الرئيسية
ما الجديد
الأعضاء
الـتــيـــــــوب
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
سجل عضوية للتمتع بالمنتدى واكتساب مميزات حصريه منها عدم ظهور الإعلانات
قسم قصص السكس
قصص غير جنسية
مع وقف التنفيذ | السلسلة الثالثة | ـ ثلاثة عشر جزء
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابيقور" data-source="post: 42894" data-attributes="member: 1775"><p>الفصل الحادى والعشرون</p><p></p><p></p><p></p><p>عاد الفارس إلى صهوة جواده مرة أخرى وأستأنف حياته العملية ثانية ولكن هذه المره وهو يجلس خلف مكتب الدكتور حمدى مهران كنائباً عنه ومديراً للمكتب وشريك فيه بمجهوده بنسبة الثلث ...لينفذ فكر استاذه فى قبول القضايا ورفضها حسب ما يترائى له من حلها وحرمتها مهما كانت باهظة الثمن ...وعادت دنيا تقبع خلف مكتبها تقلب أوراقها بملل غير راضية عن وضعها القديم فقد كانت تتصور أن شأنها سيرتفع لمجرد أنها زوجته وأنه سيعطيها مكتب مخصص لها ولكنها تركها كما هى حتى عندما غضبت وطلبت منه ذلك رد ببرود:</p><p></p><p>- لو هارقى حد هيبقى على حسب كفائته مش على حسب هو يقربلى ايه</p><p></p><p>وقد كانت الضربة الموجعة لها والقاسمة لغرورها وكبريائها أنه أعطى نورا صلاحية مدير المكتب وخصص لها مكتبه سابقاً بل وخفف عنها عبء عمل النهار وأصبحت تعمل مساءا كمديرة للمكتب فقط مما جعل دنيا تستشيط غضباً وحنقاً وتستعر النار بداخلها ...خرجت من المكتب دون أستئذان وتوجهت لوالدتها لتحكى لها مأساتها معه والظلم الذى تلاقيه فى عملها فاجابتها والدتها بهدوء:</p><p></p><p>- فى حاجة مش طبيعية بينك وبينه ومحدش فيكوا عاوز يقول عليها</p><p></p><p>جلست دنيا تقلم أظافرها وهى ترفع كتفيها وتقول بخبث :</p><p></p><p>- بصراحة يا ماما فيه بس يعنى ..ضميرى مش سامحلى انى افضح جوزى</p><p></p><p>نظرت لها والدتها مستفهمة وقد عقدت حاجبيها قائلة:</p><p></p><p>- يعنى أيه يابنتى مش عاوزه تفضحيه هو فى ايه بالظبط</p><p></p><p>رفعت رأسها إلى والدتها وتصنعت الخجل وهى تقول :</p><p></p><p>- أصله بصراحة يعنى مش قد كده معايا ..يمكن بقى علشان كده علطول مضايق وبيعاملنى وحش زى ما اكون أنا المسؤلة عن حالته دي</p><p></p><p>زاد أنعقاد حاجبى والدتها وهى تنظر إليها قائلة:</p><p></p><p>- طب ليه ما يروحش لدكتور بدل ما العلاقة بينكوا متوترة كده</p><p></p><p>زفرت دنيا متبرمة وهى تقول بملل:</p><p></p><p>- يووه حاولت كتير معاه وكل مره بيزعل ويعمل خناقة .. خلاص بقى قسمتى ونصيبى انا راضية</p><p></p><p>جلست والدتها واستندت إلى ظهر مقعدها وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها وتنظر لابنتها بشك ثم قالت :</p><p></p><p>- غريبة أوى الحكاية دى</p><p></p><p>عادت دنيا لتقليم أظافرها ثانية وهى تقول بأسى :</p><p></p><p>- شايفة يا ماما انا مستحملة أيه.. وكمان قاعدة مع امه فى مكان واحد ومعاملتها بقت حاجة صعبة أوى</p><p></p><p>مالت أمها للأمام بابتسامة متهكمة وقالت :</p><p></p><p>- أهى دى بقى لو حلفتيلى عليها عمرك كله مش هصدقك ..ده انا شفت بعينى محدش قالى</p><p></p><p>نظرت دنيا إليها وقالت بحزن:</p><p></p><p>- كده يا ماما بقى انتِ برضة تخيل عليكى حركات الست دى .. دى بتعمل كده قدامك بس</p><p></p><p>ضحكت أمها بسخرية وقالت :</p><p></p><p>- روحى شوفيلك كدبة تانية بس تكون محبوكة شوية عن دى</p><p></p><p>هبت دنيا واقفة وهى تقول بانفعال :</p><p></p><p>- كده يا ماما ...ماشى ..أنا هدخل انام شوية</p><p></p><p>- أنتِ مش هتروحى</p><p></p><p>- لاء لازم يعرف انه غلط</p><p></p><p>دخلت غرفتها وتنفست بقوة وهى تزفر بضيق متسائلة بداخلها.. لماذا دائما يكذبها الجميع حتى والدتها لا تصدقها فى شىء , ألهذه الدرجة هى مكروهة منهم ...هوت إلى فراشها بقوة وغضب وهى تلوم نفسها على سذاجتها التى أودت بها ..تذكرت يوم وفاة أبيها واليوم الذى توعدتها أمها أنها ستجعل عمتها تأخذها معها إلى الصعيد لتعيش هناك بقية عمرها وتذكرت يوم أن قررت مصيرها وحددت معاد عقد قرانها على فارس دون الرجوع إليها عادت لتذكر الشعور الذى مر بها والغضب الذى تملكها حينها وهى ترى حياتها تسير فى الاتجاه الخاطىء وسينتهى بها الأمر فى حارة مع حماتها فى شقة واحدة , أستعادت ذاكرتها هذا اليوم المشؤم الذى بحثت فيه عن الدواء المنوم خاصتها ووضعت منه لوالدتها فى مشروبها والذى جعلها تنام نوما عميقا مما أتاح الفرصة لها أن تخرج , وأول ماتوجهت كان لمكتب باسم الذى رحب بها وأغلق الباب قائلا:</p><p></p><p>- ولا يهمك محدش يقدر يجوزك غصب عنك</p><p></p><p>- كل ده بسببك انت ..ماما عملت كده علشان سمعتك وانت بتكلمنى فى التليفون بالليل فى الليلة اللى بابا مات فيها ...أسمع بقى انا مش هغرق لوحدى لازم تطلعنى من الحكاية دى فورا</p><p></p><p>- يعنى عاوزانى اعمل ايه</p><p></p><p>- أنت مش قلت هتجوزى وتخلينى شريكتك فى المكتب ؟.. يبقى تيجى بكره وتطلب أيدى رسمى</p><p></p><p>- أيه ده.. يعنى بتفضلينى على حبيب القلب ولا أيه مش فاهم</p><p></p><p>- حبيب قلب أيه دلوقتى ..يعنى أرمى نفسى بأيدى فى الحارة مع أمه علشان بحبه ..لاء طبعا</p><p></p><p>- أومال انتِ خرجتى ازاى دلوقتى .. مش بتقولى امك حاسباكى</p><p></p><p>- حطيت منوم لماما هينيمها طول الليل وقلت اجيلك وارجع البيت من غير ما تحس انى خرجت .. وطبعا انت هتتقدم بكره رسمى ومش هتسيبنى فى اللى انا فيه ده لوحدى.. مش كده يا باسم.. مش كنت بتقول انك بتحبنى وانك مستعد تعمل أى حاجة علشانى</p><p></p><p>أغمضت عينيها وهى تتذكر نظرة عينيه فى تلك اللحظة , وكيف عادت لبيتها وهى تجر أذيال الخيبة , مترنحة لا تصدق ما فعله بها وافتراسه لها بعد أن وثقت به وعاد صوته يتردد داخلها مرة أخرى وهو يقول بمنتهى الوقاحة :</p><p></p><p>- أعرف دكتور كويس هيرجعك زى ما كنتِ وأحسن كمان</p><p></p><p>شعرت بغصة فى حلقها عندما وصلت لهذه النقطة من ذكرياتها المقززة , و أخذت تفكر فى طريقة تعيد بها مكانتها مرة أخرى , فكان لابد أن تبدأ بفارس أولا , لابد أن تستعيد مكانتها فى قلبه بأى شكل من الأشكال وبشتى الطرق .</p><p></p><p>*****</p><p></p><p>ظلت مُهرة تداعب أبناء عبير الأربعة وتجرى وهم يجرون خلفها وصوت ضحكاتهم يتردد بين جدران المنزل فى سعادة بينما قالت أم بلال وهى تضع يدها على صدرها :</p><p></p><p>- كفاية يا مُهرة قلبى وجعنى من الضحك يابنتى</p><p></p><p>قالت عبير وهى تجرى خلف أحدهم بطبق الطعام:</p><p></p><p>- سيبيها يا ماما دول كده بياكلوا وجبتهم كلها</p><p></p><p>جلست مُهرة على الأرض والأطفال تجذبها من يدها لتقوم مرة أخرى وهى تتنفس بصعوبة وتقول بأنفاس متقطعة:</p><p></p><p>- كفايه مش قادره قطعتوا نفسى يا ولاد الدكتور</p><p></p><p>ضحكت عبير وهى تقول بمرح:</p><p></p><p>- أنتِ خلاص يا مُهرة بقى عندك خبرة ينفع نجوزك من بكره</p><p></p><p>نهضت أم بلال وهى تقول :</p><p></p><p>- أنا هدخل اريح شوية دماغى وجعنى من كتر الضحك</p><p></p><p>نهضت مُهرة وأخذت طفلين على قدماها تداعبهم وشرعت عبير فى إطعام الاثنين الآخرين وهى تنظر إلى مُهرة نظرات متفحصة ثم قالت :</p><p></p><p>- مُهرة .. أنتِ فى حاجة مضايقاكى</p><p></p><p>ألتفتت إليها مُهرة بحيرة وقالت بتردد :</p><p></p><p>- ليه بتقولى كده</p><p></p><p>ركزت عبير على عينيها وقالت بثقة:</p><p></p><p>- علشان عارفاكى كويس .. لما بتبقى مضايقة ومهمومة بتقعدى تجرى وتلعبى وتضحكى أكتر من الطبيعى بتاعك</p><p></p><p>حاولت مُهرة تغير مجرى الحديث وهى تقول :</p><p></p><p>- أحنا مش هنروح لـ عزة ولا ايه يالا بقى قومى ألبسى</p><p></p><p>نهضت عبير وهى ترمقها بنظراتها وقالت :</p><p></p><p>- ماشى يا مُهرة بس خليكى فكرة أنى أختك الكبيرة لو أحتاجتى تتكلمى انا موجوده</p><p></p><p>قالت عبير كلمتها الاخيرة وتوجهت لغرفتها مصطحبة أطفالها لتبدل لهم ملابسهم بينما كانت عينان مُهرة تتابعها فى شرود وقد عاد الأسى يسكن قسمات هذا الوجه اليافع مرة أخرى, وهى تتذكرنتيجة التنسيق التى كانت تتمناه وتحلم بها سابقا والتى وضعتها أول غباتها وهى تملأ استمارة الرغبات متنازلة عن مجموع درجاتها الذى يؤهلها لكلية أخرى , ورغم ذلك اختارت أن تدرس نفس ما كان يدرسه, أختارت كلية الحقوق !</p><p></p><p>****</p><p></p><p>سمع صلاح طرقات منغمة على باب غرفته فالتفت إلى الباب وقال بمرح :</p><p></p><p>- أدخل يا عريس</p><p></p><p>أطل عمرو برأسه من فتحة الباب بابتسامته المرحة ودخل إليه يعانقه قائلا:</p><p></p><p>- وحشنى و**** يا أستاذ صلاح</p><p></p><p>نظر إليه صلاح متأملا وهو يقول :</p><p></p><p>- وانت و**** يا عمرو ..بس أيه الحلاوة دى .. هو الجواز عامل عمايله معاك ولا ايه</p><p></p><p>رفع عمرو يديه يستعرض عضلاته وقال بغرور مصطنع :</p><p></p><p>- لا ولسه مشفتش المجانص كمان</p><p></p><p>لم يضحك صلاح فنظر إليه عمرو فوجده ينظر خلفه ووجهه قد عاد إليه جموده فالتفت عمرو خلفه فوجد إلهام واقفة عند الباب وتنظر إليه بنظرات إعجاب جريئة تكاد تلتهمه بعينيها وقالت برقة :</p><p></p><p>- حمد *** على السلامة يا بشمهندس ..تعال المكتب شوية لو سمحت ضرورى</p><p></p><p>وخرجت متوجهة لمكتبها , فوضع صلاح يديه على كتف عمرو وقال :</p><p></p><p>- **** يخليلك مراتك يابنى</p><p></p><p>نظر له عمرو نظر مبهمة واتجه إلى مكتب إلهام , طرق الباب ودخل فقالت :</p><p></p><p>- أقفل الباب يا بشمهندس</p><p></p><p>أغلق عمرو الباب ووقف مكانه قائلا :</p><p></p><p>- خير يا بشمهندسة</p><p></p><p>أشارت له بالجلوس أمامها فاقترب قائلا:</p><p></p><p>- أنا أصلى لسه هستلم الشغل</p><p></p><p>قالت ببطء وهى تتفحصه :</p><p></p><p>- مش هعطلك كتير اتفضل</p><p></p><p>جلس عمرو على المقعد أمام المكتب متحاشيا النظر إليها , مالت للأمام واسندت ذقنها إلى راحتها وهى تنظر إليه مبتسمة وقالت :</p><p></p><p>- تعرف أنك احلويت فعلا بعد الجواز</p><p></p><p>نهض عمرو على الفور وقال بضيق:</p><p></p><p>- معلش انا لازم امشى عندى شغل كتير</p><p></p><p>نهضت من مقعدها ودارت حول مكتبها ووقفت أمامه , مدت يدها إليه ولمست بأناملها أزرار قميصه وقالت هامسة:</p><p></p><p>- أنت ليه مش حاسس بيه يا عمرو</p><p></p><p>نظر ليدها وابتعد خطوة للخلف ونظر فى الاتجاه الآخر وهو يقول بجدية:</p><p></p><p>- يا بشمهندسة اللى بيحصل ده مينفعش خالص</p><p></p><p>أقتربت هى الخطوة التى ابتعدها ونظرت إليه برجاء وقالت بضعف:</p><p></p><p>- مينفعش أيه ..مينفعش أحبك</p><p></p><p>نظر إليها بدهشة وقال :</p><p></p><p>- يا مدام إلهام انا راجل متجوز وبحب مراتى وحضرتك كمان متجوزة و..</p><p></p><p>قاطعته على الفور وهى تتلمس قميصه مرة أخرى وقالت بعينين ملتهبتين :</p><p></p><p>- وبحبك انت ..</p><p></p><p>أشاح بوجهه وهو يبتعد عن يدها فقالت تستعطفه:</p><p></p><p>- يا عمرو انا بحبك ومش عاوزه منك أى حاجة.. أنت ليه مش قادر تحس بالى جوايا</p><p></p><p>شعر بالحرج والأضطراب وحاول أن ينتقى عبارات غير جارحة وهو يسمع نبرتها الواهنة التى ترجوه بها , ألتفت إليها قائلا بهدوء:</p><p></p><p>- يا بشمهندسة أحنا كلنا هنا بنحترمك وبنقدرك .. لكن غير كده مش هينفع صدقينى ..عن أذنك</p><p></p><p>وتركها وأنصرف وهى ترمقه وتراقب حركته العصبية وهو يفتح الباب ويخرج ويغلقه خلفه مسرعاً , فرت دمعة من عينيها فمسحتها بسرعة وهى تقول بتصميم :</p><p></p><p>- غلطان يا عمرو ..</p><p></p><p>توجه عمرو مباشرة إلى مكتبه وعانق زميله أحمد بحرارة والتفت إلى زميله نادر متناسياً المشاحنة التى كانت بينهما وقال:</p><p></p><p>- أزيك يا بشمهندس نادر</p><p></p><p>نظر له نادر نظرة متعالية وقال:</p><p></p><p>- كويس</p><p></p><p>ربت أحمد على كتفه وقال بمرح :</p><p></p><p>- واحشنى و**** يا عمرو ووحشانى خفة دمك ..ايه خلاص هترجعلنا تانى ولا ايه</p><p></p><p>قال عمرو وهو يجلس خلف مكتبه بخفة :</p><p></p><p>- اه ان شاء **** ..هرجع أرخم عليكوا تانى</p><p></p><p>ضحك أحمد وهو يضع أمامه بعض الرسومات الهندسية وبدأ فى العمل بينما كان نادر يراقبه عن كثب ويتتبعه وهو يعمل بنظرات محتقنة حاقدة .</p><p></p><p>****</p><p></p><p></p><p>أنهى بلال جلسته العلاجية لاحد مرضاه الذى قال مرحاً :</p><p></p><p>- بجد يا دكتور بلال .. أنت أيدك مرهم ولا حسيت بحاجة</p><p></p><p>رفع بلال رأسه إليه وقال مداعباً:</p><p></p><p>- أنت محسسنى انك جاى تاخد حقنة فى الصيدلية .. وبعدين لو محستش بحاجة تبقى الجلسة فشلت يا كابتن</p><p></p><p>ضحك كابتن علاء وهو يقول :</p><p></p><p>- لا نجحت ان شاء **** ...بس حلو أوى حكاية التسبيح والتكبير والاستغفار اللى انت بتعملها دى يا دكتور بجد أنت ليك سبق فى الحكايه دى ...ده انا ما سمعت عنك وعن اللى بتعمله من زميلى فى الفريق قلت لازم أجى أجرب بنفسى وسيبت دكتور الفريق</p><p></p><p>أبتسم بلال وهو ينهض من خلف مكتبه قائلا:</p><p></p><p>- الكلام كله عاجبنى إلا الحتة الأخيرة.. ناقصلك شوية وتقولى اعملى خصم</p><p></p><p>ضحك علاء بينما نهض بلال وهو يأخذ مفاتيحه من فوق المكتب وقال :</p><p></p><p>- يالا يا كابتن يدوب نلحق العصر</p><p></p><p>ساعده بلال على النهوض وهو يقول له مشجعاً:</p><p></p><p>- لا بقولك أيه بلاش دلع.. أنجز علشان عاوزين الكاس السنة دى</p><p></p><p>ابتسم علاء بإجهاد وهو يتحرك معتمدا على يديى بلال وقال :</p><p></p><p>- أنا معتمد على **** وعليك يا دكتور</p><p></p><p>رد بلال مبتسماً وقال معلماً:</p><p></p><p>- يا ابو الكباتن قول على **** ثم عليك</p><p></p><p>نظر له علاء مستفهماً وقال :</p><p></p><p>- وايه الفرق ؟؟</p><p></p><p>شرع بلال فى الشرح له وهما يتوجهان خارج المركز وقال :</p><p></p><p>- يعنى لما اقول خرجت من المركز انا وعلاء يعنى خرجنا احنا الاتنين سوا... زى زيك يعنى</p><p></p><p>لكن لما اقول أنت ثم أنا يعنى أنت الاول وبعدين أجى انا فى المرتبة التانية ..كده أحنا مش متساويين مع بعض</p><p></p><p>هز علاء رأسه بدهشة وقال :</p><p></p><p>- تصدق أول مرة أعرف ده احنا بنقولها كتير اوى</p><p></p><p>ما كاد ينتهى من كلمته حتى أصطدم بمُهرة التى كانت تهبط الدرج بسرعة مداعبة الطفل على يديها , نظرت له مُهرة وقالت بإندفاع:</p><p></p><p>- مش تحاسب يا استاذ أنت ..ايه الناس دى</p><p></p><p>نظر بلال إلى عبير التى كانت تهبط السلم بهدوء وهى تساعد الأطفال على تعلم هبوط السلم بحذر ويبدو أن مُهرة قد سبقتها كما تفعل دائما وسمع علاء يقول لها وهو يتأملها ملياً:</p><p></p><p>- المفروض انتِ اللى تعتذريلى على فكرة.. أنا اللى تعبان وانتِ اللى خبطى فيها</p><p></p><p>نظرة له مُهرة شذراً قائلة بحنق :</p><p></p><p>- وانت مبتشوفش يعنى</p><p></p><p>بينما قال بلال بسرعة :</p><p></p><p>- خلاص يا كابتن حصل خير ..خلاص يا مُهرة</p><p></p><p>قالت عبير بتلقائية :</p><p></p><p>- خلاص بقى يا مُهرة محصلش حاجة</p><p></p><p>اقترب بلال من عبير وهمس فى اذنها :</p><p></p><p>- مش قلت محبش راجل غريب يسمع صوتك ..ماشى لما نطلع بيتنا بس</p><p></p><p>أبتسمت عبير بصمت فهى مازالت وستظل تحب غيرته عليها حتى من أن يستمع رجل غريب لصوتها فقط .. نظر علاء إلى مُهرة وقال بإعجاب :</p><p></p><p>- وكمان اسمك مُهرة .. لا بصراحة أسم على مسمى</p><p></p><p>نهره بلال على الفور وهو يأخذ بيديه للأسفل قائلا:</p><p></p><p>- بقولك ايه يا كابتن .. أنت هتعاكسها قدامى كمان طب احترمنى على الأقل يا أخى</p><p></p><p>همس علاء فى أذنه قائلا:</p><p></p><p>- هى تقربلك ولا ايه</p><p></p><p>قال بلال وهو يعبر به باب البناية قائلا:</p><p></p><p>- حاجة زى كده ..وبعدين وانت مالك</p><p></p><p>****</p><p></p><p>وفى أحد الليإلى افترش فارس الأرض بعيدا عن الفراش ووضع وسادته واستلقى بجسده المنهك وأغمض عينيه فى أنهاك شديد تحت عينيى دنيا المتابعة له وهى جالسة على الفراش ترقبه وقد عزمت على تنفيذ ما قررته وأن تستعيد مكانتها لديه ثانية , نهضت من فراشها وتعطرت وارتدت ثياباً مكشوفة وجلست على الأرض بجواره واتكأت على طرف وسادته لينفذ عطرها لأنفه رغماً عنه وقالت بدلال :</p><p></p><p>- هتفضل تنام على الأرض لحد أمتى .. هو احنا مش متجوزين ولا ايه</p><p></p><p>قال بجدية دون أن يفتح عينيه:</p><p></p><p>- أنا حذرتك قبل كده يا دنيا .. أرجعى على سريرك وابعدى عنى</p><p></p><p>غلفت صوتها بنبرة ناعمة وهى تتلمس خصلات شعره :</p><p></p><p>- ولو مبعدتش هتعمل ايه</p><p></p><p>فتح عينيه وألتفت إليها بعصبية وقال بغضب :</p><p></p><p>- هتشوفى فارس اللى عمرك ما شوفتيه قبل كده ..</p><p></p><p>ثم قال محذرا:</p><p></p><p>- والكام شهر اللى هتقعدي على ذمتى فيهم تتجنبينى خالص وتبطلى محاولاتك دى علشان أنا بحس بقرف لما بتقربى مني</p><p></p><p>ألقى عليها نظرة احتقار أخيرة وأغمض عينيه ثانية وولاها ظهره غير مباليا بها , نظرت إليه بغضب وحقد شديد وهبت واقفة فى عصبية كبيرة وبدلت ملابسها ونامت وهى تعض على يديها من كثرة الغيظ والغل !</p><p></p><p>****</p><p></p><p>حاول أن تمحى من أفكارها كل ماهو ليس له علافة بمستقبلها ومذاكرتها وتتعايش مع الواقع بشكل أكثر حسمأ وواقعية , ولكن الواقع هو الذى لم يتركها لشأنها كثيرا , تزوج والدها بامرأة أخرى وأصبح أكثر أهمالاً لهم ماديا ومعنويا, ولم يكن هذا هو العبء الوحيد عليها وأنما لحق به عبأً آخر , بدأ العرسان يتوافدون عليها وبدأت هى الصراع فى الرفض دائما مماجعل والدها يزداد سخطاً عليها وعلى رفضها المستمر بدون أسباب حتى كانت الطامة الكبرى بالنسبة لها وتقدم للزواج منها أحد الأشخاص الذين يصعب على والدها الإنصياع إليها ولم يقتنع باسبابها , ولكنها أصرت مما جعله يضربها لأول مرة ...وأخيرا أضطر والدها إلى الأستماع إلى رأى زوجته أم يحيى واللجوء إلى الشخص الوحيد الذى يظن الجميع أنه يمكن له أن يقنعها بالموافقة , فتح فارس باب منزله ليجد أمامه والد مُهرة ثائرا جدا و لكنه قال بحرج:</p><p></p><p>- معلش يا أستاذ فارس عملنالك أزعاج بس كنت محتاجك عندى ضرورى لو سمحت</p><p></p><p>قال فارس بدهشة متسائلاً:</p><p></p><p>- طيب اتفضل شوية مينفعش من على الباب كده</p><p></p><p>- معلش يا أستاذنا مش هينفع</p><p></p><p>أومأ فارس برأسه وقد بدأ القلق يتسرب لنفسه وقال :</p><p></p><p>- حاضر ثوانى هغير واجى معاك</p><p></p><p>بدل ملابسه سريعاً وهو يشعر بقلق بالغ وتوجه إلى والدته بالمطبخ يخبرها بالأمر ثم</p><p></p><p>أخذه والد مُهرة وصعد به إلى شقته , وجلس معه فى غرفة استقبال الضيوف وقال بحنق:</p><p></p><p>- بص بقى يا أستاذ فارس البت دى غلبتنى وطلعت عينى وبصراحة كده امها شارت عليا ان مفيش حد غيرك هيقنعها ويخليها تغير رأيها بما أنك مربيها ومن صغرها وهى بتسمع كلامك</p><p></p><p>عقد فارس بين حاجبيه وقال بقلق :</p><p></p><p>- فى ايه طيب فهمنى</p><p></p><p>لوح الرجل بيديه وقال بعصبية:</p><p></p><p>- عماله ترفض عريس ورا التانى وانا ساكت عليها ومش عاوز اغصبها لكن العريس ده بقى هتجوزه حتى ولو غصب عنها ..يا أستاذ فارس ده لاعيب كورة معروف وغنى وهتتبسط أوى معاه وهتخرج من هنا لمستوى تانى خالص.. أنا مش عارف البت دى مالها كده</p><p></p><p>مال فارس للأمام واستند بمرفقيه على قدمه وفرك كفيه فى توتر وقال :</p><p></p><p>- مُهرة لسه صغيرة</p><p></p><p>قال والدها بحنق:</p><p></p><p>- وأيه المشكلة .. هى يعنى هتجوز النهاردة ..الراجل عاوز يكتب الكتاب بس</p><p></p><p>حك فارس ذقنه بعصبية وقال متهكماً:</p><p></p><p>- ياه كمان عاوز يكتب الكتاب مش يخطب .. ده شكله مستعجل على كده</p><p></p><p>- هيخطب ليه .. ده جاهز من مجاميعه ومش عاوز مننا حاجة خالص ولا حتى شنطة هدومها</p><p></p><p>زاد اضطرابه وتوتره وتعرقت يديه بشدة وقال محاولا التحكم بعصبيته:</p><p></p><p>- اه علشان كده بقى</p><p></p><p>دخلت أم يحيى وقدمت له الشاى قائلة :</p><p></p><p>- و**** يا أستاذ فارس شاب يفرح ويشرح القلب ومن ساعة ما شفها عند الدكتور بلال وهو هيتجنن عليها.. وهى دماغها ناشفة</p><p></p><p>ثم توجهت للخارج وهى تقول :</p><p></p><p>- انا هناديهالك وانت بقى تحاول تاثر عليها.. أنا عارفة انها بتسمع كلامك</p><p></p><p>دخلت أم مُهرة غرفتها وقالت لها بلهفة:</p><p></p><p>- قومى بسرعة أستاذ فارس عاوزك بره</p><p></p><p>نهضت مُهرة من خلف مكتبها الصغير وهى تحدق بوالدتها وقالت بحزن:</p><p></p><p>- جاى يقنعنى انى اوافق على العريس.. مش كدة؟</p><p></p><p>أومأت أمها برأسها وقالت مؤكدة:</p><p></p><p>- أومال معطل نفسه وطالع مع ابوكى ليه .. وبعدين يا مُهرة خلى بالك لو فضلتى رافضة ابوكى هيبهدلنا ويمكن يطلقنى يابنتى .. يرضيكى امك تطلق على كبر كده</p><p></p><p>زاغت نظراتها وهى تجلس على مقعدها مرة أخرى ترمى بثقل جسدها عليه دفعة واحدة بعد ان خذلتها قدميها وقد شعرت أن الألم يعتصر قلبها اعتصارًا محاولاً أن يتخلص من هذا الرجل الذى طالما أحبه وعشق كل سكناته وخلجاته وحروف كلماته وضحكاته بل وآلامه وأحزانه , خرجت كلماتها بصعوبة بعد أن بللت الدموع شفاهها وقالت :</p><p></p><p>- قوليلوا مفيش داعى يتعب نفسه يا ماما ..أنا خلاص موافقة</p><p></p><p>خرجت أم يحيى من غرفة ابنتها وهى تطلق الزغاريد, فنهض فارس ووالدها متسائلين فقالت أم يحيى بسعادة كبيرة:</p><p></p><p>- بركاتك يا أستاذ فارس .. أول ما خطيت بيتنا عنادها اتفك</p><p></p><p>ونظرت إلى زوجها قائلة:</p><p></p><p>- كلم العريس وقوله البت وافقت يا ابو العروسة</p><p></p><p>خفق قلبه بقوة وهو ينظر إليها مشدوها قائلا:</p><p></p><p>- هى قالتك انها موافقة يا ام يحيى</p><p></p><p>ضحكت أم يحيى وهى تقول:</p><p></p><p>- طبعا يا أستاذ فارس موافقة</p><p></p><p>توجه والد مُهرة إلى الهاتف بينما شعرهو أن الدنيا تميد به وأنه يتنفس من ثقب أبرة لا تروى ظمأ رأتيه, فاتجه إلى الباب خارجاً وهو يتمتم غاضباً:</p><p></p><p>- مبروك</p><p></p><p>***</p><p></p><p>عاد الفارس مهزوماً إلى شقته ولكن غاضباً لأقصى حد , فتح الباب بعنف وأغلقه خلفه بقوة خرجت والدته من المطبخ فزعة ورأته غاضباً بشدة لا يرد عليها , ودخل إلى الحمام وضع رأسه تحت الصنبور لعله يطفأ النار التى نشبت برأسه وهو لا يدرى مصدر النار الحقيقية, وقفت والدته بجواره ترجوه أن يتحدث ويخبرها ما به , وأخيرًا أغلق الصنبور واعتدل واقفا وهو يتكأ على الحائط أمامه بكلتا يديه ناظراً لوجه بالمرآة والمياه تقطر من كل مكان بوجهه وشعره لتغرق ملابسه قائلاً :</p><p></p><p>- هتتجوز ..</p><p></p><p>رفعت والدته حاجبيها دهشة وهى تقول :</p><p></p><p>- هى مين يابنى</p><p></p><p>وفجأة انقلب الصمت إلى زوبعة شديدة تتلوها الأعاصير تترا , وأخذ يهدر فى غضب شديد:</p><p></p><p>- خلاص مبقاش ليا لازمة عندها .. أنا بقيت ولا حاجة عند الهانم.. رايحة تقرر وتوافق من غير ما ترجعلى</p><p></p><p>خرج من الحمام متوجهًا إلى المائدة وراح يركل المقاعد واحداً تلو الآخر فينقلب على عقبيه محدثا جلبة شديدة وهو يصيح :</p><p></p><p>- كانت بتاخد رأيى فى لون الفيونكة اللى فى شعرها .. كانت بتاخد رأيى فى القلم اللى بتكتب بيه .. دلوقتى بتقرر تتجوز ..كده من نفسها ..خلاص كبرت وعاوزه تجوز .. خلاص مبقاليش قيمة عندها</p><p></p><p>حاولت والدته أن تهدىء من روعه وتتشبث به لتجلسه ولكنه كان كالعاصفة الهوجاء يطيح بكل ما يقابله أمامه يمينا ويسارا , لم تعد تعرف كيف تعيده إلى رشده, أخذت تمسح على ذراعيه تارة وعلى رأسه تارة وهى تستعيذ ب**** من الشيطان الرجيم , حتى هدأ أخيرًا وجلس وقد احتقن وجهه بشدة ودفن رأسه بين كفيه محاولاً السيطرة على غضبه, يلتقط أنفاسه بصعوبة كأنه كان يعدو بقوة.</p><p></p><p>وقفت والدته بجواره تمسح رأسه وتقرأ بعض آيات القرآن وبينما هم كذلك صدح رنين هاتف المنزل , تركته والدته ورفعت سماعة الهاتف لتجيب المتصل , أمتقع وجهها وهى تنظر إلى فارس الذى بدأ يهدأ قليلاً وأنفاسه تنتظم , ثم قالت بشحوب:</p><p></p><p>- أمتى حصل ده يابنتى</p><p></p><p>رفع رأسه ونظر إلى والدته متسائلاً حينما سمعها تقول لمحدثتها:</p><p></p><p>- لاحول ولا قوة الا باللـه ..البقاء *** يابنتى</p><p></p><p>****</p><p></p><p></p><p>الفصل الثانى والعشرون</p><p></p><p></p><p></p><p>أغلق فارس باب شقة والدة دنيا خلف المعزيين وعاد ليجلس بجوارها منهكاً من شدة التعب , نظر إليها فوجدها تدفن رأسها بين كفيها وتنساب عبراتها المنهمرة على وجنتيها لتبلل كفيها ووجهها , أقتربت والدته منها ومسحت على ظهر دنيا بحنان قائلة:</p><p></p><p>- كفايه يا بنتى هتموتى نفسك من العياط .. أدعيلها بالرحمة</p><p></p><p>ثم نظرت لـ فارس وأردفت :</p><p></p><p>- قوم يابنى خد مراتك وادخلوا ارتاحوا شوية.. أنتوا منمتوش من امبارح</p><p></p><p>نهض فارس بتثاقل , فكم كان محتاجاً لقسط من الراحة لبعض الوقت, بعد نهار طويل من اجراءات الدفن والوقوف لاستقبال المعزين , أمسك يدها وساعدها على النهوض وهو يقول بإشفاق:</p><p></p><p>- تعالى جوه يا دنيا.. قومى يالا</p><p></p><p>نهضت وهى تجفف دموعها وقد أطرقت رأسها إلى الأرض وكادت أن تسقط من فرط أجهادها وحالتها النفسية السيئة, لولا أن أسندها بيديه ومضى بها إلى غرفتها , ساعدها فى الجلوس على طرف فراشها قائلاً:</p><p></p><p>- نامى شوية علشان أعصابك تهدى</p><p></p><p>رفعت رأسها إليه ببطء ونظرت له من بين دموعها وقالت بصوت مبحوح من كثرة البكاء:</p><p></p><p>- أقعد لو سمحت</p><p></p><p>جلس بجوارها على الفراش والتفت إليها مشفقاً لحالها فارتمت على صدره وأخذت تبكى وتشهق بقوة وهى ترجوه قائلةً:</p><p></p><p>- متسبنيش يا فارس .. أنا ماليش غيرك دلوقتى .. أرجوك متسبنيش لوحدى ..أنا بعتذرلك عن كل اللى عملته معاك وكل اللى غلطته فى حقك.. بس أنا عارفة انك شهم ونبيل ومش هتتخلى عنى .</p><p></p><p>وشهقت بقوة أكبر وهى تقول بانهيار:</p><p></p><p>- آخر حاجة ماما قالتهالى أقولك تفضل جنبى علشان ماليش غيرك ..علشان خاطرها يا فارس مش علشان خاطرى انا..أرجوك يا فارس أرجوك</p><p></p><p>رفع رأسه لأعلى وتنفس بقوة ثم ربت على كتفها مطمئناً وقال :</p><p></p><p>- متخافيش يا دنيا متخافيش</p><p></p><p>ولمعت عينيه من التأثر وهو يردف قائلاً:</p><p></p><p>- أنا جنبك متقلقيش من حاجة أبدًا</p><p></p><p>أعتدلت ونظرت إليه بلهفة قائلة:</p><p></p><p>- بجد يا فارس يعنى مش هتطلقنى</p><p></p><p>ربت على يدها وقال بهدوء :</p><p></p><p>- متفكريش فى الكلام ده دلوقتى.. أنا عاوزك تنامى وترتاحى ..أنتِ مش شايفة نفسك عامله ازاى</p><p></p><p>أستلقت فى فراشها مطمئنة وأغمضت عينيها , ظل جالساً بجوارها حتى ذهبت فى سبات عميق , ألقى عليها نظرة مشفقة ونهض بهدوء وخرج وأغلق الباب خلفه , خرج فوجد والدته قد غفوت على الأريكة الخارجية , حاول إيقاظها ولكنها لم تستجب له من شدة الإرهاق , هوى بجسده على المقعد جانبها واستند إلى ظهر المقعد وأغمض عينيه وهو يحاول استيعاب الأمر من جديد .</p><p></p><p>لقد أصبحت وحيدة الآن وليس من الشهامة أن يتخلى عنها هكذا ويتركها بمفردها , لقد استنجدت به وتوسلت إليه أن لا يتركها فكيف يفعل , تأبى رجولته أن يفعل ذلك , ولكن كيف يحتفظ بها وهى من هى , لن يستطيع أن يتخذها زوجة حقيقية ولن يستطيع أن يطلقها فى مثل هذه الظروف , وضع كفيه على وجهه ملتجأً إلى **** عزوجل هاتفاً بقلبه :</p><p></p><p>- ما العمل ياربى ما العمل</p><p></p><p>*****</p><p></p><p>عادت أم فارس إلى بيتها وتركتهما هناك بعد أن ألحت على فارس أن يبقى مع زوجته فى شقة والدتها قليلاً , ثم يعود بها بعد أن تتحسن حالتها , تفاجأت بأن زواج مُهرة قد تم بالفعل فى غيابها فصعدت إليهم وجلست بصحبة أم يحيى وهى تقول بضيق:</p><p></p><p>- كده برضوا.. هو أنا مش من حقى افرح بيها زيك ولا أيه يا ام يحيى</p><p></p><p>قالت أم يحيى بحرج:</p><p></p><p>- و**** سألت عليكى يا ست أم فارس ملقتكيش وبعدها عرفت من عمرو ان حماة الأستاذ فارس تعيشى انتِ .. أتلخمت فى كتب الكتاب ومعرفتش أوصلك</p><p></p><p>- مُهرة فين علشان أباركلها</p><p></p><p>اشارت لها أم يحيى إلى غرفتها قائلة:</p><p></p><p>- جوه.. ثوانى اندهالك</p><p></p><p>خرجت مُهرة من غرفتها وتلاقت عينيها بعينين أم فارس كل عينين بها ما بها وتنطق بالكثير ولكن مُهرة لم تستطع أن تنتظر أكثر , جرت مسرعةً وارتمت بين أحضان أم فارس وأخذت تبكى وتبكى وأمه تمسح على رأسها وقد لمعت عينيها بالدموع ولكنها تماسكت فقالت أم يحيى:</p><p></p><p>- أيه يا بت مالك بتعيطى ليه كده</p><p></p><p>رفعت أم فارس رأسها لأم يحيى قائلة:</p><p></p><p>- تلاقيها واخده على خاطرها مني علشان محضرتش فرحها</p><p></p><p>مطت أم يحيى شفتيها وهى تقول :</p><p></p><p>- أنا عارفة ايه دلع البنات ده .. دى من ساعة كتب الكتاب وهى لويه بوزها كده حتى عريسها مبتديلوش ريق حلو ابدا</p><p></p><p>أزداد بكاء مُهرة ولكنها لم ترفع رأسها من حضن أم فارس حتى بللت حجابها بدموعها فقالت أم فارس وقد رسمت ابتسامة مصطنعة على شفتيها :</p><p></p><p>- ايه يا ست انتِ... أنتِ بقيتى بخيلة ولا أيه فين الشربات بتاعى</p><p></p><p>ضحكت أم يحيى بسعادة وهى متوجهة إلى المطبخ قائلة:</p><p></p><p>- من عنيا يا ست الكل</p><p></p><p>تبعتها أم فارس بعينيها حتى اختفت داخل المطبخ فربتت على رأس مُهرة وقالت بخفوت:</p><p></p><p>- متقهريش نفسك يا بنتى.. كل شىء قسمة ونصيب</p><p></p><p>توقفت مُهرة عن البكاء ورفعت رأسها تنظر فى عينيها متعجبة فابتسمت لها أم فارس وقالت بخفوت :</p><p></p><p>- أنا كمان مربياكى واقدر احس بيكى كويس .. ولا فاكرانى مش حاسة بيكى كل ده</p><p></p><p>ثم امسكت وجهها بين يديها وقالت بحنان:</p><p></p><p>- ركزى فى مذاكرتك ومتفكريش فى حاجة.. وارضى بقضاء <strong>** علشان **</strong> يرضى عنك ويرضيكى</p><p></p><p>*****</p><p></p><p>دخلت مُهرة هى وأخيها يحيى النادى الرياضى تتطلع حولها منبهرة بما ترى بينما كان علاء الذى يسير بجوارها بزهو وهو يشاهد الأنبهار فى عينيها هى وأخيها وهو يشعر بالسعادة, فتلك المرة الأولى التى وافقت على أن تخرج بصحبته منذ أن عقد عليها ..