جدو سامى 🕊️ 𓁈
كبير المشرفين
إدارة ميلفات
كبير المشرفين
مستر ميلفاوي
كاتب ذهبي
ناشر قصص
ناشر صور
ناشر أفلام
فضفضاوي متألق
ميلفاوي متميز
ميلفاوي كوميدي
إستشاري مميز
ميلفاوي شاعر
ناشر موسيقي
ميلفاوي سينماوي
ميلفاوي نشيط
ناشر قصص مصورة
نجم ميلفات
ملك الصور
ناقد قصصي
زعيم الفضفضة
فقال جعفر: أعلم يا أمير المؤمنين أنه كان في مصر سلطان صاحب عدل وإحسان له وزير عاقل خبير له علم بالأمور والتدبير وكان شيخا كبيرا وله ولدان كأنهما قمران وكان الكبير شمس الدين وأدهم الصغير نور الدين وكان الصغير أمير من الكبير في الحسن والجمال وليس في زمانه أحسن منه حتى أنه شاع ذكره في البلاد فكان بعض أهلها يسافر من بلاده إلى بلده لأجل رؤية جماله، فأتفق أن والدهما مات فحزن عليه السلطان وأقبل على الوالدين وفر بهما وخلع عليهما وقال لهما أنتما في مرتبة أبيكما ففرح وقبلا الأرض بين يديه وعملا العزاء لأبيهما شهرا كاملا ودخلا في الوزارة وكل منهما يتولاها جمعة وإذا أراد السلطان السفر يسافر مع واحد منهما، فاتفق في ليلة من الليالي أن السلطان كان عازما على السفر في الصباح وكانت النوبة للكبير. فبينما الأخوان يتحدثان في تلك الليلة: إذ قال الكبير يا أخي قصدي أن أتزوج أنا وأنت في ليلة واحدة فقال الصغير إفعل يا أخي ما تريد فإني موافقك على ما تقول واتفقا على ذلك.
ثم أن الكبير قال لأخيه إن قدر **** وخطبنا بنتين ودخلنا في ليلة واحدة ووضعنا في يوم واحد وأراد **** وجاءت زوجتك بغلام وجاءت زوجتي ببنت نزوجهما لبعضهما لأنهما أولاد عم فقال نور الدين يا أخي ما تأخذ من ولدي في مهر بنتك قال آخذ من ولدك في مهر بنتي ثلاثة آلاف دينار وثلاثة بساتين وثلاث ضياع فإن عقد الشاب عقده بغير هذا لا يصح. فلما سمع نور الدين هذا الكلام قال ما هذا المهر الذي اشترطه على ولدي أما تعلم أننا إخوان ونحن الإثنان وزيران في مقام واحد وكان الواجب عليك أن تقدم ابنتك لولدي هدية من غير مهر، فأنك تعلم أن الذكر أفضل من الأنثى وولدي ذكر ويذكر به وخلاف ابنتك فقال ومالها قال لا ذكر بها بين الأمراء ولكن أنت تريد أن تفعل معي على رأي الذي قال أن أردت أن تطرده فأجمل الثمن غاليا، وقيل أن بعض الناس قدم على بعض أصحابه فقصده في حاجة فغلى عليه الثمن. فقال له شمس الدين أراك قد قصرت لأنك تعمل ابنك أفضل من بنتي ولا شك أنك ناقص عقل وليس لك أخلاق حيث تذكر شركة الوزارة وأنا ما أدخلتك معي في الوزارة إلا شفقة عليك ولأجل أن تساعدني وتكون لي معينا ولكن قل ما شئت وحيث صدر منك هذا القول و**** لا أزوج بنتي لولدك ولو وزنت ثقلها ذهبا، فلما سمع نور الدين كلام أخيه اغتاظ وقال وأنا لا أزوج ابني ابنتك فقال شمس الدين أنا لا أرضاه لها بعلا ولو أنني أريد السفر لكنت عملت معك العبر ولكن لما أرجع من السفر يعمل **** ما يريد. فلما سمع نور الدين من أخيه ذلك الكلام امتلأ غيظا وغاب عن الدنيا وكتم ما به وبات كل واحد في ناحية. فلما أصبح الصباح برر السلطان للسفر وعدي إلى الجزيرة وقصد الأهرام وصحبه الوزير شمس الدين، وأما أخوه نور الدين فبات في تلك الليلة في أشد ما يكون من الغيظ فلما أصبح الصباح قام وصلى الصبح وعمد إلى خزانته وأخذ منها خرجا صغيرا وملأه ذهبا وتذكر قول أخيه واحتقاره إياه وافتخاره فأنشد هذه الأبيات:
فلما فرغ من شعره أمر بعض غلمانه أن يشد له بغلة زرزورية غالية سريعة المشي فشدها ووضع عليها سرجا مذهبا بركابات هندية وعباآت من القطيفة الأصفهانية فسارت كأنها عروس مجلية وأمر أن يجعل عليها بساط حرير وسجادة وأن يوضع الخرج من تحت السجادة ثم قال للغلام والعبيد: قصدي أن أتفرج خارج المدينة وأروح نواحي القلبونية وأبيت ثلاث ليال فلا يتبعني منكم أحد فإن عندي ضيق صدر. ثم أسرع وركب البغلة وأخذ معه شيئا قليلا من الزاد وخرج من مصر واستقبل البر فما جاء عليه الظهر حتى دخل مدينة فليبس فنزل عن بغلته واستراح وأراح البغلة وأكل شيئا وأخذ من فليبس ما يحتاج إليه وما يعلق به على بغلته ثم استقبل البر فما جاء عليه الظهر بعد يومين حتى دخل مدينة القدس فنزل عن بغلته واستراح وأراح بغلته وأخرج شيئا أكله ثم وضع الخرج تحت رأسه وفرش البساط ونام في مكان والغيظ غالب عليه، ثم أنه بات في ذلك المكان. فلما أصبح الصباح ركب وصار يسوق البغلة إلى أن وصل إلى مدينة حلب فنزل في بعض الخانات وأقام ثلاثة أيام حتى استراح وأراح البغلة وشم الهواء ثم عزم على السفر وركب بغلته وخرج مسافرا ولا يدري أين يذهب ولم يزل سائرا إلى أن وصل إلى مدينة البصرة ليلا ولم يشعر بذلك حتى نزل في الخان وأنزل الخرج عن البغلة وفرش السجادة وأودع البغلة بعدتها عند البواب وأمره أن يسيرها فأخذها وسيرها.
فاتفق أن وزير البصرة كان جالس في شباك قصره فنظر إلى البغلة ونظر ما عليها من العدة المثمنة فظنها بغلة وزير من الوزراء أو ملك من الملوك، فتأمل في ذلك وحار عقله وقال لبعض غلمانه ائتني بهذا البواب. فذهب الغلام إلى الوزير فتقدم البواب وقبل الأرض بين يديه وكان الوزير شيخا كبيرا، فقال للبواب من صاحب هذه البغلة وما صفاته، فقال البواب يا سيدي إن صاحب هذه البغلة شاب صغير ظريف الشمائل من أولاد التجار عليه هيبة ووقار. فلما سمع الوزير كلام البواب قام على قدميه وركب وسار إلى الخان، ودخل على الشاب فلما رأى نور الدين الوزير قادما عليه قام ولاقاه واحتضنه ونزل الوزير من فوق جواده وسلم عليه فرحب به وأجلسه عنده، وقال له يا ولدي من أين أقبلت وماذا تريد. فقال نور الدين يا مولاي إني قدمت من مدينة مصر، وكان أبي وزيرا فيها وقد انتقل إلى رحمة **** وأخبره بما جرى من المبتدأ إلى المنتهى ثم قال وعزمت على نفسي ألا أعود أبدا حتى أنظر جميع المدن والبلدان، فلما سمع الوزير كلامه قال له يا ولدي لا تطاوع النفس فترميك في الهلاك، فإن البلدان خراب وأنا أخاف عليك من عواقب الزمان.
ثم إنه أمر بوضع الخرج عن البغلة والبساط والسجادة، وأخذ نور الدين معه إلى بيته وأنزله في مكان ظريف وأكرمه وأحسن إليه وأحبه حبا شديدا وقال له يا ولدي أنا بقيت رجلا كبيرا ولم يكن لي ولد ذكر وقد رزقني **** بنتا تقاربك في الحسن ومنعت عنها خطابا كثيرة وقد وقع حبك في قلبي، فهل لك أن تأخذ ابنتي جارية لخدمتك وتكون لها بعلا. فإن كنت تقبل ذلك أطلع إلى سلطان البصرة وأقول له أنه ولد أخي وأوصلك إليه، حتى أجعلك وزيرا مكاني وألزم أنا بيتي فإني صرت رجلا كبيرا. فلما سمع نور الدين كلام وزير البصرة أطرق برأسه ثم قال سمعا وطاعة، ففرح الوزير بذلك وأمر غلمانه أن يصنعوا له طعاما وأن يزينوا قاعة الجلوس الكبرة المعدة لحضور أكابر الأمراء، ثم جمع أصحابه ودعا أكابر الدولة وتجار البصرة فحضروا بين يديه وقال لهم أنه كان لي أخ وزير بالديار المصرية ورزقه **** ولدين وأنا كما تعلمون رزقني **** بنتا، وكان أخي أوصاني أن أزوج بنتي لأحد أولاده فأجبته إلى ذلك فلما استحقت الزواج أرسل إلي أحد أولاده وهو هذا الشاب الحاضر، فلما جاءني أحببت أن أكتب كتابه على بنتي ويدخل بها عندي. فقالوا: نعم ما قلت، ثم شربوا السكر ورشوا ماء الورود وانصرفوا وأما الوزير فإنه أمر غلمانه أن يأخذوا نور الدين ويدخلوا به الحمام وأعماه الوزير بدلة من خاص ملبوسه وأرسل إليه الفوط والطاسات ومجامر البخور وما يحتاج إليه فلما خرج من الحمام لبس البدلة فصار كالبدر ليلة تمامه، ثم ركب بغلته ودخل على الوزير فقبل يده، ورحب الوزير وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الحادية والعشرون قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير قام له ورحب به وقال له: قم وأدخل هذه الليلة على زوجتك وفي غد أطلع بك إلى السلطان، وأرجوا لك من **** كل خير فقام نور الدين ودخل على زوجته بنت الوزير هذا ما كان من أمر نور الدين وأما ما كان من أمر أخيه فإنه غاب مع السلطان مدة في السفر، ثم رجع فلم يجد أخاه فسأل عنه الخدم، فقالوا له من يوم سافرت مع السلطان ركب بغلته بعدة الموكب، وقال أنا متوجه إلى جهة القليوبية فأغيب يوما أو يومين فإن صدري ضاق ولا يتبعني، منكم أحد.
ومن يوم خروجه إلى هذا اليوم لم نسمع له خبرا فتشوش خاطر شمس الدين على فراق أخيه واغتم غما شديدا لفقده وقال في نفسه ما سبب ذلك إلا أني أغلظت عليه في الحديث ليلة سفري مع السلطان فلعله تغير خاطره وخرج مسافرا فلا بد أن أرسل خلفه ثم طلع وأعلم السلطان بذلك فكتب بطاقات وأرسل بها إلى نوابه في جميع البلاد ونور الدين قطع بلادا بعيدة في مدة غياب أخيه مع السلطان فذهبت الرسل بالمكاتيب ثم عادوا ولم يقفوا له على خبر ويئس شمس الدين من أخيه، وقال لقد أغظت بكلامي من جهة زواج الأولاد فليت ذلك لم يكن وما حصل ذلك إلا من قلة عقلي وعدم تدبيري. ثم بعد مدة يسيرة خطب بنت رجل من تجار مصر وكتب كتابه عليها ودخل بها وقد اتفق أن ليلة دخول شمس الدين، على زوجته كانت ليلة دخول نور الدين على زوجته بنت وزير البصرة وذلك بإرادة **** تعالى حتى ينفذ حكمه في خلقه وكان الأمر كما قالاه فاتفق أن الزوجتين حملتا منهما وقد وضعت زوجة شمس الدين وزير مصر بنتا لا يرى في مصر أحسن منها، ووضعت زوجة نور الدين، ولدا ذكرا لا يرى في زمانه أحسن منه كما قال الشاعر:
فسموه حسنا وفي سابع ولادته صنعوا الولائم وعملوا أسمطة لا تصلح إلا لأولاد الملوك ثم أن وزير البصرة أخذ معه نور الدين وطلع به إلى السلطان فلما صار قدامه قبل الأرض بين يديه وكان نور الدين فصيح اللسان ثابت الجنان صاحب حسن وإحسان فأنشد قول الشاعر:
فألزمها السلطان وشكر نور الدين على ما قال وقال لوزيره من هذا الشاب فحكى له الوزير قصته من أولها إلى آخرها وقال له هذا إبن أخي فقال وكيف يكون إبن أخيك ولم نسمع به، فقال يا مولانا السلطان إنه كان لي أخ وزير بالديار المصرية وقد مات وخلف ولدين، فالكبير جلس في مرتبة والده وزيرا وهذا الصغير جاء عندي وحلف أني لا أزوج إبنتي إلا له، فلما جاء زوجته بها وهو شاب وأنا صرت شيخا كبيرا وقل سمعي وعجز تدبيري والقصد من مولانا السلطان أن يجعله في مرتبتي، فإنه إبن أخي وزوج إبنتي وهو أهل للوزارة لأنه صاحب رأي وتدبير. فنظر السلطان إليه فأعجبه، واستحسن رأي الوزير بما أشار عليه من تقديمه في رتبة الوزراء فأنعم عليه بها، وأمر له بخلعة عظيمة، وزاد له الجوامك والجرايات إلى أن إتسع عليه الحال وسار له مراكب تسافر من تحت يده بالمتاجر وغيرها وعمر أملاكا كثيرة ودواليب وبساتين إلى أن بلغ عمر ولده حسن أربع سنين، فتوفي الوزير الكبير والد زوجة نور الدين، فأخرجه خرجة عظيمة وأوراه في التراب ثم اشتغل بعد ذلك بتربية ولده فلما بلغ أشده أحضر له فقيها يقرئه في بيته وأوصاه بتعليمه وحسن تربيته فأقرأه وعلمه فوائد في العلم بعد أن حفظ القرآن في مدة سنوات وما زال حسن يزداد جمالا وحسنا واعتدالا كما قال الشاعر:
وقد رباه الفقيه في قصر أبيه ومن حين نشأته لم يخرج من قصر الوزارة إلى أن أخذه والده الوزير نور الدين يوما من الأيام وألبسه بدلة من أفخر ملبوسه وأركبه بغلة من خيار بغاله وطلع به إلى السلطان ودخل به عليه فنظر الملك حسن بدر الدين بن الوزير نور الدين فانبهر من حسنه، وقال لأبيه يا وزير لابد أنك تحضره معك في كل يوم فقال سمعا وطاعة ثم عاد الوزير بولده إلى منزله وما زال يطلع به إلى حضرة السلطان في كل يوم إلى أن بلغ الولد من العمر خمسة عشر عاما ثم ضعف والده الوزير نور الدين، فاحضره وقال له يا ولدي أعلم أن الدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء وأريد أن أوصيك وصايا فافهم ما أقول لك وأصغ قلبك إليه وصار يوصيه بحسن عشرة الناس وحسن التدبير. ثم إن نور الدين تذكر أخاه وأوطانه وبلاده وبكى على فرقة الأحباب، وسجت دموعه وقال يا ولدي اسمع قولي فإن لي أخا يسمى شمس الدين، وهو عمك ولكنه وزير بمصر قد فارقته وخرجت على غير رضاه، والقصد أنك تأخذ دوجا من الورق وتكتب ما أمليه عليك.
فأحضر قرطاسا وصار يكتب فيه كل ما قاله أبوه فأملى عليه جميع ما جرى له من أوله إلى آخره وكتب له تاريخ زواجه ودخوله على بنت الوزير وتاريخ وصوله إلى البصرة واجتماعه بوزيرها. وكتب وصية موثقة ثم قال لولده: احفظ هذه الوصية فإن ورقتها فيها، أصلك وحسبك ونسبك فإن أصابك شيء من الأمور فاقصد مصر، واستدل على عمك وسلم عليه وأعلمه أني مت غريبا مشتاقا إليه فأخذ حسن بدر الدين، الرقعة وطواها ولف عليها خرقة مشمعة وخاطها بين البطانة والظهارة وصار يبكي على أبيه من أجل فراقه وهو صغير وما زال نور الدين يوصي ولده حسن بدر الدين حتى طلعت روحه فأقام الحزن في بيته وحزن عليه السلطان وجميع الأمراء ودفنوه ولم يزالوا في حزن مدة شهرين، وولده لم يركب ولم يطلع الديوان ولم يقابل السلطان وأقام مكانه بعض الحجاب، وولى السلطان وزيرا مكانه وأمره أن يختم على أماكن نور الدين وعلى عماراته وعلى أملاكه.
فنزل الوزير الجديد وأخذ الحجاب وتوجهوا إلى بيت الوزير نور الدين يختمون عليه ويقبضون على ولده حسن الدين ويطلعون به إلى السلطان ليعمل فيه ما يقتضي رأيه وكان بين العسكر مملوك من مماليك الوزير نور الدين، المتوفي فلم يهن عليه ولد سيده فذهب ذلك المملوك إلى حسن بدر الدين فوجده منكس الرأس حزين القلب على فراق والده فأعلمه بما جرى، فقال له هل في الأمر مهلة حتى أدخل فآخذ معي شيئا من الدنيا لأستعين به على الغربة فقال له المملوك أنج بنفسك فلما سمع كلام المملوك غطى رأسه بذيله وخرج ماشيا إلى أن صار خارج المدينة فسمع الناس يقولون أن السلطان أرسل الوزير الجديد إلى بيت الوزير المتوفي ليختم على ماله وأماكنه ويقبض على ولده حسن بدر الدين ويطلع به إليه فيقتله وصارت الناس تتأسف على حسنه وجماله فلما سمع كلام الناس خرج إلى غير مقصد ولم يعلم أين يذهب.
فلم يزل سائرا إلى أن ساقته المقادير إلى تربة والده فدخل المقبرة ومشى بين القبور إلى أن جلس عند قبر أبيه وأزل ذيله من فوق رأسه، فبينما هو جالس عند تربة أبيه إذ قدم عليه يهودي من البصرة وقال يا سيدي مالي أراك متغيرا فقال له إني كنت نائما في هذه الساعة، فرأيت أبي يعاتبني على عدم زيارتي قبره فقمت وأنا مرعوب وخفت أن يفوت النهار ولم أزره، فيصعب علي الأمر، فقال له اليهودي يا سيدي إن أباك كان أرسل مراكب تجارة وقدم منها البعض ومرادي أن أشتري منك وثق كل مركب قدمت بألف دينار ثم أخرج اليهودي كيسا ممتلئا من الذهب، وعد منه ألف دينار ودفعه إلى حسن ابن الوزير ثم قال اليهودي اكتب لي ورقة واختمها فأخذ حسن ابن الوزير ورقة وكتب فيها كاتب هذه الورقة حسن بدر الدين ابن الوزير نور الدين قد باع اليهودي فلان جميع وثق كل مركب، وردت من مراكب أبيه المسافرين بألف دينار وقبض الثمن على سبيل التعجيل. فأخذ اليهودي الورقة وصار حسن يبكي ويتذكر ما كان فيه من العز والإقبال ثم دخل عليه الليل وأدركه النوم فنام عند قبر أبيه ولم يزل نائما حتى طلع القمر فتدحرجت رأسه عن القبر ونام على ظهره وصار يلمع وجهه في القمر.
