• سجل عضوية لنشر مواضيع ومشاركات ومحادثة الأعضاء بدون إزعاج الإعلانات

مكتملة حياة تحطمت - توفيق الحكيم (1 مشاهد)

ابيقور

ميلفاوي أبلودر
العضوية الفضية
ميلفاوي معلم
عضو
ناشر قصص
ميلفاوي نشيط
إنضم
21 سبتمبر 2023
المشاركات
563
مستوى التفاعل
310
نقاط
620
النوع
ذكر
الميول
طبيعي

الفصل الأول​

(مكتب مفتش صحة بالأرياف … سالم التمرجي يحمل الطشت الصاج الموضوع على الحامل تحت حنفية الفنطاس المعلق بالحائط ويتجه به إلى النافذة، ويُلقي ما فيه من ماء في الشارع … يدخل الدكتور صبحي المفتش ويراه.)

الدكتور : ما شاء **** … كده تدلق الطشت من الشباك؟ احنا غجر؟ … احنا الصحة!
سالم : حصل عندي سهو.
الدكتور (يتجه إلى مكتبه) : مرقس أفندي ناظر المحطة ما جاش النهارده؟
سالم : ما أخدتش بالي!
الدكتور : وإمتى بقى رايح تاخد بالك وتلتفت للشغل؟ روح نادي لي عبد المطلب أفندي يورد البوستة، وشوف أنفار الكشف الواردة من المنطقة!
سالم : بالك يا دكتور؟ … عبد المطلب أفندي حضر النهارده الساعة كام؟
الدكتور : آدي اللي انت فالح فيه! … حضر الساعة كام يا سيدي؟
سالم : لسة داخل دلوقت!
الدكتور : ازاي؟
سالم : وشرفك حصل.
الدكتور : كان سهران فين راخر؟
سالم : القمار!
الدكتور : قمار إيه؟!
سالم : كلام في السر، ينجمع هو وكاتب ضبط النقطة، ومعاون راحات المحطة وعبد الموجود أفندي مخزنجي السباخ الكيماوي، ويقعدوا طول الليل يلعبوا القمار في المخزن تحت نور اللمبة نمرة خمسة.
الدكتور (مُقاطعًا في استنكار) : قمار! … إخص! … كله إلا القمار! … أعوذ ب**** … كُبرى الكبائر … أستغفر ****! … نادِيه لي حالًا!
(ويخرج سالم، ويتجه الدكتور إلى حنفية الفنطاس ويغسل يديه … يدخل مرقس أفندي.)

مرقس : سعيدة يا دكتور!
الدكتور (ملتفتًا) : أهلًا وسهلًا سي مرقس! … أنا لسة سائل عنك دلوقت … كنت فين؟
مرقس : أخرني المحروق قطر ١١، وصل متأخر عشرين دقيقة، فيه تصليح عند الكيلو ٩٨ … على فكرة يا دكتور … فاكر المحامي صاحبك اللي من طنطا؟ … إختيلت دلوقت بواحد أفندي زيه تمام، نازل من الدرجة الثالثة، والمفتش سلمه للمعاون يكتب له محضر مخالفة.
الدكتور : بقى انت كل ما تشوف أفندي راكباه قِلة القيمة تقول لي دا المحامي صاحبك؟
مرقس : أنا مش قصدي … أنا بقول واحد زيه … يجوز أنا غلطان.
الدكتور : إنت لازم غلطان، لأن شاهين كان هنا الشهر اللي فات.
مرقس : أيوه صحيح … متذكر … شفته هنا، وعرضت عليه ورقة مبايعة الجاموسة الشركة.
الدكتور : أظن ما يجيش النهارده … ييجي يعمل إيه؟ … هو لحق يشتاق لابنه؟
مرقس : لا يا دكتور … لا … من الجهة دي انت غلطان … إنت ما تعرفش معزَّة الأولاد، ولا محبة الأولاد، لأنك لسة ما خلفتش أولاد.
الدكتور : أنا باتكلم عن شاهين … شاهين ده راجل في دنيا غير الدنيا.
مرقس : راجل حظه وحش.
الدكتور : مش مسألة حظ بس.
مرقس : اعذره يا دكتور، واحد زي ده كان متزوج واحدة ست زي القمر؛ جمال … ومال … وتربية …
الدكتور : إنت شُفتها؟
مرقس : في المحطة … كانت في يوم مسافرة مصر في الفطر، وكان وراها الخواجة ديمتري وكيل الدايرة، ومستخدمين الدايرة وبقية الحاشية، وعرفت في الحال أنها …
الدكتور : أنها حرم عيسوي بك.
مرقس (في نبرةٍ ذات معنى) : أيوه يا سيدي!
الدكتور : أيوه يا سيدي دي فيها معنى تاني! … مش عاجبك عيسوي بك ولَّا … ليلة امبارح لسة تاركة عندك أثر!
مرقس : اسكت اعمل معروف يا دكتور صبحي … مفيش لزوم.
الدكتور : تصدق كلامي يا مرقس أفندي … أنا أقسم لك.
مرقس : قلت لك مفيش لزوم يا دكتور، أنا أقسم لك أنا … إني ما ألعب معاكم بوكر بعد ليلة امبارح … دا مش اسمه بوكر … دي اسمها سرقة!
الدكتور (ملتفتًا إلى الباب) : هس … هس … وطي صوتك … (في صوتٍ خافت) أنا سرقتك؟
مرقس : أنتم الاتنين متفقين مع بعض.
الدكتور : سبحان **** في طبعك يا معلم مرقس … لكن انت معذور! … رجل مقتصد زيك يخسر عشرة جنيه في ليلة … عشرة جنيه ثمن جاموسة شركة … جاموسة عشر ووراها بنتها!
مرقس : لا … أنا مش زعلان على الفلوس.
الدكتور : أمال زعلان على إيه؟
مرقس : على كل حال أنا مش زعلان منك انت …
الدكتور : زعلان من عيسوي بك؟
مرقس : واحد زي ده عشرة جنيه عنده في مقام عشرة مليم، ومع ذلك …
(سالم يدخل.)
الدكتور (لسالم منتهرًا) : جاي ليه؟ … أنا قلت لك نادي عبد المطلب أفندي.
سالم : عبد المطلب أفندي بيفاصل الولية على جوز فراخ!
الدكتور : ولية مين؟
سالم : واحدة فايتة تحت الشباك، أصل عبد المطلب أفندي بلا قافية له عادة يشتري كل لوازم بيته من تحت الشباك.
الدكتور : كويس خالص! … وجاي تقول لي الكلام ده؟ … امشي انجَر بلا قلة طهي!
سالم : سهى عليَّ أقول لك يا دكتور إن التليفون ضرب في غيابك وبلغتْنا النقطة عن حادثة ضرب نار.
الدكتور : عارف … وكشفت على المُصاب.
(سالم يخرج.)

مرقس : على ذِكر ضرب النار … فيه إشاعة جامدة في البلد.
الدكتور : إشاعة إيه؟
مرقس : إشاعة بأن عيسوي بك مهدَّد بالقتل الليلة … ناس كتير شافت هنا في … في داير الناحية صديق الكردي اللومانجي … اللي بيتأجر على قتل الناس.
الدكتور : صديق الكردي متأجر على قتل عيسوي بك الليلة؟
مرقس : مش بعيد! … عيسوي بك مشهي الناس الأطيان!
الدكتور : يا راجل حرام عليك! … علشان عشرة جنيه عايز رجل زي ده ينقتل؟
مرقس : مش أنا اللي عايز … إنت مش فاهمني!
الدكتور : فاهمك قوي.
مرقس : عيسوي بك له ناس كتير تكرهه.
الدكتور : واخد بالي.
مرقس : أعضاء النقابة الزراعية في المركز مش قادرين يقولوا له تِلت التلاتة كام … بالِعهم في بطنه … هو منه رئيس النقابة، وهو أمين الصندوق، وهو الأعضاء، وهو الكل في الكل، والباقي طراطير ترتجف قُدَّامه.
الدكتور : وما له! … رجُل سَبع!
مرقس (مستمرًّا) : راح جاب له واحد رومي حماية عمَله وكيل الدايرة، وعينه أمين صندوق النقابة، وكتبوا دفاتر النقابة بالأفرنجي علشان الأعضاء ما يفهموش، واستلف على أطيان الأعضاء آلاف الجنيهات، والبنك نازل حجز عليهم، ولازم هو طبعًا برده اللي راح يرسي عليه المزاد كالمعتاد!
الدكتور : بلاش تشنيع يا رجل!
مرقس : أنا مش قاعد أشنع … أنت عارف الحكاية أحسن مني.
الدكتور : وما له؟ … عيسوي بك ده رجل تمام يعجبني … بس هي أصل نار العشَرة جنيه.
مرقس : أبدًا وشرفك.
الدكتور : إيش عجب … أول امبارح كنت نازل مسح جوخ في عيسوي بك، تترجاه يكلم لك المدير والوزير علشان ينقلوك على الخط الطوَّالي … إنت مش عارف إن له صلة بالحكام، وكلمة منه تنزلك كمساري.
مرقس : وأنا قلت حاجة؟
الدكتور : غير كده؟
مرقس : أنا قلت بس إنه زي كل الناس … له اللي يحبه واللي يكرهه.
الدكتور : وإنه جايب واحد أفرنجي حماية ونازل سف في أموال النقابة.
مرقس : أنا قلت سف أموال النقابة؟
الدكتور : وبعدين بقى؟ … حاترجع تلحس اللي قلته؟!
مرقس : لا يا دكتور … إنت مش فاهم قصدي … عيسوي بك فضله علينا برده.
(يُسمَع صوت ولولة نساء في الخارج.)

الدكتور : اسمع! … صوات!
مرقس (في اندفاعٍ) : عيسوي بك انضرب!
الدكتور (ينادي) : يا سالم!
(يدخل معاون المحطة.)

المعاون : نهارك سعيد يا دكتور!
الدكتور : نهارك سعيد يا حضرة المعاون.
المعاون : حضرتك تعرف الأفندي ده؟ … تعال يا …
(يلتفت خلفه نحو الباب.)

شاهين (يدخل) : الصوات ده كله علشاني أنا؟! … يظهر إني أنا محل عطف الجمهور! … مع أن المسألة مش محتاجة أبدًا.
الدكتور : شاهين!
شاهين : المسألة بسيطة حضرة المعاون عمل الواجب اللي عليه لكن كله من كمساري الوابور.
المعاون (موجهًا الكلام لمرقس) : اضطرينا يا حضرة الناظر نعمل له مخالفة.
شاهين : محضر بسيط من قسيمة واحدة!
الدكتور : ركبت القطر من غير تذكرة؟
شاهين : حصل!
المعاون : طلبْنا من حضرته الأجرة كاملة والغرامة، عرَّف بأن مفيش نقدية.
شاهين : طبعًا!
الدكتور : ركبتَ القطر من غير تذكرة؟!
شاهين : أنا ركبت القطر من غير تذكرة، ومعترف في المحضر في أمان **** … إيه بقى اللي تشوفوه؟
مرقس : حكاية بسيطة! … اترك لي الموضوع يا حضرة المعاون، مفيش لزوم تعطَّل نفسك.
شاهين : أيوه اتفضل أنت يا حضرة المعاون، ما نعطلكش!
(المعاون يسلِّم المحضر لمرقس ويخرج.)

الدكتور : أنا مش قلت لك يا مرقس أفندي أن الأستاذ شاهين له أعمالٌ غريبة وإنه دايمًا في دنيا غير الدنيا؟ … أنا أعرفه طيِّب، هو من غير شك نسي محفظة فلوسه في البيت قبل ما ينزل زي عادته … يا خسارة … دأبه عدم الانتظام والنسيان.
شاهين : أما صحيح العقل نور … عرفتش أقول أنا كده في المحضر؟!
الدكتور : أمال قلت إيه في المحضر؟
شاهين : نهايته …
مرقس (للدكتور) : على كل حال اتركوا لي الموضوع أنا اتصرف.
شاهين : تركْنا لك الموضوع يا حضرة الناظر، تصرَّف فيه بحكمتك، وهات سيجارة.
الدكتور (لشاهين، بصوتٍ خافت) : البدلة اللي عليك دي يا شاهين مش قادر تمسحها بشوية بنزين؟
شاهين : البنزين خلص من الأتومبيل «الباكار» بتاعي.
الدكتور : آه من السكْر والخمارات اللي ضيعْت فيها حياتك وفلوسك بعد طلاق مراتك! … آه … بس لو مكنتش أهملْت مكتبك بعد الصدمة وتركْت قضاياك وسِبت نفسك تغرق في الشرب والمخدرات!
شاهين : خلاص يا سيدي بطَّلْنا السكر والخمارات وتُبنا وأنبنا والحمد *** الذي لا يُحمَد على مكروهٍ سواه!
الدكتور : تُبت لمَّا بِعت هدومك وعفش مكتبك … لكن بعد إيه؟ … بعد إيه؟ … بعد ما بقيت مش انتَ؟ … خلاص!
(سالم يدخل.)

سالم : يا دكتور … المصاب اللي كشفْت عليه حضرتك جابوه أهله برة، وبيصوتوا عليه!
الدكتور : قل لهم يبطلوا صوات، وإلا ما فيش تصريح بالدفن.
سالم : دا لسة حي ما ماتش.
الدكتور : زي بعضه.
سالم (يخرج، ويسمع صياحًا في الخارج) : هُس بطلوا صوات يا مواشي!
شاهين : إخص! طبعًا الصوات ما يخصنيش! … (في صوتٍ خافت كالمخاطب نفسه) مفيش حاجة تخصني أبدًا! … شوية عطف *** في *** مفيش!
مرقس (مقتربًا من شاهين) : قل لي يا أستاذ! … بمناسبة المواشي بدي أستشيرك في مسألةٍ قانونية.
شاهين : بمناسبة المواشي؟ … هي جات مناسبة للمواشي؟!
مرقس : قصدي يعني …
شاهين : على كل حال … أفندم …
مرقس : أيوه … المسألة إني مشارك واحد فلَّاح على شاب بقر، وبلغني إنه باعه في سوق السبت من غير علمي وقبض ثمنه … و…
(سالم يُطِل برأسه من الباب.)

سالم (للدكتور) : خمسة جنيه! … كويس؟
الدكتور : إيه هو؟
سالم : الورقة في إيدي آهيه! … (يلوح بورقةٍ مالية)!
الدكتور : إيه الحكاية؟
سالم : ما تكسفنيش يا دكتور! … و**** ما انت كاسفْني!
الدكتور : تعالَ بس فهمني.
سالم : ناس غلبانين على قدِّ حالهم … خُد بس يا دكتور الورقة حطها في جيبك … (يناوله الورقة المالية.)
الدكتور (يتناول الورقة) : علشان إيه؟
سالم (يتركه ويعود إلى الباب ويصيح منه في الخارج) : الدكتور قبِل يداويه علشان خاطركم … رُوحوا على العيادة الخصوصية من الباب التاني.
الدكتور : أداوي مين؟ … تعالَ هنا فهِّمني يا ابن اﻟ…
سالم (يعود إليه) : نكتب لهم تذكرة … احنا خايس علينا حاجة؟ الراجل ميت ميت … أمال العيادة تشتغل ازاي؟
(سالم يخرج على عجَلٍ.)

شاهين : الواد التمرجي بتاعك ده باين عليه ملحلح!
الدكتور : أهو احنا برده علشان كده مستحملين بلاويه ورزايله … قل لي يا شاهين … إنت قاعد عندنا يومين تلاتة؟
شاهين : يوم واحد فقط.
الدكتور : جاي تشوف ابنك طبعًا.
شاهين : البيك ابني … طبعًا … يا سلام، المرة اللي فاتت دخلت السراية أشوفه قابلني واحد بيك معتبَر احترمته قوي وقدَّمْت له السيجارة اللي كانت معايه وظهر أخيرًا إنه سواق الأتومبيل بتاع ابني اللي بيوصله ويجيبه من المدرسة.
مرقس : معلوم … الولد في عز كبير.
شاهين : الحقيقة … مش ناقصُه حاجة أبدًا من نعيم الدنيا … الحمد ****!
الدكتور : مش ناقصُه إلا انت!
شاهين : البركة في عيسوي بك … أهو زي أبوه واحسن مليون مرة من أبوه!
مرقس : مهما كان ما يجيش زي حنان الأب الحقيقي.
شاهين : الأب الحقيقي اللي هو أنا! … **** ما يحكم به على عدو ولا حبيب.
الدكتور (ينظر في ساعته) : الساعة كم عندك يا شاهين؟
شاهين : معايه كل حاجة إلا الساعة والمحفظة … لأن ما عنديش وقت ينخاف عليه ولا فلوس ينخاف عليها!
الدكتور : آه … صحيح.
مرقس (يُخرج ساعته) : الساعة دلوقت يا سيدي، دهده … دِي ۱۱ و٤٥ (يتحرك بسرعة) عن إذنكم الوقت سرقني هنا وقطر البضاعة لازم يكون خالِص مناورة وشحن وقايم … (يُسمَع صفير قطار) أهو تمام في المحطة … سعيدة!
(يخرج مسرعًا.)