مرت بجوارهم مجموعة من الفتيات استوقفوه بلهفة وهن يصافحنه ويتضاحكن معه بجرأة وبجوارها يحيى يكاد يلتهمهن بعينيه , ألتفت علاء إلى مُهرة فوجدها مصوبة نظرها عليهم بملامح خالية من أى تعبير ولكن يغلب عليها بعض الدهشة , أنصرفت الفتيات واقترب منها قائلا :</p><p></p><p>- أيه يا حبيبتى غيرانه ولا أيه... لا لازم تتعودى على كده دى ضريبة الشهرة ولا ايه يا يحيى</p><p></p><p>قال يحيى مؤكداً :</p><p></p><p>- طبعا يا نجم</p><p></p><p>نظرت إليهما مُهرة وكأنها لم تسمعهما ولم ترى حديثه مع الفتيات</p><p></p><p>وقالت :</p><p></p><p>- هو مين اللى بيصرف على كل الحاجات الفخمة اللى فى النادى دى</p><p></p><p>نظر لها متعجباً وقال باستنكار:</p><p></p><p>- هو ده كل اللى لفت نظرك</p><p></p><p>أومأت برأسها وقالت باهتمام:</p><p></p><p>- غريبة أوى أنا كنت بشوف الحاجات دى فى التلفزيون بس كنت فاكراهم بيضحكوا علينا طلع بجد</p><p></p><p>عقد ذراعيه أمام صدره بضيق وقال وهو يسير بجوارهما ببطء:</p><p></p><p>- وأيه الغريب فى كده .. إذا كانت مكافأتنا لوحدها بتوصل للألفات وساعات الواحد فينا بياخد مليون لوحده مكافأة ..مستغربة ان النادى نفسه يبقى فخم</p><p></p><p>ثم أشار لهما على أحدى الطاولات لتجلس , جلس قبالتها فانحنت للامام مستندة إلى الطاولة الصغيرة وقالت :</p><p></p><p>- ومين اللى بيدفع كل ده</p><p></p><p>رفع كتفيه قائلا بلا مبالاة :</p><p></p><p>- تبرعات رجال الاعمال مكافآت من الدولة وحاجات زى كده يعنى</p><p></p><p>أسندت ذقنها على راحة يدها وقالت متعجبة:</p><p></p><p>- مصر ماليانة أحياء شعبية محتاجة نص اللى بيتحط فى النادى ده والماتشات بتاعته هو وغيره ورجال الأعمال دول لو اتبرعوا للأحياء دى ولا لأطفال الشوارع ولا للمستشفيات اللى محتاجة أجهزة وأدوية كان هيبقى ثوابهم أكبر عند **** مش يجوا يحطوا فلوسهم فى حمام سباحة ولا ماتش</p><p></p><p>عقد حاجبيه وقال بحنق:</p><p></p><p>- أحنا بندى البلد دى جوايز ده غير الدورى والكاس</p><p></p><p>ضحكت وهى تقول :</p><p></p><p>- غريبة أوى أنتوا بيتصرف عليكوا ملايين علشان دورى وكاس لكن العلماء محدش بيسأل فيهم و بيضطروا يهاجروا بره مصر علشان يلاقوا اللى يصرف على أبحاثهم اللى هتخدم البشرية كلها</p><p></p><p>قال يحيى بحماس معترضاً:</p><p></p><p>- والماتشات دى برضة حاجة كويسة يا مُهرة .. بتخرج الطاقة والناس بتحبها وبتتبسط منها يعنى كلنا بنستفاد والبلد كمان بتستفاد</p><p></p><p>نظرت إلى يحيى وقالت بتلقائية:</p><p></p><p>- يابنى ده انا اختك وبشوفك أنت وصحابك وانتوا بتتخانقوا بعد كل ماتش ده غير الشتيمة اللى بتقعدوا تشتموها للعيبة وتاخدوا عليها ذنوب والقهوة اللى على أول شارعنا اللى بيضربوا بعض بالكراسى وفى الآخر بعد الماتش ما يخلص هما ياخدوا المكافآت وانتوا تتخانقوا وتخسروا بعض.. وبلد أيه اللى بتستفاد دى الفريق بيسافر والبلد تصرف عليهم فى البلد التانية ..وفى الآخر لو كسبوا يقولوا مصر فازت ولو خسروا مصر خسرت.. طب مصر كسبت ايه وخسرت ايه واحنا مش مهتمين بالعلم والعلماء وبنقولهم فوت علينا بكره .. كسبت كاس بيتحط على رف النادى مكتوب عليه تاريخ الانتصاروفلوس تتوزع على اللعيبة زى الرز ..وفى ناس أحق بالفلوس دى بيباتوا من غير أكل ولا دوا وبيموتوا من كتر الأهمال فى المستشفيات الحكومية...الكلام ده لو فى عدل لو كل واحد بياخد حقه</p><p></p><p>نسى علاء أنه فى مكان عام وهتف غاضباً:</p><p></p><p>- وحضرتك بقى وافقتى تتجوزينى ليه طالما شايفة أن شغلى تافه أوى كده</p><p></p><p>حملت حقيبة يدها وقالت بتلقائية :</p><p></p><p>- منا قلتلك كنت فاكراهم بيضحكوا علينا فى التلفزيون وبيبالغوا بس كلامك ده واللى أنا شايفاه أكدلى ..وبعدين مالك زعلان أوى كده ليه الأختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية وأنا بقول رأيى</p><p></p><p>نظر لها يحيى مندهشاً وهو يقول :</p><p></p><p>- سبحان **** كأنى سامع الأستاذ فارس هو اللى بيتكلم</p><p></p><p>نظرت له مُهرة بتأثر ولمعت عينيها حنيناً بينما قال علاء متسائلاً:</p><p></p><p>- مين فارس ده؟</p><p></p><p>ضحك يحيى وهو يقول :</p><p></p><p>- ده بقى يا سيدى الأب الروحى لمراتك.. هو اللى مربيها ومحفظها الكلام ده</p><p></p><p>ظن علاء أن الشخص الذى يتحدث عنه يحيى رجل طاعن فى السن مثلاً فلم يبالى بالأمر وقال باستهزاء :</p><p></p><p>- وأنا أقول برضة اتعلمتى منين التخاريف دى</p><p></p><p>هتفت مُهرة وهى تنظر له بغضب :</p><p></p><p>- أتكلم باسلوب أحس من كده</p><p></p><p>تدخل يحيى بسرعة وقال مهدئاً للموقف :</p><p></p><p>- صلوا على النبى يا جماعة دى مجرد مناقشة</p><p></p><p>تأملها علاء لبعض الوقت ثم قال حانقاً :</p><p></p><p>- يالا نمشى</p><p></p><p>سارت بجواره وهو يمشى بخطوات واسعة وهى تحاول اللحاق به جاهدة ويحيى يلقى النظرات الأخيرة على النادى الذى حلم دائما بدخوله , حتى وجدته يقف فجأه وتتغير ملامحه الغاضبة إلى الابتهاج عندما صافح أحد الرجال الذى كان يبدو عليه أنه فى أوائل العقد الخامس من عمره يرتدى حلة وقبعة رياضية ثم استدار إليها يعرفها إلى الرجل قائلا :</p><p></p><p>- دى مُهرة مراتى يا كوتش وده يحيى أخوها</p><p></p><p>نظر إليها الرجل مبتسماً ومد يده يصافحها قائلا :</p><p></p><p>- أهلا وسهلا نورتى النادى</p><p></p><p>عقدت ذراعيها وقالت بجمود:</p><p></p><p>- أهلا بحضرتك بس معلش مش بسلم</p><p></p><p>مد يحيى يده وصافح الرجل بحرارة بينما نظر لها علاء نظرة نارية وضغط أسنانه حتى خُيل إليها أنها استمعت إلى صوت صكيكها وقال آمراً :</p><p></p><p>- سلمي يا مُهرة ده الكوتش بتاعى.. أنتِ متعرفيهوش ولا أيه</p><p></p><p>نظرت إليه وظلت عاقدة ذراعها ولم ترد فقال الرجل بسرعة وهو يربط على كتف علاء :</p><p></p><p>- خلاص يا كابتن مش مشكلة ..يالا اشوفك فى التدريب سلام</p><p></p><p>جذبها من ذراعها بقوة وهو يقول :</p><p></p><p>- انا غلطان أنى جبتك هنا..</p><p></p><p>أمسكه يحيى وهو يحاول تخليص ذراعها منه هاتفاً :</p><p></p><p>- مش كده يا كابتن التفاهم بالراحة</p><p></p><p>دفعت يده بعيدا بضيق وأسرعت الخطى وقد لمعت عيناها بالدموع , ظلت جالسة فى المقعد الخلفى فى السيارة وعلاء يقودها حانقاً فى طريقه إلى المنزل وهى تنظر من النافذة بجوارها وكلما فرت دمعة من عينيها رغماً عنها مسحتها بسرعة حتى لا يراها فى المرآة .. أما هو فكان يصيح طوال الطريق بغضب قائلاً:</p><p></p><p>- بتحرجينى مع الكوتش بتاعى يا مُهرة يعنى لو كنت قابلت حد من الرجال الاعمال اللى بيرعانى كنتِ برضة هتحرجينى قدامه كده مش كفايه مش عاجبك شغلى ومستخسرة فيا الفلوس اللى باخدها</p><p></p><p>كانت تستمع إلى يحيى وهو يحاول تهدئته أما هى فقد ظلت صامتة ولم ترد عليه وتركته يخرج ما فى صدره من حنق وغضب عليها, كانت تشعر أنها وحيدة لا تشعر بالأمان معه تريد أن تصل لمنزلها سريعا لتحتمى بجدرانه بعد أن فقدت النصير الذى غاب عنها وتاه فى دنياه</p><p></p><p>*****</p><p></p><p>وضع فارس حقيبة دنيا فى غرفتها وخرج منها وأغلق الباب خلفه قائلا لوالدته فى عجلة من أمره :</p><p></p><p>- لازم امشى حالاً.. أتأخرت أوى على المكتب</p><p></p><p>همست له والدته بخفوت:</p><p></p><p>- مش تستنى مع مراتك شوية يا فارس وبعدين تنزل</p><p></p><p>ربت على كتفها برقة وقال وهو يضع الهاتف فى جيبه ويأخذ مفاتيحه :</p><p></p><p>- هستنى أعمل أيه يا ماما هى خلاص بقت كويسة.. معلش عندى شغل متأخر .. مع السلامة</p><p></p><p>ترجل يحيى فى بداية المنعطف المؤدى إلى شارعهم عندما التقت عيناه بعينيى محمود الذى قاطعه منذ زواج مُهرة وهو يقول :</p><p></p><p>- معلش يا كابتن واحد صاحبى زعلان مني عاوز ألحقه .. يالا سلام</p><p></p><p>تابع علاء طريقة بتثاقل ووضع السيارة بجوار المنزل ,هبطت مُهرة بسرعة دون أن تنتظره , لحق بها على الدرج وأمسكها من ذراعها وجذبها إليه بحدة وهو يقول :</p><p></p><p>- كمان مش معبرانى .. ده بدل ما تعتذري لى يا هانم</p><p></p><p>ألتفتت إليه وقد أغرورقت عيناها بالدموع وقالت :</p><p></p><p>- لو سمحت سيب أيدى .. مش كفاية الكلام الجارح اللى عمال تقوله طول الطريق .. جاى تكمل هنا كمان</p><p></p><p>حاولت أن تتملص منه ولكنه جذبها مرة أخرى وقال بعصبية :</p><p></p><p>- مُهرة .. أنتِ متعرفنيش كويس .. أنا عصبى متخلنيش أمد أيدى عليكى ..أعتذرى حالاً</p><p></p><p>بدأت تبكى بصوت مرتفع وهى تحاول التملص منه, عندها سمعت وقع أقدام تهبط الدرج على عجل , وما أن اقتربت حتى زادت من سرعتها على صوت بكائها ,وأخيرا ظهر فارس وهو ينزل سريعا ينقل بصره بينهما و قال وهو ينظر إليها وإلى دموعها التى انسابت على خديها وقال بلوعة :</p><p></p><p>- مالك بتعيطى ليه</p><p></p><p>قبض علاء على يدها أكثر حتى تألمت ثم قال :</p><p></p><p>- وأنت مالك انت خاليك فى حالك ..</p><p></p><p>لم يكد علاء أن يتم عبارته حتى وجد فارس قد قبض بعنف على يده الممسكة بذراعها وضغط رسغه بقوة تألم لها علاء واضطر أن يترك ذراع مُهرة التى بمجرد أن تحررت من يد علاء حتى صعدت أربع درجات ووقفت خلف فارس تحتمى به , نظر له علاء بغضب وصاح هائجاً:</p><p></p><p>- وانت مالك .. دى مراتى</p><p></p><p>ألتفت فارس إليها فوجدها تنظر إليهما وتمسح دموعها بكلتا يديها وقد أطلت من عينيها نظرت استغاثة ملهوفة مخلوطة بالألم ..ألتفت إليه وقال محذرا والشرر يتطاير من عينيه :</p><p></p><p>- هى الرجولة انك تفرد عضلاتك على بنت وتقول مراتى.. أنت كده مفكر نفسك راجل</p><p></p><p>حاول علاء أن يتخطاه إليها ولكن فارس وضع يده على سور السلم ففصل بينهما بجسده فقال علاء غاضبا:</p><p></p><p>- بقولك وأنت مالك .. مين انت علشان تدخل ..أضربها ولاحتى اكسر دماغها مدام عاوزه تتربى</p><p></p><p>لم يكد أن يتم كلمته حتى وجد لكمة شديدة توجهت إلى أنفه ارتد على آثارها إلى الخلف ولكن لحسن قدره أن يحيى كان فى طريقه إلى الصعود فارتطم بجسده مما منعه من السقوط وربما ما هو أكثر من ذلك</p><p></p><p>بكت مُهرة بشدة وصعدت تعدو إلى شقتها بينما وضع علاء يده على أنفه فوجد الدماء تسيل منها نظر إلى راحته برعب وهو ينظر إلى الدماء التى لوثتها , دفعهما فارس معا وغادر البناية على الفور وهو فى قمة غضبه.</p><p></p><p>أخذه يحيى وصعد به إلى شقتهم , جلس والد مُهرة بجوار علاء يعطيه بعض المناديل الورقية ليمسح دمائه التى لوثت وجهه بينما كان يحيى وأمه يؤنبانها فى الداخل وهى ملقاة على الفراش وتبكى بحرارة , ولم يكتفوا بذلك وأنما أجبروها هم ووالدها على الخرج والاعتذار منه , وعادت لغرفتها مكسورة مهزومة ورغم أحساسها بالدونية والضياع والمهانة إلا أنها شعرت أنها لم تفقد المظلة التى كانت وظلت وستظل تحميها من عوادى الدنيا وزخات السُحب .</p><p></p><p>****</p><p></p><p>ألتفت بلال إلى فارس ورفع حاجبيه بتعجب شديد وقال متعجباً :</p><p></p><p>- ضربته !!!</p><p></p><p>أشاح فارس بوجهه وضرب بيده على قدمه وقال وهو غاضب :</p><p></p><p>- تصدق ب**** انا لو مكنتش مسكت أعصابى مكنش هيبقى ضرب بس أنا كان ممكن اقتله</p><p></p><p>أستند بلال بمرفقيه إلى مكتبه فى المركز ونظر إليه متفحصاً وقال بهدوء :</p><p></p><p>- أنت لو بتتخانق مع مراتك تحب حد يتدخل بينكوا بالطريقة دى</p><p></p><p>هتف فارس حانقاً :</p><p></p><p>- يعنى كنت اسيبه يعمل فيها كده قدامى واقول سلام عليكم وانزل عادى كده</p><p></p><p>هز بلال رأسه نفيا وقال :</p><p></p><p>- لا يا سيدى محدش قالك كده.. بس برضة فى حاجة اسمها بالمعروف بالنصيحة تسمع عنهم ولا لاء</p><p></p><p>- دمى غلى فى عروقى يا بلال مفكرتش ومقدرتش استحمل سفالته</p><p></p><p>شبك بلال بين أصباعه وقال بثقة :</p><p></p><p>- طبعا مش هقولك أنك غلطان علشان أنت عارف انك غلطان</p><p></p><p>أومأ فارس برأسه وهو ينظر أمامه بشرود قائلا :</p><p></p><p>- معاك حق انا غلطان...غلطان انى ضربته بس كان المفروض أكسرله عضمه علشان بعد كده ايده متلمسهاش تانى</p><p></p><p>صمت بلال لبعض الوقت وهو يفكر , هل من الحكمة أن يتكلم معه ويكشف له عن ما يراه ويشعربه أم يصمت مادام فارس يفسر أفعاله على أنها شهامة منه تجاهها , ولو صارحه فما جدوى ذلك وهو متزوج وهى متزوجة , الأمر يحتاج لتفكير أكثر من هذا قبل المصارحة</p><p></p><p>أخرجه فارس من تفكيره العميق على صوته الهادر وهو ينهض واقفاً ويقول :</p><p></p><p>- شوف يا بلال أنا جيتلك علشان عرفت أنه عرفها عن طريقك يعنى انت تعرفه كويس ..عاوزك تبلغه أنى لو عرفت أنه مد أيده عليها بحلو ولا بوحش هتبقى آخر مره يستعمل فيها أيده دى .. سلام</p><p></p><p>نهض بلال وحاول إيقافه ولكنه لم يفلح فى ذلك فلقد كان غاضبا جدا, عاد إلى مكتبه وجلس خلفه فى وجوم وهو يشعر أن المصارحة بعد ما راه وسمعه الآن منه ستكون تبعتها أكبر من الكتمان بكثير فلابد من التمهل ...فهذه النبرة وهذا الزئير وهذه التصرفات ليست لرجل يغار فقط أو يحب فقط , وإنما هو يراها كنزه الثمين ومهرته الأصيلة الذى لابد أن يحافظ عليه دائما وأبدا من أن تمتد إليه يداً غريبة ويرى نفسه حاميها وحارسها وفارسها النبيل الذى يبذل الغالى والرخيص فداءا لها, فهى مازالت وستظل طفلته التى تحتاجه ومن الجائز أن نعشق أطفالنا أحيانا .. !</p><p></p><p>****</p><p></p><p>بمجرد أن دخل فارس مكتبه وقد هدأت ملامحه قليلاً حتى لحقت به نورا على الفور قائلة بسعادة:</p><p></p><p>- دكتور فارس اتأخرت ليه</p><p></p><p>جلسه خلف مكتبه واسند ظهره للخلف وهو يشعر بإرهاق ذهنى رهيب وأغمض عينيه</p><p></p><p>قائلاً :</p><p></p><p>- فى حاجة ؟</p><p></p><p>قالت بسرعة وهى مبتسمة ببهجة :</p><p></p><p>- فى زبون معايا فى المكتب وجاى لحضرتك ومصمم أنك انت اللى تمسكله القضية بتاعته بنفسك مش حد تانى</p><p></p><p>فتح عينيه ببطء وقال مستفهماً :</p><p></p><p>- أشمعنى يعنى</p><p></p><p>قالت بحماس :</p><p></p><p>- القضية اللى حضرتك اشتغلتها من شهر وجبت فيها براءة للقاتل سمعت أوى .. والرجل جاى ملهوف وعنده استعداد يدفع أى مبلغ تطلبه .. ده ملياردير يا دكتور فارس مليادريييييير ..</p><p></p><p>ابتسم فارس لحماسها المفرط وقد تسلل حماسها إليه وقال :</p><p></p><p>- خليه يدخل</p><p></p><p>فرقعت نورا أصابعها بحماس وفرحة وخرجت مسرعة وسمحت للرجل بالدخول إليه , نهض فارس وصافحه بأدب وتواضع قائلا وهو يشير إليه بالجلوس :</p><p></p><p>- أتفضل يا فندم</p><p></p><p>جلس الرجل وهو ينظر إلى فارس مندهشا وقال بدون مقدمات :</p><p></p><p>- الحقيقة انا كنت فاكر حضرتك اكبر من كده يا دكتور فارس</p><p></p><p>ابتسم فارس وقال بلباقة :</p><p></p><p>- ده مدح ولا ذم</p><p></p><p>أستدرك الرجل بسرعة وقال بإحترام :</p><p></p><p>- مدح طبعا يا دكتور يعنى حضرتك سمعتك مسمعة كده وانت فى السن ده ..يعنى اكيد حضرتك نبغة فى مهنتك ..دى خبرتى كراجل فى السوق من زمان وعلشان كده انا جيتلك مصمم انك أنت اللى تترافع عن ابنى</p><p></p><p>قال عبارته الأخيرة ووضع الملف الذى بيده أمامه على المكتب , فتحه فارس وبدأ يقلب أوراقه بينما قال الرجل بحزن :</p><p></p><p>- ابنى يا دكتور شاب فى عز شبابه ومتربى وأخلاقه عالية .. يتهموه ظلم فى قضية زى دى ..أنا ابنى مش ممكن يقتل يا دكتور مش ممكن أبدا .. انا متأكد أن تقرير التحريات اللى اتقدم ده افترى وظلم علشان أعدائى فى السوق عايزين ينتقموا مني بأى شكل ويشوهوا سمعتى بأى طريقة</p><p></p><p>هز فارس رأسه وقال متفهماً :</p><p></p><p>- طيب حضرتك سيبلى القضية ادرسها واقلبها فى دماغى من كل النواحى وهرد عليك بكره إن شاء **** بس حضرتك أعملى توكيل علشان أزوره وأتكلم معاه شويه قبل ما اقول رأيى فى القضية</p><p></p><p>قال الرجل على الفور :</p><p></p><p>- انا يا دكتور مستعد أدفع اللى حضرتك تطلبه ملايين الدنيا كلها فدى ابنى</p><p></p><p>قال فارس بإشفاق :</p><p></p><p>- متقلقش إن شاء <strong>** لو بريء فعلا **</strong> مش هيتخلى عنه وانا هبذل كل جهدى علشان اطلعه منها</p><p></p><p>حياه الرجل وغادر المكتب وقبل أن يبدأ فى فتح الملف لقراءته بتمعن قفزت مُهرة إلى ذهنه مرة أخرى وصورتها التى رآها عليها اليوم وهى تنظر له تستنجده أن لا يتخلى عنها ولكن الذى حيره فعلا هى النظرة الأخرى التى رآها فى لمحة لم تتعدى ثانية من الوقت , لقد كانت نظرة عتاب .. وجد نفسه يخرج هاتفه ويكتب رسالة من كلمتين :</p><p></p><p>- بتعاتبينى ليه ؟!</p><p></p><p>أعلن هاتفها على وصول رسالة نصية, فتحتها وهى تجلس على طرف فراشها دون أن تنظر لأسم الراسل , أتسعت عيناها دهشة وخفق قلبها بقوة وهى تقرأ حروفه التى أرسلها دون وعى فوجدت دمعتين قد فرتا من مقلتيها وابتلعت ريقها بصعوبة وكتمت أنفاسها وهى تكتب بشرود :</p><p></p><p>- السؤال ده لوحده محتاج عتاب</p><p></p><p>قرأ رسالتها ووضع الهاتف على مكتبه ودفن وجهه بين يديه وقد ازدادت حيرته واشتعلت التساؤلات فى قلبه من جديد , زفر بقوة وتناول القهوة التى وُضعت أمامه بتمهل وبدأ فى فتح ملف القضية ...وهو لا يعلم أنه فتح عليه باب من أبواب جهنم .</p><p></p><p></p><p></p><p>****</p><p></p><p></p><p></p><p></p><p></p><p></p><p></p><p></p><p>الفصل الثالث والعشرون</p><p></p><p></p><p></p><p>قلب أوارقها بهدوء وتركيز وعيناه تجرى بين السطور حتى شعر بألم فى رأسه وصداع شديد من كثرة التفكير وقد شُتت أفكاره تماماً لم يعد قادراً على قراءة المزيد ..طرقت نورا باب مكتبه ودخلت بعد ما سمعت الأذن بالدخول ...دخلت وقد تغيرت ملامحا تماماً وبدا عليها القلق وقالت فى عجلة كبيرة :</p><p></p><p>- من فضلك يا دكتور ممكن أستئذن دلوقتى ..جوزى كلمنى وشكله تعبان أوى</p><p></p><p>قال فارس وهو يضغط جبينه بيده من شدة الألم :</p><p></p><p>- طيب مستنية أيه ..يالا روحى بسرعة ولو محتاجة أجازة مفيش مشكلة</p><p></p><p>قالت بامتنان وهى تغادر :</p><p></p><p>- متشكره أوى يا دكتور فارس</p><p></p><p>غادرت نورا على الفور بينما بحث هو عن دواء لألم الرأس ولكنه لم يجد فنهض فى تعب وأخذ الملف معه وقرر أن يكمله فى المنزل .</p><p></p><p>كانت دنيا تجلس أمام التلفاز تتنقل بين قنواته فى ملل وقد تركتها أم فارس ودخلت غرفتها لتنام فهى لم تعتاد السهر الطويل .. أغلقت دنيا جهاز التلفاز واتجهت لغرفتها وتناولت هاتفها من فوق الطاوله ودخلت غرفتها وآوت إلى فراشها ..أستلقت على الفراش وهى تفكر فى حالها وكيف سينتهى زواجها وهل سيطلقها فعلا أم ستتغير الأمور, أنتبهت على صوت رنين هاتفها , تناولته ونظرت فيه فزفرت بملل وردت بتثاقل قائلة :</p><p></p><p>- أيوا</p><p></p><p>رد المتصل بلهفة قائلاً:</p><p></p><p>- ايوا يا أستاذة.. أنا وائل</p><p></p><p>قالت بضيق :</p><p></p><p>- منا عارفة يا وائل خير فى حاجة ولا أيه</p><p></p><p>قال بشغف :</p><p></p><p>- قضية يا أستاذة.. أنما أيه هتنقلنا نقلة كبيرة أوى</p><p></p><p>قالت بازدراء:</p><p></p><p>- أفندم ؟</p><p></p><p>أستدرك متوتراً:</p><p></p><p>- قصدى يعنى هتنقل الدكتور فارس والمكتب نقلة جامدة أوى</p><p></p><p>بدأ الاهتمام يتسرب إلى صوتها وهى تقول :</p><p></p><p>- نظامها أيه القضية دى</p><p></p><p>قال على الفور:</p><p></p><p>- أبن راجل مليادير متهم فى قضية قتل والراجل جاى مخصوص للدكتور فارس وعاوزه يشتغلها بنفسه ومستعد يدفع بدل المليون تلاتة</p><p></p><p>سال لعابها عندما سمعت الرقم وقالت بخفوت :</p><p></p><p>- وأنت عرفت منين</p><p></p><p>قال وائل متهكماً:</p><p></p><p>- يا أستاذة انا مفيش حاجة تخفى عليا فى المكتب.. أومال حضرتك أخترتينى أنا ليه علشان ابقى أيدك اليمين فى غيابك</p><p></p><p>- طيب متشكره أوى يا وائل</p><p></p><p>أردف وائل قائلاً بلهفة:</p><p></p><p>- أستنى يا أستاذة.. مش ده كل اللى عندى</p><p></p><p>أرهفت سمعها له وهو يتابع قائلاً:</p><p></p><p>- القضية دى أتنشرت فى الجرايد من يومين بس.. وانا قريت تفاصيلها كلها ولما شمشمت حواليها عرفت أن فى محضر تحريات وشهود بيدينوا الواد المتهم فى القضية علشان كده انا قلقان أن الدكتور فارس يرفضها</p><p></p><p>سكت ثانية من الوقت واستدرك قائلا:</p><p></p><p>- لاء ده انا متأكد كمان انه هيرفضها ولو اتعرضت على الدكتور حمدى هو كمان هيرفضها الواد المتهم شكله مش مظلوم وده اللى مخلينى متأكد ان فارس باشا هيرفض يشتغلها وهيضيع علينا المبلغ المهول ده</p><p></p><p>تسرب القلق إليها فهى تعرف طريقة تفكير فارس جيدا وتعلم أنه لو وجد المتهم غير مفترى عليه وبأنه قاتل فعلا سيرفض الدفاع عنه مهما كانت الأتعاب مغرية ..فقالت فى توتر:</p><p></p><p>- طب وانت أيه رأيك يا وائل</p><p></p><p>لاحت أبتسامة نصر على شفتيه وهو يقول :</p><p></p><p>- بسيطة يا أستاذة ..حضرتك ممكن تاخدى وتدى معاه فى القضية لو لقتيه قبلها خلاص بركه يا جامع لو لقتيه رافض يبقى مفيش غير حل واحد..</p><p></p><p>- ايه هو ؟!!</p><p></p><p>- حضرتك تشتغلى القضية بنفسك</p><p></p><p>ضحكت وهى تقول :</p><p></p><p>- أنت بتهزر مش كده ؟..أشتغلها ازاى يعنى وأبو المتهم هيرضى يخلينى أخدها أزاى يا فالح</p><p></p><p>قال بسرعة:</p><p></p><p>- يا أستاذة القضية مش محتاجة شغل كتير زى ما انتِ فاهمة ..لو أعتمدنا على شغل المحاماة يبقى الواد هياخد أعدام.. القضية دى عاوزه شغل من نوع تانى</p><p></p><p>قالت بترقب :</p><p></p><p>- مش فاهمة ...</p><p></p><p>- شوفى يا أستاذة.. القضية كلها مربط الفرس فيها التحريات والشهود ولو تقرير التحريات اتسحب من الملف بصنعة لطافة والشهود غيروا أقوالهم يبقى مفيش دليل والواد هيطلع براءة</p><p></p><p>قالت بحنق :</p><p></p><p>- وانت فاكر بقى انى اعرف أوصل للورقة دى و حتى لو عملت كده فارس مش هيسكت ده غير أنه لو رفض القضية الراجل أصلا مش هيرضى حد مش معروف زى يشتغلها مهما قلناله</p><p></p><p>نظر وائل للجالس بجواره مبتسماً بانتصار وقال لها :</p><p></p><p>- المشكلتين دول محدش هيقدر عليهم غير واحد بس...الأستاذ باسم</p><p></p><p>أعتدلت على الفراش وكأن حية قد لدغتها وهتفت متسائلة:</p><p></p><p>- باسم مين ؟..اللى كان معانا فى المكتب ؟</p><p></p><p>قال وائل مؤكدا:</p><p></p><p>- هو الوحيد اللى كان فى مكتبنا ليه معارف كتير فى النيابة ويقدر يخلصلنا موضوع الورقة والشهود وهو برضة اللى هيقدر يلاقى حل لمشكلة الدكتور فارس</p><p></p><p>صمتت دنيا لتفكر بالأمر, كادت أن ترفض وتنهى المكالمة على الفور رافضة للعرض والأقتراح ولكن المبلغ المعروض أدار رأسها , ليس بهين على الأطلاق , إنه كافى أن يذيب الصخور بينها وبين باسم وينسيها ما فعله بها وما تلاقيه الآن بسببه وأن يلتقيا من أجله مرة أخرى ..قالت فى تردد :</p><p></p><p>- طب أدينى فرصة افكر</p><p></p><p>أنهى وائل المكالمة معها ووضع الهاتف فى جيبه وهو ينظر لباسم الذى كان يقف بجواره ويلقنه بعض الكلمات ..ربت باسم على كتف وائل وهو ينظر أمامه بتفكير قائلا:</p><p></p><p>- برافوا عليك</p><p></p><p>قال وائل لاهثاً :</p><p></p><p>- متأكد يا أستاذ باسم أنها هترضى</p><p></p><p>أبتسم باسم وهو يجلس خلف مكتبه ويشبك كفيه فى بعضهما وقال بثقة :</p><p></p><p>- زى ما انا متأكد أنك واقف قدامى دلوقتى .</p><p></p><p>ثم همهم بخفوت</p><p></p><p>وقال :</p><p></p><p>- دى تبيع ابوها علشان الفلوس</p><p></p><p>*****</p><p></p><p>أنهت دنيا المكالمة وهى شاردة تماماً وقد ومض فى عقلها صور متتابعة وكأنه شريط سينمائى لليوم الذى هربت من بيتها وذهبت إليه فى مكتبه وما حدث بينهما ...شعرت بغصة فى قلبها وهى تتذكر وحشيته معها ..كيف تعاود العلاقات معه من جديد بعد ما كان ..كيف تحدثه وبأى وجه تنظر إليه وينظر إليها ثانية ..دار رأسها أكثر وقد أختلط كل شى أمامها بشكل متناقض لم يخرجها منها إلا أن سمعت صوت باب الشقة وهو يغلق بهدوء فعلمت أنه حضر..أغلق فارس الباب بهدوء وهو ينظر للمنزل الهادىء حوله فى سكون.. فهذا ما كان يحتاجه فى تلك اللحظة..السكون ..جلس على أقرب مقعد ووضع الملف بجواره وارتمى بظهره إلى ظهر المقعد وفرك جبينه فى قوة فمازال يعانى من الصداع الشديد ..فى تلك اللحظة خرجت دنيا من غرفتها ونظرت إلى وجهه المتعب فاقتربت منه ومسحت على شعره وهى تقول بخفوت:</p><p></p><p>- مالك ..مصدع</p><p></p><p>أدار رأسه إليها وأومأ بنعم بدون كلام ...توجهت إلى غرفتها وأحضرت له قرص مسكن للألم مع كوب المياه وقالت :</p><p></p><p>- هروح أعملك كوباية شاى تظبطلك دماغك</p><p></p><p>وضع كوب المياه بجواره وأغمض عينيه بإسترخاء يتلمس قليلاً من الراحة والسكينة محاولا ان يبتعد بذهنه عن الافكار التى أدت به إلى هذه الحاله ...وضعت أمامه كوب الشاى وظلت تنظر إليه وهو يرتشف منه ببطء وفى صمت حتى أنتهى منه وحرصت على أن لا يدور بينهما حديث من اى نوع ... وضع الكوب ونهض واقفاً متوجهاً لغرفته ..دخلت خلفه ونظر إليها مندهشاً وهى تأخذ سترته من يده وتعلقها فى الخزانة فهى لم تفعل ذلك منذ زواجهما وها هى تفعله دون أن يطلب منها مساعدته ... ألتفتت له وقالت مبتسمة :</p><p></p><p>- تحب أحضرلك العشا</p><p></p><p>زادت دهشته ولكنه قال :</p><p></p><p>- لا مليش نفس يدوب هاخد دش واقعد اشتغل شوية</p><p></p><p>أنتظرت حتى أخذ ملابسه ودخل الحمام ثم انطلقت إلى المقعد الذى وضع عليه الملف ...أخذته بين أيديها وفتحته وتجولت فيه بنظرها بسرعة فتأكدت انه الملف المطلوب وتأكدت من المعلومات التى سربها إليها وائل .. ومن الواضح أن فارس لم يدرس القضية كاملة حتى الان ...تركت الملف ووضعته كما هو وأنتظرته حتى خرج من الحمام وتوجه إلى الاريكة وأستلقى عليها</p><p></p><p>وقفت بجواره وقالت بخفوت ورقة:</p><p></p><p>- أنت شكلك مرهق أوى يا فارس تعالى نام على السرير علشان جسمك يرتاح ..</p><p></p><p>وأستدركت فى حزن :</p><p></p><p>- ولو كان عليا يا سيدى انا مش هنام دلوقتى</p><p></p><p>هز رأسه نفيا وقال بصوت نائماً :</p><p></p><p>- لا متشكر روحى نامى انتِ ..أنا هغفل ساعة واحدة بس وهقوم أكمل شغلى</p><p></p><p>دخلت غرفتها ولكنها لم تستطع أن تنام كانت تريد ان تخلق معه اى حوار بخصوص القضية ولكنه غير مستعد للحديث على الاطلاق واى حديث الان سوف يؤدى إلى عواقب وخيمة .. تقلبت فى فراشها كثرا وهى تحاول أن تجد مخرجاً ما .. لابد أن تتودد إليه بالحكمة حتى يأمنها ويتحدث معها بما يجول فى خاطره وبدون قيود ... لم تستطع النوم ابدا ظلت هكذا حتى شعرت بحركته فى الخارج فعلمت أنه استيقظ أنتظرته حتى توضأ ووقف يصلى ركعتين خفيفتين قبل أن يبدأ فى العمل ... بعد أن أنتهى أخذ الملف ووضعه على الطاوله وجلس امامه وكأنه أمام لغم يوشك ان ينفجر عند أول لمسة له ..خرجت دنيا من غرفتها وتوجهت للمطبخ مباشرة وأعدت له فنجان القهوة التى يحبها ووضعتها أمامه بابتسامة رقيقة وهى تقول :</p><p></p><p>- أتفضل</p><p></p><p>نظر إليها وهو يشعر أن هذا اليوم هو يوم المفاجات فلا داعى للتعجب من شىء بعد ذلك ... جلست أمامه واستندت على راحتيها وظلت تتابعه وهو يقرأ ويتأمل فيقف على معلومه طويلا ثم يتجاوزها إلى غيرها يتاملها برفق وكأنه يخشى فقدانها ... رفع رأسه إليها فوجدها تتامله مبتسمة فقال :</p><p></p><p>- منمتيش ولا أيه</p><p></p><p>قالت بعذوبة :</p><p></p><p>- لاء نمت بس صحيت على صوتك وأنت بتقرأ القرآن وأنت بتصلى حقيقى صوتك حلو أوى فى القرآن يا فارس</p><p></p><p>كان قد عاهد نفسه على عدم الدهشة ولكنه لم يستطع ..رفع حاجبية ومط شفتيه بقوة ثم أعاد رأسه إلى الملف وأكمل ما كان بدا ..كانت هى تبحث عن كلمات مناسبة لا تستفزه بها وهى تسأله عن القضية حتى لا تشعره أنها تعلم شىء عنها ...تنحنحت فى خفوت ثم قالت :</p><p></p><p>- شكلها قضية مهمه اللى مسهراك كده</p><p></p><p>أومأ برأسه ببطء دون أن ينظر إليها وقال :</p><p></p><p>- فعلاً قضية مهمة</p><p></p><p>قالت بنرة أنثوية ضعيفة:</p><p></p><p>- طب ما تشرحهالى يا فارس .. أنت خبره كبيرة اوى ونفسى اتعلم منك</p><p></p><p>نظر إليها ولسان حاله يقول :</p><p></p><p>- أى نوع من الاعاجيب يحدث فى هذا اليوم .. ما هذا الهدوء والسكينة والتعاون والتواضع هذه ليست دنيا ابدا</p><p></p><p>قال باقتضاب :</p><p></p><p>- دى قضية متهم فيها شاب صغير بقتل واحدة بالعربية بتاعته والشهود بيقولوا انه كان قاصد وانها كانت واقفه على الرصيف اصلا وكمان التحريات بتقول انه كان يعرفها يعنى الحادثه مش صدفه</p><p></p><p>تيقنت دنيا من كلام وائل أكثر عندما وجدت فارس يتكلم عن القضية وكأنه قد عزم رفضها قالت بحنكة:</p><p></p><p>- طب والمتهم أعترف ولا قال ايه</p><p></p><p>هز رأسه نفيا وهو يقول :</p><p></p><p>- بالعكس ده صمم انه برىء وان الشهود متلفقين والتحريات متلفقة ابوه كمان لما قابلنى قال انه ليه اعداء فى السوق وجايز يكونوا ملبسين ابنه القضية</p><p></p><p>نظرت فى عينينه تكاد أن تخترقهما وتتسلل إلى عقله لتعرف فيما يفكر وماذا سيقرر وقالت وبلا مبالاة:</p><p></p><p>- مش جايز فعلا كده</p><p></p><p>مط شفتيه وهو يقول :</p><p></p><p>- كله هيتحدد لما اروح اقابل المتهم</p><p></p><p>ثم لمعت عينيه وهو ينظر امامه قائلا :</p><p></p><p>- انا هقدر اعرف منه هو عمل كده فعلا ولا لاء</p><p></p><p>قالت بشك :</p><p></p><p>- وهو يعنى هيعترفلك</p><p></p><p>أعاد رأسه إلى الاوراق مرة اخرى وهو ينهى الحديث قائلا :</p><p></p><p>- سيبيها على ****</p><p></p><p>****</p><p></p><p>كانت عزة تحضر الطعام بسرعة وتضعه فى الاطباق وتنقلها على الطاولة ضاحكةً وهى ترى عمرو يلكم الوسادة بقوة مرات متتالية فتسقط الوسادة على الارض فيأخذها ويلكمها مرات أخرى ثم يخنقها بيديه بعنف وقد تصبب عرقاً فقالت وهى تجلس حول الطاولة بجواره :</p><p></p><p>- نفسى أعرف بتعمل ايه</p><p></p><p>ألتفت إليها وهو يمسح العرق عن جبينه وقال وهو يلهث :</p><p></p><p>- بتمرن عندى ماتش ملاكمة</p><p></p><p>ضحكت مرة أخرى وقالت :</p><p></p><p>- أول مرة اعرف انهم بيخنقوا بعض فى الملاكمة</p><p></p><p>هز رأسه نفياً وهو يتناول الملعقة قائلا :</p><p></p><p>- لا ده مش علشان الملاكمة.. ده علشان لو واحد ضايقنى أخنقه وأخلص منه</p><p></p><p>وضعت كوب المياه أمامه وهى تقول :</p><p></p><p>- وهتلاعب مين بقى.. تايسون</p><p></p><p>نظر لها بطرف عينيه مازحاً وهو يقول :</p><p></p><p>- بتقولى فيها .. أنا فعلا هلاعب بلال تايسون</p><p></p><p>نظرت إليه بدهشة وقالت :</p><p></p><p>- أيه ده بجد و**** ..