

الجزء الاول :
بداية الرحلة..في تلك الليلة الكئيبة، حيث خيم السكون على المدينة، ولم يكن يُسمع سوى صوت الرياح الباردة التي تعصف بزوايا النوافذ، كانت الساعة تشير إلى الثالثة فجراً. استيقظت رانيا فجأة على وقع خطوات خافتة تتسلل في صالة الشقة. كان الصوت واضحاً بما يكفي ليوقظ في قلبها رعشة خوف لم تعهدها من قبل.
تسللت يدها المرتجفة لتوقظ خالد، زوجها، الذي كان يغط في نوم عميق.
فتحت عينيه ببطء، وملامحه مشوشة من أثر النوم، استمع لكلماتها المرتجفة دون اهتمام في البداية، ظنًا منه أنها مجرد أوهام ليلية أو ضجيج عابر من الخارج. لكن عندما أنصت جيدًا، سمع الصوت بوضوح...
وقع أقدام حذرة تتقدم ببطء. هنا، تغيرت ملامح خالد، وأدرك أن هناك أمرًا غير طبيعي يحدث.
أشار لها بصوت خافت:
ابقي هنا... لا تتحركي ولا تصدري أي صوت.
نهض من السرير بخفة، يسير على أطراف أصابعه، وعيناه تراقبان الظلام الذي يلف الشقة كعدو يتربص به. خطى بحذر نحو مصدر الصوت، وعندما اقترب من الغرفة المجاورة، لمح ظل شخص غريب يقف هناك. لم يكن من الصعب عليه تحديد ملامح جسده؛ كان طويلاً، ذو بنية جسدية متوسطة، ويرتدي قناعاً أسود يخفي ملامحه، وفي يده كشاف صغير ينثر ضوءاً شاحباً على الجدران.
أدرك خالد فورًا أن هذا ليس زائرًا ضلّ طريقه،ضالا للطريق بل لص اقتحم منزله.
تسارعت نبضات قلبه، وغمره الأدرينالين. لم يفكر كثيراً، لم يكن هناك وقت للتحليل أو التخطيط. حدق حوله بسرعة، وعيناه وقعتا على عصا خشبية كانت بالقرب منه. دون تردد، انقض عليها، واندفع بضربة قوية نحو رأس اللص الذي كان يدير ظهره له.
ارتطمت العصا بقوة، إلا أن الضربة لم تكن كافية لإسقاطه. التفت اللص بسرعة، قبض على العصا بكلتا يديه، وركل خالد بقوة في صدره، أسقطته أرضًا. قبل أن يتمكن خالد من استعادة توازنه، انقض عليه اللص، جلس فوق صدره، وبدأ يخنقه بيديه القويتين. حاول خالد المقاومة، لكن قبضة الموت كانت أقوى.
هل يوجد أحد آخر في الشقة؟ – سأل اللص بنبرة باردة.
أدار خالد رأسه نفياً، يحاول بكل ما تبقى لديه من قوة أن يحمي زوجته من مصير مجهول. ولكن في النهاية، خارت قواه، وانطفأت حياته ببطء تحت ضغط يدي المعتدي.
سكن كل شيء…
عم الهدوء كما لو أن الزمن توقف.
ثم... جاء صوت آخر، صوت خطوات خافتة تعود من جديد، ترافقها صرير باب يُفتح ببطء. كانت رانيا ترتجف خلف الباب، قلبها يدق بعنف، تحاول أن تخفي نفسها في زاوية مظلمة من الغرفة. ربما يغادر اللص دون أن يلاحظ وجودها، ربما تنجو. لكن الأقدار لم تكن رحيمة.
فجأة، أضاء اللص المصباح، معتقدًا أن الشقة أصبحت خالية. التقت أعينهما في لحظة صادمة، مليئة بالرعب والغضب والذهول. تجمدت رانيا في مكانها، ترتدي قميص نوم أزرق لامع يصل حتى ركبتيها، دون أي حماية، لا من الملابس ولا من المصير القاتم الذي يقترب منها.
اقترب منها اللص بخطوات ثابتة، وعيناه تنطقان بشهوة مقيتة. صوب سلاحه نحوها قائلاً:
هل تريدين الموت؟
هزت رأسها بعنف، محاولة منع دموعها من السقوط. كانت محاصرة، لا مفر. ابتسم اللص ابتسامة ساخرة وهمس:
خسارة...
وقبل أن تفهم ما يقصده، سدد ضربة قوية بمقبض السلاح على مؤخرة رأسها.
…ظلام دامس…
استفاقت رانيا على ألم حاد في رأسها. كانت مستلقية على السرير، تشعر بنسيم بارد يلامس جسدها العاري. نظرت حولها بعيون زائغة لتدرك الحقيقة المُرّة… تعرضت للاغتصاب. تسارعت أنفاسها، لكنها تماسكت، أجبرت نفسها على الوقوف رغم الألم الذي ينهش جسدها وروحها.
نظرت إلى الغرفة المدمرة، الملابس ممزقة ومبعثرة، الأدراج مقلوبة، والفوضى تعم المكان. صرخت في صمت قلبها، ثم تذكرت زوجها. ركضت كالمجنونة تبحث عنه، لتجده مُلقى على الأرض، وجهه شاحب، لا أثر لحياة في جسده.
هزته بقوة، تصرخ باسمه، تبكي وتترجاه أن يفتح عينيه. لكن لا استجابة.
انفجر البكاء، انهمرت دموعها كالفيضان، صرخاتها تعلو، تحتضن جسده البارد، تتوسل له أن يعود.
ركضت نحو هاتفها، لكنه لم يكن في مكانه. لقد سُرق أيضًا. بلا تفكير، خرجت من الشقة عارية تقريباً، تحمل على جسدها كدمات لم تشعر بها من شدة الصدمة. وقفت أمام باب الجار، طرقت بقوة، لا تعلم ماذا تفعل سوى الصراخ للنجدة.
فتح ناصر، شاب أعزب، يكبرها بسنوات قليلة، كانت ملامحها تصرخ بالرعب. نظر إلى آثار الكدمات على جسدها وسأل بقلق:
ما الذي حدث؟
همست بالكلمة الوحيدة التي استطاعت نطقها:
–الشرطة…
كرر سؤاله، لكنها واصلت ترديد الكلمة:
–الشرطة… اتصل بالشرطة…
تردد للحظة، لكنه أدرك خطورة الموقف حين أشارت إلى شقتها، سحبته بيدها المرتجفة ليدخل. ما إن وقعت عيناه على جثة خالد حتى شهق بفزع:
–يا مصيبتي… قتلتي جوزك؟!
أخرج هاتفه على الفور واتصل بالشرطة.
–ألو؟ هناك جريمة قتل هنا…
–هل أنت متأكد؟
–نعم، الجثة أمامي الآن.
قدمت الشرطة خلال دقائق، لتبدأ رحلة التحقيق، رحلة ستكشف عن كوابيس أعظم مما تخيلت رانيا..
الجزء الثانى:
معاناة مكتومة..كان الباب الخشبي مفتوحًا كأن صدمة ما دفعته ليتخلى عن وظيفته في الحماية لم يكن هناك أي أثر لمحاولة إغلاقه أو حتى مقاومة الهواء البارد الذي تسلل بخفة إلى الداخل كأن الشقة نفسها تتنفس ببطء بعد ليلة مشبعة بالخوف في تلك اللحظة دخل الرائد هشام بخطوات هادئة لكنها تحمل ثقل سنوات من التعامل مع مشاهد مماثلة هشام ضابط شاب في أواخر الثلاثينات ملامحه حادة وجادة كأن وجهه تعود أن يظل جامدًا لا يعكس أي مشاعر عيناه سوداوان باردتان كأنهما مرآتان لا تعكسان إلا الحقيقة التي يراها هو
عُرف بين زملائه بقدرته على قراءة التفاصيل الصغيرة التي يغفل عنها الآخرون لا يتحدث كثيرًا لكن نظراته وحدها تكفي لتجعل أي مشتبه يشعر بأنه عارٍ أمامه يحمل داخله مزيجًا من الصرامة والهدوء الذي يُقلق أكثر مما يطمئن شخص لا يؤمن بالصدف ويعرف أن كل شيء له تفسير حتى الصمت
وراءه رجال الشرطة يتحركون كأنهم يعزفون سينفونية معقدة كل منهم يعرف دوره دون الحاجة لكلمات فأحدهم يحمل كاميرا صغيرة يلتقط صورًا سريعة للأرضية المبعثرة حيث تتناثر أوراق ممزقة وأدراج مسحوبة بعنف وآثار أقدام خفيفة بالكاد تظهر على البلاط الباهت و آخر يرتدي قفازاته المطاطية يفتح الأدراج المتروكة نصف مفتوحة يتحسس الأسطح كأنه يبحث عن شيء تركه اللص خلفه دون قصد و ومنهم من يصور الجثة ذاتها من زوايا مختلفة كل زاوية تعرض اسرار مختلفة عن اختها
هشام توقف عند منتصف الغرفة رأسه يميل قليلًا إلى الجانب عينيه تعلقان على الجثة المستلقية على الأرض جسد خالد ممدد بطريقة غير طبيعية أطرافه متصلبة وجهه يميل إلى الزرقة وعيناه نصف مفتوحتين كأنهما كانتا تنتظران من ينقذه ولم يأتِ أحد شفتاه مشققتان كأن صراخًا لم يكتمل تجمد هناك إلى الأبد
رائحة خفيفة من العرق والموت تملأ المكان ليست نفاذة لكنها موجودة بشكل يكفي لتذكير كل من في الغرفة أن هذه الجدران شهدت لحظات احتضار بطيئة هشام اقترب أكثر يركع بجانب الجثة دون أن يلمسها فقط ينظر طويلًا إلى آثار الاحمرار الداكن حول عنق خالد أصابعه مرتخية كأنها فقدت آخر ذرة حياة منذ ساعات
انتقل هشام بنظره إلى الغرفة المجاورة حيث السرير مقلوب والملاءات الممزقة انها الغرفة الشاهدة علي الجريمة الاخري جريمة انطفأت معها كرامة فتاة شابة
رانيا تجلس على طرف الكرسي في الزاوية البعيدة عيناها زائغتان تنظر إلى اللا شيء أصابعها مشبوكة ركبتيها عند ذقنها وكأنها تحاول احتضان نفسها تحاول تكوير نفسها لكرة لا تتذكر ما حدث لها البارحة فهي كانت فاقدة للوعي ولكنها تشعر بالنتائج في نهديها وحتي في اسفل بطنها (قصدي كسها بس مش لاقية كلمة تدل عليه

رانيا لم تجب في البداية فقط نظرت إليه نظرة خاوية كأن الكلمات علقت في حلقها هشام لم يضغط عليها أكثر فبرغم من قسوة مظهره وطبيعة عمله فهو في نهاية الامر انسان
جلس على الكرسي المقابل لها بصمت عينيه لا تغادر وجهها منتظرًا أن تتكلم بإرادتها كأن الصمت نفسه جزء من الاستجواب بعد دقائق طويلة تكلمت بصوت مبحوح مجرد همسات بالكاد تُسمع حكت القصة من بداية اصوات الاق وتقفز دام حتي نظرته بشهوة لها واستيقاظها وهي عارية تماما لكن هشام لم يكن يستمع للكلمات فالكلمات من الممكن ان تكون خداعة و عاجلا ام اجلا ستعاد القصة مرارا وتكرارا فكان يراقب كيف ترتجف شفتيها كيف تنكمش أصابعها على بعضها البعض كيف يهرب نظرها من عينيه كأن الحقيقة في نظراتها أكثر من الكلمات
دخل ضابط مِن مَن كانوا خلف الرائد هشام وبعد التحية السريعة اخبره انتهاء عملية جمع البيانات المطلوبة ويمكنهم المغادرة
والكثير من الصراخ والتهليل في الخارج "ايوة انا ابوها" ، "ابناااااي ابني ماااات يلاااهوي"
وثَبت رانيا من الكرسي متجهة الي عائلتها الممنوعة من دخول مصرح الجريمة غير مبالية بالخطوط المرسومة علي الارض ولا طاقم الشرطي الواقفون أمامها لتخرج من الشقة
سقطت رانيا بين ذراعي والدها جسدها المرتجف يفقد آخر خيوط التماسك وانطفأ وعيها كما ينطفئ مصباح صغير في عتمة ليل كثيف لم تصدر أي صوت فقط جسد ساكن ودموع لا تزال تحفر طريقها على خديها
أسرع رجال الإسعاف بحملها على نقالة أصوات خطواتهم تتردد على السلالم الضيقة بينما يصرخ والدها خلفهم "خلي بالكم منها دي بنتي"
الضوء الأحمر اللامع ينعكس على وجه رانيا النضر أنفاسها سريعة غير منتظمة كأنها تحاول الهروب من كابوس ما زال يطاردها حتى في غيبوبتها القصيرة
وها هي حُملت حتي سيارة الاسعاف
الممرضة تجلس بجانبها تتحقق من نبضها بين الحين والاخر تراقب بعض الشاشات الصغيرة تعرض ارقاما تتغير باستمرار بينما يجلس والدها ممسكًا بيدها المرتخية يهمس بكلمات غير مفهومة كأن صوته وحده قد يعيدها إلى الحياة
سيارة الاسعاف تجري بسرعة كبيرة غير مبالية بأي قانون من قوانين المرور تخالف اشارات المرور وتسير في عكس الطريق كأنها عدائة في ماراثون
لمَ لا فحالة رانيا قد تسوء بسبب تأخر السيارة او في اسوء الحالات فقد تجد نفسها بجوار خالد في مكان لا يمكنها العودة منه
اندفعت السيارة في آخر منعطف قبل أن تتوقف فجأة أمام مدخل المستشفى أبوابها تُفتح بسرعة يُنقل جسد رانيا المرهق على نقالة يحيط بها فريق طبي يتحرك بخطوات سريعة لكنها دقيقة أصوات مختلطة بين أوامر سريعة وصدى عجلات النقالة وهي تحتك بأرضية الممر البارد ضوء أبيض ساطع يغمر المكان كأن الحياة تحاول أن تتشبث بجسد رانيا الهش رائحة معقمة تخترق الهواء تملأ الأنف برائحة باردة تذكر بالموت أكثر مما تذكر بالحياة أصوات أجهزة طبية تصدر تنبيهات متقطعة إيقاعها كنبضات قلب لا تنتمي لجسدها الممدد بلا حراك تتحرك ظلال الأطباء والممرضات حولها بسرعة مدروسة خطواتهم سريعة لكن مدفوعة بروتين اعتاد التعامل مع الالم يتلقاهم دكتور يحافظ علي بسمته حتي في اشد اللحظات تعقيدا وصعوبة دكتور ساهر رجل في أواخر الثلاثينات من عمره يحمل ملامح تجمع بين الجاذبية الهادئة والوقار غير المتكلف وجهه بيضاوي تتناغم فيه تفاصيل دقيقة تمنحه حضوراً لا يمكن تجاهله بشرته سمراء خفيفة ناعمة الملمس تعكس إشراقة صحية رغم ساعات العمل الطويلة عيناه واسعتان بلون بني داكن يشبه لون القهوة في عمقها تحملان لمعة خفيفة توحي بدفء داخلي واهتمام صادق بكل من ينظر إليهما شعره أسود كثيف مسرّح بعناية إلى الخلف تظهر بعض الخصل المتمردة عند مقدمة رأسه وكأنها تعكس جانباً من روحه الحرة حاجباه كثيفان يضيفان حدة رقيقة لتعبير وجهه لكن ابتسامته الطفيفة التي كثيراً ما تتسلل إلى زوايا شفتيه تكسر تلك الحدة وتمنح وجهه نعومة محببة جسده معتدل البنية لا يظهر عليه أثر المبالغة في القوة ولا الضعف بل توازن مثالي بين النشاط والمرونة قوامه مستقيم خطواته ثابتة تحمل ثقة رجل اعتاد مواجهة المواقف الصعبة دون أن يفقد هدوءه يرتدي معطفه الطبي الأبيض كأنه جزء من شخصيته وليس مجرد زي عمل أكمامه غالباً ما تكون مطوية إلى منتصف ساعديه تكشف عن بشرة مشدودة وعروق بارزة قليلاً كعلامة على نشاطه الدائم صوته دافئ نبرته هادئة لكنها تحمل قوة خفية كأنها قادرة على بث الطمأنينة حتى في أكثر اللحظات توتراً طريقة حديثه بسيطة وواضحة لا يتعمد استخدام مصطلحات معقدة بل يختار كلماته بعناية ليجعل من حوله يشعرون بالأمان عيونه تتابع تفاصيل المرضى بعناية فائقة كأنه يقرأ ما وراء الألم ليس فقط الأعراض بل الحكايات التي لا تُقال تعامل ساهر مع الآخرين يعكس لطفاً خالصاً غير متكلف يجيد الاستماع دون مقاطعة يمنح من أمامه انتباهه الكامل كأن الشخص الوحيد الذي يهمه في تلك اللحظة هو من يتحدث معه ابتسامته الخفيفة تأتي في اللحظات التي يحتاجها الآخرون دون ان يطلبوها ونبرة صوته تتغير بدفء حين يتحدث مع المرضى الأطفال وكأنه يستعيد جزءاً من براءة فقدها مع الوقت دكتور ساهر ليس مجرد طبيب يجيد مهنته بل هو شخص يحمل قلباً قادراً على احتواء الألم بابتسامة وعقلًا حادًا يقرأ ما خلف العيون وملامح وجه تنبض بالحياة حتى في أكثر الأماكن ازدحاماً بالموت