الدكتور : أُقعد يا شاهين! … لي معاك كلام طويل.
شاهين : لأ … اعمل معروف بلاش محاضرات طبية!
الدكتور : اتركني بس أعالجك.
شاهين : أنا مش عيان!
الدكتور : إنت عيان بمرض نفساني خطير!
شاهين : وبعدين معاك في الكلام ده!
الدكتور : أنا غرضي مصلحتك … تعرف مرضك اسمه إيه؟
شاهين : اسمه إيه؟
الدكتور : مركَّب نقْص خطير معقَّد Conplex of Inferiority.
شاهين : إيه؟!
الدكتور : اسمع يا شاهين … إنت ارتكبت في حياتك غلطة واحدة …
شاهين : غلطة واحدة بس؟
الدكتور : غلطة هي اللي هدمت حياتك!
شاهين : هدمت حياتي؟ … جبت الكلام ده منين؟
الدكتور : ما تقاوحش وما تزعلش، أنا متعهد بإصلاح غلطتك … وإصلاحها من حُسن الحظ في الإمكان، لو ساعدتني وصارَحتني!
شاهين : بس فهمني أولًا إيه غلطتي؟ … إني اتولدت في الدنيا؟
الدكتور : لا … إنت فاهم قصتي كويس … تعرف طبعًا زيزا؟
شاهين : زيزا مين؟!
الدكتور : زوجتك سابقًا، اللي ضيَّعتْ فلوسك كلها في كلونياتها الفيوليت.
شاهين : احنا خرجنا عن الموضوع.
الدكتور : بالعكس … احنا في قلب الموضوع، تعرفها ولا لأ؟ … كلمة ورَد غطاها!
شاهين : أنا ما ليش معرفة بستات، ولا أعرف النهارده غير ست نبوية العطارة صاحبة الملك اللي أنا ساكن عندها في كفرة ملِّيم بطنطا، ومن يومين حصل بيننا سوء تفاهم بخصوص متجمد الإيجار، وكان حايصير رمي عزالي من الشباك، لولا تدخُّل صاحب القهوة المعلم حسانين، **** يستره.
الدكتور : سيبنا من كده … أنا بسألك عن زيزا هانم، حرم عيسوي بك، جاوبني!
شاهين : وإيه المناسبة اعرف حرم عيسوي بك؟
الدكتور : المناسبة أن ابنكم عز الدين في حضانتها … و…
شاهين : أنا علاقتي اليوم بالست المذكورة زي علاقتي بامبراطورة روسيا!
الدكتور : شوف ازاي، انت واضع لها في نفسك ومخيلتك صورة امبراطورة! … إنت شُفتها آخر مرة إمتى؟
شاهين : الشهر اللي فات … كانت خارجة من السراية طالعة الغيط راكبة حصان ووراها السيَّاس والمستخدَمين والحاشية …
الدكتور : شايف الناس! … أهي دي واحدة عايشة في الدنيا … ليه انت من جهتك ما كنتش تعمل كده؟
شاهين : أَركب حصان؟
الدكتور : تركب أي حاجة!
شاهين : وأنا عارف اركب الوابور؟
الدكتور (في أسفٍ) : إنت فعلًا دلوقت زي الوابور … العالم كله راكبك! … ويا ريت بفلوس … من غير تذكرة!
شاهين : أنا راخر باركب من غير تذكرة!
الدكتور : درجة تالتة!
شاهين : زي بعضه … اللي أطولها!
الدكتور : اسمع بقى يا شاهين الجد … كفاية كلام فارغ!
شاهين : أرجوك ما تكلمنيش جد … أنا ما أحبش الجد أبدًا … أنا موصوف لي عدم الكلام الجد! … أنا مبسوط كده أربعة وعشرين قيراط.
الدكتور : مستحيل تكون مبسوط أربعة وعشرين قيراط.
شاهين : طيب عشرين قيراط بس!
الدكتور : ولا عشرة ولا سبعة ولا خمسة ونص!
شاهين : أمال يطلع كام؟ … ومع ذلك انت كان حد قال لك انصُب ميزان واقعد اوزن في انبساطي بالقيراط والدرهم؟!
الدكتور (ينظر إليه مليًّا في صمت) : المصيبة يا شاهين انك بتحبها دايمًا!
شاهين : هي مين؟
الدكتور : إلى درجة المرض …
شاهين : أنا مش فاهم انت قاعد تقول إيه؟!
الدكتور : إلى درجة انك أصبحْت تقدس عيسوي بك لأنها فضَّلته عليك وتطلقت منك علشانه … مرضك كله يتلخص في كلمتين … إنك فقدْت التقدير المظبوط للأشياء، وبالغْت في النِّسب والمقاييس … إنت دلوقت في نظر نفسك طولك شبر واحد وعيسوي بك مارد طوله عشر أمتار … إنت تعتبر نفسك عبد من العبيد الأذلاء، وتعتبر عيسوي بك وزوجته آلهة من آلهة اليونان!
شاهين : اسكت بقى … بلا آلهة اليونان … بلا آلهة اللومان!
الدكتور : نظرتك له يجب تتغير … احتقِره … اعتقِد إنك أحسن منه اكرهه … اقتله!
شاهين : اقتله؟!
الدكتور : طبيعي إنك تقتله «لكن مش طبيعي إنك تقدسه».
شاهين (كالمخاطب نفسه) : أقتله؟!
الدكتور : مثلًا … طبعًا ما تعملهاش … دا مجرد كلام … المهم نظرتك له يجب تتغير أولًا … وبعدين نبدأ في العلاج الفعلي.
شاهين : العلاج الفعلي … تعرف هو إيه؟
الدكتور : إيه؟
شاهين : إنك تدبح لي وزة على طبق ملوخية، إلا أنا من زمان نفسي في غدوة تكون نضيفة!
الدكتور : آه يا شاهين! … لو كنت تثق شوية في نفسك وفي مستقبلك!
شاهين : أنا لسة لي مستقبل؟!
الدكتور : إيه المانع؟ … إنت رجل كان لك ماضي مجيد وكنت محامي معروف … ليه ما ترجعش لمركزك القديم؟ … اللي قدر يعمل لنفسه ماضي يقدر يعمل لنفسه مستقبل!
شاهين : اسكت يا صبحي وحياة أبوك بلاش هجص!
الدكتور : ليه؟ … مش جايز تكسب قضية كبيرة تُظهر اسمك من جديد!
شاهين : وهو مين المغفل الكبير صاحب القضية الكبيرة، اللي بحث وداخ لغاية ما عتر على حضرتي في حَواري كَفر ملِّيم شياخة الحاج مرزوق الأودن بطنطا؟!
الدكتور : كل شيء جايز، وكل شيء ممكن … المهم يكون عندك ثقة بنفسك وأمل في الحياة.
شاهين : وإيه الفايدة؟
الدكتور (يائسًا) : شوف ازاي؟!
شاهين : أنا ما ليش مصالح خصوصية في الحياة.
الدكتور : اخلق مصالح من تحت الأرض … تشبَّه بعيسوي بك، الرجل اللي انت ناظر له بعين كبيرة قوي … بنضارة معظمة.
شاهين : مفيش محل للتشبه ولا للمقارنة.
الدكتور : صدقت … هو في السما وانت في الأرض … دا رأيك، ومع ذلك لو بحثت عن الحقيقة تجد انك النهارده أحسن منه في جانب من الجوانب.
شاهين : أستغفر ****!
الدكتور : عيسوي بك له ناس كتير تكرهه.
شاهين : وأنا ما ليش حد يكرهني … ولا حد يحبني.
الدكتور : عيسوي بك مهدَّد الليلة بالقتل.
شاهين : بتقول إيه؟!
الدكتور : صديق الكردي اللومانجي المشهور متأجر على قتله.
شاهين : والبك عنده خبر؟
الدكتور : عيسوي بك؟ … ما أظنش عنده خبر.
شاهين : وانت ليه ما رحتش تبلغه علشان يأخذ حذره؟
الدكتور : جايز الإشاعة غير صحيحة، ليه أزعجه من غير مناسبة!
شاهين (ينهض مسرعًا) : عن إذنك!
الدكتور : على فين يا شاهين؟
شاهين : راجع لك بعد ربع ساعة.
الدكتور (في دهشة) : رايح تبلغه؟
شاهين : ضروري أبلغ سعادته … حياته غالية علينا قوي … حياة عيسوي بك كله … عيسوي بك سيد الناحية كلها … الآمر الناهي في أطيانه وأملاكه وفلاحيه ومواشيه وبهايمه وناظر زراعته وناظر محطته وعمدته والمعاون والمأمور وأنا وانت!
(يصفق بيديه كما يفعلون في الزفة البلدي.)

(شاهين يخرج سريعًا.)

الدكتور (كالمخاطب لنفسه) : نسمي الحالة دي إيه؟ … خوف … مسْح جوخ … ضعف؟
سالم (يُطل برأسه من الباب) : شاهين أفندي ما له طالع يجري كده زي المجانين ناحية السراية؟!
الدكتور (كالمخاطب لنفسه) : مسكين عنده «إنفريوريتي كومبليكس»!
سالم : مظبوط … أنا برضه بقول كده … عنده أنفار في كومبيل لوكس!

الفصل الثاني​

(صالون أنيق في سراي عيسوي بك بالأرياف … زيزا تحمل في يديها مجوهرات تُريها لزائرتها دُرية.)