هى دى مسابقة ولا ايه</p><p></p><p>وضع الطعام فى فمه وقال :</p><p></p><p>- لا يا بنتى مسابقة أيه.. أصلا بلال هو اللى بيمرنى انا وفارس فى مركز الشباب اللى جانبنا</p><p></p><p>استندت بذقنها على راحة يدها وهى تقول :</p><p></p><p>- أنا نفسى الاقى حاجة واحدة الدكتور بلال مبيعرفش يعملها.. حتى الملاكمة هو اللى بيمرنكوا</p><p></p><p>ضربها على كتفها بخفة وهو يقول بحنق :</p><p></p><p>- ايه يا ماما مالك معجبة بيه كده ليه .. طب بكره هتشوفى هكسرهم هما الاتنين على حلبة المصارعة</p><p></p><p>نظرت له بدهشة وقالت :</p><p></p><p>- هى مصارعة ولا ملاكمة</p><p></p><p>وضع قطعة من اللحم فى فمها وهو يقول :</p><p></p><p>- كلى وانتِ ساكتة</p><p></p><p>صمتت قليلاً وهى تنظر له باضطراب ثم تشجعت وقالت :</p><p></p><p>- عمرو أنا لازم اروح لدكتورة علشان موضوع الحمل</p><p></p><p>وضع الملعقة فى طبقة ونظر لها معاتباً وقال :</p><p></p><p>- احنا مش اتكلمنا فى الموضوع ده قبل كده وقلنا نسيبه على ****</p><p></p><p>أسندت وجنتها على راحة يدها وقالت :</p><p></p><p>- أحنا متفقناش.. أنت اللى قررت وانا اضطريت اوافق انا مش عارفه انت ليه مش مهتم</p><p></p><p>أخذ كفها من تحت وجنتها ووضعه بين راحتيه وقال بهدوء :</p><p></p><p>- مش عاوز حاجة تشغلك عنى وعن اهتمامك بيا لوحدى.. ومدام التاخير جاى من عند **** لوحده يبقى خلاص</p><p></p><p>حاولت أن تعترض ولكنه وضعه أصبعه على شفتاها وقال :</p><p></p><p>- أنتِ مش عارفة يا حبيبتى انا محتاج اهتمامك بيا قد أيه.. ومش عارفة أن تفرغك ليا بيحمينى من حاجات شكلها ايه</p><p></p><p>قالت بقلق :</p><p></p><p>- تقصد ايه ؟</p><p></p><p>قبل يدها وقال مبتسماً:</p><p></p><p>- مش قصدى حاجة.. كل الحكاية انى عاوزك تفضيلى .. أنا وبس ..وأنا ممنعتكيش من الخلفة ..ووقت ما **** يأذن هتحملى ..بلاش نستعجل</p><p></p><p>***</p><p></p><p>دخل فارس مكتبه مساءاً فوجد الرجل صاحب القضية فى انتظاره.. صافحه معتذراً عن التأخير وأشار إليه بالجلوس ..جلس الرجل ثم نهض مرة أخرى ووضع أمام فارس الاوراق التى طلبها ووضع فوقهم شيك بالأتعاب ..نظر فارس إلى المبلغ المدون أمامه ثم رفع رأسه للرجل وقال :</p><p></p><p>- أنا قلت لحضرتك انى مش هقبل أى حاجة إلا لما اقابل المتهم بعد كده هقرر وبعدين المبلغ ده كبير أوى</p><p></p><p>قال الرجل بسرعة وبصوت يشبه البكاء :</p><p></p><p>- فلوس الدنيا كلها فدى ابنى وبعدين انا متفائل ان شاء **** لما تقابله هتتاكد أنه برىء أنا متأكد</p><p></p><p>نظر إليه فارس بإشفاق ومد يده بالشيك قائلاً بحسم :</p><p></p><p>- معلش حضرتك خده ولو وافقت نبقى نتكلم فى حكاية الاتعاب دى بعدين ...أنا هروحله بكره على طول ان شاء **** يعنى الموضوع مش هيتاخر كتير</p><p></p><p>خرج الرجل من حجرة فارس وقبل أن يخرج من المكتب الخارجى تفاجأ بدنيا التى أقتربت منه بتمهل وقالت :</p><p></p><p>- متقلقش يا فندم ان شاء **** خير</p><p></p><p>رفع الرجل يده إلى السماء وهو يقول بضعف :</p><p></p><p>- **** يسمع منك يابنتى</p><p></p><p>اقترب وائل منهما وقال للرجل مقدماً له دنيا قائلاً:</p><p></p><p>- دى الأستاذة دنيا مرات الدكتور فارس ومحامية معانا هنا</p><p></p><p>قالت دنيا باهتمام :</p><p></p><p>- أمبارح الدكتور فارس سهر على القضية للفجر وتقريبا شبه موافق عليها يعنى حكاية المقابلة دى مسألة شكلية مش أكتر</p><p></p><p>نظر لها الرجل بتأثر وقال بامتنان:</p><p></p><p>- حقيقى يا أستاذة ؟... مش عارف اقولك ايه طمنتينى **** يطمن قلبك</p><p></p><p>قالت مؤكدة :</p><p></p><p>- إن شاء **** لما يرجع من الزيارة انا اللى هكلم حضرتك وأحدد مع حضرتك الأتعاب والمعاد اللى حضرتك هتجيلوا فيه</p><p></p><p>غادر الرجل بعد أن تأكد أن قضيته قد قُبلت بالفعل فها هى زوجته تؤكد له أنه بدا العمل بها فعلاً ...دخلت دنيا حجرتها بعصبية وقلق والتفتت إلى وائل الذى تبعها وقالت :</p><p></p><p>- وبعدين يا وائل.. أنا قلقانه أوى .. أنا كل ده ولسه مش عارفة أيه اللى هيحصل .. نفرض رفضها فعلا</p><p></p><p>قال وائل بثقة :</p><p></p><p>- الأستاذ باسم مستنى منك مكالمة.. بعد ما تعرفى قرار الدكتور فارس وساعتها هيقولك هيعمل ايه بالظبط.</p><p></p><p></p><p></p><p>****</p><p></p><p>الفصل الرابع والعشرون</p><p></p><p></p><p></p><p>أطل بلال برأسة داخل مصلاها الصغير الذى أتخذته منذ زواجها مصلى خاص بها فى أحد أركان المنزل الصغيرة فوجدها تسبح بعد انتهاءها لتوها من **** الفجر .. أزاح الستار الذى وضعته عليه ليعطى الركن شىء من الخصوصية فلا يدخله أحداً سواها ولا يعبث أحد بمكتبتها الصغيرة فيه ..أقترب منها وجلس بجوارها . ألتفتت إليه بابتسامة عذبة فأخذ كفها فى يده وقبل راحتها ثم أكمل تسبيحه على أصابعها .. نظرت له بحب جارف وهو يسبح على أصابعها وفى كل تسبيحة يزداد حبه بقلبها وتتعلق به أكثر وأكثر ..رفعت يدها الأخرى ومررت أناملها على لحيته وخللت أصابعها برفق داخلها فنظر لها وابتسم ثم اقترب منها أكثر وأخذها بين ذراعه وهما جالسان على الأرض ثم تناول يدها الأخرى وأكمل التسبيح عليها ..ظلت هى تمرر أصابعها على يده التى تتلمس راحتها برقة حتى انتهى ورفع راحتها لفمه ليقبلها مرة أخرى باشتياق. ولفها إليه برفق لتكون فى مواجهته وقال بخفوت :</p><p></p><p>- لسه صاحية لغاية دلوقتى ليه مش قلتى هصلى وانام</p><p></p><p>بادلته همساً بهمس وهى تقول بسكينة :</p><p></p><p>- كل مرة بقول أذكار الصباح فى السرير بتروح عليا نومه قبل ما اخلصها فقلت اقولها هنا علشان كمان ابقى مركزة فيها ...</p><p></p><p>ثم أردفت متسائلة :</p><p></p><p>- مش قلت هتدى درس بعد الصلاة</p><p></p><p>ظهر الحزن على وجهه وهو يقول :</p><p></p><p>- درس الفجر أتمنع هو كمان مع الاسف</p><p></p><p>ثم أردف متهكماً بسخرية حزينة:</p><p></p><p>- الرقاصة فى الكباريهات محدش بيقدر يمنعها من اللى بتعمله لكن أحنا لما نيجى نتكلم عن **** يمنعونا ويقفلوا المساجد بعد الصلاة على طول</p><p></p><p>ربتت على وجنته وقالت بهدوء :</p><p></p><p>- متزعلش نفسك كده يا حبيبى أنت ناسى حديث الرسول عليه الصلاة والسلام لما قال :</p><p></p><p>0 بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ</p><p></p><p>نظر لها وأطل الأسى من عينيه قائلا:</p><p></p><p>- أحنا بقينا غُرب فى بلدنا يا عبير أول ما الواحد يربى لحيته يبتدى الاضطهاد ويبتدوا يحاصروه فى كل مكان فى المسجد وفى الشغل وفى كل حته تبتدى المضايقات ... كأن التأسى بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام بقت تهمة المفروض الواحد يتعاقب عليها</p><p></p><p>حاولت أن تضفى بعض من المرح عليه فغيرت مجرى الحديث وقالت مداعبة :</p><p></p><p>- قولى بقى ناوى تعمل ايه النهاردة فى فارس وعمرو</p><p></p><p>أستجاب لمداعبتها وأبتسم بمرح وقال :</p><p></p><p>- ناوى أدشدشهم طبعاً</p><p></p><p>تحسست ذراعيه بإعجاب وهى تقول ضاحكة :</p><p></p><p>- أنا متأكده أنك هدشدهم بضمير</p><p></p><p>خلل أصابعه بين خصلات شعرها و همس فى أذنها قائلاً:</p><p></p><p>- فكرتينى بالضمير ..الولاد لسه نايمين مش كده !</p><p></p><p>****</p><p></p><p></p><p></p><p>- طيب هسيبكوا أنا شوية يا متر علشان تعرفوا تتكلموا</p><p></p><p>قال الضابط هذه العبارة وهو ينهض من خلف مكتبه ويأخذ هاتفه واتجه خارج مكتبة .. أنتظر فارس حتى خرج الضابط وأغلق الباب خلفه فالتفت إلى الشاب الذى وقف أمامه مُطرقاً برأسه فى حزن وقال وهو يشير له بالجلوس:</p><p></p><p>- أقعد يا هانى</p><p></p><p>جلس هانى ببطء وبدون أن يرفع رأسه أو ينطق ببنت شفة ..تفرس فيه فارس ملياً وقرأ بسهولة تعبيرات الحزن والوجوم فى ملامحه الشاحبة المترقبة ..لايبدو عليه الإجرام أبداً على العكس تماماً , وجهه فيه من البراءة ما فيه ..حاول فارس أن يقرأ لغة جسده فلكل جسد لغة من الممكن ان تكشف عن مكنونات مشاعره أثناء الحديث ..صمت فارس برهة من الوقت لكى يجعله يتوتر أكثر ويسهل استدراجه وقاطعاً عنه أى اسلوب للمراوغة من الممكن أن يلجأ إليه ثم قال فجأة :</p><p></p><p>- أنا عارف أنك مكنش قدامك حل تانى ..!</p><p></p><p>رفع هانى رأسه بحذر ناظراً إلى فارس الذى مال للأمام مقتحماً عينيه و تكلم وكأنه رآه يوم الحادث رأى العين وأردف قائلاً بثقة :</p><p></p><p>- كانت بتهددك كنت هتعمل أيه يعنى غير كده</p><p></p><p>حدق هانى فيه مندهشاً وقال متعجباً :</p><p></p><p>- عرفت ازاى أنها كانت بتهددنى !</p><p></p><p>قال فارس بهدوء وتركيز :</p><p></p><p>- أحكيلى كل حاجة وانا هقولك عرفت ازاى</p><p></p><p>نظر له هانى وهو يفرك كفيه فى اضطراب وتوتر كبيرين وقال متلعثماً :</p><p></p><p>- زى ما انت قلت مكنش فى أيدى حل تانى.. كانت عمالة تهددنى أنها تفضحنى فى كل حتة وتقول لابويا وانا خلاص كنت هتعين فى السلك الدبلوماسى وأى قلق كان هيحصل حواليا كان هيطير مني الشغلانة اللى كنت بحلم بيها طول عمرى..</p><p></p><p>ثم بدأ فى البكاء وهو يرتعش قائلاً :</p><p></p><p>- صدقنى أنا عمرى ما كنت احلم انى اعمل فيها كده.. بس هى اللى اضطرتنى ..</p><p></p><p>دفن وجهه بين كفيه وهو يرتعش بقوة ويقول:</p><p></p><p>- أنا مكنش قصدى اموتها أنا كنت عاوزها تسقط بس وخلاص.. مكنتش اعرف انها هتموت</p><p></p><p>سايره فارس فى الحديث وهو يربط على ساقه مهدئاً وقال :</p><p></p><p>- أهدى بس يا هانى أهدى .. أنا فاهمك طبعاً بس انت أيه اللى خلاك من الأول تعرف الاشكال دى يا أخى</p><p></p><p>جفف هانى دموعه ولكنه مازال يتلعثم وهو يتحدث من فرط الاضطراب فهذه أول مرة يعترف بها بما فعل وقال :</p><p></p><p>- كانت زميلتى فى الكلية وأعجبنا ببعض لحد ما صارحنا بعض بالحب وكنا متفقين أن محدش يعرف بعلاقتنا دلوقتى وكانت علاقتنا علاقة حب بريئة ..وبعد شويه صرحتنى أنها حكت لاختها الكبيرة وأختها كانت متفاهمة معاها حتى ساعات ..ساعات كانت بتخرج معانا وكانت متصورة كده أن علاقتنا بقت شبه رسمية وبقت مطمنة أكتر معايا ...</p><p></p><p>فى الأول كانت بتحاسب أوى على كل لمسة بينى وبينها وبترفض لكن بعد ما اختها الكبيرة عرفت ورحبت وهى من ساعتها وهى معتبرة علاقتنا رسمية .. وابتدت التنازلات بينا لحد ما حصل اللى حصل ..وجات قالتلى أنها حامل ..وفضلت شهر بحاله أحاول أتهرب منها ..</p><p></p><p>ألتقط أنفاسه بصعوبة وهو يتابع قائلاً :</p><p></p><p>- لحد ما هددتنى وقالتلى انها هتفضحنى فى كل حته وتبلغ ابويا ..</p><p></p><p>أجهش فى البكاء عندما وصل لهذه النقطة وهو يقول:</p><p></p><p>- مفكرتش ..معرفتش أفكر فى حاجة غير أنى اخلص من تهدديها بس.. مكنتش اقصد صدقنى</p><p></p><p>أغمض فارس عينيه بألم وقد تيقن من أدانته ..ها هو يتجسد أمامه مثالاً لعقد الحرام عندما يُقطع فتنفرط حباته حبة تلو الأخرى بسرعة كبيرة لا نستطيع اللحاق بها أو جمعها.</p><p></p><p>تركه فارس يبكى ويعضه الندم على ما فعل حتى بدأ يهدأ ويسكن جسده المنتفض ثم قال :</p><p></p><p>- علشان كده أنكرت أنك تعرفها مش كده</p><p></p><p>رفع هانى كتفيه بحركة عصبية وهو يقول بأنفاس لاهثة :</p><p></p><p>- اومال كنت هعمل ايه كان لازم أنكر وكدبت الشهود اللى شافوا الحادثة وكدبت أختها لما قالت انها تعرفنى ...خفت اقول الحقيقة .. خفت يعدمونى</p><p></p><p>أخذ فارس كفه وقبض عليه بقوة وهو ينظر له بصرامة قائلاً:</p><p></p><p>- ومخفتش من **** ؟! .. إنت ممكن تاخد براءة وبعدين تموت عادى فى بيتك</p><p></p><p>ثم وضع أصبعه على صدره وضغطه وهو يقول :</p><p></p><p>- هتروحله ازاى وانت هاتك عرض واحدة ومش هى عايشة وبس لاء وهى ميتة كمان</p><p></p><p>حدق فيه هانى فزعاً وهو يقول منتفضاً :</p><p></p><p>- وهى ميتة يعنى أيه</p><p></p><p>- يعنى أهلها وصحابها وجيرانها وكل اللى يعرفوها عرفوا دلوقتى انها ماتت وهى حامل وهى مش متجوزة .. يعنى عرضها اتلوث والناس بتنهش فيه حتى وهى ميتة .. و بسببك انت</p><p></p><p>بدأت دموع هانى تنهمر بشدة وهتف صائحاً :</p><p></p><p>- أنا تبت لربنا تبت وندمت و**** هيقبل توبتى انا متأكد</p><p></p><p>وضع فارس يده على كتفه وهزه بقوة وهو يقول :</p><p></p><p>- ممكن **** يقبل توبتك اه لما تغلط فى حق نفسك وبس ..لكن أنت غلط فى حق أنسانه متعلقه فى رقبتك عمرها اللى راح هى واللى كان فى بطنها وشرفها اللى أتنهش .. يعنى لازم تردلها حقها ..على الأقل خالص انك تعترف بغلطك وتتقبل العقوبة بشجاعة.. مش تنكر وتقول توبت</p><p></p><p>دفع هانى يد فارس حانقاً وقال :</p><p></p><p>- أنت عايز منى أيه ..أنت جاى تدافع عنى ولا جاى تلف حبل المشنقة حوالين رقبتى</p><p></p><p>هز فارس رأسه أسفاً وهو يقول :</p><p></p><p>- يابنى أنا بنصحك لوجه **** علشان لما عمرك اللى متعرفش هيخلص أمتى ينتهى ..تروح لربك نضيف</p><p></p><p>قال عبارته الاخيرة وتركه وأتجه لباب الحجرة لينصرف .. فتح الباب وخرج وتركه وحيداً يشعر بظلام قلبه وروحه الآثمة الملوثة ..والمُعذبة</p><p></p><p>***</p><p></p><p>بينما كانت أم فارس منشغلةً فى المطبخ تعد طعام الغذاء سمعت طرقاً خفيفاً على باب الشقة فتركت ما فى يدها واتجهت لتفتح الباب ..أبتسمت وهى تنظر إلى مُهرة التى وقفت على استحياء مطرقةً برأسها وقالت :</p><p></p><p>- أهلا يا مُهرة يا حبيبتى اتفضلى</p><p></p><p>قالت مُهرة بخفوت وقد بلغ الخجل منها مبلغة :</p><p></p><p>- معلش يا طنط مش هقدر أدخل ..</p><p></p><p>ثم ترددت قبل أن تقول :</p><p></p><p>- أنا بس كنت عاوزه اسأل على حاجة وهمشى على طول</p><p></p><p>جذبتها أم فارس من يدها وهى تقول :</p><p></p><p>- تعالى مفيش حد هنا غيرى</p><p></p><p>دخلت مُهرة وأغلقت أم فارس الباب خلفها فوقفت خلفه ولم تتحرك خطوة واحدة وقالت بخجل :</p><p></p><p>- معلش يا طنط بجد مش هقدر أقعد ..</p><p></p><p>قالت أم فارس وهى تمسكها من يدها وتتجه للمطبخ :</p><p></p><p>- طب تعالى معايا فى المطبخ قوليلى اللى انتِ عايزاه أحسن الأكل هيتحرق</p><p></p><p>وضعت مُهرة حقيبتها جانباً على المقعد المجاور للباب وتبعتها إلى المطبخ ..وقفت مُهرة بجوارها تنظر إليها وهى تقلب الطعام فى الإنائين , أشفقت عليها من المجهود اليومى التى تقوم به وحدها وبحركة تلقائية تناولت ملعقة خشبية كبيرة ووقفت تقلب الأرز مساعدة لها ثم قال :</p><p></p><p>- فى حاجة يا طنط عاوزه اسألك عليها بس خايفة تقلقى</p><p></p><p>ألتفتت إليها أم فارس باهتمام وقالت :</p><p></p><p>- خير يا بنتى فى أيه</p><p></p><p>ظهرعلى وجهها الأضطراب والتوتر وهى تقول :</p><p></p><p>- بقالى كام يوم بحلم بكوابيس تخص الدكتور فارس وبقوم من النوم مفزوعة</p><p></p><p>عقدت أم فارس بين حاجبيها وهى تضيف صلصة الطماطم إلى الإناء وقد تسرب القلق لقلبها وقالت :</p><p></p><p>- بتشوفى أيه فى الكوابيس دى</p><p></p><p>أضافت مُهرة مرقة اللحم إلى الإرز وقلبته مرة أخرى ثم وضعت غطاءه جيداً والتفتت إليها قائلة :</p><p></p><p>- مش هينفع أحكيه يا طنط علشان مرة ..مرة الدكتور فارس قالى أن اللى يحلم بحلم وحش ميحكيهوش لحد خالص ويستعيذ ب**** وهو مش هيضره</p><p></p><p>قالت كلمتها وتوجهت للمكان المخصص للأكواب بحثت بعينيها قليلاً وما لبثت أن وجدت ضالتها ..كوبها المخصص منذ زمن طويل لا يشرب منه أحد غيرها , لونه مميز وعليه رسومات كرتونية كثيرة مختلفة , أبتسمت وهى تتناوله وقالت :</p><p></p><p>- مكنتش متخيلة انى هلاقيه</p><p></p><p>أطلت نظرات الإشفاق فى عينيى أم فارس وقالت بحنان :</p><p></p><p>- حاجاتك اللى هنا فى الحفظ والصون مهما غبتى هترجعى تلاقيها</p><p></p><p>لمعت عينيى مُهرة بدمعة قاتلت لإخفائها وهى تتجه للثلاجة ووضعت فى الكوب بعض المياه الباردة وما أن انتهت حتى قالت لها أم فارس :</p><p></p><p>- كنتِ عاوزه تسألينى على أيه يا مُهرة</p><p></p><p>وضعت مُهرة الكوب على رخامة المطبخ أمامها وقالت :</p><p></p><p>- الكوابيس دى مش مريحانى يا طنط .. هو الدكتور فارس عنده مشكلة ولا حاجة ؟</p><p></p><p>توترت وهى تردف :</p><p></p><p>- انا و**** مش بدخل فى خصوصياته.. بس انا بخاف من أحلامى دايما وبصدقها علشان كده بسأل</p><p></p><p>هزت أم فارس رأسها نفياً وهى تقول مطمئنة :</p><p></p><p>- محكاش ليا حاجة خالص لو فى مشكلة كان أكيد حكالى ..أطمنى</p><p></p><p>قالت مُهرة وهى تومىء برأسها قلقةً :</p><p></p><p>- **** يكون كده فعلا .. معلش يا طنط عطلتك.. أمشى انا بقى علشان عندى مذاكره كتير</p><p></p><p>كادت أن تخرج من المطبخ الا أن أم فارس تذكرت أنها لم تسألها عن أحوالها مع زوجها وخصيصا بعد المشادة التى حدثت بينه وبين فارس فوضعت يدها على كتفها من الخلف وهى تقول :</p><p></p><p>- أستنى صحيح ..عاملة أيه مع جوزك يا بنتى ياترى لسه زعلان ولا خلاص</p><p></p><p>شعرت مُهرة بالحنق لمجرد ذكر أسمه وقالت بضيق :</p><p></p><p>- تفتكرى يا طنط أنا ممكن أفكر فى زعله بعد ما كان هيمد أيده عليا بعد أسبوع واحد من كتب كتابنا</p><p></p><p>عندما وصلت لهذه النقطة سمعت المفتاح يدور فى الباب ويُفتح لتفاجأ بفارس يدخل ويغلق الباب خلفه وقد بدا عليه الإرهاق والهم الشديد بعد جلسته مع هانى منذ قليل ..ألتفت بتلقائية لينادى والدته فوجدها تهم بالخروج من المطبخ وقد احمرت وجنتاها خجلا للقاءه فى بيته, نسى همه وأرهاقه وهو مازال واقفاً مكانه خلف الباب المغلق وتسللت النشوة إلى قلبه, تناولت حقيبتها بجوار الباب بارتباك شديد ووقفت تقول بخفوت :</p><p></p><p>- أزيك يا دكتور</p><p></p><p>لم يتنحى جانباً لتخرج إنما ظل واقفاً مكانه .. لا يعلم لماذا تسمرت قدماه وأبت أن تتحرك وقد ارتسمت النشوة والبهجة على ملامحة وقال :</p><p></p><p>- أزيك انتِ يا مُهرة .. عاملة أيه</p><p></p><p>تحشرج صوتها وهى تُتمتم :</p><p></p><p>- الحمد ***</p><p></p><p>كانت تتوقع أن يتحرك جانباً ولكنه لم يفعل ..أقتربت منه والدته وربتت على ذراعه وكأنها توقظه من غفوته وقالت :</p><p></p><p>- عديها يا فارس علشان متتأخرش على مامتها</p><p></p><p>ألتفت إلى والدته محدقاً بها وكأنه لم يراها إلا الآن فقط , أغمض عينيه وفتحهما ببطء ثم تنحى جانباً لتمر من أمامه وتحت ناظري قلبه الذى يقاتل ليزيل الغمامة التى تعصب عينيه فتحجب عنه الرؤية الصحيحة لحقيقة مشاعره , خرجت وأغلقت الباب خلفها مسرعة وصعدت الدرج فراراً , ولكن من منا يستطيع الفرار من قلبه .</p><p></p><p>تركته والدته وعادت للمطبخ ثانية لتُتمم على الطعام فدخل خلفها ووقف مستنداً بذراعيه على باب المطبخ قائلاً :</p><p></p><p>- مالها يا ماما فى حد ضايقها تانى</p><p></p><p>هزت رأسها نفياً وقالت :</p><p></p><p>- لا مفيش دى كانت بتسلم عليا بس</p><p></p><p>وقع بصره على الكوب الموضوع فوق رخامة المطبخ فارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيه .. تقدم نحوه وأخذه ونظر إليه جيدا وهو يقول :</p><p></p><p>- طول عمرها مبتحبش تشرب غير من الكوباية دى</p><p></p><p>نظرت له والدته بدهشة وهو يتوجه إلى الثلاجه ويصب فيه بعض الماء البارد ويشرب بشكل تلقائى ولكن بحماس شديد.. وبتلذذ!</p><p></p><p>أنتهى ووضعها مكانها كما هى وخرج ليبدل ملابسه تحت ناظري والدته التى كانت تدعو **** بقلبها أن يرزقه راحة البال والقلب .</p><p></p><p>بمجرد أن جلسا حول مائدة الطعام قالت والدته :</p><p></p><p>- أومال مراتك مجاتش ليه يابنى لحد دلوقتى</p><p></p><p>عقد بين حاجبيه بضيق وقال :</p><p></p><p>- عاوزه تقعد فى بيت امها يومين</p><p></p><p>وكأنهما استدعاها حينما تحدثا عنها فلم يكد ينتهى من كلمته حتى سمع رنين هاتفه النقال أخذ الهاتف وأجابها فقالت على الفور:</p><p></p><p>- أيه يا فارس قافل تليفونك ليه</p><p></p><p>ظهرت الدهشة على وجهه وقال :</p><p></p><p>- أنا مقفلتش التليفون النهاردة خالص</p><p></p><p>تصنعت الدهشة وهى تقول :</p><p></p><p>- معقوله أومال كان بيدينى مغلق ليه</p><p></p><p>ثم استدركت وهى تقول :</p><p></p><p>- أومال أنت كنت فين من ساعتين كده لما كان بيدينى مغلق</p><p></p><p>- كنت مع المتهم بتاع قضية القتل</p><p></p><p>أدعت المرح وهى تقول :</p><p></p><p>- شكلك كده وافقت على القضية</p><p></p><p>هز رأسه نفياً وهو يقول :</p><p></p><p>- لاء رفضتها</p><p></p><p>أبتلعت ريقها بصعوبة فهذا ما كانت تتوقعه إلا أنها كان لديها بصيص من الأمل فى أن يقبلها ويريحها مما هى مقدمةً عليه .. قالت بتماسك :</p><p></p><p>- بلغت والده بالرفض ولا لسه</p><p></p><p>- لا لسه لما أروح المكتب بالليل هخلى السكرتارية تبلغه علشان يجى كمان ياخد الأوراق بتاعة القضية</p><p></p><p>شعرت بالوهن يدب فى أوصالها فهاهى ستضطر أن تلجأ إلى أكثر شخص تبغضه على وجه الأرض وسمعته ينهى المكالمة قائلا:</p><p></p><p>- طب معلش يا دنيا هقفل دلوقتى علشان ألحق أخلص غدا وأنزل</p><p></p><p>قالت بلهفة :</p><p></p><p>- رايح المكتب بدرى كده</p><p></p><p>- لالا أنا عندى ماتش كده مع الدكتور بلال وعمرو ويمكن اروح المكتب متأخر شوية ..يلا سلام</p><p></p><p>أنهى مكالمته بينما قالت والدته باهتمام:</p><p></p><p>- ليه يا فارس هتسيبها تقعد لوحدها يابنى فى حاجة مزعلاها ولا ايه ..طب شوف ايه اللى مزعلها .. مينفعش تقعد لوحدها كده ..دى دلوقتى بقت يتيمة يا فارس</p><p></p><p>نظر لها فارس وهو يشعر بالإشفاق تجاه والدته لطيبتها الزائدة حتى مع من يُسيئون معاملتها وقال :</p><p></p><p>- مفيش حاجة يا ماما.. هى طلعت فى دماغها النهاردة الصبح أنها تروح هناك شوية وصممت .. خلاص براحتها</p><p></p><p>نظرت له والدته بريبة ثم تذوقت الأرز وهى تتمتم بإعجاب :</p><p></p><p>- و**** شاطرة</p><p></p><p>رفع فارس رأسه ناظراً إليها بتسائل وقال :</p><p></p><p>- مين دى اللى شاطرة</p><p></p><p>قالت والدته وهى تتناول طبقها :</p><p></p><p>- ولا حاجة .. مُهرة أصلها نفسها حلو فى الرز</p><p></p><p>رفع حاجبيه وقال :</p><p></p><p>- هى اللى عملته ؟!</p><p></p><p>أومأت برأسها وهى تكمل طعامها دون أن تنظر إليه فقال :</p><p></p><p>- فين طبق الرز بتاعى يا ست الكل</p><p></p><p>رفعت رأسها بدهشة وقالت :</p><p></p><p>- أنت مش قلت بتحب السبانخ مع العيش</p><p></p><p>مط شفتيه قائلا:</p><p></p><p>- هجربها مع الرز</p><p></p><p>نظرت له والدته وهو يأكل الإرز بإعجاب شديد وكأنه لم يأكله من قبل, فلاحت ابتسامة صغيرة على جانبى شفتيها رغماً عنها , وبعد أن انتها من طعامهما ..أعد فارس الشاى كما يفعل دائماً ...وضع واحدة أمام والدته التى قالت :</p><p></p><p>- أنت هتقابل عمرو والدكتور بلال النهاردة</p><p></p><p>أرتشف رشفة منه وأومأ برأسه قائلاً :</p><p></p><p>- أيوا عندنا ماتش النهاردة بعد **** العصر على طول .. يدوبك أخلص وأرجع أغير هدومى وانزل على المكتب</p><p></p><p>أنهى فارس أغتساله وبدل ملابسه وارتدى حلته الرياضية استعداداً لماتش الملاكمة</p><p></p><p>****</p><p></p><p>نظر باسم لرقم الدنيا الذى تتضىء به شاشة هاتفه النقال بانتصار وخبث فقد كان متأكداً من اتصالها ولجوئها إليه من أجل المال فلقد صدق ظنه بها بل وثقته فى طمعها ... أجابها بترحاب شديد فقالت باقتضاب وهى تشعر بالتقزز منه وقالت :</p><p></p><p>- خلصنى وقولى هتعمل ايه.. فارس هيبلغ الراجل رفضه النهاردة</p><p></p><p>أصابه التوتر والقلق وقال بسرعة وهو يعتدل فى جلسته :</p><p></p><p>- لاء لازم تعطليه النهاردة بأى شكل .. مش لازم يكلم الراجل النهاردة خالص.. وإلا كل حاجة هتبوظ</p><p></p><p>قالت بتأفف :</p><p></p><p>- أمنعه ازاى يعنى أنا أصلا فى بيت ماما مش معاه وبعدين انت ناوى تعمل ايه انا لسه معرفش لحد دلوقتى ..</p><p></p><p>هتف بغضب :</p><p></p><p>- أنتِ غبية ولا ايه.. سبتى البيت ليه دلوقتى</p><p></p><p>صرخت به :</p><p></p><p>أنت أيه يا أخى مبتحسش ..انا مش عارفة انت ناويله على ايه .. مش قادره أحط عينى فى عينه</p><p></p><p>أطلت من عينيه نظرات بغض شديده وهو يقول :</p><p></p><p>- هعدى عليكى بالعربية دلوقتى ..هنروح مشوار مهم وهناك هقولك انا ناويله على أيه بالظبط</p><p></p><p>ضحكت ضحكة عصبية وهى تهتف :</p><p></p><p>- أنت عاوزنى اقابلك انت .. فى حد يروح يقابل التعبان مرتين</p><p></p><p>ضغط حروف كلماته بغل واضح وهو يقول :</p><p></p><p>- أسمعى بقى ..أنتِ وافقتى تتعاملى معايا بمزاجك مرة تانية يعنى لازم تكملى للآخر ومتخافيش يا أموره انا مش عاوز منك حاجة.. المقابلة هتبقى فى الشارع .. ولو خايفة أوى كده من مقابلتى هقولك هنتقابل فين علشان تطمنى</p><p></p><p>قالت بسرعة :</p><p></p><p>- فين ؟</p><p></p><p>نظر أمامه بحقد دفين وهو يقول :</p><p></p><p>- مباحث أمن الدولة</p><p></p><p>أتسعت عيناها رعباً وهى تردد خلفه :</p><p></p><p>- مباحث أمن الدولة !</p><p></p><p>غير نبرة صوته وهو يقول :</p><p></p><p>- متخافيش أوى كده .. أنا ليا واحد صاحبى هناك هيظبطنا فى الحكاية دى .. كل اللى عليكى انك تقدمى بلاغ صغير وملكيش دعوة بالباقى</p><p></p><p>هتفت ساخطة :</p><p></p><p>- وهقول ايه فى البلاغ ده واشمعنى انا اللى أقدمه</p><p></p><p>- أنتِ مراته .. يعنى بلاغك هيبقى أهم من عشرين بلاغ تانى.. متنسيش أحنا عاوزينهم يتحركوا بسرعة قبل ما يتصل بالراجل ويبلغه بالرفض ..ومتخافيش عليه يا ستى محدش هيلمسه ..هما بس هيضايفوه عندهم لحد ما القضية تخلص والفلوس تبقى بتاعتنا</p><p></p><p>قالت وكأنها منومة وقد أنتزعت أرادتها :</p><p></p><p>- وهقول ايه فى البلاغ ده</p><p></p><p>أبتسم وهو يقول :</p><p></p><p>- هتقولى أنك شاكه أنه منضم لخلية أرهابية وأنه بيجتمع بناس معينة فى البيت عندكوا وبيتكلموا فى السياسة.. وحطى أسم أى حد من صحابه.. ويا سلام لو مربى دقنه</p><p></p><p>تقطعت أنفاسها وانقبض صدرها وهى تقول :</p><p></p><p>- بس أنا معرفش حد من صحابه غير أتنين بس .. وواحد فيهم مربى دقنه</p><p></p><p>- ممتاز أوى حطى أساميهم الاتنين</p><p></p><p>صمتت وقد شعرت أن السماء والأرض تلعنها وضاقت بها جدران بيتها وانقبض عليها فلم تسمح لها بالتنفس, فشعرت بأضلاعها تتمزق صارخةً ببغضها تود الهروب ببعضها من بعضها ... لم ينتظرها حتى تستيقظ مما هى فيه وقال بسرعة :</p><p></p><p>- أنا مش عارف انتِ قلقانة من أيه.. قلتلك محدش هيلمسه بأى أذى ..صاحبى اللى هناك أكدلى كده ..كل الحكاية أننا هنكسب وقت لصالحنا مش أكتر من كده.. ومحدش هيعرف أن انتِ اللى بلغتى ولا حتى فارس نفسه ..ها قلتى أيه</p><p></p><p>أبتلعت ريقها وقت أمتقع وجهها بشدة وتحجرت مقلتيها وقالت بصوت مسحوق بأقدام الطمع:</p><p></p><p>- موافقة</p><p></p><p>****</p><p></p><p>وقف بلال على الحلبة وحيداً وهو يلوح لهما بذراعيه تارة ويضرب يديه بعضهما فى بعض تارة أخرى فتصدر قفازات الملاكمة التى يرتديها صوتاً عاليا وهو يهتف بهما :</p><p></p><p>- أيه محدش قادر يواجهنى ولا أيه</p><p></p><p>دفع عمرو فارس للحلبة وهو يقول لبلال :</p><p></p><p>- لالا أوعى يغرك جسمك .. أنت باين عليك متعرفش فارس .. ده أيده طارشة</p><p></p><p>دفع فارس يد عمرو بعيدا عنه ثم صعد إلى الحلبة وقال لـ عمرو :</p><p></p><p>- طول عمرى بقول عليك ندل ياض</p><p></p><p>بدا بلال يلاعبه بمرح شديد ويعلمه بعض الفنون التى تجعله يتفادى الضربات بحرفية شديدة ولقد كان فارس تلميذ بارع ..تعلم سريعاً وبدا يناوش بلال ببعض الضربات الخاطفة ولكنه لم يفلح فى أصابته إلا مرة واحدة ..ألتفت بلال إلى عمرو وهو يلوح له بالصعود هاتفاً :</p><p></p><p>- يالا يا عمرو دورك جه</p><p></p><p>صعد عمرو على مضض وهو يقول :</p><p></p><p>- انا *** وانا إليه راجعون <strong>** يرحمك يا عمرو كنت أمور ومسمسم **</strong> يرحمك يا غالى</p><p></p><p>ضحكا فارس وبلال وتنحى فارس جانباً ليصبح عمرو فى مواجهة بلال .. شعر بلال بالنشوة وهو يداعب عمرو بضربات لا تصل إليه إلا قليلاً مما أغرى عمرو على التقدم وصد تلك الضربات ... بعد قليل وقف بلال بينهما يلعب دور الحكم , وبدأ عمرو وفارس فى مناوشة بعضهما البعض , طالت المناوشات ولكن فارس كان متقدم على عمرو كثيرا فاستطاع أن يوجه له ضربات عدة مما جعل عمرو يشعر باليأس فوجه إلى فارس ضربة غير مدروسة لم يراعى فيها المسافة بينهما رغماً عنه فاصابته فى فكه مباشرة واندفعت الدماء من فم فارس بغزارة</p><p></p><p>أمتقع وجه عمرو واقترب منه بلال بسرعة يحاول أسعافه حتى توقفت الدماء تماماً جلس عمرو يساعده وهو يعتذر لفارس قائلا :</p><p></p><p>- أنا آسف و**** ما اقصد يا فارس .. معلش انا غشيم</p><p></p><p>أعتدل فارس فى جلسته بمساعدة بلال وعمرو وضربه فارس على كتفه بقوة وهو يهتف به :</p><p></p><p>- يخربيت العمى الحيسى اللى انت فيه يا أخى.. هروح شغلى أزاى دلوقتى</p><p></p><p>ساعده بلال على النهوض وهو يقول :</p><p></p><p>- لا شغل أيه بقى ده انت بؤك وارم خالص.. أرتاح النهاردة</p><p></p><p>****</p><p></p><p>هبطت دنيا على سلم مبنى مباحث أمن الدولة بعد أن قدمت بلاغها وقالت ما حفظته سابقاً بالاتفاق مع باسم ..ألتفت إليه وهو يهبط بجوارها ونظرت إليه بأشمئزاز وهى تقول :</p><p></p><p>- المفروض أيه الخطوة اللى جايه</p><p></p><p>قال باسم وهو ينظر أمامه بتفكير:</p><p></p><p>- هتروحى البيت دلوقتى وتحاولى تعطليه علشان ميروحش المكتب النهاردة.. والنهاردة قبل الفجر هيعملولوا زيارة ليلية</p><p></p><p>وضعت يدها على صدرها بخوف وقالت:</p><p></p><p>- بسرعة كده</p><p></p><p>وقف أمام سيارته والتفت إليها قائلا:</p><p></p><p>- الناس دى مش محتاجة تحريات .. وجوزك سهل علينا الأمر وساب دقنه .. وده دليل اتهام كافى علشان يبقى أرهابى يا مدام .. أنتِ مش عايشة فى البلد دى ولا أيه!