سريعا ما يتحسس نبضها يراقب استجابتها الخافتة يطلب فحوصات عاجلة وتحاليل خاصة بنبرة هادئة لكنها لا تقبل النقاش
الكدمات الداكنة الموزعة على جسدها تتحدث بصمت عن قصة لم تُروَ بعد علامات على الجلد لكنها محفورة بعمق أكبر في الروح
علي الجانب الاخر في خارج الغرفة يجلس والد رانيا على مقعد بلاستيكي بارد ظهره مقوس ووجهه مدفون بين يديه كأن الجدران تضيق عليه والهواء ثقيل لا يكفي للتنفس تمر بجانبه وجوه أخرى محملة بأحزانها الخاصة لكن ألمه يبدو أعمق كأنه جرح مفتوح لا يُرى ولا يُداوى فقط يظل ينزف بصمت
سرعان ما وصلت العائلة كان القلق يرسم على وجوههم خطوطًا عميقة من الخوف والترقب أوقفهم أحد الممرضين بلطف لا يمكنكم الدخول الآن الطبيب سيخرج لإطلاعكم على حالتها
وقد كان بالفعل فالدكتور ساهر خرج إليهم بملامحه الهادئة وصوته اللطيف حالتها خطيرة لكنها مستقرة الآن نحن نبذل قصارى جهدنا الأم انهارت بالبكاء تمسك بيد زوجها بينما يحاول الأب جاهدًا الحفاظ على تماسكه وهو يسأل هل يمكننا رؤيتها أومأ الدكتور برأسه لكن لدقائق فقط
دخلوا الغرفة حيث ترقد رانيا فاقدة الوعي الملامح الشاحبة تروي قصتها دون الحاجة لكلمات الأم جلست بجانبها تمسك بيدها الباردة وتبكي بحرقة الأب وقف بصمت ودموع خفية في عينيه
والايام تمر و
في صباح رمادي ثقيل امتزج فيه ضوء الشمس الخافت بالقلق خرج والد خالد من مكتب الإجراءات في المستشفى ممسكًا بورقة التصريح بدفن ابنه قبضته مشدودة على الورقة كأنها آخر رابط له بخالد عينيه غارقتان في حزن صامت لا يحتاج لكلمات لتفسيره خلفه تسير والدته بخطوات بطيئة متعثرة تحمل جسدها المرهق من ثقل الفقد وألم الصدمة نُقل جثمان خالد إلى المشرحة لإجراء الفحص الشرعي الجثة ممددة على طاولة باردة تحت ضوء أبيض ساطع يغسل تفاصيل الوجه الجامد الذي لا يحمل أي تعبير إلا أثر اللحظة الأخيرة أصابع الأطباء تتحرك بخفة ودقة يسجلون الملاحظات ويأخذون العينات دون أن يتوقفوا للحظة عند فكرة أن هذا الجسد كان ينبض بالحياة قبل ساعات قليلة تقرير الطب الشرعي أُعد بعناية يثبت أن سبب الوفاة هو الخنق وآثار العنف واضحة حول عنقه وبقع كدمات متناثرة على ذراعيه ورقبته كدليل صامت علي مقاومته الاخيرة
خارج غرفة الفحص جلس والد خالد صامتًا يحدق في الأرض بينما تحاول والدته كتم شهقات البكاء التي تخنقها كانوا ينتظرون انتهاء الإجراءات الرسمية ليتمكنوا من دفنه وكأن الدفن ليس فقط لتوديع خالد بل أيضًا محاولة يائسة لوضع حد للألم الذي يحترق في صدورهم
في غرفة أخرى كانت رانيا ممددة على سريرها فاقدة للوعي غير مدركة أن حياة كاملة تُدفن في تلك اللحظات جسدها ساكن كأن روحه لا تزال معلقة بين عالمين عالم لم تستطع الهروب منه وآخر لم تجد الشجاعة لمواجهته بعد ملامحها شاحبة كأن الحياة قد تسربت منها بصمت أنفاسها البطيئة تتزامن مع صوت الأجهزة الطبية التي ترصد نبضها الخافت
مرّ الدكتور ساهر بجانب غرفتها توقف للحظة ينظر من خلف الزجاج الشفاف عينيه تلمعان بشيء غامض مزيج من الحزن والتعاطف والانجذاب الذي لا يفهمه لم يكن يعلم أن خالد يُدفن الآن بينما رانيا لا تزال غارقة في عالم مظلم بلا إدراك لما فقدته
في المساء حضر أهل خالد لتشييع جنازته الوجوه شاحبة العيون حمراء من البكاء الأصوات مختنقة بالحزن كانت جنازة صامتة ثقيلة كل شيء فيها يشير إلى حياة انطفأت قبل أوانها بينما في المستشفى لا يزال قلب رانيا ينبض بهدوء كأنها ترفض الاستيقاظ لتواجه الحقيقة الصادمة أن خالد قد ذهب ولن يعود أبداً
ولن تدوم الغيبوبة لمدي الحياة فبعد تسعة عشر يوما من تاريخ نقلها للمستشفى قد افاقت رانيا لتجد نفسها في المستشفى مع جسد هزيل ضعيف ووجه مخيف لم تعرف نفسها للوهلة الاولي
الجزء الثالث
عبء النجاة
أفاقت رانيا لتجد نفسها في المستشفى مع جسد هزيل ضعيف ووجه مخيف لم تعرف نفسها في الوهلة الأولى كانت تشعر أن روحها قد انسحبت منها وتركت وراءها قشرة فارغة حاولت أن ترفع يدها لكن أطرافها بدت كأنها تنتمي لشخص آخر ليس لها تسارعت أنفاسها وهي تحاول استيعاب ما حولها حتى وقعت عيناها على الرجل الواقف بجانبها كان يرتدي معطفًا أبيض ملامحه هادئة لكنها لم تشعر بالراحة تجاهه بل شعرت بثقل في صدرها وكأنها محاصرة في كابوس لا تستطيع الفرار منه
حاول التحدث بصوت لطيف ولكنها لم تكن تسمع سوى صدى صوته البعيد وكأنه قادم من مكان سحيق لم تستطع أن تفهم كلماته في البداية كل شيء كان مشوشًا لكن شيئًا فشيئًا بدأت تدرك أنه طبيب وأنها ما زالت على قيد الحياة
لم يكن هذا ما أرادته لم تكن تريد أن تعيش كانت تتمنى لو أن كل شيء انتهى هناك، مع زوجها أن يكون اسمها قد كُتب بجواره في ذلك التقرير أن تكون مجرد رقم آخر في الإحصائيات جثة أخرى قصة منسية لكن لا، ها هي هنا تتنفس بينما هو...
ليس هنا بينما الفراغ الذي تركه يبتلعها شيئًا فشيئًا حاولت تجاهل الشعور المتصاعد في صدرها ذلك الإحساس المروع بأن هناك شيئًا خطيرًا قد حدث لكنها لم تكن قادرة كانت أنفاسها تتسارع يدها حاولت التحرك لكن الألم كان أقوى منها وكأن كل عضلة لي جسمها ترفض معاونتها تحاول أن تتذكر آخر شيء رأته قبل أن تفقد وعيها تتذكر الأصوات تتذكر الصرخات تتذكر الألم لكن هناك فجوة هناك جزء ناقص عقلها يرفض ملأه يرفض مواجهته
حاول الطبيب أن يطمئنها كان صوته هادئًا لكن عينيه كانتا تحملان شيئًا لم تفهمه شيئًا جعل الخوف يتسلل إليها دون أن تدري أرادت أن تسأله أين زوجها لكنها لم تستطع لم يكن لديها الشجاعة للنطق باسمه وكأنها إن قالت اسمه ستجلب لعنتها الخاصة ستجبره على الاختفاء تمامًا كما يخبرها قلبها أنه قد اختفى بالفعل
اقترب الطبيب خطوة أخرى كان يريد أن يطمئنها لكنه كان يعلم أن الأمر ليس بهذه السهولة لم يكن الألم الذي تشعر به مجرد ألم جسدي كان أعمق من ذلك بكثير كان شيئًا يراه في عينيها قبل أن تنطق قبل أن تحاول حتى أن تتحرك كأنها تحتمي بصمتها كأنها تخشى أن ينكسر حاجز رقيق بينها وبين واقع لا تريد مواجهته
رفع يده ببطء محاولًا ألا يثير ذعرها صوته كان هادئًا دافئًا لكنه لم يكن يحمل تلك النبرة الرسمية المعتادة في الأطباء بل كان فيه شيء إنساني شيء يشبه الرجاء أو ربما الحزن قال لها بهدوء إنه طبيبها وأنها الآن في أمان لكنها لم تبدُ مقتنعة بل زاد اضطراب أنفاسها كأن الكلمة نفسها أمان بدت لها شيئًا غريبًا مستحيلًا
راقب تعابير وجهها المرتبكة لم ترفع عينيها نحوه كانت تحدق في اللاشيء في نقطة ثابتة في الفراغ وكأنها تخشى أن تقابل عينيه أن ترى شيئًا لا تريد رؤيته حاول أن يبتسم بلطف ليكسر حاجز الخوف لكنه شعر أنها تنكمش أكثر تحت الغطاء كأنها تريد أن تختفي تمامًا عن هذا العالم
ظل صامتًا للحظات يراقب رد فعلها قبل أن يقول بهدوء أنه سيبقى بجوارها إن احتاجت لأي شيء لكنها لم تجب لم ترفع رأسها حتى لم تمنحه نظرة واحدة كانت يدها تتحرك ببطء فوق الغطاء تقبض عليه بقوة كأنها تحاول أن تثبت نفسها في الواقع أن تشعر بشيء ملموس لأن كل شيء آخر يبدو كأنه كابوس لم تخرج منه بعد
استدار الطبيب ببطء وأدار لها ظهره للحظات كأنه يمنحها المساحة التي تحتاجها لكنه لم يكن فقط يمنحها المساحة كان يفكر كان يحاول أن يستوعب كيف يمكن لشخص أن يتحمل كل هذا الألم كيف لامرأة مثلها جميلة من عائلة محترمة أن ينتهي بها الحال هكذا بهذه القسوة
وقف هناك للحظة لم يستطع منع نفسه من التفكير في الأمر كل شيء فيها كان يصرخ أنها لم تكن تستحق ما حدث لم يكن مجرد حادث عادي أو مأساة عابرة كان شيئًا ترك أثره على روحها قبل جسدها كان يرى ذلك في عينيها حتى وهي ترفض أن تنظر إليه
لم يكن يعرف الكثير عن حياتها لكنه سمع الاسم سمع عن عائلتها وعرف أنها ليست مجرد فتاة عادية عرفت الرفاهية والراحة لكنها الآن هنا في هذا السرير وحيدة مكسورة خائفة لم يكن في عينيها أي أثر للحياة التي عاشتها من قبل لم يكن هناك سوى خوف ممتد كأنه امتداد لليل طويل بلا نهاية
زفر بهدوء وهو يضع يديه في جيبه شعر بثقل غريب في صدره لم يكن يعرف لماذا لكنه شعر أنه يريد أن يفعل شيئًا أن يقول شيئًا لكنه كان يعلم أنها لن تسمع كانت مغلقة على نفسها تمامًا كأنها بنت جدارًا بينهما لم يكن يريد اختراقه فقط أراد أن تعرف أنها ليست وحدها
خرج ساهر من الغرفة وهو يشعر بخفة غريبة لم يكن هذا هو المتوقع بعد حالة الطوارئ التي عاشها المستشفى بسببها لكنها نجت هذا هو المهم خطاه كانت أسرع من المعتاد وهو يسير في الممر الطويل عيناه تلمعان بنوع من الرضا لم يفهمه تمامًا لكنه لم ينكره
عندما وصل إلى غرفة الدكتور أيمن طرق الباب مرة واحدة ثم دفعه ودخل بابتسامة خفيفة على وجهه كان أيمن جالسًا يتصفح بعض الملفات لكنه رفع رأسه فور أن رآه وقال بنبرة ساخرة "إيه يا دكتور ساهرشكلك داخل عليا مبسوط كده ليه؟"
ضحك ساهر وهو يسحب كرسيًا ويجلس قبالته وقال بنبرة عادية لكن في عينيه شيء مختلف "صَحِيت"
رفع أيمن حاجبه متسائلًا قبل أن يفهم عن من يتحدث فأغلق الملف وألقى به جانبًا ثم مال للأمام وهو يقول باهتمام مصطنع "حبيتها ولا إيه يا دكتور؟"
ساهر ابتسم وهو يهز رأسه ببطء كأنه يستنكر كلام صديقه لكنه لم ينكر تمامًا الحقيقة التي قالها بنصف مزاح ونصف جدية رفع حاجبه وهو يقول : لا حب إيه بس البنت عجباني مش أكتر يعني مش هكدب وأقولك إني مشفتش حد بجمالها حتى وهي في حالتها دي إلا إنها فعلا مميزة مش بس شكلها كمان طريقتها ردود أفعالها فيها حاجة مختلفة
صديقه ضحك بخبث وهو يربت على كتف ساهر قائلا يا عم قول اللي في قلبك متحورلناش انت دايمًا كده أول ما تعجبك واحدة تقعد تلف وتدور وتقول مش حب بس عجباني وبعدين نلاقيك متلبس ومتورط من ساسك لراسك
ساهر ابتسم وهو يتنهد قبل ما يرد بجدية اسمع يا أيمن أنا مش بلف ولا بدور بس بصراحة الموضوع ده مش زي أي مرة قبل كده البنت طالعة من كارثة مش طبيعية فاهم يعني إيه؟ مش بس جوزها اتقتل لا دي كمان اتعرضت لحاجة أبشع من الموت نفسه حاجة تدمر أي إنسانة
وحدجه بنظرة جادة وانت عارفني انا عايز ايه
أيمن لم يكترث لما يقال ولكنه سأل لإطاله الحديث : طب وحالتك لما بتقف عند أوضتها ساكت وتفضل تبصلها دي كمان متابعة لحالة المريضة ولا بتعاين قبل ما ياجي وقتها
ساهر شعر بحرارة مفاجئة في وجهه لم يكن يتوقع أنه مفضوح بهذا الشكل فهي الحالة الوحيدة من كل الحالات كان يطمئن عليها ثلاث واربع مرات يوميا
أدار نظره بعيدًا محاولًا التظاهر بعدم الاكتراث لكنه شعر بأنه مكشوف أمامه لم يجد ردًا مناسبًا فاكتفى بالصمت ثم ألقى نظرة سريعة على أيمن قبل أن يستدير ومضى في طريقه دون أن ينبس بكلمة
يدور في خياله سؤال واحد : اشمعنا هي وهي حالتها كدة ؟؟؟
انا قدامي بنات كتير وحالتهم وشكلهم احلي وبيتمنو بس اني ابصلهم بس ليه هي !!
