جدو سامى 🕊️ 𓁈
كبير المشرفين
إدارة ميلفات
كبير المشرفين
مستر ميلفاوي
كاتب ذهبي
ناشر قصص
ناشر صور
ناشر أفلام
فضفضاوي متألق
ميلفاوي متميز
ميلفاوي كوميدي
إستشاري مميز
ميلفاوي شاعر
ناشر موسيقي
ميلفاوي سينماوي
ميلفاوي نشيط
ناشر قصص مصورة
نجم ميلفات
ملك الصور
ناقد قصصي
زعيم الفضفضة
الخلايا الجذعية: هندسة البويضات
من موقع نيتشر الطبعة العربية
في إبداع تقني رائع، استطاع باحثون يابانيون تخليق بويضات وحيوانات منوية في المختبر. وينبغي الآن أن يقرِّر العلماءُ كيفية استخدام تلك الخلايا بطريقة آمنة وأخلاقيّة.
ديفيد سيرانوسكى
Nature (2013)
doi:10.1038/500392a
English article
Published online: 30 Sep 2013
منذ أكتوبر 2012، استقبل خبير البيولوجيا الجزيئية كاتسوهيكو هاياشي أكثر من 10 رسائل إلكترونية من أزواج، معظمهم في منتصف العمر، في أمسِّ الحاجة إلى شيء واحد: ***. وعرضت امرأة من إنجلترا في سِن اليأس المجيء إلى مختبره بجامعة كيوتو باليابان، بأمل أن يساعدها في أن تحمل بطفل. وكتبت تقول: «تلك هي رغبتي الوحيدة».
بدأت الطلبات تَفِد إلى هاياشي، بعد أن نشر نتائج تجربة، يُفترض أن لها أهمية خاصة لعلماء البيولوجيا التطوريّة (التكوينيّة)1. فمن خلايا جلد الفئران بالمختبر، قام هاياشي بتخليق خلايا جرثومية أولية، يمكنها أن تتطور إلى حيوانات منوية وبويضات. ولإثبات أن هذه النُسَخ من الخلايا المخلَّقة مخبريًّا تماثل فعلًا الخلايا الجرثومية الأوّليّة الطبيعية، استخدمها الباحث في تخليق بويضات، ثم استخدم تلك البويضات لتخليق فئران حية. وبينما اعتبر هاياشي ولادة الفئران «تأثيرًا جانبيًّا» للبحث الأصلى، تجاوزت تجربة منضدة المختبر ذلك بكثير، لأنها عزَّزت إمكانية تخليق بويضات قابلة للإخصاب من الخلايا الجلدية للنساء العقيمات. كما طرح البحث إمكانية استخدام خلايا جلد الرجل لتخليق بويضات، أو تخليق حيوانات منوية من خلايا النساء. (في الواقع، بعد نشر هذا البحث، أرسل محرر مجلة معنية بشؤون المِثليِّين والمِثليّات إلى هاياشي طلبًا لمعلومات أكثر).
ورغم طبيعة البحث الابتكارية، فاجأ الاهتمام العام به هاياشي وأستاذه ميتينوري سايتو. وقضى الباحثان أكثر من عقد في تجميع أدق تفاصيل عملية إنتاج أمشاج الثدييات، وإعادة تخليق العملية مخبريًّا؛ لأجل العِلْم وليس الطب. تتيح طريقتهما الآن للباحثين تخليق خلايا جرثومية أوّليّة غير محدودة، كان يصعب الحصول عليها سابقًا. وهذا الإمداد المنتظم من الخلايا النادرة ساعد في دفع دراسة تكاثر الثدييات، لكن في أثناء مسارهما نحو الانتقال الصعب علميًّا من الفئران إلى القرود، ثم إلى البشر، يضعان مسار مستقبل أبحاث علاج العقم، وربما تجارب أكثر جرأة في مجال التكاثر. وقد بدأ العلماء والعامة للتَّوِّ في التعامل مع المسائل الاخلاقية المتصلة بالموضوع.
يقول أماندر كلارك، خبير الخصوبة بجامعة كاليفورنيا، بلوس أنجيليس: «لا حاجة إلى القول إنهما حقّقا تحولًا للمجال في عالَم الفئران». و«الآن، لتجنُّب عرقلة تلك التقنية قبل أَخْذها فرصة إظهار فوائدها، ينبغي لنا التحاور حول أخلاقيات تصنيع أمشاج بهذه الطريقة».
عَوْد على بدء
في الفئران، تظهر الخلايا الجرثومية بعد الأسبوع الأول من تكون الجنين، كمجموعة من حوالي 40 خلية جرثومية أوّلية2. تكوِّن هذه المجموعة الصغيرة في النهاية عشرات آلاف البويضات لدى الأنثى الوليدة، أو ملايين الحيوانات المنوية التي ينتجها الذكر يوميًّا، وتمرر التراث الجيني الكامل للفأر. لقد أراد سايتو فهم الإشارات [الجزيئية] التي توجه نمو وتكوين هذه الخلايا.
خلال العقد الماضي، تمكَّن سايتو ـ بمشقة ـ من اكتشاف عدة جينات، منها Stella, Blimp1, Prdm14، التي لدى التعبير عنها بمزيج معين وتوقيت معين، تؤدي دورًا حاسمًا في تكوين وتطور الخلايا الجرثومية الأولية3-5. وباستخدام هذه الجينات كعلامات، استطاع سايتو انتقاء الخلايا الجرثومية الأولية من بين خلايا أخرى، ودراسة ما يحدث لها. في 2009، من خلال تجارب أجريت بمركز رايكن RIKEN للبيولوجيا التكوينية في كوبيه باليابان، وجد سايتو أنه تحت ظروف استزراع سليمة للخلايا، فإن إضافة مكون واحد فقط، بروتين تَخَلُّق العظام–4 (Bmp4)، في توقيت محدد يكفي لتحويل الخلايا الجنينية إلى خلايا جرثومية أولية2. ولاختبار صحة هذه النتائج، أضاف سايتو تركيزات عالية من بروتين تَخَلُّق العظام–4 للخلايا الجنينية، وكانت النتيجة أنها تحولت جميعًا إلى خلايا جرثومية أولية2. وقد توقع سايتو وعلماء آخرون أن تكون العملية أكثر تعقيدًا.