</p><p></p><p>****</p><p></p><p>عاد فارس للمنزل فى آخر اليوم بعد أن ودعه عمرو وبلال عند باب المنزل وتركاه وأنصرفا ... ضربت والدته على صدرها وهى تنظر لفكه المصاب وقالت بلوعة:</p><p></p><p>- ايه اللى عمل فيك كده يا فارس</p><p></p><p>لف ذراعه حول كتفها وهو يقول مداعباً:</p><p></p><p>- متقلقيش كده يا ماما دى أصابة ملاعب</p><p></p><p>حاولت أن تتحسس مكان الأصابة قائلة :</p><p></p><p>- أنا بكلم جد.. مين اللى عمل فيك كده</p><p></p><p>حاول أن يضحك ولكنه تألم وقال :</p><p></p><p>- الواد عمرو **** يخربيته.. ده مش بيلعب ده بيطبش.. صحيح على رأى المثل ألعب مع اللئيم ومتلعبش مع العبيط</p><p></p><p>دخلت دنيا المنزل خلفه تماماً وأغلقت الباب خلفها وتبادلا نظرات الدهشة بين بعضهما البعض فقال :</p><p></p><p>- أنتِ مش قلتى هتباتى يومين هناك</p><p></p><p>قالت :</p><p></p><p>- رجعت فى كلامى.. بس انت مين عمل فيك كده</p><p></p><p>تركها واستدار ليجلس على المقعد وقال :</p><p></p><p>- مفيش دى حاجة بسيطة .. بكره هبقى كويس ان شاء ****</p><p></p><p>خفق قلبها هى تقول :</p><p></p><p>- يعنى مش هتروح المكتب النهاردة</p><p></p><p>أومأ برأسه دون أن يتكلم فقالت بسرعة :</p><p></p><p>- طب خلاص ارتاح انت وانا هلبس وأروح دلوقتى وهبلغه باللى انت عايزة</p><p></p><p>بدلت ملابسها فى غرفتها وهى شاردة الذهن, يكاد قلبها أن يقفز من حنجرتها من شدة الخوف من المستقبل, نظرت لنفسها فى المرآة فوجدت علامات الريبة تحتل ملامحها وصدق من قال ..يكاد المُريب أن يقول خذونى ..حاولت أن تتماسك وتجمدت ملامحها وخرجت من الغرفه ووقفت أمامه تنظر إليه كأنها تودعه وقالت :</p><p></p><p>- أنا ماشية.. عاوز حاجة</p><p></p><p>أشار إليها قائلا:</p><p></p><p>- متنسيش تبلغى السكرتارية يتصلوا بالراجل صاحب القضية ويبلغوا رفضى علشان يجى ياخد ورق القضية ويلحق يشوف محامى تانى</p><p></p><p>أومأت برأسها واتجهت للباب فاستوفقها منادياً :</p><p></p><p>- دنيا</p><p></p><p>وقع قلبها بأخمص قدميها وهى تلتفت إليه بعينين زائغتين فقال :</p><p></p><p>- ساعتين بالظبط وارجعى .. متتأخريش علشان مترجعيش بالليل متاخر لوحدك</p><p></p><p>أبتلعت ريقها وهى تسمع كلماته وأومأت برأسها وقالت :</p><p></p><p>- حاضر</p><p></p><p>***</p><p></p><p>ذهبت دنيا للمكتب وحضر إليها وائل واتفقا على تنفيذ الخطوات الاحقة .. ستتصدر هى القضية وسيتولى هو وباسم أمر الشهود وأمر ورقة التحريات التى ستُنتزع من ملف القضية لتصبح منعدمة الأدلة, خافت دنيا أن تعود للبيت وهى تعلم ما سيحدث قبل الفجر بدقائق, أتصلت بوالدة فارس وأبلغتها أنها ستضطر إلى الذهاب إلى شقة والدتها لانها قد نسيت هاتفها وبعض أشياءها الخاصة هناك , وربما ستضطر للمبيت , لم توقظه والدته لتُخبره بامرها وعزمت أن تخبره فى الصباح خوفاً من ردة فعله وهو منهك ومصاب هكذا</p><p></p><p>****</p><p></p><p>دقت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل, ولكنها لم تدق وحدها , لقد تبعتها دقات عنيفة على باب المنزل ..أستيقظ فارس فزعاً وكذلك والدته ولكن الدقات لم تنتظرهما , كُسر الباب عنوة ليدخل زوار الفجر إلى المنزل باندفاع محطمين ما فيه, يبحثون عن أى شىء يدينه, ظل يصرخ بهم وهو يحمى والدته بذراعيه :</p><p></p><p>- أنتوا مين , وبتفتشوا على أيه وفين أذن النيابة</p><p></p><p>خرج أحد الرجال من المطبخ وهو يرفع سكينة كبيرة قائلا :</p><p></p><p>- لقيت سكينة دبح كبيرة يا فندم وورق ألمونيوم</p><p></p><p>هتفت والدته :</p><p></p><p>- وفيها أيه دى حاجات المطبخ</p><p></p><p>خرج رجل آخر من الشرفة وهو يقول لنفس الرجل :</p><p></p><p>- لقينا تراب فيه حبات ظلت صغيرة يا فندم</p><p></p><p>تناول الضابط الذى كان يلقى الأوامر للجميع الأشياء الثلاث وقال موجهاً كلامه لفارس :</p><p></p><p>- رمل وظلت وورق المونيوم ..أنت بتصنع قنبلة يديوية فى بيتك ولا ايه</p><p></p><p>أدرك فارس أنه مأخوذ لا محالة وأن دفاعه عن نفسه لن يجدى فقال بهدوء :</p><p></p><p>- ده مش رمل ده تراب بنزرع بيه فى البلكونه قصارى الزرع بس انا عارف انه هيتكتب رمل</p><p></p><p>أومأ الرجل برأسه ساخرًا وقال :</p><p></p><p>- شاطر</p><p></p><p>ثم صرخ فى الموجودين جميعاً ...هاتووا</p><p></p><p>***</p><p></p><p>وقف بلال يسد باب غرفة نومه بعد أن هتف بزوجته آمرا بارتداء ملابسها فورا وبأقصى سرعة , أرتدت عبير ملابسها وهى تصرخ به :</p><p></p><p>- مش معقول هيدخلوا عليا الأوضه وانا كده</p><p></p><p>صرخ بها :</p><p></p><p>- ألبسى بقولك بسرعة</p><p></p><p>وبسرعة البرق وقبل أن يتكاثر عليه الرجال ويدفعوه بقوة ليدخلوا غرفته, كانت قد وضعت نقابها على وجهها ..دفعهم وهو يمر من بينهم ليحميها منهم وهم ينقضون على فراش السرير ليمزقونه بالمطواة ويخرجون ما به ويقلبون الخزانات والملابس التى بداخلها فيمزقونها عنوة , أحاطها بذراعيه هى ووالدته وأبناءه من خلفه..لقد كان كل همه أن لا تنكشف زوجته ولا أمه على أحد منهم ,وعبير تردد بجسد مرتجف وهى متشبثة بظهره :</p><p></p><p>- اللهم اكفيناهم بما شئت وكيف شئت ...</p><p></p><p>وبعد أن انتهوا تكاثروا عليه مرة أخرى ليأخذوه معهم .. حاولت والدته أن تتشبث به تمنعهم ولكنهم لم يراعوا حرمة ولا امرأة عجوز .. دفعوها بمنتهى العنف وهم يقذفونها باقذع الألفاظ لتسقط على رأسها مغشيا عليها فى الحال وخرجوا وتركوا البيت فى حالة دمار ..أمرأة مغشياً عليها وأخرى ترتعتش وتنتفض وتنتحب زوجها وحبيبها وأطفال يصرخون أبيهم ... أما عند عمرو فلم يكن الأمر بأقل منهما شأنًا, دمارا فى كل مكان وأثاثاً مبعثر وممزق فى كل مكان ومحطم وامرأة خلفها زوجها صارخة باكية جزعة تنادى على زوجها فلا تجد من يرد النداء .</p><p></p><p>****</p><p></p><p></p><p>الفصل الخامس والعشرون</p><p></p><p></p><p></p><p>كيف تنام العيون وقد فقدت كل الأحبة فى ليلة واحدة , كيف ترتاح القلوب بين الصدور اللآهجة ..ألتف الجميع حول النساء الثكالى فى بيت أم فارس محاولين أن يخففوا عنهم ولكن كيف السبيل لذلك ..دفنت مُهرة وجهها فى صدر أم فارس تبكى وهى تستمع لكلام عزة وعبير عن ما حدث معهم هم أيضا فى بيوتهم قبل الفجر , كل منهن تبكى دماً بعد أن جف نبع دموعهن ..الناظر إليهن لا يعلم من يواسى من , ومن يطمئن من , ومن يربت على كتف من .. الجميع مكلومين فى أحبائهم , كل منهن تحتاج إلى صدر حنون يضمها ويطمئنها على رفيق دربها</p><p>ولقد كانت مُهرة هى ملهمتهم فى ذلك عندما ألقت نفسها بين أحضان أم فارس تبكيه وتخفف عنها فى نفس الوقت..كذلك فعلت عبير عندما ألقت نفسها فى حضن أم بلال وكذلك فعلت عزة وهى بين ذراعى أم عمرو وكأنهن بهذه الأحضان يتساندون ويشدوا أزر بعضهم البعض فالمفقود واحد .. ألتف حولهن بعض الجارات يستمعون لماساتهم محاولين التخفيف عنهن ومواساتهن ببعض كلمات الصبر ...بينما ذهب الرجال يبحثون عنهم فى كل الأقسام وبنايات أمن الدولة المبعثرة فى كل مكان , وفى النهاية عادوا بخفى حنين ..لاشىء ..غير موجودين فى أى مكان بشكل رسمى</p><p>وقف والد عمرو على باب شقة أم فارس من الخارج هو وبعض الرجال وقال بغضب وهو يكاد يمنع نفسه من البكاء بصعوبة هاتفاً :</p><p>- لفينا الاقسام كلها وروحنا كل مبنى بيقولوا عليه بتاع أمن الدولة.. وبرضة مفيش حس ولا خبر عنهم هما التلاتة هيكونوا ودوهم فين يعنى</p><p>رد والد عزة بحنق :</p><p>- للدرجة دى أى حد يتاخد من بيته بسهوله كده ويختفى ومالوش أثر ..أحنا فى مصر ولا فى شيكاغو</p><p>تدخل محمود أخو عمرو قائلا :</p><p>- أنا عارف كل ده ليه علشان اصحابه مربين دقنهم</p><p>أجابه يحيى :</p><p>- طب وأيه المشكله يعنى</p><p>قال محمود :</p><p>- المشكلة ان أى واحد مربى دقنه يبقى أرهابى وش</p><p>هتف مينا أبن العم عامر جارهم قائلا:</p><p>- يا سلام طب ما أحنا عندنا القس مربى دقنه هو الموضوع بالدقن يعنى</p><p>تمتم محمود حانقاً :</p><p>- يا عم انتوا مسيحين أحنا بنتكلم على المسلمين دلوقتى</p><p>قال عامر بحزن :</p><p>- يابنى انتوا جرانا من زمان وعمرنا ما شوفنا منكم حاجة وحشه .. فارس وعمرو وصاحبه بلال اللى زى المرهم ده.. يتعمل فيهم كده ليه ..أرهاب أيه وبتاع أيه .. الأرهاب ده مبنشفهوش غير فى الافلام والمسلسلات</p><p>ربت الحاج عبد **** على كتف عامر وهو يقول مؤكدا :</p><p>- معاك حق و**** يا عامر متزعلش من محمود ميقصدش</p><p>قال والد عمرو مقاطعاً :</p><p>- طب دلوقتى هنعمل أيه.. هندور فين ولا هنلاقيهم ازاى بس يا ناس</p><p>أنتبه يحيى فجأة وقال :</p><p>- هى مش مرات الأستاذ فارس محامية.. أكيد هى ممكن تعرف تتصرف هى والمحامين اللى فى مكتبه</p><p>تقدم والد عمرو بسرعة وطرق باب الشقة المفتوح وهو يقول :</p><p>- يا ست أم فارس أومال مرات الأستاذ فارس فين ..أكيد هى محامية وهتعرف تتصرف</p><p>رفعت عزة رأسها من صدر أم عمرو وقالت بلهفة :</p><p>- ايوا يا طنط **** يخليكى هى فين يمكن تعرف تلاقيهم</p><p>صوب الجميع نظره إليها , حتى مُهرة رفعت رأسها تنتظر جوابها فقالت وهى تمسح دموعها بكلتا يديها :</p><p>- مرضتش أتصل بيها وهى لوحدها وابلغها.. أتلهيت فى اللى حصل وخفت اقولها وهى لوحدها يحصلها حاجة ..كلمتها بس وقولتلها تيجى ضرورى ومش عارفة اتاخرت ليه لحد دلوقتى ؟!</p><p>أستندت عبير إلى ظهر أريكتها وأغمضت عينيها المتورمتين من البكاء فى حسرة وقد لاحت صورته فى عقلها وومض به قلبها وهى تستمع إليه وهو يقول لها بمرح :</p><p>- أوعى تاخرى الصلاة مرة تانية فاهمة ولا افهمك بطريقتى</p><p>وجدت الأبتسامة المتألمة طريقها إلى شفتيها وهى ترى ملامحه المداعبة لها وهى تتذكره وهو يداعب أطفاله بشغف طفولى ويجرى بينهم وهم يحاولون أمساكه ولا يستطيعون فيقفز ليعبر واحدا ويلتف حول الآخر بخفة ويجرى من الطفلان الآخران بسرعة ليدور حول المائدة وهم يدورون خلفه ويسقطون من فرط ضحكاتهم المجلجلة قبل أن ينجحوا فى الأمساك به أخيرا فيتكاثروا عليه ويتصنع هو السقوط فيتكالبون فوقه وهو يصرخ بمرح مستنجداً بها أن تنقذه من بين براثنهم .</p><p>فرت دمعة من عينيها واعتصر قلبها من الألم ..دخلت دنيا شارعهم وهى ترتدى نظارة سوداء تخفى بها عينيها وجزء كبير من وجهها ومرت بين نظرات الناس حولها المشفقة عليها ومما حدث لزوجها فجراً .. صعدت الدرج فى اضطراب وهى ترى الرجال مجتمعين أعلى الدرج أمام شقة زوجها.. تنحوا جانباً عندما رأوها وهم يقولون :</p><p>- قلبنا معاكى يا بنتى</p><p>عبرت من بينهم ودخلت الشقة لترى هذا الجمع الغفير من النساء وترى مُهرة بين ذراعى أم فارس وعيناها تكاد تختفى من كثرة البكاء ودموعها التى لا تجف ..كان الوضع أشبه بمأتم أجتمعت فيه النساء فقالت فى تلعثم :</p><p>- خير فى ايه يا طنط ايه اللى حصل</p><p>نظر لها الجميع بإشفاق حتى مُهرة نظرت لها برحمة وشفقة وهى تتوقع رد الفعل بعد علمها بما حدث ..وقفت أم فارس واقتربت منها وهى تبكى وقالت :</p><p>- فارس خدوه يا دنيا.. دخلوا علينا قبل الفجر وخدوه من وسطينا</p><p>قالت باضطراب وهى متوترة :</p><p>- هما مين دول؟</p><p>نظر لها الجميع بدهشة كبيرة فرد فعلها لا يتواكب مع ما تسمع من والدته بينما قالت أم فارس :</p><p>- بيقولوا أمن الدولة يابنتى.. ومش هو وبس لا كمان خدوا عمرو وبلال معاه</p><p>كان لابد أن تظهر بعض رد الفعل وإلا شك بها الجميع فتصنعت البكاء ولكنها لم تخلع عنها نظارتها السوداء حتى لا يعلم الجميع بخداعها ..أستندت إلى الحائط وأخذت تشهق بقوة وهى تضع يدها على فمها ..ربتت أم فارس على كتفيها وهى تقول :</p><p>- امسكى نفسك يابنتى ده انتِ اللى المفروض تقوليلنا نعمل ايه أحنا مش لاقينه فى أى حته</p><p>تماسكت دنيا سريعاً وتناولت منديلاً لتجفف دموعها التى لم تنزل أصلاً وهى تقول :</p><p>- معاكى حق يا طنط ..أنا هدور عليه فى كل حته لحد ما الاقيه عن أذنكم</p><p></p><p>وخرجت سريعاً وهى تشعر أن بكائهم قد أصبح لعنة تطاردها أينما ذهبت .. نظرت النساء إلى بعضها البعض متعجبةً من رد فعلها ولكن عادوا إلى ما كانوا عليه منذ قليل ..كلَ يبكى على ليلاه.!</p><p></p><p></p><p>***</p><p></p><p></p><p>عادت دنيا إلى بيت والدتها وأول ما فعلت أجرت اتصالاً هاتفيا بباسم الذى أجابها بسأم شديد :</p><p>- أيوا يا دنيا خير ؟</p><p>قالت فى سرعة :</p><p>- عاوزه اطمن عليه .. وأطمن أمه</p><p>زفر فى ضيق وقال حانقاً :</p><p>- هو طلع رحلة يا دنيا وعاوزة تطمنى عليه ..أنتِ عارفة كويس هو فين ولا ناسية</p><p>هتفت بغضب :</p><p>- أمه هتموت نفسها عليه حرام عليك</p><p>صاح غاضباً :</p><p>- هتعمليلى فيها حنينة ياختى ولا أيه.. ولا تكونى ناسية انك انتِ اللى بلغتى عنه يا ام قلب حنين</p><p>تحشرج صوتها وقالت ببكاء :</p><p>- عارفة انى أنا اللى أتزفت وبلغت.. بس عاوزه اطمن امه .. أنت وعدتنى محدش هيأذيه</p><p>رفع حاجبيه مندهشاً من كلامها الذى هو عكس تصرفاتها تماماً وقال ساخراً:</p><p>- و**** انتِ لُغز يا دنيا.. طب لما انتِ قلبك عليه كده وافقتى ليه من الأول</p><p>هتفت باكية :</p><p>- علشان هو اللى اضطرنى لكده بغباءه ومثاليته الزايدة.. فاكر نفسه عايش فى الجنة</p><p>صمت باسم قليلاً ثم قال بهدوء حاسم :</p><p>- بصى يا دنيا.. أنا هتكلم فى الموضوع ده لآخر مرة علشان زهقت منه ومش عاوز وجع دماغ تانى ..فارس هيفضل فى المعتقل لحد ما القضية تتقفل وتخلص خالص .. يعنى أربع خمس شهور بالكتير.. وصلى الكلام ده لأهله بطريقتك المهم متوجعليش دماغى تانى.. فاهمة؟</p><p>أبتلعت ريقها بصعوبة وهى تحاول تنظيم أنفاسها وهى تمسح دموعها بتوتر وقالت :</p><p>- طب وهنعمل أيه فى القضية؟</p><p>رفع حاجبية متهكماً وقال :</p><p>- أيوا هو ده المهم دلوقتى.. كده انتِ دنيا اللى انا اعرفها ...ركزى معايا كده وفتحى مخك ..</p><p>أستمعت إليه باهتمام وتركيز وهو يقول :</p><p>- أولا مفيش مخلوق فى المكتب عندكوا هيعرف بحكاية الاعتقال دى ..ولا حتى الدكتور حمدى وكويس أن نورا أجازة علشان هى اللى هتعمل قلق ومكنتش هتسكت ..دلوقتى انتِ المسؤلة عن كل حاجة فى المكتب ..وده فى صالحنا ..علشان كده عاوزك أول حاجة تعمليها أول ما تروحى المكتب النهاردة تكلمى الراجل صاحب القضية وتبلغيه ان فارس طالب الأتعاب وبعد ما توصلك الفلوس هقولك الخطوة اللى بعدها</p><p>قالت معترضة :</p><p>- لاء لازم أعرف كل حاجة دلوقتى</p><p></p><p>زفر بقوة ثم قال بملل :</p><p>- هقولك ..أنا خلاص وصلت لسكرتير النيابة اللى هيسحبلنا الورق المطلوب من ملف القضية قبل ما تروح على المحكمة ..وهتفاوض معاه النهاردة على المبلغ اللى هياخده .. ومش كده وبس ..أنا كمان وصلت لشهود الأثبات وبرضة هتفاوض معاهم على المبلغ ..</p><p>والفلوس اللى هتاخديها من الراجل فى اقرب وقت هنكيشهم منها .. وكده لا هيبقى فيه دليل ولا شهود والحادثة هتبقى قضاء وقدر..ومش مقصودة والواد يطلع من عقوبة القتل العمد وبعد كده ممكن نفاوض أهل القتيلة لما يبقوا فى موقف الضعيف وممكن ساعتها يتنازلوا بقرشين وتبقى القضية بخ.. فهمتى</p><p>قالت بشك :</p><p>- طب ماهو محامى البنت اللى ماتت ممكن يقدم فى المحكمة صورة من الورقة اللى هتتاخد دى وساعتها يتهمونا بالتزوير</p><p>قال بثقة مخلوطة بالسخرية :</p><p>- وانتِ يعنى فاكرة أن حكاية زى دى تعدى عليا ..المحامى بتاعهم أطلع على القضية بس ومصورش منها نسخة يعنى مفيش فى أيده ورق ضد يتكلم بيه..فهمتى يا فالحة</p><p></p><p>أعتدل فى جلسته ولمعت عينيه بخبث وهو يقول :</p><p>- ومذكرة المرافعة انا اللى هكتبهالك وهتحفظيها زى ما هى كده علشان تجلجلى بيها فى المحكمة ولما الحكم يتغير شوفى بقى ساعتها أسمك هيلمع ازاى ..</p><p>لمعت الفكرة فى رأسها فلقد عرف باسم كيف يقضى على النبضة الأخيرة من نبضات ضميرها .. تخيلت حكم البراءة وكيف سيلع أسمها بعد ذلك فى سماء المحاماة لتتهافت عليها القضايا كما حدث مع فارس ويقصدها الناس ولكنها لن تفعل مثله , لن تعيش بمثاليته التى دمرته وستدمره , سيكون الحكم الوحيد فى قبول أى قضية هو الأتعاب , فقط ليس إلا ..</p><p>وستخطو فى نفس طريق باسم فى حل القضايا الشائكة ... وضعت الهاتف بجانبها وقد نسيت تماماً أمر فارس , ولم تعد تذكر إلا مستقبلها فقط ..والذى ستجنيه من خلفه</p><p></p><p></p><p></p><p></p><p></p><p></p><p>حل المساء على النساء وحالهن هو البكاء .. لا يزلن مجتمعين فى بيت أم فارس ما بين متضرعة وباكية ومنهارة ..مُصابهن واحد , يتلمسن أى خبر ولو غير مؤكد أى شىء يطمئنهن على الأزواج والأحبة ورفقاء الدرب ولكن لاشىء ..كأنهم اختفوا وذهبوا جميعاً ..خلف قرص الشمس ..ولم يعثروا على أجابة شافية من أى جهة ..الأجابة الوحيدة التى وجدوها كانت عن طريق دنيا , بعد أن أبلغتهم بها فى الهاتف وقالت :</p><p>- عرفت أنهم فى المعتقل.. بس لسه مش قادرة أحدد مكانهم بالظبط ولا حتى قدرت أعرف تهمتهم أيه ..</p><p>ثم أردفت وكأن أمرهم لا يعنيها :</p><p>- انا هفضل بقى فى بيت ماما لحد ما نعرف طريقهم هناك بتحرك أسرع ..سلام</p><p></p><p>وقبل منتصف الليل بقليل نهضت أم عبير وهى تمسك بيد أم بلال قائلة :</p><p>- يالا يا حجة أحنا هنروح تعالى معانا</p><p>قالت أم بلال وقد بلغ منها التعب والحزن مبلغهم :</p><p>- مينفعش يا أم عبير أنا هروح البيت</p><p></p><p>قالت أم عبير بتصميم:</p><p>- لاء هتروحى لوحدك فى البهدلة اللى حصلت دى أزاى.. طب على الاقل باتى معانا النهاردة</p><p>تدخلت عبير وقالت لوالدتها :</p><p>- معلش يا ماما انا كمان هروح بيتى ..</p><p></p><p>ثم نظرت أمامها فى شرود وهى تقول :</p><p>- بيت بلال ميتقفلش أبدا مهما حصل</p><p>ذهب الجميع وتركوا أم فارس وحدها على وعد اللقاء فى اليوم التالى لبداية رحلة بحث جديدة ...ذهب الجميع وبقيت مُهرة بجوارها بعد أن قالت أم فارس لوالدتها وهى تتشبث بها فى حضنها :</p><p>- سيبيها معايا النهاردة يا أم يحيى</p><p></p><p>أغلق باب الشقة عليهما وحدهما ..ظلت مُهرة بحضنها تتلمس فيها رائحته بينما ظلت أمه متشبثةً بها تتلمس فيها قلبه ...رفعت مُهرة رأسها قائلة :</p><p>- يالا يا طنط قومى ارتاحى فى اوضتك شوية ..أنتِ تعبانة أوى</p><p>نهضت أم فارس بمساعدتها ولكنها قالت :</p><p>- لا انا عاوزه انام فى أوضة ابنى</p><p></p><p>ثم عادت للبكاء مرة أخرى وهى تقول :</p><p>- وحشنى أوى يا قلب امه</p><p>أنهمرت الدموع من عينيى مُهرة وهى تحاول تهدئتها وتقول بصوت متقطع:</p><p>- أنتِ كده هتتعبى بزيادة وكمان مخدتيش الدوا النهاردة ..</p><p>أخذتها مُهرة إلى غرفته .. كانت مبعثرة أشيائها وأثاثها نتيجة الاقتحام الغاشم المباغت ..</p><p>عدلت مُهرة من وضع الفراش وساعدتها على الأستلقاء فوقه وجلست بجوارها وهى لا تعلم هل تداوى جرح أمه أم تداوى جرحها الغائر .. تناولت والدته الدواء من يدها وأغمضت عينيها بعد أن شعرت أن سقف الغرفة يدور حول نفسه وراحت فى سبات عميق ..</p><p>ظلت مُهرة تنظر حولها تتلمس أشياءه المبعثرة فى تأثر ودموع صامته حتى غابت عن الوعى وهى تجلس على مقعده خلف مكتبه الصغير ..أبت أن تنام على فراشه التى تقاسمه فيه امرأة أخرى , خافت أن تشتم رائحتهما معاً ممزوجة فى بعضهما البعض ..كانت تعلم أنه لايسمح لأحد غيرها بأن يعبث بمكتبه لذلك فضلت أن تنام خلفه وهى متأكدة أنه لم يلمسه بعده سواها.</p><p></p><p>***</p><p></p><p>لا يستطيع أن يتكلم أحد عن الظلم إلا من ذاق مرارته ولا يقدر أحداً على وصف الظلام الا من عاش فيه ...كانت غرفة أقل ما يقال عنها نتنة الرائحة تفوح منها رائحة النجاسة لا يوجد ولا حتى نافذة صغيرة ,لا يوجد إلا بصيص نور صغير يأتى من أسفل عقب الباب الحديدى لا يصدر عنها سوى صدى صوت الأنين الهامس والتأوهات الخافتة التى تخشى من الظهور رغم عِظم اللآلم... والصمت هو سيد الموقف ... لا يقطعه سوى تمتمت بلال لبعض آيات القرآن ... همس عمرو فى أذن فارس قائلا:</p><p>- أحنا هنا من امبارح ومحدش قالنا تهمتنا أيه ولا حد عبرنا</p><p>مال فارس على أذنه وقال همساً :</p><p>- شكلنا كده مش جايين هنا رسمى وإلا كانوا حققوا معانا</p><p>شق الصمت صرير المزلاج الحديدى وهو يدور ليفتح من الخارج ويُرمى على الأرض شخصاً آخر لا يعرفونه.. شهق الجميع وانتفضوا عندما دققوا النظر به ..لقد كان عارياً تماماً ومؤخرته تنزف دماً ...كان الرجل يأن أنات متواصلة دون أنقطاع وهو مازال مكانه لم يتحرك ..تردد بلال قليلا ثم اقترب ببطء وهو يتفحص وجهه فوجده متورماً تماماً حتى أنه لا يستطيع لأحد أن يتعرف على ملامحه أو يميزه ...حاول بلال المساعدة ولكن الرجل انتفض للمسته لذراعه ثم زحف إلى ركن من أركان الزنزانة بعيدا عنهم وظل يبكى</p><p>ويأن حتى انقطع صوته تماماً فظنوه قد نام من التعب من شدة التعذيب ... أنتفض عمرو وقد أدرك أنها النهاية ..حاول بلال أن يسرى عنهم وقال :</p><p>- متخافش كده يا عمرو أحنا مش متهمين فى حاجة</p><p>نظر إليه فارس</p><p>وقال بحدة :</p><p>- يعنى المسكين ده كان متهم فى ايه يعنى يا بلال هى وصلت للدرجة دى</p><p>شق الصمت الغرفة صوت آخر ولكنه آتى من الخارج ... صوت صياح رهيب وأصوات تصرخ وتستغيث شق سمعهم وانتفض له قلوبهم وخصيصاً أنهم استطاعوا تميز أصوات نساء تصرخ صرخات غير منقطعة وتستغيث ... هب عمرو واقفاً بحركة لا أرادية</p><p>وهو يقول :</p><p>- ده صوت ستات ..أنتفض قلب كل واحداً منهم وقد حل فى عقولهم صور زوجاتهم ..</p><p>كان هذا هو العذاب الحقيقى , كل رجل منهم يتصور أن زوجته من بين النساء التى تصرخ فى الخارج وهو مكبل لا يستطيع الفكاك للذب عنها لا يستطيع أن يحمى شرفها من الانتهاك .. أنتفضت قلوبهم مرة أخرى عندما دار المزلاج ثانية ودُفع داخل الحجرة رجلين آخرين سقطا على الأرض فور دخولهما من شدة العذاب ... حاولوا مساعدتهما على الجلوس وتفقد جراحاتهما وكل رجل منهم يبكى من شدة التعذيب كالنساء ..الا رجل واحداً كان صامدا رغم انه كان أشدهم عذاباً ولم يكن لسانه يفتر عن قول لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين ... هدأت الاصوات فى الخارج ولم يعودوا يسمعون شيئاً فهدأت نفوسهم قليلاً ..</p><p>نظر أحد الرجلين إلى الرجل المعرى فى ركن الزنزانة وبكى وكأنه قد شهد عذابه ثم نظر ثلاثتهم إلى الرجلين وقال لهما فارس :</p><p>- أنتوا تهمتكوا أيه</p><p>قال رجل الأول بخفوت :</p><p>- أنا مش من القاهرة أنا من سينا.. عندى محل تصليح غسالات من يومين لقيتهم هجموا عليا وقلبوا المحل وغمونى وخدونى فى عربية ولقيت نفسى هنا قدام الظابط وواحد تانى بيقولوا عليه وكيل نيابة , هتف فارس فجأة :</p><p></p><p>- عذبوك قدام وكيل النيابة.. أومال مين اللى بيطبق القانون</p><p>أجابه الرجل :</p><p>- قانون مين يا أستاذ ..وكيل النيابة هنا زيه زى الظابط اللى بييعذذب بالظبط</p><p></p><p>ثم اردف قائلا :</p><p>- وكل اللى طالع عليهم مين اللى اشترى منك التايمر من يومين ..اقولهم انا بصلح غسالات وطبيعى أى حد يشترى تايمر غسالة من عندى ..يقولولى أنت كداب يابن ال ـــــــــــــــــ وفجأة لقيت الظابط ولع سيجارة وقالى لو السيجارة دى خلصت من غير ما تعترف</p><p>هتكره اليوم اللى اتولدت فيه .. فضلت احلفله مفيش فايدة لحد ما قام من ورا مكتبه وقالى أنا هعرفك مين هارون باشا وبعدين ندى على المخبر وقالوا حضرلى التونيك ..</p><p></p><p>قاطعه عمرو متسائلا :</p><p>- أيه التونيك ده</p><p>أجابه الرجل :</p><p>- ده الجهاز اللى بيصعقونا بيه بالكهربا .. وفضلوا يعذبوا فيا بالكهربا وانا عريان وفى الاخر ...</p><p></p><p>ثم اشار للرجل الاخر وقال:</p><p></p><p>- لقيت الراجل ده جايبينه برضه متغمى وبيقولولى هو ده اللى اشترى التايمر منك ؟.. بصتله كده وقلت لاء</p><p></p><p>نظر لهم الرجل الاخر وقال :</p><p>- انا اصلا من القاهرة ايه اللى هيودينى سينا علشان اشترى تايمر غسالة .. خدونى من بيتى من وسط ولادى وشدوا ال<strong>** من على وش مراتى وكانوا عاوزين يعتدوا عليها قدامى لولا ستر وكل اللى طالع عليهم أنت بتصلى الفجر فين وسايب دقنك ليه ..زى ما تكون الفجر تهمه ودقنى جريمة ... فضلوا يعذبوا فيا أربع ساعات كهرباء ولما عرفت أنطق قلتلهم عاوز اصلى وقف الظابط قدامى وقالى صليلى ... قول سبحان هارون وبحمده سبحان هارون العظيم ....فضلت ابكى واقوله خاف ..يقولى **</strong> مين مسمعتش الاسم ده قبل كده ..</p><p>تابع الرجل الاول حديثه قائلا :</p><p>- كان حلقى بيتقطع من كتر التعذيب قلتلهم عاوز اشرب رد عليا واحد منهم قالى مينفعش يا حبيبى أحنا خايفين عليك أنت متوصلك كهربا فشر السد العالى لو شربت هتموت..أول مرة أحس ان روحى بتطلع وترجع تانى مكانها</p><p>أردف الرجل الاخر :</p><p>- أنا لقيوا عندى سيديهات عن الويندوز وتصليحه والبرامج ولقيت وكيل النيابة وهو بيقرا عناوين السيديهات بيقول للى بيكتب جنبه .. انهم لقيوا سيديهات عن ازاى تركب قنبلة وتفجرها عن بعد ومرسومات لكنسية ازاى تتسلق وتدخل تحط قنابل فى اماكن محدش يكتشفها ..</p><p>أنتفضت أجسادهم مرة أخرى عندما سمعوا صوت الباب يفتح من جديد وكانوا يظنون أن هناك المزيد من المعذبين سيدخلون عليهم ولكن هذه المرة سمعوا صوت ينادى أسمائهم الثلاث ...بلال ..فارس ...عمرو</p><p>نظروا إلى بعضهم بعضا وكأنهم يودعون بعضهم ويشيعونهم ونظرا إليهم الرجلين نظرات شفقة وخوف زادت من فزعهم ...نهض ثلاثتهم ولكن بلال أمسكهم من أكتافهم ونظر إليهم قائلا :</p><p>- حافظوا على دعاء اللهم أكفنيهم بما شئت وكيف شئت ...</p><p>تقدم الثلاث وهم يرددون الدعاء فى خفوت ولقد كان قلب فارس يُعتصر اعتصارا منذ أن علم أن التعذيب يتم بمعرفة وكيل نيابة وتحت نظره ..سار الثلاثة فى رواق ضيق طويل وصدورهم تلهج وتأجر إلى **** سبحانه وتعالى وبلال يتمتم :</p><p></p><p>- اللهم انهم لا يعجزونك</p><p>دخل ثلاثتهم غرفة صغيرة أخرى ولكن هذه المرة يتوسطها مكتب يجلس خلفه رجل عرفه فارس من أول وهلة .. حدق فارس به لبرهة فنهض الرجل قائلا :</p><p>- تعالوا</p><p>وجد فارس نفسه يقول دون وعى :</p><p>- أنت ازاى تشوف التعذيب ده وتسكت عليه</p><p>قال وكيل النيابة الذى كان زميلاً له فى الكلية :</p><p>- مفيش وقت للكلام ده يا فارس.. كويس انى عرفت انك هنا بالصدفة.. **** وحده</p><p>هو اللى خلانى اشوف أسمك بالصدفة فى اللى جم أمبارح ...أسمع انت هتترحل دلوقتى على طره ..أهو أحسن من هنا على أى حال ...</p><p>أعاد فارس سؤاله مرة أخرى هاتفاً به أن يجيبه ,فقال صديقة :</p><p>- يا فارس انا كنت زيك بحلم ابقى وكيل نيابة و**** حققى حلمى ..مكنتش اعرف أنى هشتغل فى أمن الدولة ..ولما شفت المهازل اللى بتحصل هنا عملت فيها شجيع وقلت اروح اقدم بلاغ للنائب العام وقبل ما ادخله قابلت ولاد الحلال اللى يعرفونى وقالولى هو انت مكنتش تعرف أنه كان بيتشغل فى مباحث أمن الدولة عشر سنين وكان راضى عن اللى بيحصل هتدخل تقوله ايه ...حافظ على نفسك وعيالك وحاول تتنقل لأى جهة تانية من غير ما تقول حاجة ولا تفتح بؤك ...وانا يا فارس قدمت طلب نقلى وهنفذه قريب والحمد *** انك جيت قبل ما انا امشى ولا مكنتش هتخرج من هنا على رجلك زى ما دخلت ولا انت ولا اصحابك.. أنت متوصى عليك جامد يا فارس</p><p>نظر عمرو إلى بلال بذهول بينما حدق به فارس قائلا :</p><p>- مين اللى موصى علينا وليه</p><p>قال صديقه :</p><p>- معرفش .. كل اللى عرفته انك متوصى عليك انت بالذات.. ومكنوش هيخرجوك سليم من هنا ...أنا ادخلت وهرحلك انت وصحابك على طره لحد ما تشوف هتخرج منها ازاى وأوعدك انى اساعدك على قد ما اقدر</p><p>ضغط أحد الازرار أمامه فدخل على فور أمين شرطة يرتدى زى ملكى وقال له بلهجة صارمة :</p><p>- خد دول يابنى على عربية الترحيلات.. أوراقهم اهى</p><p>أستقل ثلاثتهم سيارة الترحيلات وهم يعتذرون فى داخلهم للوحوش التى يقال عنهم انهم مفترسين وبلا رحمة.</p><p></p><p>*****</p><p></p><p></p><p>نهضت مُهرة من نومها فزعة وهى تصيح :</p><p></p><p>- الدكتور حمدى ..</p><p></p><p>وأخذت توقظ أم فارس وتهزها بقوة جعلتها تستيقظ فزعة ونهضت جالسة وهى تهتف بها :</p><p>- مالك يا مُهرة فيكى ايه</p><p>صاحت مُهرة وكأنها غريق قد وجد لوح من الخشب فى قلب المحيط يتعلق بها لعلها تنجيه من الغرق وقالت :</p><p>- الدكتور حمدى يا طنط مفيش غيره.. هو اللى هيعرف طريق فارس ..فارس كان بيقول عليه بيحبه وبيعتبره زى ابنه</p><p>تلقت دنيا اتصالا هاتفياً وهى غارقة فى نومها على فراشها الوثير فى بيت والدتها ..تململت فى الفراش وهى تنظر للرقم , أتسعت حدقتاها وخفق قلبها خوفاً وأجابة بتردد فقالت أم فارس لهفة :</p><p>- معلش يا بنتى صحناكى من النوم ...أنا عاوزه رقم الدكتور حمدى صاحب المكتب يا دنيا</p><p>هو الوحيد اللى هيعرف طريق فارس ..ليه معارف كتير</p><p>أبتلعت دنيا ريقها وقد غارت عيناها وقالت :</p><p>- بس الرقم مش معايا هنا دلوقتى.. بكره اروح المكتب أجيبه</p><p>قالت ام فارس برجاء:</p><p>- ارجوكى يا بنتى مش هقدر استنى للمغرب مينفعش تروحى المكتب بالنهار</p><p>توترت دنيا أكثر وقالت بتلعثم :</p><p>- اه اه هحاول اشوف ينفع ولا لاء وهرد عليكى فى اقرب وقت وبعدين مفيش داعى تتعبى نفسك انا لما اروح المكتب هكلمه واطلب مساعدته متخافيش</p><p>أغلقت دنيا الهاتف وهى تلعن اليوم الذى جعلها توافق على اقتراح باسم وقالت بعصبية :</p><p>- هعمل ايه دلوقتى لو الدكتور حمدى عرف.. كل حاجة هتبوظ</p><p>ظلت تفكر منذ طلوع الفجر وحتى قرب وقت الظهر وهى ترتشف القهوة كوباً تلو الآخر حتى هداها شيطانها لفكرة لمعت فى رأسها على الفور وبلورها لها عقلها ...أنتظرت حتى بعد الظهر بقليل ثم أعادت الأتصال بام فارس مرة أخرى وقالت لها بأسى :</p><p>- انا آسفه يا طنط.. الدكتور حمدى تعبان أوى وسافر بره يتعالج.. مش موجود فى مصر ومش عارفة اوصله .</p><p></p><p></p><p>*****</p><p></p><p></p><p></p><p>أجرت مُهرة اتصالا هاتفياً تقوم به لأول مرة منذ زواجها وقالت بارتباك :</p><p>- علاء من فضلك محتاجة منك حاجة مهمة أوى</p><p>قال بتثاقل وهو ينهض من فراشه :</p><p>- طب مش تقولى صباح الخير يا حبيبى الأول</p><p></p><p>قالت بصوت مرتجف :</p><p>- أرجوك يا علاء مش وقته انا محتجالك</p><p>أنتبه وهو يجلس على فراشه وقال :</p><p>- خير يا مُهرة عاوزه أيه.. محتاجه فلوس ولا حاجة</p><p>قالت بصوت باكى :</p><p>- فارس جارنا ..أمن الدولة خدوه ومش عارفين نلاقيه.. بيقولوا معتقل بس فين مش عارفين .. وانت أكيد ليك اصحاب كتير معروفين ورجال أعمال ممكن يعرفولنا طريقه</p><p>هتف بها حانقاً :</p><p>- مش فارس ده اللى ضربنى ؟</p><p>بكت بشدة وأخذت تشهق وترجوه بمرارة أن يصفح عنه ولكنه قال بتشفى :</p><p>- أحسن خإليه يتبهدل ولا يقتلوه ويرحونا منه ..**** خادلى حقى</p><p>شهقت بشدة وأخذ صدرها يعلو ويهبط وهى تبكى وتقول :</p><p>- أرجوك يا علاء علشان خاطر <strong>** .. أعمل كده لوجه **</strong> طيب ..