وكانت المقابر عامرة بالجن المؤمنين، فخرجت جنية فنظرت وجه حسن وهو نائم فلما رأته تعجبت من حسنه وجماله وقالت سبحان **** ما هذا الشاب إلا كأنه من الحور العين، ثم طارت إلى الجو تطوف على عادتها فرأت عفريتا طائرا فسلمت عليه وسلم عليها فقالت له من أين أقبلت قال: من مصر فقالت له هل لك أن تروح معي، حتى تنظر إلى حسن هذا الشاب النائم في المقبرة فقال لها نعم فسارا حتى نزلا في المقبرة فقالت له هل رأيت في عمرك مثل هذا؟ فنظر العفريت إليه وقال سبحان من لا شبيه له ولكن يا أختي إن أردت حدثتك بما رأيت فقالت له حدثني، فقال لها إني رأيت مثل هذا الشاب في إقليم مصر وهي بنت الوزير وقد علم بها الملك فخطبها من أبيها شمس الدين.
فقال له يا مولانا السلطان أقبل عذري وارحم عبرتي فإنك تعرف أن أخي نور الدين خرج من عندنا ولا نعلم أين هو، وكان شريكي في الوزارة وسبب خروجه أني جلست أتحدث معه في شأن الزواج فغضب مني وخرج مغضبا وحكى للملك جميع ما جرى بينهما، ثم قال للملك فكان ذلك سببا لغيظه وأنا حالف أن لا أزوج بنتي إلا لابن أخي من يوم ولدتها أمها وذلك نحو ثمان عشرة سنة ومن مدة قريبة سمعت أن أخي تزوج بنت وزير البصرة وجاء منها بولد وأنا لا أزوج بنتي إلا له كرامة، لأخي ثم إني أرخت وقت زواجي وحمل زوجتي وولدة هذه البنت وهي باسم ابن عمها والبنات كثير. فلما سمع السلطان كلام الوزير غضب غضبا شديدا، وقال له كيف يخطب مثلي من مثلك بنتا فتمنعها منه وتحتج بحجة باردة وحياة رأسي لا أزوجها إلا لأقل مني برغم أنفك وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والعشرون قالت بلغني أيها الملك السعيد أن الجني لما حكي للجنية حكاية بنت وزير مصر وأن الملك قد أقسم أن يزوجها رغم أنف أبيها، بأقل منه وكان عند الملك سائس أحدب بحدبة من قدام وحدبة من وراء فأمر السلطان بإحضاره وكتب كتابه على بنت الوزير بالنهار وأمر أن يدخل عليها في هذه الليلة، ويعمل له زفافا وقد تركه وهو بين مماليك السلطان، وهم حوله في أيديهم الشموع موقدة يضحكون ويسخرون منه على باب الحمام، وأما بنت الوزير فإنها جالسة تبكي بين المنفشات والمواشط وهي أشبه الناس بهذا الشاب، وقد حجروا على أبيها ومنعوه أن يحضرها وما رأيت يا أختي أقبح من هذا الأحدب فهي أحسن من هذا الشاب. قالت له الجنية تكذب فإن هذا الشاب أحسن أهل زمانه، فرد عليها العفريت وقال و**** يا أختي إن الصبية أحسن من هذا، ولكن لا يصلح لها إلا هو فإنهما مثل بعضهما ولعلهما إخوان أو أولاد عم فيا خسارتها مع هذا الأحدب، فقالت له يا أخي دعنا ندخل تحته ونروح به إلى الصبية التي تقول عليها وننظر أيهما أحسن، فقال العفريت سمعا وطاعة هذا كلام صواب وليس هناك أحسن من هذا الرأي الذي إخترتيه فأنا أحمله ثم إنه حمله وطار به إلى الجو وصارت العفريتة في كل ركابه تحاذيه، إلى أن نزل به في مدينة مصر وحطه على مصطبة ونبهه. فاستيقظ من النوم فلم يجد نفسه على قبر أبيه في أرض البصرة، والتفت يمينا وشمالا فلم يجد نفسه إلا في مدينة غير مدينة البصرة فأراد أن يصيح فغمزه العفريت وأوقد له شمعة وقال له أعلم أني جئت بك، وأنا أريد أن أعمل معك شيئا *** فخذ هذه الشمعة وامش بها إلى ذلك الحمام واختلط بالناس ولا تزال ماشيا معهم حتى تصل إلى قاعة العروسة، فاسبق وادخل القاعة ولا تخشى أحدا وإذا دخلت فقف على يمين العريس الأحدب وكل ما جاءك المواشط والمغنيات والمنفشات فحط يدك في جيبك تجده ممتلئا ذهبا فاكبش وارم لهم ولا تتوهم أنك تدخل يدك ولم تجده ممتلئا بالذهب، فأعط كل من جاءك بالحفنة ولا تخشى من شيء وتوكل على الذي خلقك، فما هذا بحولك وقوتك بل بحول **** وقوته.
فلما سمع حسن بدر الدين من العفريت هذا الكلام، قال يا هل ترى أي شيء هذه القضية وما وجه الإحسان، ثم مشى وأوقد الشمعة، وتوجه إلى الحمام فوجد الأحدب راكب الفرس فدخل حسن بدر الدين بين الناس وهو على تلك الحالة مع الصورة الحسنة، وكان عليه الطربوش والعمامة والفرجية المنسوجة بالذهب وما زال ماشيا في الزينة، وكلما وقفت المغنيات الناس ينقطوهن، يضع يده في جيبه فيلقاها ممتلئا بالذهب فيكبش ويرمي في الطار للمغنيات والمواشط فيملأ الطار دنانير فاندهشت عقول المغنيات وتعجب الناس من حسنه وجماله ولم يزل على هذا الحال حتى وصلوا إلى بيت الوزير، فردت الحجاب الناس ومنعوهم.
فقالت المغنيات والمواشط و**** لا ندخل إلا إن دخل هذا الشاب معنا لأنه غمرنا بإحسانه ولا نجلي العروسة إلا وهو حاضر، فعند ذلك دخلوا به إلى قاعة الفرح وأجلسوه برغم أنف العريس الأحدب واصطفت جميع نساء الأمراء والوزراء والحجاب صفين وكل مرأة معها شمعة كبيرة موقدة مضيئة وكلهن ملثمات وصرن صفوفا يمينا وشمالا، من تحت المنصة إلى صدر الليوان الذي عند المجلس الذي تخرج منه العروسة، فلما نظر النساء حسن بدر الدين وما هو فيه من الحسن والجمال، ووجهه يضيء كأنه هلال، مالت جميع النساء إليه. فقالت المغنيات للنساء الحاضرات، اعلموا أن هذا المليح ما نقطنا إلا بذهب الأحمر فلا تقصرن في خدمته وأطعنه فيما يقول فازدحمن النساء عليه بالشمع ونظرن إلى جماله فانبهرت عقولهن من حسنه، وصارت كل واحدة منهن تود أن تكون في حضنه سنة أو شهرا، أو ساعة، ورفعن ما كان على وجوههن من النقاب وتحيرت منهن الألباب وقلن هنيئا لمن كان هذا الشاب له أو عليه ثم دعون لحسن بدر الدين دعون على ذلك الأحدب.
ثم إن المغنيات ضربنا بالدفوف وأقبلت المواشط وبنت الوزير بينهن، وقد طيبنها وعطرنها وألبسنها وحسن شعرها ونحرها بالحلى والحلل من لباس الملوك الأكاسرة ومن جملة ما عليها ثوب منقوش بالذهب الأحمر وفيه صور الوحوش والطيور وهو مسبول عليها من فوق حوائجها، وفي عنقها عقد يساوي الألوف قد حوى كل فص من الجواهر ما حاز مثله تبع ولا قيصر وصارت العروسة كأنها البدر إذا أقمر في ليلة أربعة عشر، ولما أقبلت كانت كأنها حورية فسبحان من خلقها بهية وأحدق بها النساء فصرن كالنجوم وهي بينهن كالقمر إذا انجلى عنه الغيم وكان حسن بدر الدين البصري جالسا والناس ينظرون إليه. فحضرت العروسة وأقبلت وتمايلت فقام إليها السائس الأحدب، ليقبلها فأعرضت عنه وانقلبت حتى صارت قدام حسن ابن عمها فضحك الناس لما رأوها مالت إلى نحو بدر الدين وحط يده في جيبه وكبش الذهب، ورمى في طار المغنيات ففرحوا وقالوا كنا نشتهي أن تكون هذه العروسة لك فتبسم. هذا كله والسائس الأحدب وحده كأنه قرد، وكلما أوقدوا له الشمعة طفئت فبهت وصار قاعدا في الظلام يمقت في نفسه وهؤلاء الناس محدقون به وتلك الشموع الموقدة بهجتها، من أعجب العجائب، يتحير من شعاعها أولوا الألباب وأما العروسة فإنها رفعت كفيها إلى السماء وقالت اللهم اجعل هذا بعلي وأربحني من هذا السائس الأحدب، وصارت المواشط تجلي العروسة إلى آخر السبع وخلع على حسن بدر الدين البصري والسائس الأحدب وحده. فلما افرغوا من ذلك أذنوا بالانصراف فخرج جميع من كان في الفرح من النساء والأولاد ولم يبقى إلا حسن بدر الدين والسائس الأحدب، ثم إن المواشط أدخلن العروسة ليكشفن ما عليها من الحلي ويهيئنها للعريس فعند ذلك تقدم السائس الأحدب إلى حسن بدر الدين، وقال له يا سيدي آنستنا في هذه الليلة وغمرتنا بإحسانك فلم لا تقوم تروح بيتك بلا مطرود، فقال بسم **** ثم قام وخرج من الباب فلقيه العفريت.
فقال له قف يا بدر الدين فإذا خرج الأحدب إلى بيت للراحة، فادخل أنت واجلس في المخدع فإذا أقبلت العروسة فقل لها أنا زوجك والملك ما عمل تلك الحيلة إلا لأنه يخاف عليك من العين، وهذا الذي رأيته سائس من سياسنا، ثم أقبل عليها واكشف وجهها ولا تخشى بأسا من أحد، فبينما بدر الدين يتحدث مع العفريت وإذا بالسائس دخل بيت الراحة وقعد على الكرسي فطلع *** العفريت من الحوض الذي فيه الماء في صورة فأر، وقال زيق فقال الأحدب ما جاء بك هنا فكبر الفأر، وصار كالقط ثم كبر حتى صار كلبا وقال عوه عوه. فلما نظر السائس ذلك فزع وقال اخسأ يا مشؤوم فكبر الكلب، وانتفخ حتى صار جحشا ونهق هاق هاق فانزعج السائس وقال إلحقوني يا أهل البيت، وإذا بالجحش قد كبر وصار قدر الجاموسة وسد عليه المكان وتكلم بكلام إبن آدم وقال: ويلك يا أحدب يا أنتن السياس فلحق السائس البطن وقعد على الملاقي بأثوابه واشتبكت أسنانه ببعضها فقال له العفريت: هل ضاقت عليك الأرض فلا تتزوج إلا بمعشوقتي فسكت السائس،
فقال له: رد الجواب وإلا اسكنتك التراب فقال له: و**** مالي ذنب إلا إنهم غصبوني وما عرفت أن لها عشاقا من الجواميس ولكن أنا تائب إلى **** ثم إليك. فقال له العفريت: اقسم ب**** إن خرجت في هذا الوقت، من هذا الموضع أو تكلمت قبل أن تطلع الشمس لأقتلنك، فإذا طلعت الشمس فاخرج إلى حال سبيلك ولا تعد إلى هذا البيت أبدا، ثم إن العفريت قبض على السائس الأحدب وقلب رأسه في الملاقي وجعلها إلى أسفل وجعل رجليه إلى فوق، وقال له إستمر هنا وأنا أحرسك إلى طلوع الشمس، هذا ما كان من قصة الأحدب وأما ما كان من قصة بدر الدين البصري فإنه خلى الأحدب والعفريت يتخاصمان ودخل البيت وجلس داخل المخدع، وإذا بالعروس أقبلت معها العجوز. فوقفت العجوز في باب المخدع وقالت يا أبا شهاب قم وخذ عروستك، وقد استودعتك **** ثم ولت العجوز ودخلت العروسة وصدر المخدع، وكان إسمها ست الحسن وقلبها مكسور وقالت في قلبها و**** لا أمكنه من نفسي لو طلعت روحي، فلما دخلت إلى صدر المخدع نظرت بدر الدين، فقالت: يا حبيبي وإلى هذا الوقت أنت قاعد لقد قلت في نفسي لعلك أنت والسائس الأحدب مشتركان في، فقال حسن بدر الدين: وأي شيء أوصل السائس إليك ومن أين له أن يكون شريكي فيك، فقالت: ومن زوجي أأنت أم هو? قال حسن بدر الدين: يا سيدتي نحن ما عملنا هذا إلا سخرية به لنضحك عليه.
فلما نظرت المواشط والمغنيات وأهلك حسنك البديع خافوا علينا من العين فأكتراه أبوك بعشرة دنانير حتى يصرف عنا العين وقد راح، فلما سمعت ست الحسن من بدر الدين ذلك الكلام فرحت وتبسمت وضحكت ضحكا لطيفا وقالت و**** أطفأت ناري فبالله خذني عندك وضمني إلى حضنك وكانت بلا لباس فكشف ثوبها إلى نحرها فبان ما قدامها وورائها. فلما نظر بدر الدين صفاء جسمها تحركت فيه الشهوة فقام وحل لباسه ثم حل كيس الذهب الذي كان أخذه من اليهودي ووضع فيه ألف دينار ولفه في سرواله وحطه تحت ذيلة الطراحة وقلع عمامته ووضعها على الكرسي وبقي بالقميص الرفيع وكان القميص مطرز بالذهب، فعند ذلك قامت إليه ست الحسن وجذبته إليها وجذبها بدر الدين وعانقها وأخذ رجليها في وسطه ثم ركب المدفع وحرره على القلعة وأطلقه فهدم البرج فوجدها درة ما ثقبت ومطية لغيره ما ركبت، فأزال بكارتها، وتملى بشبابها ولم يزل يركب المدفع ويرد إلى غاية خمس عشرة مرة، فعلقت منه، فلما فرغ حسن بدر الدين وضع يده تحت رأسها وكذلك الأخرى وضعت يدها تحت رأسه ثم أنهما تعانقا وشرحا بعناقهما مضمون هذه الأبيات:
هذا ما كان من أمر حسن بدر الدين وست الحسن بنت عمه، وأما ما كان من أمر العفريت فإنه قال للعفريتة قومي وادخلي تحت الشاب ودعينا نوديه مكانه لئلا يدركنا الصبح فإن الوقت قريب فعند ذلك تقدمت العفريتة ودخلت تحت ذيله وهو نائم وأخذته وطارت به وهو على حاله بالقميص وهو بلا لباس وما زالت العفريتة طائرة به والعفريت يحاذيها فأذن **** الملائكة أن ترمي العفريت بشهاب من نار فأحترق وسلمت العفريتة فانزلت بدر الدين في موضع ما أحرق الشهاب العفريت ولم تتجاوزه به خوفا عليه وكان بالأمر المقدر ذلك الموضع في دمشق الشام فوضعته العفريتة على باب من أبوابها وطارت. فلما طلع النهار وفتحت أبواب المدينة خرج الناس فظروا شابا مليحا بالقميص والطاقية بلا عمامة ولا لباس وهو مما قاسى من السهر غرقان في النوم فلما رآه الناس قالوا يا بخت من كان هذا عقده في هذه الليلة ويا ليته صبر حتى لبس حوائجه وقال الآخر مساكين أولاد الناس لعل هذا يكون في هذه الساعة خرج من المسكرة لبعض شغله فقوي عليه السكر فتاه عن المكان الذي كان قصده حتى وصل إلى باب المدينة فوجده مغلقا فنام ههنا وقد خاض الناس فيه بالكلام وإذا بالهوى هب على بدر الدين فرفع ذيله من فوق بطنه فبان من تحته بطن وسره محققة وسيقان وأفخاذ مثل البلور فصار الناس يتعجبون فانتبه حسن بدر الدين فوجد روحه على باب مدينة وعليها ناس فتعجب وقال أين أنا يا جماعة الخير وما سبب اجتماعكم علي وما حكايتي معكم.
فقالوا نحن رأيناك عند أذان الصبح ملقى على هذا الباب نائما ولا نعلم من أمرك غير هذا فأين كنت نائما هذه الليلة فقال حسن بدر الدين و**** يا جماعة إني كنت نائما هذه الليلة في مصر فقال واحد هل أنت تأكل حشيشا وقال بعضهم أأنت مجنون كيف تكون بايتا في مصر وتصبح نائما في مدينة دمشق فقال لهم و**** يا جماعة الخير لم أكذب عليكم أبدا وأنا كنت البارحة بالليل في ديار مصر وقبل البارحة كنت بالبصرة فقال واحد هذا شيء عجيب وقال الآخر هذا شاب مجنون وصفقوا عليه بالكفوف وتحدث الناس مع بعضهم وقالوا يا خسارة شبابه و**** ما في جنونه خلاف ثم إنهم قالوا له إرجع لعقلك. فقال حسن بدر الدين كنت البارحة عريسا في ديار مصر فقالوا لعلك حلمت ورأيت هذا الذي تقول في المنام فتحير حسن في نفسه وقال لهم و**** ما هذا منام وأين السايس الأحدب الذي كان قاعدا عندنا والكيس الذهب الذي كان معي وأين ثيابي ولباسي، ثم قام ودخل المدينة ومشى في شوارعها وأسواقها فازدحمت عليه الناس وألفوه فدخل دكان طباخ وكان ذلك الطباخ رجلا مسرفا فتاب **** عليه من الحرام وفتح له دكان طباخ وكانوا أهل دمشق كلهم يخافون منه بسبب شدة بأسه، فلما نظر الطباخ إلى حسن بدر الدين وشاهد حسنه وجماله وقعت في قلبه محبته.