كبر الصورة
كانت طريقة سايتو ـ وهي محاكاة شديدة الدقة للعملية الطبيعية ـ على نقيض ما كان يفعله آخرون، حسب قول جاكوب حنا، خبير الخلايا الجذعية بمعهد وايزمن للعلوم في رحوفوت بإسرائيل. ويحاول علماء كثيرون تخليق أنواع خلايا معينة مخبريًّا، وذلك بإمطار الخلايا الجذعية بجزيئات إشارية، ثم انتقاء الخلايا المرغوبة من خليط الخلايا الناضجة الناتج، لكنْ لم تكن واضحةً أبدًا العملية التى تتكون بها هذه الخلايا ولا مدى تطابقها مع النُّسَخ الطبيعية. لذلك.. فإن جهود سايتو للوقوف على الضروري لتخليق الخلايا الجرثومية والتخلص من الإشارات الجزيئية الزائدة وتحديد التوقيت الدقيق لعمل مختلف الجزيئات أثارت إعجاب زملائه الباحثين. يقول حنا: «هناك رسالة خفية رائعة في تلك النتائج، هي أن تحقيق تمايز الخلايا [مخبريًّا] ليس سهلا أبدًا». أمّا هاري مور، خبير الخلايا الجذعية بجامعة شيفيلد بالمملكة المتحدة، فيَعتبِر الخلاصة الحذرة لتطوير الخلية الجرثومية «انتصارًا».
حتى 2009، كانت نقطة بداية تجارب سايتو خلايا مأخوذة من الأديم الخارجي الظاهري لفئران حية (مجموعة خلايا جنينية فنجانية الشكل تبطن طرف الجنين وتتشكل بنهاية الأسبوع الأول من تكوين الجنين، قبل ظهور الخلايا الجرثومية الأولية مباشرة). وللتحكم الحقيقي في تلك العملية، أراد سايتو البدء بخلايا مزروعة ومتاحة بسهولة.
كان هذا هو مشروع هاياشي، الذي عاد من جامعة كمبريدج بالمملكة المتحدة إلى اليابان في 2009 بعد أن أنهى ـ مثل سايتو قبله ـ مهمة علمية مدتها 4 سنوات بمختبر أحد رواد المجال، هو عظيم سوراني. يثمِّن سوراني هذين الباحثين، ويرى أنهما «يكملان بعضهما من حيث المزاج الشخصي، وأيضًا في أسلوب ومقاربة حل المشكلات». يقول سورانى إنّ سايتو «منهجي» الشخصية و«لديه القدرة على التصميم والتركيز لتحقيق أهدافه»، بينما هاياشي «يعتمد على الحدس بشكل أكبر، وينظر إلى الموضوع نظرة أوسع، ويبدي نهجًا أكثر استرخاء». ويتابع بقوله: «إنهما معًا يكوِّنان فريقًا قويًّا جدًّا».
لحق هاياشي بسايتو بجامعة كيوتو، واكتشف سريعًا أنها مختلفة تمامًا عن كمبريدج. ولم يكن هناك وقت لنقاشات نظرية كما اعتاد سابقًا؛ بل دخل مباشرة في التجارب. يقول هاياشي: «في اليابان نتجه نحو العمل مباشرة. أحيانًا يكون ذلك غير ناجع، لكنْ في أحيان أخرى ينجح نجاحًا هائلًا».
حاول هاياشي استخدام خلايا الأديم الخارجى ـ نقطة بداية تجارب سايتو ـ وبدلًا من استخدام خلايا مستخلصة من الأجنة كما فعل سايتو، حاول هاياشي أن يستزرعها كخط خلايا مستقر يمكنه إنتاج خلايا جرثومية أولية. لم تنجح الطريقة. ووقتئذ، استخدم هاياشي نتائج أبحاث أخرى تُظْهِر أن جزيئًا أساسيًّا منظمًا (أكتيفين A) وعامل نمو (عامل نمو خلايا الألياف الأساسي) يستطيعان تحويل خلايا جذعية جنينية مبكرة مستزرعة إلى خلايا أقرب لخلايا الأديم الخارجي. أطلق ذلك شرارة استخدام هذين العاملين لحث الخلايا الجذعية الجنينية على التمايز إلى خلايا أديمية، ثم إضافة تركيبة سايتو السابقة؛ لدفع تلك الخلايا لتصبح خلايا جرثومية أوّلية. ونجحت الطريقة6.
ولإثبات أن هذه الخلايا الجرثومية الأولية الاصطناعية نسخ طبق الأصل من نظيراتها الطبيعية، كان ضروريًّا إظهار أنها تتحول إلى حيوانات منوية وبويضات سليمة. العملية التى يحدث بها هذا معقدة وغير مفهومة، ولذا.. فضَّل الفريق ترك المهمة للطبيعة؛ فقام هاياشي بزرع تلك الخلايا داخل خصي فئران عاجزة عن إنتاج حيوانات منوية طبيعيًّا، وانتظر ليرى إنْ كانت الخلايا ستنمو، أم لا6. رجَّح سايتو أن ينجح ذلك، لكنه كان قلقًا. يقول سايتو: «كانت فرصة النجاح حوالي 50/50». ويضيف: «كنا نشعر بالإثارة والقلق في آن واحد»، لكن في الفأر الثالث أو الرابع، وجدوا خصيتين لهما أنيبيبات منوية غليظة داكنة مملوءة بالحيوانات المنوية. يقول هاياشي: «لقد حدث هذا بشكل صحيح تمامًا. وكنت أعلم أنها ستنتج فئرانًا وليدة». حقن الفريق الحيوانات المنوية داخل بويضات، ثم أدخلوا الأجنة الناتجة إلى إناث الفئران. كانت النتيجة ولادة فئران مُنْجِبَة ذكورًا وإناثًا6 (انظر «صناعة الأجنة»).