طيب علشان خاطر امه المسكينة</p><p>صاح بها وهو ينهى المكالمة :</p><p>- بقولك أيه يا مُهرة بلا امه بلا ابوه.. أنا راجل نجم عاوزه حد يعرف انى اعرف واحد معتقل ..عاوزه تضيعى مستقبلى ...</p><p></p><p>واغلق الهاتف بقوة وهو يزفر بقوة , بينما سقط منها الهاتف وسقطت على الأرض من شدة البكاء ثم سجدت وهى تقول بنحيب :</p><p>- **** مالناش غيرك **** نجيه .. ده عمره ما أذى حد ****</p><p></p><p>********</p><p></p><p>طرق صلاح باب حجرة مكتب إلهام ودخل وقد بدا القلق على محياه فاعتدلت وقالت بسرعة :</p><p>- ها يا صلاح وصلتوا لحاجة.. عرفتوا عمرو مبيجيش ليه</p><p>أومأ برأسه وقد ارتسم الحزن على قسمات وجهه وقال :</p><p>- أتقبض عليه من يومين ... خدوه الفجر من بيته</p><p>هبت واقفة وقالت بفزع :</p><p>- مين دول اللى خدوه وليه</p><p>رفع كتفيه باسى وقال بحيرة :</p><p>- مش عارف يا بشمهندسة بس طريقة القبض عليه دى بتقول انهم مش مباحث عادية شكلهم كده أمن دولة</p><p>هوت إلى مقعدها وارتجف قلبها بين أضلعها واتسعت عيناها وهى تفكر وفجاة تناولت سماعة الهاتف وضغطت عدة أرقام ثم قالت بسرعة لمديرة المكتب :</p><p>- وصلينى بالباشا حالاً.</p><p></p><p></p><p></p><p>*****</p><p></p><p></p><p>الفصل السادس والعشرون</p><p></p><p></p><p>عالم السجون ... إنه عالم إختلفت فيه المعايير وتغيرت المقاييس .. لم يعد السجن هو مصير المجرمين والسفاحين فقط , بل أصبح السجن مصير المتدينين وأصحاب الرأى أيضا وكل حر يأبى أن يضع رأسه فى التراب ويدفنها بين حبات الرمل.</p><p>دُفع ثلاثتهم بقوة داخل العنبر وأُغلق الباب الحديدى خلفهم ليصدر صريراً مزعجاً أيقظ على أثره النيام داخل العنبر ...وقف ثلاثتهم ينظرون إلى بعضهم البعض وأعينهم تفيض بسؤال واحد فقط ..وماذا بعد ... وقعت أعينهم على رجل ملتحف ببطانية سوداء فى أحد الاركان على أرض العنبر فاقترب بلال منه بقلب مقبوض وكأنه يشعر لماذا هذا الجسد قد سُجى هكذا وقبل أن يلمسه , هتف أحد الرجال الآخرين من زملاء العنبر :</p><p>- سيبوا ده ميت</p><p>أصابتهم غصة فى حلوقهم وهم يتبادلون النظرات ..أنحنى بلال لينظر فى وجهه فوجد ما كان يعتقده ..شاب صغير فى السن له لحية صغيرة واضح عليه اثار التعذيب بشدة , أغمض بلال عينيه بألم وهو يقول :</p><p>- إنا *** وإنا إليه راجعون</p><p>غادر أربعة مسجونين سرائرهم واقتربوا منهم متسائلين :</p><p>- أنتوا جايين فى ايه.. مفيش مظاهرات الأيام دى..</p><p>قال الرجل الاخر :</p><p>- بس حظكوا حلو و**** أنكوا جايين فى الوقت ده.. لو كنتوا جيتوا الصبح كنتوا حضرتوا حفلة الاستقبال</p><p>عقد فارس بين حاجبيه وقال :</p><p>- حفلة استقبال أيه</p><p>قال الرجل :</p><p>- حفلة الاستقبال دى يا سيدى بيستقبلوا بيها كل عربية ترحيلات بتوصل السجن بالكللابب البوليسية وانت وحظك .. وبعد ما تنزل وانت بتجرى من الكللابب قبل ما تتعض يستقبلوك العساكر بالعصاية الكهربا والكرابيج ساعة ساعتين لحد ما كله يقع على الارض ويستسلم للضرب .. بعدها بقى يوزعوهم على العنابر .. دى بقى حفلة الاستقبال</p><p></p><p>أومأ بلال برأسه وهو يربط على كتفهم مطمئناً ونظر لهم نظرات مطمئنة أنهم قد عبروا تلك المرحلة بأمان فمن الواضح أن صديق فارس كان يعلم هذا أيضا لذلك أمر بترحيلهم فى هذا الوقت من الليل ..شعر فارس بغصة فى قلبة وهو يرى بلاده لأول مرة بصورة حقيقية غير التى كان يراها فى الخارج .. فى خارج ذلك العالم .. عالم السجون والمعتقلات .. أخذهم زملاء العنبر إلى أفرشتهم كل واحد منهم على سرير صغير عليه بطانية خشنة ..</p><p></p><p>جلس عمرو على طرف فراشه مشدوهاً لما رأى فى تلك الأيام, أولا فى أمن الدولة وثانيا هنا فى السجن .. وقال بغضب وعصبية موجهاً كلامه لفارس :</p><p>- وبعدين يا فارس هنفضل كده لحد أمتى حتى منعرفش تهمتنا ايه</p><p>جلس أحد الرجال على السرير بجواره قائلا:</p><p>- لا لازم تهدى وطى صوتك اللى بيعلى صوته هنا بيتسحب على عنبر التأديب</p><p>ألتفت عمرو إليه وحدق به قائلا :</p><p>- ايه عنبر التأديب ده كمان</p><p>أبتسم الرجل وقال :</p><p>- اه معلش كان المفروض أشرحلكم من الاول .. النظام هنا ... السجن متقسم كذا عنبر ..عنبر التأديب وده متقسم زنازين صغيره مترين فى مترين وده بيبقى أنفرادى ..</p><p>وعنبر الجنائى ودول بقى تجار المخدرات وقتالين القتله وغيرهم وعنبر التخابر وده بقى مخصص للجواسيس وده بقى أنضف عنبر هو وعنبر القضاة وافراد الشرطة اللى بيجى هنا متهم فى قضية رشوة ولا فساد والمعاملة فيهم معاملة خمس نجوم ..</p><p>وهنا بقى العنبر السياسى وده كل اللى بيقول رايه فى البلد دى ومعظمه مشايخ زى ما أنت شايف ..أبتسم بلال وهو يومىء برأسه</p><p>وقال :</p><p>- ونسيت عنبر الاخوان</p><p>ضحك الرجل بصوت خفيض وقال لـ بلال :</p><p>- اظاهر انك جيت هنا قبل كده يا شيخ</p><p>قال بلال بجمود :</p><p>- جيت مرة واحدة بس عرفت كتير</p><p>كتم عمرو غضبه وقال :</p><p>- برضه محدش جاوبنى هنفضل كتير ومن غير ما نعرف تهمتنا ايه ؟</p><p>ربت الرجل على كتفه قائلا :</p><p>- طالما محدش حقق معاكوا يبقى مفيش تهمة وبما أنكوا جايين دلوقتى يبقى انتوا مش معتقلين رسمي</p><p>قال فارس بإقتضاب :</p><p>- يعنى أيه مش رسمي</p><p>تكفل بلال بالرد عليه قائلا :</p><p>- يعنى زي ما صاحبك قالك .. متوصى علينا</p><p>أقترب عمرو من فراش بلال وجلس على طرفه قائلا :</p><p>- مين اللى هيوصى علينا يتعمل فينا كده مين</p><p>قال بلال وهو ينظر أمامه بشرود :</p><p>- مش عارف يا عمرو بس الموضوع ده شكله هيطول ولازم نحاول نهدى علشان نعرف نفكر..</p><p>قال كلمته الأخيرة ثم نهض قائلا:</p><p>- تعالوا نصلى على الأخ اللى مات ده</p><p>قال الرجل الذى يحدثهم :</p><p>- هيجوا يخدوا جثته الفجر مع انهم عارفين ان فى واحد ميت هنا من بعد العشاء</p><p></p><p>****</p><p></p><p></p><p>- ميرسى يا فندم ..</p><p></p><p>نطقت دنيا بهذه العبارة وهى تتناول الشيك من والد هانى المتهم فى قضية القتل</p><p>وبرقت عينيها وهى تنظر للمبلغ المدون فيه وقالت بابتسامة :</p><p>- حضرتك أطمن خالص أبنك هيبقى فى حضنك قريب جدا</p><p>قال الرجل بلهفة :</p><p>- **** يا أستاذة **** يسمع منك ...</p><p></p><p>ثم قال بتساؤل :</p><p>- هو الدكتور فارس مجاش النهاردة ولا ايه</p><p>قالت بتمساك:</p><p>- الدكتور فارس مش بيجى كل يوم.. ولما بيكون مش موجود انا ببقى مكانة</p><p></p><p>أومأ الرجل برأسه متفهماً وقال :</p><p>- المهم عندى أنه هو اللى يشتغل القضية بنفسه</p><p>رفعت حاجبيها بدهشة مصطنعة وهى تقول :</p><p>- طبعاً يا فندم القضايا اللى زى دى الدكتور فارس هو اللى بيكتب فيها المذكرات وهو اللى بيترافع ..واحنا بس بنعمل الشغل الارى والمالى بتاعها علشان كده طلبت من حضرتك تكتب الشيك بأسمى يعنى حضرتك هتشوفوا فى المحكمة ان شاء **** ..</p><p>بعد قليل أنصرف الرجل ودخل خلفه وائل مسرعا ً وقال بعينين لامعتين :</p><p>- أداكى الشيك</p><p></p><p>ابتسمت بثقة وهى ترفع الشيك أمام عينيه ثم وضعته فى حقيبتها قائلة بقلق :</p><p>- أهى الفلوس بقت معانا والراجل جاب الاتعاب كلها مش نصها زى ما كنا فاكرين عاوز ابنه بأى طريقة ..**** بقى باسم يخلصنا من القضية دى بسرعة بقى انا قلقانة أوى</p><p>قال وائل مشجعاً :</p><p>- متقلقيش يا أستاذة.. أنتِ قدها وقدود والأستاذ باسم خلاص ظبط الناس مش ناقص غير الفلوس علشان ينفذوا</p><p>ربتت على حقيبتها وهى تقول :</p><p>- وأهى الفلوس .. يلا بقى كلمه وخليه يخلصنا</p><p>تحدث وائل هاتفياً مع باسم وأخبره أن المال قد أصبح بحوزت دنيا .. مد وائل يده بالهاتف إلى دنيا قائلا:</p><p>- الأستاذ عاوز يكلمك</p><p>تناولت الهاتف وقالت بتعالى :</p><p>- أيوا</p><p></p><p>ابتسم باسم عندما لاحظ نبرة صوتها المتعالية وقال بسخرية :</p><p>- طب حتى استنى لما تصرفى الشيك وبعدين ابقى اتغرى براحتك</p><p>مطت شفتيها بضيق وقالت :</p><ul> <li data-xf-list-type="ul">خير يا أستاذ باسم</li> <li data-xf-list-type="ul">بكرة هنروح نصرف الشيك سوا ونطلع على طول على سكرتير النيابة نكيشه ونخلص معاه وبعدين نقعد مع بعض ونقسم الاتعاب علينا زى ما اتفقنا ماشى ..</li> </ul><p>قالت بإقتضاب :</p><p>- بس هنقعد فى مكان عام مش عندك فى المكتب</p><p>أطلق ضحكة عالية أشعرتها بالاشمئزاز وقال بخبث :</p><p>- أيه موحشتكيش ولا ايه</p><p>أتسعت عينيها وشعرت أنها ستتقيأ عندما ذكرها بما حدث سابقاً ..أغلقت الهاتف فى وجهه وهى تتمتم :</p><p>- حيوان</p><p>***********</p><p></p><p></p><p></p><p>وقف صلاح ينظر إلى إلهام التى كانت تتحدث فى الهاتف بلهفة وهى تقول لمحدثها :</p><p>- طبعاً يا باشا من رجالتنا ومينفعش نسيبه كده .. دى حتى تبقى وحشه فى حقنا وبعدين اللى موصى عليه ده مش أكبر من معاليك</p><p>صمتت بعض الوقت تستمع إليه ثم قالت بثقة :</p><p>- يافندم أرهاب أيه.. بقول لمعاليك من رجالتنا</p><p>صمتت قليلا ثم قالت وهى تنقر على سطح مكتبها بأطراف أصابعها بعصبية :</p><p>- ماشى يا فندم اللى تشوفه .. ساعتك المهم بس ميطولش كتير..</p><p>أغلقت الهاتف وزادت عصبية نقرها على المكتب فقال صلاح متلهفاً:</p><p>- ها يابشمهندسة ايه الاخبار</p><p></p><p>ضربت المكتب بقبضتها وهى تقول بضيق :</p><p>- لو كان لوحده كان طلعه بسهولة.. المشكلة فى الاتنين اللى معاه.. علشان كده بيقولى الموضوع هياخد وقت</p><p>قال صلاح بحزن :</p><p>- يعنى الولد المسكين ده هيفضل مرمى كده من غير ذنب</p><p>قالت بعصبية :</p><p>- مش قادره اعمل اكتر من كده يا صلاح.. أنا وصلت لأعلى المستويات كل اللى وعدونى بيه أن محدش هيقربله وهيفضل هناك معزز مكرم لحد ما يطلع ..</p><p></p><p>خبطت سطح مكتبها مرة أخرى حتى آلمتها قبضتها ففركتها بغيظ وضيق وهى</p><p>تقول :</p><p>- لو كان لوحده كنت عرفت اطلعه النهاردة.. المشكله فى الاتنين اللى مربين دقنهم اللى معاه دول ..أنا عارفة أيه الأشكال اللى بيعرفها دى!</p><p></p><p>***********</p><p></p><p></p><p>فُتح باب العنبر مرة أخرى فتعلقت أبصار الجميع به .. دخل الشاويش المسئول عن العنبر وتقدم باتجاه عمرو وفارس وبلال وأشار إليهم بحزم وقسوة قائلا:</p><p>- تعالوا معايا انتوا التلاتة</p><p>نظر ثلاثتهم إلى بعضهم البعض بتساؤل فصرخ بهم بصوت كريه مرة أخرى :</p><p>- بقول قوم انت وهو</p><p>نهض ثلاثتهم وهم ينظرون إليه بحنق وتعلقت به أبصار شركائهم فى العنبر وهم ينظرون إليهم بشفقة ..سار ثلاثتهم خلفه وبعد أن أغلق العنبر أمرهم ان يسيروا خلفه ..ساروا قليلاً حتى توقف بهم أمام أحد الزنازين وشرع فى فتح بابها وهو يقول متبرماً :</p><p>- حظكوا من السما ...</p><p></p><p>فتح الزنزانة ثم دفعهم داخلها بقسوة مرة أخرى وأغلقها خلفهم , كانت الزنزانة أقل عددا من العنبر الآخر بكثير.. كانت تبدو أكثر آدمية من التى قبلها .. والفُرش والأغطية كانت تبدو أكثر راحة من العنبرالأول نوعاً ما ...نظر زملائهم إليهم متسائلين كما يُفعل مع كل مُعتقل جديد , فالقى بلال السلام ..فأجابه البعض بخفوت</p><p>ألقى ثلاثتهم أجسادهم على فُرُشِهم بإنهاك شديد ولأول مرة تذوق عيونهم طعم النوم منذ اعتقالهم ...</p><p>بعد ساعة استيقظ بلال على هزات خفيفة ..أنتبه من نومه دفعة واحدة بإنفعال فربت الرجل الذى كان يوقظه على صدره يهدئه وهو يقول :</p><p>- أهدى يا أخى انا بصحيك علشان تلحق الصلاة متخافش</p><p>نهض بلال وهو يشعر أن عظامه مختلطة ببعضها البعض فى ألم شديد ..توجه إلى فارس وعمرو وأوقظهما بنفس الهزات الخفيفة فاستيقظوا بنفس الأنتباه المفاجىء واتساع حدقاتهما بإنفعال شديد فطمئنهم وهو يقول :</p><p>- يلا قوموا علشان نلحق الصلاة</p><p></p><p>زفر عمرو بقوة وهو يقول :</p><p>- يا أخى حرام عليك ده انا مصدقت يغمضلى جفن</p><p>توجه فارس إليه وهو يمسك بيده لينهضه رغماً عنه قائلا :</p><p>- قوم صلى يا عمرو .. **** أعلم احنا أعمارنا هتخلص أمتى هنا</p><p>وقف بلال بعد أن توضأ ليصلى بهم ولكن الرجل الذى أيقظه اقترب منه وقال محذرا :</p><p>- كل واحد يصلى لوحده يا دكتور .. **** الجماعة ممنوعه هنا</p><p>أومأ بلال برأسه وقد تذكر ..فألتف إليه فارس قائلاً :</p><p>- ويمنعوا **** الجماع ليه</p><p>ضرب عمرو كفا ً بكف وهو يقول :</p><p></p><p>- هو أحنا فى غوانتانمو ولا ايه</p><p></p><p>أنتهى الثلاثة من صلاتهم تباعاً واحداً تلو الآخر.. مر يومان والحال هكذا لم يتغير ..</p><p>كانت بوابة الزنزانة تغلق عليهم فى تمام الخامسة والنص مساءا وكذا يكون أنتهى اليوم داخل السجن فيبدأ بلال فى أعطائهم بعض التمرينات الرياضية التى تقوى عظامهم لتستطيع تحمل خشن العيش داخل السجن , وليستطيع مقاومة الرطوبة المنتشرة فى كل مكان فيه ... كان الجميع يستجيب له إلا واحداً , لاحظ بلال أنه يرمقهم بنظرات غاضبة</p><p>وكارهة لهم , يظهر ذلك فى عينيه جلياً كلما التفت إليهم على مدار يومين كاملين , ولأول مرة يتدخل هذا الرجل بالحديث عندما رأى فارس ينهض من فراشه ويجلس على طرف فراش بلال وهو يقول بقلق :</p><p>- مفيش أى وسيلة هنا نطمن الناس اللى برا علينا .. زمانهم دايخين علينا فى كل حته دلوقتى ومش لاقين لنا أثر ..</p><p>فقال هذا الرجل هاتفاً :</p><p>- و**** أهلكوا زمانهم مستريحين منكوا ومن التشدد بتاعكوا</p><p>ألتفت إليه فارس بغضب بينما ربت بلال على ذراعه حتى لا يرد عليه بغضب فصمت فارس وترك المجال لـ بلال بالرد</p><p></p><p>فقال له بابتسامة :</p><p>- هو فى أهل فى الدنيا يبقوا مستريحين وولادهم فى السجن</p><p>ترك زملائهم فى الزنزانة ما كانوا منشغلين به وبدأوا فى متابعة الحوار ظنا منهم أنه سينتهى بمعركة تكون نهايتها زنزانة تأديب منفردة لكل منهما...نظر له الرجل بحنق قائلاً :</p><p>- لا طبعا بس اللى زيكوا أهلهم هيستريحوا منهم .. تلاقى كل واحد فيكم عنده أخت بيجرجرها من شعرها وينزل فيها ضرب لو شافها بتسمع أغانى ولا بتتفرج على فيلم</p><p>آخر عبارة نطقها جعلت فارس وبلال ينظران إلى بعضهما البعض ويبتسمان رغماً عنهما ..</p><p>مال فارس للأمام وهو يقول له :</p><p>- حضرتك العنوان غلط .. اللى بيعملوا كده الممثلين اللى بيطلعوا فى التلفزيون مش أحنا</p><p>نظر له الرجل بتهكم وقال :</p><p>- الممثلين دول بيمثلوا حياتكم واللى بتعملوه فى أهلكوا بسبب تشددكوا فى الدين</p><p></p><p>تدخل بلال قائلا:</p><p>- ممكن اسأل حضرتك سؤال ..مش زمان كنا بنسمع أن الممثل علشان يندمج فى الدور بتاعه لازم يروح يعيش فى وسط الناس اللى هيمثل دورهم فى المسلسل</p><p>يعنى مثلا كنا زمان نسمع ان واحد راح دخل السجن علشان يعرف يمثل حال المساجين صح ولا لاء</p><p>أومأ الرجل برأسه قائلا:</p><p>- أه طبعا سمعنا كده كتير</p><p>ابتسم بلال ثم قال :</p><p>- طيب هل الممثل اللى بيمثل دور الملتزم ده بيروح يعيش مع الملتزمين فى بيوتهم وبيشوفهم بيعاملوا أهإليهم أزاى واخوتهم وزوجاتهم</p><p>قال الرجل ساخرا:</p><p>- هيروح ازاى يا شيخ يعيش معاهم فى بيوتهم هو طبعا بيتصور حياتكوا مع اهاليكوا</p><p>رفع بلال حاجبيه وقال بهدوء :</p><p>- طيب مش يبقى ده ظلم أنه يحكم علينا اننا بنضرب اخواتنا وزوجاتنا وهو عمره ما عاش وسطنا ونجرجرهم من شعرهم كمان علشان بيسمعوا أغانى ويطلع يمثل كده فى التلفزيون ويخلى الناس تصدق عننا كده وتخاف مننا وأحنا مش بنعمل كده أصلا</p><p>تدخل زميلاً آخر لهم وقال :</p><p>- و**** أنت معاك حق يا شيخ ده أنا ليا جار زيك كده لما مراته بتقعد مع مراتى يرغوا مع بعض شوية بترجع مراتى تقولى أنت مش رومانسى ليه زى جارنا الشيخ</p><p>قال الرجل الاول معترضاً :</p><p></p><p>- و**** بقى أحنا خدنا عنكوا الفكره دى بسبب التشدد اللى أنتوا فيه</p><p>وكل حاجة حرام حرام حرام .. حرمتوا علينا عيشيتنا</p><p>أتكأ بلال على أحدى جانبيه وقال :</p><p>- طب ممكن اسألك سؤال كمان ومعلش تعإلى على نفسك وجاوبنى</p><p>قال الرجل بملل :</p><p>- أتفضل</p><p></p><p>قال بلال بجدية :</p><p>- حضرتك عندك سخان غاز ولا كهربا؟</p><p>نظر له الرجل بدهشة وقال متهكماً :</p><p>- سخان غاز يا سيدى ليه</p><p>ابتسم بلال قائلاً :</p><ul> <li data-xf-list-type="ul">ممتاز ... فاكر حضرتك أول مرة ركبته فيها</li> <li data-xf-list-type="ul">فاكر</li> </ul><p>أعتدل بلال فى جلسته وقال باهتمام:</p><p>- يا ترى شغلته لوحدك</p><p>زاد الرجل مللاً وهو يجيب قائلاً :</p><p>- لاء طبعاً صاحب المحل قالى معاه كتالوج ولازم أمشى على الخطوات اللى فيه بالظبط</p><p>قصد بلال ان يقول ببرود:</p><p>- وسمعت كلامه ليه</p><p>هتف الرجل بعصبية :</p><p>- يعنى ايه سمعت كلامه ليه مش هما اللى عاملينه وأدرى بيه</p><p>عقد بلال بين حاجبيه وقال :</p><p>- صاحب المحل اللى اشتريت منه السخان متشدد زينا</p><p></p><p>صوب الجميع نظرة لبلال الذى كان يتحدث باريحية وسلاسة فى الحديث والغلاف الذى كان يميز حديثه هو المنطق والهدوء ... وخصيصاً عندما ظهرت علامات الدهشة على وجه الرجل وقال بحيرة :</p><p>- مش فاهم</p><p>عقد بلال ذراعيه بهدوء وهو يقول :</p><p>- يعنى <strong>** سبحانه وتعإلى هو اللى خلقنا وهو اللى قالنا عن طريق رسولنا محمد صل **</strong> عليه وسلم أن ده حرام وده حلال سواء فى القرآن أو فى السُنة ..</p><p>يعنى القرآن والسُنة دول ومن بعديهم اقوال السلف الصالح هما الكتالوج بتاعنا</p><p>علشان كده لما أنا أقرا فى الكتالوج ده وأعرف أن ده حرام واقولك عليه مينفعش حضرتك تقول عليا متشدد لانى كل اللى عليا أنى بنقل لحضرتك كلام **** وأوامره ونواهيه مش أكتر من كده يبقى انا متشدد ليه بقى</p><p></p><p>أطرق الرجل مفكراً وسادت همهمة بسيطة خافتة بين شركائهم فى الزنزانة معجبين بحديث بلال بينما ابتسم فارس وهو ينظر لبلال بإعجاب شديد..</p><p>فأردف بلال قائلاً:</p><p>- وزى ما حضرتك متأكد ان المصنع اللى صنع السخان وعمل الكتالوج وحط فيه ضوابط للتشغيل هو أدرى بالسخان وباللى ينفعله واللى مينفعلوش</p><p>واللى يبوظه واللى ميبوظوش يبقى برضة لازم حضرتك تبقى متأكد أن الحرام والحلال دول مش علشان يضايقوا حضرتك,, لاء,, ده علشان <strong>** سبحانه وتعإلى هو اللى خلقنا وهو أدرى بينا وبقلوبنا وايه اللى يخلينا عباد **</strong> المؤمنين وايه اللى يخلى قلوبنا فاسدة والعياذ ب**** .</p><p>**********</p><p></p><p>فتحت عبير باب شقتها لعزة التى دخلت مسرعة وقالت بلهفة :</p><p>- عبير عرفنا مكانهم يا عبير</p><p>أتسعت عيناها وتشبثت بملابسها وهى تقول بلهفة أكبر :</p><p>- ب**** عليكى يا عزة عرفتوا مكانهم.. طب هما فين وعاملين ايه وعرفتوا ازاى ؟</p><p>جاءت أم بلال على صوت عبير الملهوف وتعلق بصرها بعزة وهى تنقل بصرها بينهما</p><p>وتقول :</p><p>- الأستاذ صلاح اللى عمرو كان شغال عندهم فى الشركة كان جه سأل على عمرو من يومين كده ..ولما عرف اللى حصل قالى أنهم هيحاولوا يعرفوا طريقهم .. واتصل بيا النهاردة من شوية وبلغنى أنهم عرفوا انهم موجودين فى سجن طره وانهم كويسين أوى وبيتعاملوا كويس أوى ومفيش تهمة معينة متوجهالهم وهيخرجوا قريب ان شاء ****</p><p>وضعت أم بلال يدها على صدرها وهى تقول :</p><p>- الحمد ***</p><p></p><p>هوت عبير إلى الأرض ساجدة تبكى وتدعوا وهى تشعر أن قلبها لم يعد ينبض منذ أن غادرها فى ذلك اليوم المشئوم ولكنها بدأت تطمئن شيئا قليلاً بعد هذه الأخبار وأخذت تدعوا **** أن يرده إليها رداً جميلاً وأن يحفظه.</p><p>عانقت أم فارس مُهرة وهما يبكيان من الفرحة لمجرد أن علموا أنه بخير ولم يصبه مكروه مما كانوا يسمعوا عما يحدث للمعتقلين من قبل ... أبتعدت مُهرة قليلاً وهى ممسكة بيد أم فارس وقالت بهيستيرية :</p><p>- لازم نعمل المستحيل ونروح نشوفه يا ماما</p><p></p><p>أبتسمت أم فارس وهى تستمع لتلك الكلمة من فمها لأول مرة وقالت :</p><p>- يابنتى الحمد *** اننا عرفنا مكانه وأنه بخير هو وصحابه الحمد ***.. مش عارفة بقى حكاية الزيارة دى هتنفع ولا لاء وهنعملها ازاى ...</p><p></p><p>صمتت قليلاً ثم قالت :</p><p>- انا هتصل بـ دنيا علشان ابلغها الأخبار الحلوة دى .. وأكيد هى مش هتسكت وهتحاول تروحله وساعتها تبقى تاخدنا معاها ..</p><p></p><p>هرولت مُهرة إلى الهاتف وهى تقول بلهفة :</p><p>- طب يا ماما كلميها دلوقتى مش لازم نضيع وقت</p><p>أخذت أم فارس الهاتف وقصت عليها ماحدث مما جعل دنيا تبتلع ريقها بصعوبة واستشعرت الخوف من احتمالية خروج فارس بهذه السرعة فالقضية ما زال أمامها شهرين على الأقل قبل النطق بالحكم, سمعت أم فارس وهى تقطع عليها أفكارها فقالت :</p><p>- ايوا معاكى .. طيب انا هشوف الحكاية دى وابلغك بالتطورات قريب أوى ان شاء ****.. أنا هقفل دلوقتى علشان معايا شغل مهم ..</p><p>أغلقت أم فارس الهاتف وهى تنظر له مندهشة وتقول متعجبةً:</p><p>- غريبة أوى .. كنت فكراها هتطير من الفرحة مش عارفة كلمتنى كده ليه أنا قلبى مش مطمن</p><p>قالت مُهرة بسرعة :</p><p>- خلاص يا ماما متزعليش نفسك انا هحاول مع علاء تانى</p><p>نظرت لها أم فارس غير راضية وقالت باستنكار :</p><p>- لاء مش عاوزين منه حاجة.. مش كفاية اللى عملوا فيكى قبل كده.. هترجعى تتذليلوا تانى</p><p>نظرت أمامها بشرود وهى تقول بخفوت :</p><p>- زى بعضه تانى وتالت كله فداهم</p><p></p><p>**********</p><p></p><p></p><p></p><p>وضعت أم يحيى أكواب الشاى أمام علاء ومُهرة وهى تقول برجاء:</p><p>- معلش يا علاء علشان خاطرى انا حاول</p><p>هز علاء رأسه نفياً وهو ينظر إلى عينيى مُهرة الراجية ويقول :</p><p>- كله إلا سمعتى ,, مقدرش ,, أنا نجم ولو سُمعتى حصلها خدش واحد موهبتى مش هتنفعنى</p><p>نظر له يحيى بإزدراء , لأول مرة يراه على حقيقته, زال الأنبهار الذى كان يشعر به تجاهه وقال بنفور :</p><p>- كل ده ميجيش حاجة قدام حياة تلاتة كنا بنعتبرهم مثلنا الأعلى</p><p>نظر له علاء متهكماً وقال بسخرية :</p><p>- مثلك الاعلى أنت مش أنا</p><p>شعرت مُهرة ببغض شديد تجاهه وهى تتبادل النظرات المعاتبة مع والدتها وهى تقول موجهةً الحديث إليه :</p><p>- والدكتور بلال ميخصكش هو كمان.. مش ده كان ليه فضل عليك بعد ****</p><p>وضع علاء كوب الشاى بعصبية وقال :</p><p>- أنا أول مرة اعرف أن لما راجل يروح يزور مراته تقعد تكلمه على رجالة تانين أنا لو كنت اعرف كده مكنتش جيت من أساسه ..</p><p>هب واقفاً وانصرف بعصبية ..كان يشعر بوخز الضمير تجاه بلال ولكن كرهه لفارس جعله يتناسى أمرهم جميعاً .. أقترب يحيى من أخته وهو يقول بأسى :</p><p>- معلش يا مُهرة متزعليش نفسك</p><p>نظرت لوالدتها مرة أخرى وهى تقول :</p><p>- انا مش زعلانه منه ..أنا زعلانة عليه ..اللى زى ده بيفضل طول عمره عايش لنفسه وبس ..علشان كده لما عمره هيخلص محدش حتى هيفتكر يترحم عليه.</p><p></p><p>**********</p><p></p><p>مر شهراً كاملاً ثلاثون يوماً حتى تكونت صداقة بين أبطالنا الثلاث وزملائهم فى الزنزانة</p><p>حتى جاء ذلك اليوم الذى فُتحت فيه بوابة زنزانتهم الحديدية معلنةً عن قدوم أحد ما ... دخل الشويش المسؤل عنهم و بصوته الغليظ أشار لـ عمرو قائلاً :</p><p>- يالا علشان هتخرج يا عمرو</p><p>هب عمرو واقفاً غير مصدق لما سمع ونظر إلى بلال وفارس وقال :</p><p>- طب وهما</p><p>صرخ الشاويش فيه بنبرة قاسية :</p><p>- يالا ياخويا.. هى رحلة؟ .. أنت بس اللى هتخرج</p><p>نهض فارس وبلال ,عانقاه بحرارة وقد دمعت عينيه وهو يقول :</p><p>- مش هسيبكوا وامشى</p><p>أبتسم فارس وهو يدفعه فى كتفه قائلا:</p><p>- يالا يابنى هتعملى فيها بطل ولا أيه.. ده احنا مصدقنا حد يطلع يطمنهم علينا.. يالا ..</p><p>أمسكه بلال من كتفه قائلاً بعينين دامعتين :</p><p>- خلى مراتك تروح لمراتى وتطمنها عليا</p><p></p><p>ثم ابتسم وهو يردف قائلا:</p><p>- وعلشان تصدق انى انا اللى باعتلها الرسالة الشفوية.. دى خاليها تقولها..بلال بيقولك انتِ وحشتينى أوى وبضمير..</p><p></p><p>أومأ عمرو وقد حفظ رسالة بلال ونظر لفارس الذى احتار ماذا يقول ,ماهى الرسالة التى يرسلها لأهله فقال :</p><p>- وانا كمان روح البيت عندنا وطمنهم كلهم عليا.. وقولهم ان شاء **** اننا هنخرج احنا كمان</p><p>تقدم الشاويش وجذب عمرو من ذراعه بقسوة وهو يصيح به :</p><p>- يالا ياخويا بدل ما خاليك تكمل معاهم هنا</p><p></p><p>خرج عمرو ينظر إلى الطريق غير مصدق أنه مازال على قيد الحياة حتى هذه اللحظة نظر خلفه وكأنه يرى أصدقاء محنته قابعون فى زنزانتهم يودعونه بنظراتهم الدامعة ..أخذ شهيقاً كبيرا ليملأ صدره بالهواء النقى خارج حدود أسوار السجون المظلمة بما فيها من رائحة الرطوبة العفنة وأصوات المعذبين واتجه إلى أول سيارة أجرة قابلته ..لم يسال عن وجهتها كل ما كان يريده هو الأبتعاد .... الابتعاد وفقط ...</p><p></p><p>غادر عمرو سريعاً وهو يتذكر تلك الليلة المظلمة التى دخل عليهم فيها ذلك الشاب متقطعة أنفاسه من كثرة التعذيب ..تفوح منه رائحة شواء جلده من كثرة الكهرباء التى تعرض لها وكل هذا ليس لذنب اقترفه ولا ذنب ألم به سوى أنه قال لظابط أمن دولة كان يقبض على صديقه دون حق فقال له .. أتقى **** .. لم يلبث الفتى الصغير بينهم سوى دقائق ثم نطق بالشهادة بعد أن سالت دموعهم عليه تروى جرحه كما تروى السحب بامطارها حشاش الأرض.</p><p></p><p>******</p><p></p><p>الفصل السابع والعشرون</p><p></p><p></p><p></p><p>عاد إلى شارعهم يطوى الأرض طياً .. يهرول تارة فينهكه التعب فيمشى تارة أخرى ... وقف عند بداية المنعطف ينظر إلى بداية شارعهم , إلى البيوت المتلاصقة والقهوة البعيدة وهو يشعر أنه افتقد دفأهم وحمايتهم ورعايتهم لمن حولهم وهو يتسائل فى نفسه, لماذا لا تكون الدنيا كلها شارعهم بقلوب أهله الطيبة , ما هؤلاء البشر الذى تعامل معهم وكيف ينتمون إلى فئة البشر ...أليسوا أقرب إلى مصاصين الدماء الذين رآهم كثيرا فى الأفلام لا بل مصاصين الدماء لايقتلون بهذه البشاعة التى رآها, أنما هى عضة نتيجة لاحتياجهم للدماء ..أما هؤلاء فهم يشوهون ويقتلون ويعذبون لا لشىء الا للمتعة الا للضحك على صرخات وأنين المُعذبين لا لشىء الا للقتل ..لالشىء الا لكره الكرامة ومن ينادون بها ..أى بلد هذه التى لا نحيا بها كراماً ..</p><p></p><p>قطعت أم فارس قراءتها للقرآن ووضعت المصحف بجوارها وهى تنادى على مُهرة ... خرجت مُهرة مسرعة من المطبخ فقالت لها أم فارس بوهن :</p><p></p><p>- شوفى يا مُهرة فى أيه فى الشارع أيه الزيطة دى</p><p></p><p>تناولت مُهرة أسدال الصلاة وارتدته بسرعة وخرجت إلى الشرفة ..أتسعت عيناها وهى تنظر إلى عمرو وأهل شارعهم مجتمعين حوله مهنئين له فى جلبة شديدة , فرحين به وبعودته سالماً ..بحثت بعينيها سريعاً بين الوجوه وقد خفق قلبها بشدة تبحث بين العيون والوجوه لاشىء ..لم يعد .. أنهمر دمعها رغماً عنها ومسحته بيديها وهى تجيب نداء أم فارس وتقول بصوت متقطع :</p><p></p><p>- عمرو رجع يا ماما</p><p></p><p>انهمرت دموعها مرة أخرى وهى تتمتم :</p><p></p><p>- رجع لوحده</p><p></p><p>هرولت أم فارس إلى الشرفة بلهفة , بحثت هى أيضا عن ولدها بين الناس فلم تجده, خرجت من الشرفة متوجهة إلى باب الشقه مسرعةً .. لحقتها مُهرة وهى تتشبث بذراعها هاتفةً :</p><p></p><p>- أستنى يا ماما هتنزلى كده ازاى ..أنتِ بهدوم البيت</p><p></p><p>نظرت أم فارس لملابسها وهى تضع يدها على شعرها لاتعلم ماذا تفعل وكأنها مسلوبة الأرادة ..لم تنتظر مُهرة كثيرا أندفعت للداخل وأحضرت لها عباءة الخروج و**** .. أرتدتهم بسرعة وهى واقفة على باب الشقة ولسانها يلهج بفزع:</p><p></p><p>- يا حبيبى يابنى.. ياترى انت فين يابنى</p><p></p><p>ألبستها مُهرة حذائها سريعاً والتقطت مفتاح الشقة ونزلا سويا يهرولا إلى حيث عمرو . لم تستطع عزة أن تنتظر كثيرا وهى تراه من النافذة , أندفعت تفتح باب الشقة لمقابلته , لا تعلم كيف كانت تقفز درجات السلم ... كان قد سبقها وصعد السلم بقفزات أسرع وأوسع منها .. وأخيرًا التقيا ... تعانقا .. تعانقا بقوة واندفاع , كل منهما رمى بجسده باتجاه الآخر .. البكاء هو سيد الموقف .. كانت تشهق وهى بين ذراعيه وتضمه بقوة وهى تهتف باسمه بقلبها قبل شفتاها ... أما هو فقد ضمها إلى صدره وأغمض عينيه وهو لا يصدق أنه رآها مرة أخرى ... أسرعت أم عزة تتصل بعبير وتخبرها بالأمر .. صعد بها للأعلى وهى مازالت متعلقةً به ..دخلا شقتها بين والدها ووالدتها التى هتفت:</p><p></p><p>- حمد *** على سلامتك يابنى</p><p></p><p>جلس على الأريكة وهو يلف كتفها بذراعه وتنفس بقوة وهو ينظر إليهم بشوق قائلا:</p><p></p><p>- **** يسلمكم ..</p><p></p><p>كان الباب مفتوحاً ولم هناك مجالاً لطرقه, أندفع والده ووالدته وأخيه محمود نحوه يقبلانه ويعانقانه من بين دموعهما ثم تركوا المجال لأخيه ليعانقه بلهفة وشوق لصدر أخيه الأكبر الذى طالما استمع إليه وأرشده فى طريقه .. دخلت أم فارس بعدهم مباشرة وفى أعاقبها مُهرة .. أطمئنت أم فارس عليه ونظرت له متسائلة وهى تخشى السؤال عن أبنها حتى لا يأتيها خبر مفجع ... ولكن مُهرة لم تنتظر كثيراً فهى على يقين أنه بخير, لو كان حدث له شىء كانت قد شعرت بذلك .. فقالت بلهفة :</p><p></p><p>- فين دكتور فارس ودكتور بلال يا بشمهندس</p><p></p><p>أبتسم عمرو والجميع محيط به وهو يقول :</p><p></p><p>- الحمد *** كويسين أوى وبيطمنوكوا عليهم</p><p></p><p>قالت أم فارس بلهفة بعد أن أطمئن قلبها :</p><p></p><p>- مخرجوش معاك ليه</p><p></p><p>هز رأسه نفياً وهو يقول :</p><p></p><p>- مش عارف.. مقدرتش اعرف حاجة خالص.. بس اطمنوا طالما انا خرجت يبقى هما كمان هيخرجوا قريب ان شاء <strong>** ..بس هما كويسين و**</strong> وباعتين السلام ليكوا كلكوا وبيطمنوكوا</p><p></p><p>قالت أم فارس بجزع :</p><p></p><p>- ازاى يابنى بس.. ده الظابط اللى جه خده قعد يقول بتعمل قنبله فى بيتك</p><p></p><p>طمئنها عمرو قائلا :</p><p></p><p>- صدقينى يا طنط و**** كويسين ومفيش تهمة متوجهه لحد خالص ..وكل اللى عرفناه ان فى حد هو اللى شكنا بلاغ ووصى علينا.. بس مين هو.. ده منعرفوش لحد دلوقتى ..بس متقلقوش.. أنا هفضل ورا الموضوع ده مش هسيبوا غير لما اعرف</p><p></p><p>قال كلمته والتفت إلى زوجته الجالسة بجواره ومستندة برأسها على ذراعه وقال :</p><p></p><p>- أتصلى باختك وطمنيها على جوزها</p><p></p><p>خرجت أم فارس ومُهرة من بيت والد عزة مُطرقتان برأسيهما بحزن وأسى, لا يعلمان ماذا ينتظرهما فى المستقبل .