كانت الأيام تمر ببطء شديد كأنها تختبر صبرها وعزيمتها رانيا بدأت تستعيد شيئًا من قوتها مع كل يوم يمر كان الألم يتراجع قليلًا لكنه لم يختف تمامًا كانت تحاول أن تبدو طبيعية أمام عائلتها التي لم تتخلف يومًا عن زيارتها والدتها لم تترك يدها لحظة كلما جاءت أما شقيقها فكان صامتًا أكثر من المعتاد عيونه تحمل غضبًا مكتومًا ووالدها كان يكتفي بتأملها بحزن كأنه يشعر بالذنب لأنه لم يكن هناك ليحميها
كانت تمضي ساعاتها في المستشفى بين جلسات العلاج وبين محاولات الأطباء لطمأنتها وكان دكتور ساهر دائم الحضور يراقب تحسنها بعينيه اللطيفتين لكنه لم يكن يتحدث كثيرًا وكأنه أدرك أن رانيا تحتاج إلى الصمت أكثر من الكلمات
وفي أحد الأيام بينما كانت جالسة تتابع الأخبار على شاشة التلفاز الصغيرة في غرفتها سمعت طرقًا على الباب ثم دخل الدكتور ساهر كعادته ولكن نظرته كانت مختلفة ثم دخل الرائد هشام وخلفه مساعده الضابط عمر كان شابًا طويل القامة حاد الملامح يبدو عليه الجدية الشديدة نظر هشام إليها بإمعان قبل أن يقول بصوت هادئ لكنه يحمل نبرة رسمية رانيا محتاجين نتكلم معاك شوية لو حاسة إنك تقدري
أومأت برأسها ببطء ثم نظرت إلى والدتها التي كانت تجلس بجوارها فأدركت الأخيرة أن الوقت قد حان لترحل بهدوء أمسكت يد رانيا بحنان ثم طبعت قبلة على جبينها قبل أن تغادر الغرفة برفقة والدها وأخيها
جلس هشام على الكرسي المقابل لها بينما وقف خالد بجانبه ممسكًا بدفتر صغير وقلم جاهز للتدوين
بعد لحظة صمت قال هشام احنا حققنا في القضية وجمعنا معلومات كتير لكن في حاجات محتاجين نسمعها منك بنفسك محتاجين نعرف أكتر عن الليلة دي كل تفصيلة حتى لو كنتي شايفة إنها مش مهمة اي معلوما صغيرة ممكن تكون مفتاح كبير لحل القضية
نظرت إليه رانيا للحظات بدا لها السؤال ثقيلًا لكنه لم يكن بنفس قسوة الأيام الأولى التي أعقبت الجريمة زفرت ببطء ثم قالت كنت نايمة صحيت على صوت غريب في الصالة حسيت إن في حد بيتحرك كنت لسه مش مستوعبة لما خالد قام بسرعة وقال لي استني هنا وخرج يشوف في إيه لكني سمعته بيتخانق مع حد و بعيدين الصوت وقف والحرامي دخل عليا ونور النور وشافني وقرب مني و .. و .. وبس
توقفت قليلًا تحاول أن تحبس دموعها ثم تابعت بصوت مرتجف بعد كده كل حاجة كانت ضبابية فاكرة إني حاولت أقاوم بس مقدرتش ومش فاكرة حاجة
كان هشام ينصت إليها باهتمام بينما كان خالد يدون كل كلمة قالتها ثم رفع رأسه ليسألها فاكرة المحادثة بتاعتنا الاولي ؟
هزت رأسها بالسلب دون تردد انا اول مرة اشوفك
نظر هشام إليها ثم قال : انتي هتعملي عليا مجنونة يا بنت؟ يعني ايه اول مرة اشوفك دي .... الدكتور المسؤول عن حالتك كاتب تقرير ان ذاكرتك كويسة ومفيهاش حاجة ... تلفت يمينا ويسارا ثم القي نظره علي ساهر قائلا : ولا ايه يا دكتور ساهر
هز ساهر رأسه مؤيدا لكلامه دون كلمة واحدة
احست رانيا بان ظهرها من بعد زوجها قد كسر لا بل خلع عنها (وكأنها اصبحت ملطشة من الناس


شعرت رانيا بقلبها يخفق بقوة قبضوا على أحدهم هذا يعني أن العدالة قد بدأت تتحرك ببطء لكنها تتحرك أومأت برأسها مرة أخرى وقالت بصوت أكثر ثباتًا أنا جاهزة
وقف هشام بعصبية بعد أن شعر أن رانيا تتلاعب به نظر إليها نظرة غاضبة قبل أن يقول بصوت منخفض لكنه يحمل توترًا واضحًا "انتي بتتلاعبى بيا يا رانيا إحنا جايين هنا علشان نساعدك لكن واضح إنك مش عايزة تساعدينا ولا حتى تساعدي نفسك" مد يده والتقط ملف القضية الذي وضعه أمامه ثم أشار لخالد بأن يتبعه وخرج من الغرفة بخطوات سريعة
مع مغادرة هشام الغاضبة غرقت الغرفة في صمت ثقيل كان ساهر لا يزال واقفًا يراقب رانيا التي بدت شاردة لم تتحرك لم تتكلم فقط كانت عيناها تحملان مزيجًا من القلق والارتباك بعد لحظات رفعت رأسها ببطء ثم نادت بصوت منخفض لكنه كان محملًا برجاء خفي "ساهر ممكن أسألك سؤال"
نظر إليها ساهر بتركيز ثم اقترب منها قليلًا وقال
اكيد يا رانيا اسألي اللي انتي عايزاه
ابتلعت ريقها بصعوبة وكأنها تحاول أن تهيئ نفسها لما ستقوله
ثم نظرت إليه مباشرة وقالت بصوت متردد
"امي قالتلي ان خالد موجود في المستشفي هنا .. ممكن اشوفه او اتطمن عليه"
ارتبك ساهر للحظة شعر بتوتر خفيف بدأ يتسلل إلى جسده لكنه حاول أن يحافظ على هدوئه يعلم أنها ستسمع هذه الحقيقة عاجلًا أم آجلًا لكن ليس الآن ليس بهذه الطريقة تنحنح قليلًا ثم قال بصوت هادئ لكن متردد : رانيا خلينا نركز دلوقتي على علاجك وإنك تبقي كويسة وبعدين كل حاجة هتوضح
لكن رانيا لم تكن غبية كانت نظراته المرتبكة وصوته المتردد كافيين ليجعلوها تشعر أن هناك شيئًا مخفيًا شيئًا لم يخبرها به أحد منذ البداية حدقت فيه للحظات طويلة قبل أن تقول بصوت يعلو تدريجيا : ساهر أنا مش هبقى كويسة غير لما أشوف خالد لو سمحت قوليلي هو فين هو كويس ولا حصل له حاجة ليه محدش بيكلمني عنه
سكت للحظات ثم وضعت يدها على رأسها وكأنها تحاول طرد فكرة مرعبة بدأت تتشكل داخل عقلها ثم قالت بصوت متحشرج : لا لا أكيد هو كويس أنتوا بس مخبيين عني لأنه لسه في المستشفى صح صح هو لسه بيتعالج صح مش كده يا ساهر
لم يعرف ساهر ماذا يقول لم يكن يريد أن يكون هو الشخص الذي يخبرها بهذه الحقيقة القاسية لكن في الوقت نفسه لم يكن يستطيع أن يكذب أكثر زفر ببطء ثم قال بصوت خافتت : رانيا لازم تهدي وتسريحي دلوقتي وصديقيني كل حاجة هتوضح في وقتها
لكن رانيا لم تستطع أن تتحمل أكثر بدأت الدموع تتجمع في عينيها ثم هتفت بصوت مرتجف ليه مش عايزين تقولولي خالد مات صح ؟ خالد مات ودلوقتي مدفون
اتسعت عينا ساهر للحظة شعر أن الهواء في الغرفة قد صار أثقل وأن ثقل الحقيقة بات أقوى من أن يُخفى نظر إليها نظرة ممتلئة بالشفقة لكنه لم يجد الكلمات المناسبة ليجيبها كانت رانيا تحدق فيه بعيون امتلأت بالرعب وكأنها ترفض التصديق لكنها تعرف أن حدسها لا يكذب حاول ساهر أن يهدئ من اضطرابها فوضع يده على كتفها برفق ثم قال بصوت منخفض لكنه حاسم : رانيا اهدي مش لازم تفكري دلوقتي خلينا نركز على علاجك الأول
لكنها لم تكن قادرة على الهدوء شعرت بجسدها يرتجف بينما عقلها يرفض تقبل الفكرة هزت رأسها بعنف ثم صرخت بصوت مرتجف :لا كلكم كدابين خالد عايش أنتو مخبيين عني هو في المستشفى مش كده ليه محدش عايز يخليني أشوفه ليه محدش بيقولي الحقيقة
حاول ساهر أن يمسك بيدها ليهدئها لكنها سحبت يدها بعنف ثم نظرت إليه بعيون مليئة بالغضب والدموع كانت أنفاسها متلاحقة وكأنها على وشك الانهيار ثم صاحت بصوت أجش : رد عليا يا ساهر خالد مات صح
لم يستطع أن يتهرب أكثر لم يستطع أن يكذب أكثر شعر أن أي كلمة قد يقولها ستكون كالسيف القاطع على قلبها لكنه لم يعد يملك خيارًا آخر زفر ببطء ثم قال بصوت بالكاد خرج من حلقه : رانيا خالد مات
تجمدت نظراتها للحظات وكأن عقلها توقف عن الاستيعاب لم تنطق لم تتحرك فقط كانت تحدق فيه وكأنها تحاول أن تجد كذبة في ملامحه لكن ملامحه كانت صادقة حدقت فيه أكثر ثم فجأة شعرت أن الغرفة بدأت تدور بها أنفاسها أصبحت ثقيلة ثم بدأ جسدها ينهار للخلف لولا أن ساهر كان سريعًا بما يكفي ليمسك بها قبل أن تسقط
حاول أن يحملها لكنها تمسكت بذراعه ونظرت إليه بعيون ممتلئة بالدموع ثم همست بصوت خافت بالكاد يُسمع : مستحيل خالد مستحيل يكون مات
لكن الدموع التي انسابت على وجه ساهر دون أن يشعر بها أخبرتها أن المستحيل قد حدث
كان ساهر لا يزال ممسكا بها محاولا تهدئتها لكن جسدها كان يرتجف بقوة أنفاسها متقطعة وعيناها غارقتان في الدموع شعر بأنها على وشك الانهيار تماما حاول أن يتحدث إليها بصوت هادئ لكنه لم يكن متأكدا إن كانت تسمعه بالفعل أم لا في تلك اللحظة انفتح الباب فجأة ودخل أيمن وهو يقول : دكتور ساهر الرائد هشام بيقول إنه هييجي بعد بكرا ياخد أق...
توقف أيمن عن الكلام فور أن رأى المشهد أمامه ساهر ممسكا برانيا التي كانت ترتجف بقوة ووجهها غارق في الدموع للحظة شعر أن هناك شيئا غير مفهوم رفع حاجبه قليلا قبل أن يقول : خير دكتور ساهر في حاجة؟
رفع ساهر رأسه إليه للحظة ثم زفر ببطء كان يمكنه أن يرى الشك واضحا في عيني أيمن لكنه تجاهله تماما وقال بصوت منخفض لكنه حازم : اطلع بره يا أيمن
تجمد أيمن في مكانه للحظة ثم ابتسم بسخرية وهو يقول : ليه يا دكتور ساهر؟ أنا بسأل سؤال عادي
نظر إليه ساهر بحدة وقال بنفس النبرة الهادئة لكن القاطعة : قلت اطلع بره
لم يكن أيمن معتادا على رؤية ساهر بهذه الجدية للحظة شعر برغبة في الاستفزاز لكنه أدرك أن التوقيت ليس مناسبا زفر ببطء ثم رفع يديه باستسلام وقال وهو يتراجع : ماشي ماشي يا باشا ثم التفت خارجا لكنه لم يستطع إخفاء النظرة الساخرة في عينيه قبل أن يغلق الباب وراءه
اتجه ساهر بخطوات ثابتة إلى الخارج بعدما تأكد أن رانيا هدأت قليلًا لكنه لم يكن مرتاحًا لمظهرها الهش ولا لصوتها المرتجف ظل للحظات واقفًا في الممر يحاول أن يستجمع أفكاره ثم توجه إلى غرفة الأطباء حيث وجد أيمن جالسًا على مكتبه يراجع بعض الملفات رفع رأسه فور دخول ساهر إليه وقال باهتمام : أه ساهر كنت لسه هبعت لك حد
اقترب ساهر وجلس على الكرسي المقابل وهو يشعر بثقل في صدره قبل أن يقول : هشام بعت يقول إنه جاي بعد بكرة عشان ياخد أقوالها؟
أومأ أيمن برأسه وهو يضع الملف جانبًا وقال : آه بلغني من شوية وبيقول ان ياريت تساعده بدال اللي حصل انهاردة
تنهد ساهر وهو يسند مرفقيه على الطاولة وينظر إلى نقطة غير محددة في الفراغ وقال : المشكلة إنها لازم تواجه اللي معاها ده في أقرب وقت التهرب مش هيحل حاجة بالعكس هيزود الصدمة عندها
أيمن نظر إليه بتمعن ثم قال : تواجه ايه يا دكتور انا شايفك فحضنها وهي تفرق ايه عن اي واحدة بتكون فحضنها وبعدها بتكون فشقتك .... لو واحدة بتعاني مستحيل تسيبك في حضنها دكتور دكتور
وانت متضايق ليه بالشكل ده الموضوع بقى شخصي عندك حاول ساهر أن يخفي انزعاجه لكنه لم يستطع فأشاح بوجهه قليلًا ثم قال بصوت هادئ لكنه يحمل توترًا دفينًا : أيمن انت عارف إن شغلنا يحتم علينا نتعامل مع حالات صعبة لكن دي مختلفة حاسس إن البنت دي بتمر بجحيم و...