«إنهما يضعان مسار مستقبل أبحـاث عـلاج العقـم»
كرر الفريق التجربة باستخدام خلايا جذعية مستحثة متعددة القدرات (iPS)، وهي خلايا ناضجة أعيدت برمجتها مخبريًّا إلى حالة شبه جنينيّة. ومرة أخرى، استُخدِمت الحيوانات المنوية الناتجة لإنتاج فئران وليدة، مما يثبت فعاليتها وظيفيًّا. وهو إنجاز نادر في مجال تمايز الخلايا الجذعية، حيث يختلف العلماء غالبًا حول إنْ كانت الخلايا المخلَّقة مخبريًّا هي فعلًا كما تبدو، أم لا. يقول كلارك: «إن هذه إحدى أمثلة قليلة بمجال أبحاث الخلايا الجذعية متعددة القدرات، حيث أمكن توليد نوع من الخلايا الفعالة وظيفيًّا ـ بشكل لا لبس فيه ـ بدءًا من خلية جذعية متعددة القدرات في طبق بالمختبر».
توقع الباحثون أن يكون توليد البويضات أكثر تعقيدًا، لكن في السنة الماضية، قام هاياتشي بتخليق خلايا جرثومية أولية مخبريًّا باستخدام خلايا فأر طبيعي اللون، ثم زرعها بمبيضي فأرة مهقاء (ألبينو)1. خُصِّبت البويضات الناتجة مخبريًّا، وزُرعت الأجنة في رحم فأرة بديلة. يقول هاياشي: «كنت أعلم أنها نجحت»، عندما رأى عيني الفأر الوليد الداكنتين تبرزان من خلال جفونه الشفافة.
هبة الخلية الجرثومية
استطاع باحثون آخرون تكرار العملية؛ لتوليد خلايا جرثومية أوّلية مخبريًّا (لم يكن بين الذين اتصلت بهم «نيتشر» مَنْ استخدمها لإنتاج حيوانات حية). الخلايا الجرثومية الأوليّة المخلَّقة اصطناعيًّا لها استخدام خاص لعلماء الوراثة اللاجينية، أي التبدلات الكيميائية الحيوية للحمض النووي التي تحدد أي جينات سيُعَبَّر عنها. تلك التبدلات ـ هي غالبًا إضافة مجموعات ميثيل لقواعد الحمض النووي فرادى ـ تحمل في بعض الحالات نوعًا من السجل التاريخى لما مَرَّ به الكائن (التعرض لمواد كيميائية داخل الرحم، مثلًا). وبطريقة مماثلة لعملها بخلايا أخرى، تدفع علامات الوراثة اللاجينية الخلايا الجرثومية الأوليّة إلى مآلها (التمايز) أثناء التطور الجنيني، لكن هذه الخلايا فريدة، لأنها حين تتطور إلى بويضات وحيوانات منوية، يتم محو علامات الوراثة اللاجينية. وهذا يتيح للخلايا تخليق بويضة مخصَّبة جديدة قادرة على تكوين جميع أنواع الخلايا.
يُتوقع أن تسهم أخطاء في أدق التغيرات الوراثية اللاجينية في ظهور العقم واضطرابات أخرى، كسرطان الخصيتين. لقد استخدمَت بالفعل مجموعتا سورانى وحنا، خلايا جرثومية أولية مخلقة اصطناعيًّا لبحث دور كل إنزيم وحده في التنظيم الوراثي اللاجيني، وهو ما قد يُظهِر يومًا كيف تنخرط الشبكات الوراثية اللاجينية في الأمراض.
في الواقع، توفر الخلايا الجرثومية الأوّلية المخلَّقة مخبريًّا ملايين الخلايا للعلماء لدراستها، بدلًا من الأربعين خلية التي تُستخرَج عادة بتشريح أجنة مبكرة، حسب قول حنا، الذي يضيف: «هذا أمر مهم، لأننا نملك تلك الخلايا النادرة ـ خلايا جرثومية أولية ـ تمر بتغيرات وراثية لاجينية كبيرة بكامل الجينوم، نفهمها بالكاد». ويوافقه كلارك بقوله: «النموذج المخلَّق معمليًّا أتاح آفاقًا غير مسبوقة للعلماء».
دلالات إكلينيكية
ليس لدى هاياشي وسايتو الكثير ليقدماه للأزواج غير المخصبين الذين يتوسّلون طلبًا للمساعدة. وقبل استخدام هذا البروتوكول في العيادة، هناك عقبات كبيرة ينبغي تذليلها.
فقد وجد سايتو وهاياشي أنه رغم صحة وخصوبة الذُّرِّيَّة التي تولدت باستخدام تقنيتهما، لا تبدو الخلايا الجرثومية الأولية التي تنتجها تلك الذُّرِّيَّة بدورها «طبيعية» تمامًا، بل غالبًا ما تظهر شذوذات. لكن الجيل الثاني من الخلايا الجرثومية الأولية تنتج بويضات طبيعية عادة. ولَدَى تخصيب تلك البويضات، تنقسم إلى خلايا بثلاث مجموعات من الكروموسومات وليس اثنتين، ومعدل نجاح إنتاج ذُرِّيَّة بواسطة الخلايا الجرثومية الأولية الاصطناعية يعادل ثلث معدل نجاح التخصيب المخبري العادي. وقد وجد ييه چانج ـ الذي يدرس الوراثة اللاجينية بكلية طب جامعة هارفارد ببوسطن، ماساشوستس باستخدام طريقة سايتو ـ أيضًا أن الخلايا الجرثومية الأوّلية المخلَّقة مخبريًّا لا تمحو برمجتها الوراثية اللاجينية السابقة مثلما في الخلايا الجرثومية الأوّلية الطبيعية. يقول چانج: «يجب أن نعي أن هذه الخلايا شبيهة بالخلايا الجرثومية الأوّليّة، وليست مطابقة لها». وهناك تحدِّيان تقنيان رئيسان.. الأول: إيجاد طريقة لتحويل الخلايا الجرثومية الأولية إلى حيوانات منوية وبويضات ناضجة، دون زرعها في الخصيتين أو المبيضين. لذلك.. يحاول هاياشي فك شفرات الإشارات الجزيئية التي تُفرَز بالمبيض والخصية وتوجه الخلايا الجرثومية الأولية؛ لتصبح بويضات وحيوانات منوية، بحيث يضيفها إلى مزرعة الخلايا الاصطناعية؛ لتقودها خلال تلك المراحل.