فقال: من أين أنت يا فتى فاحكي لي حكايتك فإنك صرت عندي أعز من روحي، فحكى له ما جرى من المبتدأ إلى المنتهى. فقال له الطباخ يا سيدي بدر الدين أعلم أن هذا أمر عجيب وحديث غريب ولكن يا ولدي اكتم ما معك حتى يفرج **** ما بك واقعد عندي في هذا المكان وأنا ما لي ولد فأتخذك ولدي فقال له بدر الدين الأمر كما بريد يا عم. فعند ذلك نزل الطباخ إلى السوق واشترى لبدر الدين أقمشة مفتخرة وألبسه إياها وتوجه به إلى القاضي وأشهد على نفسه أنه ولده، وقد اشتهر حسن بدر الدين في مدينة دمشق أنه ولد الطباخ، وقعد عنده في الدكان يقبض الدراهم، وقد استقر أمره عند الطباخ على هذه الحالة. هذا ما كان من أمر حسن بدر الدين، وأما ما كان من أمر ست الحسن بنت عمه فإنها لما طلع الفجر وانتهت من النوم لم تجد حسن بدر الدين قاعدا عندها فاعتقدت أنه دخل المرحاض فجلست تنتظره ساعة وإذا بأبيها قد دخل عليها وهو مهموم مما جرى له من السلطان وكيف غصبه وزوج ابنته غصبا لأحد غلمانه الذي هو السايس الأحدب وقال في نفسه سأقتل هذه البنت إن مكنت هذا الخبيث من نفسها، فمشى إلى أن وصل إلى المخدع ووقف على بابه وقال: يا ست الحسن فقالت له نعم يا سيدي، ثم إنها خرجت وهي تتمايل من الفرح وقبلت الأرض بين يديه وازداد وجهها نوراً وجمالاً لعناقها لذلك الغزال، فلما نظرها أبوها وهي بتلك الحالة قال لها: يا خبيثة هل أنت فرحانة بهذا السايس.
فلما سمعت ست الحسن كلام والدها تبسمت وقالت: يا ****، يكفي ما جرى منك والناس يضحكون علي ويعايروني بهذا السياس الذي ما يجيء في إصبعي قلامة ظفر. إن زوجي و**** ما بت طول عمري ليلة أحسن من ليلة البارحة التي بتها معه، فلا تهزأ بي وتذكر لي ذلك الأحدب فلما سمع والدها كلامها امتزج بالغضب وازرقت عيناه وقال لها: ويلك أي هذا الكلام الذي تقولينه، إن السايس الأحدب قد يأت عندك فقالت: ب**** عليك لا تذكره لي قبحه **** وقبح أباه فلا تكثر المزاح بذكره فما كان السايس إلا مكتري بعشرة دنانير وأخذ أجرته وراح وجئت أنا ودخلت المخدع فنظرت زوجي قاعداً بعدما جلتني عليه المغنيات ونقط بالذهب الأحمر حتى أغنى الفقراء الحاضرين وقد بت في حضن زوجي الخفيف الروح صاحب العيون السود والحواجب المقرونة.
فلما سمع والدها هذا الكلام صار الضياء في وجهه ظلاماً وقال لها: يا فاجرة ما هذا الذي تقولينه? أين عقلك، فقالت له: يا أبت لقد فتت كبدي لأي شيء تتغافل فهذا زوجي الذي أخذ وجهي قد دخل بيت الراحة وإني قد علقت منه، فقام والدها وهو متعجب ودخل بيت الخلاء فوجد السايس الأحدب ورأسه مغروز في الملاقي ورجلاه مرتفعة إلى فوق فبهت فيه الوزير وقال: أما هذا هو الأحدب فخاطبه فلم يرد عليه وظن الأحدب أنه العفريت.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والعشرون قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن السائس الأحدب لما كلمه الوزير لم يرد عليه فصرخ عليه الوزير وقال له تكلم وإلا أقطع رأسك بهذا السيف، لعند ذلك قال الأحدب و**** يا شيخ العفاريت من حين جعلتني في هذا الموضع ما رفعت رأسي فبالله عليك أن ترفق بي، فلما سمع الوزير كلام الأحدب قال له ما تقول فإني أبو العروسة وما أنا عفريت، فقال ليس عمري في يدك ولا تقدر أن تأخذ روحي فرح حال سبيلك قبل أن يأتيك الذي فعل بي هذه الفعال فأنتم لا تزوجوني إلا بمعشوقة الجواميس ومعشوقة العفاريت فلعن **** من زوجني بها ولعن من كان السبب في ذلك، فقال له الوزير قم واخرج من هذا المكان فقال له هل أنا مجنون حتى أروح معك بغير إذن العفريت فإنه قال لي إذا طلعت الشمس فاخرج وروح إلى حال سبيلك فهل طلعت الشمس أو لا فإني لا اقدر أن أطلع من موضعي إلا إن طلعت الشمس.
فعند ذلك قال له الوزير من أتى بك إلى هذا المكان فقال إني جئت البارحة إلى هنا لأقضي حاجتي وأزيل ضرورتي فإذا بفأر طلع من وسط الماء وصاح وصار يكبر حتى بقي قدر الجاموسة وقال لي كلاماً دخل في أذني فخلني ورح لعند العروسة ومن زوجني بها فتقدم إليه الوزير وأخرجه من المرحاض فخرج وهو يجري وما صدق أن الشمس طلعت وطلع إلى السلطان وأخبره بما اتفق له مع العفريت وأما الوزير أبو العروسة فإنه دخل البيت وهو حائر العقل في أمر بنته، فقال يا ابنتي اكشفي لي عن خبرك فقالت أن الظريف الذي كنت أتجلى عليه بات عندي البارحة وأزال بكارتي وعلقت منه وإن كنت لم تصدقني فهذه عمامته بلفتها على الكرسي ولباسه تحت الفراش وفيه شيء ملفوف لم أعرف ما هو.
فلما سمع والدها هذا الكلام دخل المخدع فوجد عمامة حسن بدر الدين ابن أخيه، ففي الحال أخذها في يده وقلبها وقال هذه عمامة وزراء إلا أنها موصلية، ثم نظر إلى الحرز مخيط في طربوشه فأخذه وفتقه وأخذ اللباس فوجد الكيس الذي فيه ألف دينار ففتحه فوجد فيه ورقة فقرأها فوجه مبايعة اليهودي واسم حسن بدر الدين بن نور الدين البصري ووجد الألف دينار فلما قرأ شمس الدين الورقة صرخ صرخة وخر مغشياً عليه فلما أفاق وعلم مضمون القصة تعجب وقال لا إله إلا **** القادر على كل شيء وقال: يا بنت هل تعرفين من الذي أخذ وجهك قالت لا قال إنه ابن أخي وهو ابن عمك وهذه الألف دينار مهرك فسبحان **** فليت شعري كيف اتفقت هذه القضية، ثم فتح الحرز المخيط فوجد فيه ورقة مكتوباً عليه بخط أخيه نور الدين المصري أبي حسن بدر الدين فلما نظر خط أخيه أنشد هذين البيتين:
فلما فرغ من الشعر قرأ الحرز فوجد فيه تاريخ زواجه بنت وزير البصرة وتاريخ دخوله بها وتاريخ عمره إلى حين وفاته وتاريخ ولادة ولده حسن بدر الدين فتعجب واهتز من الطرب وقابل ما جرى لأخيه على ما جرى له فوجده سواء بسواء وزواجه وزواج الآخر موافقين تاريخياً ودخولهما بزوجتيهما متوافقاً وولادة حسن بدر الدين ابن أخيه وولادة ابنته ست الحسن متوافقين فأخذ الورقتين وطلع بهما إلى السلطان وأعلمه بما جرى من أول الأمر إلى آخره فتعجب الملك وأمر أن يؤرخ هذا الأمر في الحال ثم أقام الوزير ينظر ابن أخيه فما وقع له على خبر فقال و**** لأعملن عملاً ما سبقني إليه أحد.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
في الليلة الرابعة والعشرون قالت بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير أخذ دواة وقلماً وكتب أمتعة وأن الخشخانة في موضع كذا والستارة الفلانية في موضع كذا وكتب جميع ما في البيت، ثم طوى الكتاب وأمر بخزن جميع الأمتعة وأخذ العمامة والطربوش وأخذ معه الفرجية والكيس وحفظهما عنده وأما بنت الوزير فإنها لما كملت أشهرها ولدت ولذا مثل القمر يشبه والده من الحسن والكمال والبهاء والجمال فقطعوا سرته وكحلوا مقلته وسلموه إلى المرضعات وسموه عجيباً فصار يومه بشهر وشهره بسنة، فلما مر عليه سبع سنين أعطاه جده لفقيه ووصاه أن يربيه ويحسن تربيته فأقام في المكتب أربع سنوات فصار يقاتل أهل المكتب ويسبهم ويقول لهم من منكم مثلي أنا ابن وزير مصر فقام الأولاد واجتمعوا يشكون إلى العريف ما قاسوه من عجيب.
فقال لهم العريف أنا أعلمكم شيئاً تقولونه له لما يجيء فيتوب عن المجيء للمكتب وذلك أنه إذا جاء غداً فاقعدوا حوله وقولوا لبعضكم: و**** ما يلعب معنا هذه اللعبة إلا من يقول لنا على اسم أمه واسم أبيه ومن لم يعرف اسم أمه واسم أبيه فهو ابن حرام فلا يلعب معنا. فلما أصبح الصباح أتوا إلى المكتب وحضر عجيب فاختلط بالأولاد وقالوا نحن نلعب لعبة ولكن ما يلعب إلا من يقول لنا عن اسم أمه واسم أبيه واتفقوا على ذلك، فقال واحد منهم اسمي ماجدي وأمي علوي وأبي عز الدين، وقال الآخر مثل قوله والآخر كذلك إلى أن جاء الدور إلى عجيب فقال: أنا اسمي عجيب وأمي ست الحسن وأبي شمس الدين والوزير بمصر فقالوا له و**** إن الوزير ما هو أبوك فقال عجيب الوزير أبي حقيقة.
فعند ذلك ضحكت عليه الأولاد وصفقوا عليه وقالوا أنت ما تعرف لك أباً فقم من عندنا فلا يلعب معنا إلا من يعرف اسم أبيه. وفي الحال تفرق الأولاد من حوله وتضاحكوا عليه فضاق صدره وأنخنق بالبكاء. فقال له العريف هل تعتقد أن أباك جدك الوزير أبو أمك ست الحسن، إن أباك ما تعرفه أنت ولا نحن لأن السلطان زوجها للسائس الأحدب وجاءت الجن فناموا عندها فإن لم تعرف لك أبا يجعلونك بينهم ولد زنا ألا ترى أن ابن البائع يعرف أباه، فوزير مصر إنما هو جدك وأما أبوك فلا نعرفه نحن ولا أنت فارجع لعقلك.
فلما سمع ذلك الكلام قام من ساعته ودخل على والدته ست الحسن وصار يشكو هلا وهو يبكي ومنعه البكاء من الكلام، فلما سمعت أمه كلامه وبكاءه التهب قلبها عليه وقالت له: يا ولدي ما الذي أبكاك فاحكي لي قصتك فحكى لها ما سمعه من الأولاد ومن العريف وقال يا والدتي من هو أبي قلت له أبوك وزير مصر فقال لها ليس هو أبي فلا تكذبي علي فإن الوزير أبوك أنت لا أبي أنا. من هو أبي فإن لم تخبريني بالصحيح قتلت روحي بهذا الخنجر. فلما سمعت والدته ذكر أبيه بكت لذكر ولد عمها وتذكرت محاسن حسن بدر الدين البصري وما جرى لها معه وصرخت وكذلك ولدها وإذا بالوزير دخل.
فما نظر إلى بكائها احتر قلبه وقال ما يبكيكما فأخبرتها بما اتفق لولدها مع صغار المكتب فبكى الآخر ثم تذكر أخاه وما اتفق له معه وما اتفق لابنته ولم يعلم بما في باطن الأمر. ثم قام الوزير في الحال ومشى حتى طلع إلى الديوان ودخل على الملك وأخبره بالقصة وطلب منه الإذن بالسفر إلى الشرق ليقصد مدينة البصرة ويسأل عن ابن أخيه، وطلب من السلطان أن يكتب له مراسيم لسائر البلاد إذا وجد ابن أخيه في أي موضع يأخذه، ثم بكى بين يدي السلطان فرق له قلبه وكتب مراسيم لسائر الأقاليم والبلاد ففرح بذلك ودعا للسلطان وودعه ونزل في الحال وتجهز في الحال وأخذ ما يحتاج إليه وأخذ ابنته وولدها عجيباً وسافر أول يوم وثاني يوم وثالث يوم حتى وصل إلى مدينة دمشق فوجدها ذات أشجار وأنهار كما قال الشاعر:
فنزل الوزير من ميدان الحصباء ونصب خيامه وقال لغلمانه نأخذ الراحة هنا يومين فدخل الغلمان المدينة لقضاء حوائجهم. هذا يبيع وهاذ يشتري وهذا يدخل الحمام وهذا يدخل جامع بني أمية الذي ما في الدنيا مثله ودخل المدينة عجيب هو وخادمه يتفرجان والخادم ينشي خلف عجيب وفي يده سوط لو ضرب به جملاً لسقط ولم يثر. فلما نظر أهل دمشق إلى عجيب وقده واعتداله وبهائه وكماله بديع الجمال وخيم الدلال الطف من نسيم الشمال وأحلى للظمآن من الماء الزلال وألذ من العافية لصاحب الاعتلال فلما رآه أهل دمشق تبعوه وصارت الخلق تجري وراءه تتبعه وتقعد في الطريق حتى يجيء عليهم وينظرونه إلى أن وقف عجيب بالأمر المقدر على دكان أبيه حسن بدر الدين الذي أجلسه فيه الطباخ الذي اعترف عند القضاة والشهود أنه ولده.
فلما وقف عليه العبد في ذلك اليوم وقف معه الخدام، فنظر حسن بدر الدين إلى ولده فأعجبه حين وجده في غابة الحسن فحن إليه فؤاده وتعلق به قلبه وكان قد طبخ حب رمان مخلي بلوز وسكر، فأكلوا سواء فقال لهم حسن بدر الدين أنستمونا كلوا هنيئاً مريئاً ثم أن عجيب قال لوالده أقعد كل معنا لعل **** يجمعنا بمن نريد فقال عجيب نعم يا عم حرق قلبي بفراق الأحباب والحبيب الذي فارقني هو والدي، وقد خرجت أنا وجدي نطوف عليه البلاد فواحسرتاه على جمع شملي به وبكى بكاء شديداً، وبكا والده لبكائه وتذكر فرقة الأحباب وبعده عن والده ووالدته فحن له الخادم، وأكلوا جميعاً إلى أن اكتفوا.
ثم بعد ذلك قاما وخرجا من دكان حسن بدر الدين فأحس أن روحه فارقت جسده وراحت معهم فما قدر أن يصير عنهم لحظة واحدة، فقفل الدكان وتبعهم وهو لا يعلم أنه ولده وأسرع في مشيه حتى لحقهم قبل أن يخرجوا من الباب الكبير فالتفت الطواشي وقال له مالك يا طباخ فقال حسن بدر الدين لما نزلتم من عندي كان روحي خرجت من جسمي ولي حاجة في المدينة خارج الباب فأردت أن أرافقكم حتى أقضي حاجتي وأرجع فغضب الطواشي وقال لعجيب أن هذه أكلة مشؤومة وصارت علينا مكرمة وهاهو تابعنا من موضع إلى موضع فالتفت عجيب فرأى الطباخ فاغتاظ واحمر وجهه وقال للخادم دعه يمشي في طريق المسلمين فإذا خرجنا إلى خيامنا وخرج معنا وعرفنا أنه يتبعنا نطرده فأطرق رأسه ومشى والخادم وراءه فتبعهم حسن بدر الدين إلى ميدان الحصباء وقد قربوا من الخيام فالتفوا ورأوه خلفهم.
فغضب عجيب وخاف من الطواشي أن يخبر جده فامتزج بالغضب مخافة أن يقولوا أنه دخل دكان الطباخ وأن الطباخ منعه فالتفت حتى صار عيناه في عين أبيه وقد بقي جسداً بلا روح ورأى عجيب عينه كأنها عين خائن، وربما كان ولد زنا فازداد غضباً فأخذ حجراً وضرب به والده فوقع الحجر على جبينه فبطحه فوقع حسن بدر الدين مغشياً عليه وسال الدم على وجهه وسار عجيب هو والخادم إلى الخيام وأما حسن بدر الدين فإنه لما أفاق مسح دمه وقطع قطعة من عمامته وعصب بها رأسه ولام نفسه وقال أنا ظلمت الصبي حيث غلقت دكاني وتبعته حتى ظن أني خائن ثم رجع إلى الدكان واشتغل ببيع طعامه وصار مشتاقاً إلى والدته التي في البصرة ويبكي عليها، وأنشد هذين البيتين:
ثم أن حسن بدر الدين استمر مشتغلاً يبيع طعامه وأما الوزير عمه فإنه أقام في دمشق ثلاثة أيام ثم رحل متوجهاً إلى حمص فدخلها ثم رحل عنها وصار يفتش في طريقه أينما حل وجهه في سيره إلى أن وصل إلى ماردين، والموصل وديار بكر ولم يزل سائراً إلى مدينة البصرة فدخلها فلما استقر به المنزل دخل إلى سلطانها واجتمع به فاحترمه وأكرم منزله وسأله عن سبب مجيئه فأخبره بقصته وأن أخاه الوزير علي نور الدين، فترحم عليه السلطان وقال ايها الصاحب إنه كان وزيري وكنت أحبه كثيراً وقد مات من مدة خمسة عشر عاماً وخلف ولداً وقد فقدناه ولم نطلع له على خبر غير أن أمه عندنا لأنها بنت وزيري الكبير.
فلما سمع الوزير شمس الدين من الملك أن أم ابن أخيه طيبة فرح وقال يا ملك إني أريد أن أجتمع بها فإذن له في الحال، ثم أنه صار يمشي إلى أن وصل إلى قاعة زوجة أخيه أم حسن بدر الدين البصري وكانت في مدة غيبة ولدها قد لزمت البكاء والنحيب بالليل والنهار، فلما طالت عليها المدة عملت لولدها قبراً من الرخام في وسط القاعة وصارت تبكي عليه ليلاً ونهاراً، ولا تنام إلا عند ذلك القبر، فلما وصل إلى مسكنها سمع حسها فوقف خلف الباب فسمعها تنشد على القبر هذين البيتين:
فبينما هي كذلك وإذا بالوزير شمس الدين، قد دخل عليها وسلم عليها وأعلمها أنه أخو زوجها وقد أخبرها بما جرى، وكشف لها عن القصة وأن ابنها حسن بدر الدين، بات عند ابنته ليلة كاملة، ثم طلع عليه الصباح وقال لها إن ابنتي حملت من ولدك وولدت ولداً وهو معي وإنه ولدك وولد ولدك من أبي، فلما سمعت خبر ولدها وأنه حي ورأت أخا زوجها قامت إليه ووقعت على قدميه وقبلتهما وأنشدت هذين البيتين:
ثم إن الوزير أرسل إلى عجيب ليحضره، فلما حضر قامت له جدته واعتنقته وبكت فقال لها شمس الدين ما هذا وقت بكاء بل هذا وقت تجهزك للسفر معنا إلى ديار مصر عسى **** أن يجمع شملنا وشملك بولدك ابن أخي، فقالت سمعاً وطاعة، ثم قامت من وقتها وجمعت جميع أمتعتها وذخائرها وجواريها وتجهزت في الحال ثم طلع الوزير شمس الدين إلى سلطان البصرة وودعه فبعث معه هدايا وتحفاً إلى سلطان مصر وسافر من وقته هو وزوجة أخيه ولم يزل سائراً حتى وصل إلى مدينة دمشق فنزل على القانون وضرب الخيام، وقال لمن معه إننا نقيم بدمشق جمعة إلى أن نشتري للسلطان هداياً وتحفاً ثم قال عجيب للطواشي يا غلام إني اشتقت إلى الفرجة فقم بنا ننزل إلى سوق دمشق ونعتبر أحوالها وننظر ما جرى لذاك الطباخ الذي كنا أكلنا طعامه وشججنا رأسه مع أنه قد كان أحسن إلينا ونحن أسأناه.