درية : كل ده شارِيه لك؟
زيزا : وانت لسة شفتي حاجة يا درية!
درية : كفاية بس العقد ده لواحده يا اختي!
زيزا : بلا قرف … أنا ألبس عقد زي ده؟ … صحيح لولي حر ما قلتش حاجة … لكن أنا ما احبش اللولي.
درية : أمال تحبي إيه بقى؟
زيزا : شوفي الحلق ده …
درية : يا دهوتي! … كل ده ألماز …
زيزا : تعرفي الفص ده وزنه طلع قد إيه يا درية؟
درية : ما هو باين يا اختي من شكله … قد عين الجمل … أنا عمري شفت فص قد كده! … يطلع بكام ألف ده يا ادلعدي؟
زيزا : تلات آلاف جنيه وحياتك … دفعهم عيسوي للجواهرجي قدامي … ولسة الأسورة عنده بيصلحها.
درية : تلات آلاف جنيه! … طب شيلي بقى … والنبي شيلي ينوبك ثواب … إلا ده شيء يلحس العقل … إنتِ يا زيزا هانم عايزة تجنني عقلي زي ما جننتِ عقل جوزك!
زيزا (باسمة) : جوزي مين؟
درية : عجايب يا اختي عليكِ! … بقى مش عارفة؟
زيزا (ضاحكة) : لأ!
درية : **** على ضحكتك دي! … بقى مش عارفة مين فيهم؟ أقول لك … الاتنين يا اختي … حتى عيسوي بك الواعي اللي ما حد يضحك عليه … راخر ضحكتِ على عقله … الراجل اللي بيشتري لامراته ألماز بألوف الجنيهات مش يبقى عقله رايح؟
زيزا : الرايح أحسن من الجاي يا ستي … أنا عايزة من عقله إيه؟
درية : صدقت … عقبال ما جوزي راخر عقله يضيع ولا أعرف له طريق.
زيزا : حرام عليك يا درية … الدكتور مش مانع عنك حاجة!
درية : النبي تسكتي يا زيزا هانم!
زيزا : أهو انتم كده يا ستات … ما يعجبكم العجب ولا الصيام في رجب!
درية : أنا اللي ما يعجبنيش العجب؟!
زيزا (ناهضة) : أف، ريحة الجو يا درية في الأرياف ما تنطاقش … أنا إن ما كنتش أرش البيت بالكولونيا كل يوم مرتين ما اقدرش اقعد … فاطمة! … عيشة!
فاطمة : أفندم!
زيزا : شيلي صندوق الصيغة ده … وقولي لعيشة تجيب قزازة الكولنيا الفيوليت من أودة التواليت.
فاطمة : أنهي قزازة يا ستي؟ … فوق التواليت قزايز ريحة كتير.
زيزا : قزارة الفيوليت البنفسج الكبيرة أم غطا مدهب.
فاطمة : حاضر.
زيزا : اسمعي يا فاطمة … فين أم يوسف الدادة!
فاطمة : بتطبق هدوم سيدي عز الدين.
زيزا : وفين عز الدين؟ … ييجي يسلم على تيزته.
فاطمة : سيدي عز الدين مع الشيخ بيقرِّيه الدرس في السلاملك … (تخرج.)
درية : إنت اتجننتِ يا زيزا هانم! تخلي الخدامة تشيل ألوف الجنيهات دي؟
زيزا : وإيه يعني؟ … هي حاتروح بهم فين؟ قولي لي يا درية!
درية : قولي لي انت الأول … عز الدين شاف أبوه النهارده ولَّا لسة؟
زيزا : و**** مش عارفة … دايمًا مع دادته.
درية : أفتكر أيوه ما شافوش لسة … لأنه جه اتغدَّى عندنا مع الدكتور … وفضلوا قاعدين في البيت لحد ما خرجْت وجيت هنا عندك.
زيزا : قصدك أبوه مين؟
درية : أبوه مين؟! … أبوه المحامي!
زيزا : هو هنا؟
درية : إنت مش عارفة إنه هنا؟
زيزا : أبدًا ما حدش قال لي.
درية : دا جه هنا قابل عيسوي بك الضُّهر، قبل ما ييجي يتغدى عندنا.
زيزا : ما عنديش خبر.
درية : يا حلاوة!
زيزا : مستعجبة قوي ليه؟ … شيء مهم قوي ده يا ست درية؟!
درية : صدقت … هو بسلامته كان مين في زمانه لما تتنازلي وتسمعي بوجوده وغيابه … أنا بس بسأل … كنت فاكرة إنهم بيقولوا لك نهار ما ييجي (لحظة) أظن مستحيل تقابليه دلوقت!
زيزا : أقابله! … إنت مجنونة؟
درية : عيسوي بك ما يرضاش.
زيزا : مش بس عيسوي بك.
درية (كمن فهمَت) : آه.
زيزا : أف!
درية : ما لك؟
زيزا : زهقت من الأرياف يا درية … عايزة أروح مصر بقى!١
درية : إنتِ لحقتِ؟ … إنتِ لسة جاية من مصر!
زيزا : اتضايقت من هنا بقى … روحي حاتطلع!
درية : من إيه يا اختي تتضايقي؟ … إنتِ كل يوم فسحة على الحصان من عزبة الوقف لعزبة بشتيل، ومن أرض تفهنا العزب لعزبة الحنا … الدكتور حكى لي وقال لي إن عيسوي بك علمك ركوب الحصان وبقيتِ فشر الخيَّال اللي مرسوم فوق علبة الكبريت!
زيزا : بلاش نأورة يا درية!
درية : والنبي بقول جد، يا ما احلى طلعتكم في الغيطان كده انت وجوزك راكبين الخيل، والناظر والخولي والفلاحين حواليكم بيسندوا فيكم، زي هارون الرشيد ومراته في زمانهم!
زيزا : وما له! … وانت ما تعمليش كده ليه؟
درية : يا دهوتي … ما بقاش إلا كده … علشان يقولوا أهل البلد شوفوا مراة حكيم الصحة اتجنِّت في عقلها وطالعة في السكك راكبة حصان!
زيزا : ما عجبتنيش يا درية! … اشمعنا أنا بقى؟
درية : إنتِ شكل تاني، انت اسمك صاحبة ملك، جاية تتفسحي يومين … لكن احنا ناس متوظفين وقاعدين على طول ونخاف من كلام الأهالي!
زيزا : تعرفي إيه اللي مقعدني هنا وخلَّاني ركبت الحصان؟ … صحتي … أنا خايفة أسمن … وابقى تخينة وحشة.
درية : جمالك بالدنيا يا اختي!
زيزا (ضاحكة) : مش كده؟!
درية : معلوم.
زيزا : برضه بتتنأوري عليَّ … أنا فاهمة … مش مخلصك ركوب الحصان أبدًا والرياضة … إنتِ مش عاجباني أبدًا يا درية … إنتِ ما كنتيش كده أيام المدرسة ولا أيام ما كنت في مصر … الفلاحين والأرياف خسرت أفكارك!
درية : معلهش … الحقي ارجعي قوام على مصر انت كمان قبل أفكارك ما تخسر!
زيزا : أنا ما تخافيش عليَّ!
درية : ويعني ركوب الحصان نفع! … آدي أنتِ زهقتِ من كم يوم!
زيزا : معلوم ازهق … هي دي بلد تتسكن … أقعد طول النهار ما أشوف إلا خضرة لا لها أول ولا آخر، وما أسمع إلا جاموسة تنعر، وساقية تزيَّق، وكلب يقول هو هو … وضفادع تقول با با … وخرفان تقول ماء ماء … وصفارة القطر في المحطة … مش كده يا درية؟ … فيه حاجة عندكم هنا غير كده؟
درية : أمال انت عايزة إيه؟
زيزا : عايزة إيه؟ … عايزة أعيش على وش الدنيا وامتع شبابي!
درية : عايزة التياترات والدكاكين والسينما وبعزقة الفلوس!
زيزا : وما له!
درية : يحق لك يا اختي!
عيشة (تدخل حاملةً زجاجاتٍ مختلفة) : ستي! … آدي القزايز!
زيزا : إيه ده كله يا بنت؟ … جرى في عقلك إيه!
عيشة : سيدي البك شيلهم لي وقال لي ستك تختار.
زيزا : وسيدك بيعمل إيه في أودة التواليت؟
عيشة : بيحلق ذقنه يا ستي.
زيزا : شوفي يا درية معاكسة عيسوي! … باعت لي مخصوص الروايح اللي استتقل دمها … أنا قايلة له ألف مرة ما احبش الهليوتروب! … روحي يا بنت بشيلتك قولي له مش عايزة والنبي تقيل … مش كده يا درية؟
درية (تشير إلى زجاجة) : وريني القزازة الغريبة الشكل دي يا اختي!
زيزا : دي كوني … تعجبك؟
درية : ****! … لازم غالية!
زيزا : مش قوي … أظن بعشرة جنيه من عند …
درية : بتقولي إيه؟ … عشرة جنيه! … يا دهوتي! … خدي يا بنت الَّا تنكسر من إيدي … يالله السلامة.
زيزا : خدي يا عيشة القزازة من الست.
درية (بعد لحظة) : اللي يا اختي ما عزمتِ عليَّ وقلت اتفضلي … عيسوي بك علمك البخل ولَّا إيه؟
زيزا : إخص! … شوفي يا درية سَهى عليَّ ازاي! … تعالي يا بنت يا عيشة!
درية : لا والنبي ما تصدقي … أنا قصدي أهزر!
زيزا : وحياتك تاخديها «سوفنير».
درية : أعمل بها إيه يا زيزا هانم في بلاد الفلاحين!
زيزا : إنتِ ما اخدتيش مني حاجة أبدًا يا درية.
درية : مفيش تكليف … روحي يا عيشة روحي.
زيزا (في تراخٍ) : ما لكيش حق!
درية (تنظر إلى النافذة) : الشباك ده يطل على إيه يا زيزا هانم؟
زيزا (ناهضة وتتجه مع درِّية إلى النافذة) : أظن يطل على الجنينة والسكة اللي رايحة الإسطبل.
درية : إسطبل! … قصدك الزريبة؟
زيزا : آه.
درية : شايفة؟ … آدي البهايم مروحة … احنا بقينا المغرب يا زيزا!
زيزا : درية … شوفي … شوفي يا درية الخرفان بتوعي … أهُم دول كلهم الخرفان بتوعي! مش حلوين والنبي؟ … شوفي الخروف الأبيض النونو ده بيجري ورا أمه الخروفة الكبيرة.
درية : الخروفة! خروفة دي إيه يا اختي؟ … قولي الحَولية ولَّا النعجة … أحسن الفلاحين هنا تضحك عليكِ!
زيزا : طب والصفرا دي اسمها إيه يا درية؟ … مش اسمها بقرة … قلت كده لعيسوي ضحك عليَّ.
درية : معلوم يضحك عليكِ … بقى يا اختي مش عارفة البقرة من الثور؟ … دا ثور … واسمه في الفلاحين «شاب» …
زيزا : «شاب» … أيوه برافو عليكِ … عيسوي برده قال لي الكلمة دي … وايش عرفك أنت يا درية بالشاب كمان؟
درية : إيش عرفني؟ … مش بقى لي في الفلاحين سنتين وشوية … من أيام ما كان الدكتور في صحة السيدة زينب وكنت أنتي مع جوزك القديم في بيتكم اللي في جنينة نميش، من بعدها وأنا بلد تشيلني وبلد تحطني … رُحنا أشمون ورُحنا ههْيا، وقريبًا جينا تلا.
زيزا : **** يكون في عونك يا درية … إمتى تنتقلوا وتيجوا مصر تاني، علشان كمان تزورينا في بيتنا الجديد اللي في الزمالك.
درية : مصر! … يستحيل! … ما نرضاش نروح مصر!
زيزا : ما ترضوش ليه بقى؟
درية : بلاد الأرياف هنا أكسَب لنا … هو فيه حكيم صحة يسيب مكسب الأرياف ويروح مصر؟
زيزا : يا اختي! … بلا مكسب بلا قرف!
درية : إنتِ تقولي كده معلهش … إنتِ خاسس عليكِ إيه!
زيزا : فُضِّك يا درية … إنتِ منكدة على روحك من غير مناسبة … أنا عارفة وَفْر إيه وتدبير إيه! … على فكرة الأمانة اللي لكِ عندي …
درية : ما لها! … خليها عندك دايمًا.
زيزا : جوزك ما يعرفش انك محوشة عندي فلوس يا درية؟
درية : يعرف ازاي! … دانا كلام في سرِّك سرقاهم منه.
زيزا : سرقاهم؟!
درية : أمال يعني فكرك كنت أقدر أحوش ٥٠٠ جنيه من مصروف البيت؟
زيزا (مستنكرة) : سرْقاهم ازاي يا درية؟!
درية : زي ما بتعملي … بقى انت رخرة مش كده؟!
زيزا (مستنكرة) : أنا! … أنا أسرق؟!
درية : اطلعي من دول … حاتعملي عليَّ عبيطة؟!
زيزا : إخص عليكِ يا درية … أحلف لك بتربة بابا …
درية : مفيش لزوم تحلفي ببابا ولا ماما … أنا مصدقة.
زيزا : لا يا درية … إنتِ لازم تفهمي …
درية : أنا فاهمة كويس … إنتِ عندك جواهر تجيب تلات أباعِد …
زيزا : وما له!
درية : وأنا قلت حاجة؟ … أنا رخرة أعرف ازاي أخرَّر من جيب جوزي الفلوس … هو ما يعرفش حاجة اسمها جواهر يجيبها لي … لكن أنا أعرف ازاي استلف له من التمرجي، وأزود عليه المصروف وأبيع له أبو قرش بقرشين … امبارح أخذت منه ٣ جنيه تمن صفيحة سمن … وأنا لا شتريت ولا بِعت … أسيَّح لي شوية زبدة بريال واخزنهم في صفيحة قديمة … وكان **** يحب المحسنين!
زيزا : حقًّا … المحسنين اللي زي جوزك.
درية : الرجالة ما لهمش أمان يا زيزا هانم.
زيزا : بعد كده يا اختي!
درية : والنبي تسكتي، هو احنا يا ستات عارفين الفلوس اللي بيدخلوها علينا اجوازنا دي حلال ولَّا سُحت؟
زيزا : قولي على جوزك انتِ معلهش … عيسوي أمواله حلال بنت حلال!
درية : إيش عرفك؟
زيزا : لا يا درية … أنا لا أسمح لك أبدًا تتعدي الحدود!
درية : طيب … طيب ما تزعليش … أنا عرفة برده انك تحبي دايمًا يكون فيه حدود.
زيزا : مش كل شيء ينقال!
درية : طبعًا يا اختي … (لحظة) أنا عارفة إنك غويطة طول عمرك … ولا تهتمي بالكلام الطاير … إنتِ بقى اتطلقتِ واتجوزتِ وضحيتِ ابنك علشان إيه أمال؟
زيزا : بتقولي إيه؟ … ضحيت إيه؟
درية : ولا حاجة … يعني …
زيزا : اسكتي بقى … عيشة جاية … جرى إيه يا عيشة؟
عيشة : ستي! … جبت القزازة اللي حضرتك طلباها.
زيزا : أيوه دي … افتحيها ورشي الصالة.
عيشة (وهي ترش الصالة) : سيدي البك عطاها لي، وقال لي قولي لستك هو ما يقدرش على زعلك أبدًا.
درية (باسمة) : صلاة النبي أحسن!
زيزا : معلوم! … مش رديتِ يا عيشة وقلتِ له زعل ستي غالي؟
درية : غالي قوي … يساوي لولي وألماز!
زيزا (تتناول الزجاجة من عيشة التي تخرج) : خدي شوية فيوليت يا درية.
درية : هاتي يا اختي … **** يزيد خيرك … عقبال ما نتدهن في طهور عز الدين … ****! … ريحته حلوة! … طول عمرك تحبي البنفسج يا زيزا هانم، لكن أظن ده صنفه أحسن طبعًا من اللي كنت أشوفه عندك زمان … وانت في بيتكم اللي في جنينة نميش، ولو انك كنت تحلفي لي إنه أحسن صنف خلقه ****، علشان شاهين بك هو اللي … جايبه لك!
زيزا : مين قال كده؟
درية : إنتِ يا اختي نسيتِ! … مش جوزك القديم ده اللي ضيع القرشين اللي حيلته من ميراث أمه في الكلونيات البنفسج بتاعتك … وكان بيده يرش لك السرير كله بنفسج كل يوم؟
زيزا : مين قال كلام زي ده؟!
درية : الكلام اللي زي ده مين كان حايقوله إلا انت؟ … ياما كنتِ بتقولي «أنا ما شُفتش في الدنيا والآخرة عواطف رقيقة زي عواطفه» …
زيزا : أنا قلت كده؟!
درية : وقلتِ إن له قلب مصنوع من الألماز.
زيزا : أرجوكِ يا درية تسكتي بلاش كلام فارغ!
درية : دا كان برده رأيي أنا رخرة أيامها … القلب الألماز ما دام ميجبش فلوس في الصاغة يبقى كلام فارغ.
زيزا : إنتِ دايمًا يا درية تعملي أهمية للفلوس.
درية : وانت لا أظن؟!
زيزا : طبعًا.
درية : ألطم لك؟ … عايزاني ألطم؟
زيزا (تنصت إلى النافذة) : اسمعي … الكلب نبح … لازم حد جاي.
درية : لازم ده الدكتور هو وشاهين بك!
صوت (من الخارج) : يا زيزا!
درية (تغطي وجهها بسرعة) : يا ندامة! … البِك بتاعك داخل علينا!
زيزا : لأ … ما تخافيش … خليك عندك شوية يا عيسوي … انتظري لما أشوف عايز إيه؟
درية : أنا أستأذن بقى يا زيزا هانم …
زيزا : بدري يا درية … اقعدي معايه شوية سلِّيني … دلوقت عيسوي يروح السلاملك يقابل ضيوفه زي كل ليلة.
درية : معلش … أستأذن دلوقت … ألا ما فيش حد في البيت، والتمرجي شاري زبدة النهارده من سوق السبت عايزة أسيحها وأخزنها قبل ما يرجع الدكتور … بكرة إن شاء **** أقعد زي ما تقولي.
زيزا : إخص عليكِ يا درية (سلام قبلات وتخرج من باب السلم … زيزا تجلس على مقعد طويل) ادخل بقى يا عيسوي.
عيسوي (يدخل بالبنطلون والشبشب وفوطة الحلاقة على كتفه) : ما شاء **** ما شاء **** … قاعدة كده مجعوصة أربعة وعشرين قيراط!
زيزا (بدون أن تتحرك من جلستها) : عاجبك ولَّا مش عاجبك؟
عيسوي : عاجبني.
زيزا : خلاص … ولا كلمة!
عيسوي : ولا نص كلمة!
زيزا : ولا فتفوتة كلمة!
عيسوي : ولا ربع فتفوتة كلمة!
زيزا : أيوه كده.
عيسوي : أيوه … قولي لي يا ستي … خرجت مراة الدكتور صبحي؟
زيزا : راحت تسيح زبدة وتخزن سمن.
عيسوي : شوفي ازاي مقتصدة لجوزها؟
زيزا : لجوزها؟ … ياما انتم مغفلين يا رجالة!
عيسوي : ازاي؟
زيزا (ضاحكة) : مقتصدة لجوزها؟ … ها … هاي …
عيسوي : أمال فاكرة كل الناس زيك وزيي … علشان تعرفي إني مدلعك ومخليك كده زي العروسة … لا شغلة ولا مشغلة.
زيزا : شوف برده أفكارك زي أفكار العُمَد!
عيسوي : ازاي؟
زيزا : عايزني أنا كمان أسيح سمن؟
عيسوي : سيحي أي حاجة!
زيزا : أسيح دمك!
عيسوي : برده كده؟ … آدي اللي انتِ فالحة فيه!
زيزا : زعلت؟
عيسوي : اسكتي بقى!
زيزا : ومع ذلك اللي سيح دمك صحيح الموس … إنت جرحت دقنك وانت بتحلق … شوف … قرب وأنا أوريك …
عيسوي : لا … مش عايز أقرب!
زيزا : إنت حر!
عيسوي : إنتِ اللي زيك يستحيل تهتم لو جرى لي حاجة الليلة!
زيزا : الليلة؟ … اشمعنا الليلة لا سمح ****؟
عيسوي : ما دمتِ انت وابنك سالمين مبسوطين …
زيزا : إنت كل ساعة تقعد تقول لي ابنك! … بقى اسمع يا عيسوي أنا ما أحبش تقول لي ابنك أبدًا!
عيسوي : طيب …
(صمت.)

زيزا (بعد لحظة) : ما لك النهارده؟ … أنا ملاحظة انك متغير شوية من ساعة الضهر … حد قال لك حاجة؟ … مين اللي كان معاك في السلاملك قبل الغدا؟
عيسوي : مفيش حد!
زيزا : بلاش كدب … كان معاك واحد!
عيسوي : أيوه يا ستي … كان معاي المحامي إياه الخمورجي السكري!
زيزا : حرام عليك … عمره ما عرف السكْر والخمرة إلا بعد ما سبتُه … نهايتُه هو عايز إيه؟
عيسوي : ولا حاجة.
زيزا : مش معقول ييجي من طنطا علشان ولا حاجة!
عيسوي : أنا مندهش … الجدع ده إما مغفَّل … أو لئيم!
زيزا : إيه اللي حصل؟
عيسوي : والأرجح عندي إنه مغفل.
زيزا : ليه؟ … عايز ياخد ابنه؟
عيسوي : يا سلام! … شوفي انت بالك في إيه؟
زيزا (تقترب منه) : أؤكد لك يا عيسوي أنا عندي زي بعضه … لو كنت أعرف إنه يقدر يعيِّش ابنه ويصرف عليه كنت رميته له من زمان … ومع ذلك هو الولد مش ديما مرمي مع دادته أنا بشوفه يا عيسوي إلا نادر؟
الخادم (يدخل) : سيدي البك … الدكتور صبحي والمحامي موجودين في السلاملك.
عيسوي : طيب.
زيزا : رجع تاني؟
عيسوي : أهو ده يثبت تغفيله؟
زيزا : هو قال لك إيه بالحرف؟
عيسوي : كلام فارغ … هو ده يعرف يقول كلام مفيد … اسمعي يا زيزا، أنا مش عايز انزل السلاملك الليلة … إيه رأيك … اللي عايز يقابلني يطلع لي هنا؟
زيزا : اشمعنا الليلة؟
عيسوي : لأن الليلة برد شوية … والسلاملك منفرد برة ورطوبة … العمدة كمان سبق قال لي كده!
زيزا : على كيفك.
عيسوي : يا مرجان!
مرجان (يدخل) : أفندم!
عيسوي : قل للدكتور يتفضل هنا، ولما العمدة وناظر المحطة والمأمور ييجوا هاتهم على هنا.
مرجان : حاضر.
عيسوي : اسمع لما أقول لك يا مرجان اقفل السلاملك بالمفتاح ولا تطفيش النور اللي فيه … فاهم!
(يخرج مرجان.)

زيزا : علشان إيه ما يطفيش النور اللي فيه؟
عيسوي : علشان … علشان بس الناس تعرف إني في السلاملك زي العادة، ألا يفتكروا اني سافرت …
زيزا : وإيه يعني؟
عيسوي : إيه يعني ازاي؟ … أنا أحب الأنوار تبقى في البيت … حد شريكي!
زيزا : كده من غير مناسبة!
عيسوي : أيوه يا ستي … مش عايز أوفر في النور … تعالي بقى اعملي معروف خليني أكمل لبس … الناس زمانها جاية … (يخرجان.)
مرجان (يظهر وخلفه الدكتور وشاهين) : اتفضلوا هنا.
الدكتور (بخبث) : اشمعنى هنا الليلة؟
شاهين : لازم علشاني … لأني من البيت … طبعًا منهم وعليهم … مش كده يا سي مرجان؟ ازاي صحتك يا سي مرجان … فين عز الدين بك؟
مرجان : البك الصغير كان في السلاملك مع سي الشيخ وخرجوا راحوا المصلَّى اللي على جسر الترعة.
شاهين : المصلَّى اللي على جسر الترعة؟ … ما شاء ****! … **** يفتح عليه … شايف يا دكتور؟ … الدين حلو …
مرجان : نِجيب قهوة ولَّا شاي؟
شاهين : الموجود … ما فيش تكليف يا سي مرجان … احنا مش ضيوف.
(مرجان يخرج.)

الدكتور (يشم رائحةً حوله) : **** على الروايح الجميلة!
شاهين (شاردًا) : فين؟
الدكتور : ريحة الفيوليت اللي ملْو الصالون.
شاهين : طبعًا.
الدكتور (يشم بقوة) : شم وتمتع … ريحة الذكريات!
شاهين (يشم مثله ويغرق في مقعده الكبير) : آدحنا بنتمتع!
الدكتور : بس حاسب … اوعَى تنجعص قوي كده في الكرسي … الَّا دي موبيليه رقيقة وغالية مش واخدة على البهدلة.
شاهين : مش بتقول لي اتمتع؟
الدكتور : يعني بذوق.
شاهين : حاضر (بعد لحظة في إعجاب) يا سلام! … أنا وشرفك ما يلزمني غير كرسيين اتنين من دول … أكسب بهم أتخن قضية!
الدكتور : دا بس اللي ناقصك؟
شاهين : بس … لأن الزبون متى قعد على كرسي زي ده وانجعص، احترم نفسه، ومتى احترم نفسه احترم المحامي … أهو أنا مثلًا دلوقت محترم نفسي قوي.
الدكتور : إنت فاهم كده؟
شاهين : وأكتر من كده … أؤكد لك اني شاعر كذلك بعاطفة احترام غريبة نحو …
الدكتور : مفهوم، لأنك يظهر لسة فاهم إنه رايح يكبش من خيراته ويعطيك!
شاهين : يعطيني؟ … وأنا أقبل؟ … إنت مش فاهمني أبدًا!
الدكتور (مستمرًّا) : مع إنه على غناه الفاحش ده ما يعطيش صاحبه علبة سجاير بخمسة صاغ! … مش مسألة بُخل … لا … إنما فيه ناس انخلقوا كده، ما يعرفوش غير نفسهم … يمتعوا نفسهم صحيح، ويصرفوا على نفسهم كويس قوي … لدرجة التبذير الجنوني … لكن على غيرهم لا … تصور اني أنا صاحبه وكل ليلة أسهر معاه ولا يستغناش عني … ومع ذلك عمره ما أهداني هدية أو تذكار … دا حدث مرة كان في يده عصا تساوي بالكتير خمسة جنيه مسكتها شويه راح ساحبها مني بذوق من غير ما يقول لي اتفضل … آه … فين دول من أعيان زمان، أهل الجود والكرم والنفس السمحة، دول خلاص هجروا الريف وعاشوا في مصر، وتخلقوا بأخلاق الأفرنج … تدخل بيت الواحد منهم في ساعة غدا ما يعزم عليك بلقمة … أهو انت النهارده مثلًا جيت تزوره قبل الضهر، عزمش عليك تتغدَّى؟
شاهين : أنا رفضت … وأرفض آكل من هنا لقمة!
الدكتور : لو كان مسك فيك …
شاهين : مسك فيَّ كتير!
الدكتور : مش معقول … يمسك فيك انت ليه؟ … ويضايق مزاجه ويحرم نفسه من الغدا مع مراته! … هو جايز يعزم مدير أو كبير لما تكون له مصلحة … هو مصاحبني ليه إلا لأني أنا مفتش الصحة أسهل له أعماله، ومصاحب مرقس أفندي لأنه ناظر المحطة ويحتاج له في شحن المحاصيل … وكذلك العمدة والملاحظ والمأمور …
شاهين : دا عزم علي بسجار هافانا تساوي لها مبلغ، حافظها في جيبي تذكار!
الدكتور : لكن كسفك ووبخك!
شاهين : ما حصلش … هو بس شاف إن مسألة الإشاعة دي على غير أساس.
الدكتور : مش بتقول إنه قال لك «انت مغفل تيجي تبلغني كلام فارغ زي ده»؟
شاهين : ما قالش «مغفل»!
الدكتور : أمال قال إيه؟
شاهين : هو بس قال «انت عبيط».
الدكتور : دا بدل ما يشكرك … آه … لكن الحق مش عليه … ومع ذلك تأكد إنه اهتم بكلامك! … بس ما رضاش يظهر لك أي خوف أو اهتمام أو ضعف؛ لأنه متكبر، والدليل إنه جعل المقابلة الليلة داخل السراية، مش في السلاملك كالمعتاد؛ لأن السلاملك منفرد وقريب من الطريق ومعروف للناس إنه يسهر فيه، ومن السهل السطو عليه … لكن داخل السراية يبقى محصَّن أكتر … فهمت؟
شاهين : معقول … (لحظة إطراق وتفكير) أيوه برده على رأيك … ما رضاش يُظهر أي خوف … دا حتى لما بيلعب طاولة إن ما كانش هو اللي يغلب تبقى مصيبة … أنا مرة سمعته بيقول إنه ما تعودش يكون مغلوب في حاجة أبدًا … (يسمع صوت فتح باب، فيقف شاهين في الحال ويزرر الجاكتة) البك جه!
عيسوي (يدخل ويتجه إلى الدكتور) : ازيك يا صبحي تأخرت ليه النهارده؟
الدكتور : راحت علينا نومة بعد الغدا!
عيسوي (يجلس أولًا) : اتفضلوا … (يلتفت إلى شاهين) وانت يا أستاذ بطَّلْت تقول كلام فارغ؟
شاهين : صدقت و**** يا بك … كلامي فارغ زي كل شيء عندي!
عيسوي : ما علينا … قل لي يا صبحي … إنت ناوي تلعب جامد الليلة؟
الدكتور : أمرك.
عيسوي : أنا شايف عمك مرقس تأخر.
الدكتور : يمكن راح يبيع له جاموسة!
عيسوي : احنا ناخده الأول خفيف ألا يفقسها!
الدكتور : مفيش مانع … (بعد لحظة) يا ترى قعدتنا في السلاملك مش كانت أحسن؟
عيسوي : السلاملك … لا لا لا …
الدكتور : ليه بقى؟
عيسوي : رطوبة … السلاملك رطوبة!
الدكتور : بالعكس … دا صحي جدًّا … لأنه في الجهة الشرقية والقبلية و…
عيسوي : قلت لك رطوبة!
الدكتور : مش رطوبة يا بك!
عيسوي : إذا كنت أنا بقول لك رطوبة!
الدكتور : دا شيء تاني …
شاهين : هو صحيح السلاملك رطوبة قوي … بس أصل الدكتور ما شافش السلاملك!
الدكتور : ازاي … أنا كل ليلة هناك … اسكت انت اعمل معروف!
شاهين : جايز دخلته كتير؛ لكن ما خدتش بالك من نشع المية اللي ضاربة في الجدران من الرطوبة!
عيسوي : لا يا أستاذ … مفيش نشع ولا مية ضاربة في الجدران أبدًا … للدرجة دي …
شاهين : أيوه برده ما فيش مية أبدًا …
(تُسمَع همهمة ونحنحة وصوت: إحم إحم …)