أمّا التحدى الأصعب، فهو تكرار عمل الخلايا الجرثومية الأوّلية بالفئران لدى البشر. لقد بدأ الفريق بالفعل يحاول تحسين أداء الخلايا البشرية الجذعية المستحثّة متعددة القدرات باستخدام الجينات التي أشار سايتو إلى أهميتها في عملية تكوين الخلايا الجرثومية بالفئران، لكن سايتو وهاياشي يعلمان أن شبكات الإشارات الجزيئية البشرية تختلف عن مثيلاتها في الفئران، بل إنه في حين يتوفر لسايتو عدد «لا نهائي» من أجنة الفئران الحية لتشريحها، لا يتوفر للفريق أي أجنة بشرية. ولتعويض ذلك.. يحصل الباحثون على 20 من أجنة القرود أسبوعيًّا من منشأة قريبة لتربية الرئيسيّات، ضمن منحة قدرها 1.2 مليار ين يابانى (12 مليون دولار) لمدة خمس سنوات. وإذا سار كل شيء على ما يرام ـ كما يقول هاياشي ـ فسيتمكنون من تكرار تجارب الفئران على القردة خلال 5–10 أعوام. وببعض التنقيحات الصغيرة، يمكن استخدام هذه الطريقة لإنتاج خلايا جرثومية أولية بشرية بعد ذلك بفترة.
إنّ استخدام الخلايا الجرثومية الأولية لعلاج العقم سيكون قفزة بالغة. ويطالب علماء كثيرون ـ منهم سايتو ـ بالحذر.. فالخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات، والخلايا الجذعية الجنينية كثيرًا ما تلتقط شذوذًا كروموسوميًّا، وطفرات جينية، وعدم انتظام وراثي لاجيني خلال الاستزراع مخبريًّا. يقول مور: «يُحتمَل جدًّا أن تقع عواقب بعيدة المدى متعددة الأجيال إذا حدث خطأ صغير للغاية». وقد يساعد إثبات أن التقنية آمنةٌ لدى القردة في تهدئة تلك المخاوف، ولكنْ كم من القردة السليمة ينبغي أن تُولَد قبل اعتبار الطريقة آمنة؟ وكم من الأجيال ينبغي متابعتها قبل تقرير ذلك؟
في نهاية المطاف، ينبغي إنتاج الأجنة البشرية واختبارها، وهي عملية ستكبلها قيود كثيرة على تخليق أجنة بشرية لأغراض البحث. ستتيح تقنيات التصوير الجديدة غير الانتهاكية للأطباء تمييز الأجنة الصحيحة من المشوهة بدقة عالية7. والأجنة التي تبدو مماثلة لأجنة التخصيب المخبري العادي سيتم إجازتها للزرع في البشر. ويمكن أن يحدث هذا بتمويل خاص، أو في الدول ذات التوجهات أقل تقييدًا لأبحاث الأجنة البشرية.
وعندما تكون التقنية جاهزة، سيكون ممكنًا إجراء أعمال إنجابيّة أجرأ وأكثر إثارة. فمثلًا، يمكن نظريًّا استخدام جلد رجل لتخليق بويضات تلقَّح بحيوانات منوية من الشريك، ثم يُزرع الجنين في رحم أم بديلة، لكن هناك شكوك في إمكانية إجراء ذلك العمل بالغ الجرأة. وكانت مجموعة هينكستُن Hinxton، وهي رابطة دولية من العلماء، تناقش الأخلاقيات والتحديات المتصلة بالخلايا الجذعية، قد خلصت إلى صعوبة إنتاج بويضات من خلايا ذكرية تحمل الكروموسومين XY أو حيوانات منوية من خلايا أنثوية تحمل الكروموسومين XX. فـ«التعليمات التي تمد الخصوصية الأنثوية بها الخلايا الذكرية لا تنسق مع بعضها»، حسب قول كلارك، عضو ذلك الكونسرتيوم.
استخدم سايتو خلايا جذعية متعددة القدرات مستحثة من فأر؛ لتخليق حيوانات منوية، ومن فأرة؛ لتخليق بويضات، لكنه يقول إنّ العكس ممكن. وإنْ صحَّ ذلك..يمكن تخليق بويضات وحيوانات منوية من الفأر نفسه، واستخدامها لتلقيح بعضها، مما ينتج شيئًا لم يره أحد قط: فأر مخلَّق بالتخصيب الذاتي. والواضح أنّ هاياشي، وسايتو غير مستعِدَّين لتجربة هذا. يقول سايتو: «سنجرِّب ذلك [في الفئران]، إنْ كانت هناك ضرورة علمية فقط». وهو لا يرى هذه الضرورة في الوقت الحالي.
ويشعر العالِمان حاليًا ببعض الضغط من المرضى ومنظمات التمويل اليابانية؛ للمضي قُدُمًا. قد تكون تلك التقنية هي الأمل الأخير للنساء اللاتي لم يحالفهن الحظ مع التخصيب بالحقن المجهري، أو لأولئك الناس الذين أصيبوا بالسرطان في طفولتهم؛ ففقدوا القدرة على إنتاج بويضات أو حيوانات منوية. ويبلغ هاياشي مَنْ يراسلونه بأنّ علاجًا ناجعًا للعقم لا يزال يحتاج إلى 10 أو حتى 50 عامًا في المستقبل. يقول هاياشي: «انطباعي الشخصي أن الأمر بعيد جدًّا. ولا أريد أن أعطي الناس أملًا زائفًا».