فقال الطواشي سمعاً وطاعة ثم إن عجيباً أخرج من الخيام هو والطواشي وحركته القرابة إلى التوجه لوالده ودخل مدينة دمشق وما زالا إلى أن وصلا إلى دكان الطباخ فوجداه واقفاً في الدكان وكان ذلك قبل العصر وقد وافق الأمر أنه طبخ حب رمان فلما قربا منه ونظره عجيب حن غليه قلبه ونظر إلى أثر الضربة بالحجر في جبينه، فقال: السلام عليك يا هذا اعلم أن خاطري عندك فلما نظر إليه حسن بدر الدين تعلقت أحشاؤه به وخفق فؤاده غليه وأطرق برأسه إلى الأرض وأراد أن يدير لسانه في فمه، فما قدر على ذلك، ثم رفع رأسه إلى ولده خاضعاً متدللاً وأنشد هذه الأبيات:
ثم قال لهما اجبرا قلبي وكلا من طعامي فو **** ما نظرت إليك أيها الغلام إلا حن قلبي إليك وما كنت تبعتك إلا وأنا بغير عقل. فقال عجيب و**** إنك محب لنا ونحن أكلنا عندك لقمة فلازمتنا عقبها، وأردت أن تهتكنا ونحن لا نأكل لك أكلاً إلا بشرط أن تحلف أنك لا تخرج وراءنا ولا تتبعنا وإلا لا نعود إليك من وقتنا هذا، فنحن مقيمون في هذه المدينة جمعة حتى يأخذ جدي هدايا للملك فقال بدر الدين لكم علي ذلك، فدخل عجيب هو والخادم في الدكان فقدم لهما زبدية ممتلئة حب رمان، فقال عجيب كل معنا لعل **** يفرج عنا ففرح حسن بدر الدين وأكل معهم حتى امتلأت بطونهما وشبعا على خلاف عادتهما، ثم انصرفا وأسرعا في مشيهما حتى وصلا إلى خيامهما ودخل عجيب على جدته أم والده حسن بدر الدين، فقبلته وتذكرت حسن بدر الدين فتنهدت وبكت ثم أنها أنشدت هذين البيتين:
ثم قالت لعجيب يا ولدي أين كنت، قال في مدينة دمشق فعند ذلك قامت وقدمت له زبدية لعام من حب الرمان وكان قليل الحلاوة وقالت للخادم اقعد مع سيدك فقال الخادم في نفسه و**** ما لنا شهية في الأكل، ثم جلس الخادم وأما عجيب فإنه لما جلس كان بطنه ممتلئاً بما أكل وشرب، فأخذ لقمة وغمسها في حب الرمان وأكلها فوجده قليل الحلاوة لأنه شبعاناً فتضجر وقال أي شيء هذا الطعام الوحش فقالت جدته: يا ولدي أتعيب طبيخي وأنا طبخته ولا أحد يحسن الطبيخ مثلي إلا والدك حسن بدر الدين، فقال عجيب و**** يا سيدتي إن طبيخك هذا غير متقن نحن في هذه الساعة رأينا في المدينة طباخاً طبخ رمان ولكن رائحته ينفتح لها القلب، وأما طعامه فإنه يشتهي نفس المتخوم أن يأكل وأما طعامك بالنسبة غليه فإنه لا يساوي كثيراً ولا قليلاً، فلما سمعت جدته كلامه اغتاظت غيظاً شديداً، ونظرت إلى الخادم.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والعشرين قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن جدة عجيب لما سمعت كلامه اغتاظت ونظرت إلى الخادم وقالت ويلك هل أنت أفسدت ولدي لأنك دخلت به إلى دكاكين الطباخين فخاف الطواشي وأنكر، وقال ما دخلنا الدكان ولكن جزنا جوازاً فقال عجيب و**** لقد دخلنا وأكلنا، وهو أحسن من طعامك فقامت جدته وأخبرت أخا زوجها وأغرته على الخادم فحضر الخادم قدام الوزير، فقال له لم دخلت بولدي دكان الطباخ فخاف الخادم وقال ما دخلنا فقال عجيب بل دخلنا وأكلنا من حب الرمان حتى شبعنا، وسقانا الطباخ شراباً بثلج وسكر فازداد غضب الوزير على الخادم وسأله فأنكر، فقال له الوزير إن كان كلامك صحيحاً فاقعد وكل قدامنا فعند ذلك تقدم الخادم وأراد أن يأكل فلم يقدر ورمى اللقمة وقال يا سيدي إني شبعان من البارحة.
فعرف الوزير أنه أكل عند الطباخ فأمر الجواري ن يطرحنه فطرحنه ونزل عليه بالضرب الوجيع فاستغاث وقال يا سيدي إني شبعان من البارحة ثم منع عنه الضرب وقال لم أنطلق بالحق، فقال اعلم أننادخلنا دكان الطباخ وهو يطبخ حب الرمان فغرف لنا منه و**** ما أكلت عمري مثله ولا رأيت أقبح من هذا الذي قدامنا فغضبت أم حسن بدر الدين، وقالت لا بد أن تذهب إلى هذا الطباخ وتجيء لنا بزبدية حب الرمان من الذي عنده وتريه لسيدك حتى يقول أيهما أحسن وأطيب، فقال الخادم: نعم ففي الحال أعطته زبدية ونصف دينار فمضى الخادم حتى وصل إلى الدكان وقال للطباخ نحن تراهنا على طعامك في بيت سيدنا لأن هناك حب رمان طبخه أهل البيت فهات لنا بهذا النصف دينار وأدر بالك في طهيه وأتقنه فقد أكلنا الضرب الموجع على طبيخك.
فضحك حسن بدر الدين وقال و**** أن هذا الطعام لا يحسنه أحد إلا أنا ووالدتي وهي الآن في بلاد بعيدة ثم أنه عرف الزبدية وأخذها وختمها بالمسك وماء الورد فأخذها الخادم وأسرع بها حتى وصل إليهم فأخذتها والدة حسن وذاقتها ونظرت حسن طعمها فعرفت طباخها فصرخت ثم وقعت مغشياً عليها فبهت الوزير من ذلك، ثم رشوا عليها ماء الورود بعد ساعة أفاقت وقالت إن كان ولدي في الدنيا فما طبخ حب الرمان هذا إلا هو وهو ولدي حسن بدر الدين لا شك ولا محالة لأن هذا طعامه وما أحد يطبخه غيره إلا أنا لأني علمته طبيخه. فلما سمع الوزير كلامها فرح فرحاً شديداً، وقال واشوقاه إلى رؤية ابن أخي أترى تجمع الأيام شملنا وما نطلب الاجتماع به إلا من **** تعالى، ثم إن الوزير قام من وقته وساعته وصاح على الرجال الذين معه وقال يمضي منكم عشرون رجلاً إلى دكان الطباخ ويهدمونها ويكتفونه بعمامته ويجرونه غصباً إلى مكاني من غير إيذاء يحصل له، فقالوا له نعم ثم إن الوزير ركب من وقته وساعته إلى دار السعادة واجتمع بنائب دمشق وأطلعه على الكتب التي معه من السلطان فوضعها على رأسه بعد تقبيلها وقال من هو غريمك، قال رجل طباخ ففي الحال أمر حجابه أن يذهبوا إلى دكانه فذهبوا فرأوها مهدومة وكل شيء فيها مكسور لأنه لما توجه إلى دار السعادة فعلت جماعته ما أمرهم به وصاروا منتظرين مجيء الوزير من دار السعادة وحسن بدر الدين يقول في نفسه يا ترى أي شيء رأوا في حب الرمان حتى صار لي هذا الأمر فلما حضر الوزير من عند نائب دمشق وقد أذن غريمه وسفره به فلما دخل الخيام طلب الطباخ فأحضروه مكتفاً بعمامته.
فلما نظر حسن بدر الدين إلى عمه بكى بكاء شديداً وقال يا مولاي ما ذنبي عندكم فقال له أنت الذي طبخت حب الرمان قال نعم فهل وجدتم فيه شيئاً يوجب ضرب الرقبة فقال هذا أقل جزائك فقال له يا سيدي أما توقفني على ذنبي، فقال له الوزير: نعم في هذه الساعة ثم إن الوزير صرخ على الغلمان وقال هاتوا الجمال وأخذوا حسن بدر الدين معهم وأدخلوه في صندوق وقفلوا عليه وساروا ولم يزالوا سائرين إلى أن أقبل الليل فحطوا وأكلوا شيئاً من الطعام وأخرجوا حسن بدر الدين فأطعموه وأعادوه إلى الصندوق ولم يزالوا كذلك حتى وصلوا إلى مكان فأخرجوا حسن بدر الدين من الصندوق وقال له هل أنت طبخت حب الرمان، قال نعم يا سيدي.
فقال الوزير قيدوه فقيدوه وأعادوه إلى الصندوق وساروا إلى أن وصلوا إلى مصر وقد نزلوا في الزيدانية فأمر بإخراج حسن بدر الدين من الصندوق وأمر بإحضار نجار وقال اصنع لهذا لعبة خشب فقال حسن بدر الدين وما تصنع بها فقال أصلبك وأسمرك فيها ثم أدور بك المدينة كلها، فقال على أي شيء تفعل بي ذلك فقال الوزير على عدم إتقان طبيخك حب الرمان كيف طبخته وهو ناقص فلفلاً فقال له وهل لكونه ناقص فلفلاً تصنع معي هذا كله أما كفاك حبسي وكل يوم تطعمون بأكلة واحدة فقال له الوزير من أجل كونه ناقصاً فلفلاً ما جزاؤك إلى القتل، فتعجب حسن بدر الدين، وحزن على روحه وصار يتفكر في نفسه فقال له الوزير في أي شيء تتفكر، فقال له في العقول السخيفة التي مثل عقلك فإنه لو كان عندك عقل ما كنت فعلت معي هذه الفعال لأجل نقص الفلفل فقال له الوزير يجب علينا أن نؤدبك حتى لا تعود لمثله.
فقال حسن بدر الدين إن الذي فعلته معي أقل شيء فيه أدبي فقال لا بد من صلبك وكل هذا والنجار يصلح الخشب وهو ينظر إليه ولم يزالوا كذلك إلى أن أقبل الليل فأخذه عمه ووضعه في الصندوق وقال في غد يكون صلبك، ثم صبر عليه حتى عرف أنه نام فقام وركب وأخذ الصندوق قدامه ودخل المدينة وسار إلى أن دخل بيته ثم قال لابنته ست الحسن: الحمد *** الذي جمع شملك بابن عمك قومي وافرشي البيت مثل فرشة ليلة الجلاء فأمرت الجواري بذلك، فقمن وأوقدن الشمع وقد أخرج الوزير الورقة التي كتب فيها أمتعة البيت ثم قرأها وأمر أن يضعوا كل شيء في مكانه حتى أن الرائي إذا رأى ذلك لا يشك في أنها ليلة الجلاء بعينها، ثم أن الوزير أمر أن تحط عمامة حسن بدر الدين في مكانها الذي حطها فيه بيده وكذلك السروال والكيس الذي تحت الطراحة ثم أن الوزير أمر ابنته تتحف نفسها كما كانت ليلة الجلاء وتدخل المخدع وقال لها: إذ دخل عليك ابن عمك فقولي له قد أبطأت علي في دخولك بيت الخلاء ودعيه يبيت عندك وتحدثي معه إلى النهار وكتب هذا التاريخ. ثم أن الوزير أخرج بدر الدين من الصندوق بعد أن فك القيد من رجليه وخلع ما عليه من الثياب وصار بقميص النوم وهو رفيع من غير سروال. كل هذا وهو نائم لا يعرف بذلك ثم انتبه بدر الدين من النوم فوجد نفسه في دهليز نير، فقال في نفسه هل أنا في أضغاث أحلام أو في اليقظة، ثم قام بدر الدين فمشى قليلاً إلى باب ثان ونظر وغذا هو في البيت الذي انجلت فيه العروسة، ورأى المخدع والسرير ورأى عمامته وحوائجه، فلما نظر ذلك بهت وصار يقدم رجلاً ويؤخر أخرى وقال في نفسه هل هذا في المنام أو في اليقظة وصار يمسح جبينه ويقول وهو متعجب و**** إن هذا مكان العروسة التي انجلت فيه علي، فإني كنت في صندوق، فبينما هو يخاطب نفسه وإذا بست الحسن رفعت طرف الناموسية وقالت له يا سيدي أما تدخل فإنك أبطأت علي في بيت الخلاء فلما سمع كلامها ونظر إلى وجهها وضحك وقال إن هذه أضغاث أحلام، ثم دخل وتنهد وتفكر فيما جرى له وتحير في أمره
وأشكلت عليه قضيته ولما رأى عمامته وسرواله والكيس الذي فيه الألف دينار، قال: **** أعلم أني في أضغاث أحلام، وصار من فرط التعجب متحيراً،
وهناك أدرك شهرزاد الصباح.
وفي الليلة الخامسة والعشرين قالت: بلغني أن بدر الدين تعجب وتحير، فعند ذلك قالت له ست الحسن: مالي أراك متعجباً متحيراً ما كنت في أول الليل؟ فضحك وقال عام لي غائب عنك? فقالت له سلامتك سم **** حواليك أنت إنما خرجت إلى الكنيف لتقضي حاجة وترجع فأي شيء جرى في عقلك، فلما سمع بدر الدين ذلك ضحك وقال لها صدقت ولكنني لما خرجت من عندك غلبني النوم في بيت الراحة، فحلمت أني كنت طباخاً في دمشق وأقمت بها عشرة سنين وكأنه جاءني صغير من أولاد الأكابر ومعه خادم وحصل من أمره كذا وكذا ثم أن حسن بدر الدين مسح بيده على جبينه فرأى أثر الضرب عليه. فقال و**** يا سيدتي كأنه حق لأنه ضربني على جبيني فشبحه فكأنه في اليقظة ثم قال لعل هذا المناح حصل حين تعانقت أنا وأنت ونمنا، فرأيت في المنام كأني سافرت إلى دمشق بلا طربوش ولا عمامة ولا سروال وعملت طباخاً، ثم سكت ساعة وقال و**** كأني رأيت أني طبخت حب رمان وفلفله قليل، و**** ما كأني إلا نمت في بيت الراحة فرأيت هذا كله في المنام فقالت له ست الحسن ب**** وعليك أي شيء رأيته زيادة على ذلك. فحكى لها جميع ما رآه، ثم قال و**** لولا أني انتبهت لكانوا صلبوني على لعبة خشب.
فقالت له على أي شيء فقال على قلة الفلفل في حب الرمان ورأيت كأنهم خرجوا دكاني وكسروا مواعيني وحطوني في صندوق وجاؤوا بالنجار ليصنع لي لعبة من خشب لأنهم أرادوا صلبي عليها فالحمد *** الذي جعل ذلك كله في المنام ولم يجعله في اليقظة فضحكت ست الحسن وضمته إلى صدرها وضمها إلى صدره ثم تذكر وقال: و**** ما كأنه إلا في اليقظة فأنا ما عرفت أي شيء الخبر ولا حقيقة الحال، ثم إنه نام وهو متحير في أمره فتارة يقول رأيته في المنام وتارة يقول رأيته في اليقظة، ولم يزل كذلك إلى الصباح، ثم دخل عليه عمه الوزير شمس الدين فسلم عليه فنظر له حسن بدر الدين، وقال ب**** عليك أما أنت الذي أمرت بتكتيفي وتسمير دكاني، من شأن حب الرمان لكونه قليل الفلفل.
فعند ذلك قال الوزير اعلم يا ولدي أنه ظهر الحق وبان ما كان مختفياً، أنت ابن أخي وما فعلت ذلك حتى تحققت أنك الذي دخلت على ابنتي تلك الليلة، وما تحققت ذلك حتى رأيتك عرفت البيت وعرفت عمامتك وسروالك وذهبك والورقتين التي كتبتهما بخطك والتي كتبها والدك أخي فإني ما رأيتك قبل ذلك وما كنت أعرفك، وأما أمك فإني جئت بها معي من البصرة ثم رمى نفسه عليه وبكى فلما سمع حسن بدر الدين كلام عمه تعجب غاية العجب وعانق عمه وبكى من شدة الفرح، ثم قال له الوزير يا ولدي إن سبب ذلك كله ما جرى بيني وبين والدك وحكى له جميع ما جرى بينه وبين أخيه، وأخبره بسبب سفر والده إلى البصرة، ثم إن الوزير أرسل إلى عجيب فلما رآه والده قال لهذا الذي ضربني بالحجر فقال الوزير هذا ولدك فعند ذلك رمى نفسه عليه وأنشد هذه الأبيات:
فلما فرغ من شعره التفتت إليه والدته وألقت روحها عليه، وأنشدت هذين البيتين:
ثم إن والدته حكت له جميع ما وقع لها بعده، وحكى لها جميع ما قاساه فشكروا **** على جمع شملهم ببعضهم ثم أن الوزير طلع إلى السلطان وأخبره بما جرى له فتعجب وأمر أن يؤرخ ذلك في السجلات ليكون حكاية على ممر الأوقات ثم أن الوزير شمس الدين وأخيه نور الدين فقال الخليفة هارون الرشيد و**** إن هذا الشيء عجاب ووهب للشاب سرية من عنده ورتب له ما يعيش به وصار ممن ينادمه، ثم إن لبنت قالت وما هذا بأعجب من حكاية الخياط والأحدب واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع لهم قال الملك وما حكايتهم.