الدكتور : مين ده؟ … على **** يكون مرقس.
عيسوي : ما اظنش … دي نحنحة حنبلي!
(الشيخ قطب يظهر.)

قطب : السلام عليكم!
عيسوي : مش قلت لكم!
الجميع : سلام ورحمة **** وبركاته!
قطب (يشم رائحة الفيوليت) : **** … **** … **** … رائحة البنفسج!
عيسوي : إنت جاي منين يا شيخ قطب؟
قطب (يحدق ببصره الضعيف إلى جهة الصوت) : سعادة البك الكبير هنا؟ حصلت البركة! … (يذهب إليه ويسلم عليه في احترام) و**** أنه جاي من المصلَّى … بعد أن أديت فريضة المغرب، ولله الحمد من قبل ومن بعد.
شاهين : و… عز الدين بك فين أمال!
قطب : أنا و**** أعلم تركته عند المصلَّى على الجسر مع الولد الكلَّاف سعداوي، يقطعوا بوص ويعملوا صفافير …
(يجلس ويستخرج سبحته ويتمتم …)

عيسوي : صفافير بوص! … مع إن عنده لعب غالية من جميع الأصناف! … إخص … أنا مش عارف الولد ده طالع لمين؟!
شاهين (يبلع ريقه) : كل الأولاد كده يا بك!
عيسوي : أبدًا!
شاهين : برده احنا يا كبار الواحد منا لما ياكل كل يوم ديك رومي، ساعات تهفه نفسه على طبق بصارة وشرش بصل!
عيسوي : دا بقى اللي يكون أصله واخد على البصل والبصارة … إنما الناس المعتبرين …
شاهين : لا يا بك …
عيسوي : أنا بقول لك كده!
شاهين : مظبوط.
الدكتور (لشاهين همسًا) : إنت تستحق أكتر من كل ده!
عيسوي : بتقول إيه يا صبحي؟
الدكتور : ولا حاجة … بقول يعني … حقنا نجهز الكوتشينة والترابيزة قبل الوقت ما يروح!
عيسوي : صدقت (ينادي) يا مرجان!
مرجان (يظهر) : أفندم!
عيسوي : الكتاشين والترابيزة بسرعة!
الدكتور (لقطب) : إنت بتسبح بتقول إيه يا شيخ قطب؟
(قطب يستمر في تسبيحه لا يجيب.)

(مرجان يدخل مع سفرجي آخر حاملين مائدة البوكر الخضراء وعليها صندوق طاولة وكتاشين.)

عيسوي : مرجان … هات قزازة الوسكي … أنا شاعر ببرودة الليلة.
الدكتور (يتأمل الحاضرين) : ****! … احنا دلوقت أربعة يعني في إمكاننا نلعب حالًا!
عيسوي : ازاي؟
الدكتور : أنا والبك وشاهين تلاتة، والرابع … قم يا شيخ قطب … شيخ قطرميز … قم كمل «الكارية»!
قطب : أستغفر **** العلي العظيم!
الدكتور : دا بوكر يا سي الشيخ!
قطب : البوكر ميسر، والميسر منكر والعياذ ب****!
الدكتور : طيب بلاش بوكر … قم معانا «بارتيتة» كنكان … كمان رايح تقول الكنكان منكر؟
قطب : وما هو الكنكان؟
الدكتور : اطلع من دول! … بقى كمان ما تعرفش الكنكان؟
قطب : إنا *** وإنا إليه راجعون!
شاهين : يا سلام! … و**** الدين حلو!
قطب : إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ …
شاهين : **** … **** … أحسنت يا سي الشيخ!
عيسوي : وبعدين بقى … إنتم رايحين تقلبوها «ختمة»!
الدكتور : اسمع يا شيخ قطرميز! … كلمة ورد غطاها … قايم تلعب معنا ولَّا لأ؟
قطب : اللهم اغفر لعبادك!
الدكتور : معلوم رايح يغفر لنا … لإننا بنعرض أموالنا للمكسب والخسارة … لكن انت لا تعرض أموالك إلا للفايدة المضمونة مِية في المِية!
قطب : أستغفر **** العلي العظيم!
الدكتور : أيوه اطلب من **** يغفر لك … لأنك انت طفِّشت من البلد دي المرابين اليهود والأورام … بذمتك وشرفك يا شيخ قطب بتطلع فلوسك بالفايظ ولَّا لأ؟ … البلد كلها عارفة … ما تكدبش!
قطب : دا سلف *** تعالى!
الدكتور : سلف *** تعالى؟ … هو المدين مش بيرد لك المبلغ الأصلي، وفوقه علاوة؟
قطب : دي هدية الحبيب لحبيبه!
الدكتور (ضاحكًا) : شيء جميل خالص!
عيسوي (مقهقهًا) : فتاوى يا افندم زي الهوا!
(مرقس أفندي يدخل خلف خادم من خدَم السراي يقوده إلى الصالون.)

الدكتور : أهو مرقس حضر، ولا الحوجة للشيخ قطرميز!
مرقس : ليلتكم سعيدة!
عيسوي : تعال يا سي مرقس … احنا في انتظارك من زمان لأنك رجل خسران!
مرقس : خسران؟
عيسوي (مستمرًّا) : وغرضنا الليلة نعوض لك خسارتك … يالله اقعد حالًا على الترابيزة كده من غير سلام ولا كلام!
الدكتور : وانت يا شاهين قم اقعد جنبه!
عيسوي : افتح كوتشينة جديدة يا صبحي، الا انت عارفني يستحيل ألعب بورق قديم!
(يجلسون جميعًا حول المائدة الخضراء ما عدا الشيخ قطب الذي يظل في مكانه يسبح.)

الدكتور : من فضلكم كل واحد يطلع فلوسه قدامه.
شاهين (في ارتباك) : بس … أنا …
عيسوي : ما لك؟
شاهين : ولا حاجة يا بك … بس … أصل …
الدكتور : ما لك يا شاهين؟
شاهين : حالتي تعبانة شوية …
الدكتور (وهو يفنط الكوتشينة) : تعبانة إيه؟ … إنت قاعد اهو زي الجن!
شاهين (في تردد) : حاسس إن عندي فقر … دم … عمومي!
الدكتور : لا أبدًا … دلوقت لما تشرب لك واحد ويسكي بالصودا دمك يجري وتبقى عال!
شاهين (في شبه همس) : شيء بارد!
الدكتور : ما تبص في ورقك يا شاهين … وانت قاعد مبحلق في كده!
شاهين : والنتيجة بس؟ … افرض إني خسرت؟ … أخسر إيه بس؟ … إيه اللي أنا رايح أخسره!
الدكتور : دا صحيح … إنت ما فيش فايدة من لعبك … قم … قم!
(شاهين يقوم عن المائدة.)

عيسوي (يرفع عينيه عن ورقه) : قايم ليه ده؟
شاهين : أصلي يا بك نسيت الفلوس في البيت …
عيسوي : قصدك في بيت صبحي … ابعت مرجان حالًا يجبها!
شاهين : لا … قصدي البيت اللي في طنطا!
عيسوي : طنطا؟ … وجيت ازاي أمال من هناك لغاية هنا؟
شاهين : جيت في السكة الحديد.
عيسوي : مفهوم … أمال يعني حاتيجي في البوستة!
شاهين : إنت الصادق برده يا بك … أنا برده جيت تقريبًا طرد مغرَّم!
عيسوي : إيه؟
شاهين : الغرض … اسمحوا لي أنا أقعد الشيخ (يتجه إلى الشيخ قطب) خلِّينا احنا من حزب الآخرة!
عيسوي : نلعب تلاتة ولَّا ننتظر المأمور؟
مرقس : أنا ما العبش تلاتة أبدًا!
الدكتور : يا سلام على المعلم لما يحط العُقدة قصاد المنشار!
مرقس : ما العبش تلاتة … أنا رجل خسران فلوسي!
الدكتور : بقى انت خايف على فلوسك واحنا مش خايفين … ولَّا يعني إيه المسألة؟!
عيسوي : بلاش … اتركه على راحته … تعال لاعبني عشرة طاولة لغاية ما ييجي المأمور.
(يفتح عيسوي وصبحي الطاولة ويلعبان، ويجلس مرقس بينهما مشاهدًا.)

شاهين (لقطب) : أما اقعد جنبك يا سي الشيخ علشان تحصل لنا البركة.
قطب : بارك **** فيك.
شاهين : قل لي يا سي الشيخ … سمعت انك بتعطي دروس لعز الدين … على **** يكون بقى يعرف يطالع في الكتب والجرائد!
قطب (يتنحنح) : أنا أعطيه دروس في الديانة.
شاهين : ونِعمَ بالديانة! … على أن تكون مبسوط منه.
قطب : لا بأس به … حصلنا اليوم فرائض الوضوء وأركان الدين التي يجب على كل **** أن يعرفها أتم معرفة، والتي إن جهلها جاهل كفر والعياذ ب****، وكانت جهنم والنار مثواه!
شاهين : يا ساتر! … ده اللي يجهلها … اللهم احفظنا!
قطب : أي نعم! … من جهلها كانت جهنم مقرَّه ومثواه!
شاهين : مفهوم! … و… و… وهي إيه بقى الأركان دي يا سي الشيخ؟
قطب (رافعًا رأسه مستنكرًا) : عجبًا … عجبًا … ألا تعرف أركان دينك يا حضرة؟! … أستغفر **** … أستغفر ****!
شاهين (في وهمٍ وخوف) : عارفها يا سي الشيخ طبعًا … وحياتك عندي … أجهلها ازاي … دي بس جات مني فَرط حِرص!
قطب : كل **** ينبغي عليه أن يكون عارفًا أركان دينه.
شاهين : طبعًا … ودي عايزة كلام!
قطب : أركان الدين الخمسة …
شاهين : هم خمسة بس؟! … و**** مش كتير!
قطب : أما كنت تعرف هذا من قبل؟
شاهين : مين ده؟ … أنا يا سي الشيخ؟ … عارف وشرفك!
قطب (يخرج ساعته) : الساعة عندك كم عربي دلوقت؟
شاهين : عربي ولَّا أفرنجي؟
قطب : عربي.
شاهين : و**** يا سي الشيخ أنا ساعتي مش ماشية عربي.
قطب : طيب الساعة كم عندك أفرنجي؟
شاهين : و**** يا سي الشيخ ساعتي … مش ماشية أفرنجي!
قطب (يرفع رأسه نحوه صائحًا) : عجايب! … لا عربي ولا أفرنجي؟ … أمال ماشية إيه؟!
الدكتور (يتنبه ويلتفت) : ما تسألش الأستاذ شاهين عن الساعة يا شيخ قطب … عندك مرقس أفندي معه ساعة وابور مضبوطة.
مرقس (ينظر في ساعته) : الساعة دلوقت يا شيخ قطب إلا ١٣.
قطب (ينهض) : عن إذنكم … أقوم اتوضَّا واصلِّي العشا … (يخلع جُبَّته ويضعها على مقعد، ويصفِّق وينادي) مرجان … هات القبقاب!
(ثم يخرج.)

شاهين (يدنو من الدكتور صبحي ويشاهد لعبة الطاولة قليلًا ثم يقول) : يا دكتور صبحي …
الدكتور : يا نعم!
شاهين : أركان دينك كام؟
عيسوي (يرفع رأسه) : جرى له إيه ده كمان؟!
الدكتور : لازم أخد عهد على الشيخ قطرميز!
شاهين (لصبحي) : قول ما تهربش! … أركان دينك كام؟
الدكتور : أركان ديني خمسة …
شاهين (في دهشة) : ****! … إيش عرفك؟!
الدكتور : إيش عرفني ازاي! … ودي حسبة! صوابع إيديك كام … مش خمسة؟
شاهين : آه … صحيح! … شوف الراجل استغفلني وخلاني اتوهمت!
الدكتور (رافعًا بصره نحوه ويقول في شبه همس) : حتى الشيخ قطرميز يضحك عليك!
عيسوي : العب أمال يا صبحي … فضك منه.
(يُسمَع صوت طلق عيار في الخارج.)

الدكتور (وكذلك مرقس في اضطراب) : إيه ده؟
عيسوي (بدون أن يتحرك) : العب يا صبحي شيش جهار … ده لازم خفير الجرن بيطلق على ديب! … ومع ذلك إن كانوا حرامية ناويين على السطو احنا كلنا مسلحين!
شاهين : أنا مش مسلح!
عيسوي (بدون أن يرفع رأسه من الطاولة) : عندك مسدس قديم في درج الترابيزة اللي جنبك!
(شاهين يجري إلى الترابيزة ويخرج منها مسدسًا.)

شاهين : معمَّر؟!
عيسوي : فيه طلقة واحدة.
شاهين : بس؟ … وتنفع بإيه الطلقة الواحدة؟
عيسوي : كفاية عليك!
شاهين : يعني أطلقها وارفع الراية البيضة!
عيسوي (يرفع رأسه فجأةً وينظر إلى صبحي ومرقس) : سارح في إيه يا دكتور انت ومرقس؟ … آدي مارس! … اطمئنوا وافهموا كويس إني عمري ما كنت مغلوب في حاجة أبدًا!
(يغلق الطاولة بقوة.)

شاهين (يضع المسدس على أذنه ويصيح وهو ينظر إلى عيسوي) : الرصاصة هنا بتكلمني! … تعرفوا بتقول لي إيه؟ … بتقول إنها عرفت القلب اللي حاتنطلق فيه!

