• سجل عضوية لنشر مواضيع ومشاركات ومحادثة الأعضاء بدون إزعاج الإعلانات

مكتملة قصيرة نهر الجنون - توفيق الحكيم (1 مشاهد)

جدو سامى 🕊️ 𓁈

نائب المدير
إدارة ميلفات
نائب مدير
مستر ميلفاوي
كاتب ذهبي
ناشر قصص
فضفضاوي متألق
ميلفاوي متميز
ميلفاوي كوميدي
إستشاري مميز
ميلفاوي شاعر
ناشر موسيقي
ميلفاوي سينماوي
ميلفاوي نشيط
ناشر قصص مصورة
ناقد قصصي
إنضم
20 يوليو 2023
المشاركات
3,878
مستوى التفاعل
2,444
نقاط
12,860
النوع
ذكر
الميول
طبيعي

نهر الجنون​

(بهو في قصر ملكٍ من ملوك العصور الغابرة.)

(الملك ووزيره مُنفردان.)

الملك : ما تقصُّ عليَّ مُروِّع!
الوزير : قضاء وقَع يا مولاي!
الملك (في دهشٍ وذهول) : الملكة أيضًا؟
الوزير (مُطرقًا) : وا حزناه!
الملك : هي أيضًا شربَت مِن ماء النهر؟!
الوزير : كما شربَ أهل المملكة أجمعون!
الملك : أين رأيت الملكة؟
الوزير : في حديقة القصر!
الملك : ما كان يَنقص الخطب إلا هذا!
الوزير : لقد حذَّرها مولاي أن تَقرب ماء النهر، وأوصاها أن تَشرب مِن نبيذ الكروم … لكنه القدَر!
الملك : قُل لي كيف علمتَ أنَّها شربت من ماء النهر؟!
الوزير : سيماؤها … حركاتها!
الملك : أحادثَتْك؟!
الوزير : لم أكَدْ أُقبل عليها حتى ازورَّتْ عنِّي في شبه رَوع؛ كذلك فعلَتْ وصائفها وجواريها، وطَفقْنَ يَتهامَسْنَ ويَنظرنَ إليَّ نظرات المُزورِّين!
الملك (كالمُخاطب نفسه) : كل هذا بدا لعيني في تلك الرؤيا! … رحمةً بنا أيتها السماء!
الوزير : نعم … كل هذا رأتْهُ عيناي من قبل!
(صمت.)