ثم أن الكبير قال لأخيه إن قدر **** وخطبنا بنتين ودخلنا في ليلة واحدة ووضعنا في يوم واحد وأراد **** وجاءت زوجتك بغلام وجاءت زوجتي ببنت نزوجهما لبعضهما لأنهما أولاد عم فقال نور الدين يا أخي ما تأخذ من ولدي في مهر بنتك قال آخذ من ولدك في مهر بنتي ثلاثة آلاف دينار وثلاثة بساتين وثلاث ضياع فإن عقد الشاب عقده بغير هذا لا يصح. فلما سمع نور الدين هذا الكلام قال ما هذا المهر الذي اشترطه على ولدي أما تعلم أننا إخوان ونحن الإثنان وزيران في مقام واحد وكان الواجب عليك أن تقدم ابنتك لولدي هدية من غير مهر، فأنك تعلم أن الذكر أفضل من الأنثى وولدي ذكر ويذكر به وخلاف ابنتك فقال ومالها قال لا ذكر بها بين الأمراء ولكن أنت تريد أن تفعل معي على رأي الذي قال أن أردت أن تطرده فأجمل الثمن غاليا، وقيل أن بعض الناس قدم على بعض أصحابه فقصده في حاجة فغلى عليه الثمن. فقال له شمس الدين أراك قد قصرت لأنك تعمل ابنك أفضل من بنتي ولا شك أنك ناقص عقل وليس لك أخلاق حيث تذكر شركة الوزارة وأنا ما أدخلتك معي في الوزارة إلا شفقة عليك ولأجل أن تساعدني وتكون لي معينا ولكن قل ما شئت وحيث صدر منك هذا القول و**** لا أزوج بنتي لولدك ولو وزنت ثقلها ذهبا، فلما سمع نور الدين كلام أخيه اغتاظ وقال وأنا لا أزوج ابني ابنتك فقال شمس الدين أنا لا أرضاه لها بعلا ولو أنني أريد السفر لكنت عملت معك العبر ولكن لما أرجع من السفر يعمل **** ما يريد. فلما سمع نور الدين من أخيه ذلك الكلام امتلأ غيظا وغاب عن الدنيا وكتم ما به وبات كل واحد في ناحية. فلما أصبح الصباح برر السلطان للسفر وعدي إلى الجزيرة وقصد الأهرام وصحبه الوزير شمس الدين، وأما أخوه نور الدين فبات في تلك الليلة في أشد ما يكون من الغيظ فلما أصبح الصباح قام وصلى الصبح وعمد إلى خزانته وأخذ منها خرجا صغيرا وملأه ذهبا وتذكر قول أخيه واحتقاره إياه وافتخاره فأنشد هذه الأبيات:
سافر تجد عوضا عمن تـفـارقـه | وانصب فإن لذيذ العيش في النصب | |
ما في المقام لـذي لـب وذي أدب | معزة فاترك الأوطان واغـتـرب | |
إني رأيت وقوف المـاء يفـسـده | فإن جرى طاب أو لم يجر لم يطب | |
والبدر أفول منـه مـا نـظـرت | إليه في كل حين عين مـرتـقـب | |
والأسد لولا فراق الغاب ما قنصت | والسهم لولا فراق القوس لم يصب | |
والتبر كالتراب ملقى في أماكـنـه | والعود في أرضه نوع من الحطب |
فلما فرغ من شعره أمر بعض غلمانه أن يشد له بغلة زرزورية غالية سريعة المشي فشدها ووضع عليها سرجا مذهبا بركابات هندية وعباآت من القطيفة الأصفهانية فسارت كأنها عروس مجلية وأمر أن يجعل عليها بساط حرير وسجادة وأن يوضع الخرج من تحت السجادة ثم قال للغلام والعبيد: قصدي أن أتفرج خارج المدينة وأروح نواحي القلبونية وأبيت ثلاث ليال فلا يتبعني منكم أحد فإن عندي ضيق صدر. ثم أسرع وركب البغلة وأخذ معه شيئا قليلا من الزاد وخرج من مصر واستقبل البر فما جاء عليه الظهر حتى دخل مدينة فليبس فنزل عن بغلته واستراح وأراح البغلة وأكل شيئا وأخذ من فليبس ما يحتاج إليه وما يعلق به على بغلته ثم استقبل البر فما جاء عليه الظهر بعد يومين حتى دخل مدينة القدس فنزل عن بغلته واستراح وأراح بغلته وأخرج شيئا أكله ثم وضع الخرج تحت رأسه وفرش البساط ونام في مكان والغيظ غالب عليه، ثم أنه بات في ذلك المكان. فلما أصبح الصباح ركب وصار يسوق البغلة إلى أن وصل إلى مدينة حلب فنزل في بعض الخانات وأقام ثلاثة أيام حتى استراح وأراح البغلة وشم الهواء ثم عزم على السفر وركب بغلته وخرج مسافرا ولا يدري أين يذهب ولم يزل سائرا إلى أن وصل إلى مدينة البصرة ليلا ولم يشعر بذلك حتى نزل في الخان وأنزل الخرج عن البغلة وفرش السجادة وأودع البغلة بعدتها عند البواب وأمره أن يسيرها فأخذها وسيرها.
فاتفق أن وزير البصرة كان جالس في شباك قصره فنظر إلى البغلة ونظر ما عليها من العدة المثمنة فظنها بغلة وزير من الوزراء أو ملك من الملوك، فتأمل في ذلك وحار عقله وقال لبعض غلمانه ائتني بهذا البواب. فذهب الغلام إلى الوزير فتقدم البواب وقبل الأرض بين يديه وكان الوزير شيخا كبيرا، فقال للبواب من صاحب هذه البغلة وما صفاته، فقال البواب يا سيدي إن صاحب هذه البغلة شاب صغير ظريف الشمائل من أولاد التجار عليه هيبة ووقار. فلما سمع الوزير كلام البواب قام على قدميه وركب وسار إلى الخان، ودخل على الشاب فلما رأى نور الدين الوزير قادما عليه قام ولاقاه واحتضنه ونزل الوزير من فوق جواده وسلم عليه فرحب به وأجلسه عنده، وقال له يا ولدي من أين أقبلت وماذا تريد. فقال نور الدين يا مولاي إني قدمت من مدينة مصر، وكان أبي وزيرا فيها وقد انتقل إلى رحمة **** وأخبره بما جرى من المبتدأ إلى المنتهى ثم قال وعزمت على نفسي ألا أعود أبدا حتى أنظر جميع المدن والبلدان، فلما سمع الوزير كلامه قال له يا ولدي لا تطاوع النفس فترميك في الهلاك، فإن البلدان خراب وأنا أخاف عليك من عواقب الزمان.
ثم إنه أمر بوضع الخرج عن البغلة والبساط والسجادة، وأخذ نور الدين معه إلى بيته وأنزله في مكان ظريف وأكرمه وأحسن إليه وأحبه حبا شديدا وقال له يا ولدي أنا بقيت رجلا كبيرا ولم يكن لي ولد ذكر وقد رزقني **** بنتا تقاربك في الحسن ومنعت عنها خطابا كثيرة وقد وقع حبك في قلبي، فهل لك أن تأخذ ابنتي جارية لخدمتك وتكون لها بعلا. فإن كنت تقبل ذلك أطلع إلى سلطان البصرة وأقول له أنه ولد أخي وأوصلك إليه، حتى أجعلك وزيرا مكاني وألزم أنا بيتي فإني صرت رجلا كبيرا. فلما سمع نور الدين كلام وزير البصرة أطرق برأسه ثم قال سمعا وطاعة، ففرح الوزير بذلك وأمر غلمانه أن يصنعوا له طعاما وأن يزينوا قاعة الجلوس الكبرة المعدة لحضور أكابر الأمراء، ثم جمع أصحابه ودعا أكابر الدولة وتجار البصرة فحضروا بين يديه وقال لهم أنه كان لي أخ وزير بالديار المصرية ورزقه **** ولدين وأنا كما تعلمون رزقني **** بنتا، وكان أخي أوصاني أن أزوج بنتي لأحد أولاده فأجبته إلى ذلك فلما استحقت الزواج أرسل إلي أحد أولاده وهو هذا الشاب الحاضر، فلما جاءني أحببت أن أكتب كتابه على بنتي ويدخل بها عندي. فقالوا: نعم ما قلت، ثم شربوا السكر ورشوا ماء الورود وانصرفوا وأما الوزير فإنه أمر غلمانه أن يأخذوا نور الدين ويدخلوا به الحمام وأعماه الوزير بدلة من خاص ملبوسه وأرسل إليه الفوط والطاسات ومجامر البخور وما يحتاج إليه فلما خرج من الحمام لبس البدلة فصار كالبدر ليلة تمامه، ثم ركب بغلته ودخل على الوزير فقبل يده، ورحب الوزير وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الحادية والعشرون قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير قام له ورحب به وقال له: قم وأدخل هذه الليلة على زوجتك وفي غد أطلع بك إلى السلطان، وأرجوا لك من **** كل خير فقام نور الدين ودخل على زوجته بنت الوزير هذا ما كان من أمر نور الدين وأما ما كان من أمر أخيه فإنه غاب مع السلطان مدة في السفر، ثم رجع فلم يجد أخاه فسأل عنه الخدم، فقالوا له من يوم سافرت مع السلطان ركب بغلته بعدة الموكب، وقال أنا متوجه إلى جهة القليوبية فأغيب يوما أو يومين فإن صدري ضاق ولا يتبعني، منكم أحد.
ومن يوم خروجه إلى هذا اليوم لم نسمع له خبرا فتشوش خاطر شمس الدين على فراق أخيه واغتم غما شديدا لفقده وقال في نفسه ما سبب ذلك إلا أني أغلظت عليه في الحديث ليلة سفري مع السلطان فلعله تغير خاطره وخرج مسافرا فلا بد أن أرسل خلفه ثم طلع وأعلم السلطان بذلك فكتب بطاقات وأرسل بها إلى نوابه في جميع البلاد ونور الدين قطع بلادا بعيدة في مدة غياب أخيه مع السلطان فذهبت الرسل بالمكاتيب ثم عادوا ولم يقفوا له على خبر ويئس شمس الدين من أخيه، وقال لقد أغظت بكلامي من جهة زواج الأولاد فليت ذلك لم يكن وما حصل ذلك إلا من قلة عقلي وعدم تدبيري. ثم بعد مدة يسيرة خطب بنت رجل من تجار مصر وكتب كتابه عليها ودخل بها وقد اتفق أن ليلة دخول شمس الدين، على زوجته كانت ليلة دخول نور الدين على زوجته بنت وزير البصرة وذلك بإرادة **** تعالى حتى ينفذ حكمه في خلقه وكان الأمر كما قالاه فاتفق أن الزوجتين حملتا منهما وقد وضعت زوجة شمس الدين وزير مصر بنتا لا يرى في مصر أحسن منها، ووضعت زوجة نور الدين، ولدا ذكرا لا يرى في زمانه أحسن منه كما قال الشاعر:
ومهفهف يغني النديم بـريقـه | عن كأسه الملآى وعن أبريقه | |
فعل المدام ولونها ومذاقـهـا | من مقلتيه ووجنتـيه وريقـه |
فسموه حسنا وفي سابع ولادته صنعوا الولائم وعملوا أسمطة لا تصلح إلا لأولاد الملوك ثم أن وزير البصرة أخذ معه نور الدين وطلع به إلى السلطان فلما صار قدامه قبل الأرض بين يديه وكان نور الدين فصيح اللسان ثابت الجنان صاحب حسن وإحسان فأنشد قول الشاعر:
هذا الذي عم الأنام بعدلـه | وسطا فمهد سائر الآفـاق | |
أشكر صنائعه فلسن صنائعا | لكنهن قـلائد الأعـنـاق | |
وأنتم أنامله فلسن أنـامـلا | لكنهن مفـاتـح الأزرق |
فألزمها السلطان وشكر نور الدين على ما قال وقال لوزيره من هذا الشاب فحكى له الوزير قصته من أولها إلى آخرها وقال له هذا إبن أخي فقال وكيف يكون إبن أخيك ولم نسمع به، فقال يا مولانا السلطان إنه كان لي أخ وزير بالديار المصرية وقد مات وخلف ولدين، فالكبير جلس في مرتبة والده وزيرا وهذا الصغير جاء عندي وحلف أني لا أزوج إبنتي إلا له، فلما جاء زوجته بها وهو شاب وأنا صرت شيخا كبيرا وقل سمعي وعجز تدبيري والقصد من مولانا السلطان أن يجعله في مرتبتي، فإنه إبن أخي وزوج إبنتي وهو أهل للوزارة لأنه صاحب رأي وتدبير. فنظر السلطان إليه فأعجبه، واستحسن رأي الوزير بما أشار عليه من تقديمه في رتبة الوزراء فأنعم عليه بها، وأمر له بخلعة عظيمة، وزاد له الجوامك والجرايات إلى أن إتسع عليه الحال وسار له مراكب تسافر من تحت يده بالمتاجر وغيرها وعمر أملاكا كثيرة ودواليب وبساتين إلى أن بلغ عمر ولده حسن أربع سنين، فتوفي الوزير الكبير والد زوجة نور الدين، فأخرجه خرجة عظيمة وأوراه في التراب ثم اشتغل بعد ذلك بتربية ولده فلما بلغ أشده أحضر له فقيها يقرئه في بيته وأوصاه بتعليمه وحسن تربيته فأقرأه وعلمه فوائد في العلم بعد أن حفظ القرآن في مدة سنوات وما زال حسن يزداد جمالا وحسنا واعتدالا كما قال الشاعر:
قمر تكامل في المحاسن وانتهى | فالشمس تشرق من شقائق خده | |
ملك الجمال بأسره فكـأنـمـا | حسن البرية كلها من عـنـده |
وقد رباه الفقيه في قصر أبيه ومن حين نشأته لم يخرج من قصر الوزارة إلى أن أخذه والده الوزير نور الدين يوما من الأيام وألبسه بدلة من أفخر ملبوسه وأركبه بغلة من خيار بغاله وطلع به إلى السلطان ودخل به عليه فنظر الملك حسن بدر الدين بن الوزير نور الدين فانبهر من حسنه، وقال لأبيه يا وزير لابد أنك تحضره معك في كل يوم فقال سمعا وطاعة ثم عاد الوزير بولده إلى منزله وما زال يطلع به إلى حضرة السلطان في كل يوم إلى أن بلغ الولد من العمر خمسة عشر عاما ثم ضعف والده الوزير نور الدين، فاحضره وقال له يا ولدي أعلم أن الدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء وأريد أن أوصيك وصايا فافهم ما أقول لك وأصغ قلبك إليه وصار يوصيه بحسن عشرة الناس وحسن التدبير. ثم إن نور الدين تذكر أخاه وأوطانه وبلاده وبكى على فرقة الأحباب، وسجت دموعه وقال يا ولدي اسمع قولي فإن لي أخا يسمى شمس الدين، وهو عمك ولكنه وزير بمصر قد فارقته وخرجت على غير رضاه، والقصد أنك تأخذ دوجا من الورق وتكتب ما أمليه عليك.
فأحضر قرطاسا وصار يكتب فيه كل ما قاله أبوه فأملى عليه جميع ما جرى له من أوله إلى آخره وكتب له تاريخ زواجه ودخوله على بنت الوزير وتاريخ وصوله إلى البصرة واجتماعه بوزيرها. وكتب وصية موثقة ثم قال لولده: احفظ هذه الوصية فإن ورقتها فيها، أصلك وحسبك ونسبك فإن أصابك شيء من الأمور فاقصد مصر، واستدل على عمك وسلم عليه وأعلمه أني مت غريبا مشتاقا إليه فأخذ حسن بدر الدين، الرقعة وطواها ولف عليها خرقة مشمعة وخاطها بين البطانة والظهارة وصار يبكي على أبيه من أجل فراقه وهو صغير وما زال نور الدين يوصي ولده حسن بدر الدين حتى طلعت روحه فأقام الحزن في بيته وحزن عليه السلطان وجميع الأمراء ودفنوه ولم يزالوا في حزن مدة شهرين، وولده لم يركب ولم يطلع الديوان ولم يقابل السلطان وأقام مكانه بعض الحجاب، وولى السلطان وزيرا مكانه وأمره أن يختم على أماكن نور الدين وعلى عماراته وعلى أملاكه.
فنزل الوزير الجديد وأخذ الحجاب وتوجهوا إلى بيت الوزير نور الدين يختمون عليه ويقبضون على ولده حسن الدين ويطلعون به إلى السلطان ليعمل فيه ما يقتضي رأيه وكان بين العسكر مملوك من مماليك الوزير نور الدين، المتوفي فلم يهن عليه ولد سيده فذهب ذلك المملوك إلى حسن بدر الدين فوجده منكس الرأس حزين القلب على فراق والده فأعلمه بما جرى، فقال له هل في الأمر مهلة حتى أدخل فآخذ معي شيئا من الدنيا لأستعين به على الغربة فقال له المملوك أنج بنفسك فلما سمع كلام المملوك غطى رأسه بذيله وخرج ماشيا إلى أن صار خارج المدينة فسمع الناس يقولون أن السلطان أرسل الوزير الجديد إلى بيت الوزير المتوفي ليختم على ماله وأماكنه ويقبض على ولده حسن بدر الدين ويطلع به إليه فيقتله وصارت الناس تتأسف على حسنه وجماله فلما سمع كلام الناس خرج إلى غير مقصد ولم يعلم أين يذهب.
فلم يزل سائرا إلى أن ساقته المقادير إلى تربة والده فدخل المقبرة ومشى بين القبور إلى أن جلس عند قبر أبيه وأزل ذيله من فوق رأسه، فبينما هو جالس عند تربة أبيه إذ قدم عليه يهودي من البصرة وقال يا سيدي مالي أراك متغيرا فقال له إني كنت نائما في هذه الساعة، فرأيت أبي يعاتبني على عدم زيارتي قبره فقمت وأنا مرعوب وخفت أن يفوت النهار ولم أزره، فيصعب علي الأمر، فقال له اليهودي يا سيدي إن أباك كان أرسل مراكب تجارة وقدم منها البعض ومرادي أن أشتري منك وثق كل مركب قدمت بألف دينار ثم أخرج اليهودي كيسا ممتلئا من الذهب، وعد منه ألف دينار ودفعه إلى حسن ابن الوزير ثم قال اليهودي اكتب لي ورقة واختمها فأخذ حسن ابن الوزير ورقة وكتب فيها كاتب هذه الورقة حسن بدر الدين ابن الوزير نور الدين قد باع اليهودي فلان جميع وثق كل مركب، وردت من مراكب أبيه المسافرين بألف دينار وقبض الثمن على سبيل التعجيل. فأخذ اليهودي الورقة وصار حسن يبكي ويتذكر ما كان فيه من العز والإقبال ثم دخل عليه الليل وأدركه النوم فنام عند قبر أبيه ولم يزل نائما حتى طلع القمر فتدحرجت رأسه عن القبر ونام على ظهره وصار يلمع وجهه في القمر.