الفصل الثالث​

المنظر الأول​

(واجهة المنزل الذي يقطنه شاهين في كفرة مليم بطنطا … على المنزل «يافطة» مكتوب عليها «شاهين رحمي المحامي» وبجوار المنزل قهوة بلدي ومطعم فول، تظهر منه «قِدرة» الفول المدمس ووابور غاز لقلي الطعمية … شاهين في الصباح المبكر جالس على كرسي بقرب باب القهوة يقرأ جريدة.)
شاهين (ورأسه في الجريدة ينادي) : واد يا بلحة! … واحد فنجان قهوة يكون مضبوط وحياة أبوك!
بلحة (على عتبة القهوة) : البن بلا قافية خلص … معاك تعريفة نشتري به بن؟
شاهين (يرفع رأسه عن الجريدة) : شيء جميل … وفاتحين ليه النهارده؟! قهوة ما فيش فيها بن تفتح ليه؟ … بني آدم ما فيش عنده دم يعيش ليه؟
بلحة : ما فيش عندنا دم؟! … طيب و**** أقول للمعلم لما يرجع!
شاهين : سبحان ****! … أنا قلت ما فيش عندكم دم! … أنا قلت بس ما فيش عندكم بن!
بلحة : والشخص اللي بلا قافية ما فيش في جيبه تعريفة يبقى إيه؟
شاهين : يبقى برده زي القهوة اللي ما فيش فيها بن!
بلحة : طيب بقى خالصين!
(صمت.)
شاهين (بعد لحظة) : وإن كان يا سي بلحة المطلوب فنجان شاي؟
بلحة : شرحه.
شاهين : شرحه ازاي؟
بلحة : المعلم أمر بعدم الشكك.
شاهين : يا سي بلحة الكلام ده بخصوص الزباين المستجدين.
بلحة : كله عندنا واحد.
شاهين : مش أصول … ومع ذلك أنا مش زبون.
بلحة : أمال حضرتك إيه؟
شاهين : أنا محامي المحل مش مصدق اسأل المعلم لما يرجع … إن ما كانش يقول لك إني أنا محامي القهوة … اترافع لكم مجانًا في جميع قضاياكم: مضاربات ومشاغبات ومخالفات في نظير إني …
بلحة : إنك بلا قافية تاكل وتشرب شكك!
شاهين : ما تقولش شكك … إنت برده مش فاهم مركزي هنا في المحل … أنا يا ولد مش زبون … الحقيقة انك انت ومعلمك اللي زبايني!
بلحة : والحرمة نبوية العطارة صاحبة الملك؟
شاهين : كذلك زبونتي … وعمرها ما طالبتني بإيجار المكتب لأن في عينها نظر …
بلحة (يتحرك نحو داخل القهوة) : أصل المعلم بلا قافية راجل شديد … أما أروح اجلي كروانة الطعمية قبل ما يجي يسب ويتخلَّق.
(صمت.)
شاهين : أعوذ ب**** كمان حصلت … قهوة الصبح ما نلقاهاش! … واد يا بلحة!
بلحة (من الداخل) : إيه؟
شاهين : آمنا وصدقنا إن مفيش عندكم بن! … كويس … طيب مفيش إنسانية؟!
بلحة (من الداخل) : مفيش عندنا إيه؟!
شاهين (يعود إلى الجريدة) : ولا حاجة!
(صمت يقطعه حضور المعلم حسانين.)
المعلم : ما شاء **** يا حضرة الأستاذ! … لا شغلة ولا مشغلة!
شاهين : هات لي شغل اشتغل!
المعلم : قاعد كده رِجل على رِجل بتقرا بلا قافية الجرنان واحنا من صباح **** دايرين نجري من كَفرة لكَفرة نبحث لك عن زبون!
شاهين : تبحث لي أنا ولَّا بتبحث لنفسك؟
المعلم : آهو بس نخلص بقرشين من حقنا المتأخر!
شاهين : **** يسهل لك.
(يعود إلى الجريدة.)
المعلم : ما تقول لنا فيه إيه بلا قافية النهارده في الجرنان؟ … قضية القنابل بتاعت اسكندرية جرى فيها إيه؟
شاهين : مرافعة النيابة بعد أسبوع … ولسة المحامين … وبعدين الحكم …
(تُسمَع ضوضاء في الحارة وتظهر نبوية العطارة ومعها رجل.)
نبوية (صائحة من أول الحارة) : فين هو ادلعدي الأبوكاتو؟
المعلم (ينظر إلى جهة الصوت) : الحرمة صاحبة الملك ساحبة لها بلا قافية زبون.
نبوية : قم يا سي شاهين اقف مع الرجل في الكركون … الَّا يقفلوا دكانه بعيد عنك … قال إيه ما عندوش رخصة!
المعلم (للرجل) : صباح الخير يا حاج أحمد! … (للمرأة) دا معرفتي يا ست نبوية، اتفضل هنا يا حاج! … (ينادي) واحد قهوة سكر مضبوط!
نبوية : وبعدها لك يا معلم حسانين! … أبقى أنا اللي جايبه الزبون ومتقاولة ويَّاه …
المعلم : تقاولت على كام!
نبوية : في عين عدوك ربع ريال!
المعلم : ربع ريال ازاي يا ولية! … الأستاذ شاهين كله … أكبر محامي في الخط يقف مع الحاج بربع ريال؟
الحاج : القضية بسيطة يا معلم حسانين … مسألة رخصة وقَفل محل … يعني لا قتلنا ولا سرقنا.
المعلم : مفهوم! … مفهوم! … وهو قفل محلك شوية؟ … دي برده قضية من غير مؤاخذة عايزة كلام طويل وعريض.
شاهين (ينقل عينيه بين المعلم والحاج كالمتفرج) : ؟
الحاج : دول وحياتك انت كلمتين ورَد غطاهم … ولو كنت بس أعرف أقرا واكتب كنت فهمت حضرة الضابط …
المعلم : طيب خليهم ١٥ قرش!
الحاج : أنا يا معلمي اتفقت مع الست نبوية وقبضتها الفلوس وانتهى الإشكال!
المعلم (لنبوية) : قبضت الفلوس!
نبوية : معلوم اقبض … ما اقبضش ليه يا روحي … مش اخلص بقرشين … أهو كله من أصل المطلوب المتأخر عليه من إيجار ادلعدي المكتب!
المعلم : المعلم ودي أصول يا ست نبوية!
نبوية : كل من كان يعمل لمصلحته.
المعلم : احنا يا ستي في الهوا سوا … وزي انت ما هو متأخر لك نقدية أنا راخر متأخر لي نقدية … مش كان الواجب نتفق ونقسم المبلغ بيننا بالنص!
نبوية : حكم … وإيش عجب انت يا معلم حسانين لما جالك زبون الجمعة اللي فاتت قبضت منه وأنا واقفة في الشباك عيني تبص ما سألت عن صحة سلامتي ولا عزمت علي بربع ولا نص! … وحياتك ما اسأل أنا رخرة عن صحة سلامتك! … قم يا أستاذ!
المعلم : وشرفك الأستاذ ما هو قايم؟
نبوية : وحياتك ما هو الَّا قايم … أنا قابضة الأتعاب! … قم يا أستاذ مع الحاج لحد الكركون … قم ادلعدي خف رجلك!
المعلم : ما تقومش يا أستاذ!
نبوية (لشاهين) : إنت يا سي شاهين! … رد أمال وانت قاعد كده مبحلق عينيك تتفرج علينا … كأننا بنلعب ادلعدي قدامك في الأراجوز … إنت قايم ولَّا موش قايم؟
شاهين : قايم فين؟
نبوية : في القضية!
شاهين : قضية إيه؟
شاهين : قضية الحاج … قبضنا الأتعاب في أمان **** أربعة وعشرين قيراط.
شاهين : ربع ريال!
المعلم : شوف العقول يا أستاذ! … الولية اللي ما عندهاش نظر عايزة تقومك بربع ريال!
شاهين : ما أقومش أبدًا … هو أنا تاكس! … التاكس الصفيح يا ولية بيقوم بتلاتة صاغ … ابقَى أنا المحامي خلقة **** أقوم بخمسة صاغ!
نبوية : أمال تقوم بكام؟
المعلم : أقل من عشرة صاغ ما يقومش!
شاهين (كالمخاطب لنفسه) : أنا شخصيًّا ما ليش مصلحة! … خمسة صاغ عشرة صاغ … ما فيش نقدية عمرها داخلة جيبي!
(يعود إلى الجريدة ويقرأ.)
الحاج : هي من خمس قروش؟ … خد يا حضرة وقم معانا … كذابة عطلة قَفل الدكان!
المعلم (بسرعة) : هات يا حاج!
(يقبض منه الربع ريال.)
نبوية : ازاي تقبض انت يا معلم حسانين؟
المعلم : أنا ربع ريال وانت ربع ريال، كده العدل والمفهومية!
نبوية : أمري ****! … قوِّم لنا الأستاذ بقى بالعجَل!
المعلم : قم يا أستاذ!
شاهين (يرفع رأسه عن الجريدة) : نعم.
المعلم : قم مع الحاج.
شاهين : ما كنت دلوقت بتقول لي ما أقومش!
المعلم : لأ … قوم!
شاهين : سبحان مغير الأحوال!
المعلم : قوم خف رجلك لحد الكركون قول للحاج كلمتين حلوين!
شاهين : حاضر … اسبقني انت يا حاج وانتظرني على باب القسم.
(الحرمة والحاج يخرجان.)
المعلم (لشاهين) : وحضرتك؟
شاهين : حضرتي … أظن يستحق انك تؤمر له بفنجان قهوة مضبوط … ما دمت طالبني احضر مع المتهم، لازم دماغي كمان يحضر معايه!
المعلم (ينادي) : واد يا بلحة … واحد قهوة مضبوط برة للأستاذ.
شاهين (يضع ساقًا على ساق) : بس قل له يكتر البن!
بلحة (يُطل برأسه من الباب نحو معلمه) : أجيب له بصحيح؟
شاهين : عجايب!
المعلم : هات له يا واد قهوة كويسة بالعجَل!
شاهين : ولا بأس كمان من طبق فول بالزيت الطيب، وشوية طعمية وسلطة لكن على ذوقك!
المعلم : هات يلَّه يا واد كمان واحد فول «كومبليه»!
شاهين : أيوه كده … كلف المحامي تاخد منه شغل!
المعلم (وهو يتحرك نحو القهوة) : أدِحْنا بنكلف …
(يدخل القهوة.)
(يُسمَع بوق سيارة ويَظهر الدكتور صبحي.)
صبحي (ينظر إلى اليافطة ويطرق باب المنزل) : ؟
نبوية (من النافذة) : مين؟
صبحي : شاهين أفندي المحامي هنا؟
نبوية : يا صباح القشطة … عايزُه في قضية … اصبر … اصبر يا حضرة الأفندي لما أنزل لك!
شاهين (يلتفت فيرى صبحي) : يا دكتور صبحي!
صبحي (يلتفت) : إنت قاعد عندك؟
شاهين : تفضل هنا!
صبحي (ينظر حوله) : إيه القهوة دي؟
شاهين : دي البورصة بتاعتي … تطلب إيه؟
صبحي : ولا حاجة أبدًا … أشكرك … أنا جاي لك في مسألة مهمة.
شاهين : خير!
صبحي : في مسألة مهمة جدًّا … مسألة ربما غيرت مستقبل حياتك كله!
شاهين (في تهكم) : يا ساتر!
(الحرمة نبوية تخرج من المنزل تلتف في ملاءتها.)
نبوية (صائحة تلتفت حولها) : راح فين الأفندي الزبون؟ … (تراه فتهرع إلى القهوة) كويس خالص … دي أصول يا سي شاهين؟
شاهين : نعم!
نبوية : بقى مسافة ما اسحب الملاية وانزل ألقاك قاعد تتفق مع زبوني؟!
شاهين : زبونك؟ … فين هو؟
نبوية (تشير إلى صبحي) : الأفندي … كنت لسة جايباه وجاية … بس هو اسم **** سبق حبتين!
صبحي (غير فاهم) : بتقول إيه دي؟
شاهين (لنبوية) : مفيش زبون يا ستي … الدكتور صبحي صاحبي وحضر لي في زيارة حُبِّيَّة.
نبوية : زيارة حبية! من إمتى يا ادلعدي، اللي عمري ما شفت حد زارك ولا عرفت لك حبيب ولا قريب … دي أمور أنا فاهماها، ناوي تضرب الفلوس في جيبك … طيب والنبي ما أنا رايحة إلا لما أحضر القبض!
(تقعد على الأرض بجوارهما.)
شاهين : قبض إيه يا ست نبوية! … مش كده … عيب … قومي ادخلي بيتك!
نبوية : والنبي الغالي ما أنا سايباك!
صبحي : إيه الحكاية؟
شاهين : قسمًا ب**** العظيم يا حرمة إن ما دخلت بيتك وقصرت الشر …
نبوية : حاتعمل إيه يا نور عيني الاتنين؟
شاهين (يخرج من جيبه المسدس) : أفرغ في كرشك الرصاص اللي هنا كله!
نبوية : يا دهوتي (تجري) حصَّلتْ … ترفع علي البارود … فينا من كده؟ … حد **** بيني وبينك!
(تدخل منزلها.)
شاهين (لصبحي) : دا المسدس بتاع عيسوي بك سهى عليَّ أرده له بعد الليلة إياها!
صبحي : هاته أرجعه له إذا كنت تحب!
شاهين (يضعه في جيبه) : خليه عندي تذكار! … عمرنا ما طلنا حاجة من ريحة سعادته … قل لي إيه بقى المسألة اللي رايحة تغير مستقبل حياني!
صبحي : اسمع لي كويس قيمة عشر دقايق …
(يظهر بلحة حاملًا صينيةً عليها الفول والطعمية والقهوة ويضعها أمام شاهين.)
شاهين (يشير إلى الأكل ويعزم على صبحي) : بسم **** …
صبحي : متشكر … اتفضل انت … أنا فطرت وشربت قهوتي وكل حاجة … اسمع اللي رايح أقوله نفذه بالحرف الواحد، وأنا أقسم لك إن حياتك …
شاهين (وهو يشمر ليأكل) : إنت جاي النهارده مخصوص علشان تتكلم في حياتي؟
صبحي : أيوه سيبني أتكلم في حياتك … لأن دي مش حياتك … إنت دلوقت مش عايش!
شاهين : أمال أنا باعمل إيه؟
صبحي : لاحظ إن ده كلام جد … أرجوك تاخد حياتك شوية على سبيل الجد!
شاهين (وهو يلتهم قطعة طعمية) : حاضر.
صبحي : لأن تدهورك السريع ده غير طبيعي!
شاهين : ازاي؟
صبحي : مؤكَّد إنت عندك انحطاط خلقي من النوع …
شاهين (في حلقه لقمة) : بلاش قباحة أمال على الصبح!
صبحي : مش قصدي … أنا باتكلم بصفتي حكيم … الصدمة إياها اللي حصلت لك يا شاهين أثرت على أعصابك، وغيرت كل أخلاقك وأنستك عملك ومواهبك، وجعلتك شخص فاقد الأمل والعزيمة … شخص غير مهتم لشيء … ولا تصلح لشيء … إنت رجل مريض … إنت رجل ميت في نظر الهيئة الاجتماعية … شاهين رحمي بتاع زمان … الرجل الشيك الظريف خلاص توفاه ****!
شاهين : الفاتحة على روحه!
صبحي : المصيبة يا شاهين إنك غير قادر على الكلام في الجد … لو تعاهدني إنك تكلمني جد وتفتح لي نفسك دقيقة واحدة تأكد إني أقدر أشفيك!
شاهين : تشفيني؟ … برده حانرجع للكلام إياه! … ما تروح تشفي العيانين اللي عندك يا أخي … متشطر عليَّ انا ليه؟ … حد قال لك إني عيان؟
صبحي : أنا قلت لك في إمكاني أعالجك، ولازم أعالجك … بس افتح لي نفسك!
شاهين : لأ … افتح لك أحسن قزازة كازوزة تروق لك دمك … واد يا بلحة!
صبحي : مش عايز أشرب حاجة … متشكر!
شاهين : أمال إيه اللي يخليك تروق وتفرفش؟
صبحي (كالمخاطب نفسه) : أنا قربت أيأس!
شاهين : أيوه ايأس … أنصحك … واسأل مجرب … مفيش في الدنيا أحسن من اليأس!
صبحي : إنت مش عايز تساعدني أبدًا؟
شاهين : أساعدك في إيه؟
صبحي : في إني أعالجك!
شاهين : تاني! … كنت فاكرك حاتقول لي أساعدك وتساعدني في مسح طبق الطعمية اللي أنا غرقان فيه لوحدي!
صبحي (مطرقًا) : مفيش فايدة!
شاهين (ينادي) : واد يا بلحة … تعال شيل.
بلحة (وهو يرفع) : ما لها الطعمية النهارده! ما شطبطش عليها ليه في أمان ****؟
شاهين : النهارده هي اللي حاتشطب علي بإذن ****!
بلحة : دي بزيت طيب!
شاهين : مفهوم!
المعلم (بباب القهوة) : واد يا بلحة … خف رجلك أمال وروح بالعجَل اقف جنب النار!
بلحة : حاضر يا معلمي.
المعلم : وانت يا أستاذ … خف رجلك أمال بالعجَل وروح أقف جنب الراجل في الكركون!
شاهين : حاضر يا معلمي!
(صمت.)
صبحي : شاهين! … تعرف إيه اللي ينقذك؟
شاهين (على وشك الانفجار) : وبعدها لك بقى؟
صبحي : الشيء الوحيد اللي ينقذك هو الاعتقاد بأن كل شيء فيك ما ماتش!
شاهين (صائحًا) : أنا في جاه النبي!
صبحي : اسمعني دقيقة واحدة يا شاهين … رجَّع ثقتك بنفسك أولًا ترجع في الحال حياتك ترتفع على وش الدنيا … المسألة في غاية البساطة … كافح … كافح … كافح … كل شيء ممكن … كل شيء في يدك … شوية ثقة بنفسك … شوية كفاح … وشوية ثقة بالحياة وانت تنجح وتفوز من جديد باحترام الناس … من رجال ونساء … أيوه يا شاهين … من رجال ونساء … وانت فاهم قصدي كويس … آن الأوان تحظى باحترام الجميع من جديد!
شاهين : احترام الجميع؟!
صبحي : واحترام ابنك!
شاهين (كالمخاطب نفسه) : عز الدين!
صبحي : لاحظ إنه في يوم حايكبر، ويسأل عن مركز والده، ويحب يفتخر به زي كل الأولاد!
شاهين (في إطراق) : ابني! … صحيح المسألة دي فاتتني!
(صمت.)
صبحي : ما تفكرش … الحظ خدمنا خلاص!
شاهين (يرفع رأسه) : خدم مين!
صبحي : خدمك … وده سبب حضوري لك النهارده … كل اللي كان لازمك قضية واحدة كبيرة … تترافع فيها مرافعتك العظيمة بتاعة زمان واسمك يظهر من جديد!
شاهين : قلنا دا شيء مش ممكن يحصل!
صبحي : حصل.
شاهين (غير مصدق) : إمتى؟!
صبحي : تعرف قضية القنابل الكبيرة بتاعة اسكندرية؟ … من يومين بالمصادفة قابلت قريب واحد من المتهمين فيها، وأثناء الحديث استطعت أقنعه بأنه يوكلك عن قريبه … وفعلًا حضر معايه النهارده وتركته في قهوة في ميدان الساعة؛ لأن هنا طبعًا مش مكان لائق … إيه بقى رأيك في الفرصة الوحيدة دي؟ … إن فاتتنا عمرنا ما احنا نافعين … لأن مش كل يوم تلقى قضية قنابل تهز البلد، ومرافعاتها تُنشَر في جميع الجرائد، لاحظ انت رايح تقف قدام أكابر المحامين: الهلباوي ومرقس فهمي … لاحظ إن نجاحك في القضية دي، معناها إنه انكتب لك عمر جديد … وإن فاتتك دي معناها إنك مقضي عليك إلى الأبد … ومفيش بعدها قوة تقدر تحيِيك وتخرجك من البؤرة اللي انت فيها دي إلى الأبد … إلى الأبد!
شاهين (في عدم اهتمام) : وفين الزبون ده؟
صبحي (ينظر إلى ملابسه) : انتظر … إنت يلزمك شيء من حُسن الهندام … ما عندكش بدلة أنضف من دي؟
شاهين : عندي فوق بدلة بصفين.
صبحي : بصفين … بصف … المهم تكون نضيفة!
شاهين : لكن بس أنا …
صبحي : آه … واخد بالي … يلزمك طبعًا قرشين في جيبك … (يخرج محفظته) أقدر أسلفك خمسة جنيه لحد ما تقبض جزء من مقدم الأتعاب … وتهيأ نفسك … أظن الأحسن تقابل صاحب القضية في القهوة وتعتذر له بأنك مسافر ومستعجل، وتأسف لأنك ما تقدرش تقابله في المكتب، لأن مكتبك هنا طبعًا … إنما المهم إنك تدرس القضية دراسة تامة … وتحضر في الميعاد تمام يوم الجلسة لأن ده آخر سهم، وآخر أمل، وآخر دوا …
شاهين : خليها على ****!
صبحي : المهم يا شاهين إنك تاخد المسألة جد، وتُشعر نفسك إنك رجل محترم.
شاهين : يعني اتنفخ؟
صبحي : اتنفخ قوي!
شاهين : وإيه اللي ينفخني؟
صبحي : ثقتك بأهميتك … بأهمية حياتك لنفسك ولبلدك … وللمجتمع يا أستاذ يا عظيم … يا محامي يا قدير … إنت العلَّامة القانوني الضَّليع … إنت اللسان الفصيح والذكاء اللامع اللي كان في يوم من الأيام نور العدالة … إنت الكفء لأضخم قضية … إنت الركن الركين للقضاء والإنسانية … إنت الأستاذ الكبير شاهين رحمي!
شاهين (لا يتمالك ويصيح) : طظ!
(صبحي يطرق يائسًا.)