إنّ المرضى يرون نتائج نهائية، متمثلة في نجاح التجارب على الفئران، ويتجاهلون غالبًا سنوات عمل شاق؛ أدَّت في النهاية إلى ذلك الإبداع التقني الرائع. ولا يدرك المرضى أن تحويل البحث من الفئران إلى البشر يعني بدايةً من الصفر تقريبًا، حسب قول هاياشي. والأجنة البشرية المبكرة مختلفة تمامًا عن أجنة الفئران، إلى حد أن الأمر تقريبًا سيكون «كبدء من جديد لعملية أخذت بالفعل أكثر من 10 سنوات».
من موقع نيتشر الطبعة العربية
في إبداع تقني رائع، استطاع باحثون يابانيون تخليق بويضات وحيوانات منوية في المختبر. وينبغي الآن أن يقرِّر العلماءُ كيفية استخدام تلك الخلايا بطريقة آمنة وأخلاقيّة.
ديفيد سيرانوسكى
Nature (2013)
doi:10.1038/500392a
English article
Published online: 30 Sep 2013
منذ أكتوبر 2012، استقبل خبير البيولوجيا الجزيئية كاتسوهيكو هاياشي أكثر من 10 رسائل إلكترونية من أزواج، معظمهم في منتصف العمر، في أمسِّ الحاجة إلى شيء واحد: ***. وعرضت امرأة من إنجلترا في سِن اليأس المجيء إلى مختبره بجامعة كيوتو باليابان، بأمل أن يساعدها في أن تحمل بطفل. وكتبت تقول: «تلك هي رغبتي الوحيدة».
بدأت الطلبات تَفِد إلى هاياشي، بعد أن نشر نتائج تجربة، يُفترض أن لها أهمية خاصة لعلماء البيولوجيا التطوريّة (التكوينيّة)1. فمن خلايا جلد الفئران بالمختبر، قام هاياشي بتخليق خلايا جرثومية أولية، يمكنها أن تتطور إلى حيوانات منوية وبويضات. ولإثبات أن هذه النُسَخ من الخلايا المخلَّقة مخبريًّا تماثل فعلًا الخلايا الجرثومية الأوّليّة الطبيعية، استخدمها الباحث في تخليق بويضات، ثم استخدم تلك البويضات لتخليق فئران حية. وبينما اعتبر هاياشي ولادة الفئران «تأثيرًا جانبيًّا» للبحث الأصلى، تجاوزت تجربة منضدة المختبر ذلك بكثير، لأنها عزَّزت إمكانية تخليق بويضات قابلة للإخصاب من الخلايا الجلدية للنساء العقيمات. كما طرح البحث إمكانية استخدام خلايا جلد الرجل لتخليق بويضات، أو تخليق حيوانات منوية من خلايا النساء. (في الواقع، بعد نشر هذا البحث، أرسل محرر مجلة معنية بشؤون المِثليِّين والمِثليّات إلى هاياشي طلبًا لمعلومات أكثر).
ورغم طبيعة البحث الابتكارية، فاجأ الاهتمام العام به هاياشي وأستاذه ميتينوري سايتو. وقضى الباحثان أكثر من عقد في تجميع أدق تفاصيل عملية إنتاج أمشاج الثدييات، وإعادة تخليق العملية مخبريًّا؛ لأجل العِلْم وليس الطب. تتيح طريقتهما الآن للباحثين تخليق خلايا جرثومية أوّليّة غير محدودة، كان يصعب الحصول عليها سابقًا. وهذا الإمداد المنتظم من الخلايا النادرة ساعد في دفع دراسة تكاثر الثدييات، لكن في أثناء مسارهما نحو الانتقال الصعب علميًّا من الفئران إلى القرود، ثم إلى البشر، يضعان مسار مستقبل أبحاث علاج العقم، وربما تجارب أكثر جرأة في مجال التكاثر. وقد بدأ العلماء والعامة للتَّوِّ في التعامل مع المسائل الاخلاقية المتصلة بالموضوع.
يقول أماندر كلارك، خبير الخصوبة بجامعة كاليفورنيا، بلوس أنجيليس: «لا حاجة إلى القول إنهما حقّقا تحولًا للمجال في عالَم الفئران». و«الآن، لتجنُّب عرقلة تلك التقنية قبل أَخْذها فرصة إظهار فوائدها، ينبغي لنا التحاور حول أخلاقيات تصنيع أمشاج بهذه الطريقة».
عَوْد على بدء
في الفئران، تظهر الخلايا الجرثومية بعد الأسبوع الأول من تكون الجنين، كمجموعة من حوالي 40 خلية جرثومية أوّلية2. تكوِّن هذه المجموعة الصغيرة في النهاية عشرات آلاف البويضات لدى الأنثى الوليدة، أو ملايين الحيوانات المنوية التي ينتجها الذكر يوميًّا، وتمرر التراث الجيني الكامل للفأر. لقد أراد سايتو فهم الإشارات [الجزيئية] التي توجه نمو وتكوين هذه الخلايا.
خلال العقد الماضي، تمكَّن سايتو ـ بمشقة ـ من اكتشاف عدة جينات، منها Stella, Blimp1, Prdm14، التي لدى التعبير عنها بمزيج معين وتوقيت معين، تؤدي دورًا حاسمًا في تكوين وتطور الخلايا الجرثومية الأولية3-5. وباستخدام هذه الجينات كعلامات، استطاع سايتو انتقاء الخلايا الجرثومية الأولية من بين خلايا أخرى، ودراسة ما يحدث لها. في 2009، من خلال تجارب أجريت بمركز رايكن RIKEN للبيولوجيا التكوينية في كوبيه باليابان، وجد سايتو أنه تحت ظروف استزراع سليمة للخلايا، فإن إضافة مكون واحد فقط، بروتين تَخَلُّق العظام–4 (Bmp4)، في توقيت محدد يكفي لتحويل الخلايا الجنينية إلى خلايا جرثومية أولية2. ولاختبار صحة هذه النتائج، أضاف سايتو تركيزات عالية من بروتين تَخَلُّق العظام–4 للخلايا الجنينية، وكانت النتيجة أنها تحولت جميعًا إلى خلايا جرثومية أولية2. وقد توقع سايتو وعلماء آخرون أن تكون العملية أكثر تعقيدًا.