وكانت المقابر عامرة بالجن المؤمنين، فخرجت جنية فنظرت وجه حسن وهو نائم فلما رأته تعجبت من حسنه وجماله وقالت سبحان **** ما هذا الشاب إلا كأنه من الحور العين، ثم طارت إلى الجو تطوف على عادتها فرأت عفريتا طائرا فسلمت عليه وسلم عليها فقالت له من أين أقبلت قال: من مصر فقالت له هل لك أن تروح معي، حتى تنظر إلى حسن هذا الشاب النائم في المقبرة فقال لها نعم فسارا حتى نزلا في المقبرة فقالت له هل رأيت في عمرك مثل هذا؟ فنظر العفريت إليه وقال سبحان من لا شبيه له ولكن يا أختي إن أردت حدثتك بما رأيت فقالت له حدثني، فقال لها إني رأيت مثل هذا الشاب في إقليم مصر وهي بنت الوزير وقد علم بها الملك فخطبها من أبيها شمس الدين.
فقال له يا مولانا السلطان أقبل عذري وارحم عبرتي فإنك تعرف أن أخي نور الدين خرج من عندنا ولا نعلم أين هو، وكان شريكي في الوزارة وسبب خروجه أني جلست أتحدث معه في شأن الزواج فغضب مني وخرج مغضبا وحكى للملك جميع ما جرى بينهما، ثم قال للملك فكان ذلك سببا لغيظه وأنا حالف أن لا أزوج بنتي إلا لابن أخي من يوم ولدتها أمها وذلك نحو ثمان عشرة سنة ومن مدة قريبة سمعت أن أخي تزوج بنت وزير البصرة وجاء منها بولد وأنا لا أزوج بنتي إلا له كرامة، لأخي ثم إني أرخت وقت زواجي وحمل زوجتي وولدة هذه البنت وهي باسم ابن عمها والبنات كثير. فلما سمع السلطان كلام الوزير غضب غضبا شديدا، وقال له كيف يخطب مثلي من مثلك بنتا فتمنعها منه وتحتج بحجة باردة وحياة رأسي لا أزوجها إلا لأقل مني برغم أنفك وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثانية والعشرون قالت بلغني أيها الملك السعيد أن الجني لما حكي للجنية حكاية بنت وزير مصر وأن الملك قد أقسم أن يزوجها رغم أنف أبيها، بأقل منه وكان عند الملك سائس أحدب بحدبة من قدام وحدبة من وراء فأمر السلطان بإحضاره وكتب كتابه على بنت الوزير بالنهار وأمر أن يدخل عليها في هذه الليلة، ويعمل له زفافا وقد تركه وهو بين مماليك السلطان، وهم حوله في أيديهم الشموع موقدة يضحكون ويسخرون منه على باب الحمام، وأما بنت الوزير فإنها جالسة تبكي بين المنفشات والمواشط وهي أشبه الناس بهذا الشاب، وقد حجروا على أبيها ومنعوه أن يحضرها وما رأيت يا أختي أقبح من هذا الأحدب فهي أحسن من هذا الشاب. قالت له الجنية تكذب فإن هذا الشاب أحسن أهل زمانه، فرد عليها العفريت وقال و**** يا أختي إن الصبية أحسن من هذا، ولكن لا يصلح لها إلا هو فإنهما مثل بعضهما ولعلهما إخوان أو أولاد عم فيا خسارتها مع هذا الأحدب، فقالت له يا أخي دعنا ندخل تحته ونروح به إلى الصبية التي تقول عليها وننظر أيهما أحسن، فقال العفريت سمعا وطاعة هذا كلام صواب وليس هناك أحسن من هذا الرأي الذي إخترتيه فأنا أحمله ثم إنه حمله وطار به إلى الجو وصارت العفريتة في كل ركابه تحاذيه، إلى أن نزل به في مدينة مصر وحطه على مصطبة ونبهه. فاستيقظ من النوم فلم يجد نفسه على قبر أبيه في أرض البصرة، والتفت يمينا وشمالا فلم يجد نفسه إلا في مدينة غير مدينة البصرة فأراد أن يصيح فغمزه العفريت وأوقد له شمعة وقال له أعلم أني جئت بك، وأنا أريد أن أعمل معك شيئا *** فخذ هذه الشمعة وامش بها إلى ذلك الحمام واختلط بالناس ولا تزال ماشيا معهم حتى تصل إلى قاعة العروسة، فاسبق وادخل القاعة ولا تخشى أحدا وإذا دخلت فقف على يمين العريس الأحدب وكل ما جاءك المواشط والمغنيات والمنفشات فحط يدك في جيبك تجده ممتلئا ذهبا فاكبش وارم لهم ولا تتوهم أنك تدخل يدك ولم تجده ممتلئا بالذهب، فأعط كل من جاءك بالحفنة ولا تخشى من شيء وتوكل على الذي خلقك، فما هذا بحولك وقوتك بل بحول **** وقوته.
فلما سمع حسن بدر الدين من العفريت هذا الكلام، قال يا هل ترى أي شيء هذه القضية وما وجه الإحسان، ثم مشى وأوقد الشمعة، وتوجه إلى الحمام فوجد الأحدب راكب الفرس فدخل حسن بدر الدين بين الناس وهو على تلك الحالة مع الصورة الحسنة، وكان عليه الطربوش والعمامة والفرجية المنسوجة بالذهب وما زال ماشيا في الزينة، وكلما وقفت المغنيات الناس ينقطوهن، يضع يده في جيبه فيلقاها ممتلئا بالذهب فيكبش ويرمي في الطار للمغنيات والمواشط فيملأ الطار دنانير فاندهشت عقول المغنيات وتعجب الناس من حسنه وجماله ولم يزل على هذا الحال حتى وصلوا إلى بيت الوزير، فردت الحجاب الناس ومنعوهم.
فقالت المغنيات والمواشط و**** لا ندخل إلا إن دخل هذا الشاب معنا لأنه غمرنا بإحسانه ولا نجلي العروسة إلا وهو حاضر، فعند ذلك دخلوا به إلى قاعة الفرح وأجلسوه برغم أنف العريس الأحدب واصطفت جميع نساء الأمراء والوزراء والحجاب صفين وكل مرأة معها شمعة كبيرة موقدة مضيئة وكلهن ملثمات وصرن صفوفا يمينا وشمالا، من تحت المنصة إلى صدر الليوان الذي عند المجلس الذي تخرج منه العروسة، فلما نظر النساء حسن بدر الدين وما هو فيه من الحسن والجمال، ووجهه يضيء كأنه هلال، مالت جميع النساء إليه. فقالت المغنيات للنساء الحاضرات، اعلموا أن هذا المليح ما نقطنا إلا بذهب الأحمر فلا تقصرن في خدمته وأطعنه فيما يقول فازدحمن النساء عليه بالشمع ونظرن إلى جماله فانبهرت عقولهن من حسنه، وصارت كل واحدة منهن تود أن تكون في حضنه سنة أو شهرا، أو ساعة، ورفعن ما كان على وجوههن من النقاب وتحيرت منهن الألباب وقلن هنيئا لمن كان هذا الشاب له أو عليه ثم دعون لحسن بدر الدين دعون على ذلك الأحدب.
ثم إن المغنيات ضربنا بالدفوف وأقبلت المواشط وبنت الوزير بينهن، وقد طيبنها وعطرنها وألبسنها وحسن شعرها ونحرها بالحلى والحلل من لباس الملوك الأكاسرة ومن جملة ما عليها ثوب منقوش بالذهب الأحمر وفيه صور الوحوش والطيور وهو مسبول عليها من فوق حوائجها، وفي عنقها عقد يساوي الألوف قد حوى كل فص من الجواهر ما حاز مثله تبع ولا قيصر وصارت العروسة كأنها البدر إذا أقمر في ليلة أربعة عشر، ولما أقبلت كانت كأنها حورية فسبحان من خلقها بهية وأحدق بها النساء فصرن كالنجوم وهي بينهن كالقمر إذا انجلى عنه الغيم وكان حسن بدر الدين البصري جالسا والناس ينظرون إليه. فحضرت العروسة وأقبلت وتمايلت فقام إليها السائس الأحدب، ليقبلها فأعرضت عنه وانقلبت حتى صارت قدام حسن ابن عمها فضحك الناس لما رأوها مالت إلى نحو بدر الدين وحط يده في جيبه وكبش الذهب، ورمى في طار المغنيات ففرحوا وقالوا كنا نشتهي أن تكون هذه العروسة لك فتبسم. هذا كله والسائس الأحدب وحده كأنه قرد، وكلما أوقدوا له الشمعة طفئت فبهت وصار قاعدا في الظلام يمقت في نفسه وهؤلاء الناس محدقون به وتلك الشموع الموقدة بهجتها، من أعجب العجائب، يتحير من شعاعها أولوا الألباب وأما العروسة فإنها رفعت كفيها إلى السماء وقالت اللهم اجعل هذا بعلي وأربحني من هذا السائس الأحدب، وصارت المواشط تجلي العروسة إلى آخر السبع وخلع على حسن بدر الدين البصري والسائس الأحدب وحده. فلما افرغوا من ذلك أذنوا بالانصراف فخرج جميع من كان في الفرح من النساء والأولاد ولم يبقى إلا حسن بدر الدين والسائس الأحدب، ثم إن المواشط أدخلن العروسة ليكشفن ما عليها من الحلي ويهيئنها للعريس فعند ذلك تقدم السائس الأحدب إلى حسن بدر الدين، وقال له يا سيدي آنستنا في هذه الليلة وغمرتنا بإحسانك فلم لا تقوم تروح بيتك بلا مطرود، فقال بسم **** ثم قام وخرج من الباب فلقيه العفريت.
فقال له قف يا بدر الدين فإذا خرج الأحدب إلى بيت للراحة، فادخل أنت واجلس في المخدع فإذا أقبلت العروسة فقل لها أنا زوجك والملك ما عمل تلك الحيلة إلا لأنه يخاف عليك من العين، وهذا الذي رأيته سائس من سياسنا، ثم أقبل عليها واكشف وجهها ولا تخشى بأسا من أحد، فبينما بدر الدين يتحدث مع العفريت وإذا بالسائس دخل بيت الراحة وقعد على الكرسي فطلع *** العفريت من الحوض الذي فيه الماء في صورة فأر، وقال زيق فقال الأحدب ما جاء بك هنا فكبر الفأر، وصار كالقط ثم كبر حتى صار كلبا وقال عوه عوه. فلما نظر السائس ذلك فزع وقال اخسأ يا مشؤوم فكبر الكلب، وانتفخ حتى صار جحشا ونهق هاق هاق فانزعج السائس وقال إلحقوني يا أهل البيت، وإذا بالجحش قد كبر وصار قدر الجاموسة وسد عليه المكان وتكلم بكلام إبن آدم وقال: ويلك يا أحدب يا أنتن السياس فلحق السائس البطن وقعد على الملاقي بأثوابه واشتبكت أسنانه ببعضها فقال له العفريت: هل ضاقت عليك الأرض فلا تتزوج إلا بمعشوقتي فسكت السائس،
فقال له: رد الجواب وإلا اسكنتك التراب فقال له: و**** مالي ذنب إلا إنهم غصبوني وما عرفت أن لها عشاقا من الجواميس ولكن أنا تائب إلى **** ثم إليك. فقال له العفريت: اقسم ب**** إن خرجت في هذا الوقت، من هذا الموضع أو تكلمت قبل أن تطلع الشمس لأقتلنك، فإذا طلعت الشمس فاخرج إلى حال سبيلك ولا تعد إلى هذا البيت أبدا، ثم إن العفريت قبض على السائس الأحدب وقلب رأسه في الملاقي وجعلها إلى أسفل وجعل رجليه إلى فوق، وقال له إستمر هنا وأنا أحرسك إلى طلوع الشمس، هذا ما كان من قصة الأحدب وأما ما كان من قصة بدر الدين البصري فإنه خلى الأحدب والعفريت يتخاصمان ودخل البيت وجلس داخل المخدع، وإذا بالعروس أقبلت معها العجوز. فوقفت العجوز في باب المخدع وقالت يا أبا شهاب قم وخذ عروستك، وقد استودعتك **** ثم ولت العجوز ودخلت العروسة وصدر المخدع، وكان إسمها ست الحسن وقلبها مكسور وقالت في قلبها و**** لا أمكنه من نفسي لو طلعت روحي، فلما دخلت إلى صدر المخدع نظرت بدر الدين، فقالت: يا حبيبي وإلى هذا الوقت أنت قاعد لقد قلت في نفسي لعلك أنت والسائس الأحدب مشتركان في، فقال حسن بدر الدين: وأي شيء أوصل السائس إليك ومن أين له أن يكون شريكي فيك، فقالت: ومن زوجي أأنت أم هو? قال حسن بدر الدين: يا سيدتي نحن ما عملنا هذا إلا سخرية به لنضحك عليه.
فلما نظرت المواشط والمغنيات وأهلك حسنك البديع خافوا علينا من العين فأكتراه أبوك بعشرة دنانير حتى يصرف عنا العين وقد راح، فلما سمعت ست الحسن من بدر الدين ذلك الكلام فرحت وتبسمت وضحكت ضحكا لطيفا وقالت و**** أطفأت ناري فبالله خذني عندك وضمني إلى حضنك وكانت بلا لباس فكشف ثوبها إلى نحرها فبان ما قدامها وورائها. فلما نظر بدر الدين صفاء جسمها تحركت فيه الشهوة فقام وحل لباسه ثم حل كيس الذهب الذي كان أخذه من اليهودي ووضع فيه ألف دينار ولفه في سرواله وحطه تحت ذيلة الطراحة وقلع عمامته ووضعها على الكرسي وبقي بالقميص الرفيع وكان القميص مطرز بالذهب، فعند ذلك قامت إليه ست الحسن وجذبته إليها وجذبها بدر الدين وعانقها وأخذ رجليها في وسطه ثم ركب المدفع وحرره على القلعة وأطلقه فهدم البرج فوجدها درة ما ثقبت ومطية لغيره ما ركبت، فأزال بكارتها، وتملى بشبابها ولم يزل يركب المدفع ويرد إلى غاية خمس عشرة مرة، فعلقت منه، فلما فرغ حسن بدر الدين وضع يده تحت رأسها وكذلك الأخرى وضعت يدها تحت رأسه ثم أنهما تعانقا وشرحا بعناقهما مضمون هذه الأبيات:
زر من تحب كلام الـحـاسـد | ليس الحسود على الهوى بمساعد | |
لم يخلق الرحمن أحسن منظـرا | من عاشقين في فـراش واحـد | |
متعانقين علنهما حلل الـرضـا | متوسدين بمعصـم وبـسـاعـد | |
وإذا تألفت القلوب على الهـوى | فالناس تضرب في حديد بـارد | |
وإذا صفى لك من زمانك واحـد | فهو المراد وعش بذاك الواحـد |
هذا ما كان من أمر حسن بدر الدين وست الحسن بنت عمه، وأما ما كان من أمر العفريت فإنه قال للعفريتة قومي وادخلي تحت الشاب ودعينا نوديه مكانه لئلا يدركنا الصبح فإن الوقت قريب فعند ذلك تقدمت العفريتة ودخلت تحت ذيله وهو نائم وأخذته وطارت به وهو على حاله بالقميص وهو بلا لباس وما زالت العفريتة طائرة به والعفريت يحاذيها فأذن **** الملائكة أن ترمي العفريت بشهاب من نار فأحترق وسلمت العفريتة فانزلت بدر الدين في موضع ما أحرق الشهاب العفريت ولم تتجاوزه به خوفا عليه وكان بالأمر المقدر ذلك الموضع في دمشق الشام فوضعته العفريتة على باب من أبوابها وطارت. فلما طلع النهار وفتحت أبواب المدينة خرج الناس فظروا شابا مليحا بالقميص والطاقية بلا عمامة ولا لباس وهو مما قاسى من السهر غرقان في النوم فلما رآه الناس قالوا يا بخت من كان هذا عقده في هذه الليلة ويا ليته صبر حتى لبس حوائجه وقال الآخر مساكين أولاد الناس لعل هذا يكون في هذه الساعة خرج من المسكرة لبعض شغله فقوي عليه السكر فتاه عن المكان الذي كان قصده حتى وصل إلى باب المدينة فوجده مغلقا فنام ههنا وقد خاض الناس فيه بالكلام وإذا بالهوى هب على بدر الدين فرفع ذيله من فوق بطنه فبان من تحته بطن وسره محققة وسيقان وأفخاذ مثل البلور فصار الناس يتعجبون فانتبه حسن بدر الدين فوجد روحه على باب مدينة وعليها ناس فتعجب وقال أين أنا يا جماعة الخير وما سبب اجتماعكم علي وما حكايتي معكم.
فقالوا نحن رأيناك عند أذان الصبح ملقى على هذا الباب نائما ولا نعلم من أمرك غير هذا فأين كنت نائما هذه الليلة فقال حسن بدر الدين و**** يا جماعة إني كنت نائما هذه الليلة في مصر فقال واحد هل أنت تأكل حشيشا وقال بعضهم أأنت مجنون كيف تكون بايتا في مصر وتصبح نائما في مدينة دمشق فقال لهم و**** يا جماعة الخير لم أكذب عليكم أبدا وأنا كنت البارحة بالليل في ديار مصر وقبل البارحة كنت بالبصرة فقال واحد هذا شيء عجيب وقال الآخر هذا شاب مجنون وصفقوا عليه بالكفوف وتحدث الناس مع بعضهم وقالوا يا خسارة شبابه و**** ما في جنونه خلاف ثم إنهم قالوا له إرجع لعقلك. فقال حسن بدر الدين كنت البارحة عريسا في ديار مصر فقالوا لعلك حلمت ورأيت هذا الذي تقول في المنام فتحير حسن في نفسه وقال لهم و**** ما هذا منام وأين السايس الأحدب الذي كان قاعدا عندنا والكيس الذهب الذي كان معي وأين ثيابي ولباسي، ثم قام ودخل المدينة ومشى في شوارعها وأسواقها فازدحمت عليه الناس وألفوه فدخل دكان طباخ وكان ذلك الطباخ رجلا مسرفا فتاب **** عليه من الحرام وفتح له دكان طباخ وكانوا أهل دمشق كلهم يخافون منه بسبب شدة بأسه، فلما نظر الطباخ إلى حسن بدر الدين وشاهد حسنه وجماله وقعت في قلبه محبته.
فقال: من أين أنت يا فتى فاحكي لي حكايتك فإنك صرت عندي أعز من روحي، فحكى له ما جرى من المبتدأ إلى المنتهى. فقال له الطباخ يا سيدي بدر الدين أعلم أن هذا أمر عجيب وحديث غريب ولكن يا ولدي اكتم ما معك حتى يفرج **** ما بك واقعد عندي في هذا المكان وأنا ما لي ولد فأتخذك ولدي فقال له بدر الدين الأمر كما بريد يا عم. فعند ذلك نزل الطباخ إلى السوق واشترى لبدر الدين أقمشة مفتخرة وألبسه إياها وتوجه به إلى القاضي وأشهد على نفسه أنه ولده، وقد اشتهر حسن بدر الدين في مدينة دمشق أنه ولد الطباخ، وقعد عنده في الدكان يقبض الدراهم، وقد استقر أمره عند الطباخ على هذه الحالة. هذا ما كان من أمر حسن بدر الدين، وأما ما كان من أمر ست الحسن بنت عمه فإنها لما طلع الفجر وانتهت من النوم لم تجد حسن بدر الدين قاعدا عندها فاعتقدت أنه دخل المرحاض فجلست تنتظره ساعة وإذا بأبيها قد دخل عليها وهو مهموم مما جرى له من السلطان وكيف غصبه وزوج ابنته غصبا لأحد غلمانه الذي هو السايس الأحدب وقال في نفسه سأقتل هذه البنت إن مكنت هذا الخبيث من نفسها، فمشى إلى أن وصل إلى المخدع ووقف على بابه وقال: يا ست الحسن فقالت له نعم يا سيدي، ثم إنها خرجت وهي تتمايل من الفرح وقبلت الأرض بين يديه وازداد وجهها نوراً وجمالاً لعناقها لذلك الغزال، فلما نظرها أبوها وهي بتلك الحالة قال لها: يا خبيثة هل أنت فرحانة بهذا السايس.