الوزير : متى يَذهب غضب السماء عن هذا النهر؟
الملك : مَن يدري؟
الوزير : ألم يرَ مولاي في تلك الرؤيا الهائلة ما يُنبئ بالخلاص؟!
الملك (يُحاول أن يتذكَّر) : لستُ أذكر!
الوزير : تذكَّر يا مولاي!
الملك (يُحاول التذكُّر) : لستُ أذكر أكثر مما قصصتُ عليك … رأيتُ النهر أول الأمر في لون الفجر، ثم أبصرتُ أفاعي سوداء قد هبطَت فجأةً مِن السماء، وفي أنيابها سمٌّ تَسكبه في النهر، فإذا هو في لون الليل! … وهتَفَ بي مَن يقول: «حذارِ أن تَشرب بعد الآن من نهر الجنون!»
الوزير : ويلاه!
الملك : وقد رأيتُ الناس كلهم يشربون!
الوزير : إلا اثنين!
الملك : أنا وأنت!
الوزير : وا فرحتاه!
الملك : علام الفرحُ أيها الرجل؟!
الوزير (يَستدرك) : عفوًا مولاي! … إنَّ حزني لعظيمٌ! … ليتَني … ليتَني كنتُ فداء الملكة!
الملك : شدَّ ما أبغض هذا الكلام! … ليتَكَ تَستطيع على الأقل أن تجد لها دواءً … يُحزنني أن يذهب مثل عقلها الراجح، ويَخبو هذا الذهن اللامع في سماء هذه المملكة!
الوزير : حقًّا … إنها كانت كالشمس في سماء هذه المملكة!
الملك : نعم … أنت دائمًا تُردِّد ما أقول ولا تفعل شيئًا … عليَّ برأس الأطباء!
الوزير : رأس الأطباء؟!
الملك : نعم رأس الأطباء … لعلَّه يَستطيع لها شفاءً!
الوزير : مولاي نسيَ أنَّ رأس الأطباء كذلك قد ذهب!
الملك : ذهب؟! … أين؟
الوزير : هو أيضًا من الشاربين!
الملك : يا لَلمصيبة!
الوزير : لقد رأيتُه كذلك بين يدَي الملكة، وقد تغيَّرت نظراته وحركاته، وكلَّما لمحني هزَّ رأسه هزًّا لا أدرك له معنًى!
الملك : رأس الأطباء قد جُنَّ!
الوزير : نعم!
الملك : لقد كان نابغةَ زمانه … أية خسارة أن يُصاب مثل هذا الرجل بالجنون؟!
الوزير : وفي وقتٍ نحن أحوَجُ ما نكون إلى عِلمه وطبِّه!
الملك : ليس في هذه المملكة الآن غير واحد يَستطيع إنقاذنا مما نحن فيه!
الوزير : مَن يا مولاي؟!
الملك : كبير الكُهان!
الوزير : وا حسرتاه!
الملك : ماذا؟
الوزير : منهم يا مولاي!
الملك : ما تقول؟ … مِن الشاربين؟
الوزير : أجل، منهم!
الملك : هذا — ولا ريبَ — ما يُسمَّى بالخطب الجلل! حتى كبير الكهان أصيب بالجنون، وهو أحسنُ الناس رأيًا، وأبعَدُهم نظرًا، وأثبتهم إيمانًا، وأطهرهم قلبًا، وأدناهم إلى السماء؟!
الوزير : هو القضاء يا مولاي … ألم أَقُل إنه قضاء وقع؟!
الملك : أجل … إنها لَكارثة شاملة! … ليس لها مِن نظير، لا في التواريخ ولا في الأساطير … مملكة بأسرها قد أصابها الجنون دفعة واحدة، ولم يَبقَ بها ناعمٌ بعقله غير الملك والوزير!
الوزير (يَرفع رأسه إلى أعلى) : رحمة السماء!
الملك : أصغِ أيها الوزير! … إنَّ السماء التي حبَتْنا بالاستثناء، وحفظَتْ علينا نعمة العقل، لا ريب ترانا خليقَين أن تستجيب منَّا الدعاء! هلمَّ بنا إلى معبد القصر، نُصلي وندعو أن تردَّ إلى الملكة والناس عقولهم! … هذا آخر ملجأ نستطيع أن نَلتجئ إليه.
الوزير : أجل يا مولاي … آخر ملجأ لنا وخير ملجأ: السماء!
(يَخرجان من أحد الأبواب.)
(يدخل من باب آخر: الملكة، ورأس الأطباء، وكبير الكهَّان.)
الملكة : إنه لخَطب فادح!
رأس الأطباء وكبير الكهان (معًا) : أجل! … إنها لطامة كبرى!
الملكة (لرأس الأطباء) : أما من حيلة للطبِّ في ردِّ نور العقل إلى هذَين البائسَين؟!
رأس الأطباء : يشقُّ عليَّ هذا العجز منِّي أيتها الملكة!
الملكة : تفكَّر يا رأس الأطباء!
رأس الأطباء : لقد تفكَّرت مليًّا يا مولاتي … إنَّ ما أصابهما لا يسعه عِلمي!
الملكة : أأقنَطُ إذن من شفاء زوجي؟!
رأس الأطباء : لا تَقنطي يا مولاتي … هنالك مُعجزات تَهبط أحيانًا من السماء! … هي فوق الأطباء!
الملكة : ومتى تَهبط تلك المُعجزات؟
رأس الأطباء : مَن يَدري يا مولاتي؟!
الملكة : يا كبير الكهان! … استَنزِل لي واحدةً منها الآن! … الآن! … الآن!
رأس الأطباء : أَستنزل واحدة من ماذا؟!
الملكة : واحدةً مِن تلك المعجزات التي في السماء!
رأس الأطباء : مَن قال يا مولاتي إني أستطيع أن أستنزل شيئًا مِن السماء؟!
الملكة : أليس هذا مِن عَملِك؟
رأس الأطباء : إنَّ السماء يا مولاتي ليست كالنخيل، يستطيع الإنسان أن يَستنزِل منها ما شاء من ثمار!
الملكة : ألا تستطيع إذن أن تصنع شيئًا؟! … إني زوجٌ تحبُّ زوجها! … إني امرأة تُريد إنقاذ رجلها … أنقذوا زوجي! … أنقذوا زوجي!
رأس الأطباء : بعض الصبر يا مولاتي!
كبير الكهان : دع الملكة تقول! … إنها لعلى حق … هي تَبكي زوجًا كريمًا! … الناس كذلك لو عرفوا الحقيقة لبكوا ملكًا كان حازم الرأي راجح العقل!
الملكة : احذَرُوا أن يَعرف الناس الخبر!
كبير الكهان : نحن أصمت من قبرٍ يا مولاتي! … غير أني أخشى عاقبة الأمر … إنا مهما أخفَينا الخبر لا بد أن يظهر يومًا من الأيام! … وأي مصيبة أفدح من عِلم الناس بأنَّ الملك والوزير …
الملكة : صهٍ! … إنَّ هذا مُروِّع!
كبير الكهان : حقًّا … إنَّ هذا مُروِّع وعظيم الخطر!
الملكة : ما المَخرج؟! … لا تَقِفا من الأمر موقف اليأس … افعَلا شيئًا … إني أفقد عقلي أنا أيضًا، ولا ريب، إن طال أمدُ هذا الحال!
كبير الكهان : لو أنَّ في مقدوري فهم ما يدور برأسه!
الملكة : إنه يَذكر النهر في فزع، ويَزعُم أنَّ ماءه مسموم!
كبير الكهان : وماذا يَشرب إذن؟
الملكة : نبيذ الكروم! … ولا شيء غير نبيذ الكروم!
رأس الأطباء : نعم … نبيذ الكروم! … يَغلب على ظنِّي أنَّ الإدمان قد أثَّر في عقله!
الملكة : إن كان الداء فيما تقول فما أيسَر الدواء! … تُمنع عنه الخمر!
رأس الأطباء : وماذا يَشرب؟!
الملكة : ماء النهر!
رأس الأطباء : أتحسبينَه يَرضى يا مولاتي؟!
الملكة : أنا أحملُه على ذلك!
رأس الأطباء (يَلتفت إلى صوت قريب) : ها هو ذا الملك قادم!
الملكة (تُشير إلى رأس الأطباء وكبير الكهان) : اتركانا وحدَنا!
(يَخرجان، ويتركان الملكة، تتأهَّب لمُلاقاة الملك.)