كبر الصورة
كانت طريقة سايتو ـ وهي محاكاة شديدة الدقة للعملية الطبيعية ـ على نقيض ما كان يفعله آخرون، حسب قول جاكوب حنا، خبير الخلايا الجذعية بمعهد وايزمن للعلوم في رحوفوت بإسرائيل. ويحاول علماء كثيرون تخليق أنواع خلايا معينة مخبريًّا، وذلك بإمطار الخلايا الجذعية بجزيئات إشارية، ثم انتقاء الخلايا المرغوبة من خليط الخلايا الناضجة الناتج، لكنْ لم تكن واضحةً أبدًا العملية التى تتكون بها هذه الخلايا ولا مدى تطابقها مع النُّسَخ الطبيعية. لذلك.. فإن جهود سايتو للوقوف على الضروري لتخليق الخلايا الجرثومية والتخلص من الإشارات الجزيئية الزائدة وتحديد التوقيت الدقيق لعمل مختلف الجزيئات أثارت إعجاب زملائه الباحثين. يقول حنا: «هناك رسالة خفية رائعة في تلك النتائج، هي أن تحقيق تمايز الخلايا [مخبريًّا] ليس سهلا أبدًا». أمّا هاري مور، خبير الخلايا الجذعية بجامعة شيفيلد بالمملكة المتحدة، فيَعتبِر الخلاصة الحذرة لتطوير الخلية الجرثومية «انتصارًا».
حتى 2009، كانت نقطة بداية تجارب سايتو خلايا مأخوذة من الأديم الخارجي الظاهري لفئران حية (مجموعة خلايا جنينية فنجانية الشكل تبطن طرف الجنين وتتشكل بنهاية الأسبوع الأول من تكوين الجنين، قبل ظهور الخلايا الجرثومية الأولية مباشرة). وللتحكم الحقيقي في تلك العملية، أراد سايتو البدء بخلايا مزروعة ومتاحة بسهولة.
كان هذا هو مشروع هاياشي، الذي عاد من جامعة كمبريدج بالمملكة المتحدة إلى اليابان في 2009 بعد أن أنهى ـ مثل سايتو قبله ـ مهمة علمية مدتها 4 سنوات بمختبر أحد رواد المجال، هو عظيم سوراني. يثمِّن سوراني هذين الباحثين، ويرى أنهما «يكملان بعضهما من حيث المزاج الشخصي، وأيضًا في أسلوب ومقاربة حل المشكلات». يقول سورانى إنّ سايتو «منهجي» الشخصية و«لديه القدرة على التصميم والتركيز لتحقيق أهدافه»، بينما هاياشي «يعتمد على الحدس بشكل أكبر، وينظر إلى الموضوع نظرة أوسع، ويبدي نهجًا أكثر استرخاء». ويتابع بقوله: «إنهما معًا يكوِّنان فريقًا قويًّا جدًّا».
لحق هاياشي بسايتو بجامعة كيوتو، واكتشف سريعًا أنها مختلفة تمامًا عن كمبريدج. ولم يكن هناك وقت لنقاشات نظرية كما اعتاد سابقًا؛ بل دخل مباشرة في التجارب. يقول هاياشي: «في اليابان نتجه نحو العمل مباشرة. أحيانًا يكون ذلك غير ناجع، لكنْ في أحيان أخرى ينجح نجاحًا هائلًا».
حاول هاياشي استخدام خلايا الأديم الخارجى ـ نقطة بداية تجارب سايتو ـ وبدلًا من استخدام خلايا مستخلصة من الأجنة كما فعل سايتو، حاول هاياشي أن يستزرعها كخط خلايا مستقر يمكنه إنتاج خلايا جرثومية أولية. لم تنجح الطريقة. ووقتئذ، استخدم هاياشي نتائج أبحاث أخرى تُظْهِر أن جزيئًا أساسيًّا منظمًا (أكتيفين A) وعامل نمو (عامل نمو خلايا الألياف الأساسي) يستطيعان تحويل خلايا جذعية جنينية مبكرة مستزرعة إلى خلايا أقرب لخلايا الأديم الخارجي. أطلق ذلك شرارة استخدام هذين العاملين لحث الخلايا الجذعية الجنينية على التمايز إلى خلايا أديمية، ثم إضافة تركيبة سايتو السابقة؛ لدفع تلك الخلايا لتصبح خلايا جرثومية أوّلية. ونجحت الطريقة6.
ولإثبات أن هذه الخلايا الجرثومية الأولية الاصطناعية نسخ طبق الأصل من نظيراتها الطبيعية، كان ضروريًّا إظهار أنها تتحول إلى حيوانات منوية وبويضات سليمة. العملية التى يحدث بها هذا معقدة وغير مفهومة، ولذا.. فضَّل الفريق ترك المهمة للطبيعة؛ فقام هاياشي بزرع تلك الخلايا داخل خصي فئران عاجزة عن إنتاج حيوانات منوية طبيعيًّا، وانتظر ليرى إنْ كانت الخلايا ستنمو، أم لا6. رجَّح سايتو أن ينجح ذلك، لكنه كان قلقًا. يقول سايتو: «كانت فرصة النجاح حوالي 50/50». ويضيف: «كنا نشعر بالإثارة والقلق في آن واحد»، لكن في الفأر الثالث أو الرابع، وجدوا خصيتين لهما أنيبيبات منوية غليظة داكنة مملوءة بالحيوانات المنوية. يقول هاياشي: «لقد حدث هذا بشكل صحيح تمامًا. وكنت أعلم أنها ستنتج فئرانًا وليدة». حقن الفريق الحيوانات المنوية داخل بويضات، ثم أدخلوا الأجنة الناتجة إلى إناث الفئران. كانت النتيجة ولادة فئران مُنْجِبَة ذكورًا وإناثًا6 (انظر «صناعة الأجنة»).