</p><p></p><p>*****************</p><p></p><p>أستندت عبير إلى ظهر سريرها وعينيها تلمع بالدموع, ألتفتت إلى الوسادة الخالية بجانبها وإلى الفراغ الذى طالما كان يحتله جسده بجوارها وارتسمت على جانبى شفتاها ابتسامة حزينة وهى تتذكر الرسالة الشفوية التى أرسلها مع عمرو .. وحشتينى أوى وبضمير ... تناولت وسادته وهى تستلقى على جانبها الأيمن واحتضنتها بقوة وهى ترويها بدموعها هامسة :</p><p></p><p>- وانت كمان وحشتنى أوى يا بلال</p><p></p><p>طرقت والدته باب غرفتها فوضعت الوسادة مكانها ومسحت دموعها واتجهت للباب وفتحته وعيونها المُعذبة تفضح حزنها ..أخذتها والدته من ذراعها وخرجت بها خارج غرفتها إلى الأريكة التى يعتادون الجلوس عليها , أجلستها كالاطفال والتفتت إليها قائلة :</p><p></p><p>- عارفة يا عبير أول مرة خدوا بلال فيها .. كنت هموت من الرعب والخوف عليه وكانت دماغى كل ثانية تودى وتجيب مش عارفة عايش ولا لاء .. لما قعد هناك كام شهر وطلع بعدها .. حسيت أن بلال اتغير أوى ..أتغير للأحسن .. وساعتها قالى كلمة عاجبتنى أوى قالى الدهب لازم يتعرض للنار علشان يبقى نقى .. علشان كده مش عاوزاكى تخافى من المحن دى ... المحن دى اللى بتنقينا وتنضف قلوبنا وتشيل منها أى حاجة غير **** ...</p><p></p><p>أومأت عبير برأسها وهى تنظر لها قائلة :</p><p></p><p>- معاكى حق يا ماما</p><p></p><p>ثم قبلت كفها وقالت:</p><p></p><p>- **** يخاليكى لينا</p><p></p><p>ربتت أم بلال على رأسها بابتسامة حنونة فقالت عبير :</p><p></p><p>- المركز مش هينفع يفضل مقفول كل ده ..أنا هتصل بالممرض اللى كان مسؤل عن المركز واخاليه يرجع تانى وكل الناس اللى جلساتها اتلغت من غير سبب يتصل بيهم يقولهم ان المواعيد كلها اتأجلت علشان بلال مايفقدش المرضى اللى كانوا بيتابعوا معاه واهو يفضل فى المركز يعمل اللى يقدر عليه.. أكيد بلال كان بيعلمه شغله يعنى ممكن يمشى المركز شوية لحد ما بلال يرجع بإذن **** ..المهم المركز مايتقفلش أبدًا</p><p></p><p>***************</p><p></p><p>وقف عمرو أمام حجرة مكتب إلهام وتنفس بقوة ثم طرق الباب .. أتسعت ابتسامتها وهى تنهض من خلف مكتبها مسرعة نحوه بلهفة وقالت وهى تمسك بذراعيه :</p><p></p><p>- حمدلله على سلامتك يا حبيبى</p><p></p><p>أنزل عمرو يدها بهدوء ثم مد يده أمامها بورقة قائلا :</p><p></p><p>- ياريت حضرتك تقبلى استقالتى</p><p></p><p>نظرت إلى الورقة ثم رفعت رأسها إليه ثانية وهى تقول باستنكار :</p><p></p><p>- أستقالتك !! .. ليه يا عمرو ليه كل ما اقرب منك تبعد عنى</p><p></p><p>أتجه نحو مكتبها ووضع الأستقالة عليه بهدوء والتفت لها عاقدا ذراعيه أمام صدره قائلا :</p><p></p><p>- هكلمك بصراحة .. أنا الأول كنت متردد فعلا ..وكنت بقول مفيهاش حاجة طالما مش بعمل حاجة غلط وبينى وبينك كنت معجب بكلامك ليا</p><p></p><p>أبتسم ساخراً وهو يقول :</p><p></p><p>- راجل بقى وفرحان بشبابى وان فى واحدة بتحبنى وعايزانى وبتعمل المستحيل علشان تقربلى</p><p></p><p>تجهم وجهه وهو يردف بصوت خرج من بين جدران السجون قائلا:</p><p></p><p>- لكن اللى شوفته يخلينى أبيع الدنيا دى كلها.. واعرف ان الدنيا دى متسواش حاجة</p><p></p><p>ألتفت إلى مكتبها وهو يستند عليه قائلا:</p><p></p><p>- فى عز الوقت اللى كنت فرحان بيه بنفسى وبوسامتى شوفت شباب صغير قد اخويا محمود بيتعذب ويتجلد ويتكهرب وفى الآخر يموت لمجرد أنه بيحافظ على <strong>** الفجر.. لمجرد انه قال لظابط أتقى **</strong> .</p><p></p><p>ألتفت إليها مرة أخرى وهو يقول :</p><p></p><p>- كل ده وانا كنت عايش مع نفسى ولا اعرف أى حاجة.. عايش علشان اكل واشرب والبس واشتغل وبس .. معرفش الظلم وصل لحد كده ازاى.. معرفش حاجة عن الناس اللى بتموت كل يوم من غير حس ولا خبر ولا كأنهم حيوانات ..</p><p></p><p>هتفت الهام مقاطعة :</p><p></p><p>- عمرو.. أنت شكلك أعصابك تعبانة.. خد أجازة ارتاح شوية</p><p></p><p>هز رأسه نفيا وقال بتصميم :</p><p></p><p>- آسف يا مدام.. أنا مصمم على الأستقالة</p><p></p><p>لمعت عينيها بالدموع وهى تحاول الوصول لنقطة اتفاق قائلة :</p><p></p><p>- طب اسمع بس يا عمرو .. خاليك فى الشركة وانا اوعدك انى مش هتكلم معاك تانى كلام يضايقك.. أو يحسسك أنك بتعمل حاجة غلط</p><p></p><p>نظر لها بترقب وهو يقول :</p><p></p><p>- مقدرش .. مينفعش أحط نفسى فى الفتنة واقول انا جدع وقدها وقدود</p><p></p><p>أبتلعت ريقها وقالت بتماسك :</p><p></p><p>- طب يا عمرو لو فى شغل بعيد عنى تقبله ؟</p><p></p><p>قال بشك :</p><p></p><p>- شغل ايه</p><p></p><p>ابتسمت بتوتر وهى تقول :</p><p></p><p>- شركتنا داخله شراكة مع شركة سياحة ..هنبنى فندق سياحى فى مكان جديد اسمه وادى الريان.. هنبقى أول فندق فى المكان ده ..المشروع ده ضخم ياعمرو وهيطلعلك منه مكافأة حلوة أوى ..ممكن تبدء بيها حياتك العملية وتفتح شركة هندسة صغيرة كده على قدك ... ها قلت أيه؟</p><p></p><p>صمت قليلاً يفكر فى الأمر فقالت :</p><p></p><p>- متقلقش مش هتبعد عن بيتك كتير.. هتنزل أجازة يومين فى الأسبوع ..تلات شهور والمشروع يخلص مش كتير.. يعنى بالنسبة لطبيعة شغلك</p><p></p><p>نظر إليها بتسائل وقال :</p><p></p><p>- واشمعنى أنا اللى عاوزانى اشتغل المشروع ده .. ليه مدتيهوش لنادر ولا حد تانى غيرى</p><p></p><p>عقدت ذراعيها وقالت بخفوت :</p><p></p><p>- مش هينفع اجاوبك علشان وعدتك انى مش هقولك كلام يحسسك انك بتعمل حاجة غلط ..ها فهمت ولا اقول بصراحة ؟</p><p></p><p>صمت قليلاً يفكر ..وجدها فرصة من الممكن يبدء بها حياته بعيدًا عنها وعن فتنتها وستضمن له مستقبل جيد بالحلال وأخيرًا خرج عن صمته قائلا :</p><p></p><p>- موافق ... بس محتاج شوية وقت علشان عاوز اتابع موضوع صحابى اللى حضرتك مهتمتيش بأمرهم</p><p></p><p>ابتسمت وقالت بثقة :</p><p></p><p>- متقلقش هيخرجوا قريب .. اللى خرجوك هيخرجوهم ..هما بس معرفوش يطلعوهم معاك بسرعة علشان واحد فيهم متوصى عليه جامد والتانى اُعتقل قبل كده ..</p><p></p><p>أستدار عمرو بإنفعال قائلا :</p><p></p><p>- معرفتيش مين اللى وصى عليه بالطريقة دى</p><p></p><p>تناولت خصلة من شعرها تلفها حول أصبعها وقالت متعجبة :</p><p></p><p>- الحقيقة عرفت بس مستغربة أوى</p><p></p><p>قالت كلمتها الاخيرة ثم توجهت لمكتبها وجلست خلفه وهى تنظر إليه بتأمل وهو يقول متلهفاً :</p><p></p><p>- مين .. مين اللى عمل كده</p><p></p><p>مطت شفتاها وهى تقول ببطء :</p><p></p><p>- مراته</p><p></p><p>توجه نحوها وأتكأ على المكتب بقبضتيه وهو يقول منفعلاً :</p><p></p><p>- مرات مين</p><p></p><p>رفعت حاجبيها وقالت :</p><p></p><p>- مرات صاحبك المحامى ده</p><p></p><p>أتسعت عينيه وهو يردد بذهول :</p><p></p><p>- دنيا</p><p></p><p>رفعت كتفيها بحيرة وهى تقول :</p><p></p><p>- مش عارفه ..كل اللى عرفته ان مراته هى اللى بلغت عنه وحطت أساميكم معاه</p><p></p><p>هتف صائحاً بغضب :</p><p></p><p>- أنتِ متأكدة من الكلام ده</p><p></p><p>مالت للأمام وقالت بثقة :</p><p></p><p>- طبعا يا عمرو .. المعلومة دى من فوق أوى</p><p></p><p>تركها وخرج مهرولا للخارج والغضب يعتمل فى صدره والغريب أنه لا يدرى لماذا تفعل زوجة بزوجها هذا مهما كانت بينهما خلافات ومشاحنات كيف تستطيع أن تفعل به ذلك ما الداعى إذن.. ما الداعى..؟!!</p><p></p><p>*********</p><p></p><p></p><p></p><p>هبت أم فارس واقفة وهى تهتف به مستنكرة :</p><p></p><p>- بتقول ايه يا عمرو انت اتجننت ولا أيه</p><p></p><p>وضعت مُهرة يدها على فمها فزعاً وهى تحدق به وهو يقول :</p><p></p><p>- زى ما بقولك كده يا خالتى.. اللى جابلى المعلومة هو اللى خرجنى من هناك قبلهم .. دلوقتى بقى انا عاوز اعرف ..أيه اللى يخلى زوجة تبلغ عن جوزها وعن صحابه كمان</p><p></p><p>جلست أم فارس هاوية وهى تقول بشرود :</p><p></p><p>- و**** يابنى ما اعرف ..فارس مكنش بيحكيلى على حاجة خالص تخص حياته معاها</p><p></p><p>تدخلت عزة وهى تقول بحدة وغضب :</p><p></p><p>- علشان كده مكنش باين عليها الزعل ولا الخضة ..الحقيرة ...</p><p></p><p>كتمت مُهرة بكائها وهى تنظر إليهم غير مصدقة ما تسمع, من هذه التى تعاشره وتتعامل معه ثم تسىء عشرتها له بهذا الشكل الفج , حتى وإن ضاع الحب, أين الأنسانية ,أين الضمير , كيف تجرؤ ...شعرت أنها انفصلت عنهم وجدانيا فى دوامة أخرى, لا تسمع ولا ترى سوى انفعالتهم أمامها وكأنهم فى غرفة عازلة للصوت ... ظلت هكذا وأخيرا استطاعت أن تسمع هتاف عمرو وهو يقول :</p><p></p><p>- أنا هعمل المستحيل علشان اطلع تصريح بالزيارة.. لازم اقابله واقوله على كل حاجة</p><p></p><p>لم تشعر بنفسها إلا وهى تهتف برجاء قائلة :</p><p></p><p>- لا لاء حرام عليك .. مش كفاية عليه عذاب السجن كمان يعرف كده وهو مش عارف يتحرك ولا يعمل حاجة ولا قادر يعرف هى عملت كده ليه.. أنت كده هتزود عذابه</p><p></p><p>نظرت لها عزة نظرة متفحصة بينما قالت أم فارس :</p><p></p><p>- صح مُهرة معاها حق .. بس **** يخاليك يا عمرو تحاول تخالينا نزوره ..أحنا مش هنقوله على حاجة بس نزوره ونطمن عليه وحشنى أوى</p><p></p><p>هدأ عمرو قليلاً وجلس بجوار عزة قائلا :</p><p></p><p>- محدش يجيبلها سيرة اننا عرفنا حاجة.. ولو اتصلت كلموها عادى ... وانا هروح للدكتور حمدى وهو ان شاء **** هيقدر يخالينا نشوفهم ونطمن عليهم</p><p></p><p>قالت أم فارس بلوعة :</p><p></p><p>- ماهى قالتلنا انه تعبان وسافر يتعالج</p><p></p><p>نظر عمرو أمامه باشمئزاز وهو يقول :</p><p></p><p>- مش لازم نصدقها فى أى كلمة قالتها ..أنا هدور عليه بنفسى لحد ما الاقيه وبعدين هو يبقى اخو صاحبة الشركة اللى انا شغال فيها يعنى سهل أوصله .</p><p></p><p>***********</p><p></p><p></p><p></p><p>- عاوزه أيه يا نورا.. أنا مش فايقة</p><p></p><p>قالت دنيا عبارتها تلك وهى تستند إلى ظهر مقعدها فى تأفف شديد بينما نظرت لها نورا باستنكار وهى تقول :</p><p></p><p>- أنتِ بتكلمينى كده ليه يا دنيا.. هو انا جاية اشحت منك .. وبعدين متنسيش انى مديرة المكتب يعنى أسلوبك لازم يكون أحسن من كده معايا</p><p></p><p>ضربت دنيا سطح المكتب بعصبية وقالت :</p><p></p><p>- مديرة على نفسك ..أنا يا ماما ابقى مرات فارس ودراعه اليمين هنا فى غيابه.. عارفة كده ولا لاء؟</p><p></p><p>عقد نورا ذراعيها بتحدى قائلة :</p><p></p><p>- الدكتور فارس مدانيش تعليمات بكده ولو حضرتك عاوزه تقعدى فى المكتب ده مكانه يبقى لازم هو اللى يقولى كده فى الأول</p><p></p><p>زفرت دنيا بقوة وقالت بتعالى :</p><p></p><p>- قولتلك مسافر مسافر ..أنتِ مبتفهميش</p><p></p><p>خرجت نورا مباشرة و صفقت الباب خلفها بقوة ودخلت مكتبها ..جلست خلفه بانفعال وهى تضرب بأناملها بسرعة وتوتر وهى تمتم:</p><p></p><p>- أنا مش مستريحة أبدا للموضوع ده ..لازم الدكتور حمدى ياخد خبر</p><p></p><p></p><p></p><p>******</p><p></p><p>بعد خروج نورا مباشرة من حجرة فارس التى احتلتها دنيا, زفرت بضيق وغضب ولملمت أوراقها الخاصة لتنصرف ولكن رنين هاتفها استوقفها وجعلها تنظر إلى الرقم الغير مسجل لديها بتفكير ولكنها قررت أن تجيب المتصل وقالت :</p><p></p><p>- مين</p><p></p><p>أجابها المتصل ببرود :</p><p></p><p>- أنا حسن يا أستاذة دنيا</p><p></p><p>عقدت ما بين حاجبيها وهى تقول :</p><p></p><p>- حسن مين</p><p></p><p>أجابها بنفس البرود :</p><p></p><p>- حسن اللى كنت شغال فى مكتب الدكتور حمدى معاكوا وبعدين روحت اشتغلت مع الأستاذ باسم</p><p></p><p>أومأت برأسها وقد تذكرته وقالت :</p><p></p><p>- خير يا حسن فى حاجة</p><p></p><p>- عاوز سلفية صغيرة منك ..حوإلى نص مليون جنية بس</p><p></p><p>أتسعت عينيها وهتفت ساخرة :</p><p></p><p>- أنت بتكلمنى علشان تهزر معايا ولا أيه</p><p></p><p>- أنا مبهزرش معاكى .. أنا بتكلم جد ودخلت فى الموضوع دوغرى</p><p></p><p>عقد حاجبيها بشدة وقد شعرت بالخوف وقالت :</p><p></p><p>- أتكلم على طول</p><p></p><p>- زى ما قلتلك كده نص مليون</p><p></p><p>قالت بجمود :</p><p></p><p>- مقابل أيه</p><p></p><p>- مقابل اللى سمعته بيحصل بينك وبين الأستاذ باسم يوم ما جيتيله المكتب بالليل لوحدك وخرجتى متبهدلة من عنده .. ومقابل انك اتفقتى معاه انك تودى جوزك فى داهية علشان تقسموا انتوا الاتعاب سوا وتهبروا الملايين لوحدكوا.. ها كدة كفاية ؟</p><p></p><p>أتسعت عيناها وصاحت بغضب وسبته بشدة رافضة ابتزازة لها ثم قالت:</p><p></p><p>- وشوف بقى هيحصلك أيه من باسم لما يعرف انك كنت بتجسس عليه</p><p></p><p>ضحك حسن متهكما وهو يقول :</p><p></p><p>- بمنتهى البساطة لو قولتى لباسم هفضح حكاية التزوير اللى عملتوها فى القضية</p><p></p><p>صاحت متهكمةً :</p><p></p><p>- شوف يا بابا ..أنا مش هجيب سيرة لباسم علشان بس انا مبحبش أذى حد .. لكن تنسى حكاية الفلوس دى خالص واللى انت بتهددنى بيه مرمى فى المعتقل ولو ضايقتنى تانى هتحصله .</p><p></p><p>قالت كلمتها وأغلقت الهاتف بشدة وعنف , نظر حسن إلى الهاتف وقال بغضب :</p><p></p><p>- ماشى يا أستاذة .. لما نشوف</p><p></p><p>***********</p><p></p><p>ضحك باسم ضحكات رنانة فى ذلك المكان العام المُطل على كورنيش النيل ثم قال :</p><p></p><p>- بقى فى حد فى الدنيا يقعد يتكلم فى قضية على البحر كده .. معقول لسه بتخافى مني ده انتِ قلبك اسود أوى يا شيخة</p><p></p><p>مالت للأمام وقالت بإنفعال :</p><p></p><p>- وطى صوتك شوية .. الناس بتبص علينا</p><p></p><p>هدأت ضحكاته أخيراً وتحولت ملامحه للجدية مباشرة ثم قال :</p><p></p><p>- خلاص خالينا فى المهم ... الجلسة اللى فاتت كانت جلسة أجراءات شكلية بس .. زى ما انتِ شوفتى كده مجرد تسجيل أوراق وحضور المتهم وكلام من ده .. الجلسة بتاعة بكره هى اللى لازم تبدعى فيها .. لازم تترافعى وانتِ واثقة من نفسك وعارفة بتقولى أيه</p><p></p><p>أومأت برأسها بأنصياع وهى تقول :</p><p></p><p>- هاخد المذكرة اللى كتبتهالى دى احفظها صم من النهاردة لبكره</p><p></p><p>أخذ رشفة من القهوة التى وضعت أمامه وقال :</p><p></p><p>- برافوا عليكى ..عاوزك تصميها صم</p><p></p><p>*****</p><p></p><p>نهض الدكتور حمدى من مقعده وهو يتناول مفاتيح سيارته ويقول لـ عمرو مسرعاً :</p><p></p><p>- تعالى معايا يا بشمهندس</p><p></p><p>توجها إلى المكتب مباشرة بعد أن علم من عمرو ماذا حدث لفارس وماذا فعلت دنيا والبلاغ الذى قدمته ضده وأكدت له أخته إلهام ماحدث وما عرفته من معلومات .. تفاجأ جميع المحامين بدخول الدكتور حمدى بصحبة عمرو ..أبتسم البعض وغضب الآخر وهم ينظرون إليه وهو متجه لمكتبه فى عجلة من أمره ..فتحه بقوة متوقعا وجودها ولكنه لم يجدها .. حضرت نورا فورا ونقلت بصرها بينهما بقلق بينما قال الدكتور حمدى بغضب :</p><p></p><p>- ليه يا نورا مكلمتنيش لما فارس اختفى فجأة كده</p><p></p><p>حدقت به بقلق وهى تقول :</p><p></p><p>- أختفى ازاى يا دكتور ..دى مراته قالتلى انه مسافر</p><p></p><p>قال عمرو بحنق :</p><p></p><p>- مسافر !.. اه يا بنت ال .. ولا بلاش ابوها كان راجل غلبان</p><p></p><p>هز الدكتور حمدى رأسه بقوة غير مصدق ما حدث فى غيابه وقال لها :</p><p></p><p>- لا يا نورا فارس مش مسافر ..فارس فى المعتقل ومراته هى اللى بلغت عنه وقدمت شكوى بالكذب ضده</p><p></p><p>عقد حاجبيه بغضب ثم قال لها محذرا:</p><p></p><p>- البت دى لو دخلت المكتب تانى تطردوها فورا فاهمانى ولا لاء</p><p></p><p>أومأت برأسها موافقة وقد لمعت الدموع فى عينيها وقالت :</p><p></p><p>- طب ليه تعمل فى جوزها كده</p><p></p><p>نظر عمرو للدكتور حمدى وقال :</p><p></p><p>- طب وموضوع فارس والدكتور بلال هنعمل فيه أيه</p><p></p><p>شبك الدكتور حمدى يديه وهو يستند إلى المكتب قائلا :</p><p></p><p>- الأول نعمل تصريح لوالدته تطمن عليه وتشوفه وبعدين نشوف هنعمل ايه علشان نطلعه منها هو وصاحبه</p><p></p><p>*****</p><p></p><p></p><p></p><p>بكت مُهرة بقوة وانسابت الدموع فى عينيها وهى بين ذراعى أم فارس التى قالت:</p><p></p><p>- خلاص بقى هدى نفسك شوية ..و**** يا بنتى كان على عينى.. كان نفسى تيجى معايا بس عمرو بيقول مينفعش غير للقرايب بس</p><p></p><p>أنسابت دموعها أكثر وهى تقول :</p><p></p><p>- كان نفسى اشوفه حتى من بعيد من غير ما اكلمه</p><p></p><p>مسحت أم فارس على رأسها وتمسح دمعها بيدها وتقول :</p><p></p><p>- أنا هقوله انك بتسلمى عليه وانك كنتِ عاوزه تيجى</p><p></p><p>هتف عمرو فى عجلة منه :</p><p></p><p>- يالا بقى يا جماعة لازم نتحرك دلوقتى الدكتور حمدى مستنينا بالعربية تحت</p><p></p><p>تشبثت مُهرة بها وهى تقول برجاء :</p><p></p><p>- طب مش هدخل هستنى بره</p><p></p><p>نظرت لها أم فارس بإشفاق وقالت لعمرو :</p><p></p><p>- مينفعش يا عمرو يابنى تيجى معانا وتستنى بره</p><p></p><p>مطت عمرو شفتيه وهو يقول :</p><p></p><p>- ماهو انا كمان هستنى بره ..طيب يالا تعالى معانا ..قولتى لوالدتك</p><p></p><p>أومأت برأسها وهى تقول :</p><p></p><p>- ايوا قلتلها</p><p></p><p>ثم اندفعت للداخل وهى تقول :</p><p></p><p>- ثوانى هجيب حاجة واطلع على طول</p><p></p><p>دخلت مُهرة غرفته و فتحت مكتبه وأحضرت أحد الصور لهما معاً وهى **** صغيرة وأخذت قلما وضعتهما فى حقيبتها وخرجت على الفور هاتفه :</p><p></p><p>- أنا جاهزة يالا بينا</p><p></p><p>نزلت خلفهم تهبط الدرج بسرعة ...أتصطدم عمرو بعلاء الذى كان صاعدا إليها .. وقال :</p><p></p><p>- معلش يا كابتن مخدتش بالى أصلى مستعجل</p><p></p><p>نظر له علاء بريبة وقال :</p><p></p><p>- هو مش أنت كان مقبوض عليك برضة.. طلعت أمتى</p><p></p><p>تغيرت ملامح عمرو وقال بلهجة عدوانية :</p><p></p><p>- متكلم كويس يا أخى .. قول حتى حمدلله على السلامة</p><p></p><p>نظر له علاء نظرة متعالية ثم نظر لمُهرة قائلا :</p><p></p><p>- خارجة كده على فين</p><p></p><p>نظر له عمرو بغضب ثم نظر إلى مُهرة قائلا :</p><p></p><p>- خلاص يا مُهرة خاليكى انتِ</p><p></p><p>هتفت مُهرة وهى تستوقف أم فارس وتمسك بذراعها قائلة :</p><p></p><p>- لاء .. أنا جاية معاكوا</p><p></p><p>أشار لها علاء بالصعود قائلا :</p><p></p><p>- تروحى معاهم فين ..أتفضلى على فوق</p><p></p><p>تدخلت أم فارس قائلة له برجاء :</p><p></p><p>- معلش يابنى علشان خاطرى سيبها تيجى معانا دلوقتى وابقوا أتكلموا بعدين ..</p><p></p><p>هبطت مُهرة درجة من السلم فتقدم نحوها يحذرها قائلا:</p><p></p><p>- بتكسرى كلامى يا مُهرة ..أنا اقولك اطلعى وانتِ تنزلى معاهم عادى كده</p><p></p><p>نظرت له بتحدى فنظر لها نظرة نارية وقال :</p><p></p><p>- لو كسرتى كلامى ونزلتى معاهم وسبتينى هطلقك ومش هسأل فيكى تانى فاهمانى</p><p></p><p>تدخلت أم فارس وقالت لها :</p><p></p><p>- خلاص يابنتى اطلعى مفيش داعى للمشاكل</p><p></p><p>هزت مُهرة رأسها بعنف ونظرت له بتحدى أكبر وهبطت درجات السلم بثقة وهى تقول لأم فارس :</p><p></p><p>- يالا بينا يا ماما هنتأخر</p><p></p><p>مرت بجواره وهو مصدوم من رد فعلها, كان متوقع أن تهديده سيأتى ثماره معها وسترجع معه رغماً عنها , شعر بالغضب الشديد واستدار إليها وهى تهبط درجات السلم أمام نظرات عمرو وأم فارس المصدومة فناداها بغضب شديد ..ألتفتت إليه ببرود فقال بجمود :</p><p></p><p>- أنتِ طـالـق</p><p></p><p>أبتسمت وكأنها لم تسمع شيئاً نظرت لعمرو وأم فارس قائلة :</p><p></p><p>- يالا يا جماعة هنتأخر</p><p></p><p>تحركت السيارة نحو سجن طرة ... جلست مُهرة فى السيارة فى الخلف بجوار أم فارس وأم بلال بينما كان عمرو فى المقدمة بجوار الدكتور حمدى الذى كان يجلس خلف عجلة القيادة وهو عاقد جبينه فى تركيز محاولاً التفكير فى مخرج ما لتلميذه النجيب الذى طالما اعتبر نفسه أباه وأستاذه وموجهه .</p><p></p><p>ساد الصمت على الجميع داخل السيارة .. حتى قال الدكتور حمدى :</p><p></p><p>- خلاص يا جماعة كلها ربع ساعة ونوصل</p><p></p><p>قال كلمته ونظر لعمرو الذى كان ينظر إلى الطريق قلقا , لا يعرف لماذا راوده هذا الشعور, كلما اقتربت المسافة كلما اضطربت نبضات قلبه وكأنه يقترب من الموت , كلما اقتربت المسافة كلما رأى وسمع ما حدث داخل السجون ورآه بعينيه وسمعه بأذنه ونجاه **** تعإلى منه بقدرته ... بينما فى الخلف أخرجت مُهرة الصورة الصغيرة من حقيبتها وقلبتها على الوجه الآخر الأبيض وأخرجت قلمها وهى تنظر إلى أم بلال وأم فارس وهما منهمكتان فى الحديث ... أخذت نفساً عميقاً وكتبت بخط صغير منمق يعرفه جيداً:</p><p></p><p>- الحب الحقيقى هو الذى يرسم لك طريقاً تتلمس فيه ..أجمل الذكريات ..أفضل العطاء .. حُسن الأخذ .. سكن البُعد ...مودة القرب ... فإن لم تجد فيه غير الشقاء فاعلم أنه ألم متنكر .. أنزع عنه قناع الحب واتركه وارحل ...بلا أسف ...</p><p></p><p>أمضاء</p><p></p><p>الفارس الصغير</p><p></p><p></p><p></p><p></p><p></p><p>*********</p><p></p><p></p><p>الفصل الثامن والعشرون</p><p></p><p></p><p></p><p>عانق كل منهما والدته فى لهفة وشوق كبيرين وقبلا رأسيهما وأيديهما بدموع العيون ..كانت كل منهما تنظر إلى ولدها غير مصدقة أن <strong>** سبحانه وتعالى قد مد فى عمرها حتى رأت ولدها حى يرزق من جديد .. كان العناق بالقلب والعيون أكبر شوقاً من عناق الأجساد .. جلسوا بجوار بعضهما البعض غير مصدقين هذه اللحظة التى جاءتهم منحة من **</strong> عزوجل فى عز أزمتهم المظلمة بين جدران السجون ... صافح الدكتور حمدى ، بلال ، وهو ينظر إليه بإعجاب شديد بينما ربت على كتف فارس مشجعاً وهو يقول بتاثر :</p><p></p><p>- أنا عارف انك راجل يا فارس وهتتحمل الأزمة اللى بتمر بيها وهتخرج ان شاء **** انت وصاحبك قريب أوى</p><p></p><p>أومأ فارس برأسه ممتناً وهو يقول :</p><p></p><p>- متشكر أوى يا دكتور على اللى عملته معانا</p><p></p><p>ربت حمدى على يديه وهو يشد عليها قائلا:</p><p></p><p>- هو انا لسه عملت حاجة يا راجل ...أجل الكلام ده لما تطلعوا ان شاء **** من هنا</p><p></p><p>مال بلال على والدته قائلاً :</p><p></p><p>- عبير والولاد عاملين أيه يا ماما ... كويسين ؟</p><p></p><p>عانقت يدها يده وهى تقول بإشفاق :</p><p></p><p>- كويسين يابنى وزى الفل متقلقش عليهم أبداً .. وبيسلموا عليك أوى.. وعبير بتقولك رسالتك وصلتها وانت كمان وحشتها أوى ومستنياك على نار</p><p></p><p>شرد قليلاً وهو ينظر أمامه بوجوم قائلاً :</p><p></p><p>- وحشونى أوى</p><p></p><p>ثم أعاد النظر إليها قائلاً :</p><p></p><p>- كلكوا وحشتونى أوى يا أمى</p><p></p><p>لمعت الدموع فى عينيها وهى تقول :</p><p></p><p>- عبير كانت عاوزه تيجى معانا بس انا مرضتش أجيبها معايا علشان عارفة رأيك فى الحكاية دى كويس</p><p></p><p>قبل يدها وقال بحنان:</p><p></p><p>- كويس يا أمى انك عملتى كده.. أنا محبش مراتى وولادى يجوا مكان زى ده ولا حد من اللى هنا عينه تقع عليها</p><p></p><p>نظر الدكتور حمدى لفارس وقال باهتمام:</p><p></p><p>- فى حد حقق معاكوا يا فارس</p><p></p><p>هز فارس رأسه نفياً وهو يقول :</p><p></p><p>- لا يا دكتور مشوفتش أى محقق خالص من ساعة ما روحت أمن الدولة لحد دلوقتى ..</p><p></p><p>ثم مال عليه قليلاً وقال :</p><p></p><p>- مفيش غير واحد صاحبى **** بعته لينا هناك وهو اللى جابنا هنا</p><p></p><p>نقل الدكتور حمدى بصره بين فارس ووالدته وقال موجهاً حديثه لفارس :</p><p></p><p>- هو انت فى عداوة بينك وبين حد معين يا فارس</p><p></p><p>أعتدل فارس وهو يفكر بتركيز شديد ثم قال :</p><p></p><p>- أنت عارف شغلنا يا دكتور ممكن يبقالك أعداء مش راضين عن طريقة شغلك لكن حتى لو فى عداوة معتقدش حد يفكر يبهدلنا بالشكل ده</p><p></p><p>نظر الدكتور حمدى لوالدته نظرة ذات معنى ثم قال :</p><p></p><p>- غريبة</p><p></p><p>حاولت أم فارس تغير مجرى الحديث قائلة :</p><p></p><p>- على فكرة.. عمرو ومُهرة بره وبيسلموا عليكوا أوى</p><p></p><p>نظر بلال إلى أم فارس قائلاً :</p><p></p><p>- أيه ده بجد وعمرو جاله قلب يرجع هنا تانى</p><p></p><p>نظر له فارس وابتسما سويا فى وقت واحد ولكن فارس تغيرت ملامحه وانتبه فجأة وهو يلتفت لوالدته متفاجأً وقال :</p><p></p><p>- وأيه اللى جاب مُهرة هنا يا ماما .. إزاى تجيبيها معاكى يا ماما بس</p><p></p><p>تابع بلال الحديث باهتمام عندما قالت أم فارس :</p><p></p><p>- و**** يابنى أنا وعمرو غلبنا فيها واتحايلنا عليها كتير تستنى فى البيت .. بس هى اللى كانت مصممة تيجى تشوفك وتطمن عليك.. حتى لما عرفت أنها مش هينفع تدخل علشان مش من قرايبك برضة صممت تيجى وقالت هستناكوا بره ..</p><p></p><p>ثم نظرت إليه نظرة ذات معنى وهى تقول :</p><p></p><p>- حتى علاء معرفش يمنعها</p><p></p><p>ألتفت بلال إلى فارس الذى ظهر الضيق على وجهه وهو يقول :</p><p></p><p>- مكنش ينفع تيجى يا ماما ..كان لازم انتِ اللى تمنعيها مش الواد اللى اسمه بتاع ده</p><p></p><p>أبتسمت والدته وهى تقول قاصدة :</p><p></p><p>- اذا كانت مخافتش من تهديده بالطلاق وصممت تيجى معانا حتى لما طلقها ولا همها حاجة ونزلت وسابته واقف يرن</p><p></p><p>عقد فارس ما بين حاجبيه وهو ينظر فى عينيها التى كانت تحمل معانى كثييرة وقال ببطء :</p><p></p><p>- طلقها .... ؟!!</p><p></p><p>نظرت إلى عينيه وهى تقول :</p><p></p><p>- ايوا طلقها</p><p></p><p>ثم قالت مؤكدة :</p><p></p><p>- كل ده علشان تجيلك</p><p></p><p>ألقى بلال نظرة سريعة على فارس ثم أعاد رأسه إلى والدته وأكمل حديثه الخاص معها تاركاً فارس فى حيرته ...أمسكت والدته يده بشكل تلقائى حتى لا يلاحظ أحد ووضعت الصورة المطوية فى راحت يده ثم همست له وهو ينظر ليده بدهشة :</p><p></p><p>- وباعتالك الصورة دى</p><p></p><p>قبض فارس على الصورة المطوية داخل قبضته ثم تابع حديثه مع الدكتور حمدى بشكل طبيعى ولكن عقله كان يعمل فى أتجاه آخر ...</p><p></p><p></p><p></p><p>********</p><p></p><p>أنتهت الزيارة وتفرق الأحرار, فمنهم من خرج لعالمه ومنهم من عاد لجدران سجنه الكئيبة ... جلس فارس على فراشه وأخرج الصورة من راحته وفتح طياتها بهدوء ...نظر إلى الصورة وابتسم ..كانت ملامحهما المشاكسة فى الصورة كفيلة بجلاء صدره من أى هم وحزن يعتمل به... **** وصبى يتشاكسان بطريقتهما الخاصة ... أتسعت ابتسامته وهو يتأمل فى الصورة ..جلس بلال بجواره وهو ينظر لابتسامته الواسعة التى احتلت شفتيه ثم مال عليه وقال بخفوت :</p><p></p><p>- مش هتقرى الرسالة اللى ورا الصورة دى</p><p></p><p>قلب فارس الصورة على الجانب الأبيض منها ومرر عينيه بين سطور كلماتها وهو يتمتم هامساً بما خطت يدها الصغير ...قرأها مرة ثانية وثالثة فى صمت ما إن تصل عينيه إلى آخر كلمة فيها حتى تعود إلى أولها من جديد محاولاً فهم ما بين سطورها بصعوبة شديدة</p><p></p><p>وضع بلال يده على ذراع فارس وهو يقول بخفوت :</p><p></p><p>- ها يا فارس</p><p></p><p>رفع رأسه إليه وقال بعينين حائرتين :</p><p></p><p>- نعم !</p><p></p><p>أقترب بلال منه أكثر وقال هامساً:</p><p></p><p>- أنت قولتلى من كام يوم انك هتنفصل عن مراتك بس مقولتش أيه السبب ساعتها</p><p></p><p>حاول فارس استجماع شتات نفسه الحائرة وهو يقول:</p><p></p><p>- مشاكل يا بلال ... مشاكل مالهاش دوا .. ومش هينفع يبقى ليها حل غير الانفصال وعموما أحنا متفقين على كده من زمان وهى موافقة ومرحبة كمان .. الموضوع منتهى خلاص</p><p></p><p>نظر بلال إلى عينيه بعمق وقال بجدية :</p><p></p><p>- مُهرة ليها علاقة بالمشاكل دى ؟</p><p></p><p>رفع فارس حاجبيه متعجباً من سؤاله وهو يقول :</p><p></p><p>- وأيه علاقة مُهرة بالموضوع ده</p><p></p><p>حرك بلال رأسه بلامبالاة وهو يقول :</p><p></p><p>- يعنى ممكن تكون مراتك أصلاً مضايقة من اهتمامك بمُهرة واهتمام مُهرة بيك</p><p></p><p>تبسم فارس ساخراً ثم قال :</p><p></p><p>- لالا الموضوع مش كده خالص الحكاية أكبر من كده بكتير</p><p></p><p>ثم نفض رأسه وهو يقول بثقة :</p><p></p><p>- وبعدين يعنى اهتمامى بمُهرة شىء عادى.. ده انا اللى مربيها وهى بتعتبرنى مثلها الأعلى فى الحياة</p><p></p><p>نظر إلى التوقيع وأشار إليه بأصبعه وهو يقول له :</p><p></p><p>- شايف موقعة أيه تحت ... الفارس الصغير</p><p></p><p>أبتسم بشرود وهو يقول بإعجاب :</p><p></p><p>- طول عمرها بتحب تقلدنى من وهى عندها سنتين</p><p></p><p>وأردف ضاحكاً وهو يكمل حديثه بشجن :</p><p></p><p>- عارف يا بلال لما بقى عندها تلات سنين كانت بتشد التيشرت بتاعى من دولابى وتقعد تلبس فيه ساعة لحد ما تنجح تلبسه فى الآخر.. ويبقى طويل عليها وتقعد تتكعبل بيه وهى ماشية ..</p><p></p><p>وتبسم ضاحكاً وهو يقول :</p><p></p><p>- أصلها طول عمرها أوزعة ... وبرضة مكنتش بتحرم أبدا.. ترجع تاني تلبس قمصانى وهدومى</p><p></p><p>أبتسم بلال رغماً عنه بتأثر وهو يخفى ضحكاته الخافتة ويستمع إلى نبع ذكرياته المتدفق قائلا:</p><p></p><p>- مفيش يوم كنت برجع فيه من بره إلا والاقيها واقفالى على السلم مستنية العسلية والحلويات بتاعتى</p><p></p><p>ألتفت إلى بلال وهو يقول مؤكداً:</p><p></p><p>- ولعلمك هى رغم حبها للحلويات والعسلية لكن عمرها مااخدتها من حد غيرى أبداً</p><p></p><p>ثم شرد مرة أخرى ناظراً للفراغ وقال :</p><p></p><p>- هى كده على طول فى كل حاجة .. مبتسمعش كلام حد غيرى مبتستناش هدايا غير مني عمرها ما فرحت بهدية قد ما تكون هدية انا اللى جايبهالها علشان كده لما كانت تعبانة بعد ما اتجوزت دنيا كل اللى فكرت فيه ساعتها انى أجيبلها هدية علشان افرحها بيها ... ساعتها مجاش فى بالى خالص انى مينفعش أجيبلها هدية دلوقتى كل اللى كان فى بالى انى أدخل السعادة على قلبها وبس .</p><p></p><p>ظهر الضيق على ملامحة فجأة ويتابع حانقاً :</p><p></p><p>- المرة الوحيدة اللى مخدتش رأيى فيها فحاجة تخصها ..هى المرة اللى وافقت فيها على الواد اللى اسمه علاء ده .. ومش عارف ليه عملت كده .. يمكن اتكسفت ..مش عارف</p><p></p><p>حرك بلال رأسه بتعجب شديد ومال للأمام وهو يضع يده على الصورة بين يدى فارس قائلاً:</p><p></p><p>- أنا مش عارف ازاى راجل ناضج زيك عنده 28 سنة ومش قادر يحكم على مشاعره ويفهمها صح ..