المنظر الثاني​

(نفس المنظر السابق … ولكن الوقت ليل والقهوة خالية وعلى وشك التشطيب.)
المعلم : واد يا بلحة أنا مروَّح بقى … اطفي الكلوب … واغسل المواعين واقفل.
بلحة : حاضر.
المعلم : اسمع يا واد … إياك تنسى اللي كان قال لك عليه الأستاذ قيل ما ينام.
بلحة : قال إيه؟
المعلم : مش كان قال لك تخبط على شبَّاكه وتصحيه بعد التشطيب لأجل يلحق وابور الصعيدي؟
بلحة : احنا فين والصعيدي فين؟ … مش بلا قافية وابور الساعة اتنين اللي يوصل اسكندرية الصبح … واحنا دلوقت مش بعد نص الليل بشوية؟
المعلم : اعرف شغلك … آديني وصيتك … وانت عارف الأستاذ مشدد علشان القضية الكبيرة بتاعة بكرة الصبح في اسكندرية اللي بقى له بلا قافية دلوقت فوق ١٥ يوم حابس نفسه يستقرا فيها ويستعد!
بلحة : مش واخد بالك يا معلمي … من يوم الأفندي النضيف اللي جه قعد معاه هنا … والأستاذ وشه من غير مؤاخذة متغير، وعقله سارح ولا لوش نفس لأكل ولا شرب ولا ضحك ولا كلام!
المعلم : ما هي بلا قافية القضية … هو حتى من يومها بان ولا طول في القعدة عندنا … شاغلاه قوي … تقولش حايحكموا عليه بالشنق إن خسرها!
(يُسمَع صوت خفير الدرك قادمًا يضرب الأبواب بنبوته.)
الخفير (بصوتٍ عالٍ) : إحم!
المعلم (لبلحة) : هات الضرف وقفل بالعجَل قبل الخفير ما ييجي يعمل لك زمبليطة! … أنا بلا قافية مروح!
بلحة : روح انت يا معلمي!
(المعلم يذهب مسرعًا.)
الخفير (يظهر) : سهران ليه يا جدع انت؟ … ميعاد التشطيب فات من بدري … مستنظر حضرتك لما آجي أكتبك مخالفة!
بلحة : أنا لسة يا حضرة الأفندي كنت رايح أطفي الكلوب وأجيب الضرف!
الخفير : اطفي الكلوب وشطب قدامي وانجر روح!
(بلحة يطفئ النور ويغلق القهوة.)
بلحة : الساعة من غير مؤاخذة كم دلوقت؟
الخفير : قربنا يا واد على الفجر! … يعني انت مستحق مخالفة أربعة وعشرين قيراط!
(يتحرك منصرفًا.)
بلحة (وقد فرغ من غلق الدكان) : الفجر! … هو لسة بلا قافية وابور الصعيدي فات؟
الخفير (وهو يذهب) : زمانه داخل المحطة … إنت أعمى مش شايف السنافور مفتوح؟
(يختفي في الأزقة.)
بلحة : أما انهض أمال أصحي الأستاذ!
(يطرق النافذة بشدة.)
بلحة : يا أستاذ شاهين … يا شاهين أفندي … يا سي شاهين … اصحى!
شاهين (يفتح النافذة ويطل) : مين؟
بلحة : البس بالعجل وانزل! … الوابور بلا قافية فتحوا له السنافور!
شاهين (في النافذة مضطربًا) : سنافور! … وكنت منتظر اما يفتحوا له السنافور! … سنافور يفتح نافوخك!
بلحة : البس قوام … آديني صحيتك وعملت الواجب … مع السلامة.
(يذهب.)
شاهين : عمل الواجب، وأنا اعمل ازاي دلوقت؟! … ألبس ازاي؟ مش لاحق أبدًا … ما فيش غير كوني أصر هدومي في ملاية السرير وابقى البس في القطر!
(يختفي من النافذة سريعًا.)
الخفير (يظهر … يضرب الأبواب بنبوته ليتحقق من إغلاقها) : إحم! … (شاهين يخرج بقميصه ولباسه، عاري الرأس والقدمين إلا من شبشب بيتي وعلى كتفه صرة الملابس وينطلق من الباب خارجًا في الطريق) … (الخفير يراه فيصيح) اضبط حرامي … اقف عندك يا جدع … اقف يا جدع!
(ويجري نحو شاهين ويضبطه.)
شاهين (في دهشة) : بلاش تعطيل يا خفير! … سيبني ألحق القطر!
الخفير (في تهكم) : أسيبك تلحق القطر؟! … واطلب لك كمان عربية حنطور توصلك للمحطة؟! فرجني إيه اللي انت طالع تجري به ده في الشارع الساعة اتنين بعد نص الليل!
شاهين : ملبوسات.
الخفير : مفهوم! … واللي زيك يعني كان يطلع يجري بخزينة البنك الأهلي! … الحرامية برده مقامات!
شاهين : أنا مش حرامي يا خفير!
الخفير (يأخذ منه الصرة ويفتشها) : طيب وريني يا حضرة المحترم … يخرج الملابس، جزمة جديدة … بدلة جديدة … طربوش جديد … ما شاء **** … كله جديد في جديد … مبروك عليك … والبضاعة دي بقي تعلق مين؟
شاهين (نافد الصبر) : دي هدومي وملابسي، وسبني ألحق القطر … إلا بعدين أضرك يا خفير!
الخفير : تضرني؟ … إنت باين عليك حرامي فلفوس! … وانا ما احبش الفلفسة … امشي انجر قدامي على القسم!
شاهين : قسم؟ … ازاي؟ … والقطر؟ … والقضية؟ … أنا مش حرامي يا خفير!
الخفير : أمال حضرة جنابك تبقى إيه؟!
شاهين : أنا محامي.
الخفير (ضاحكًا) : لأ … دي مش مبلوعة … أنا برده ولو اني خفير لكن في عيني نظر … بذمتك مش انت الحرامي، لكن أنا برده راضي بذمتك لو تشوف واحد خارج من بيت بقميص ولباس، وعلى كتفه صرة فيها هدوم جديدة وطالع يجري بها في الشارع الساعة اتنين بعد نص الليل، تقول عليه دا «حرامي» ولَّا تقول عليه دا «محامي»! … «بعد لحظة» رد … اتكلم … جاوب!
شاهين (في إطراق وحيرة وارتباك) : كلامك معقول يا خفير … لكن … لكن المسألة لها أصل …
الخفير : الأصل والفصل ده يبقى ينقال في القسم … غلطناش في حقاك يا حضرة؟
شاهين : لكن بس أنا … لازم ألحق القطر ده … ما فيش قطر غيره يوصلني في ميعاد الجلسة ودي قضية مهمة جدًّا … يا خفير أرجوك أرجوك!
الخفير : لا … إنت يظهر بقى فاكرني خفير مغفل!
شاهين : أقسم لك بشرفي … أقسم لك بشرفي!
الخفير : شرفك؟ … ما هو شرفك ده اللي محل نظر! … اتفضل اثبت شرفك في القسم! كفاية عطلة قبل مرور الدورية!
شاهين (في صوتٍ متهدج) : إنت مش عارف الحقيقة … القطر يفوتني … أرجوك يا خفير … أرجوك!
الخفير (في شدة) : أنا طولت بالي عليك قوي! … امشي قدامي! … مش ناقص الا كده … إنت عايزني أركبك القطر، واقطع لك تذكرة، واحط لك صرة المسروقات فوق رف العربية، وأقول لك مع السلامة، نشوف وشك في خير! … لايمها شوية … إنت يا واد مضبوط متلبس أربعة وعشرين قيراط … وكان الواجب أضرب صفارة من بدري بدل ما ادخل معاك في أخد ورد!
(يصفر طويلًا.)
شاهين (يرتمي جالسًا فوق الصرة التي على الأرض) : قلنا كده قال اتنفخ واعمل محترم وروح اترافع في اسكندرية … كويس كده دلوقت الاحترام ده!
(يُفتَح شباك في المنزل وتطل نبوية.)
نبوية : جرى إيه يا خفير؟ … بتصفر ليه؟
الخفير : حرامي!
نبوية : وفين هو الحرامي؟ … ظبطته؟
الخفير : آهو قدامك بصُرة المسروقات!
نبوية (صائحة) : الأستاذ؟! … فشر!
الخفير (يلتفت إليها) : بتقولي إيه يا حرمة؟ … تعرفيه؟
نبوية : ازاي ما اعرفوش؟ … دا الأستاذ شاهين المحامي!
شاهين (للخفير) : جالك كلامي!
الخفير : وعامل في نفسك كده ليه يا حضرة الفاضل؟
شاهين : علشان ألحق القطر … تسمح لي بقى؟
(يريد أن يجري.)
(تنطلق صفارة القطار.)
الخفير (يمسك به) : مش كده يا حضرة الفاضل … دي مش تصرفات … إن جريت بالشكل ده الدورية راح تفتشك تاني في السكة!
نبوية : أيوه كده … خللي بالك من الأستاذ وحياة عينيك يا غفير لحد ما انزل لكم … مسافة ما اتلفح بالطرحة الا هَوَا الليل ادلعدي بيقرص في جتتي!
(تترك النافذة.)
شاهين : وانا كان مالي ومال برد الليل؟ … و**** بركة يا جامع!
الخفير : باين عليك يا أستاذ ما لكش غية تحضر الجلسة … اطلع البس هدومك على مهلك وسافر في قطر الصبح وروح الجلسة بمقامك!
شاهين : كلامك مظبوط يا حضرة الخفير … ما فيش غير كوني أبعت تلغراف يؤجلوا لي ميعاد المرافعة ساعتين تلاتة … وأروح على أقل من مهلي … على قولك بمقامي واحترامي … تتفضل سيجارة يا حضرة الغفير؟ … (يبحث في جيبه فلا يجد جيبًا لأنه بدون بدلة) علبة السجاير فوق … لا مؤاخذة!
الخفير (يخرج علبة سجايره) : ألف لحضرتك أنا سجارة من السمسون الفرط اللي معايه؟
شاهين : أكون ممنون!
الخفير (وهو يلف السيجارة) : وقضية مين اللي سيادتك رايح لها اسكندرية؟
شاهين (بنفخة تمثيليةٍ مصطنعة) : قضية القنابل الكبرى … أنا الأستاذ الكبير شاهين بك رحمي … أنا سند العدالة والإنسانية شاهين رحمي!
(يضحك مقهقهًا ساخرًا ضحكًا طويلًا.)