الملك (يَراها فيَقِف بغتةً في مكانه) : أنت هنا؟
الملكة (تَنظر إليه مليًّا) : نعم!
الملك : لماذا تَنظرين إليَّ هذه النظرات؟!
الملكة (تنظر إليه وتَهمِس متوسلةً) : أيتها المعجزات!
الملك (يتأمَّلها في حزن) : ويلي! … إنَّ قلبي يتمزق! … لو تعلمين مقدار ألَمي أيتها العزيزة؟!
الملكة (تُحدِّق في وجهه) : لماذا؟
الملك : لماذا؟ … نعم أنتِ لا تَعرفين! … هذا الرأس الجميل، لا يُمكن الآن أن يَعرف!
الملكة : ما الذي يُؤلمُك أنت؟
الملك (يَنظر إليها مليًّا) : يؤلمني … هل أستطيع أن أقول؟ … هذا فوق ما أَحتمِل!
الملكة (كالدَّهِشة) : إنكَ تَشعُر بالنازلة؟
الملك : أتسألينَني؟! … وأي شعور؟!
الملكة (في استغراب) : هذا غريب!
الملك : وا حزناه!
الملكة (تتأمَّله لحظةً في إشفاق، ثم تجذبه) : تعالَ أيها العزيز اجلس إلى جانبي على هذا الفراش، ولا تحزن كل هذا الحزن! … لقد آنَ لهذا الشر أن يزول عنا!
الملك : ماذا تقولين؟!
الملكة : نعم … ثِقْ أنه سيزُول!
الملك (يتأمَّلُها دهِشًا) : إنك تُحسِّين ما حدَث؟!
الملكة : كيف لا أُحسُّ أيها العزيز، وهو ما يملأ نفسي أسًى؟
الملك (يَنظر إليها مليًّا) : هذا عجيب!
الملكة : لماذا تَنظر إليَّ هذه النظرات؟!
الملك (مُتوسمًا في إشفاق) : أيتها السماء!
الملكة : تدعو السماء؟ … وقد استجابَت السماء!
الملك : ماذا أسمع؟
الملكة (في فرح) : لقد وجدنا الدواء!
الملك : وجدتُم الدواء؟ … متى؟!
الملكة (في فرح) : اليوم!
الملك (في حرارة) : وا فرحتاه!
الملكة : نعم … وا فرحتاه! … إنما يَنبغي لك أن تُصغي إلى ما أقول، وأن تعمل بما أنصح لك به! … يجب عليك أن تُقلِع مِن فورك عن شُرب النبيذ وأن تَشرب من ماء النهر!
الملك (ينظر إليها، وقد عاد إلى يأسِه وحزنه) : ماء النهر؟!
الملكة (بقوة) : نعم!
الملك (كالمُخاطِب نفسه) : ويْحِي … أنا الذي حسبَ السماء قد استجابت!
الملكة (في قوة) : أصغِ إليَّ واعمل بما أقول!
الملك (يَنظر إليها مليًّا في يأس) : إني لأرى الأمر يَزداد في كل يوم شرًّا … وهل كان يخطر لي على بال أنها تتكلَّم مثل هذا الكلام؟ … وأنَّ ما بها يَبلغ هذا؟ … ويلاه! … لا بد من إنقاذها! … لا بدَّ من إنقاذها! … كاد يَذهب من رأسي العقل. (يخرج سريعًا) … أيها الوزير! … عليَّ بالوزير!
الملكة (كالمُخاطِبة لنفسها في حزن وإطراق) : صدق رأس الأطباء، إنَّ الأمر لأعسر مما … (تتنهَّد وتخرج).
الوزير (يدخل من باب آخر مُتغيِّر الوجه) : مولاي! … مولاي!
الملك (يعود أدراجه) : أيها الوزير!
الوزير : جئتُكَ بخبرٍ هائل!
الملك (في رجفة) : ماذا أيضًا؟
الوزير : أتدري ما يقول الناس عنَّا؟
الملك : أي ناس؟
الوزير : المجانين!
الملك : ماذا يقولون؟
الوزير : يَزعُمون أنهم هم العقلاء، وأن الملك والوزير هما المصابان!
الملك : صهٍ! … مَن قال هذا الهراء؟!
الوزير : تلك عقيدتُهم الآن!
الملك (في تهكُّم حزين) : نحن المصابون وهم العقلاء؟! … أيتها السماء رُحماكِ! … إنهم لا يَشعُرون أنهم جُنوا!
الوزير : صدقت!
الملك : يُخيَّل إليَّ أن المجنون لا يشعر أنه مجنون!
