنت تمزحين؟!
هي : أبدًا! … أؤكد لك يا «مدام كوزان» … ألستِ قد وضعتِ هذه النظارة بأمر من «البوليس»؟
الحارسة : البوليس؟
هي : أجل!
الحارسة : ما هذا الذي تروين يا آنسة؟
هي : إذن بناء على أمر مَن وضعتِ نظارتك؟
الحارسة : أمر مَن؟ … أمر طبيب العيون طبعًا … ألستُ مريضة بعيني منذ أسبوع؟
هي : إذن فليس من «البوليس» … الغُبن عليك إذن … أنت الخاسرة … أليس كذلك يا سيدي؟
الحارسة : إني لا أفهم مما تقولين كلمة.
هي : أنصحك بأن تنزعي للحال نظارتك … حتى لا يختلط الأمر بينك وبين اللواتي يضعن نظارتهن بأمر من «البوليس» (ضاحكة)، أليس كذلك يا سيدي؟
الحارسة : أيُّ أمر بوليس؟!
هي : انزعيها واسمعي كلامي!
الحارسة : كيف أنزعها وأنت لا تعلمين ما قاله لي طبيب العيون؟ … فقد أزعجني!
هي : دعينا يا «مدام كوزان» من طبيب عيونك … انزعي هذه النظارة، حفظًا للأمن العام، فقد انقلبت الأمور الآن … (ضاحكة) أليس كذلك يا سيدي!
هو : بالضبط!
الحارسة : أنت تسخرين مني … وقد وجدتِ مجالًا للتهكم عليَّ … أشكرك … (تذهب).
هو (ينادي) : «مدام»! … «مدام کوزان»!
هي : دعها! … دعها! … إنها ثرثارة … وقد ضايقتها عمدًا لتذهب عنا … قل لي! … لماذا تريد مني أن أحبك؟
هو : لأني أريد ذلك … وكفى!
هي : أعرف … ولكن لماذا؟
هو : لأني وجدت فيك ما أبحث عنه!
هي : وهو؟
هو : روحك! … ذكاؤك! … نظراتك! … شعرك المقصوص كشعر إلهة مصرية! … كل ما فيك ينبئ بامرأة غير عادية، ثائرة، متطلعة، تسخر من كل شيء، ولا تحافظ إلا على أصول عقلها السليم أو غير السليم! … وهي خليقة بأن تحول أوجاع الحياة وأحزانها — أيا كانت — إلى مسرات وملاهٍ! … نوع المرأة الخطرة! … لكن المرحة الفكهة! … هذه هي صورتك!
هي : ليست صادقة!
هو : بلى … وأزيد على ذلك أن امرأة كهذه لا تستطيع أن تستغني عن رجل من نوعها! … رجل له — مثلها — أساليبه الخاصة!
هي : ربما! … ولكنني أؤكد لك أنني لا أستطيع أن أحبك، لأن قلبي الآن ليس ملكي!
هو : أؤكد لك أنك ستحبينني!
هي : أيمكن حب اثنين في وقت واحد؟
هو : ولم لا؟
هي : كيف؟
هو : الرجل يحب حليلته وخليلته في وقت واحد، كما يحب كمنجته وقطته معًا! … ولو أن ميزان الحب لهما غير متساوٍ! … ولكنه مع ذلك يحب الاثنين!
هي : ليس هذا منطقيًّا!
هو : بلى! … ليس من المنطق القول بأنه لا يمكن إلا حب شيء واحد؛ فالحياة أقصر من أن تُكَرَّس لحبٍّ واحد!
هي : لا أرى ذلك!
هو : سوف ترين! … والآن إلى الملتقى أيتها الآنسة!
هي : أتمضي؟
هو : أجل … فقد أضعت عليك وقتك!
هي : لا! … لست تضيع عليَّ شيئًا! … ما دام ليس هناك زبون سواك!
هو : هاكِ عنواني! … فإذا أردت رؤيتي فأرسلي إليَّ كلمة!
هي : عبثًا تحاول … لن أكتب شيئًا!
هو : بلى! … إنك امرأة طُلَعة وغير عادية!
هي : لا تعتمد على ذلك … في وسعك أن تأتي لتراني متى شئت! … فلست أحول دون من يريد رؤيتي! … ولكن لا تنتظر مني أن أكتب إليك، فهذا محال … محال!
هو : هذه كبرياء موروثة في المرأة، ولا محل لها! … ولكنها كبرياء مؤقتة، وما دمت امرأة غير عادية … فلا تلبث كبرياؤك أن تنتهي سريعًا … ويجيء يوم يدفعك حب استطلاعك إلى الكتابة إليَّ!
هي : حسنًا … انتظر إذن ظهور المشمش!
هو : سأنتظر هذا المساء في منتصف الساعة السابعة بمطعم «الأب لويس» … إلى الملتقى أيتها الآنسة!
هي : إلى الملتقى يا سيدي … سوف تنتظر طويلًا.
(يخرج هو.)

هي (تفكر لحظات … ثم تنادي) : «مدام کوزان»! … «مدام کوزان»!
الحارسة : ماذا حدث؟ … ألم يكفك تهكمك عليَّ أمام الزبائن؟
هي : أمام الزبائن؟! … هذا لم يكن زبونًا … إنه …
الحارسة (ببرود) : كيف ذلك؟ … كيف؟
هي : إنه رجل غريب! … ولكنه ظريف! … قولي لي يا «مدام کوزان» …
الحارسة : إني غاضبة عليك!
هي : لماذا؟ … سبحان ****! … إنا كنا نمزح مزاحًا بريئًا … لا بد من البهجة والمرح، والتسامح في المزاح … أليس كذلك؟ … لا سيما عندما تكون العيون متعبة … ينبغي تحويل أوجاع الحياة وأحزانها إلى مسرات وملاهٍ … والآن قولي لي يا «مدام كوزان» … أتعرفين أين هو مطعم «الأب لويس»؟
الحارسة : نعم أعرف … . مطعم «الأب لويس» في شارع …
 

الميلفاوية الذين يشاهدون هذا الموضوع

أعلى أسفل