قاطعه أيمن مبتسمًا وهو يسند ظهره إلى الكرسي : وعايز تبقى البطل اللي يخرجها منه؟
عشان تقدر تلعب معاها زي كل مرة صح؟
زفر ساهر بضيق وقال : العب إيه بس يا أيمن أنا بس عايزها تفوق من اللي فيه
رفع أيمن حاجبيه وقال : اه وندي وبشري وغيرهم يشهدولك ..... عندك طرق جديدة انت يا ساهر في العلاج النفسي .. العلاج بأنك تحتويها وتخليها تحبك وتاخد مصلحتك منها وتفكسلها
تردد ساهر للحظة ثم قال : اسكت يا أيمن أسكت
ظل أيمن صامتًا للحظات يراقب صديقه قبل أن يقول بنبرة جادة : طيب وإنت شايف إن ده لمصلحتها ولا لمصلحتك؟
نظر إليه ساهر بدهشة قبل أن يستوعب مغزى السؤال فظل صامتًا دون إجابة
الجزء الرابع:
قبل ما ندخل للجزء الرابع حابة اقول حاجتين صغننيناحم احم احب اقدم اعتذاري عن مستوي الجزء التالت عارفة اني خيبت املكم فيه بس اوعدكم ان من هنا ورايح هتلاقو المستوي المتعودين عليه ( كان عندي امتحانات وعشان كدة الجزء مكانش احسن حاجة وعشان كدة اتاخرت في الجزء الرابع )
كمان بناء علي طلب كذا شخص هرجع علامات الترقيم تاني برغم اني مش بحبها بس طبعا طالاما الحاجة دي هتريحكم هعملها
و بحبكم كلكووووووووو
ويلا بينا نرجع لسياق القصة تاني
لحظظظظة هفهمك كام حاجة لو مفهمتهاش لوحدك عشان تعرف تكمل القصة وتستمتع بيها
اول حاجة رانيا بتكلم ساهر باسمه ع طول منغير ما تقول دكتور عشان هي ليها فترة معاه وحاسة باهتمامه و في صحوبية كدة
تاني حاجة كمان ساهر لما عمل تقرير حالتها متكلمش عن انها نسيت الحاجات اللي حصلت بمدة صغيرة قبل فقدانها لوعيها وده تشخيص غلط من الدكتور
واخر حاجة رانيا خلاص بعد ما عرفت ان جوزها مات عرفت انها عايشة بدون سبب يعني عايشة بس ميتة وده هيظهر في الأجزاء اللي جاية
تمام ... جاهز نرجع بالقصة !!؟
الجزء الرابع:
مرَّ يومان منذ آخر استجواب، ورانيا بدأت تتأقلم مع الأمر. لم تعد تلك الأسئلة والتحقيقات تثير توترها كما في البداية. صحيح أن الموقف غير مريح، صحيح انها فقدت اعز ما تملك، لكنها أدركت أن الانفعال لن يفيدها. كانت تفكر في تفاصيل الأحداث الماضية، ليس بقلق، ولكن بحذر.
في صباح اليوم الثالث، دخل الدكتور إلى غرفتها وهو يتفحّص ملفها الطبي. رفع عينيه نحوها وقال بنبرة عملية:
ــ حالتك مستقرة يا أستاذة رانيا، وأظن إنك تقدري تخرجي خلال يومين لو استمر التحسن ده.
هزّت رأسها بإيماءة خفيفة، لم تكن مغادرة المستشفى تهمّها الآن بقدر ما كانت تفكر فيما سيأتي بعد ذلك.
ما إن خرج الطبيب، حتى رن هاتفها. التقطته ونظرت إلى الشاشة، كان المتصل رقم غير معروف. ضغطت على زر الإجابة وقرّبت الهاتف من أذنها:
ــ ألو.
جاءها صوته هادئًا لكنه جادًا :
ــ الو، استاذة رانيا انا عمر، إحنا هنيجي النهاردة، الرائد هشام عايز يقابلك.
لم تتفاجأ. توقعت أن التحقيقات لم تنتهِ بعد، فأجابت بثبات:
ــ تمام، هستناكم.
أغلقت الهاتف ووضعته بجانبها. لم تشعر بأي توتر، لكنها كانت تعلم أن هذه المرة مختلفة. هشام لم يكن من النوع الذي يضيّع وقته في مقابلات بلا فائدة، وإذا كان قادمًا اليوم، فهذا يعني أن هناك تطورات جديدة.
استلقت على ظهرها وحدّقت في السقف. عقلها يعمل بسرعة، تراجع كل ما قيل في التحقيقات السابقة، كل سؤال طرحه هشام، وكل إجابة قدمتها. لم يكن الأمر مجرد تحقيق عادي، كان هناك شيء أكبر يدور في الخفاء.
زفرت ببطء، ثم رفعت جسدها قليلًا مستندة إلى الوسادة. نظرت حولها إلى الغرفة الباهتة، السرير الأبيض، الأجهزة الطبية التي اعتادت صوتها. ربما يكون هذا آخر يوم لها هنا. وربما يكون مجرد بداية لشيء أكبر بكثير مما تخيلت.
لم تمضِ سوى ساعة حتى سُمِع طرق خفيف على الباب، ثم فُتح ليدخل عمر أولًا، يتبعه الرائد هشام بخطوات هادئة وثابتة. نظر إليها هشام نظرة سريعة قبل أن يقول بنبرة جادة ولكن خالية من الحدة:
ــ أخبارك إيه يا أستاذة رانيا؟
رفعت حاجبها قليلًا وهي ترد ببساطة:
ــ الحمد ***، الدكتور بيقول إني ممكن أخرج قريب.
هزّ هشام رأسه بإيماءة خفيفة، ثم سحب كرسيًا وجلس أمامها مباشرة، بينما ظل عمر واقفًا بالقرب من النافذة، كأنه يراقب ردود فعلها بصمت. وضع هشام ملفًا صغيرًا على الطاولة بجانبه، ثم شبك أصابعه وهو يقول:
ــ كويس إنك بتتحسني، بس فيه شوية حاجات محتاجين نتكلم فيها قبل ما تخرجي.
أشارت له بيدها أن يتفضل بالكلام، فأخرج من الملف عدة أوراق وضعها أمامها. نظرت إليها، فرأت صورًا مأخوذة من كاميرات مراقبة، بعضها يبدو مألوفًا، والبعض الآخر لا.
أشار هشام إلى صورة محددة، كانت فيها تخرج من أحد المقاهي، بينما يظهر شخص آخر على بعد خطوات منها، لم تستطع تمييز ملامحه بوضوح.
ــ الصورة دي من ليلة الحادثة. الشخص ده كان بيراقبك قبل وقوعها بفترة. تعرفيه؟
حدّقت رانيا في الصورة بتركيز، قلبها ينبض ببطء لكن عقلها كان يعمل بسرعة. كانت تعرف هذا الشخص … أو على الأقل، شعرت أنها رأته من قبل، لكن أين؟ ومتى؟
رفعت نظرها إلى هشام وقالت بثبات:
ــ مش متأكدة، بس شكله مألوف.
أمال هشام رأسه قليلًا، كأنه توقع هذه الإجابة، ثم دفع صورة أخرى نحوها. هذه المرة، كانت الصورة أوضح… والشخص أقرب. عيناه، طريقة وقوفه، شيء ما في ملامحه جعل موجة من الذكريات تندفع إلى عقلها فجأة.
شعرت بقبضة خفية تعتصر معدتها، لكنها أخفت ذلك خلف وجه جامد وهي تقول ببطء:
ــ استنى… ده… ده كان موجود في المكان اللي كنت فيه قبل الحادثة. بس ما كلمتهوش.
نظر هشام إلى عمر نظرة عابرة، ثم عاد إليها وسأل بصوت هادئ لكنه حاد:
ــ أكيد؟ لأن الشخص ده مش مجرد واحد عادي.
ضغطت على شفتيها، ثم قالت:
ــ أنا مش متأكدة 100٪، بس لو شوفت له صور أكتر، ممكن أفتكر أكتر.
ابتسم هشام ابتسامة صغيرة بالكاد لُوحظت، ثم قال:
ــ عندنا صور كفاية، وأكتر من كده كمان.
فتح الملف مرة أخرى، وأخرج شيئًا جديدًا، لكن هذه المرة لم يكن صورة… بل كان تسجيلًا صوتيًا، وضعه أمامها وقال:
ــ خلينا نسمع سوا.
ضغط على زر التشغيل، وبدأ الصوت يخرج بوضوح… صوت رجل يتحدث بلهجة واثقة، يقول شيئًا جعل الدم يتجمد في عروق رانيا.
الآن، أدركت أن ما كانت تعتقده مجرد حادثة… لم يكن كذلك أبدًا.
نظر هشام إلى رانيا بتركيز شديد، عيناه تراقبان كل انفعال يمر على وجهها. كان واضحًا أنها استرجعت شيئًا مهمًا، شيئًا قد يكون مفتاح القضية بأكملها.
سمعتيه فين؟ ومين الشخص ده؟
ترددت رانيا للحظة، كأنها تخشى الإجابة، ثم قالت بصوت متردد:
ــ كنت… كنت في المكتب عنده من فترة، وسمعته بيتكلم في التليفون. قال الجملة دي بنفس الطريقة، بنفس النبرة تقريبًا.
ارتفع حاجبا هشام قليلًا:
ــ "المكتب"؟ تقصدي مكتب مين؟
تنفست بعمق، ثم قالت:
ــ مالك… مالك السيوفي.
ساد الصمت للحظات. مالك السيوفي لم يكن اسمًا عابرًا، بل كان أحد رجال الأعمال المعروفين في المجال التجاري.
لم يكن لديه سجل إجرامي واضح، لكن الجميع يعرف أنه ليس نظيفًا تمامًا.
ــ تقصدي الشخص ده؟
نظرت إلى الصورة، ثم أومأت برأسها:
ــ اه هو ده.
ضغط هشام على زر في جهاز التسجيل وأعاد تشغيل المقطع. الصوت كان واضحًا جدًا، وكأنه الآن لا يترك مجالًا للشك.
"اتأكد إن كل حاجة ماشية زي ما خططنا، ما ينفعش يحصل أي خطأ دلوقتي."
كان الصوت مشابهًا جدًا لصوت مالك السيوفي. لو لم تكن رانيا قد رأته يتحدث بهذه الطريقة من قبل، لكانت ربما ترددت.
التفت هشام إلى عمر، الذي كان يراقب بصمت، وقال:
ــ ده ممكن يكون المفتاح اللي بندور عليه. لازم نتحرك فورًا.
رفع هشام سماعة الهاتف فورًا واتصل بأحد الضباط في قسم التحريات.
ــ أيوه يا كمال، محتاج منك خدمة ضرورية.
جاءه صوت الضابط كمال سريعًا:
ــ تحت أمرك يا باشا.
ــ عايز تفاصيل المكالمة اللي سجلناها، عايز أعرف المتصل كان بيتكلم عن إيه بالظبط. لو في أي تسجيلات تانية أو بيانات تقدر تطلعها، ابعتها لي فورًا.
رد كمال بجدية:
ــ تمام، هراجع البيانات وأبعت لك كل التفاصيل خلال 10 دقايق.
أنهى هشام المكالمة ثم نظر إلى عمر، قائلاً:
ــ واخيرا وقعت يا سيوفي
رد عليه عمر
ــ السيوفي المشتبه فيه الرئيسي لو الجملة دي ليها علاقة بالجريمة، يبقى خلاص، وقع ومحدش سمي عليه.
بدأت الصورة تتضح أكثر فأكثر، كل الخيوط كانت تقود إلى مالك السيوفي. اتصالات مشبوهة، اجتماعات غير واضحة، وتلك الجملة التي بدت كأنها اعتراف مخفي.
لم ينتظر هشام للتأكد من صحة المكالمة، تم تجهيز مذكرة لاستدعاء مالك السيوفي للتحقيق. بدا الأمر وكأن القضية وصلت إلى محطتها الأخيرة، كأن العدالة ستأخذ مجراها أخيرًا.
لكن…
في اللحظة الأخيرة، بينما كان هشام يستعد لمغادرة المستشفى، وصله رد كمال، وكان علي وجهه الغرابة.
ــ يعني ايه بطاطس !!!
ــ زي ما سمعت كدة, المكالمة كانت بين مالك السيوفي وأحد العاملين في شركته، وكانت الجملة التي قالها في التسجيل لا علاقة لها بأي جريمة.
كانت مكالمة تجارية بحتة…
"اتأكد إن كل حاجة ماشية زي ما خططنا، ما ينفعش يحصل أي خطأ دلوقتي."
كان يتحدث عن شحنة… بطاطس!
نظر هشام إلى الورقة، ثم إلى عمر، ثم زفر بضيق.
ــ إحنا كنا هنقبض على الراجل بسبب شحنة بطاطس؟!
تبادل الجميع النظرات في صمت، قبل أن تنفجر رانيا ضاحكة رغم التوتر.
ــ طيب، على الأقل عرفنا إن البطاطس تحت السيطرة.
(خد يا ولا انت فاكر ان مارسي هتسيبك تخلص القصة بالسهولة دي لا استنا الاحداث لسة هتسخن تاااااني)
هشام بصوتته الجاد :
ــ رانيا، ده مش وقت هزار. احنا هنا عشان نجيب حقك من المجرم وحق جوزك. ركزي كويس، وقولي كل حاجة تعرفيها.
ثم سكت برهة واكمل حديثه
ــ رانيا، إحنا محتاجين نعرف بالضبط إيه اللي حصل ليلة الحادثة. ممكن تحكيلي كل التفاصيل.
ــ كنت نايمة، وفجأة سمعت صوت خطوات في الصالة... صحيت جوزي، قولت له إني سامعة صوت حد ماشي برا.
ــ وجوزك عمل إيه؟
ــ قالي إنها تهيؤات، وإن مفيش حاجة... بس بعد شوية هو نفسه سمع الصوت. قام بسرعة وقال لي: "إنتي خليكي هنا، أنا هشوف في إيه."
هشام اعطاها كل تركيزه
ــ وبعدين؟
ــ فضلت قاعدة مكاني، مستنية... بس فجأة، مفيش صوت خالص... عمّ السكون. فضلت مستنية، وبعدين... فجأة، لقيت الحرامي دخل عليّ الأوضة!
قاطعها بس
ــ كنتي شايفة ملامحه؟
تهز رأسها نافية لا...
ــ كان ملثم، ومقدرتش اشوفه. بس قبل ما أقدر أصرخ، ضربني على راسي، وبعدها... دوخت ووقعت
ينظر لها بتركيز
ــ لما فوقتي، كان في إيه حواليكي؟
ــ لقيت نفسي على السرير، والدنيا مقلوبة... وانت عارف الباقي
ورجعت تبكي تارة اخري .
هشام بدي عليه العصبية
ــ انا هنا عشان اساعدك اتكلمي، اعتبريني معرفش حاجة
اكملت رانيا كلامها قائلة :
ــ اغتصبني ... اغتصبني يا سيادة الرائد، كان لازم تسمعها مني ، المستشفى كلها عارفة والدنيا كلها عارفة،
شعر هشام بالضيق، كيف سولت له نفسه ان يصرخ في وجهها وهي في تلك الحالة، رفع يده بحركة هادئة ووضعها بلطف على كتفها، ثم بدأ يربت عليها برفق، في محاولة لتهدئتها وإعطائها شعوراً بالاطمئنان، محاولاً أن يُظهر لها دعمه الكامل في هذه اللحظة العصيبة.
وقف هشام وبدأ يتكلم بصوت حنين علي غير عادته :
ــ أنا عارف إنك مررتِ بوقت صعب، ولكن الوضع الآن يتطلب منك الهدوء، عشان نقدر نجيب حقك وحق جوزك.
رانيا لتنهيدة :
ــ ايوة... أنا فهمت.
هشام بابتسامة خفيفة، وهو يرفع يده ويضعها بلطف على كتفها مرة اخري :
ـ الوقت ده مش وقت هزار... لازم نكون جدين في كل خطوة.
ثم يربت على كتفها بحركة هادئة
رانيا بصوت أضعف، وقد بدأ التوتر في ملامح وجهها يقل:
ــ أنا... أنا تعبانة... بس هحاول أكون قوية.
هشام بصوت هادئ :
ـ إحنا هنا علشان نساعدك... كلنا في ضهرك.
رانيا تأخذ نفسًا عميقًا وتبدو أكثر هدوءًا الآن.
هشام بعد لحظة من الصمت، يلتفت إلى عمر الذي يقف في الزاوية :
ـ عمر، يلا بينا، هنمشي دلوقتي.
عمر بابتسامة صغيرة :
ـ تمام، يا فندم.
هشام يستدير مرة أخرى إلى رانيا :
ـ اتمني المرة الجاية لما اشوفك اشوك عندي في المكتب مش في المستشفى.
رانيا (بصوت ضعيف لكنها ممتنة):
ـ شكرًا... شكرًا ليكم.
هشام يرتدي تعبيرًا جادًا على وجهه:
ـ إحنا بنعمل شغلنا، زي ما لازم نعمله.