الوزير : هذا ما أرى!
الملك : إنَّ الملكة، وا حسرتاه، كانت تحادثني الآن وكأنها تَعقل ما تقول، بل لقد كانت تُبدي لي الحزن وتسدي إليَّ النصح!
الوزير : نعم! … نعم! … كذلك صنَع بي كلُّ مَن قابلتُ من رجال القصر وأهل المدينة.
الملك : أيتها السماء رفقًا بهم!
الوزير (في تردُّد) : وبنا!
الملك (مُتسائلًا في دهش) : وبنا؟!
الوزير : مولاي! إني … أُريد أن أقول شيئًا!
الملك (في خوف) : تقول ماذا؟
الوزير : إني كدتُ أرى …
الملك (في خوف) : ترى ماذا؟
الوزير : إنهم … كل شيء …
الملك : من هم …؟!
الوزير : الناس … المجانين … إنهم يَرموننا بالجنون، ويتهامسون علينا، ويتآمَرون بنا … ومهما يكن من أمرهم، وأمر عقلهم، فإنَّ الغلَبة لهم، بل إنهم هم وحدهم الذين يملكون الفصل بين العقل والجنون؛ لأنَّهم هم البحر وما نحن معًا إلا حبتان من رمل … أتسمَع منِّي نصحًا يا مولاي؟!
الملك : أعرف ماذا تُريد أن تقول!
الوزير : نعم … هلم نصنع مثلهم، ونشرَب من ماء النهر!
الملك (يَنظر إلى وجه الوزير مليًّا) : أيها المسكين! … إنك قد شَربت … أرى شُعاعًا من الجنون يَلمع في عينَيك!
الوزير : كلا … لم أفعل بعد!
الملك : اصدُقني القول!
الوزير (في قوة) : أَصدقُكَ القول … إني سأشرب! … وقد أزمعتُ أن أصير مجنونًا مثل بقية الناس … إني أضيق ذرعًا بهذا العقل بينهم!
الملك : تُطفئ من رأسك نور العقل بيدَيك؟!
الوزير : نور العقل؟ … ما قيمة نور العقل في وسط مملكة من المجانين؟! … ثق أنَّا لو أصرَرنا على ما نحن فيه؛ لا نأمن أن يَثِب علينا هؤلاء القوم! … إني لأرى في عيونهم فتنة تَضطرم، وأرى أنهم لن يَلبثوا حتى يصيحوا في الطرقات: «الملك ووزيره قد جُنَّا، فلنَخلع المجنونَيْن!»
الملك : ولكنَّا لسنا بمجنونَيْن!
الوزير : كيف نعلم؟!
الملك : ويحك! … أتقول جِدًّا؟!
الوزير : إنك قد قلتَها الساعة يا مولاي: إنَّ المجنون لا يشعر أنه مجنون!
الملك (صائحًا) : ولكني عاقل، وهؤلاء الناس مجانين!
الوزير : هم أيضًا يَزعمون هذا الزعم!
الملك : وأنت؟ … ألا تَعتقِد في صحة عقلي؟
الوزير : عقيدتي فيكَ وحدها، ما نفعها؟ … إنَّ شهادة مجنون لمجنون لا تُغني شيئًا!
الملك : ولكنَّك تعرف أني لم أشرب قط من ماء النهر!
الوزير : أعرف!
الملك : وأنَّ الناس كلهم قد شربوا منه!
الوزير : أعرف!
الملك : وأني قد سَلِمت من الجنون؛ لأني لم أشرب، وأُصيب الناسُ؛ لأنهم شربوا!
الوزير : هم يقولون بأنهم إنما سَلِموا هم من الجنون لأنهم شربوا، وأنَّ الملك إنما جن لأنه لم يشرب!
الملك : عجبًا! … إنها لصفاقة وجه!
الوزير : هذا قولهم وهم المُصدَّقون، وأما أنت فلن تَجد واحدًا يُصدِّقك!
الملك : أهكذا يَستطيعون أيضًا أن يجترئوا على الحق؟!
الوزير : الحق؟! (يُخفي ضحكه.)
الملك : أتضحَك؟!
الوزير : إنَّ هذه الكلمة منا في هذا الموقف غريبة!
الملك (في رجفة) : لماذا؟
الوزير : الحق والعقل والفضيلة، كلها أصبحت ملكًا لهؤلاء الناس أيضًا … هم وحدهم أصحابها الآن!
الملك : وأنا؟
الوزير : أنت بمُفردك لا تملك منها شيئًا!
(الملك يُطرِق في تفكير وصمت!)