فلما سمعت ست الحسن كلام والدها تبسمت وقالت: يا ****، يكفي ما جرى منك والناس يضحكون علي ويعايروني بهذا السياس الذي ما يجيء في إصبعي قلامة ظفر. إن زوجي و**** ما بت طول عمري ليلة أحسن من ليلة البارحة التي بتها معه، فلا تهزأ بي وتذكر لي ذلك الأحدب فلما سمع والدها كلامها امتزج بالغضب وازرقت عيناه وقال لها: ويلك أي هذا الكلام الذي تقولينه، إن السايس الأحدب قد يأت عندك فقالت: ب**** عليك لا تذكره لي قبحه **** وقبح أباه فلا تكثر المزاح بذكره فما كان السايس إلا مكتري بعشرة دنانير وأخذ أجرته وراح وجئت أنا ودخلت المخدع فنظرت زوجي قاعداً بعدما جلتني عليه المغنيات ونقط بالذهب الأحمر حتى أغنى الفقراء الحاضرين وقد بت في حضن زوجي الخفيف الروح صاحب العيون السود والحواجب المقرونة.
فلما سمع والدها هذا الكلام صار الضياء في وجهه ظلاماً وقال لها: يا فاجرة ما هذا الذي تقولينه? أين عقلك، فقالت له: يا أبت لقد فتت كبدي لأي شيء تتغافل فهذا زوجي الذي أخذ وجهي قد دخل بيت الراحة وإني قد علقت منه، فقام والدها وهو متعجب ودخل بيت الخلاء فوجد السايس الأحدب ورأسه مغروز في الملاقي ورجلاه مرتفعة إلى فوق فبهت فيه الوزير وقال: أما هذا هو الأحدب فخاطبه فلم يرد عليه وظن الأحدب أنه العفريت.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الثالثة والعشرون قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن السائس الأحدب لما كلمه الوزير لم يرد عليه فصرخ عليه الوزير وقال له تكلم وإلا أقطع رأسك بهذا السيف، لعند ذلك قال الأحدب و**** يا شيخ العفاريت من حين جعلتني في هذا الموضع ما رفعت رأسي فبالله عليك أن ترفق بي، فلما سمع الوزير كلام الأحدب قال له ما تقول فإني أبو العروسة وما أنا عفريت، فقال ليس عمري في يدك ولا تقدر أن تأخذ روحي فرح حال سبيلك قبل أن يأتيك الذي فعل بي هذه الفعال فأنتم لا تزوجوني إلا بمعشوقة الجواميس ومعشوقة العفاريت فلعن **** من زوجني بها ولعن من كان السبب في ذلك، فقال له الوزير قم واخرج من هذا المكان فقال له هل أنا مجنون حتى أروح معك بغير إذن العفريت فإنه قال لي إذا طلعت الشمس فاخرج وروح إلى حال سبيلك فهل طلعت الشمس أو لا فإني لا اقدر أن أطلع من موضعي إلا إن طلعت الشمس.
فعند ذلك قال له الوزير من أتى بك إلى هذا المكان فقال إني جئت البارحة إلى هنا لأقضي حاجتي وأزيل ضرورتي فإذا بفأر طلع من وسط الماء وصاح وصار يكبر حتى بقي قدر الجاموسة وقال لي كلاماً دخل في أذني فخلني ورح لعند العروسة ومن زوجني بها فتقدم إليه الوزير وأخرجه من المرحاض فخرج وهو يجري وما صدق أن الشمس طلعت وطلع إلى السلطان وأخبره بما اتفق له مع العفريت وأما الوزير أبو العروسة فإنه دخل البيت وهو حائر العقل في أمر بنته، فقال يا ابنتي اكشفي لي عن خبرك فقالت أن الظريف الذي كنت أتجلى عليه بات عندي البارحة وأزال بكارتي وعلقت منه وإن كنت لم تصدقني فهذه عمامته بلفتها على الكرسي ولباسه تحت الفراش وفيه شيء ملفوف لم أعرف ما هو.
فلما سمع والدها هذا الكلام دخل المخدع فوجد عمامة حسن بدر الدين ابن أخيه، ففي الحال أخذها في يده وقلبها وقال هذه عمامة وزراء إلا أنها موصلية، ثم نظر إلى الحرز مخيط في طربوشه فأخذه وفتقه وأخذ اللباس فوجد الكيس الذي فيه ألف دينار ففتحه فوجد فيه ورقة فقرأها فوجه مبايعة اليهودي واسم حسن بدر الدين بن نور الدين البصري ووجد الألف دينار فلما قرأ شمس الدين الورقة صرخ صرخة وخر مغشياً عليه فلما أفاق وعلم مضمون القصة تعجب وقال لا إله إلا **** القادر على كل شيء وقال: يا بنت هل تعرفين من الذي أخذ وجهك قالت لا قال إنه ابن أخي وهو ابن عمك وهذه الألف دينار مهرك فسبحان **** فليت شعري كيف اتفقت هذه القضية، ثم فتح الحرز المخيط فوجد فيه ورقة مكتوباً عليه بخط أخيه نور الدين المصري أبي حسن بدر الدين فلما نظر خط أخيه أنشد هذين البيتين:
أرى آثارهم فأذوب شـوقـا | وأسكب في مواطنهم دموعي | |
وأسأل من بفرقتهم رمـانـي | يمن علي يوماً بالـرجـوع |
فلما فرغ من الشعر قرأ الحرز فوجد فيه تاريخ زواجه بنت وزير البصرة وتاريخ دخوله بها وتاريخ عمره إلى حين وفاته وتاريخ ولادة ولده حسن بدر الدين فتعجب واهتز من الطرب وقابل ما جرى لأخيه على ما جرى له فوجده سواء بسواء وزواجه وزواج الآخر موافقين تاريخياً ودخولهما بزوجتيهما متوافقاً وولادة حسن بدر الدين ابن أخيه وولادة ابنته ست الحسن متوافقين فأخذ الورقتين وطلع بهما إلى السلطان وأعلمه بما جرى من أول الأمر إلى آخره فتعجب الملك وأمر أن يؤرخ هذا الأمر في الحال ثم أقام الوزير ينظر ابن أخيه فما وقع له على خبر فقال و**** لأعملن عملاً ما سبقني إليه أحد.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
في الليلة الرابعة والعشرون قالت بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير أخذ دواة وقلماً وكتب أمتعة وأن الخشخانة في موضع كذا والستارة الفلانية في موضع كذا وكتب جميع ما في البيت، ثم طوى الكتاب وأمر بخزن جميع الأمتعة وأخذ العمامة والطربوش وأخذ معه الفرجية والكيس وحفظهما عنده وأما بنت الوزير فإنها لما كملت أشهرها ولدت ولذا مثل القمر يشبه والده من الحسن والكمال والبهاء والجمال فقطعوا سرته وكحلوا مقلته وسلموه إلى المرضعات وسموه عجيباً فصار يومه بشهر وشهره بسنة، فلما مر عليه سبع سنين أعطاه جده لفقيه ووصاه أن يربيه ويحسن تربيته فأقام في المكتب أربع سنوات فصار يقاتل أهل المكتب ويسبهم ويقول لهم من منكم مثلي أنا ابن وزير مصر فقام الأولاد واجتمعوا يشكون إلى العريف ما قاسوه من عجيب.
فقال لهم العريف أنا أعلمكم شيئاً تقولونه له لما يجيء فيتوب عن المجيء للمكتب وذلك أنه إذا جاء غداً فاقعدوا حوله وقولوا لبعضكم: و**** ما يلعب معنا هذه اللعبة إلا من يقول لنا على اسم أمه واسم أبيه ومن لم يعرف اسم أمه واسم أبيه فهو ابن حرام فلا يلعب معنا. فلما أصبح الصباح أتوا إلى المكتب وحضر عجيب فاختلط بالأولاد وقالوا نحن نلعب لعبة ولكن ما يلعب إلا من يقول لنا عن اسم أمه واسم أبيه واتفقوا على ذلك، فقال واحد منهم اسمي ماجدي وأمي علوي وأبي عز الدين، وقال الآخر مثل قوله والآخر كذلك إلى أن جاء الدور إلى عجيب فقال: أنا اسمي عجيب وأمي ست الحسن وأبي شمس الدين والوزير بمصر فقالوا له و**** إن الوزير ما هو أبوك فقال عجيب الوزير أبي حقيقة.
فعند ذلك ضحكت عليه الأولاد وصفقوا عليه وقالوا أنت ما تعرف لك أباً فقم من عندنا فلا يلعب معنا إلا من يعرف اسم أبيه. وفي الحال تفرق الأولاد من حوله وتضاحكوا عليه فضاق صدره وأنخنق بالبكاء. فقال له العريف هل تعتقد أن أباك جدك الوزير أبو أمك ست الحسن، إن أباك ما تعرفه أنت ولا نحن لأن السلطان زوجها للسائس الأحدب وجاءت الجن فناموا عندها فإن لم تعرف لك أبا يجعلونك بينهم ولد زنا ألا ترى أن ابن البائع يعرف أباه، فوزير مصر إنما هو جدك وأما أبوك فلا نعرفه نحن ولا أنت فارجع لعقلك.
فلما سمع ذلك الكلام قام من ساعته ودخل على والدته ست الحسن وصار يشكو هلا وهو يبكي ومنعه البكاء من الكلام، فلما سمعت أمه كلامه وبكاءه التهب قلبها عليه وقالت له: يا ولدي ما الذي أبكاك فاحكي لي قصتك فحكى لها ما سمعه من الأولاد ومن العريف وقال يا والدتي من هو أبي قلت له أبوك وزير مصر فقال لها ليس هو أبي فلا تكذبي علي فإن الوزير أبوك أنت لا أبي أنا. من هو أبي فإن لم تخبريني بالصحيح قتلت روحي بهذا الخنجر. فلما سمعت والدته ذكر أبيه بكت لذكر ولد عمها وتذكرت محاسن حسن بدر الدين البصري وما جرى لها معه وصرخت وكذلك ولدها وإذا بالوزير دخل.
فما نظر إلى بكائها احتر قلبه وقال ما يبكيكما فأخبرتها بما اتفق لولدها مع صغار المكتب فبكى الآخر ثم تذكر أخاه وما اتفق له معه وما اتفق لابنته ولم يعلم بما في باطن الأمر. ثم قام الوزير في الحال ومشى حتى طلع إلى الديوان ودخل على الملك وأخبره بالقصة وطلب منه الإذن بالسفر إلى الشرق ليقصد مدينة البصرة ويسأل عن ابن أخيه، وطلب من السلطان أن يكتب له مراسيم لسائر البلاد إذا وجد ابن أخيه في أي موضع يأخذه، ثم بكى بين يدي السلطان فرق له قلبه وكتب مراسيم لسائر الأقاليم والبلاد ففرح بذلك ودعا للسلطان وودعه ونزل في الحال وتجهز في الحال وأخذ ما يحتاج إليه وأخذ ابنته وولدها عجيباً وسافر أول يوم وثاني يوم وثالث يوم حتى وصل إلى مدينة دمشق فوجدها ذات أشجار وأنهار كما قال الشاعر:
من بعد يوم في دمشق وليلتـي | حلف الزمان بمثلها لا يغلـط | |
بتنا وجنح الليل في غفـلانـه | ومن الصباح عليه فرع أشمط | |
والظل في تلك الغصون كأنـه | در يصافحه النسيم فيسـقـط | |
والطير يقرأ والغدير صحـيفة | والريح تكتب والغمامينـقـط |
فنزل الوزير من ميدان الحصباء ونصب خيامه وقال لغلمانه نأخذ الراحة هنا يومين فدخل الغلمان المدينة لقضاء حوائجهم. هذا يبيع وهاذ يشتري وهذا يدخل الحمام وهذا يدخل جامع بني أمية الذي ما في الدنيا مثله ودخل المدينة عجيب هو وخادمه يتفرجان والخادم ينشي خلف عجيب وفي يده سوط لو ضرب به جملاً لسقط ولم يثر. فلما نظر أهل دمشق إلى عجيب وقده واعتداله وبهائه وكماله بديع الجمال وخيم الدلال الطف من نسيم الشمال وأحلى للظمآن من الماء الزلال وألذ من العافية لصاحب الاعتلال فلما رآه أهل دمشق تبعوه وصارت الخلق تجري وراءه تتبعه وتقعد في الطريق حتى يجيء عليهم وينظرونه إلى أن وقف عجيب بالأمر المقدر على دكان أبيه حسن بدر الدين الذي أجلسه فيه الطباخ الذي اعترف عند القضاة والشهود أنه ولده.
فلما وقف عليه العبد في ذلك اليوم وقف معه الخدام، فنظر حسن بدر الدين إلى ولده فأعجبه حين وجده في غابة الحسن فحن إليه فؤاده وتعلق به قلبه وكان قد طبخ حب رمان مخلي بلوز وسكر، فأكلوا سواء فقال لهم حسن بدر الدين أنستمونا كلوا هنيئاً مريئاً ثم أن عجيب قال لوالده أقعد كل معنا لعل **** يجمعنا بمن نريد فقال عجيب نعم يا عم حرق قلبي بفراق الأحباب والحبيب الذي فارقني هو والدي، وقد خرجت أنا وجدي نطوف عليه البلاد فواحسرتاه على جمع شملي به وبكى بكاء شديداً، وبكا والده لبكائه وتذكر فرقة الأحباب وبعده عن والده ووالدته فحن له الخادم، وأكلوا جميعاً إلى أن اكتفوا.
ثم بعد ذلك قاما وخرجا من دكان حسن بدر الدين فأحس أن روحه فارقت جسده وراحت معهم فما قدر أن يصير عنهم لحظة واحدة، فقفل الدكان وتبعهم وهو لا يعلم أنه ولده وأسرع في مشيه حتى لحقهم قبل أن يخرجوا من الباب الكبير فالتفت الطواشي وقال له مالك يا طباخ فقال حسن بدر الدين لما نزلتم من عندي كان روحي خرجت من جسمي ولي حاجة في المدينة خارج الباب فأردت أن أرافقكم حتى أقضي حاجتي وأرجع فغضب الطواشي وقال لعجيب أن هذه أكلة مشؤومة وصارت علينا مكرمة وهاهو تابعنا من موضع إلى موضع فالتفت عجيب فرأى الطباخ فاغتاظ واحمر وجهه وقال للخادم دعه يمشي في طريق المسلمين فإذا خرجنا إلى خيامنا وخرج معنا وعرفنا أنه يتبعنا نطرده فأطرق رأسه ومشى والخادم وراءه فتبعهم حسن بدر الدين إلى ميدان الحصباء وقد قربوا من الخيام فالتفوا ورأوه خلفهم.
فغضب عجيب وخاف من الطواشي أن يخبر جده فامتزج بالغضب مخافة أن يقولوا أنه دخل دكان الطباخ وأن الطباخ منعه فالتفت حتى صار عيناه في عين أبيه وقد بقي جسداً بلا روح ورأى عجيب عينه كأنها عين خائن، وربما كان ولد زنا فازداد غضباً فأخذ حجراً وضرب به والده فوقع الحجر على جبينه فبطحه فوقع حسن بدر الدين مغشياً عليه وسال الدم على وجهه وسار عجيب هو والخادم إلى الخيام وأما حسن بدر الدين فإنه لما أفاق مسح دمه وقطع قطعة من عمامته وعصب بها رأسه ولام نفسه وقال أنا ظلمت الصبي حيث غلقت دكاني وتبعته حتى ظن أني خائن ثم رجع إلى الدكان واشتغل ببيع طعامه وصار مشتاقاً إلى والدته التي في البصرة ويبكي عليها، وأنشد هذين البيتين:
لا تسأل الدهر إنصافاً لتظلمـه | فلست فيه ترى يا صاح إنصافا | |
خذ ما تيسر وأزوالهم نـاحـية | لا بد من كدر فيه وإن صافي |
ثم أن حسن بدر الدين استمر مشتغلاً يبيع طعامه وأما الوزير عمه فإنه أقام في دمشق ثلاثة أيام ثم رحل متوجهاً إلى حمص فدخلها ثم رحل عنها وصار يفتش في طريقه أينما حل وجهه في سيره إلى أن وصل إلى ماردين، والموصل وديار بكر ولم يزل سائراً إلى مدينة البصرة فدخلها فلما استقر به المنزل دخل إلى سلطانها واجتمع به فاحترمه وأكرم منزله وسأله عن سبب مجيئه فأخبره بقصته وأن أخاه الوزير علي نور الدين، فترحم عليه السلطان وقال ايها الصاحب إنه كان وزيري وكنت أحبه كثيراً وقد مات من مدة خمسة عشر عاماً وخلف ولداً وقد فقدناه ولم نطلع له على خبر غير أن أمه عندنا لأنها بنت وزيري الكبير.