الفصل الرابع​

المنظر الأول​

(قاعة الجلسة في محكمة الجنايات بالإسكندرية … منصة القضاة خالية … والجمهور يتخذ مكانه في المقاعد بجلبة … قفص الاتهام به المتهمون … ومقاعد المحامين لم تُشغَل بعدُ … حاجب الجلسة يريد حفظ النظام.)
الحاجب (صائحًا) : هس … من فضلكم كل واحد في مكانه … من غير شوشرة … ما تزاحمش يا جدع انت يا اللي هناك!
الأومباشي (المرافق للحرس بجوار قفص المتهمين يسأل) : حضرات المستشارين جم؟
الحاجب : من بدري … في أودة المداولة.
المتهم (بعيون باحثة زائغة) : المحامي بتاعي لسة ما جاش؟
الأومباشي (للمتهم) : المحامي بتاعك مين؟
المتهم : الأستاذ شاهين رحمي.
الأومباشي (مشيرًا إلى مقاعد المحامين) : المقاعد فاضيين قدامك أهيه … ما حدش لسة جه من المحامين!
المتهم : لكن المحامي بتاعي لازم يكون حاضر من بدري … دا يوم المرافعة بتاعته … دا يوم الدفاع عني!
الأومباشي : طول بالك … زمانه جاي.
المتهم : يا سيدي أبو العباس!
الحاجب (يصيح) : اقعد يا كاتب المحامي انت … ممنوع الوقوف في الممرات!
المتهم (هامسًا لزميله أحد المتهمين في القفص) : أنا خايف!
الزميل (همسًا في القفص) : ما تخافش … دلوقت يظهر ويبان … هو دايمًا مواعيده ملخبطة … مش فاكر أول يوم … لما بعَت للمحكمة تلغراف … ودخل الجلسة على وش الضهر!
المتهم : هو عنده شذوذ!
الزميل : باين عليه … حتى في لبسه!
المتهم : يا ريت على اللبس … شوف مناقشته للشهود في الجلسات اللي فاتت كانت بتضحك عليه المحكمة والناس ازاي!
الزميل : وانت إيه اللي كان وقعك في المحامي ده؟
المتهم : عمي … **** يجازيه!
الزميل : وعمك لقاه فين؟
المتهم : في طنطا … قال لي ان البك الدكتور مفتش صحة بلدهم مطلعه السما وبيحلف إن ما فيش في اسكندرية كلها محامي زيه!
الزميل : عمك ده باين عليه من أهل الريف اللي ينضحك على دقنهم … لكن انت إيه اللي خلاك تسمع كلامه؟
المتهم : وكله عني وأنا محبوس … ودفع له فلوس … انكسفت وقبلت!
(يدخل شاهين في بدلة عادية بدون روب مسرعًا مهرولًا، حاملا رزمة أوراق ضخمة … لا تلبث أن تتبعثر منه على الأرض … فينحني عليها بلهفة وحرص ليجمعها.)
الحاجب (يراه ويصيح) : إنت يا أفندي انت يا اللي سادد المر … ما لك مبعزق نفسك كده؟
المتهم (يرى شاهين فيهمس لزميله) : آهو هو بسلامته!
شاهين (وهو منحنٍ يجمع الأوراق) : المرافعة … المرافعة اندلقت مني … المرافعة …
الحاجب (وقد دنا منه وجعل يعاونه في جمع الأوراق) : إنت بتشتغل في مكتب أنهي محامي؟
شاهين (يرفع رأسه محتجًّا) : بشتغل في مكتب نفسي! … إنت كل مرة تسألني السؤال ده يا حضرة الباشحاجب … وكل مرة أقول لك إني أنا مش كاتب محامي ولا وكيل مكتب … أنا المحامي نفسه … أنا الأستاذ شاهين رحمي … الموكَّل عن المتهم الحادي عشر!
الحاجب : لا مؤاخذة يا أستاذ … لا مؤاخذة … العتب على النظر … اتفضل انت استريح وأنا ألم لك الورق.
شاهين : العفو يا حضرة الباشحاجب … مرافعتي ما حدش يلمها غيري!
الحاجب : أمرك.
(يرن جرس حجرة المداولة فيسرع إليها الحاجب … وينهض شاهين بأوراقه التي جمعها ويتجه إلى مكانه قرب قفص موكله … بينما يدخل قاعة الجلسة بعض المحامين … ويأخذون أماكنهم.)
المتهم (يمسك بقضبان القفص ويمد فمه ليخاطب شاهين) : يا أستاذ … إنت مستعد؟
شاهين : أربعة وعشرين قيراط.
المتهم : يعني أنا أطمئن؟
شاهين : حُط في بطنك بطيخة صيفي!
المتهم : حاتقول إيه؟
شاهين (يشير إلى أوراقه) : كل الكلام اللي مكتوب هنا!
المتهم (ينظر إلى الأوراق) : إيه ده؟
شاهين : تلتميت فرخ على الوشين بخطي النمنم!
المتهم : المهم الكلام يكون في المليان يا أستاذ! … المحكمة عايزة كلام مختصر وفي العضم … زي المرافعة عن المتهمين اللي قبلي!
شاهين : ما تخافش … كل كلمة عندي في المليان … ما فيش كلمة في الهوا أبدًا … بس انت ادعي لنا واقرا الفاتحة لسيدي … اللي مقامه هنا عندكم على البحر … اسمه إيه؟
المتهم : سيدي أبو العباس!
شاهين : أيوه … شي **** يا سيدي أبو العباس … الفاتحة لسيدي أبو العباس!
(يتمتم بقراءة الفاتحة ويرفع يديه إلى السماء ويضعهما على وجهه … وعندئذٍ يُفتَح باب حجرة المداوَلة ويظهر الحاجب معلنًا.)
الحاجب (يصيح) : هس!
(تظهر هيئة المستشارين والنيابة.)
الحاجب (صائحًا) : محكمة!
(وعندئذٍ يقف كل جمهور قاعة الجلسة احترامًا إلى أن يتخذ المستشارون أماكنهم من المنصة فيجلس الجمهور ويسود الصمت في القاعة.)
الرئيس : فُتحَت الجلسة … الدفاع عن المتهم الحادي عشر …
شاهين (ينهض في الحال) : حاضر مع المتهم!
الرئيس : مستعد طبعًا للمرافعة!
شاهين (باندفاع وارتباك) : مستعد يا سعادة الرئيس!
الرئيس : تفضل … لكن بس حاتترافع كده ببدلتك؟!
شاهين (ينظر إلى بدلته) : ما لها بدلتي؟ … أؤكد للمحكمة أنها جديدة لنج … اشتريتها جاهزة من مدة شهر واحد لا غير … من محل محترم جدًّا!
(المحامون في الجلسة يضحكون.)
الرئيس (يدق بقلمه على المنصة) : قصد المحكمة إنه ما يليقش إنك تترافع قدام محكمة الجنايات بالبدلة … قصدنا يا أستاذ إنك تلبس فوق البدلة الروب … الروب … فين الروب؟
شاهين : آه … لا مؤاخذة … دي فاتتني!
الرئيس : وانت بتناقش الشهود مش كان عليك روب؟!
شاهين : سلفة … سلفة غير مستديمة … تعطَّف بها علينا زميل من أهل الكرم والجود … لكن … (يبحث حواليه) هو فين دلوقت؟ فين ألاقيه؟
(أحد المحامين الجالسين يخلع روبه ويقدمه إلى شاهين.)
المحامي : تفضل يا أستاذ!
شاهين (يأخذ منه الروب ويلبسه بالمقلوب) : **** يسترك!
المحامي (هامسًا) : إنت لبسته بالمقلوب!
شاهين (يعدل لبسه ويهمس كالمخاطب نفسه) : هو اللي لبسني بالمقلوب! … نسينا أبهة محاكم الجنايات!
الرئيس : اترافع بقى يا أستاذ … الوقت ضيق!
شاهين (يتنحنح) : بسم **** الرحمن الرحيم …
الرئيس : أولًا يا أستاذ … قل للمحكمة يلزمك وقت قد إيه بالتقريب للمرافعة؟
شاهين : يلزمني ست ايام …
الرئيس (في صيحة دهشة) : إيه؟! … ست ايام!
شاهين : صبح وبعد الضهر …
الرئيس : ست ايام عن المتهم الحادي عشر؟ … شفت مرافعة هنا استغرقت وقت زي ده؟ … حاتقول إيه عن موكلك في الأيام دي كلها؟
شاهين (يشير إلى أوراقه) : الكلام اللي في الورق … ما فيش غيره … أبدًا … تلتميت فرخ مسطر على الوشين بالخط النمنم …
الرئيس : لكن ست ايام يا أستاذ … ده غير معقول!
شاهين : يمكن حسابي خرم تلات أربع ساعات يا سعادة الرئيس … هو كمان معقول مرافعة أكتبها في شهر أقولها في ست ايام؟
الرئيس : كل اللي يهم المحكمة هو عرض الوقائع والأدلة والمستندات … وعدم الخروج عن الموضوع …
شاهين : اطمئن يا سعادة الرئيس … كل كلامي في الموضوع … وكل كلمة في المرافعة فيها أدلة ومستندات …
(يُرتَج عليه ويستجمع ذهنه.)
الرئيس : الغرض إنك تحصر دفاعك في النقط الأساسية … اتفضل …
شاهين (يتنحنح) : يا حضرات المستشارين … أتشرف بأن أعرض على هيئة المحكمة الموقرة تاريخًا موجزًا لهذه القضية … تاريخ هذه القضية يا حضرات المستشارين يبدأ في يوم أو على الأصح في سنة …
الرئيس : يستحسن تحديد اليوم زيادة في الدقة يا أستاذ …
شاهين : أنا برضه مراعي الدقة يا سعادة الرئيس … (يترافع) تاريخ هذه القضية يا حضرات المستشارين يبدأ بالضبط في يوم خروج سيدنا آدم عليه السلام من الجنة في صحبة ستنا حواء عليها السلام … وذلك في سنة …
الرئيس (مقاطعًا بدهشة) : سنة إيه؟
شاهين (وهو يقلب أوراقه وينظر فيها) : سنة … سنة … السنة موجودة … والتاريخ موجود … كل شيء موجود بغاية الدقة هنا في الورق … صبرك علينا يا محكمة …
(المحامون يضحكون … والحضور في الجلسة.)
الرئيس (يدق بقلمه على المنصة) : سكوت من فضلكم … (لشاهين) يا أستاذ … يا أستاذ … إيش دخل سيدنا آدم وستنا حوا في قضية القنابل بتاعة اسكندرية؟
شاهين : داخلين فيها … داخلين في القضية … لهم مناسبة جاية بعدين بس صبر المحكمة علينا!
(ضحك من الحاضرين.)
الرئيس : يا أستاذ … ادخل في الوقائع اللي تخص موكلك!
شاهين : الوقائع اللي تخص موكلي ضروري جاية في السكة … حانوصل لها بعد تلات ايام …
الرئيس : تلات ايام يا أستاذ … المحكمة لا يمكن تسمح بالكلام ده! … انت طبعًا حر في دفاعك … لكن المحكمة كمان ما تقدرش تنتظر تلات ايام لغاية حضرتك ما تدخل في النقط اللي تهم موكلك … تكلم مباشرة في مركز موكلك في القضية … دي الطريقة الوحيدة اللي تخدم بها مصلحة المتهم … إنت فاهم؟
شاهين : حاضر … حاضر يا سعادة الرئيس … حالًا … بس أمهلني لحظة … أسحب التلات ايام دول من الورق وأخش في الرابع على طول …
الرئيس : أيوه … لم مرافعتك … وادخل في حدود مسئولية موكلك.
شاهين : حاضر … (يتناول من الأوراق رزمة) تكرم علينا يا سعادة الرئيس بدقيقة … دقيقة واحدة … بس أعرف راسي من رجلي!
(يغرق في الأوراق بارتباك.)
(المستشار الذي على اليمين يميل على أذن الرئيس.)
المستشار (هامسًا) : إيه المحامي ده؟ … جاي منين!
الرئيس (همسًا) : دا شاهين رحمي … ما سمعتش الإسم ده أبدًا؟ … ما مرش عليك؟
المستشار (همسًا) : أبدًا!
الرئيس (همسًا) : شاهين … اللي كان مكتبه زمان في مصر في شارع عماد الدين …
المستشار (همسًا) : آه … اللي كانوا بيقولوا له شاهين بك لأناقته وشياكته؟ … لا … لا … مش ممكن … وإيه اللي خلاه كده؟ … (يتفرس فيه.)
الرئيس (همسًا للمستشار) : و**** ما انا عارف … بيقولوا الخمرة والمسكرات … (بصوتٍ مرتفع لشاهين) وآخرتها يا أستاذ … المحكمة منتظرة!
شاهين (يفر الورق بسرعة) : يعني قصد المحكمة ننط القسم الأول من المرافعة بحذافيره؟ طيب علشان خاطر عيون الحكمة بلاش سيدنا نوح كمان … (يفر الورق.)
الرئيس : هو لسة كان فيه عندك سيدنا نوح؟ … (الجمهور يضحك) هس ما حدش يضحك من فضلكم … اسمع يا أستاذ … اشطب كل المقدمة الطويلة دي … سيب سيدنا نوح وعهد الطوفان … وخش دغري في عصر القنابل!
(في قفص المتهمين يهمس المتهم لزميله.)
المتهم (هامسًا) : أنا خايف … قلبي كان حاسس … المحامي بتاعي ده يظهر مش جاي يترافع … دا جاي يتمسخر ويهزأ الجلسة!
الزميل (همسًا) : أيوه … مش ناوي بجيبها البر!
المتهم : وأنا إيه اللي زنقني عليه … (يصيح) يا سعادة الرئيس … يا سعادة الرئيس … الحقني يا سعادة الرئيس …
الرئيس : إيه يا متهم … جرى إيه؟
المتهم : المحامي ده ما يترافعش عني أبدًا … بالكلية … أبدًا!
الرئيس : قصدك إيه؟
المتهم : قصدي إني سحبت منه التوكيل … وطالب من المحكمة تنتدب لي محامي بمعرفتها.
الرئيس : سحبت منه التوكيل؟ … (ينظر إلى كاتب الجلسة) اثبت الكلام ده!
المتهم : أيوه يا سعادة الرئيس … شوفوا لي أي محامي تاني بمعرفتكم … أي محامي غير ده … اعملوا معروف!
الرئيس (لشاهين) : سمعت كلام المتهم؟
شاهين : يعني إيه؟ … مش راح اترافع في القضية؟
الرئيس : بالطبع لا … خلاص … قانونًا أصبح ما لكش صفة … المتهم يجب أنه يكون مطمئن للدفاع عنه … وده حق المتهم!
شاهين (ينقلب جادًّا فجأة) : حق المتهم؟ … صحيح … مكنتش واخد بالي! … أنا آسف … الحقيقة إني ما كنتش واخد الموضوع جد … لأني عاجز عن كوني آخد حاجة جد … مع الأسف … لكن مش من حقي أعبث بحق متهم وهو في أحرج ساعات حياته … أنا حر أضيع حياتي … لكن مش حر أضيع حياة غيري (للمتهم) أنا حر أهزَّأ نفسي لأني مهزأ، وحياتي ما لهاش عندي قيمة … لكن مش حر أهزأك انت واهزأ قضيتك والعب بمستقبلك وحياتك سامحني … أنا أجرمت في حقك … سامحني … أنا أجرمت أنا مجرم … أنا مجرم … مجرم …
(يخرج من الجلسة وهو يردد كالمذهول كلمة: أنا مجرم … مجرم …)