</p><p></p><p>ونظر إلى عينيه بثقة وأردف قائلاً :</p><p></p><p>- شوف يا فارس انا واخد بالى من الحكاية دى من ساعة ما مُهرة تعبت يوم جوازك وانت مكنتش عاوزنى أدخل اشوفها.. ومن ساعة ما كانت واقف قدام قاعة المناسبات وعروستك قاعدة فى العربية مستنياك وانت مش عاوز تسافر وتسيبها تعبانة لوحدها .. وحكاية ضربك لعلاء على السلم مكنش علشان شوفته بيتعامل معاها وحش وبس لاء ..</p><p></p><p>قال كلمته الأخيرة ونظر بعمق داخل عينيه وهو يقول :</p><p></p><p>- أنت كنت غيران منه .. ومستنى أى فرصة علشان تعمل فيه كده وتفش غلك فيه .</p><p></p><p>أتسعت عينيى فارس وهو يستمع إلى بلال الذى تابع قائلاً :</p><p></p><p>- أنا من وقت ده ما حصل وانا كنت بفكر اقولك بس كنت متردد انى افتح معاك الموضوع ده .. أولا لأنى مكنتش اعرف حكاية الطلاق اللى انت ومراتك كنتوا متفقين عليها دى وخصوصا كمان انها مجاتش النهاردة مع والدتك وانت مسألتش عليها .. ثانياً أنها كانت وقتها متجوزة هى كمان ومكنش ينفع بأى حال من الأحوال نجيب سيرة واحدة متجوزة فى كلام زى ده ... رغم أنى كنت متأكد من مشاعرها ناحيتك .</p><p></p><p>هتف فارس قائلاً بحيرة ممزوجة بلهفة واضحة :</p><p></p><p>- يعنى أيه عرفت مشاعرها ناحيتى</p><p></p><p>أبتسم بلال وهو يرفع حاجبيه قائلاً :</p><p></p><p>- هقولك يا سيدى .. يوم فرحك لما كانت تعبانة وسخنة وانا دخلت أشوفها هى حمى ولا سخونية عادية ..كانت بتهلوس باسمك وبتقول متسبنيش يا فارس.. بس صوتها مكنش باين وامها من كتر العياط اللى كانت بتعيطة مكنتش واخدة بالها.. لكن اللى انا متأكد منه أن والدتك خدت بالها هى كمان زيى بالظبط .</p><p></p><p>أخذ بلال نفساً عميقاً يملأ به رأتيه وقد شعر أنه بلغ جهداً مضنياً وهو يحاول أن ينتقى كلماته وفى نفس الوقت يقرأ ملامح فارس وردود فعله السريعة الواضحة التى كانت تظهر عليه على أثر كلماته ثم زفر ببطء وقال :</p><p></p><p>- وأظن بقى بعد كل اللى حصل ده وبعد ما هى اطلقت وانت كمان هتسيب مراتك زى ما قولتلى يبقى مينفعش بعد كده غير الحلال .</p><p></p><p>شد على يده وهو يقول بجدية :</p><p></p><p>- عجل بالحلال يا فارس أول ما تخرج من هنا إن شاء **** ...أنا لولا انى عارفك وعارف أخلاقك مكنتش قلتلك كل ده وكنت خفت عليك من تصرفاتك ومشاعرك معاها.. لكن انا علشان عارفك كويس وعارف انت هتعمل أيه لما اصارحك بمشاعرك دى ..قولتلك ونبهتك وعارف انك هتاخد الخطوة الصح</p><p></p><p>نظر فارس لبلال بدهشة وهو يتابعه بعينيه وبلال ينهض واقفاً ويقول مداعباً :</p><p></p><p>- أصلاً انتوا بصراحة حالتكوا صعبة أوى مينفعش فيها غير الحلال</p><p></p><p>تركه بلال واتجه إلى فراشه وفارس مازال يتبعه بعينيه فى حالة ذهول شديدة , يقاومة عقله بشدة وهو يتردد داخله كلمات بلال ..</p><p></p><p>خفض رأسه إلى الصورة مجدداً ومرر عينيه على حروفها ثانيةً لتتسلل إلى عقله وتفتح أبوابه المغلقة ليهرع قلبه إلى أجراس عقله يدقها فى صخب عنيف منادياً مستصرخاً ثائراً قائلاً:</p><p></p><p>أيا عقلى فصدقه حبيساً بين قضبانى ... أنا المسجون لو تعلم وأنت الآن سجانى</p><p></p><p>ضممتُ حبيبتى دوماً سنيناً بين جدرانى .. فكيف الآن تأمرنى بكبح جماح وجدانى</p><p></p><p>فدعنى أنطلق شوقاً إلى سكنى وعنوانى ... ودعنى أرتوى عطشاً وأسكن نهر بستانى</p><p></p><p>فلا تعجب على قلبٍ كنتُ أظنه ينسانى ... فرسم اليوم لى نبضاً فأصبح كل ألحانى</p><p></p><p>و خط اليوم لى شعراً فأطربنى وأشجانى ...وأرسل لى بصورته فأيقظنى وأحيانى</p><p></p><p></p><p></p><p>************</p><p></p><p>صُفعت صفعة قويةً أردتها إلى صدر أمها وهى تبكى بشدة ووالدها يصرخ بها مهدداً :</p><p></p><p>- أطلقتى يا مُهرة ..أتطلقتى .. وعلشان أيه ..علشان عاوزة تمشى كلامك على جوزك علشان دماغك ناشفة وعاوزة تتكسر ستين حتة ..أنا بقى هكسرلك دماغك دى وهرجعك لعلاء غصب عنك</p><p></p><p>هتفت أمها باكيةُ وهى ترجوه قائلةً :</p><p></p><p>- مش كده يا ابو يحيى حرام عليك البت هتموت فى أيدك</p><p></p><p>صرخت مُهرة وهى تشهق بقوة وتلتقط أنفاسها بصعوبة:</p><p></p><p>- مش هرجعله حتى لو قطعتنى مش هرجعله حرام عليك يا بابا أنا بكرهه بكرهه حرام عليك</p><p></p><p>جذبها من شعرها إليه بقوة جعلتها تصرخ بشدة من الالم ونظر إلى عينيها بتحدى هاتفاً بغضب :</p><p></p><p>- ماهو يا ترجعيله يا هحسبك هنا فى البيت ..مفيش محاضرات .. مفيش جامعة ولا دراسة تانى من أساسه .. وأبقى شوفى بقى دماغك الناشفة دى هتوديكى لفين ..</p><p></p><p>لم يكتفى بألقاء توعده لها فقط وأنما ألقاها هى الأخرى بعنف وقوة جعلتها ترتطم بالجدار لتسقط مغشياً عليها فى الحال .</p><p></p><p></p><p></p><p>*******</p><p></p><p>كانت الساعة الثامنة صباحاً وبدت قاعة محكمة الجنايات خاوية إلا من بعض المنتظرين لقضاياهم التى سوف تُنظر اليوم .. وكان من بين هؤلاء محامى المجنى عليها الذى جلس فى الصف الأمامى وقد شرد بعقله قليلاً وهو يتذكر اليوم الذى دخل فيه على سكرتير المحكمة وأطلع على أوراق القضية وقام بتصويرها وقد اكتشف أن محضر الشرطة تم تزويرة ومن بينهم أقوال الشهود حول الحادثة وقد تأكد لديه دون شك أنه تم تزويرة عمداً ولكنه تأكد أيضاً أن لكل مجرم لابد أن يترك خلفه أثراً ما يدل على جرمه وابتسم ابتسامة أنتصار وقد وقعت عينيه على مقدمة محضر تحقيقات النيابة والذى كانت هناك فيه جملة تشير إلى الأقوال الحقيقية للشهود ولكن المزور لم يلتفت إليها .</p><p></p><p>أستفاق من شروده على صوت والد المتهم وهو يحادث دنيا بنبرة قلقة مضطربة وهو يقول لها :</p><p></p><p>- أومال فين الأستاذ فارس يا أستاذة مش قلتى انه هو اللى هيحضر ويترافع</p><p></p><p>قالت دنيا بفتور وهى تجلس أمامه وبجوارها وائل وتقول :</p><p></p><p>- الأستاذ فارس تعب جدا أمبارح بالليل ومكنش ينفع خالص أنه ينزل النهاردة وبعدين مالك حضرتك خايف كده ليه هو أنا هترافع من دماغى هو اللى كاتب المذكرة وانا هقول اللى فيها وخلاص يعنى مش هجيب حاجة من عندى متخافش ...</p><p></p><p>بدأت وقائع الجلسة وسمحت المحكمة لمحامية المتهم بالحديث وبدأت دنيا فى سرد ما حفظته عن ظهر قلب من المذكرة التى أعطاها أياها باسم حتى وصلت إلى نقطة أقوال الشهود وأكدت على أن اقوال الشهود أثبتت خطأ المجنى عليها وأنها هى المتسببة فى الحادث وعندما انتهت من مرافعتها سمحت المحكمة بدفاع محامى المجنى عليها والذى قال بأن أوراق المحضر قد تم تزويرها وإخفاء أقوال شهود الإثبات , وأنه قد حدث تزوير متعمد فى أقوال الشهود .. ثم قدم الدليل الدامغ على صدقه بأن فجر قنبلته فوق رأس دنيا مباشرة حينما ذكر للمحكمة بأنه قد ورد في مقدمة محضر تحقيقات النيابة إشارة إلى أقوال الشهود الحقيقية والمخالفة لأقوالهم فى المحضر المزور وأثبت بمرافعته التناقض بينهما واتهمهم بالتزوير فى أوراق رسمية.</p><p></p><p>وتم تأجيل القضية أسبوعين لإستدعاء الضابط والشهود , وقعت المفاجأة مدوية على دنيا وزلزلت أركان خطتها كاملة وتبادلت النظرات الحائرة مع وائل وخرجت مهرولة من القاعة وهى تجرى إتصالا هاتفياً بباسم تستنجد به مما حدث .. أجابها باسم ببرود :</p><p></p><p>- ومالك قلقانة كده ليه مفيش مشكلة ...أنا هجيبلك أرار الظابط ده هو والشهود وهبعت وائل يتفاوض معاهم زى ما حصل قبل كده .</p><p></p><p>هتفت به وهى تتلفت حولها قلقاً :</p><p></p><p>- ونفرض بقى الظابط ولا حد من الشهود مرديش يغير كلامه ... أنت شكلك كده حاطط إيدك فى المية الباردة علشان اسمك بعيد عن كل حاجة</p><p></p><p>قال بثقة :</p><p></p><p>- اللى ميرضاش بالذوق هيرضى بالعافية ..أنتِ باين عليكى لسه متعرفنيش كويس .. بكره هبعتلهم وائل يخلص معاهم هما التلاتة علشان نعرف مين معانا ومين ضدنا ونتصرف على الأساس ده</p><p></p><p>شعرت بالتوتر الشديد والخوف وهى تقول بإضطراب :</p><p></p><p>- يعنى أيه اللى ميرضاش بالذوق يرضا بالعافية دى فهمهالى</p><p></p><p>صمت قليلا ثم قال بجمود أرعبها :</p><p></p><p>- هو بالظبط اللى أنتِ فهمتيه ده مالهاش معنى تانى .. يا أما يحضروا ويقولوا اللى أحنا عايزينه يا اما تتقدم شهادات وفاتهم للقاضى .</p><p></p><p>**********</p><p></p><p>وضعت عزة رأسها على صدر زوجها وقالت بحزن :</p><p></p><p>- يا عمرو أنا مصدقت انك رجتعلى بالسلامة.. تقوم تسيبنى وتسافر تانى</p><p></p><p>مسح على شعرها بحب وقال :</p><p></p><p>- مش سفر زى ما انتِ فاكرة يا حبيبتى.. ده انا هاجى يومين فى الأسبوع وبعدين كلها كام شهر والفندق يخلص ونطلع بمبلغ كويس نبدأ بيه حياتنا</p><p></p><p>رفعت رأسها من على صدره ونظرت إليه وقالت بغيرة واضحة :</p><p></p><p>- طب واشمعنى بقى صاحبة الشركة مهتمية بيك انت بالذات بالشكل ده</p><p></p><p>نظر إليها وقال بحذر :</p><p></p><p>- تقصدى أيه</p><p></p><p>رفعت كتفيها وهى تقول بتبرم :</p><p></p><p>- قصدى أنها سألت عليك ولما عرفت اللى حصلك فضلت ورا الموضوع لحد ما طلعتك وطلعتك لوحدك كمان.. وبعدين قالتلك أن دنيا هى اللى بلغت عنكم وبعدين تديك شغل مهم وفيه فلوس كتيرة كده ..كل ده ليه ؟ !</p><p></p><p>مسح على وجنتها بظهر يده وهو يقول بمرح :</p><p></p><p>- أنت بتغير ولا أيه يا جميل</p><p></p><p>أمسكت بيده بين راحتيها وقالت بخفوت :</p><p></p><p>- أه طبعاً بغير ..مالها مهتمية بيك كده</p><p></p><p>ضحك ضحكة هادئة ونظر إلى عينيها وقال :</p><p></p><p>- أنتِ عارفة اللى بتغيرى منها دى عندها كام سنه ؟! وبعدين انتِ عارفة كويس أوى أن محدش بيملى عينى غيرك ..صح ولا لاء</p><p></p><p>نظرت إليه بشك وهى تقول:</p><p></p><p>- مش عارفة يا عمرو.. هدوءك ده مش مطمنى خالص</p><p></p><p>ضحك مرة أخرى وظهر عليه الاستمتاع بالحديث وهو يقول :</p><p></p><p>- ليه بس يا حبيبى</p><p></p><p>أستندت إلى ظهر الأريكة وعقدت ذراعيها أمام صدرها ثم قالت :</p><p></p><p>- أصل انت من عوايدك يعنى انى لما بقولك حاجة غلط بيبان عليك انك مضايق وبتقعد تدافع عن نفسك .. لكن دلوقتى هادى كده زى ما تكون بتأكدلى أحساسى</p><p></p><p>ضرب كفاً بكف وهو يحرك رأسه متعجباً منها وقال :</p><p></p><p>- و**** انتِ مجنونة يا حبيبتى</p><p></p><p>نظرت إليه بدهشة فأومأ برأسه مؤكداً وهو يقول بمرح :</p><p></p><p>- اه و**** مجنونة صدقينى .. يعنى انا أتعصب تقوليلى أنت عصبى وبتتخانق ..أبقى هادى تقوليلى هدوءك مش مريحنى ..أعمل فيكى أيه دلوقتى</p><p></p><p>نظرت إليه وقالت بجدية :</p><p></p><p>- شفت بقى أنت بتوهنى ازاى وبتهرب من الكلام</p><p></p><p>لف ذراعه حول كتفها وجذبها إليه وقال :</p><p></p><p>- طيب أنا هريحك .. أولا الست دى أكبر منى بكتير جدا ومتجوزة راجل أعمال و ملياردير ومديها الشركة دى تديرها .. وانا واحد من مئات المهندسين اللى شغالين عندها زيى زى غيرى ..كل اللى يميزنى أنها عارفة أنى أهم الدكتور حمدى أخوها علشان كده لما الأستاذ صلاح سأل عنى لما غبت وده طبيعى طبعا أى موظف يغيب لازم يعرفوا غايب ليه ... وعرف منك اللى حصلى قالها وهى علشان عارفه انى أهم الدكتور حمدى أدخلت فى الموضوع بمعارفها الكتير.. وطبعا كده ولا كده كانت هتعرف بموضوع دنيا والست كتر خيرها قالتلنا علشان ناخد بالنا منها ...أما بقى موضوع الشغل فترشيحها ليا للسفر فدى حاجة تشكر عليها ..هى عارفة انى فى بداية حياتى وعاوزه تخدمنى علشان خاطر أخوها برضة .. ها أقتنعتى ولا لسه ..؟</p><p></p><p>نظرت إليه بعيون غير مطمئنة ولكنها لم تجد ما تقوله .. أستطاع أن يسكتها ولكنه لم يستطع أن يقنع نفسه بما قال , دارت الشكوك برأسه مرة أخرى ولكنه نفضها جميعا عندما سمعها تقول :</p><p></p><p>- عمرو أنا بجد متشكرة أوى</p><p></p><p>التفت إليها متعجبا وهو يقول :</p><p></p><p>- متشكره على ايه</p><p></p><p>قالت بابتسامة رقيقة :</p><p></p><p>- علشان وافقت انى اروح الدكتورة واشوف موضوع الحمل ده اللى اتأخر .</p><p></p><p>نظر أمامه بشرود ثم قال :</p><p></p><p>- أنا كنت غلطان يا عزة .. أنا كنت بفكر فى نفسى وراحتى وبس ..مفكرتش فى مشاعرك انتِ ورغبتك فى انك تبقى أم زيك زى أختك تمام .. نفسك يبقى عندك ولاد كده زيها تربيهم وتهتمى بيهم وتشبعى غريزة الأمومة فيهم ...لكن الحمد *** انى انتبهت لخطأى ده بدرى ..اللى شوفته فى المعتقل ده خلانى اراجع أمورى فحاجات كتير أوى فى حياتى واحس انى تافه وأنانى ومبفكرش غير فى نفسى</p><p></p><p>لاحظت عزة الوجوم الذى ظهر على قسمات وجهه واحتلها بضراوة مما غير ملامحه كثيراً .. شعر بأناملها تعبث بوجنته وهى تقول هامسة:</p><p></p><p>- أنا بحبك فى كل حالاتك</p><p></p><p>أبتسم وهو يلتفت إليها وقد عادت إليه روحه المرحة وقال :</p><p></p><p>- وبعدين الحمل متأخرش ولا حاجة.. أنا اللى مكنتش هنا !</p><p></p><p>*******</p><p></p><p>جلست أم فارس بجوار مُهرة على طرف فراشها وأخذتها بين أحضانها ومسحت على شعرها بحنان ثم نظرت إلى والدها وقالت بغضب شديد :</p><p></p><p>- أنت ازاى تعمل كده فى بنتك يا ابو يحيى.. مش حرام عليك</p><p></p><p>لوح والدها بيده وهو يقول بعصبية :</p><p></p><p>- معلش بقى يا ست ام فارس.. دى بنتى وانا حر فيها.. أضربها اموتها محدش له عندى حاجة</p><p></p><p>أطلت من عينيها نظرات غاضبة ولأول مرة تخرج عن شعورها وتتكلم بعصبية شديدة وأخذت تهتف به قائلة :</p><p></p><p>- بنتك؟! .. تعرف ايه انت عن بنتك .. بنتك دى كانت بتقعد عندى أكتر ما كانت بتقعد فى بيتك ..كانت بتلجالى وتحكيلى مشاكلها أكتر من أمها نفسها.. لما كانت بتتعب ونوديها للدكتور ويكشف عليها ويسألنا عن أسامى الأدوية بتاعتها ولا تعبت أمتى ..أمها مكانتش بتعرف.. أنا اللى كنت برد.. مفيش دكتور روحناله إلا لما افتكر أن انا اللى أمها مش مراتك يا ابو يحيى .. أبنى كان بيعلمها ويوجهها ويذاكرلها وانت حتى متعرفش هى فى سنة كام ... أنت كنت بتخرج الفجر ترجع نص الليل وامها كانت بتخرج تشتغل علشان تكفى طلباتها هى ويحيى وكنتوا بتسيبوها لوحدها فى البيت وهى عيلة ..أتربت فى حضنى وكبرت فى حضنى ..</p><p></p><p>بكت أم يحيى كثيرًا وهى تستمع لكلمات أم فارس ولقد كانت تعلم أنها محقة ..تابعت أم فارس وهى تشير إلى مُهرة وتقول :</p><p></p><p>- بصلها كده بعد ما كبرت وبقت عروسة.. وشوف لبسها وأخلاقها وطريقة تعاملها مع الناس علشان تعرف انى عرفت اربى صح.. وشوف كده لو كانت فضلت قاعدة لوحدها وانتوا سابينها مع اخوها وصحابه والمدرسين الرجاله اللى كانوا داخلين خارجين لما كان يحيى فى الثانوية العامة وشوف كانت ممكن يحصلها أيه .. وكل ده وانت بعيد متعرفش عنها حاجة ...</p><p></p><p>ضمت مُهرة أكثر إلى حضنها وهى تصيح بهما :</p><p></p><p>- حد فيكوا عمره سألها مالك .. حد فيكوا عمره عرف حتى أسامى اصحابها أيه واصحابها شكلهم أيه .. حد فيكوا عارف قلبها فى أيه.. بتحب أيه وبتكره أيه؟ ... محدش فيكوا يعرف عنها زيى أنا .. جاى دلوقتى وتقولى بنتى وانا حر فيها.. أموتها واضربها أنا حر ..</p><p></p><p>وهبت واقفة بصرامة وجذبت مُهرة من يدها وأخذتها تحت ذراعها وقالت لهما بقوة لا تعرف كيف واتتها حينها :</p><p></p><p>- البت دى بنتى انا.. وهاخدها عندى ومحدش فيكوا هيقربلها .. والواد اللى اسمه علاء ده لو هوب ناحيتها هخلى عيال الشارع يطلعوه من هنا بفضيحة .</p><p></p><p>جذبتها خلفها بحسم وانصرفت بها أم فارس أمام أنظارهما المبهوتة , ينظران لبعضهما البعض وكل منهما يحاول أن يحمل الآخر مسؤولية أهماله وسوء تصرفه .</p><p></p><p>******</p><p></p><p></p><p></p><p>أستطاع باسم الحصول على رقم هاتف الضابط محرر محضر القضية وأتصل بــوائل وأعطاه رقم هاتفه وطلب منه أن يقابله فى مكان عام ولا يذهب إليه فى قسم الشرطة .. بالفعل قام وائل بالاتصال بالضابط وأتفق معه على مقابلة سريعة فى مكان عام ...</p><p></p><p>ذهب الضابط لمقابلة وائل وعندما حاول وائل إغراءه بالمال ليغير أقواله رفض بشدة</p><p></p><p>و تركه الضابط وانصرف بحدة ووائل يتابعه بنظراته القلقة الخائفة وأخرج الهاتف على الفور وهاتف باسم وأخبره بما حدث ..فقال باسم :</p><p></p><p>- خلاص سيبك منه ..هو اللى عاوز يروح لقبره برجليه .. دلوقتى بقى تروح تقابل الشهود وتشوف مايتهم هما كمان وبعدين تبلغنى باللى حصل بينكوا بالظبط ..</p><p></p><p>قال وائل بارتباك :</p><p></p><p>- بس دلوقتى يا أستاذ باسم معظم الفلوس معاك هندفعلهم منين</p><p></p><p>قال باسم بابتسامة متهكمة :</p><p></p><p>- ملكش دعوة روحلهم بس واتفق معاهم وسيب الباقى عليا</p><p></p><p>حاول وائل أقناع الشهود بالإستجابة لطلبه وإغراءهم بالمال ولكنهما كانا مذبذبين بشدة وقال أحدهما :</p><p></p><p>- يا أستاذ وائل بقولك محامى البنت القتيلة لسه نازل من عندنا قبل انت تيجى على طول وهددنا أننا لو غيرنا أقوالنا ومقولناش الحقيقة هيفضحنا قدام المحكمة ويحبسنا بتهمة التزوير .</p><p></p><p>مال وائل للأمام وقال بثقة :</p><p></p><p>- ولا يقدر يعملكوا حاجة ..أنتوا هتقولوا اللى شفتوه</p><p></p><p>وضيق عينيه وهو يقول مؤكدا:</p><p></p><p>- مش كده ولا ايه</p><p></p><p>نظرا الرجلين إلى بعضهما البعض بقلق وخوف وقال الآخر :</p><p></p><p>- طيب يا أستاذ وائل سيبنا نفكر فى الموضوع ده مع نفسنا</p><p></p><p>نهض وائل وهو يضع أمامهم أرقام هاتفه وقال :</p><p></p><p>- كده نبقى متفقين .. تكلمونى بعد يومين علشان نقعد مع بعض ونتفق على كل حاجة</p><p></p><p>غادرهم وائل سريعاً وهو يبتسم بثقة وأغلق الباب خلفه ... نظر أحداهما للآخر وقال :</p><p></p><p>- هنعمل أيه دلوقتى.. الراجل ده شكله شرانى أوى وفى نفس الوقت المحامى التانى هددنا بالحبس بتهمة التزوير .</p><p></p><p>قال الاخر :</p><p></p><p>- طب وبعدين ...</p><p></p><p>وقبل أن يجيبه سمعا طرقاً على باب الشقة فنهض أحدهما وهو ينظر للآخر مترقباً وفتح الباب ونظر إلى القادم بتساؤل ورهبة وهو ينظر إلى حلته العسكرية وهو عاقداً ذراعيه أمام صدره ويقول بهدوء ولكن بلهجة صارمة :</p><p></p><p>- ها اتفقتوا على المبلغ ولا لسه !</p><p></p><p>*****</p><p></p><p></p><p></p><p>وبعد أسبوعين مرتقبين كانت تجلس فى قاعة المحكمة وهى تنظر إلى محامى المجنى عليها, يحمل وجهها قسمات انتصار واثقة بعد أن أكد لها باسم أن الشهود سيغيرون أقوالهم و عدم حضور الضابط الذى يستند إليه محامى المجنى عليها فى أثبات جناية التزوير , بدأت الجلسة وأمر القاضى حاجب المحكمة بالنداء على الشهود الثلاث .... نظرت دنيا إلى الأوراق أمامها وهى تشعر بأن كل شى قد انتهى , فبمجرد أن يشهد الشهود بنفس الشهادة التى أمام القاضى فى المحضر فسوف يتغير الحكم كما قال لها باسم ..وأخذت ترسم أحلام وردية فى دنياها الخاصة وترى اسمها يسطع فى سماء الشهرة كنجمة متلألأة بين النجوم ..ولكن شعرت بزلزال شديد يفتت أحلامها وينثرها لتسقط من السماء إلى الأرض فى خسف شديد وهو تستمع إلى صوت الضابط الذى وقف أمام المحكمة بهئيته وقد ألقى عليها هى ووائل نظرة استخفاف .</p><p></p><p>بدأ القاضى بسؤاله عن أقواله وبدا هو فى سرد الوقائع الحقيقية التى حدثت بالفعل وعندما ناقشه القاضى فى الأقوال التى بين يديه فى التقرير المزيف أجاب الضابط بالنفى وأنه لم يكتب هذا المحضر وأن أقوال الشهود فيه مزيفة عن الأقوال التى أدلوا بها من قبل .</p><p></p><p>أنهى القاضى مناقشة الضابط ثم استدعى الشاهدين اللذين أكدا أقوال الضابط و أنكروا بشدة الأقوال الموجودة فى المحضر المزيف ... شعرا كل من دنيا ووائل بأن الأرض قد ضاقت عليهما وأن السماء قد سقطت كسفاً على رأسها ودرات بها الدنيا وهى تهمس لوائل أن يقوم ويناقش الشهود ويحاول تضليل المحكمة</p><p></p><p>ولكن الصدمات تاتى تباعاً دائماً , فجأة سمع الجميع هتاف هانى من خلف القضبان فى انهيار شديد وبكاء حار وهو يعترف بجريمته ويشهق كالنساء ويرتجف خلف قضبانه بعد ان أدلى باعتراف مفصل وظل يهتف صارخاً :</p><p></p><p>- مكنش قصدى اقتلها مكنش قصدى كل ده يحصل مكنش قصدى</p><p></p><p>سقطت دنيا مغشياً عليها عندما سمعت القاضى بعد المداولة ينطق بالحكم ويأمر بغحالة أوراق هانى للمفتى ويأمر بعودة أوراق القضية للنيابة العامة للتحقيق فى واقعة التزوير!</p><p></p><p></p><p></p><p></p><p></p><p>الفصل التاسع والعشرون</p><p></p><p>صرخت دنيا فى وجه وائل وصاحت بعصبية شديدة :</p><p></p><p>- يعنى أيه مش لاقيه.. هيكون راح فين.. أختفى يعنى</p><p></p><p>تبادل معها الصراخ وأخذ يصيح بانهيار :</p><p></p><p>- بقولك اختفى.. أختفى ..لا تليفون ولا مكتب.. ومعرفش بيته.. عاوزانى أعمل أيه اضرب الودع ولا افتح الكوتشينه</p><p></p><p>جلست ودفنت رأسها بين كفيها وهى تنوح وتبكى ثم تنهضت وتدور حول نفسها فى المكان هائمةً على وجهها وهى تقول بهيستيرية :</p><p></p><p>- يعنى أيه .. وقعنا فى المصيبة دى وسابنا وخلع ..ده احنا قدامنا أقل من شهر والتحقيقات تبدأ معانا وساعتها هنتحبس على ذمة التحقيق وياعالم هنطلع تانى ولا لاء ..</p><p></p><p>ألتفتت إليه صارخة بجنون :</p><p></p><p>- ما ترد عليا يا بنى آدم هنعمل ايه</p><p></p><p>أتجه نحوها ودفعها من كتفها وهو يصيح :</p><p></p><p>- معرفش معرفش .. ياريتنى ما كنت سمعت كلامه.. ياريتنى ماكنت بصيت لفلوس القضية أدينى هتحبس معاكى ومستقبلى هيضيع</p><p></p><p>نظرت له بذهول وهى تقول غاضبة :</p><p></p><p>- طب ليه عمل كده ليه .. كان قصده أيه من كده.. ياخد الفلوس ويحبس فارس ويضيع مستقبلى ويحبسنى وخلاص ..طب ليه</p><p></p><p>ضرب وائل قبضته فى الجدار وهو يقول بخزى :</p><p></p><p>- هو انتِ لوحدك؟ .. منا كمان ضيعلى مستقبلى وهيحبسنى بسببه ..قالى ملكش دعوة.. أنا هوقف الظابط عند حده ومش هيروح المحكمة وطلع بيضحك علينا .. زى ما يكون كان قاصد يعمل فينا كده من الأول وكان بيلاعبنا بصوابعه زى عرايس الخشب ..يخلينا نروح نتفق مع سكرتير النيابة وندفعله الفلوس وهو بعيد.. ويخالينى اروح للظابط اساومه هو الشهود وهو بعيد</p><p></p><p>ضرب الجدار بقبضته مرة تلو مرة وهو يهتف حانقاً :</p><p></p><p>- غبى ..أنا غبى.. كان لازم أخد بالى</p><p></p><p>تقدمت نحو الباب وفتحته بعنف وهى تصرخ فيه :</p><p></p><p>- أطلع بره يا وش النحس .. أطلع بره</p><p></p><p>خرج وهو ينظر إليها نظرات محتقرة بإزدراء, فصفعت الباب خلفه بقوة وأخذت تتنفس بصعوبة وهى تفرك يديها بتوتر وخوف</p><p></p><p>*****</p><p></p><p></p><p></p><p>كادت أم فارس أن تتابع حديثها مع مُهرة لولا أن سمعت طرقات أخرى على باب الشقة .. عدلت مُهرة من جلستها بينما اتجهت أم فارس لتنظر من الطارق .. فتحت الباب فوجدت شاب لم تره من قبل, ولكنه ابتسم وقال باحترام :</p><p></p><p>- السلام عليكم يا حجة</p><p></p><p>نظرت إليه بتسائل وهى تقول :</p><p></p><p>- وعليكم السلام يابنى</p><p></p><p>قال باهتمام :</p><p></p><p>- مش دى شقة الدكتور فارس سيف الدين</p><p></p><p>قالت وهى تومىء برأسها :</p><p></p><p>- أيوا يابنى هيا</p><p></p><p>مد يده لها بخطاب قائلاً :</p><p></p><p>- الجواب ده للأستاذ فارس</p><p></p><p>وقبل أن تتكلم قال بسرعة :</p><p></p><p>- أنا عارف أنه مش موجود دلوقتى بس لو سمحتى الجواب ده مهم جدا من فضلك تحاولى توصليه ليه بأى طريقه عن أذنك</p><p></p><p>حاولت أن توقفه ولكنه لم يعطيها الفرصة وهبط درجات السلم سريعاً , أغلقت الباب وهى تقلب الخطاب بين يديها بدهشة متسائلة :</p><p></p><p>- ياترى من مين الجواب ده</p><p></p><p>نهضت مُهرة وتوجهت إليها وهى تنظر إلى الخطاب بين يدها وقالت :</p><p></p><p>- من مين الجواب ده يا ماما</p><p></p><p>- معرفش يا بنتى بس بيقولى أنى لازم أوصله لفارس ضرورى</p><p></p><p>قالت كلمتها وهى تفتحه وتقول :</p><p></p><p>- لما نشوف فى أيه ده كمان</p><p></p><p>حاولت أن تدقق النظر فيه ولكن الخط كان صغيرا فلم تستطع أن تقرأه بوضوح فدفعته لمُهرة وهى تقول :</p><p></p><p>- خدى أقريهولى يا مُهرة لحسن الخط صغير أوى</p><p></p><p>أخذته مُهرة من يدها ونظرت فيه وبدأت فى القراءة بصوت مسموع :</p><p></p><p>- عزيزى دكتور فارس.. مش مهم تعرف أنا مين ..المهم انى عندى معلومات مهمة جدا ليك .. أنا مش عارف انت اتخدعت بسهولة كده ازاى.. لكن انا أحب اشيل الغمامة دى من على عينك واقولك أن مراتك بعد أبوها مات على طول راحت لباسم مكتبه بعد ما حطت لأمها منوم و........</p><p></p><p>لم تستطع مُهرة القراءة شهقت وهى تضع يدها على فمها .. حثتها أم فارس على المتابعة وهى تمسكها من ذراعها وتقول بجدية :</p><p></p><p>- كملى يا مُهرة سكتى ليه</p><p></p><p>تلعثمت مُهرة وهى لا تعرف ماذا تفعل فقالت :</p><p></p><p>- ماما الجواب ده مش لازم يوصل لفارس أبدا</p><p></p><p>شدت أم فارس على ذراعها وقالت بتصميم :</p><p></p><p>- هتكملى ولا أنده حد تانى يكملهولى</p><p></p><p>أعادت مُهرة قراءة الخطاب فى تردد وبصوت مضطرب ... بينما أخذ وجه أم فارس يمتقع وهى تحدق فى الفراغ, حتى أنهت مُهرة قراءته فرفعت وجهها إلى أم فارس وربتت على كتفها قائلة :</p><p></p><p>- ماما **** يخاليكى أهدى شوية.. أنتِ الضغط بيعلى عندك بسرعة</p><p></p><p>لمعت الدموع فى عينيها وهى تقول :</p><p></p><p>- يا حبيبى يابنى .. وكنت كاتم فى نفسك كل ده وساكت.. طب ليه يا فارس سكت ليه</p><p></p><p>نظرت لها مُهرة بعدم فهم وقالت متسائلة :</p><p></p><p>- يعنى أيه الكلام ده هو فارس كان عارف</p><p></p><p>عقدت حاجبيها وهى تقول غير مصدقة :</p><p></p><p>- كل تصرفاته بعد ما رجعوا من اسكندرية كانت بتقول أنهم مش كويسين مع بعض .. مع أنهم مكانش لسه بقالهم أسبوع متجوزين جديد .. وهو شكله كان كأنه شايل هم كبير أوى ومش عارف يا حبيب امه يتكلم مع حد ..</p><p></p><p>دمعت عينيها وهى تقول بتاثر :</p><p></p><p>- أتاريه مكنش عاوز يفضحها .. تقوم فى الآخر تعمل فيه كده ! .. بقى يسترها ويخبى سرها وفى الآخر تبهدله البهدلة دى وكل ده علشان كانت طمعانة فى القضية وفلوسها .</p><p></p><p>وضعت مُهرة الخطاب بجوارها ولفت ذراعيها حول ذراع أم فارس وأسندت رأسها على كتفها وقد انزلقت دمعتين من عينيها فى صمت .. ثم قالت :</p><p></p><p>- مش لازم يشوف الجواب ده يا ماما.. أحنا لازم نقطعه.. ده ممكن يتهور ويعمل فيها حاجة</p><p></p><p>قالت كلمتها ومدت يدها للخطاب وقبضت عليه فى راحتها بقوة ونهضت لتلقى به فى القمامة, ولكن أم فارس أوقفتها وجذبت الخطاب منها وقالت بتصميم :</p><p></p><p>- مش هنسترها تانى.. لا انا ولا ابنى.. خلاص .. لازم يشوف الجواب ولازم تاخد جزائها علشان نارى تبرد شوية.. وانا عارفة انه مش هيأذى نفسه.. بس كفاية انه يبرد ناره شوية ويعرف اللى حواليه عملوا فيه كده ليه .</p><p></p><p>مسحت مُهرة دموعها براحتيها عندما سمعت رنين هاتف المنزل وتوجهت لتجيب المتصل وهى تقول :</p><p></p><p>- السلام عليكم</p><p></p><p>أتاها صوتاً محملاً بالفرحة واللهفة .. صوتاً كان ولا يزال محملاً بالحنان الجارف دائماً ..سقطت السماعة من يدها المرتعشة على أثر المفاجأة الغير متوقعة عندما سمعته يقول بشوق :</p><p></p><p>- مُهرة ؟</p><p></p><p>ألتقطت السماعة سريعاً ووضعتها على أذنها غير مصدقة وأم فارس تنظر إليها متعجبة منها ولكن دهشتها زالت وقفزت فرحاً من مكانها عندما سمعتها تقول بأنفاس متقطعة :</p><p></p><p>- فارس ؟</p><p></p><p>أخذت أم فارس سماعة الهاتف من يدها ووضعتها على أذنها تمسكها بيدها الاثنتين فى شوق ولهفة وهى تقول :</p><p></p><p>- فارس ..أبنى.. أنت بتتكلم منين</p><p></p><p>وضعت مُهرة يدها على صدرها وهى تشعر أن قلبها سيقفز من مكانه فرحاً واحتقن وجهها بشدة وهى تستمع لأم فارس تقول من بين دموعها :</p><p></p><p>- يعنى انت طلعت يا فارس ؟.. بجد يابنى طلعت.. طب انت فين</p><p></p><p>ثم أخذت تقبل السماعة وهى تبكى قائلة :</p><p></p><p>- تعالى بسرعة يا فارس.. تعالى بسرعة.. نفسى اخدك فى حضنى يابنى وحشتنى أوى</p><p></p><p>أنهى فارس المكالمة وهو يمسح دموعه ويد الدكتور حمدى تربط على كتفه قائلا بمرح :</p><p></p><p>- أيه ده.. هو انت لسه شوفت حاجة ..أومال لما تروح بقى هتعمل أيه</p><p></p><p>ثم مد يده بالهاتف إلى بلال قائلاً :</p><p></p><p>- يالا خد انت كمان التليفون وكلم والدتك وبلغها أنك خرجت</p><p></p><p>أبتسم بلال واستنشق الهواء النقى خارج جدران المعتقل حتى أمتلاْ صدره به ثم زفر بهدوء وقال :</p><p></p><p>- لا يا دكتور معلش ..أنا عاوز اعملهم مفاجأة</p><p></p><p>ضحك الدكتور حمدى وهو يقول :</p><p></p><p>- حرام عليك يلاقوك قدامهم كده فجأة</p><p></p><p>ضحك فارس ثم قال :</p><p></p><p>- طول عمره بتاع مقالب يا دكتور.. هو كده من زمان</p><p></p><p>ضحك ثلاثتهم وهم يستقلون سيارة الدكتور حمدى فى طريقهم إلى منازلهم , كان الدكتور حمدى يقود السيارة وهو ينظر إلى فارس الجالس بجواره نظرات خاطفة ورأسه يدور لا يعلم ماذا يفعل .. لابد أن يخبره بأمر زوجته التى قدمت ضده بلاغ وزجت به فى معتقلات الأهوال تلك ظلماً , ولكن هل يخبره الآن أم ماذا ؟... قطع فارس عليه تفكيره وقال متسائلا :</p><p></p><p>- معرفتش يا دكتور مين اللى عمل فينا كده ؟</p><p></p><p>ألتفت إليه الدكتور حمدى ثم أعاد النظر للطريق وقد حسم أمره ثم قال :</p><p></p><p>- فارس .. لازم تعرف الدنيا دى كلها فيها الكويس وفيها الوحش فيها اللى بيعمل خير لوجه **** من غير سبب وفيها برضة اللى بيأذى الناس من غير سبب ولو الأذيه جاتلك من اقرب الناس ليك أوعى تزعل نفسك .. واعرف ان **** بيكشفلك اللى حواليك علشان متفضلش عايش موهوم ومخدوع فيهم ..</p><p></p><p>أستدار فارس بجسده إليه ونظر للخلف إلى حيث بلال التقت نظراتهما فى تساؤل صامت قطعه فارس وهو يلتفت إلى الدكتور حمدى قائلا :</p><p></p><p>- الكلام ده معناه ان حضرتك عرفت مين</p><p></p><p>أومأ الدكتور حمدى برأسه وهو يقول :</p><p></p><p>- أيوا عرفت ... بس كنت محتار اقولك دلوقتى ولا لما تروح بيتك وترتاح شويه من اللى شفته</p><p></p><p>أعتدل بلال فى جلسته وقد شعر أن الدكتور حمدى يقصد شخصاً قريب جدا من فارس بينما قال فارس سريعاً :</p><p></p><p>- مين يا دكتور قولى مين</p><p></p><p>أضطرب صوت الدكتور حمدى وهو يقول ببطء :</p><p></p><p>- مراتك دنيا</p><p></p><p>أتسعت عيني فارس هلعاً ونظر إلى بلال الذى لم تكن الصدمة عليه أقل من فارس .. حدقا فى بعضهما البعض بينما هتف فارس :</p><p></p><p>- دنيا مراتى .. أزاى و ليه .. حضرتك متأكد يا دكتور متأكد انها مراتى اللى عملت فيا كده</p><p></p><p>ظهر الأسف على وجه الدكتور حمدى وهو يقول بإشفاق :</p><p></p><p>- هو ده اللى انا عرفته.. ولعلمك محدش هيقدر يجاوب على سؤالك .. إلا انت بس .. أنت بس اللى ممكن تقولنا ليه هى عملت كده</p><p></p><p>أعتدل فارس فى جلسته مصدوماً واستند بظهره إلى مقعده وقد احتقن وجهه غضباً وحنقاً وضرب باب السيارة بقبضته بقوة وهو يهتف :</p><p></p><p>- سؤال أيه اللى اجاوب عليه .. هو فى حاجة بين راجل ومراته مهما كانت تخاليها تعمل كده فيه .. ليه يا دنيا تعملى فيا كده ليه ده انا ..