ثم ينحني قليلاً بشكل محترم قبل أن يلتفت مع عمر ويتوجهان نحو الباب
حلَّ الليل، وجاء اليوم التالي محمَّلًا بأنفاس الصباح الباردة، كأنما يحمل معه وعودًا جديدة أو ربما كوابيس أخرى في ثوب النهار. غادرت رانيا المستشفى أخيرًا، بعد أيام بدت لها وكأنها سنوات، تحمل فوق كتفيها أثقالًا من المشاهد المشوهة والأسئلة التي لا تجد لها إجابة.
دخل ساهر إلى الغرفة بخطوات هادئة، وعيناه تراقبان رانيا التي كانت جالسة على سريرها، تحدق في الفراغ بعينين زجاجيتين، وكأنها في عالم آخر، عالم لا يمتّ لهذا المكان بصلة. لم يكن مظهرها يوحي بالحزن، بل كان أقرب إلى اللامبالاة، إلى فقدان المعنى.
قال بصوت ناعم، كعادته عندما يتحدث إليها:
ـ مبروك هتقدري تخرجي من المستشفى انهاردة ، واهلك في الطريق عشان ياخدوكي
الجزء الخامس
عودة الحياة ...رمشت رانيا ببطء، وكأنها تستوعب كلماته على مراحل. للحظة، شعرت بسعادة غامضة، لكنها ما لبثت أن انطفأت سريعًا حين أدركت أنها ستبتعد عن المستشفى... وستبتعد عن ساهر. لم تفهم هذا الشعور جيدًا، لكنه كان يزعجها بطريقة ما. لقد كان هو الشخص الوحيد الذي تحدث معها خلال الأيام الماضية، الشخص الوحيد الذي لم يجعلها تشعر بأنها مجرد حطام بشري، والآن، بمجرد أن تغادر هذا المكان، سينتهي كل شيء.
لم تقل شيئًا، فقط نظرت إليه نظرة طويلة، وكأنها تحاول حفظ ملامحه في ذاكرتها، قبل أن يختفي. لاحظ هو صمتها، لكنه لم يُظهر أي انزعاج. اقترب بضع خطوات وجلس على طرف السرير، وأخذ يراقبها بصمت للحظات قبل أن يقول بصوت منخفض:
ـ رانيا، عارف ان حياتك صعبة شوية، وعارف انك حاسة بالضياع دلوتقي، بس... إن لو احتاجتيني، في أي وقت، اتصلي عليا.
مدّ يده وأخرج من جيب معطفه بطاقة صغيرة، ثم ناولها لها. نظرت إليها للحظة، ثم أخذتها بين أصابعها النحيلة، حدقت في الأرقام المكتوبة عليها، وكأنها تحاول استيعاب أهميتها
سكت ساهر للحظة، وكأنه ينتظر ردًّا منها، لكن عندما لم يجد أي إشارة، وقف بهدوء، وعدّل ياقة معطفه. استدار متجهًا نحو الباب، لكنه توقف قبل أن يخرج، التفت إليها مرة أخرى بابتسامة ناعمة، شبه دافئة، وقال:
ـ خلي بالك علي نفسك .
ثم غادر، تاركًا خلفه هواءً مشحونًا بشيء لم تفهمه رانيا تمامًا.
ظلت جالسة في مكانها، تحدق في البطاقة التي بين يديها، شعرت للحظة برغبة في حضنها، ثم شعرت بالرغبة في وضعها في جيبها، لكنها في النهاية اكتفت بإمساكها، دون أن تفعل شيئًا. ساهر كان غريبًا. لم تكن تستطيع تصنيفه، لم تكن تعرف إن كانت تثق به أم تخافه، لكنه كان الشخص الوحيد الذي جعلها تشعر بأنها موجودة، ولو للحظة قصيرة.
لم يمضِ وقت طويل قبل أن يُفتح الباب من جديد، وهذه المرة دخل والداها. كان والداها يحملان نفس التعب في وجهيهما، نفس القلق الممزوج بالشفقة، لكنها لم تشعر بشيء تجاه ذلك.
قالت والدتها بصوت دافئ، لكنه متردد:
ـ يلا يا رانيا، الدكتور طمننا عليكي ، وهترجعي للبيت
حدقت رانيا فيها للحظة، ثم ابتسمت، لكنها لم تكن ابتسامة سعيدة أو ممتنة. كانت ابتسامة خالية من المشاعر، أقرب إلى ابتسامة شخص يرى الحياة وكأنها عرض لا يعنيه.
وقفت بهدوء، أمسكت حقيبتها الصغيرة، وسارت خلفهما دون كلمة واحدة.
في الخارج، كان الجو باردًا رغم أن الشمس قد بدأت تظهر في الأفق، ملقية بأشعتها الذهبية على الأرض المبللة بقطرات الندى. السيارة العائلية كانت مركونة بالقرب من المدخل، محركها يعمل بصمت، كأنها تنتظرها منذ الأزل.
فتح والدها الباب الخلفي، نظر إليها كأنه يريد أن يقول شيئًا، لكنها لم تنتظر. دخلت إلى السيارة وجلست، وأسندت رأسها إلى النافذة، تراقب العالم الخارجي بعينين نصف مغمضتين.
تحركت السيارة ببطء، والأشجار والمباني تمر بجوارها كأنها مشاهد من فيلم قديم لم تعد تهتم بمتابعته. شعرت والدتها بذلك، فحاولت أن تكسر الصمت قائلة:
ـ هتكوني بخير، يا بنتي. كل حاجة ترجع تمام مع الوقت
لم تلتفت إليها رانيا، بل اكتفت بالتحديق في الزجاج، ثم قالت بصوت هادئ، لكنه خالٍ من أي انفعال:
ـ "وقت ؟ هه وقت ايه؟"
لم تجد والدتها ردًا، ولم تحاول حتى البحث عن إجابة.
أغمضت رانيا عينيها، لا لأنها تريد النوم، بل لأنها سئمت حتى من رؤية العالم من حولها.
وصلت السيارة إلى المنزل أخيرًا، توقفت ببطء أمام العمارة الطويلة، ولم يتحرك أحد للحظات، وكأن الجميع ينتظر أن يأخذ أنفاسه الأخيرة قبل الدخول إلى هذه المرحلة الجديدة.
تنهدت رانيا بصمت، ثم دفعت باب السيارة وخرجت، الهواء البارد لامس وجهها، لكنها لم تشعر بشيء. سارت نحو البوابة الرئيسية ، ثم تخطوا خطوات متثاقلة، ووالداها يسيران بجانبها، حتى فتح والدها الباب أخيرًا.
ما إن عبرت العتبة حتى سمعت أصواتًا متداخلة، أصوات مألوفة لكنها بدت بعيدة، كأنها قادمة من حياة أخرى. فجأة، وجدت نفسها أمام مجموعة من الوجوه التي تعرفها جيدًا خالاتها، أعمامها، أبناء عمومتها، وأقرب أصدقائها. كانوا جميعًا هناك، ينظرون إليها بعينين ممتلئتين بالفرح والراحة، وكأن مجرد رؤيتها بينهم من جديد كان كافيًا ليشعروا بالأمان.
قالت إحدى خالاتها وهي تقترب لتعانقها بحنان:
ـ حمد *** على سلامتكِ، يا حبيبتي! وحشتينا اوي.
سمعت صوت ابن خالتها مازحًا:
ـ هتقعدي ساكتة كدة كتير؟ وحشنا جنونك !
ابتسمت رانيا، لأول مرة منذ مدة طويلة شعرت أن هناك شيئًا ما يُحرّك بداخلها، ولو كان بسيطًا. لم تكن تتوقع أن تجد كل هؤلاء في انتظارها، لم تكن تعتقد أن هناك من يهتم بها إلى هذا الحد. كانت تعتقد أنها وحدها، لكن رؤية تلك الوجوه، وسماع تلك الأصوات المألوفة، جعلها تشعر بشيء لم تختبره منذ تلك الليلة .
انه الشعور بالانتماء
جلست على الأريكة، وتوالت الأسئلة، بعضهم كان يسألها كيف تشعر، والبعض الآخر كان يحاول إضحاكها، ووالدتها كانت تراقبها بعينين تلمعان، كأنها تتمنى أن ترى فيها حياة جديدة.
لم تكن رانيا تعلم إن كانت مستعدة للمضي قدمًا، لكنها أدركت شيئًا واحدًا في تلك اللحظة: ربما، فقط ربما، لم تكن وحيدة تمامًا كما كانت تظن.
وسط الأحاديث المتداخلة والوجوه المألوفة التي تحيط بها، جلست رانيا في مكانها تحاول مجاراة الجو، تُلقي بعض الابتسامات هنا وهناك، لكنها في الحقيقة لم تكن تشعر بأي شيء حقيقي. كانت تستمع إلى ضحكات أقاربها، إلى أسئلتهم، لكن عقلها ظل معلقًا في الفراغ، إلى أن قطع ذلك صوت مألوف لكنه يحمل نبرة مختلفة عن الآخرين.
قالت نسرين، صديقتها الحربوقة، وهي تقترب منها بابتسامة ماكرة وعينين لامعتين:
ـ رانيا، يا حبيبتي، معلش يعني، بس لازم أسألك... هو انتي مش وحشِك خالد؟
سكنت الأجواء للحظة. كانت الجملة أشبه بحجر أُلقي في مياه راكدة، تردد صداها في رأس رانيا قبل أن تصل إلى أذنها. رفعت عينيها ببطء نحو نسرين، نظرة خالية تمامًا من المشاعر، لكن في أعماقها، كانت هناك شرارة لم يستطع أحد ملاحظتها.
لم ترد، فقط وضعت فنجان القهوة الذي بيدها على الطاولة، ثم تراجعت إلى الخلف مستندة إلى الأريكة، وكأنها تمنح نفسها لحظة لاستيعاب السؤال.
تابعت نسرين بصوت خافت، وكأنها تستمتع بالموقف:
ـ يعني، **** يرحمه طبعًا، بس... أنا مستغربة إنكِ متماسكة كده! لو حد غيرك كان مات حزنًا عليه، بس انتي... شكلك عايشة حياتك عادي.
رانيا لم تبتسم، لم تظهر عليها أي علامات انزعاج أو حتى اهتمام. فقط رفعت حاجبًا خفيفًا، ثم قالت بهدوء شديد، لكنه حمل شيئًا يشبه التحدي:
ـ وأنتِ مستغربة ليه؟
تلعثمت نسرين قليلًا، لكنها سرعان ما استعادت جرأتها وقالت وهي تتصنع الضحك:
ـ لا أبدًا، بس بجد... هو ما وحشكِش؟
صمتت رانيا لثانية أخرى، ثم مالت قليلًا للأمام، وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تقول بصوت بارد:
ـ الحاجة لما تروح، بتروح. الحنين مش بيرجع حد، والحزن مش بيغير حاجة.
سادت لحظة صمت قصيرة، كأن الجميع ينتظر رد فعل نسرين، لكن هذه الأخيرة اكتفت بابتسامة مشدوهة، ولم تجد ما تقوله.
عادت رانيا إلى وضعها المسترخي، تناولت فنجانها من جديد، ثم أخذت رشفة هادئة منه وكأن شيئًا لم يكن.
الجزء السادس
السم في العسل
كان الليل ساكنًا، إلا من صوت ساعة الحائط تدق كل دقيقة كأنها تذكّر رانيا بأنها ما زالت هنا… وما زالت وحدها.
جلست على طرف سريرها في غرفة طفولتها، الغرفة التي كانت يومًا ما ملاذًا آمنًا، أصبحت الآن ضيقة كأن الجدران تقترب منها شيئًا فشيئًا.
أمسكت هاتفها، فتحت رسائله، استمعت لتسجيلاته الصوتية:
"انا جاي في الطريق، اجهزي ."
حاولت أن تبتسم، لكن الشفاه لم تطاوعها.
فتحت معرض الصور، لتشاهده، لكنها خرجت سريعا.
ثم دخلت … ثم خرج مجددًا.
تنهدت، واستلقت على السرير، تحمل في داخلها مزيجًا من الحب و الحزن الشديد.
"ليه مأخدتنيش معاك؟ **** اموت وارتاح"
كان هناك شيء في صوره... شيء يعيدها للحياة، ولكنها كانت تعلم في أعماقها أن هذا شيء مؤقت، مجرد قشة تطفو في بحر من الفوضى.
في الصباح التالي، استيقظت رانيا على صوت أمها وهي تطرق الباب برفق.
ـ "رانيا، فطارك جاهز يا حبيبتي."
ردّت بهدوء : "جاية يا ماما.
غسلت وجهها بالماء البارد، ونظرت في المرآة.
ملامحها شاحبة، لكنها في عينيها ومضة حياة… صغيرة جدًا، لكنها موجودة.
تأملت نفسها طويلًا، وكأنها تحاول أن تسترجع جزءًا منها ضاع في تلك الليلة.
كانت تشعر كما لو أن شيئًا عميقًا بداخلها قد تكسر، شيء لم يعد كما كان. لكن هل يمكن للزمن أن يعيد تصليح ما تحطم؟
جلست إلى مائدة الإفطار مع العائلة، والدها في العمل ك عادته، وأمها تملأ الكوب بالشاي.
لكنها لم تكن هنا.
يدها تمسك بالخبز، وعقلها في مكان آخر.
في صوته، في كلماته، في نبرة صوته حين قال لها : خليكي هنا وانا راجع.
امتي هموت وارتاح ؟ سألت نفسها، وابتلعت السؤال مع لقمة باردة.
كلما حاولت العودة للحياة العادية، كلما زادت المسافة بينها وبين نفسها.
كانت تتمنى لو أن كل شيء يعود كما كان، لكن الفجوة بين الماضي والحاضر كانت أكبر من أن تُجسر. كانت العائلة من حولها، ولكنها شعرت كما لو أنها جالسة وحدها في هذا المكان، بين وجوه محبّة لا تستطيع أن تملأ الفراغ الذي بداخلها.
بعد الظهر، كانت تجلس في شرفة البيت، تراقب الشارع بلا هدف، حين وردت رسالة جديدة من ساهر: ازيك يا رانيا **** تكوني بخير ، انا ساهر
أخذت تقرأ الرسالة مرارًا، كأنها تحمل ما هو أكثر من كلماتها.
ثم، دون أن تدري لماذا، كتبت : انا كويسة يا دكتور
كانت تقرأ الرسالة مرة تلو الأخرى، والشعور الغريب في قلبها ينمو. لا تعرف لماذا اختارت أن ترد، لكن شعورًا غامضًا جعلها تُقرر أن تُحرك جزءًا من حياتها المحطمة، حتى لو كان ذلك مجرد خطوة صغيرة. وكأنها تحاول أن تملأ الفراغ بشيء حتى ولو كان مؤقتًا.
حتي وصلت المحادثة ل : انا عندي خبرات كويسة اوي في الطب النفسي، لو حابة نقعد جلسة، و لو حسيتي بتحسن نكمل .
ردت : معنديش مانع، الساعة 6 كويس
وقد كان ف في الساعة 6 مساءاً، كانت تقف أمام بوابة البيت، ترتدي ملابس بسيطة، عينيها لا تبحث عن شيء، لكنها تتوق لشيء لا تفهمه بعد.
وصلت سيارة ساهر، فتح الباب، وابتسم ابتسامة دافئة : مبسوط إني شفتك، شكلك أحسن شوية.
هزّت رأسها وقالت: يمكن… معرفش.
ركبت السيارة، أغلقت الباب… ولم تكن تعلم، الي اين ذاهبة معه، ولا أن هذا اللقاء، سيُعيد ترتيب كل شيء
في داخلها كان هناك صوت يشير إلى أنه ربما كان اللقاء في الخارج غير ضروري، لكنه كان أيضًا الفرصة الوحيدة للهروب من المسار الذي تسير فيه حياتها. كانت تخشى أن تصبح حياتها مجرد سلسلة من الرفض والشكوك المستمرة، لذلك قررت أن تمنح نفسها هذه الفرصة لمجرد أن تشعر بشيء حيّ مجددًا.