فلما سمع الوزير شمس الدين من الملك أن أم ابن أخيه طيبة فرح وقال يا ملك إني أريد أن أجتمع بها فإذن له في الحال، ثم أنه صار يمشي إلى أن وصل إلى قاعة زوجة أخيه أم حسن بدر الدين البصري وكانت في مدة غيبة ولدها قد لزمت البكاء والنحيب بالليل والنهار، فلما طالت عليها المدة عملت لولدها قبراً من الرخام في وسط القاعة وصارت تبكي عليه ليلاً ونهاراً، ولا تنام إلا عند ذلك القبر، فلما وصل إلى مسكنها سمع حسها فوقف خلف الباب فسمعها تنشد على القبر هذين البيتين:
ب**** يا قبر هل زالت محاسـنـه | وهل تغير ذاك المنظر النضـر | |
يا قبر لا أنت بستان ولا فـلـك | فكيف يجمع فيك الغصن والقمر |
فبينما هي كذلك وإذا بالوزير شمس الدين، قد دخل عليها وسلم عليها وأعلمها أنه أخو زوجها وقد أخبرها بما جرى، وكشف لها عن القصة وأن ابنها حسن بدر الدين، بات عند ابنته ليلة كاملة، ثم طلع عليه الصباح وقال لها إن ابنتي حملت من ولدك وولدت ولداً وهو معي وإنه ولدك وولد ولدك من أبي، فلما سمعت خبر ولدها وأنه حي ورأت أخا زوجها قامت إليه ووقعت على قدميه وقبلتهما وأنشدت هذين البيتين:
*** در مبشري بقدومـهـم | فلقد أتى بأطايب المسموع | |
لو كان يقنع بالخليع وهبته | قلباً تقطع ساعة التـوديع |
ثم إن الوزير أرسل إلى عجيب ليحضره، فلما حضر قامت له جدته واعتنقته وبكت فقال لها شمس الدين ما هذا وقت بكاء بل هذا وقت تجهزك للسفر معنا إلى ديار مصر عسى **** أن يجمع شملنا وشملك بولدك ابن أخي، فقالت سمعاً وطاعة، ثم قامت من وقتها وجمعت جميع أمتعتها وذخائرها وجواريها وتجهزت في الحال ثم طلع الوزير شمس الدين إلى سلطان البصرة وودعه فبعث معه هدايا وتحفاً إلى سلطان مصر وسافر من وقته هو وزوجة أخيه ولم يزل سائراً حتى وصل إلى مدينة دمشق فنزل على القانون وضرب الخيام، وقال لمن معه إننا نقيم بدمشق جمعة إلى أن نشتري للسلطان هداياً وتحفاً ثم قال عجيب للطواشي يا غلام إني اشتقت إلى الفرجة فقم بنا ننزل إلى سوق دمشق ونعتبر أحوالها وننظر ما جرى لذاك الطباخ الذي كنا أكلنا طعامه وشججنا رأسه مع أنه قد كان أحسن إلينا ونحن أسأناه.
فقال الطواشي سمعاً وطاعة ثم إن عجيباً أخرج من الخيام هو والطواشي وحركته القرابة إلى التوجه لوالده ودخل مدينة دمشق وما زالا إلى أن وصلا إلى دكان الطباخ فوجداه واقفاً في الدكان وكان ذلك قبل العصر وقد وافق الأمر أنه طبخ حب رمان فلما قربا منه ونظره عجيب حن غليه قلبه ونظر إلى أثر الضربة بالحجر في جبينه، فقال: السلام عليك يا هذا اعلم أن خاطري عندك فلما نظر إليه حسن بدر الدين تعلقت أحشاؤه به وخفق فؤاده غليه وأطرق برأسه إلى الأرض وأراد أن يدير لسانه في فمه، فما قدر على ذلك، ثم رفع رأسه إلى ولده خاضعاً متدللاً وأنشد هذه الأبيات:
تمنيت من أهوى فلـمـا رأيتـه | ذهلت فلم أملك لساناً ولا طرفـا | |
وأطرقت إجلالاً لـه ومـهـابة | وحاولت إخفاء الذي بي فلم يخف | |
وكنت معداً للعتاب صـحـائفـاً | فلما اجتمعنا ما وجدت ولاحرفا | |
لو لم أرى بأن الشمل يجـتـمـع | ما كان لي في حياتي بعدكم طمع | |
أقسمت ما في فؤادي غير حبكـم | و**** *** على الأسرار مطلع |
ثم قالت لعجيب يا ولدي أين كنت، قال في مدينة دمشق فعند ذلك قامت وقدمت له زبدية لعام من حب الرمان وكان قليل الحلاوة وقالت للخادم اقعد مع سيدك فقال الخادم في نفسه و**** ما لنا شهية في الأكل، ثم جلس الخادم وأما عجيب فإنه لما جلس كان بطنه ممتلئاً بما أكل وشرب، فأخذ لقمة وغمسها في حب الرمان وأكلها فوجده قليل الحلاوة لأنه شبعاناً فتضجر وقال أي شيء هذا الطعام الوحش فقالت جدته: يا ولدي أتعيب طبيخي وأنا طبخته ولا أحد يحسن الطبيخ مثلي إلا والدك حسن بدر الدين، فقال عجيب و**** يا سيدتي إن طبيخك هذا غير متقن نحن في هذه الساعة رأينا في المدينة طباخاً طبخ رمان ولكن رائحته ينفتح لها القلب، وأما طعامه فإنه يشتهي نفس المتخوم أن يأكل وأما طعامك بالنسبة غليه فإنه لا يساوي كثيراً ولا قليلاً، فلما سمعت جدته كلامه اغتاظت غيظاً شديداً، ونظرت إلى الخادم.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
وفي الليلة الرابعة والعشرين قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن جدة عجيب لما سمعت كلامه اغتاظت ونظرت إلى الخادم وقالت ويلك هل أنت أفسدت ولدي لأنك دخلت به إلى دكاكين الطباخين فخاف الطواشي وأنكر، وقال ما دخلنا الدكان ولكن جزنا جوازاً فقال عجيب و**** لقد دخلنا وأكلنا، وهو أحسن من طعامك فقامت جدته وأخبرت أخا زوجها وأغرته على الخادم فحضر الخادم قدام الوزير، فقال له لم دخلت بولدي دكان الطباخ فخاف الخادم وقال ما دخلنا فقال عجيب بل دخلنا وأكلنا من حب الرمان حتى شبعنا، وسقانا الطباخ شراباً بثلج وسكر فازداد غضب الوزير على الخادم وسأله فأنكر، فقال له الوزير إن كان كلامك صحيحاً فاقعد وكل قدامنا فعند ذلك تقدم الخادم وأراد أن يأكل فلم يقدر ورمى اللقمة وقال يا سيدي إني شبعان من البارحة.
فعرف الوزير أنه أكل عند الطباخ فأمر الجواري ن يطرحنه فطرحنه ونزل عليه بالضرب الوجيع فاستغاث وقال يا سيدي إني شبعان من البارحة ثم منع عنه الضرب وقال لم أنطلق بالحق، فقال اعلم أننادخلنا دكان الطباخ وهو يطبخ حب الرمان فغرف لنا منه و**** ما أكلت عمري مثله ولا رأيت أقبح من هذا الذي قدامنا فغضبت أم حسن بدر الدين، وقالت لا بد أن تذهب إلى هذا الطباخ وتجيء لنا بزبدية حب الرمان من الذي عنده وتريه لسيدك حتى يقول أيهما أحسن وأطيب، فقال الخادم: نعم ففي الحال أعطته زبدية ونصف دينار فمضى الخادم حتى وصل إلى الدكان وقال للطباخ نحن تراهنا على طعامك في بيت سيدنا لأن هناك حب رمان طبخه أهل البيت فهات لنا بهذا النصف دينار وأدر بالك في طهيه وأتقنه فقد أكلنا الضرب الموجع على طبيخك.
فضحك حسن بدر الدين وقال و**** أن هذا الطعام لا يحسنه أحد إلا أنا ووالدتي وهي الآن في بلاد بعيدة ثم أنه عرف الزبدية وأخذها وختمها بالمسك وماء الورد فأخذها الخادم وأسرع بها حتى وصل إليهم فأخذتها والدة حسن وذاقتها ونظرت حسن طعمها فعرفت طباخها فصرخت ثم وقعت مغشياً عليها فبهت الوزير من ذلك، ثم رشوا عليها ماء الورود بعد ساعة أفاقت وقالت إن كان ولدي في الدنيا فما طبخ حب الرمان هذا إلا هو وهو ولدي حسن بدر الدين لا شك ولا محالة لأن هذا طعامه وما أحد يطبخه غيره إلا أنا لأني علمته طبيخه. فلما سمع الوزير كلامها فرح فرحاً شديداً، وقال واشوقاه إلى رؤية ابن أخي أترى تجمع الأيام شملنا وما نطلب الاجتماع به إلا من **** تعالى، ثم إن الوزير قام من وقته وساعته وصاح على الرجال الذين معه وقال يمضي منكم عشرون رجلاً إلى دكان الطباخ ويهدمونها ويكتفونه بعمامته ويجرونه غصباً إلى مكاني من غير إيذاء يحصل له، فقالوا له نعم ثم إن الوزير ركب من وقته وساعته إلى دار السعادة واجتمع بنائب دمشق وأطلعه على الكتب التي معه من السلطان فوضعها على رأسه بعد تقبيلها وقال من هو غريمك، قال رجل طباخ ففي الحال أمر حجابه أن يذهبوا إلى دكانه فذهبوا فرأوها مهدومة وكل شيء فيها مكسور لأنه لما توجه إلى دار السعادة فعلت جماعته ما أمرهم به وصاروا منتظرين مجيء الوزير من دار السعادة وحسن بدر الدين يقول في نفسه يا ترى أي شيء رأوا في حب الرمان حتى صار لي هذا الأمر فلما حضر الوزير من عند نائب دمشق وقد أذن غريمه وسفره به فلما دخل الخيام طلب الطباخ فأحضروه مكتفاً بعمامته.
فلما نظر حسن بدر الدين إلى عمه بكى بكاء شديداً وقال يا مولاي ما ذنبي عندكم فقال له أنت الذي طبخت حب الرمان قال نعم فهل وجدتم فيه شيئاً يوجب ضرب الرقبة فقال هذا أقل جزائك فقال له يا سيدي أما توقفني على ذنبي، فقال له الوزير: نعم في هذه الساعة ثم إن الوزير صرخ على الغلمان وقال هاتوا الجمال وأخذوا حسن بدر الدين معهم وأدخلوه في صندوق وقفلوا عليه وساروا ولم يزالوا سائرين إلى أن أقبل الليل فحطوا وأكلوا شيئاً من الطعام وأخرجوا حسن بدر الدين فأطعموه وأعادوه إلى الصندوق ولم يزالوا كذلك حتى وصلوا إلى مكان فأخرجوا حسن بدر الدين من الصندوق وقال له هل أنت طبخت حب الرمان، قال نعم يا سيدي.
فقال الوزير قيدوه فقيدوه وأعادوه إلى الصندوق وساروا إلى أن وصلوا إلى مصر وقد نزلوا في الزيدانية فأمر بإخراج حسن بدر الدين من الصندوق وأمر بإحضار نجار وقال اصنع لهذا لعبة خشب فقال حسن بدر الدين وما تصنع بها فقال أصلبك وأسمرك فيها ثم أدور بك المدينة كلها، فقال على أي شيء تفعل بي ذلك فقال الوزير على عدم إتقان طبيخك حب الرمان كيف طبخته وهو ناقص فلفلاً فقال له وهل لكونه ناقص فلفلاً تصنع معي هذا كله أما كفاك حبسي وكل يوم تطعمون بأكلة واحدة فقال له الوزير من أجل كونه ناقصاً فلفلاً ما جزاؤك إلى القتل، فتعجب حسن بدر الدين، وحزن على روحه وصار يتفكر في نفسه فقال له الوزير في أي شيء تتفكر، فقال له في العقول السخيفة التي مثل عقلك فإنه لو كان عندك عقل ما كنت فعلت معي هذه الفعال لأجل نقص الفلفل فقال له الوزير يجب علينا أن نؤدبك حتى لا تعود لمثله.
فقال حسن بدر الدين إن الذي فعلته معي أقل شيء فيه أدبي فقال لا بد من صلبك وكل هذا والنجار يصلح الخشب وهو ينظر إليه ولم يزالوا كذلك إلى أن أقبل الليل فأخذه عمه ووضعه في الصندوق وقال في غد يكون صلبك، ثم صبر عليه حتى عرف أنه نام فقام وركب وأخذ الصندوق قدامه ودخل المدينة وسار إلى أن دخل بيته ثم قال لابنته ست الحسن: الحمد *** الذي جمع شملك بابن عمك قومي وافرشي البيت مثل فرشة ليلة الجلاء فأمرت الجواري بذلك، فقمن وأوقدن الشمع وقد أخرج الوزير الورقة التي كتب فيها أمتعة البيت ثم قرأها وأمر أن يضعوا كل شيء في مكانه حتى أن الرائي إذا رأى ذلك لا يشك في أنها ليلة الجلاء بعينها، ثم أن الوزير أمر أن تحط عمامة حسن بدر الدين في مكانها الذي حطها فيه بيده وكذلك السروال والكيس الذي تحت الطراحة ثم أن الوزير أمر ابنته تتحف نفسها كما كانت ليلة الجلاء وتدخل المخدع وقال لها: إذ دخل عليك ابن عمك فقولي له قد أبطأت علي في دخولك بيت الخلاء ودعيه يبيت عندك وتحدثي معه إلى النهار وكتب هذا التاريخ. ثم أن الوزير أخرج بدر الدين من الصندوق بعد أن فك القيد من رجليه وخلع ما عليه من الثياب وصار بقميص النوم وهو رفيع من غير سروال. كل هذا وهو نائم لا يعرف بذلك ثم انتبه بدر الدين من النوم فوجد نفسه في دهليز نير، فقال في نفسه هل أنا في أضغاث أحلام أو في اليقظة، ثم قام بدر الدين فمشى قليلاً إلى باب ثان ونظر وغذا هو في البيت الذي انجلت فيه العروسة، ورأى المخدع والسرير ورأى عمامته وحوائجه، فلما نظر ذلك بهت وصار يقدم رجلاً ويؤخر أخرى وقال في نفسه هل هذا في المنام أو في اليقظة وصار يمسح جبينه ويقول وهو متعجب و**** إن هذا مكان العروسة التي انجلت فيه علي، فإني كنت في صندوق، فبينما هو يخاطب نفسه وإذا بست الحسن رفعت طرف الناموسية وقالت له يا سيدي أما تدخل فإنك أبطأت علي في بيت الخلاء فلما سمع كلامها ونظر إلى وجهها وضحك وقال إن هذه أضغاث أحلام، ثم دخل وتنهد وتفكر فيما جرى له وتحير في أمره
وأشكلت عليه قضيته ولما رأى عمامته وسرواله والكيس الذي فيه الألف دينار، قال: **** أعلم أني في أضغاث أحلام، وصار من فرط التعجب متحيراً،
وهناك أدرك شهرزاد الصباح.
وفي الليلة الخامسة والعشرين قالت: بلغني أن بدر الدين تعجب وتحير، فعند ذلك قالت له ست الحسن: مالي أراك متعجباً متحيراً ما كنت في أول الليل؟ فضحك وقال عام لي غائب عنك? فقالت له سلامتك سم **** حواليك أنت إنما خرجت إلى الكنيف لتقضي حاجة وترجع فأي شيء جرى في عقلك، فلما سمع بدر الدين ذلك ضحك وقال لها صدقت ولكنني لما خرجت من عندك غلبني النوم في بيت الراحة، فحلمت أني كنت طباخاً في دمشق وأقمت بها عشرة سنين وكأنه جاءني صغير من أولاد الأكابر ومعه خادم وحصل من أمره كذا وكذا ثم أن حسن بدر الدين مسح بيده على جبينه فرأى أثر الضرب عليه. فقال و**** يا سيدتي كأنه حق لأنه ضربني على جبيني فشبحه فكأنه في اليقظة ثم قال لعل هذا المناح حصل حين تعانقت أنا وأنت ونمنا، فرأيت في المنام كأني سافرت إلى دمشق بلا طربوش ولا عمامة ولا سروال وعملت طباخاً، ثم سكت ساعة وقال و**** كأني رأيت أني طبخت حب رمان وفلفله قليل، و**** ما كأني إلا نمت في بيت الراحة فرأيت هذا كله في المنام فقالت له ست الحسن ب**** وعليك أي شيء رأيته زيادة على ذلك. فحكى لها جميع ما رآه، ثم قال و**** لولا أني انتبهت لكانوا صلبوني على لعبة خشب.
فقالت له على أي شيء فقال على قلة الفلفل في حب الرمان ورأيت كأنهم خرجوا دكاني وكسروا مواعيني وحطوني في صندوق وجاؤوا بالنجار ليصنع لي لعبة من خشب لأنهم أرادوا صلبي عليها فالحمد *** الذي جعل ذلك كله في المنام ولم يجعله في اليقظة فضحكت ست الحسن وضمته إلى صدرها وضمها إلى صدره ثم تذكر وقال: و**** ما كأنه إلا في اليقظة فأنا ما عرفت أي شيء الخبر ولا حقيقة الحال، ثم إنه نام وهو متحير في أمره فتارة يقول رأيته في المنام وتارة يقول رأيته في اليقظة، ولم يزل كذلك إلى الصباح، ثم دخل عليه عمه الوزير شمس الدين فسلم عليه فنظر له حسن بدر الدين، وقال ب**** عليك أما أنت الذي أمرت بتكتيفي وتسمير دكاني، من شأن حب الرمان لكونه قليل الفلفل.
فعند ذلك قال الوزير اعلم يا ولدي أنه ظهر الحق وبان ما كان مختفياً، أنت ابن أخي وما فعلت ذلك حتى تحققت أنك الذي دخلت على ابنتي تلك الليلة، وما تحققت ذلك حتى رأيتك عرفت البيت وعرفت عمامتك وسروالك وذهبك والورقتين التي كتبتهما بخطك والتي كتبها والدك أخي فإني ما رأيتك قبل ذلك وما كنت أعرفك، وأما أمك فإني جئت بها معي من البصرة ثم رمى نفسه عليه وبكى فلما سمع حسن بدر الدين كلام عمه تعجب غاية العجب وعانق عمه وبكى من شدة الفرح، ثم قال له الوزير يا ولدي إن سبب ذلك كله ما جرى بيني وبين والدك وحكى له جميع ما جرى بينه وبين أخيه، وأخبره بسبب سفر والده إلى البصرة، ثم إن الوزير أرسل إلى عجيب فلما رآه والده قال لهذا الذي ضربني بالحجر فقال الوزير هذا ولدك فعند ذلك رمى نفسه عليه وأنشد هذه الأبيات:
ولقد بكيت على تفرق شملـنـا | زماناً وفاض الدمع من أجفاني | |
ونذرت أن أجمع المهيمن شملنا | ما عدت أذكر فرقة بلسانـي | |
هجم السرور علي حتـى أنـه | من فرط ما قد سرني أبكانـي |
فلما فرغ من شعره التفتت إليه والدته وألقت روحها عليه، وأنشدت هذين البيتين:
الدهر أقسـم لا يزال مـكـدري | حنثت يمينك يا زمان فـكـفـر | |
لسعد وافى والحبيب مسـاعـدي | فانهض إلى داعي السرور وشمر |
ثم إن والدته حكت له جميع ما وقع لها بعده، وحكى لها جميع ما قاساه فشكروا **** على جمع شملهم ببعضهم ثم أن الوزير طلع إلى السلطان وأخبره بما جرى له فتعجب وأمر أن يؤرخ ذلك في السجلات ليكون حكاية على ممر الأوقات ثم أن الوزير شمس الدين وأخيه نور الدين فقال الخليفة هارون الرشيد و**** إن هذا الشيء عجاب ووهب للشاب سرية من عنده ورتب له ما يعيش به وصار ممن ينادمه، ثم إن لبنت قالت وما هذا بأعجب من حكاية الخياط والأحدب واليهودي والمباشر والنصراني فيما وقع لهم قال الملك وما حكايتهم.