«إنهما يضعان مسار مستقبل أبحـاث عـلاج العقـم»
كرر الفريق التجربة باستخدام خلايا جذعية مستحثة متعددة القدرات (iPS)، وهي خلايا ناضجة أعيدت برمجتها مخبريًّا إلى حالة شبه جنينيّة. ومرة أخرى، استُخدِمت الحيوانات المنوية الناتجة لإنتاج فئران وليدة، مما يثبت فعاليتها وظيفيًّا. وهو إنجاز نادر في مجال تمايز الخلايا الجذعية، حيث يختلف العلماء غالبًا حول إنْ كانت الخلايا المخلَّقة مخبريًّا هي فعلًا كما تبدو، أم لا. يقول كلارك: «إن هذه إحدى أمثلة قليلة بمجال أبحاث الخلايا الجذعية متعددة القدرات، حيث أمكن توليد نوع من الخلايا الفعالة وظيفيًّا ـ بشكل لا لبس فيه ـ بدءًا من خلية جذعية متعددة القدرات في طبق بالمختبر».
توقع الباحثون أن يكون توليد البويضات أكثر تعقيدًا، لكن في السنة الماضية، قام هاياتشي بتخليق خلايا جرثومية أولية مخبريًّا باستخدام خلايا فأر طبيعي اللون، ثم زرعها بمبيضي فأرة مهقاء (ألبينو)1. خُصِّبت البويضات الناتجة مخبريًّا، وزُرعت الأجنة في رحم فأرة بديلة. يقول هاياشي: «كنت أعلم أنها نجحت»، عندما رأى عيني الفأر الوليد الداكنتين تبرزان من خلال جفونه الشفافة.
هبة الخلية الجرثومية
استطاع باحثون آخرون تكرار العملية؛ لتوليد خلايا جرثومية أوّلية مخبريًّا (لم يكن بين الذين اتصلت بهم «نيتشر» مَنْ استخدمها لإنتاج حيوانات حية). الخلايا الجرثومية الأوليّة المخلَّقة اصطناعيًّا لها استخدام خاص لعلماء الوراثة اللاجينية، أي التبدلات الكيميائية الحيوية للحمض النووي التي تحدد أي جينات سيُعَبَّر عنها. تلك التبدلات ـ هي غالبًا إضافة مجموعات ميثيل لقواعد الحمض النووي فرادى ـ تحمل في بعض الحالات نوعًا من السجل التاريخى لما مَرَّ به الكائن (التعرض لمواد كيميائية داخل الرحم، مثلًا). وبطريقة مماثلة لعملها بخلايا أخرى، تدفع علامات الوراثة اللاجينية الخلايا الجرثومية الأوليّة إلى مآلها (التمايز) أثناء التطور الجنيني، لكن هذه الخلايا فريدة، لأنها حين تتطور إلى بويضات وحيوانات منوية، يتم محو علامات الوراثة اللاجينية. وهذا يتيح للخلايا تخليق بويضة مخصَّبة جديدة قادرة على تكوين جميع أنواع الخلايا.
يُتوقع أن تسهم أخطاء في أدق التغيرات الوراثية اللاجينية في ظهور العقم واضطرابات أخرى، كسرطان الخصيتين. لقد استخدمَت بالفعل مجموعتا سورانى وحنا، خلايا جرثومية أولية مخلقة اصطناعيًّا لبحث دور كل إنزيم وحده في التنظيم الوراثي اللاجيني، وهو ما قد يُظهِر يومًا كيف تنخرط الشبكات الوراثية اللاجينية في الأمراض.
في الواقع، توفر الخلايا الجرثومية الأوّلية المخلَّقة مخبريًّا ملايين الخلايا للعلماء لدراستها، بدلًا من الأربعين خلية التي تُستخرَج عادة بتشريح أجنة مبكرة، حسب قول حنا، الذي يضيف: «هذا أمر مهم، لأننا نملك تلك الخلايا النادرة ـ خلايا جرثومية أولية ـ تمر بتغيرات وراثية لاجينية كبيرة بكامل الجينوم، نفهمها بالكاد». ويوافقه كلارك بقوله: «النموذج المخلَّق معمليًّا أتاح آفاقًا غير مسبوقة للعلماء».
دلالات إكلينيكية
ليس لدى هاياشي وسايتو الكثير ليقدماه للأزواج غير المخصبين الذين يتوسّلون طلبًا للمساعدة. وقبل استخدام هذا البروتوكول في العيادة، هناك عقبات كبيرة ينبغي تذليلها.
فقد وجد سايتو وهاياشي أنه رغم صحة وخصوبة الذُّرِّيَّة التي تولدت باستخدام تقنيتهما، لا تبدو الخلايا الجرثومية الأولية التي تنتجها تلك الذُّرِّيَّة بدورها «طبيعية» تمامًا، بل غالبًا ما تظهر شذوذات. لكن الجيل الثاني من الخلايا الجرثومية الأولية تنتج بويضات طبيعية عادة. ولَدَى تخصيب تلك البويضات، تنقسم إلى خلايا بثلاث مجموعات من الكروموسومات وليس اثنتين، ومعدل نجاح إنتاج ذُرِّيَّة بواسطة الخلايا الجرثومية الأولية الاصطناعية يعادل ثلث معدل نجاح التخصيب المخبري العادي. وقد وجد ييه چانج ـ الذي يدرس الوراثة اللاجينية بكلية طب جامعة هارفارد ببوسطن، ماساشوستس باستخدام طريقة سايتو ـ أيضًا أن الخلايا الجرثومية الأوّلية المخلَّقة مخبريًّا لا تمحو برمجتها الوراثية اللاجينية السابقة مثلما في الخلايا الجرثومية الأوّلية الطبيعية. يقول چانج: «يجب أن نعي أن هذه الخلايا شبيهة بالخلايا الجرثومية الأوّليّة، وليست مطابقة لها». وهناك تحدِّيان تقنيان رئيسان.. الأول: إيجاد طريقة لتحويل الخلايا الجرثومية الأولية إلى حيوانات منوية وبويضات ناضجة، دون زرعها في الخصيتين أو المبيضين. لذلك.. يحاول هاياشي فك شفرات الإشارات الجزيئية التي تُفرَز بالمبيض والخصية وتوجه الخلايا الجرثومية الأولية؛ لتصبح بويضات وحيوانات منوية، بحيث يضيفها إلى مزرعة الخلايا الاصطناعية؛ لتقودها خلال تلك المراحل.