بينما كانت السيارة تسير بهدوء، تسللت أفكار متشابكة إلى رأس رانيا. كانت تنظر من النافذة دون أن تركز على أي شيء بعينه. تراقب الشوارع التي تمر بسرعة، وكأنها تبحث عن شيء، لكنها لا تعرف ماذا. كان الجو مشحونًا بصمت ، ولكن ساهر كان يحاول كسر هذا الصمت بنغمات حديثه الهادئة.
قال وهو يلتفت إليها بابتسامة مطمئنة: اخترت اننا ننزل برا عشان تفكي عن نفسك وتشوفي ناس جديدة
رانيا لم ترد عليه فورًا، فقط التفتت له بابتسامة باهتة، ولم تتركه يغرق في شرحه أكثر.
كانت تشعر بالحيرة، فكلما تحدث، زاد شعورها بعدم اليقين. هل هو يهتم حقًا، أم أن هناك شيء آخر يخفيه؟ هل هو مجرد شخص يحاول مساعدتها، أم أن هناك أبعادًا أخرى لعلاقته بها؟
في النهاية، قررت أن تلتزم الصمت. كانت تعرف أن ساهر ليس شخصًا سهل الفهم. كان يملك قدرة غريبة على جعلها تشعر بأن كل شيء سيكون على ما يرام، ولكن في نفس الوقت كانت تشعر بأن هناك شيئًا غير واضح في طريقة تعامله.
بعد لحظات من الصمت، وصلوا إلى المقهي. كانت الأضواء الخافتة والأجواء الدافئة تملأ المكان، مما جعل رانيا تشعر بشيء من الراحة والاطمئنان، وكأن المكان يعكس ما كانت ترغب في الشعور به.
جلسوا على طاولة صغيرة بالقرب من النافذة، في زاوية هادئة من المكان، بينما كانت الموسيقى الناعمة تداعب الجو.
قال النادل ل ساهر ب ابتسامة خفيفة : اجبلك مشروبك الخاص يا دكتور
هز ساهر رأسه وقاله : انت عارفني يا محمود، شوف رانيا تشرب ايه
رانيا بنظرة سريعة علي قائمة المشروبات، واول شئ وقع علي نظرها كريمي ميكسّيتو بالشوكولاتة البيضاء والفانيليا المثلجة مع لمسة من توابل القرفة المطحونة ف قالت اسمه دون ان تعرف ما هو
كتب النادل الطلبين واستأذن وذهب
أخذ ساهر نفسًا عميقًا، ثم قال بهدوء : شوفي حابة تبدأي منين، وانا معاكي
صمتت رانيا للحظات، ثم شعرت بالراحة "صراحة، مش عارفة إيه اللي أنا ابدأ فيه دلوقتي، لكن ممكن تساعدني إني ابدأ."
اقترح ساهر لعبة بسيطة، لعبة الاسئلة
شرحها لها "كل واحد هيسأل التاني سؤال ولازم الشخص ده يجاوب لو مجاوبس هيبقا عليه تحدي لازم ينفذه"
رانيا ابتسمت وقالت : جاهزة يلا ابدأ
كانت الاسئلة بينهم بسيطة، واسئلة سطحية بين ما لونك المفضل او طعامك المفضل حتي بدأ ساهر بالاسئلة المطلوبة
سأل ساهر : تقدري تعيشي منغير دعم من الناس ؟ ولا لازم يكون في حد بيدعمك
ردت رانيا: معرفش بس اظن هحتاج دعم
سأل مجددا : شايفة انك.لما تبقي متعلقة بالمشاعر والاحاسيس حتى بعد ما عدا وقت طويل؟ شايفة ده طريق للشفاء ولا للهروب
رانيا : بدأت تتاكد من ضعفها وعرفت انها محتاجة ساهر ف حياتها ولكن ردها كان " انا حاسة اني ضعيفة دلوقتي ممكن تفضل جمبي لغاية ما اتعافي "
مسك ساهر يداها مبتسمًا "أنا هنا طول ما تحتاجي، مش هتكوني لوحدك."
ولكن في داخله، كان يخطط لاستغلال هذا الضعف لصالحه، لأنه كان يعرف تمامًا كيف يدير الأمور، وكيف يجذب الأشخاص إلى فخّه.
عيني رانيا كانتا مليئتين بالحيرة، وكأن كل كلمة منه تضيف طبقة جديدة من الغموض على ما كانت تشعر به. كانت تريد أن تُشعر بشيء مختلف، ولكن كلما اقتربت منه، شعرت أن شيئًا غريبًا يملأ المسافة بينهما.
بينما كانوا يتناولون مشروبهم، بدأ الحديث يتطرق إلى أمور شخصية. رويدا رويدا (هتعفو اتكلمو ف ايه بعد شوية وطالاما انت مكمل لغاية هنا ارزعني لايك مش هقولك لأ او كومنت كدة احبك فشخ

وعندما قرروا أن يعودوا إلى المنزل، شعرت رانيا بشيء مختلف عن المرة السابقة. لم يكن هذا اللقاء يعيدها إلى الماضي، بل كان يدفعها إلى روحها الضعية.
وها هي الآن، عائدة إلى مكانها، ولكنها لا تعرف ماذا ستجد هناك في قلبها.
ساهر نظر إليها لحظة، وكانت تلك اللحظة مليئة بالمعاني التي لم تُصرح بها الكلمات. كان يعلم أن ما قاله قد أحدث في نفسها أثرًا أكبر مما كان يتوقع. لم يكن يريد أن يبدو قاسيًا، لكنه أيضًا كان يعرف أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تصل بها رانيا إلى جزء من نفسها الذي كانت تبتعد عنه طويلاً.
بابتسامة هادئة، قال وهو ينقل نظره عنها إلى الشارع الذي كان يمر بهما: اوقات، اوقات بنكون عايزين نكون لوحدينا عشان نفهم نفسنا ونلاقي قوتنا فين. بس ده غلط لازم يكون في حد معانا يساعدنا
رانيا لم ترد مباشرة، كانت كلمات ساهر تؤثر فيها بشكل غير مباشر. على الرغم من أنها كانت تقدر تعاطفه، إلا أنها كانت تشعر بأن هناك شيئًا ما غير مريح في العلاقة بينهما. هو لم يكن مجرد شخص طيب يهتم بها، بل كان يبدو وكأنه يراقبها عن كثب، وكأن هناك نية ما وراء هذه الاهتمامات.
حاولت أن تبعد نظراتها عنه، وتوجهت بعيونها إلى الخارج. كان الحي الذي يقودان فيه هادئًا، لكن في قلبها، كانت الأجواء تتغير أيضًا، بين الراحة المؤقتة في وجود ساهر، وبين الريبة التي بدأت تنمو بداخلها.
سألته، بنبرة خفيفة، لكنها تحمل تساؤلًا داخليًا: وانت شايف اني هقدر الاقي قوتي ف يوم من الايام
ساهر أوقف السيارة في احدي اشارات المرور، وعيناه ثابتتان عليها. قال بنبرة عميقة، محملة بشيء من السرية: انا مرمن بكل شخص يقدر يجيب قوته الداخلية، بس الطريق طويل. هتحتاجي الوقت، وهتحتاجي دعم كتير... بي في النهاية، القوة الحقيقية بتبان من قراراتنا.
رانيا ابتسمت، لكن ابتسامتها كانت تتسم بالمرارة : شايفة نفسي مش حمل القرارات دي
ظل الصمت بينهما لدقيقة، بينما كانت تتابع حديثه في رأسها. كانت تحاول أن تجد إجابة لسؤالها الكبير: هل كانت بحاجة لساهر ليكمل قوتها، أم كانت تحتاج إليه فقط ليملأ فراغًا كان يزداد.
وصلتها رسالة من والدها ب سرعة العودة للمنزل حيث من الممكن ان تحدث تغيرت جوية
بينما كان ساهر يقود السيارة في طريق العودة، كان هو الآخر يعيد التفكير فيما قاله. هل كانت هذه هي الطريقة الصحيحة للضغط عليها؟ أم أن هناك شيئًا آخر كان يجب عليه فعله ليجعلها تدرك قوتها الحقيقية؟ لكنه لم يكن يعرف، كل ما كان يهمه في تلك اللحظة هو أن يظل قريبًا منها، لأن له خططًا لم تكن رانيا مستعدة لها بعد.
كان شعور رانيا بالضعف يتصاعد، وفي أعماقها كان هناك صراع داخلي بين رغبتها في الاعتماد على ساهر، وبين خوفها من أن يكون هذا الاعتماد هو ما يجعلها تفقد نفسها تمامًا.
(لو بتشوف القصة دي في اي منتدي غير ميلفات او نودزاوى يبقا اللي منزل القصة دي واحد ابن متناكة سارق القصة ومنزلها في منتدي ابن متناكة زيه)
في اليوم التالي، دقّ هاتفها برنين خافت. نظرت إلى الشاشة، كان اسمه واضحًا.
"أهلاً، رانيا… آسف لو ضايقتك، بس… حبيت أطمن. لو فاضية النهارده، وحابة نكمل العلاج، أنا في كافيه صغير هادي، يمكن نشرب حاجة سوا."
لم يكن في صوته إلحاح، بل نبرة دافئة، معتادة، كأن اللقاء عادي.
وافقت، دون تفكيرٍ طويل. أرادت أن تفهم ما يربكها فيه. لم تعد واثقة هل انجذابها إليه طبيعي، أم أن الأمر أخطر مما كانت تظن.
في الكافيه، كان الجو ساكنًا، طاولات قليلة، إضاءة خافتة، والموسيقى تهمس في الخلفية.
جلس ساهر أمامها، مرتديًا قميصًا بسيطًا، تفوح منه رائحة عطر خفيف تعرفه جيدًا.
"وشك أحسن النهارده... النوم بيصنع المعجزات أحيانًا."
ابتسمت بخجلٍ خفيف. تناول رشفة من قهوته، ثم قال: عارفة؟ أول ما شفتك في المستشفى، حسّيت إنك ضعيفة جدًا... بس قوية كفاية تكسّري الضعف ده لو حبيتي. بس مش دايمًا الواحد محتاج يكون قوي.
صمتت، كلماته كانت تنساب بسلاسة، لكنها شعرت أنها غير بريئة تمامًا.
ثم مالت إليه قليلًا، وهمست: يعني… تقصد إيه
ردّ وهو يحدق في عينيها: أقصد إن كل إنسانة، مهما كانت محترمة أو متحفظة… جواها رغبة تبقى مستحبة. مش بس كحد بيتشاف… لأ، كحد بيتتلمس… بيتحس."
ارتبكت. لم تكن الكلمة فجة، لكنها لم تكن بريئة.
نظرت إلى فنجانها دون أن تنطق.
تابع بصوت أهدأ: أنا آسف… يمكن خرجت عن السياق. بس… مش حاسس إن بينا في حاجز قوي؟ أو إنك مش مرتاحة لوجودي؟
رفعت عينيها ببطء، وابتسمت ابتسامة باردة: انا مرتاحة… بس مش جاهزة أسمع كل حاجة.
ضحك ضحكة صغيرة، وقال: تمام… أنا أحب الصراحة. بس برضو أحب القرب… ولو من بعيد.
ذلك اللقاء لم ينتهِ بكلمة فاصلة، ولم ينفجر فيه شيء… لكنه ترك شرخًا، واضحًا، في صورتِه التي رسمها في عقلها.
عرض عليها توصيلها الي البيت بعد انتهاء الجلسة، لكنها رفضت بلطف وأصرت علي انها ستعود ماشية علي اقدامها .
كانت تمشي إلى البيت، وداخلها صوت يقول: مش هو… اللي كنتي فاكراه.
ابتسمت ضاحكة قائلة : يعني انتي اللي نفسك، ما انتي كمان اتغيرتي .
مرّ يومان منذ لقائها الأخير بساهر. لم يحدث فيهما الكثير، لكنها كانت تشعر كأن الزمن يسير على مهلٍ ثقيل، وكل دقيقة تنحت شيئًا من طاقتها، وكأنها ادمنت ساهر . (لعبها صح ابن الوسخة)
في مساء اليوم الثالث، تلقت رسالة منه
"في حاجة مهمة أوي محتاجك تشوفيها… مش هتاخد وقت، بس ضروري."
وقفت تنظر إلى الشاشة، لا تعلم لماذا قلبها انقبض بشدة اصابعها ترتجف. لم يكن أسلوبه كالسابق. هناك شيء في نبرة الكتابة، في اختياره للكلمات، بدا كأنه استعجال... أو استدراج.
ورغم كل شيء، وافقت.
ارسل لها موقع المكان، وعلي غير المتوقع منزلة لم يكن فخما يدل علي مكانته ك طبيب معالج، بل كانت شقة في عمارة في حي مهجور اساسا.
الساعة كانت قرابة الثامنة مساءً، كانت تقف أمام العمارة المنشودة كانت ذات واجهة باهتة، في شارع جانبي مهجور نسبيًا.
صعدت الطوابق بخفة.
طرقت الباب بتهذيب.
فُتح بعد لحظة، وظهر ساهر، لكن ليس كما اعتادته.
عيناه حمراوان، رائحة خفيفة من الكحول تتسلل من خلفه، وقميصه غير مرتب. ابتسم ابتسامة واسعة غير طبيعية وقال: كنت مستنيكي... اتفضلي.
ترددت، ثم دخلت.
داخل الشقة الإنارة خافتة، والمكان يعج بالفوضى: أوراق مبعثرة، فناجين فارغة، وستائر مغلقة. لم يكن هذا مكان رجل "يعالج النفوس"، بل أقرب لغرفة روح تائهة.
جلست على طرف أريكة قديمة، وحاولت أن تبدو مطمئنة، لكنها كانت تشعر بخطر غامض يحيط بها.
قال وهو يسكب لنفسه كوبًا من شيء لم تتبيّنه: عارفة؟ أنا مش دايمًا قوي زي ما باين… بس إنتي خلتيني عايز أكون كده. خلتيني محتاج أبقى كويس… بس الحقيقة إن الحياة مش بتمشي كده.
اقترب منها، جلس على مقربة، أكثر من اللازم.
تابع، بنبرة منخفضة، وفيها لمحة من سُكرٍ لا يخفى: ويمكن... يمكن انتي كمان محتاجة حد يطبطب... بجد، مش بالكلام.
انقبض قلبها.
ابتعدت قليلًا، فقال هو بابتسامة مريرة : مدام رانيا ... متقلقيش، مستحيل اعملك حاجة مش عايزاها
وقفت فجأة، وقالت بصوت متوتر: أنا لازم أمشي.
وقف هو الاخر
"ليه؟ مستعجلة على إيه؟... خليكي شوية، ده أنا كنت محضّرلِك مفاجأة.
اقترب أكثر، كانت خطواته متعثرة، وعيناه لا تشبهان الرجل الذي قابلته يومًا.
هربت نحو الباب، يدها ترتعش وهي تفتحه، وصوته خلفها بدأ يرتفع: "رانيا! ما تمشيش كده! كنت بس محتاجك تفهميني!
لكنها لم تلتفت.
ماذا الباب لا يفتح !!
كان ظهرها مصوبها له، وضع يده علي الباب،واليد الاخري علي كتفها، ارتجفت رانيا خائفة، ماذا سيفعل بها، التفتت سريعا له، وعيونها كانت علي وشك البكاء.
استفاق ساهر من شهوته، بعدما رآها علي هذا الشكل
رفع رأسها بيده التفت يداه حول خصرها وهمس لها في اذنها : متخافيش ... كلنا بشر، وانا حبيتك، وقولتلك وهقولك تاني، لايمكن اعمل معاكي حاجة مش برغبتك.
(اعععععععععع ترددت كتير بس خلاص هكتب المشهد الجنسي بالعربية الفصحي)
(لو انت بيج فان ليا وحبيت القصة اكتب فراوة وانا هفهمك

رانيا لم تشعر بهذه الحرارة من قبل، خارت قواها، وارتجفت ساقيها، بدت عليها المحنة.