المنظر الثاني​

(مكتب شاهين، حجرة حقيرة الفرش، بها بابان باب خارجي يؤدي إلى سلم البيت وباب داخلي يؤدي إلى حجرةٍ أخرى داخلية يظهر من بابها المفتوح طرف سرير … نافذة تطل على الشارع.)
نبوية (في النافذة في صوتٍ خافت) : يا معلم حسانين!
المعلم (صائحًا من الخارج) : يا نعم! … خلاص؟
نبوية : لسة … دقيت التلغراف؟
المعلم (صائحًا) : من الصبح يا ست نبوية!
نبوية : ما تزعقش كده … اطلع لما أقول لك …
(تترك النافذة وتتجه إلى الباب الخارجي.)
المعلم (يتنحنح قبل أن يدخل) : يا ساتر!
نبوية : ادخل بشويش!
المعلم (يدخل ويُلقي نظرة سريعة على حجرة السرير الداخلية) : ازاي حالته دلوقت؟
نبوية (في شبه همس) : أهو باين عليه بعيد عنك لسة برده بيطالع في الروح!
المعلم (يهز رأسه آسفًا) : هو بلا قافية من يوم ما رجع من اسكندرية …
نبوية (مُطرقة) : أيوه يا روحي! … هَوا البحر المالح ما جاش عليه!
المعلم : لأ مش كده وانت الصادقة، إنتِ من غير مؤاخذة مش واخدة بالك … القضية … القضية الكبيرة … هو جاب دماغه الأرض إلا دي!
نبوية (في تألُّم) : يا نضري … فكرتني … دا طلع عليه كام يوم يردد قوله: هو ذنبه إيه … المتهم ذنبه إيه! …
المعلم : و**** برده كان راجل طيب …
نبوية : دا كان أمير ولسانه حلو …
المعلم (ينظر حواليه إلى أثاث الحجرة) : والعفش ده يا ست نبوية؟
نبوية (فاهمة قصده) : وانت ما لك ومال العفش؟ … لا … إياك يا معلم حسانين تبص للعفش!
المعلم : ليه بقى؟ … أظن بلا قافية انت بس الوريثة الشرعية؟
نبوية : معلوم! … أنا صاحبة الملك … والعفش في بيتي … وكان **** يرحمه متأخر في الإيجار.
المعلم : وأنا يعني بس اللي أخرج من المولد بلا حمص؟ … يخلصك ده يا ست نبوية؟
نبوية (رافعة رأسها إلى السماء) : بقى هو انت كده يا *** … مسلط علي المعلم حسانين في كل قبضية؟
المعلم : أصل **** بلا قافية يحب العدل ويكره الظلم، فما دمت حضرتك رايحة تورثي واجب كمان أورث!
(يظهر شاهين في رداءٍ طويل ثقيل شِبه معطف أو كاكولة، وهو أصفر الوجه وقد استند إلى باب حجرة السرير متوكئًا.)
شاهين (في صوتٍ متعب، ولكن في شبه تهكُّم) : رايحين تورثوا مين؟
(نبوية والمعلم يلتفتان مذعورَين.)
نبوية (في دهشة) : سي شاهين!
نبوية (في ذهول) : الأستاذ!
نبوية (متهالكة) : قمت ليه ادلعدي من السرير؟!
شاهين : أنا حاسس النهارده إني كويس …
(يتقدم ببطء مستندًا إلى الجدار والمكتب، حتى يصل إلى مقعد فوتيل ممزق فيرتمي عليه … نبوية والمعلم ينظران إليه في صمت.)
شاهين : بتبصوا لي كده ليه؟
نبوية : من فرحتنا!
المعلم : أيوه … احنا انسرينا قوي …
شاهين : مش باين عليكم أبدًا!
(نبوية وحسانين يتبادلان النظارات الحائرة.)
نبوية : ازاي … يا ندامة؟!
المعلم : ازاي يا أستاذ؟
نبوية : آي والنبي … احنا كنا زعلانين قوي … وافتكرنا العدو ولا سمح **** … شر برة وبعيد …
المعلم : أصل الأستاذ النهارده الصبح كان في حال يعلم بها **** …
نبوية : كنت اسم **** مسبل عينيك، ولا فيش ولا نفس بالكلية …
المعلم : أنا من غير مؤاخذة كنت ساعتها في القهوة قدام النار، ما أشعر إلا والست نبوية بترفع بالصوت وتقول الحقني يا معلم حسانين!
نبوية : أعمل إيه بس يا اخواتي وأنا حرمة وحدانية؟ … قلت في عقل لازم حد حبيب ولَّا قريب يقف معانا …
المعلم : قامت بلا قافية شيعتني أدق تلغراف …
شاهين : تلغراف؟!
نبوية : أيوه لادلعدي الدكتور بتاع الصحة صاحبك اللي بيزورك …
شاهين : قلتم إيه؟
المعلم : قلنا من غير مؤاخذة حسب تفهيمات الست نبوية …
شاهين : إيه التفهيمات دي؟
نبوية : وأنا كان ساعتها عقلي في راسي! … أنا ساعة اسم **** ما شفتك يا سي شاهين الوش أصفر والنفس مقطوع …
(صوت بلحة من الشارع.)
بلحة (من الخارج) : يا معلم حسانين!
المعلم (يهرع إلى النافذة) : مين؟
بلحة (من الخارج) : الأفندي الدكتور بيسأل عن الصوان …
المعلم : صوان إيه يا واد؟
بلحة : بيقول الميتم اللي هنا …
المعلم : آه … قل له لسة … لسة …
شاهين (كالمخاطب نفسه) : لسة؟!
المعلم (في النافذة) : اسمع يا واد … قل له يطلع … اتفضل اطلع يا دكتور! … (يعود إلى داخل الحجرة) لا مؤاخذة دا صاحبك يا أستاذ!
(حسانين يغمز نبوية ويخرجان في رفق … في الوقت الذي يدخل فيه صبحي وهو في ملابس سوداء وينظر كلٌّ منهما للآخر.)
صبحي (في فرح) : شاهين!
شاهين (في هدوء) : نعم.
صبحي : الحمد ***! … الحمد ****!
شاهين : على إيه؟
صبحي : أمال التلغراف بيقول إنك … الحمد *** يا شيخ … الحمد ***!
شاهين : فيه إيه التلغراف؟ … هات وريني قالوا علي إيه الغجر دول؟
صبحي : إنت ما تقدرش تتصور أنا فرحان قد إيه اللي شفتك!
شاهين (يشير إلى مقعد) : استريح! … (صبحي يريد أن يجلس على كرسي، فيبادر شاهين بقوله) حاسب! … بلاش الكرسي ده … رجله مخلوعة! … (صبحي يذهب إلى كرسي آخر فيقول له شاهين) برده ده مكسور! … عندك في دول كرسي سليم ابحث عنه! … وإلا اقعد زي ما يكون!
(صبحي يجلس.)
صبحي : شاهين!
شاهين : أفندم!
صبحي : يا سلام! … صحتك بالدنيا يا شيخ!
شاهين : وأنا قلت حاجة؟
صبحي : إياك تزعل!
شاهين : أزعل من إيه؟
صبحي (مترددًا) : مسألة القضية يعني …
شاهين : قضية إيه؟
صبحي : أيوه … أحسن انساها … انس كل شيء … كل شيء …
شاهين : أنا ناسي كل شيء …
صبحي : أيوه كده!
شاهين (في صوتٍ خافت كالمخاطب نفسه) : نسيت كل شيء!
(لحظة صمت.)
صبحي (ينظر إليه طويلًا ويتنهد) : أنا آسف … شاهين … سامحني!
شاهين : ليه؟ … حصل إيه؟
صبحي : أنا آسف … آسف إني أحييت فيك شيء من الأمل …
شاهين : وقلت لي إن كل شيء فيَّ ما ماتش …
صبحي : الحقيقة يا شاهين …
شاهين : الحقيقة يا صبحي إنك ارتكبت غلطة …
صبحي : ما تقولش كده … الظروف هي اللي عاكستنا … وأنا ما كنتش أتوقع إني رايح أكون السبب في صدمة جديدة!
شاهين (مطرقًا) : المتهم في القفص فاهمني باتكلم جد، وإني ناوي أنقذ حياته بجد!
صبحي : شاهين … انس كل شيء!
شاهين : اللي يهزأ بحياته ما يصحش يهزأ بحياة الناس!
صبحي : ما تعذبش نفسك … اللي فات فات شاهين
شاهين (في إطراق) : كانت غلطة والسلام.
صبحي : مش الوحيدة.
شاهين : الوحيدة اللي نفسي مش قادرة تبلعها.
صبحي : ما لك يا شاهين ومال نفسك؟ … إنت ليه تتكلم جد دلوقت؟! … اترك الجد … اطرده من فكرك … ريح ذهنك من كل شيء.
شاهين : شوف ازاي انت النهارده بتكلمني كلام جديد … كلام طبيب قدام مريض انتهى!
صبحي : أبدًا … أنا كل غرضي … أنا في الحقيقة مندهش …
شاهين : مندهش من إيه؟
صبحي : إنت اللي بتتكلم كلام جديد! … لهجة كلامك تغيرت يا شاهين … إنت الأول ما كنتش بتتكلم جد أبدًا … ما كنتش تعرف تتكلم جد … ما كانش فيه حاجة تهمك في الدنيا!
شاهين : صحيح.
صبحي : إيه اللي جرى؟
شاهين (في صوتٍ خافت كالمخاطب نفسه) : مش عارف … الهزل صحيح هو اللي كان كل قوتي … هو اللي خلاني أشعر إني فوق الحياة مش تحتها … لكن ساعة ما لقيت المتهم المظلوم اللي واضع أمله في واخد مسألته جد، ساعتها بس شفت الحياة جد؛ لأنها حياة واحد غيري … وساعة ما أخدت الحياة جد وجدت نفسي فجأة مطرود منها … الدنيا زي المرأة بالضبط ساعة ما تاخدها جد …
صبحي : أنا متأسف!
شاهين : إنت قمت بالواجب اللي عليك، وطبقت العلاج اللي كنت تعتقد فيه …
(لحظة صمت.)
صبحي (يرفع رأسه بعد إطراق) : اسمع يا شاهين! … أرجوك ترجع لحالتك الأولى … اضرب الدنيا صرمة قديمة!
شاهين : طبعًا صرمة قديمة … وأنا عندي غير صرمة قديمة! … الصرمة الجديدة اللي كنا اشتريناها لمناسبة القضية انظبطنا بها وكان قدمها شؤم على المتهم المسكين!
صبحي : أيوه كده اضحك وهزر زي الأول!
شاهين : آه يا صبحي! … أنا حاسس بضعف! … دراعي ما بقاش يقوى على ضرب الدنيا بصرمة أو بزهرة … أنا مخلوق لا يصلح دلوقت لشيء … الدنيا هي اللي واجب عليها تضربني بالصرمة … آه! … لكن الدنيا امرأة جميلة رشيقة أنيقة ما عندهاش غير صُرم جديدة بكعب عالي … ضربها صحيح يوجع … لكن حلو!
صبحي (كالمخاطب نفسه مفكرًا) : امرأة جميلة بكعب عالي!
شاهين : آه … (يشرد ويسرح.)
صبحي : ما لك؟
شاهين : ابني! … إنت قلت كلمة يا صبحي مش قادر انساها … ابنك بكرة يكبر …
صبحي : كلام فارغ … انس كل شيء!
شاهين : مش قادر … الحياة يظهر حاتنتصر … ما قدرتش اهزمها بالضحك والهزل … ما يكفيش … ما يكفيش أبدًا الانتصار عليها … كانت عايزة طريق تاني … فهمت دلوقت … لكن فات الوقت!
صبحي : بقول لك انس! … انس … انس كل شيء!
شاهين (في إطراق وإذعان مصطنع) : نسيت …
(لحظة صمت.)
صبحي (ينهض فجأة) : على فكرة … سهى علي أقول لك واجب أروح أصلح الموضوع …
شاهين : موضوع إيه؟
صبحي : بقى أنا لما وصلني التلغراف بلغت في الحال منزل عيسوي بك … وربما وجدوا من الواجب إنهم يحضروا، فالأحسن إني أتصل بهم بالتليفون قبل ما …
شاهين : أيوه قل لهم ما يتعبوش نفسهم …
صبحي : أنا حارجع لك بعد نصف ساعة!
(يخرج.)
شاهين (في لهجةٍ غريبة) : إن شاء ****!
نبوية (تدخل) : سي شاهين!
شاهين : نعم.
نبوية : مش لازمك حاجة؟
شاهين : حاجة زي إيه؟
نبوية : مش جعان؟ … مش عطشان؟
شاهين : ما ليش نفس.
نبوية (تتجه نحو الحجرة الداخلية) : لما ادخل أساوي لك السرير.
(تدخل.)
(شاهين يطرق مفكرًا.)
نبوية (صائحة من الحجرة الداخلية) : يا ندامة! … البارودة! … هلبت ما هي معمرة … قطيعة! …
شاهين : اتركيها … مش بتاعتنا!
نبوية : وحاططها ليه ادلعدي تحت المخدة؟
شاهين : خوفًا من الحرامية!
نبوية : حرامية! … وييجوا يعملوا إيه عندك ادلعدي الحرامية؟!
شاهين : يمكن ييجوا بنوع الغلط!
نبوية : ليه! … هو الحرامي برده مش في عينه نظر؟
شاهين : صدقت احنا مش قد المقام!
نبوية : لأ … أنا غرضي أقول يا سي شاهين …
شاهين : هي دي برده الحقيقة يا ست نبوية … أنا لا أستحق حتى شرف زيارة الحرامية!
نبوية : حسرة علينا يا فقراء! … ما حد يسأل علينا لا بخير ولا بشر!
(صوت بوق سيارة يدوي طويلًا، ثم صوت المعلم حسانين يصيح من بئر السلم.)
المعلم (من الخارج) : يا ست نبوية …
نبوية (تخرج من الحجرة الداخلية تجري إلى الباب الخارجي) : إيه يا معلم حسانين!
المعلم (في الخارج) : واحدة ست هانم بلا قافية …
(صوت زيزا في الخارج.)
زيزا (من الخارج) : فين الصوان؟ … فين الميم؟
المعلم (من الخارج) : اتفضلي يا ست هانم فوق …
(شاهين يتجمد في مقعده أصفرَ الوجه كأنه تحول إلى تمثالٍ من شمع.)
زيزا (بالباب) : فين …
نبوية (وهي تفسح طريقًا) : اتفضلي … اسم **** عليه النهارده …
(تدخل زيزا فترى شاهين على مقعده، فتقف مشدوهة لا تدري ما تفعل بينما تخرج نبوية وهي تنظر إليها وإلى ملابسها الفخمة معجبة.)
زيزا (تتمالك قليلًا) : أمال بيقولوا في التلغراف …
شاهين (في مكانه يتمالك قليلًا) : لسة …
زيزا : لسة إيه؟
شاهين (يشير إلى كرسي بقرب زيزا) : اتفضلي استريحي من السلم … (زيزا تجيل نظرها في أنحاء الغرفة ولا تجلس) آسف … المكان حقير … ما يليقش، والتلغراف كان غلطة لأنهم افتكروني …
زيزا (وهي ما تزال تنظر في الحجرة) : دا … محل سكنك؟!
شاهين : مؤقَّتًا.
زيزا : آه!
شاهين : أنا حصل لي الشرف بالزيارة، شرف ما كنتش أطمع فيه وأنا على قيد الحياة … أقصد كل اللي أرجوه ما تكونش المفاجأة دي ضايقتك!
زيزا : بالعكس … أنا طبعًا … يسرني إنك تكون بخير!
شاهين : متشكر.
زيزا : احنا أول ما بلغنا من الدكتور مفتش الصحة الخبر، البك قال لي واجب نقوم … وقمنا فعلًا بالأوتومبيل … وصلنا طنطا دلوقت، والبك نزل عند المديرية علشان يقابل المدير في مسألة خصوصية، وقال لي أسبقه وابعت له الشوفير يجيبه … ولذلك …
شاهين : دا كرم عظيم من سعادة البك!
زيزا (في ارتباك) : ولذلك أنا شيعت له العربية … ومش عارفة دلوقت أعمل إيه …
شاهين (يلحظ ارتباكها) : آه … أظن مفيش حل غير إنك تنتظري البك هنا … ولَّا تحبي أطلب لك تاكسي؟ … بس أخشى إنك تروحي له من هنا ييجي هو من هنا!
زيزا (تنظر إلى كرسي بقربها مترددة) : صحيح!
شاهين : تفضلي استريحي.
زيزا (تريد أن تجلس) : مرسي!
شاهين : بس … بلاش الكرسي ده! … (زيزا تتجه إلى كرسي آخر) بلاش ده كمان … فيه هنا وسط دول كرسي واحد خالي من العيوب … لكن العثور عليه دلوقت عايز بحث …
زيزا (تجلس على كرسي بعيد قرب الباب) : مرسي!
شاهين : ما تآخذنيش! … على رأي المثل «الكمال في المِلاح صُدَف» وأنا عندي هنا «الكمال في الكراسي صدف»!
زيزا : كنت فاهمة حد من الستات قرايبك حايكون موجود … ولذلك جيت.
شاهين : ما فيش حد من قرايبي يعرف أنا دلوقت عايش فين!
(صمت.)
شاهين (في تردد) : و… وعز الدين ازاي صحته؟
زيزا : بخير.
شاهين : بالطبع ما يعرفش …
زيزا : ما حبناش نقول له …
شاهين : أحسن.
زيزا : كنت تفضل نجيبه معانا؟
شاهين : لا … أبدًا … أبدًا … ييجي هنا يشوفني بالحالة دي؟ … (يشير إلى الحجرة والفراش الحقير) مستحيل!
زيزا (في إطراق وتردد) : أنا متأسفة … ما كنتش أعرف … إنك …
شاهين : إني وصلت لكده؟
زيزا (في تردد) : إيه السبب؟
شاهين (في صوتٍ خافت) : مش عارف!
زيزا : أرجو … ما كنش أنا …
شاهين : لا أبدًا … إنت موقفك طبيعي، أنا اللي موقفي غير طبيعي!
زيزا : على كل حال أنا معترفة بعيبي … أنا صحيح حبيت نفسي زيادة عن اللزوم …
شاهين : حب النفس زيادة عن اللزوم مفيش منه ضرر … اللي منه ضرر صحيح هو حب الغير زيادة عن اللزوم!
زيزا (مضطربة مرتبكة) : أنا مش عارفة أقول إيه …
شاهين : أرجوكِ ما تقوليش حاجة!
زيزا : أنا مع ذلك مقدرة … و… و…
شاهين : مفيش داعي أبدًا لأي تقدير!
زيزا (في نبرة جدية) : أنا … على كل حال مستعدة لكل تعويض …
شاهين : إيه؟ … بتقولي إيه؟
زيزا : قصدي …
شاهين : فاهم قصدك.
زيزا : كنت عايزة أقول إني … أكون سعيدة لو قمت بأي مساعدة أو …
شاهين : مفهوم … مفهوم! … أشكرك على هذا التقدير الكريم!
زيزا : أنا متأسفة … مش غرضي أجرح إحساسك أبدًا …
شاهين : إحساسي! … دا صحيح يظهر إن في نفسي برده بقية إحساس خفيفة ما ماتتش!
زيزا : أنا … ما انكرش إنك كنت رجل شريف …
شاهين : الحمد ****!
زيزا : أرجو ما تكونش زعلت من كلمتي!
شاهين : لا أبدًا … أنا بس فهمت حالتي غلط.
زيزا : صحيح … أنا في الحقيقة مش قادرة أفهم … بعد ما كنت محامي معروف … إيه اللي حصل؟
شاهين : آه … دي مش حاتقدري تفهميها أبدًا!
زيزا : ليه؟
شاهين : كده.
زيزا : عايز تقول لي إيه بالضبط؟
شاهين : مش عايز أقول حاجة … ما عنديش شيء أقوله.
زيزا : إنت طول عمرك كنت تقدرني وتحترمني …
شاهين : ولا أزال …
زيزا : أنا بصراحة … مش قادرة أفهمك!
شاهين : مش بس النهارده!
زيزا : قل لي يا شاهين بك …
شاهين : لقب «بك» ده مش لابسني أبدًا دلوقت!
زيزا : إيه بالضبط اللي تحب إني أعمله النهارده؟!
شاهين : أحب إنك تروحي البيت وتقطفي من الجنينة زهرة «فيوليت» وتوضعيها في الزهرية!
زيزا : بس؟
شاهين : بس.
زيزا : وإيه يهمك من كده؟
شاهين : ما عنديش طلب غير ده.
زيزا : أنا كنت أنتظر إنك تتكلم بجد وصراحة.
شاهين : الجد والصراحة إني في الحقيقة أحب زهرة الفيوليت؛ لأن المرأة عبارة عن زهرة! … زهرة خير، أو زهرة شر … مش مهم! … المهم إنها زهرة جميلة موضوعة في زهرية … كوننا نعبدها بعقل أو من غير عقل، هي ما لهاش ذنب! … المهم دايمًا عندها أنها تكون جميلة … وتحب الزهرية اللي تكون فيها جميلة! …
زيزا : أعترف إني ما افهمش في الفلسفة!
شاهين : الزهرة كذلك ما تفهمش في الفلسفة … ومش مطلوب منها أبدًا إنها تفهم فلسفة!
زيزا : أمال مطلوب منها إيه؟
شاهين : مطلوب منها بس إنها تفتح شفتيها وتبتسم …
زيزا : تبتسم؟
شاهين : لتنهدات المعجبين ودموع المحبين! … لأن مجرد ابتسامها يملأ حياة الإنسان بالأمل في الحياة والرغبة في العمل والحافز على الكفاح … حياتنا في ذاتها ما لهاش قيمة ولا معنى من غير عمل أو كفاح … ولا فيش عمل ولا كفاح من غير تشجيع … نور ابتساماتها هو اللي بيشجعنا ويضيء طريقنا، وفراقها عنا هو اللي بيطفي حياتنا … لكن الزهرة مش ضروري تعرف سلطانها في النفس وتأثيرها في الحياة والموت … (زيزا مطرقة) مش ده برده رأيك؟
زيزا : أظن احنا تكلمنا كلام فارغ كتير!
شاهين : من الجهة دي معاكِ حق!
زيزا : أف! … الدنيا حر هنا …
شاهين : آسف … ما عنديش مروحة كهربائية! … (زيزا تفتح حقيبة يدها وترطب وجهها بقليلٍ من البدرة … شاهين وهو يتأملها وهي تعمل توالت خفيف) ولا عنديش مراية!
زيزا (وقد انتهت من ترتيب هندامها) : البك تأخر مش عارفة ليه (تنظر الساعة في معصمها) الساعة كم عندك!
شاهين : ولا عنديش ساعة!
زيزا (في دهشة) : كمان ما عندكش ساعة؟
شاهين : ما عنديش هنا حاجة مفيدة أبدًا.
زيزا : إنت زمان كنت تحب تشتري التحف الجميلة!
شاهين : تحفي وأموالي وأملاكي الوحيدة اللي أحتكم عليها في الوقت الحاضر هي الكلام الفارغ!
زيزا : خسارة!
شاهين : بس دي اللي خسارة؟!
زيزا : أنا مش عارفة أتكلم … مش قادرة أعرض عليك …
شاهين : اسمعي! … ما دمتِ مصرة على إنك تعطيني صدقة وإحسان، أنا برده مش رايح أكسفك! … أنا رايح أطلب منك حسنة واحدة وصدقة واحدة … مش ضروري فلوس؛ شيء أثمن عندي من الفلوس …
زيزا (في قلق) : إيه؟
شاهين : كدبة صغيرة؟
زيزا : كدبة؟!
شاهين : أيوه … ابننا عز الدين …
زيزا : ابننا؟
شاهين : اسمحي لي لآخر مرة إلى الأبد أنطق الكلمة دي وأتجرأ وأضع شخصي الحقير إلى جانب شخصك العظيم الجميل بقولي «ابننا» دا برده نوع من الصدقة الكريمة تتفضل بها واحدة زيك على واحد زيي …
زيزا : ماله عز الدين؟
شاهين : بكرة يكبر ويحب يعرف شيء عن أبوه … ويمكن يحب يفخر طبعًا بأبوه زي كل الأولاد … كل اللي أرجوه منك ما تجعليهش يخجل من اسم أبوه … اكدبي عليه وقولي له عني …
(يسمع بوق سيارة.)
زيزا (مطرقة) : وهو كذلك …
(أصوات من الخارج.)
صوت المعلم (من الخارج) : اتفضل يا بيه فوق …
صوت عيسوي (من الخارج) : أمال فين الصوان!
شاهين (كالمخاطب نفسه) : دايمًا السؤال عن الصوان! … كأن مفيش شاهين ميت من غير صوان!
عيسوي (يدخل فيرى شاهين فيُدهَش) : ****!
زيزا : حصل غلط في التلغراف يا عيسوي!
عيسوي : غلط ازاي؟
شاهين : غلط بسيط ما يفرقش كتير!
عيسوي : مش فاهم لسة!
زيزا : أصل الحكاية كانوا افتكروه … على كل حال الحمد *** … وده شيء طبعًا يسرنا … (تنهض.)
عيسوي : طبعًا.
زيزا : يالله بنا بقى يا عيسوي … أنا انتظرتك هنا كتير … مش عيب تلطعني المدة دي كلها؟
عيسوي : أصل المدير مسك فيَّ وما رضيش يسيبني إلا بالعافية!
زيزا (وهي متجهة نحو الباب) : ليلتك سعيدة يا …
عيسوي : ليلتك سعيدة يا شاهين أفندي.
شاهين : ليلتكم سعيدة! … (يتذكر فجأة) انتظر يا سعادة البك لك عندي أمانة …
عيسوي (يقف وكذلك زيزا) : أمانة إيه؟
شاهين : المسدس اللي فيه طلقة واحدة!
عيسوي : آه … صحيح!
شاهين (ينهض ويسير متكئًا على الجدران نحو حجرة السرير) : كنت مستحرص لك عليه لما تيجي فرصة … (يدخل حجرة السرير ويقول فيها) أنا رايح أرد لك المسدس لكن رايح أحتفظ بالرصاصة تذكار!
عيسوي : رصاصة؟ … تذكار؟
شاهين (من الحجرة) : ورايح أضعها في مكان عزيز! … من زمان أنا كنت عارف المكان العزيز اللي في يوم من الأيام حاتوضَع فيه!
عيسوي : أما انت لك أفكار غريبة!
شاهين (من الخارج) : الساعة كم عندكم؟
عيسوي (ينظر في ساعته الذهبية) : الساعة دلوقت يا سيدي سته تمام …
شاهين : ساعتك مضبوطة؟
عيسوي : على مدفع الضهر … كنت امبارح في مصر وضبطتها على مدفع الضهر!
شاهين (من داخل الحجرة) : لا … اضبطها على المدفع ده!
(يُسمَع طلق ناري في الحجرة الداخلية وصوت سقوط جسم على الأرض … يجمد عيسوي وزيزا مكانهما بغير حراكٍ ذاهلَين.)
 

الميلفاوية الذين يشاهدون هذا الموضوع

أعلى أسفل