أمّا التحدى الأصعب، فهو تكرار عمل الخلايا الجرثومية الأوّلية بالفئران لدى البشر. لقد بدأ الفريق بالفعل يحاول تحسين أداء الخلايا البشرية الجذعية المستحثّة متعددة القدرات باستخدام الجينات التي أشار سايتو إلى أهميتها في عملية تكوين الخلايا الجرثومية بالفئران، لكن سايتو وهاياشي يعلمان أن شبكات الإشارات الجزيئية البشرية تختلف عن مثيلاتها في الفئران، بل إنه في حين يتوفر لسايتو عدد «لا نهائي» من أجنة الفئران الحية لتشريحها، لا يتوفر للفريق أي أجنة بشرية. ولتعويض ذلك.. يحصل الباحثون على 20 من أجنة القرود أسبوعيًّا من منشأة قريبة لتربية الرئيسيّات، ضمن منحة قدرها 1.2 مليار ين يابانى (12 مليون دولار) لمدة خمس سنوات. وإذا سار كل شيء على ما يرام ـ كما يقول هاياشي ـ فسيتمكنون من تكرار تجارب الفئران على القردة خلال 5–10 أعوام. وببعض التنقيحات الصغيرة، يمكن استخدام هذه الطريقة لإنتاج خلايا جرثومية أولية بشرية بعد ذلك بفترة.
إنّ استخدام الخلايا الجرثومية الأولية لعلاج العقم سيكون قفزة بالغة. ويطالب علماء كثيرون ـ منهم سايتو ـ بالحذر.. فالخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات، والخلايا الجذعية الجنينية كثيرًا ما تلتقط شذوذًا كروموسوميًّا، وطفرات جينية، وعدم انتظام وراثي لاجيني خلال الاستزراع مخبريًّا. يقول مور: «يُحتمَل جدًّا أن تقع عواقب بعيدة المدى متعددة الأجيال إذا حدث خطأ صغير للغاية». وقد يساعد إثبات أن التقنية آمنةٌ لدى القردة في تهدئة تلك المخاوف، ولكنْ كم من القردة السليمة ينبغي أن تُولَد قبل اعتبار الطريقة آمنة؟ وكم من الأجيال ينبغي متابعتها قبل تقرير ذلك؟
في نهاية المطاف، ينبغي إنتاج الأجنة البشرية واختبارها، وهي عملية ستكبلها قيود كثيرة على تخليق أجنة بشرية لأغراض البحث. ستتيح تقنيات التصوير الجديدة غير الانتهاكية للأطباء تمييز الأجنة الصحيحة من المشوهة بدقة عالية7. والأجنة التي تبدو مماثلة لأجنة التخصيب المخبري العادي سيتم إجازتها للزرع في البشر. ويمكن أن يحدث هذا بتمويل خاص، أو في الدول ذات التوجهات أقل تقييدًا لأبحاث الأجنة البشرية.
وعندما تكون التقنية جاهزة، سيكون ممكنًا إجراء أعمال إنجابيّة أجرأ وأكثر إثارة. فمثلًا، يمكن نظريًّا استخدام جلد رجل لتخليق بويضات تلقَّح بحيوانات منوية من الشريك، ثم يُزرع الجنين في رحم أم بديلة، لكن هناك شكوك في إمكانية إجراء ذلك العمل بالغ الجرأة. وكانت مجموعة هينكستُن Hinxton، وهي رابطة دولية من العلماء، تناقش الأخلاقيات والتحديات المتصلة بالخلايا الجذعية، قد خلصت إلى صعوبة إنتاج بويضات من خلايا ذكرية تحمل الكروموسومين XY أو حيوانات منوية من خلايا أنثوية تحمل الكروموسومين XX. فـ«التعليمات التي تمد الخصوصية الأنثوية بها الخلايا الذكرية لا تنسق مع بعضها»، حسب قول كلارك، عضو ذلك الكونسرتيوم.
استخدم سايتو خلايا جذعية متعددة القدرات مستحثة من فأر؛ لتخليق حيوانات منوية، ومن فأرة؛ لتخليق بويضات، لكنه يقول إنّ العكس ممكن. وإنْ صحَّ ذلك..يمكن تخليق بويضات وحيوانات منوية من الفأر نفسه، واستخدامها لتلقيح بعضها، مما ينتج شيئًا لم يره أحد قط: فأر مخلَّق بالتخصيب الذاتي. والواضح أنّ هاياشي، وسايتو غير مستعِدَّين لتجربة هذا. يقول سايتو: «سنجرِّب ذلك [في الفئران]، إنْ كانت هناك ضرورة علمية فقط». وهو لا يرى هذه الضرورة في الوقت الحالي.
ويشعر العالِمان حاليًا ببعض الضغط من المرضى ومنظمات التمويل اليابانية؛ للمضي قُدُمًا. قد تكون تلك التقنية هي الأمل الأخير للنساء اللاتي لم يحالفهن الحظ مع التخصيب بالحقن المجهري، أو لأولئك الناس الذين أصيبوا بالسرطان في طفولتهم؛ ففقدوا القدرة على إنتاج بويضات أو حيوانات منوية. ويبلغ هاياشي مَنْ يراسلونه بأنّ علاجًا ناجعًا للعقم لا يزال يحتاج إلى 10 أو حتى 50 عامًا في المستقبل. يقول هاياشي: «انطباعي الشخصي أن الأمر بعيد جدًّا. ولا أريد أن أعطي الناس أملًا زائفًا».
إنّ المرضى يرون نتائج نهائية، متمثلة في نجاح التجارب على الفئران، ويتجاهلون غالبًا سنوات عمل شاق؛ أدَّت في النهاية إلى ذلك الإبداع التقني الرائع. ولا يدرك المرضى أن تحويل البحث من الفئران إلى البشر يعني بدايةً من الصفر تقريبًا، حسب قول هاياشي. والأجنة البشرية المبكرة مختلفة تمامًا عن أجنة الفئران، إلى حد أن الأمر تقريبًا سيكون «كبدء من جديد لعملية أخذت بالفعل أكثر من 10 سنوات».