لم يكن ساهر ساذجا ليرفض كل هذه التلميحات، هل فاز ساهر بالجائزة الكبري؟ هل سيقومون بلعب عريس وعروسة هذا ما سنعرفه في الجزء القادم الجزء السابع
(وزي ما قولتلك القصة دي نازلة علي منتديات ميلفات و نودزاوى فقط اي منتدى تاني نازلة عليه تبقا مسروقة وانا الكاتبة بقول للي سارق القصة كسمك)
هيييييح معلش يا قوم بس في موقف حصلي كدة انتو مش ناس غريبة يعني اللي يكمل لغاية الجزء السابع ده واحد حبيبي المهم هقولكم
لقيت حد باعتلي بيقولي الحقي في قصتين من قصصك مسروقين علي منتدي ابن متناكة اكيد مش اسمه كدة بس هو منتدي ابن متناكة المهم دخلت كلمت مشرف القصص بعد ما شتمت اللي سارقهم نمت صحيت لقيت المنتدى حاظرني وبيقولي احنا مش معرض الكتاب | ومن موقعي هذا اقول كسمك ل كسم المنتدى بتاعك يبن العرص
يلا نكمل الجزء السابع

الجزء السابع
العودة للصفر
(خلاص نغير المشهد الجنسي ونخليه بالعامية عشان تحسو معايا بالشعور)
(نتفق اتفقاق لما اتكلم بصيغة المذكر يعني ساهر اللي بيعمل كدة ولما اتكلم بصيغة المؤنث يعني رانيا اللي بتعمل كدة عشان تخشو في المود)
ساهر لف وشه عشان يبوسها بوسة خفيفة علي وشها اللي كان ظاهر عليه العرق
حرك اديه من وسطها وبدأ يحسس واحدة واحدة علي كل ضهرها
رانيا كان نفسها عالي ومش بتتكلم بولا كلمة ولا ساهر كمان
نزل ايده لطيزها وبدأ يلعب فيها والايد التانية ناحية كسها وبدأ يلعب
رانيا اتكلمت بصوت واطي: ساهر انت مش انت ارجوك كفايا
ساهر مسمعش لكلامها وفك اول زرار من بلوزتها مَسَكِتْ ايده وبصت في عنيه بنظره كأنها بتقوله كفايا لغاية كدة بس هي ماكنتش عارفة ترفض ساهر هيألها كل حاجة
واخيرا استسلمت حطت ايديها علي كتفه
مسك ايديها ونزلها لتحت ومسك راسها واخدها في بوسة طويلة وعميقة وايديه نزلت من تحت البنطلون وبتلعب علي حدود كسها من فوق البانتي بعدها اتراجع لخطوة ولف ايديه حوالين وسطها ورفعها ومشي بيها وهو شايلها وهيدخل بيها اوضة العمليات
رانيا مكانتش عارفة هي بتعمل ايه هنا او ايه حصل كل اللي فدماغها انها عايزة تريح شهوتها اللي كانت بتقتلها كل يوم نفسها ترجع يوم من ايامها مع جوزها
جوزها !! اه جوازها اللي حاليا بتخونه مع دكتور ساهر
هي حاليا حاسة بالذنب بس النار اللي فكسها كانت اقوي بكتير
الذنب اللي هيفضل عايش معاها طول عمرها بمقابل ساعة متعة
نزلها علي السرير نايمة علي ضهرها حرك صوابعه بخفة علي كسها وفك زرار البنطلون ونزله لغاية ركبها قرب وشه من البانتي
(اعععع البانتي هنا يعني الكلوت لو مش عارف ان البانتي هو الكلوت يبقا اطلع من القصة يا فلاح)
عشان يشم ريحة كسها اللي بدأ ينزل في عسله و ظهر علي البانتي نقط منه
كمل ف سحب البانتي لتحت وظهر جمال كسها كان لونه ابيض اغمق من بشرتها بدرجتين شفايفه طالعه وكأنها بتسلم عليه وبيلمع من العسل اللي فيه
قرب لسانه منه
رانيا تقاطعه وتقوله : ارجوك كفايا خلاص
يرد عليها : ششششش اهدي خالص انتي لازم ترتاحي دلوقتي
ترجع رانيا لوضع السكوت وكأنها كانت عايزة وثبت لنفسها انها بتعمل ده غصب عنها مش بإرادتها
وكمل لحس ف كسها بدأ من فوق ناحية وبدأت ينزل لتحت ويدخل لسانه من جوه رانيا اهاتها مستمرة وصتها بدأ يعلي نفسها كل ده يخلص وترتاح مش محتاجة كل المداعبات دي هي اصلا جاهزة بس ساهر عارف بيعمل ايه ساهر عايز يخليها زبون دائم عنده
(نقطع المشهد الجنسي لنذكركم انكم تشاهدون هذه القصة علي منتديات ميلفات او نودزاوى فقط واذا كانت في منتدي اخر ف هي مسروقة كسم اللي سارقها)
دخل صباعه في كسها وفضل يحك في كسها ويدخله ويطلعه
طلع صوت منها ضعيف اوي بيقول : يا ساهر دخله مش قادرة
ساهر كان راسم سيناريوهات كتير في دماغه عشان تكون ليلة مكتملة لكن كان عارف انها مش قادرة فعلا وعشان كدة طلع زوبره وقرب منها فرشلها كسها شوية ودخله واحدة واحدة فيها علي نفس الوضعية
كان في شوية كلام مش مفهوم لازم انقله ليكم عشان المصداقية زي : اه اه اه براحة اممممممممممم مش قادرة سرع يخربيتك
وفي اقل من 10 دقايق لقيها مرعوشة واعصابها ميتة خالص
هو ملحقش يرتاح ولكن احترم نفسه لانها اول مرة وكان عايز انها تكمل معاه فترة كمان لغاية ما يلاقيله ضحية غيرها
(نرجع عربية فصحي بقا عشان انا بحب اكتب فصحي)
جاء، ووقف امامها سألها : ارتاحتي ي حبيبتي ؟
كانت في عالم اخر سؤاله، ايقظها منه ردت وهي في حالة ،حرج مجيبة علي سؤاله : انا ... انا لازم امشي ،الوقت اتأخر اوي
فهم ساهر ,بعدم رغبتها في الحديث عن هذا الآن، او انها لاتريد الحديث في هذا من الاساس، ولكن خطته لم تنتهي بعد.
اشار علي قضيبه، سآئلا مجددا : طيب وده مش هيرتاح ؟
نظرت الي هيئة قضيبه، وكم هو جميل، ومنتصب، عروقه منتفخة، ثم جمعت شعر رأسها ،وربطتها برفق ونزلت علي ركبها ،لتمتص هذا القضيب المنتصف حتي يفرغ محتوياته في فمها .
كلمها قائلا : انزلي مصي زبي يا لبوتي .
ردت منفرجة : لبوتك هتاكله اكل .
شرعت في لحس رأسه، ثم ابتلاعه كاملا، حتي افرغ منيه كله في فمهما. فهي لن تكترث لمنظرها امامه بعد تلك الفعلة.
وقفت امامه ترفع ملابسها ،وتحاول ضبط نفسها، حتي وقعت عينها في عينه، وهنا بدأت بالشعور بالذنب .
خرجت من الشقة دون كلام معه، وهو لم يحدثها .
تنزل من السلالم. تشعر بالسلام النفسي، لبرهة ثم تشعر بذنب الخيانة برهة .
خرجت إلى الشارع تائهة، والهواء البارد يصفع وجهها كأنما يوقظها من كابوس.
لم تتوقف حتى وجدت نفسها عند نهاية الشارع، حيث استندت إلى جدار بارد، ووضعت يدها على قلبها.
كانت تشعر أنها عادت نقطة الصفر… لا، أسوأ.
حين وصلت إلى بيتها، لم تدخل غرفة المعيشة، بل ذهبت مباشرة إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها بالمفتاح.
جلست على الأرض، ضمّت قدميها إلى صدرها، وبدأت تبكي.
ليس فقط لأنها اتناكت (لا يحبي مهو انا مش هفكر كتير في اللفظ المناسب لا اتناكت حلو اوي)، بل لأنها... خانت زوجها المتوفي.
كانت خائفة، خائفة من نفسها قبل أن تخاف من أي شيء آخر. "خنت جوزي... خنت ذكرى خالد..." همست لنفسها، وعلى الرغم من أنه رحل منذ فترة، إلا أن شعورها بالذنب كان يفوق قدرتها على التحمل. كانت تلك الذكريات ترافقها في كل خطوة، وتعود لتطاردها في كل لحظة ضعف.
لم تتمكن من تحمُّل الذكريات التي تعود فجأة، لحظات ضحكاتهما معًا، حديثهما الليلي عن المستقبل. كانت أوقاتًا رائعة، لكن الآن كل شيء بدا بعيدًا. ساهر كان بمثابة عاصفة دخلت حياتها، وأثارتها بأشياء لم تكن تتوقعها. وكان السؤال الذي يسيطر على عقلها: هل كانت بحاجة إلى شيء أكثر؟ أم أنها فقط كانت تحاول الهروب من الفراغ الذي كان يلتهمها بعد غياب خالد؟
شعرت بشيء من العجز، وكأنها ضحت بكل شيء. "هل فعلت هذا لأنني بحاجة للعيش؟ أم لأنني فقط كنت خائفة من الوحدة؟" تساءلت، وهي تنهض لتجلس علي سريرها. لكنها لم تكن بحاجة للنوم، بل فقط لاحتضان شئ يريحها من دوامة الأفكار التي تلاحقها.
اثناء جلوسها علس ريرها، رن هاتفها. نظرت إلى الرقم، وكانت صديقتها، لم تجب علي الهاتف كانت تريد هدنة وقت لنفسها
ثم وصلتها رسالة صوتية من ساهر . شعرت بشيء من الارتباك، لكن اليد التي امتدت إلى الهاتف كانت بطيئة، كما لو أن عقلها كان في حرب مع نفسها. تركت الرسالة دون فتحها لبضع ثوان، ثم فتحتها في النهاية.
جاءها صوته، ناعمًا كعادته، لكن هذه المرة كان يبدو مختلفًا. كان هناك شيء غريب في صوته، شيء يجعلها تشعر بأنهم على شفا هوة عميقة لا يمكنها العودة منها.
"رانيا، أنا آسف إذا كنت مزعجك، بس جحبيت أطمن عليك، انتي وصلتي ؟ ياريت لما تسمعي المسج تردي عليا".
"أيوة؟" قالت بصوت منخفض، كأنها كانت تتحدث مع نفسها أكثر مما تتحدث معه.
أغمضت عينيها للحظة، ومرت بذاكرتها كل اللحظات التي مرّت بها معه. "هفضل كدة لغاية امتب" تساءلت وهي تجيب:
"أنا كويسة، ساهر. بس... كنت محتاجة شوية وقت لوحدي."
"مفهوم. بس لو محتاجة حاجة، انا موجود... متقلقيش."
تأملّت في كلماته. كانت هناك مسافة كبيرة بين ما تريده وما يريده. لكن في ذات الوقت، كانت تشعر بأن الفراغ الذي في قلبها يضغط عليها.
مع ذلك، لم تتمكن من الرد عليه في اللحظة نفسها، فوضعت الهاتف على الطاولة في تردد. كانت عيناها تتنقل بين الهاتف وبين النافذة، التي كانت تفتح على المدينة التي لم تعد تعني لها شيئًا.
فجأة، قررت أنها بحاجة للموت، بحاجة للخروج من هذه الحياة الثقيلة اللتي تقتلها. حتى بعد ان انتهت من هذه الافكار المجنونة عادت لها مجددا
تنهدت، واتجهت نحو المطبخ. لتحضير احمي سكين لتنهي حياتها وترتاح من هذا القدر الشنيع
نظرت الي السقف، ثم الي يدها، ثم الي السكين . قربت السكين، الي شريانها، وبدأت في قطع جلدها حتي استوقفتها صورة عائلتها، معلقة علي الحائط، فاضت دموعها كما، تقطرت قطرات من دمائها علي رخام المطبخ
"انا ايه اللي بعمله ده، لا انا مستاهلش اللي بيحصل ده"
رجعت الي غرفتها ،الساعة اقتربت من الثالثة بعد منتصف الليل، والهدوء يعم الشقة التي تقيم فيها مع أهلها. رانيا كانت جالسة على حافة السرير، والنور الخافت للغرفة يزيد من ضبابية أفكارها. شعرت كأنها محاصرة بين جدران مشاعرها المتناقضة: الخوف، الذنب، والقلق. تذكرت كل اللحظات التي قضتها مع ساهر، وكل كلمة قالها، وكل نظرة مشبعة بالغموض. هل كانت هي المخطئة؟ هل كانت ضعيفة لدرجة أنها سمحت لنفسها بالانجراف وراء مشاعرها؟
"لا... خلاص، كفاية." قالت لنفسها بصوت منخفض. قررت أنها لن تعود إلى ساهر، حتى لو كان هو السبب الوحيد الذي أخرجها من عزلتها. كان الوقت قد حان لتضع حدًا لهذه الدوامة. قررت ألا تضع نفسها في هذا الموقف مرة أخرى.
ركضت يديها على وجهها، كأنها تمسح به آثار ضعفها، وبدأت تخرج من الدوامة التي أسرت نفسها فيها.
في اليوم التالي، كانت رانيا تحاول أن تسير وسط أفراد عائلتها، الذين لم يفهموا تمامًا ما يحدث في داخلها. كانت تجلس مع والدتها أثناء تناول الإفطار، لكن أفكارها كانت مشغولة بمسألة ساهر والقضية. هل فعلت الصواب؟ هل ستتمكن من التحرر من هذا الكابوس الذي يطاردها؟
بينما هي منهمكة في التفكير، دخلت على ذهنها فكرة مؤلمة: هل فعلاً كانت تعتقد أن ساهر هو الذي يساعدها؟ هل كانت تظن أن وجوده في حياتها كان يدفعها للأمام بينما هو في الحقيقة يجرها للوراء؟
كانت الشمس تغرب ببطء، وأشعة الضوء الخافتة تتسلل من خلال الستائر، لتسقط على المكتب في الزاوية. كان الرائد هشام جالسًا على كرسيه، يقلب في الأوراق أمامه، بينما كانت رانيا تجلس أمامه، متكئة على الكرسي، وتنتظر ما سيقوله.
كانت الغرفة هادئة، تكسرها فقط أصوات الأوراق التي يتقلب بها هشام بين يديه. رانيا كانت تراقب الحركات الصغيرة على وجهه، متوجسة، وهو يحدق في الأوراق. لم يكن من عادة الرائد هشام أن يتأخر في إخبارها بأي جديد بشأن القضية، لكن اليوم كان مختلفًا.
رفعت رانيا حاجبها، وقالت بصوت خافت، لكنها مليء بالتوتر : ايه الأخبار؟ في حاجة جديدة؟
هشام نظر إليها نظرة مليئة بالأسى، ثم تنهد بصوت عميق، وضع الورقة التي كان يقرأها على الطاولة أمامه، وقال وهو يحاول أن يكون دقيقًا قدر الإمكان: رانيا... للأسف... تم إغلاق القضية ضد مجهول.
كأن صاعقة ضربت رانيا. نظرت إلى هشام بذهول، كأن الكلمات التي خرجت من فمه لم تكن موجهة إليها، أو كأنها لم تكن جزءًا من هذا المشهد : مجهول؟... يعني القضية اتقفلت؟
قال هشام بهدوء، وكأن الكلمات كانت ثقيلة عليه أيضًا: ايوة، للأسف. كل الأدلة كانت ضبابية، ماقدرناش نحدد أي مشتبه فيه، وكل المحاولات للوصول ل معلومات إضافية مستفدناش حاجة منها. القضية اتقفلت رسميًا.