الملك (يَرفع رأسه أخيرًا) : صدقت … إني أرى حياتي لا يُمكن أن تدوم على هذا النحو!
الوزير : أجل يا مولاي … وإنه لمن الخير لك أن تعيش مع الملكة والناس في تفاهُم وصفاء، ولو منحتَ عقلك من أجل هذا ثمنًا!
الملك (في تفكير) : نعم! … إن في هذا كل الخير لي … إنَّ الجنون يُعطيني رغد العيش مع الملكة والناس كما تقول، وأما العقل فماذا يعطيني؟!
الوزير : لا شيء … إنه يَجعلك منبوذًا من الجميع … مجنونًا في نظر الجميع.
الملك : إذن فمن الجنون ألَّا أختار الجنون؟
الوزير : هذا عين ما أقول!
الملك : بل إنه لمن العقل أن أُوثر الجنون!
الوزير : هذا لا ريب عندي فيه!
الملك : ما الفرق إذن بين العقل والجنون؟!
الوزير (وقد بُوغت) : انتظر! … (يُفكر لحظة) لستُ أتبيَّن فرقًا!
الملك (في عجَلة) : عليَّ بكأسٍ من ماء النهر!

=====

هذه المسرحية القصيرة تشبه حال شعوب تطرفت او تخلفت فترى من ليس مثلها مجنونا
 

الميلفاوية الذين يشاهدون هذا الموضوع

مواضيع متشابهه المنتدى التاريخ
جدو سامى 🕊️ 𓁈 قصص غير جنسية 0 76

مواضيع متشابهه

أعلى أسفل