الدموع بدأت تتجمع في عنيها، لكن حاولت أن تتماسك. " يعني أن تتقفل القضية ضد مجهول؟ وحق خالد؟ طيب وحقي؟يعني... خلاص؟ كل شيء راح؟ حقنا ضاع؟"
هشام هز رأسه، مشيرًا إلى صعوبة الوضع، وقال بصوت منخفض:أنا آسف، الحقيقة، من البداية كان الوضع صعب. لكن ما كانش في أي خيط نقدر نمسك فيه، وكل الأدلة كانت ضعيفة جدًا.
رانيا لم تستطع أن ترد عليه، كانت كلماتها عالقة في حلقها. كيف يمكن أن يُغلق ملف كهذا؟ وكيف لها أن تتقبل أن حق زوجها، وحقها هي أيضًا، أصبح شيئًا من الماضي؟
وضعت يدها على وجهها، محاولة أن تخفي مشاعرها التي كانت على وشك الانفجار. همست بصوت خفيض : كل شيء انتهى... كل شيء.
هشام ابتلع ريقه، ثم قال بنبرة حانية : رانيا، أنا آسف بجد، لكن الأمل مش دايما بيكون موجود. دي مش نهاية، ممكن يكون في يوم تاني نقدر نبدأ من جديد... بس دلوقتي، لازم تتقبلي الوضع ده.
رانيا نظرت إليه بنظرة خالية، ثم همست : إزاي أقبل ده؟ جوزي مات، وحقه ضاع، وأنا كمان ضاع مني كل حاجة. هل دي الحياة؟ هل دي العدالة؟"
كلماتها كانت ثقيلة، وصوتها كان يختنق بالكاد. كانت تشعر وكأنها في دوامة لا تنتهي، وعقلها بدأ يغرق في الظلام.
رفعت الاقلام، وجفت الثحف.
رسميا حياتي اتدمرت
رجعت رانيا الي شقتها، حاملة لخيبتها. لم تكن تريد ان تعلمهم في المنزل بهذا الخبر ،فأخبرتهن بعد وجود جديد اقضل من اغلاق القضية نهائيا
(كفاياكو كدة نكمل في الجزء الثامن)
الجزء الثامن والاخير
لا حصلتي جوزك ولا عيلتك ابلعي يا عبيطة (اه ده عنوان الجزء ملكش دعوة اقرا وانت ساكت)
بينما كانت رانيا تلهي نفسها في الهاتف، وصلها فيديو من رقم غريب، وعندما نقىت علي الرسالة، كانت مفاجأتها الأولى أنها لم تعرف هذا الرقم. قلبها بدأ يخفق بسرعة وهي تنقر على الفيديو. كانت الرسالة مكتوبة عليه: "شوفي آخر بطولاتك يا فنانة". شدة القلق بدأت تسيطر عليها، ثم قررت أن تفتح الفيديو رغم إحساسها بالعجز.
فتحته، وفي اللحظة التي بدأ فيها الفيديو، شعرت بشيء غير طبيعي يتسرب إلى قلبها. الفيديو كان للقطات حية منها، فيديو تم التقاطه في لحظات لا تتذكرها، أو ربما لا تريد تذكرها. وجدت نفسها في مشاهد لم تكن تعرف أن هناك من يراقبها فيها، أو أن هناك من يسجل لها هذه اللحظات الحميمة.
(ليييه عشان هي غبية حد يآمن لساهر التوكسيك)
(ولما اننا بنتكلم عن الخيانة عايز اقول كسم اي منتدى يسرق قصصي يعني كسم اي منتدي يكون منزل القصة دي غير ميلفات او نودزاوى عشان انا ناشراها هناك)
وبينما كانت تشاهد هذا الفيديو، بدأ يظهر لها شيئًا صدمها أكثر من أي شيء آخر: كانت هذه اللحظات التي بين يديها هي لحظات ضعفها، لحظات استسلامهت، لحظات كانت في غاية الضعف والانكسار، وكان هذا الشخص اللتي ظنّت أنه كان يهتم بها قد سجل لها وهي في أضعف حالاتها. شعرت بالحرقه في قلبها، وكل مشاعرها تداخلت بين الخوف والصدمة والغضب.
"ده كان بيصورني؟ وأنا معرفتش؟"، تساءلت بصوت هامس. قلبها كان يضرب بعنف، وعقلها كان يغرق في دوامة من الأسئلة المؤلمة. لماذا؟ ماذا يريد منها؟ كيف لها أن تكون قد وقعت في هذا الفخ؟ هل كان هذا كله خدعة؟ وتُركت تلك الأسئلة تئن داخل رأسها بلا إجابة.
رسالة صغيرة كانت تظهر على الفيديو: "ده مش كل حاجة. في عندي أكتر لو حبيتي تعرفي".
كان الصوت في الفيديو هادئًا، لكن الكلمات كان لها وقع صاعق على عقلها. وكل شيء حولها بدأ يتلاشى، بينما صوت ساهر يملأ فراغاتها الداخلية.
هذا الفيديو لم يكن مجرد تهديد لها، بل كان إعلانًا مفجعًا للحقيقة التي كانت تحاول الهروب منها طوال الفترة الماضية.
وصلتها رسالة اخري بعد ثوانٍ، وكأن مرسلها كان يراقب رد فعلها عن كثب. لم تكن رسالة طويلة، لكنها كانت كافية لتزلزل ما تبقّى من توازنها.
"هتنفذي اللي عايزه منك... تبقي حبيبتي وتنستري... غير كده، هتتفضحي يا روح خالد."
وقفت رانيا في منتصف الغرفة، الهاتف يهتز في يدها، ووجهها خالٍ من أي تعبير. الكلمات كانت كأنها صفعة، لا على وجهها فقط، بل على روحها كلها. كانت تحاول التنفس، لكن الهواء بات ثقيلاً، وكل شيء من حولها بدا وكأنه ينهار ببطء.
"روح خالد؟!"
النبرة الساخرة في الرسالة، استخدام اسم زوجها، التهديد المقنّع والمباشر... كل ذلك كان مثل سمّ يتسرب داخلها دون رحمة.
عيناها بدأت تدمع دون إرادة منها، ليس فقط من الصدمة، بل من إحساس مرير بالعجز. كل ما ظنت أنها نسيته، كل ما حاولت تدفنه داخلها، عاد يطفو على السطح بقوة أكبر. كانت تظن أن الألم له حدود، لكن ساهر كسر هذا الاعتقاد.
الخطر ليس فقط في التهديد… الخطر أنها بدأت تصدّق أنها بلا مخرج.
جلست رانيا على الأرض، ساقاها مثنيتان تحتها كأنما فقدت القدرة على الوقوف، وأسندت ظهرها إلى الحائط البارد، علّه يمدها بشيء من الثبات الذي فقدته. عيناها زائغتان، تنظران إلى الفراغ أمامها دون تركيز، وشفتيها مضمومتان في صمتٍ ثقيل، كأن كل الكلمات اختنقت في حلقها ورفضت الخروج.
يديها كانت ترتجف وهي تمسك بالهاتف، ما زال الفيديو هناك… متوقفًا على لقطة صامتة، لا تتحرك لكنها تصرخ في عقلها ألف مرة. قلبها يخفق بعنف، لكنه لا ينبض بالحياة، بل بالخزي… بالخوف… وبشيء أعمق، شيء يشبه الموت البطيء للكرامة.
دفنت وجهها بين راحتيها، واندفعت شهقة من صدرها، تلتها دموع لم تكن دموعًا عادية، بل كأنما كانت تطهر داخلي، منهك، مثقوب. لم تكن تبكي فقط… كانت تنهار.
مرّت دقائق لا تدري كم عددها، وكل ما تشعر به هو الأرض تحتها، والحائط خلفها، والوحدة تحاصرها من كل الجهات.
رانيا كانت في مشهد مؤلم تجلد ذاتها بشكل قاسي، بصوتها الداخلي، مشاعرها، وحركاتها، وكل حاجة حوالينها بت
راحت تحدّق في الفراغ، عيناها غارقتان في سوادٍ لا قرار له، ثم همست بصوت بالكاد يسمع : أنا السبب… أنا اللي ددممّرت كل حاجة.
مدّت يديها نحو وجهها، وضغطت بكفيها على خديها، كأنها تحاول أن تستفيق من كابوس، لكنها تعرف… هذا ليس حلمًا. هذه هي الحقيقة. الحقيقة الموجعة التي نحتت في قلبها ألف ندبة.
قامت فجأة، كأن شيئًا في داخلها انفجر، وبدأت تتحدث لنفسها بصوت عالٍ: كنت فاكرة إني قوية… فاكرة إني عارفة أنا بعمل إيه…! بس أنا ولا حاجة! أنا كذّابة! خاينة! خايفة من كل حاجة… حتى من المواجهة!
أمسكت بإطار صورة لخالد كان موضوعًا على الكومودينو بجانب السرير، وراحت تحدّق في عينيه : سامحني يا خالد… سامحني… بس أنت مش هتسامح، ولو كنت مكاني… ما كنتش هتسامح.
ورمت الصورة على الأرض، وتحطّم الزجاج… وتناثر كما تناثرت روحها من قبل.
راحت تدور في الغرفة، تمشي بخطوات سريعة، تعبث بشعرها، تهمس ثم تصرخ، تضرب كفًا بكف، تضحك ضحكة صغيرة ثم تخنقها شهقة بكاء.
أنا اللي فتحت له الباب… أنا اللي ضحكت، وسكتّ، وصدّقت… أنا اللي كنت ضعيفة! كنت بدور على حضن… لقيت سكين.
اقتربت من المرآة، رفعت رأسها ونظرت في عينيها مباشرة… ثم بصقت على الانعكاس، وانسحبت للخلف.
"أنا مش رانيا… مش الست اللي كنت فاكرة نفسي بقيتها… دي وحدة تانية، غريبة… وحدة تافهة… سهلة… خانت نفسها قبل ما تخون أي حد."
جلست أرضًا من جديد، وضمت ركبتيها إلى صدرها، وبدأت تهزّ جسدها بهدوء، كأنها تحاول تهدئة **** مذعورة بداخلها… لكنها لم تهدأ.
كلامها صار همسًا مشوشًا، كأنها تكلم أطيافًا تراها وحدها:
"أنا كرهت نفسي… كرهت ضحكتي… كرهت كل لحظة افتكرت فيها إني لسه إنسانة."
وبقيت هناك… على الأرض… في تلك الزاوية البعيدة من الغرفة… حيث لا يسمعها أحد، ولا يراها أحد… سوى ذنبها.
رنّ هاتفها فجأة، كأن الصمت انكسر بسكين حاد. لم تتحرك في البداية، وكأنها فقدت القدرة حتى على الالتفات. لكن الرنين تكرر… ألحّ، كأن شيئًا ما يُصر أن يُخرجها من جحيمها الداخلي ليقذف بها إلى جحيمٍ آخر.
مدّت يدها بتثاقل، أمسكت الهاتف، ونظرت إلى الشاشة.
"نفس الرقم المجهول".
ضغطت على الرسالة الواردة، فتحتها.
"قولتي ايه يلبوتي."
همست بها وهي تقرأ الرسالة للمرة الثانية، ثم الثالثة، كأنها تبحث بين الحروف عن مخرج، عن تفسير، عن كذبة يمكن أن تُطمئن بها قلبها… لكن الكلمة الأخيرة كانت كفيلة بأن تحرق كل أمل.
شهقت شهقة حارقة، وصرخت فجأة:
ليه؟! إنت عايز إيه مني تاني؟! مش كفاية؟!
رمت الهاتف أمامها بعنف، لكنه لم يتحطم. ظلّ ساكنًا على الأرض، شاشته مضيئة، شاهدة على قذارة تهديد، ووحشية ابتزاز، وسقوط لا قرار له.
ضمّت رأسها بين يديها، كأنها تحاول أن توقف سيل الأفكار، الذكريات، الأصوات… صورته، ضحكته، لمساته، كذبه… ثم صور خالد، وجهه، صوته، نظراته.
"سامحني يا خالد… هو بيقتلني، بس أنا اللي بدأت… أنا اللي سِبت له الباب مفتوح."
قامت كأن الأرض تحترق تحت قدميها، راحت تمشي في الشقة بلا هدف، تبحث عن شيء… عن حل، عن ملجأ، عن خلاص.
لكن الرسالة ما زالت هناك، مشتعلة على الشاشة… تذكرها بأن لا شيء انتهى، وأن القادم… أسوأ.
قرأت الرسالة للمرة العاشرة، بصوت داخلي مكسور. ساد الغرفة صمت ثقيل، لا يُقطعه إلا صوت أنفاسها المتقطعة، وأنين داخلي يوشك أن ينفجر. مدت يدها ببطء نحو الهاتف، ثم سحبته نحوها واحتضنته كطفل خائف، كأنها تحاول الاتكاء على أي شيء يربطها بهذا العالم... لكنها لم تجد شيئًا.
قامت بصعوبة، ساقاها ترتجفان، ومشت في الشقة كأن الأرض تميد تحت قدميها. مرت من أمام مرآة طويلة في الممر، فألقت نظرة سريعة على انعكاسها... لم ترَ نفسها. رأت امرأة مجهولة، بعينين مطفأتين وملامح شبح فقد صوته.
دخلت الحمام، فتحت صنبور المياه، غسلت وجهها، ثم نظرت في المرآة من جديد... لكنها لم ترَ إلا الذنب. لم ترَ إلا الخيانة.
"خالد... سامحني..." همست بها بصوت بالكاد يُسمع، وكأنها تخاطب روحًا تسكن المكان، ثم أغلقت عينيها للحظة طويلة، كأنها تحاول الهروب، ولو مؤقتًا، من الحقيقة.
فتحت عينيها، وعادت إلى غرفتها، جلست على الأرض، وأخرجت صندوقًا صغيرًا كانت قد خبأته في أحد الأدراج منذ شهور. فتحت الغطاء ببطء، نظرت إلى المحتويات… صور، رسائل قديمة، دبلة زواجها، وورقة صغيرة بخط خالد كتب فيها ذات مرة: "بحبك… لحد آخر نفس فيّا."
ابتسمت، ثم انهمرت دموعها، دموع صامتة، بلا صوت، لكنها كانت تحمل ثقل عمر بأكمله. مدت يدها نحو الدبلة، أمسكت بها، وضغطت عليها في كفها بقوة.
مرت ساعة… وربما أكثر.
ثم قامت، بخطوات هادئة هذه المرة، دخلت المطبخ، فتحت درجًا، أخرجت زجاجة من الحبوب الطبية التي وصفها لها ساهر حين كانت تعاني الأرق… نظرت إليها طويلًا، ثم همست : انا تعبت… ومفيش حاجة فاضلة أرجع علشانها.
جلست عند طرف السرير، كتبت رسالة قصيرة على ورقة ووضعتها بجوار الهاتف.
"أنا آسفة يا خالد… حاولت أقاوم، بس أنا ضعيفة… خفت، ووقعت. وساهر كسرني. سامحني لو تقدر. أنا جاية عندك."
ثم تناولت الحبوب، واحدة تلو الأخرى، حتى تلاشى الإدراك، وتسلل النعاس ببطء، دون مقاومة.
سقط جسدها على السرير، كأنه ورقة في مهبّ رياح النهاية… وساد صمت ثقيل، أعمق من كل الكلمات.
وفي الصباح، لم تكن هناك أنفاس.
فقط رانيا، بجسدٍ هادئ، ووجه خالٍ من الألم… وورقة بين يديها تقول إن الحب قد يُحيي، لكنه إن كُسر… يقتل
انتهت

عارفة ان الجزء الاخير اصغرهم بس انا بجد بعيط حالا علي الأحداث اخر حاجة دي مكنوش حابة اكتبها بس كتبتها غصب عني
تحياتي لكل واحد قراها من البداية للنهاية
بحبكو كلكو
باي 🤝🏻