</p><p></p><p>بتر كلمته وابتلعها قبل أن يكملها .. كان سيقول:</p><p></p><p>- ده انا سترتك ومرضتش افضحك .. ولكن فروسيته المعهودة أبت ذلك ... ربت بلال على كتفه من الخلف ثم قال :</p><p></p><p>- أستنى يا فارس لما تقابلها وتتكلم معاها بهدوء.. أحنا لسه مش عارفين حاجة.. أستنى لما تسمعلها الأول</p><p></p><p>ألتفت إليه فارس غاضباً وهو يقول :</p><p></p><p>- هتقولى أيه يا بلال ..هتقولى بلغت عنى وعن صحابى ليه .. ليه</p><p></p><p>ربت على كتفه مرة أخرى وهو يدعوه للهدوء مرة أخرى وأن ينتظر حتى يسمع منها حتى هدأ فارس بعض الشىء وصمت غضبه خارجياً ولكن قلبه كان مشتعلاً .. كيف تفعل فيه ذلك بعد كل ما فعله من أجلها .</p><p></p><p></p><p></p><p>******</p><p></p><p>أقتربت سيارة الدكتور حمدى من منزل بلال الذى شعر بنشوة وانتشاء حينما لاح جانب المنزل من بعيد فقال سريعاً :</p><p></p><p>- كفاية هنا يا دكتور معلش تعبناك معانا</p><p></p><p>أبتسم الدكتور حمدى بوقار وقال ضاحكاً:</p><p></p><p>- تعب أيه بس هو انا اللى اتعلقت ...</p><p></p><p>قال كلمته وضحك بينما انفجر بلال ضاحكاً ثم قال :</p><p></p><p>- بعد اللى شوفته فى المعتقل ده بيتهيالى مفيش مصرى متعلقش</p><p></p><p>ضحكا الأثنان بينما كان فارس واجماً شارداً فى عالمه الخاص .. ترجل بلال من السيارة وانحنى باتجاه فارس وضع يده على كتفه قائلا :</p><p></p><p>- الهدوء هو اللى هيعرفك السبب مش الغضب.. أهدى وتوكل على ****</p><p></p><p>أومأ له فارس برأسه بينما شرع الدكتور حمدى فى الأنطلاق بالسيارة إلى حيث منزل فارس</p><p></p><p>صعد بلال درج منزله بهدوء ومر بجوار باب المركز الخاص به ونظر نظرةً فى الخفاء متعجباً .. المركز خاوى ولكنه مفتوح وكأنه يعمل, وكأنه لم يُغلق يوماً , وفى هذه اللحظة شعر بمن يضع يده على كتفه من الخلف قائلا بخشونة :</p><p></p><p>- مين حضرتك</p><p></p><p>ألتفت إليه بلال وابتسم فى وجه الممرض المساعد له فى المركز والذى ما أن رآه حتى كاد أن يهتف متفاجأً باسمه, لولا أن وضع بلال يده على فمه وكممه حتى هدأ ثم رفع يده عنه وهو يشير له بالصمت .. هتف المساعد بسعادة:</p><p></p><p>- رجعت من السفر أمتى وأيه المفاجأة الحلوة دى</p><p></p><p>أبتسم بلال وهو يجيبه بصوت خفيض :</p><p></p><p>- **** يسلمك ..ها أخبار المركز أيه</p><p></p><p>رفع المساعد كتفيه وهو يقول :</p><p></p><p>- حضرتك مشيت من غير ما تقولى.. وطبعا الناس ابتدت تضايق من سفرك المفاجىء.. قفلنا شوية بس زوجة حضرتك فتحته تانى ورجعنا كلمنا الناس وبلغناهم ان سبب سفرك كان ضرورى ومسألة حياة أو موت .. والناس تفهمت الوضع وبلغناهم اننا هنتصل بيهم تانى لما المركز يرجع يشتغل</p><p></p><p>ظهرت البشاشة على وجه بلال مقدراً لمجهود زوجته فى الحفاظ على سمعته كطبيب فلم تكن عبير تطمح فى أن ينتظره المرضى , فالمرض لا يمكن الصبر عليه , ولكن كل طموحها كان فى الحفاظ على سمعته كطبيب حتى لا تتأثر بهذا الاختفاء المفاجىء وانتقطاعه عن متابعة المرضى ... ألتفت إلى مساعده وقال متسائلا:</p><p></p><p>- وانت كنت فاتح ليه دلوقتى</p><p></p><p>قال المساعد :</p><p></p><p>- مش انا دى زوجة حضرتك .. وانا كنت نازل اشترى شوية حاجات كده للمركز</p><p></p><p>رفع بلال حاجبيه قائلا:</p><p></p><p>- يعنى هى جوه دلوقتى ؟</p><p></p><p>أومأ المساعد برأسه ثم قال :</p><p></p><p>- قالتلى اجيب الحاجات دى.. ولما ارجع هى هتمشى على طول</p><p></p><p>أخذ بلال الأشياء من يد المساعد وقال :</p><p></p><p>- خلاص امشى انت .. النهاردة أجازة بمناسبة رجوعى</p><p></p><p>كانت عبير تجلس على مقعده خلف مكتبه وهى تقلب أوراقه وتحاول فهم ما بها برغم صعوبتها .. شعرت بمقبض الباب يفتح فعقدت جبينها وأنزلت ال**** على وجهها ونهضت واقفة بتوتر .. عقدت جبينها بقوة وهى لا تعلم أنها سترى أحب الوجوه إليها على الأطلاق .. فُتح الباب ولكن أحداً لم يدخل ولكنها سمعت صوته يقول :</p><p></p><p>- خايف ادخل فجأة تتخضى</p><p></p><p>صرخت عبير ووضعت يدها على فمها وجرت باتجاه الباب وفتحته بلهفة لتنظر إليه وإلى ابتسامتة التى زينة وجهه وابتلعت ريقها وهى تحدق به غير مصدقة أنه يقف أمامها .. لم تمضى عليها ثوان حتى دارت رأسها وسقطت مكانها ولكنها لم تفقد الوعى ... حملها بلال وأغلق الباب خلفه بقدمه وتوجه بها إلى مقعد الكشف الكبير ووضعها برفق ورفع ال**** عن وجهها وهو يقول بلوعة :</p><p></p><p>- عبير.. أنتِ كويسة ؟</p><p></p><p>نظرت إليه بعيون دامعة وهى تقول بوهن :</p><p></p><p>- أنت بجد ولا حلم؟</p><p></p><p>أبتسم وهو يمسح على وجنتها ويمرر أنامله على وجهها وهو يقول هامساً :</p><p></p><p>- بجد يا حبيبتى ..أنا طلعت النهاردة وقلت أعملكم مفاجأة بس اظاهر انى غلط</p><p></p><p>وضعت يدها على وجهه تتحسسه باضطراب وهى مازالت غير مصدقة وتقول :</p><p></p><p>- يعنى انا مش بحلم ..</p><p></p><p>قالت كلمتها وبدأت فى بكاء مرير ولفت ذراعيها حول رقبته وعانقته بقوة وهى تتشممه وتبكى وتنتفض وتقول هاتفة :</p><p></p><p>- **** مكنش بحلم .. **** تكون حقيقى يا بلال.. **** تكون رجعتلى يا حبيبى</p><p></p><p>ضمها إليه بقوة وهو يمسح على ظهرها برقة وقد اغرورقت عيناه بالدموع من فرط تأثره بكلماتها وهو يقول مطمئناً :</p><p></p><p>- أطمنى يا حبيبتى.. أنا هنا و****.. أنا بجد .. أطمنى ... وحشتينى وحشتينى أوى</p><p></p><p>رفعت رأسها من صدره ونظرت إليه مرة أخرى وهى تمسك بوجهه بين راحتيها وقالت :</p><p></p><p>- شفت الولاد وماما ولا لسه</p><p></p><p>هز رأسه نفياً وهو يقول مبتسماً :</p><p></p><p>- أنا لما عرفت انك هنا مقدرتش أروح فى حته تانية.. دخلتلك على طول</p><p></p><p>أنتبهت عبير وهى تقول :</p><p></p><p>- هو الممرض بره ؟</p><p></p><p>هز رأسه نفياً مرة أخرى وتلمس وجنتها وهو يتأملها قائلاً بشوق :</p><p></p><p>- متقلقيش ..أنا مشيته وقفلت باب المركز من جوه .. يعنى أحنا لوحدنا دلوقتى</p><p></p><p>نظرت له وابتسمت بحب فقال بمرح :</p><p></p><p>- فاكرة الكرسى ده لما قعدتى عليه أول مرة وكنتِ خايفة أحسن اكشف عليكى</p><p></p><p>ضحكت وهى تحيط عنقه بيدها قائلة :</p><p></p><p>- فاكرة</p><p></p><p>نهض من مقعده وجلس جوارها قائلا بخفوت :</p><p></p><p>- هى رجلك عاملة أيه دلوقتى ؟!</p><p></p><p>ضحكت عبير برقة وحب وشوق كبير .. ها قد استعادت الزهرة عبيرها وشذاها الخلاب وكأنها عادت للحياة من جديد , بلمسة من بستانيها الخبير, لتتفتح وتزدهر على ألحان قلبه وهو يسقيها بعذب كلماته التى ينتقيها دائما لها, كما يتلمس البستانى زهوره بحب واهتمام ورقة ... وضمير .</p><p></p><p>*****</p><p></p><p></p><p></p><p>هتفت أم فارس وهى توجه كلامها لأم يحيى قائلة :</p><p></p><p>- يالا بسرعة يا ام يحيى زمانهم على وصول</p><p></p><p>وضعت أم يحيى القدر على النار وهى تقول :</p><p></p><p>- مش كانوا بلغونا من بدرى كنا عاملنا أصناف كتير</p><p></p><p>مسحت مُهرة العرق من جبينها بظهر يدها وهى تقول بحماس:</p><p></p><p>- كده خلاص الرز كمان خلص ..</p><p></p><p>قالت أم يحيى لمُهرة :</p><p></p><p>- تصدقى يا بت يا مُهرة.. أول مرة أعرف أنك بتعرفى تطبخى</p><p></p><p>قالت أم فارس معاتبة :</p><p></p><p>- وهتعرفى منين متخاليناش نتكلم بقى</p><p></p><p>ضحكت مُهرة وهى تضع قبلة صغيرة على وجنة أم فارس قائلة :</p><p></p><p>- خلاص بقى المسامح كريم</p><p></p><p>غيرت أم يحيى مجرى الحديث قائلة :</p><p></p><p>- أنا حاسة ان الأكل ده مش كفاية</p><p></p><p>قالت مُهرة مبتسمة وهى تقطع خضروات السلطة :</p><p></p><p>- اصلاً الدكتور فارس لما بيكون مبسوط مش بياكل كتير.. علشان كده متتعبيش نفسك المهم بس السلطة جنب الأكل علشان بيحبها أوى</p><p></p><p>توجهت أم يحيى خارج المطبخ وهى تقول :</p><p></p><p>- أنا سامعة دوشة تحت ..هروح اشوف خناقة دى ولا أيه</p><p></p><p>خرجت أم يحيى بينما انتفض قلب مُهرة وهى تقول بخفوت :</p><p></p><p>- شكلهم وصلوا</p><p></p><p>نظرت لها أم فارس متسائلة بينما خرجت مُهرة تهرول متوجهة إلى غرفة أم فارس وبدلت ملابسها التى كانت ترتديها فى المنزل وارتدت ملابسها ووضعت ال**** على رأسها وخرجت مسرعة إلى المطبخ فلم تجد أم فارس وسمعت صوتها وصوت والدتها آتى من الشرفة فخرجت إليهما سريعاً وهى تلتقط أنفاسها بصعوبة والابتسامة الواسعة مرتسمة على شفتيها وقد أيقنت أنه قد جاء .. وقفت بجوارهما فى الشرفة لتنظر إلى جيرانهم وأهل شارعهم البسيط وهم ملتفون حوله والدكتور حمدى يقف بجواره مبتسماً وسعيداً بهذا الحب الذى يحظى به فارس من الجميع ... شعرت أن قلبها سيخرج من صدرها ويقفز من الشرفة إليه وضعت يدها على صدرها تمنعه وتصده عن الجنون واحمر وجهها بشدة وتسللت الدموع من مقلتيها رغماً عنها مختلطة بابتسامتها التى ملأت وجهها ...</p><p></p><p>رفع فارس وجهه للشرفة وهو يحاول تخطى الجميع بصعوبة ليستطيع أن يرى والدته التى كانت تهتف باسمه وتدعوه للصعود بسرعة .. كانت تلك النظرة كفيلة أن يراها ولو لثوان ويرى تعابير وجهها ودموعها .. تراجعت مُهرة خطوة للوراء وهى تلتقط أنفاسها بصعوبة وشعرت أنها لن تستطيع أن تحتمل هذا اللقاء ..</p><p></p><p>خرجت من الشرفة تجرى إلى باب الشقة , فتحته وصعدت مسرعة وهى تسمع وقع أقدامه على السلم يصعد بسرعة أكبر من التى تصعد هى بها , ولكن خوفها من لقاءه جعلها تسرع أكثر حتى وصلت لباب شقتها .. أختفت بعيدة عن السلم واستمعت لوقع أقدامه وهو يقترب من شقته ويتبعه الدكتور حمدى .. وسمعت والدته وهى تبكى وتهتف باسمه .</p><p></p><p>عانقته والدته بلهفة وحنان وضمته إلى صدرها بقوة وهى تبكى .. جعل يمسح على رأسها وظهرها وهو يقول :</p><p></p><p>- وحشتينى أوى يا أمى .</p><p></p><p>دخل شقته وهو يلف ذراعه حول كتفها وهو يقول للدكتور حمدى :</p><p></p><p>- أتفضل يا دكتور أتفضل</p><p></p><p>ثم نظر إلى أم يحيى التى كانت تقول بفرحة :</p><p></p><p>- ألف حمدلله على سلامتك يا دكتور</p><p></p><p>أبتسم فارس وهو يومىء برأسه قائلا:</p><p></p><p>- **** يسلمك يا ست أم يحيى</p><p></p><p>تجولت عيناه فى المكان سريعاً ... كان يتوقع أن يراها ولكنها غير موجودة .. تحول بنظرة إلى المطبخ فربما تكون هناك , وهنا قالت والدته وهى تضيق عينيها بمكر :</p><p></p><p>- بتدورعلى حد ؟</p><p></p><p>ألتفت برأسه إليها وقال متلعثماً :</p><p></p><p>- ها لالا مفيش ..أنا بس هموت من الجوع وحشنى أكلك أوى يا ماما</p><p></p><p>قالت وهى تشير لعينيها :</p><p></p><p>- من عنيا يا حبيبى</p><p></p><p>سمع أم يحيى وهى تقول موجهة كلامها لأم فارس :</p><p></p><p>- هى البت مُهرة مش كانت واقفة معانا فى البلكونة.. أختفت فين البت دى فجأة</p><p></p><p>قالت أم فارس مبتسمة :</p><p></p><p>- شكلها طلعت فوق</p><p></p><p>ظلت مُهرة واقفة أعلى الدرج أمام باب شقتها, لا تعرف ماذا تفعل , تخاف من مواجهته , أن ينظر إليها بعد الخاطرة التى كتبتها على ظهر الصورة وأرسلتها إليه قاصدة أن تخفف عنه وتلهمه الحل وهدوء النفس فى حالة معرفته بما فعلت زوجته به .</p><p></p><p></p><p></p><p>******</p><p></p><p>رفع فارس وجهه بعد أن انتهى من قراءة الخطاب الذى قدمته إليه والدته بعد انصراف الدكتور حمدى وأم يحيى وكان وجهه محتقناً بشدة وصدره يعلو ويهبط بجنون , الآن فقط علم لماذا ! , هب واقفاً واتجه نحو الباب بغضب شديد , حاولت والدته منعه ولكنها لم تستطع .. أتجه إلى بيتها فى غضب شديد وبمجرد أن اقترب أخرج سلسلة مفاتيحه الخاصة لسوء حظ دنيا كان مازال محتفظ بمفتاح شقتها منذ أن كان معها هناك بعد وفاة والدتها .. وبدون مقدمات فتح الباب ودخل فلم يجد إلا الهدوء والسكون .. دار فى الشقة سريعاً وقسمات وجهه تنطق ضيقا وغضبا فلم يجدها , دخل غرفتها مرة أخرى وأخرج ملابسها من الخزانة بعصبية وقذف بها فى كل مكان باحثا عن أى شىء آخر يدينها .. أمتلأت أركان غرفتها بملابسها وانقلبت الغرفة رأساً على عقب .. وأخذ مقعد وجلس ينتظرها والشرر يتطاير من عينيه .. مرت ساعة من الوقت وإذا به يسمع المفتاح يدور فى الباب من الخارج فعلم أنها قد حضرت أخيراً .. فتحت دنيا الباب بارهاق واضح ووضعت بعض الأطعمة التى أحضرتها على الطاولة ثم توجهت إلى غرفة نومها لتبدل ملابسها ولكنها تسمرت مكانها بمجرد أن فتحت الباب لتجد ملابسها مبعثرة فى كل مكان, حدقت فى الغرفة لبرهة قبل أن تشعر بيد تمتد إليها من خلف الباب لتجذبها من شعرها بقوة وتطرحها أرضاً ... سقطت دنيا على الأرض وهى تصرخ ولكن صرختها تحاشت فى حلقها عندما نظرت إلى وجه مهاجمها .. وقالت بفزع :</p><p></p><p>- فارس !</p><p></p><p>تقدم نحوها وعينيه ينبعث منها الشرر والغضب , تراجعت للخلف وكأن لسعات غضبه تطولها فتحرقها .. نظر لها بأحتقار ورفع يده وصفعها بقوة على وجهها وهو يهتف بها :</p><p></p><p>- حقيييرة</p><p></p><p>وقعت على المقعد الصغير وقبل أن تنهض تقدم منها بسرعة وقبض على شعرها بقوة وهو ينظر إليها بتقزز واشمئزاز قائلا بصوت مُخيف :</p><p></p><p>- قبلتى تتجوزينى ليه لما انتِ مش عاوزانى من الأول .. روحتى لباسم علشان يخلصك منى ها ..</p><p></p><p>صرخت من قبضته التى تمزق شعرها وهو يهزها منه بعنف متابعاً :</p><p></p><p>- وتضحكى عليا وتقوليلى سواق تاكسى خطفنى واغتصبنى .. وكمان عملتى عملية علشان تخدعينى أكتر.. لولا أن **** كشفك وعمليتك باظت ... وبعد ما سترت عليكى ومفضحتكيش تسجنينى أنا واصحابى علشان القضية يا حقيرة ...</p><p></p><p>دفعها بقوة إلى الفراش وهى تصرخ وتنظر إليه بفزع ,حاولت أن تتشبث بالفراش لتنهض ولكنه جذبها إليه ووضع يده حول رقبتها وهو يحدق بها بنظرات لم تراها منه أو من غيره طيلة حياتها .. نظرات مُميتة ... وسمعت صوته التى كان يأتى من بئر سحيق وهو يقول بصوت أرعبها :</p><p></p><p>- كنتِ عاوزاهم يقتلونى فى أمن الدولة وتخلصى مني؟ .. كنتِ مستعجلة على الفلوس أوى كده ؟ بتحبي الدنيا أوى كدة ؟.. طالما بتحبيها كده ..أنا بقى هحرمك منها ودلوقتى .. حالاً ..</p><p></p><p>وبدأ يقبض على رقبتها بقبضته بقوة وهى تنتفض بين يديه وتحدق به مذعورة وقد احتقن وجهها وبدأت دماء الحياة تفارقه .. وشعرت أنها ستموت فى هذه اللحظة وتنتهى ..</p><p></p><p>ولكن فجاة شعرت أن الدماء بدأت تعود إليها من جديد والهواء يعانق رئتيها وشعرت بارتخاء أصابعه حول رقبتها ونظرت إليه وهو يقول لها :</p><p></p><p>- أنتِ خسارة فيكى الواحد يضيع نفسه علشانك ..</p><p></p><p>وارتطمت وجنتها بصفعة أخرى وصرخ فيها قائلا:</p><p></p><p>- بس مش هطلقك واريحك.. خاليكى مرمية هنا علشان وقت ما يجيلى مزاجى وأعوز اقتلك ابقى عارف طريقك</p><p></p><p>بصق عليها ونظر إليها باحتقار وغادر المكان وهو يشعر بالتقزز والنفور وأغلق الباب خلفه بقوة أرعبتها وانتفض لها جسدها الذى لم يعد يستطع أن يتحمل كل هذا الرعب والخوف والفزع, أغمضت عينيها وابتلعت ريقها وهى ترتعش وبدأت فى بكاء هيستيرى .. كانت تريد كل شىء ففقدت كل شىء , حتى حياتها كادت أن تفقدها ...فى لحظة غضب</p><p></p><p>******</p><p></p><p></p><p></p><p>عاد إلى منزله مساءا وهو يشعر أنه قد فقد جميع قواه وبذل مجهوداً نفسياً مضنياً .. هبت والدته منتفضةً واتجهت إليه متلهفةً وقالت :</p><p></p><p>- كده يا فارس تعمل كده فيا انا كنت هموت من الخوف عليك</p><p></p><p>تنفس بعمق ثم ربط على كتفها مطمئناً وهو يقول بإرهاق:</p><p></p><p>- معلش يا أمى أنا آسف كان جوايا شحنة وعاوز اطلعها فى مكانها اللى يستهالها</p><p></p><p>نظرت إليه متفحصة بقلق وهى تتسائل :</p><p></p><p>- روحتلها مش كده ؟ عملت فيها حاجة ؟</p><p></p><p>هز رأسه نفياً وهو يقول بابتسامة واهنة :</p><p></p><p>- متخافيش عليا.. أنا فشيت غلي فيها وخلاص.. هو أنا مجنون أضيع نفسى فى واحدة زى دى</p><p></p><p>أخذته من يده كالأطفال وذهبت به إلى غرفته وأجلسته إلى فراشه قائلة :</p><p></p><p>- نام شوية طيب ..شكلك تعبان أوى ده انت حتى مستريحتش من ساعة ما رجعت</p><p></p><p>خرجت وتركته يهوى بجسده المنهك فوق فراشه وهو يفكر فى زوجته وما فعلته به منذ أول يوم زواجهما وحتى هذه اللحظة ويتسائل عن سبب واحد فعله معها جعلها تنكر كل شىء وتقذف به خلف ظهرها وتخطوا فى طريقها على جثته بهذا الشكل القبيح .. فلم يجد شىء إلا دنائتها .. فالشخص الدنىء لا يؤثر فيه معروف ولا يستقبح مُنكراً ..</p><p></p><p>لقد أخطاء منذ اللحظة الأولى عندما قبل الأرتباط بفتاة مثلها , لم يعطى بالا وهو يقرر الارتباط بها لحديث النبى صل **** عليه وسلم أظفر بذات الدين تربت يداك...</p><p></p><p>وكانت هذه هى النتيجة, غطى الطمع عينيها ولم تجد ديناً يُردعها فما كان منها إلا الخيانة ... أغمض عينيه فى سكون وهو يشعر فيهما بألم شديد وكأن نغزات شوك شديدة تنغزه من كثرة الإرهاق والتعب والجهد , ورغم أنها الليلة الأولى التى سينامها على فراشه بعد كل ما مر به إلا أنه لم يرتاح , وظلت رأسه تدور حتى سقط فى نوم عميق فجأة وكأن النوم بئر قد أُسقط فيه رغما عنه على حين غره</p><p></p><p>********</p><p></p><p></p><p></p><p>فى الصباح استيقظ على صوت رنين الهاتف فنهض وهو يشعر بألم فى عظامه شديد .. نهض بتاكسل وتثاقل وعندما فتح الباب سمع والدته تتحدث فى الهاتف قائلة :</p><p></p><p>- لاء لسه مصحيش .. يابنتى أطمنى ليه القلق اللى انتِ فيه ده .. قلتلك امبارح أنه جه كويس ودخل نام .. لاء متخافيش لو كان حصل حاجة كان هيبان عليه يعنى ..... طيب ماشى خلاص ..مع السلامة</p><p></p><p>أنهت المكالمة واستدارت لتجده يقف بجوار باب غرفته عاقداً ذراعيه أمام صدره والابتسامة تعلو وجهه وهو يقول :</p><p></p><p>- كانت بتطمن عليا مش كده ؟</p><p></p><p>أبتسمت والدته بمكر وهى تقول بلامبالاة :</p><p></p><p>- هى مين دى قصدك مين</p><p></p><p>اقترب منها وقبل وجنتها وهو يقول بمرح :</p><p></p><p>- مش عارفة مين يا ست أم فارس</p><p></p><p>ضحكت وهى تتجه للمطبخ فدخل خلفها وهو يقول بأصرار :</p><p></p><p>- ممكن بقى تحكيلى كل حاجة مكنتش واخد بالى منها</p><p></p><p>ألقت عليه نظرة وهى تعد الأفطار ثم قالت :</p><p></p><p>- وانا مالى أسأل صاحبة الشأن</p><p></p><p>تنهد بقوة وهو يقول :</p><p></p><p>- اسألها ازاى بس.. مش هينفع اكلمها أصلا</p><p></p><p>وضعت والدته طبقين فى يديه ثم أخذت بقية الأطباق وخرجت من المطبخ وهو يتبعها</p><p></p><p>وقالت :</p><p></p><p>- و**** لو دخلت البيت من بابه هينفع تكلمها ونص كمان</p><p></p><p>جلس على المقعد خلف المائدة وهو يقول مراوغاً:</p><p></p><p>- أنتِ شايفة كده يعنى ؟</p><p></p><p>نظرت له نظرة جانبية وضربته على كتفه وهى تقول :</p><p></p><p>- يا واد بطل تتلائم عليا .. ده انت عاوزها النهاردة قبل بكره</p><p></p><p>ضحك وهو يمسك يدها التى ضربته بها وقبلها ثم قال :</p><p></p><p>- هو انا معرفش أهزر معاكى شوية يا حجة.. علطول فقسانى كده</p><p></p><p>أبتسمت فى سعادة وقالت :</p><p></p><p>- تحب احددلك معاد أمتى</p><p></p><p>أخرج هاتفه من جيبه ووضعه أمامها على المائدة قائلا:</p><p></p><p>- دلوقتى</p><p></p><p>نظرت إلى الهاتف ثم نظرت إليه بدهشة وقالت :</p><p></p><p>- أنت بتكلم جد يا واد</p><p></p><p>أخذ الهاتف وضغط رقم منزلها وأعطاها الهاتف وهو يومىء برأسه أى ..نعم</p><p></p><p>أخذت الهاتف مبتسمة بدهشة من تصرفاته الصبيانية وكأنها ترى ولدها لأول مرة !</p><p></p><p></p><p></p><p>******</p><p></p><p>نظرت أم يحيى إلى مُهرة التى كانت تفرك يديها بتوتر بالغ وقد احمرت وجنتيها بشدة بعد أن أخبرتها بطلب فارس وقالت لها :</p><p></p><p>- يعنى مردتيش عليا يا مُهرة.. أوعى تكونى مستغربة زيى انا وابوكى</p><p></p><p>لم تستطع أن ترفع وجهها , كان الخبر كفيل بأن يفقدها وعيها ويلجم لسانها .. ها هو حبيب العمر يتقدم طالباً الزواج منها ثانى يوم تحرره من الأسر وكأنه لم يكن فى أسر السجون فقط .. هزتها أمها من كتفها وهى تقول :</p><p></p><p>- يابنتى ردى على ابوكى</p><p></p><p>رفعت مُهرة رأسها إلى والدها الذى قال :</p><p></p><p>- هتعملى فيها مكسوفة.. ما تردى على طول ها اقوله أيه.. موافقة ولا رافضة</p><p></p><p>همهمت فى خفوت فلم يسمعها أحد منهما ...هتف والدها بصوت عالى انتفضت له وهو يقول :</p><p></p><p>- متعلى صوتك</p><p></p><p>جلست والدتها بجوارها وهى تقول :</p><p></p><p>- حبيبتى .. المرة دى مش هنجبرك على حاجة.. أنتِ حره متخافيش.. أنا عارفة انه أكبر منك بعشر سنين واكتر وانتِ بتعتبريه زى اخوكى الكبير و........</p><p></p><p>قاطعتها مُهرة فجأة وهى تقول بسرعة :</p><p></p><p>- موافقة</p><p></p><p></p><p></p><p>******</p><p></p><p></p><p></p><p>- فارس أنت بتهزر ولا بتكلم جد؟!</p><p></p><p>ضحك فارس وهو يجيب عمرو عبر الهاتف النقال :</p><p></p><p>- هى الحاجات دى فيها هزار يا عبيط اخواتك انت ..طبعا بتكلم جد</p><p></p><p>قال عمرو بمرح :</p><p></p><p>- أصل مش معقول .. أنت عارف انت اكبر منها بكام سنة ولا ناسى ...طب وهى وافقت ازاى</p><p></p><p>تنحنح فارس وهو يقول :</p><p></p><p>- وأيه المشكلة .. مش فاهم</p><p></p><p>تنهد عمرو وقال :</p><p></p><p>- طب وهى قالتلك أيه ..وافقت على أساس أيه يعنى</p><p></p><p>أبتسم فارس ابتسامة واسعة وهو يقول :</p><p></p><p>- بينى وبينك انا كنت هموت واشوفها واتكلم معاها.. لما طلعت عندهم فى البيت لما كنت بتفق مع والدها على التفاصيل, بس هى بقى مرضيتش تخرج وامها قالتلى انها لو خرجت دلوقتى هيغمى عليها من الكسوف ..</p><p></p><p>ضحك مرة أخرى وهو يقول :</p><p></p><p>- حتى لما اتلككت وقلتلهم طيب لو هى عاوزه تسألنى على حاجة هتعمل أيه ..وانا لو عاوز اسالها على حاجة هعمل ايه ... مامتها دخلت كلمتها وخرجت تقولى .. بتقولك لو عاوز تسألها على حاجة قول لماما .. وماما هتقولى وانا هرد عليك عن طريقها ..وانا مش عاوزه اسأله على حاجة علشان انا عارفة كل حاجة!</p><p></p><p>ضحك عمرو ضحكات رنانة وقال :</p><p></p><p>- للدرجة دى مكسوفة منك ..سبحان مُغير الأحوال ... قولى بقى الخطوبة أمتى كده</p><p></p><p>رفع فارس حاجبيه وقال :</p><p></p><p>- خطوبة ايه يا عم الحاج ..هو انا بتاع خطوبة ..تفتكر يعنى لسه هخطب بقى وأغض البصر وكده ..وبعدين هى كمان بقت تكسف منى أوى وأنا عاوز أخاليها تاخد عليا شوية .. أحنا اتفقنا على كتب الكتاب على طول</p><p></p><p>عمرو:</p><p></p><p>- طب قولى أمتى بقى علشان أجى احضر</p><p></p><p>فارس :</p><p></p><p>- كنا هنخاليها الخميس بس علشان سيادتك بقى هنخاليها الجمعة</p><p></p><p>قال عمرو مداعباً :</p><p></p><p>- تصدق يا فارس انا عمرى ما شوفتك كده أبداً .. حتى فى جوازتك الأولى مكنتش فرحان أوى كده للدرجة دى بتحبها</p><p></p><p>زفر فارس بقوة محاولاً أخراج جميع انفعالاته وقال :</p><p></p><p>- بحبها أيه يا أخى.. أنا مش لاقى كلمة توصف أحساسى بيها .. أنا لما بلال كلمنى فى السجن ونبهنى.. حسيت بعدها انى عاوز أكسر حيطان الزنزانة وأخرج اشوفها .. كان نفسى اشوفها أوى يا عمرو.. ساعتها حسيت بالسجن فعلا كان هو ده سجنى الحقيقى .. أنا مش عارف انا ازاى مخدتش بالى العمر ده كله</p><p></p><p></p><p></p><p>*******</p><p></p><p></p><p>الفصل الثلاثون</p><p></p><p></p><p></p><p>فى مساء اليوم التالى دخل فارس مكتب الدكتور حمدى بعد أن هاتفه وطلب منه الحضور على الفور لأن والد هانى قد جاء إلى المكتب وينتظره هناك ... طرق فارس باب حجرة مكتب الدكتور حمدى ودلف إليه وهو ينقل بصره بين الدكتور حمدى ووالد هانى الذى كان يقبع أمام حمدى وقد ظهر حول عينيه السواد من شدة الإرهاق والأكتئاب الذى يعانيه منذ أن حُكم على ولده بأحالة أوراقه للمفتى ..</p><p></p><p>جلس الرجل يستمع إلى فارس وهو يقص عليه ما حدث معه منذ أن دخل مكتبه أول مرة وطلب منه الدفاع عن ابنه هانى فى قضية القتل , كان يستمع إليه وهو محدق به تتسع عينيه شيئاً فشيئاً غير مصدق ما تسمعه أذنه حتى انتهى فارس قائلا:</p><p></p><p>- يعنى مش ابنك لوحده اللى اترمى فى السجن بسبب القضية دى .. أنا كمان اترميت ظلم وده الفرق بينى وبين ابنك</p><p></p><p>ضاقت عينيى الرجل وهو يقول بذهول :</p><p></p><p>- يعنى مراتك هى اللى عملت كل ده لوحدها بعد ما رميتك فى السجن هى و وائل</p><p></p><p>أومأ فارس برأسه وقال بأسى :</p><p></p><p>- أيوا مراتى ووائل</p><p></p><p>صاح الرجل بانهيار :</p><p></p><p>- يعنى مراتك تتمتع بالفلوس وانا ابنى يتعدم واخسره</p><p></p><p>رفع فارس رأسه إليه وقال بجدية :</p><p></p><p>- ومين قالك انها هتتمتع بالفلوس .. دى زورت أوراق رسمية يعنى هتتحبس هى واللى ساعدها</p><p></p><p>دفن وجهه بين كفيه وهو يبكى هاتفاً :</p><p></p><p>- وابنى يا ناس ..أبنى هيروح مني</p><p></p><p>مال فارس للأمام وقال بهدوء:</p><p></p><p>- الحكم ده مش نهائى .. ده غير ان المحكمة هتراعى انه اعترف على نفسه</p><p></p><p>رفع رأسه ونظر إليه وهو يضرب كفيه بحسرة :</p><p></p><p>- يعنى كل التعب اللى تعبت فيه ده كله وانا بربيه وبكبره وبصرف عليه وبعمله اللى هو عايزة وفى الاخر ياخد مؤبد ولا أعدام .. ليه كده يا هانى انا قصرت معاك فأيه يابنى</p><p></p><p>تبادل فارس مع الدكتور حمدى النظرات المشفقة على الرجل وانحنى فارس باتجاهه وربت على كتفه قائلا:</p><p></p><p>- التربية مش معناها انك تديله فلوس وتخليه مش عاوز حاجة .. أنت كنت مخصصله شقة بتاعته من غير رقيب ولا حسيب على تصرفاته .. أنت اديته فى أيده الأداه اللى دمر بيها نفسه وانت فاكر انك بتسعده</p><p></p><p>مسح الرجل دموعه وهو يقول بحزن:</p><p></p><p>- أنا كنت بقول ده راجل مش بنت علشان أخاف عليه</p><p></p><p>ربت فارس على كتفه وقال :</p><p></p><p>- الحلال والحرام مفيهوش راجل وست .. كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.. أنت لو كنت ربيته على الحلال والحرام كنت كسبت راجل فى ضهرك دلوقتى يقف جنبك ويساندك..</p><p></p><p>نهض الرجل بتثاقل وقد شعر أن جبلاً قد وُضع على ظهره فلم يعد يحتمله وقال بوهن :</p><p></p><p>- متشكر يا دكتور فارس .. بس انا فوقت متأخر أوى بعد ما ابنى ضاع مني وماليش حيلة خلاص</p><p></p><p>وقبل أن يخرج من حجرة المكتب تبعه الدكتور حمدى مربتاً على كتفه مطمئناً له وقال :</p><p></p><p>- متقلقش زى ما قالك فارس الحكم مش نهائى</p><p></p><p>أومأ الرجل برأسه حزناً وهو يشعر بالضياع .. لم تنفعه أمواله فى أن ينشىء رجلا حقيقياً يعتمد عليه فى مراحل عمره المتقدمة ومرضه الذى بدأ يزحف إليه رويداً رويدًا .</p><p></p><p>بعد خروج الرجل من مكتبه أخرج فارس جواب استدعاء من النيابة وقدمه للدكتور حمدى قائلا:</p><p></p><p>- الآستدعاء ده جالى النهاردة الصبح علشان قضية التزوير,قرأ الدكتور حمدى جواب الاستدعاء وهو يومىء برأسه ثم قال :</p><p></p><p>- ده كان متوقع يا فارس طبعا .. متنساش أن أسمك فى التوكيل أول أسم ..</p><p></p><p>مط شفتيه قائلا:</p><p></p><p>- عموما متقلقش فى أكتر من اثبات أنك مكنتش شغال القضية دى</p><p></p><p>تنهد فارس بعمق وقال :</p><p></p><p>- أنا مش قلقان يا دكتور .. أنا عارف انى هطلع منها بسهولة ان شاء **** .. أنا هروح بكره واحط أقوالى و**** ييسر الأمر والموضوع يخلص على كده</p><p></p><p>نظر له الدكتور حمدى بإشفاق قائلا:</p><p></p><p>- معلش يا فارس أنا عارف أن اللى حصل مش سهل عليك وصدمتك فى مراتك مش قليلة بس انت قدها وهتتجاوز الأزمة دى بسرعة زى عادتك دايما ..</p><p></p><p>ثم ابتسم قائلا :</p><p></p><p>- وبعدين عندى ليك خبر حلو هينسيك كل ده</p><p></p><p>نظر فارس إليه بفضول فقال حمدى على الفور بمرح :</p><p></p><p>- هو انت يابنى مش معاك الدكتوراة ولا أيه</p><p></p><p>أومأ فارس برأسه وهو ينظر إليه بفضول كبير فأردف الدكتور حمدى قائلا:</p><p></p><p>- طب استعد بقى علشان تستلم شغلك فى الجامعة يا دكتور</p><p></p><p>حدق فارس به غير مصدق وعلى وجهه ابتسامة وقال بسرعة:</p><p></p><p>- بجد يا دكتور</p><p></p><p>أبتسم الدكتور حمدى وقال بخشوع:</p><p></p><p>- **** كبير أوى يا فارس</p><p></p><p></p><p></p><p>*********</p><p></p><p>كانت عبير تضع الأطباق على المائدة وقد ارتسمت ابتسامة رضى على شفتيها ثم ضحكت ضحكة صغيرة وهى ترى بلال يمرح مع الأولاد ويداعبهم ويقوم بتعليمهم الملاكمة وهم يتدربون فيه , فمنهم من يلكمه فى معدته ومنهم يلكمه فى وجهه ومنهم من يقفز على ظهره ويلكمه فى ساعديه وهو يصرخ بمرح ويصيح :</p><p></p><p>- ألحقينى يا عبير ولادك هيموتونى</p><p></p><p>ضحكت وهى تقول :</p><p></p><p>- أحسن ..أنت اللى علمتهم</p><p></p><p>ثم صفقت بيدها وهى تقول للأولاد:</p><p></p><p>- يالا يا ولاد أدخلوا صحوا تيتة علشان نتغدى سوا</p><p></p><p>ولكنهم لم يعبأوا ظلوا يلكمونه ويضربونه ولكنه استطاع أن يفلت منهم جميعاً ويهرول بأتجاه عبير وهو يصيح بمرح:</p><p></p><p>- ألحقونى هيموتونى</p><p></p><p>وهم يهرولون خلفه ويضحكون بشدة .. جرى بلال حتى وصل إلى عبير ولف خلفها وأحاط خصرها من الخلف وهو يحتمى بجسدها منهم وكلما جاؤه عن يمينه أدارها ناحية اليمين واذا جاؤه عن شماله أدارها باتجاههم وكأنها دمية يلعب بها وهى تضحك ولا تستطيع الفكاك من ذراعيه المحيطة بها .. خرجت أم بلال من غرفتها على أصوات الضحك ونظرت إلي بلال محدقة به وهو يحيط عبير من الخلف ويضمها إلى صدره والأولاد يضحكون وهى تضحك ..</p><p></p><p>نظر بلال إلى والدته وقال :</p><p></p><p>- لا أرجوكى يا أمى متفهمنيش غلط</p><p></p><p>حاولت عبير فكاك يده من حولها وهى تشعر بالخجل وهو مازال مطبقاً عليها بقوة لا يريد تركها فصاحت فى والدته :</p><p></p><p>- ألحقينى يا ماما خاليه يسيبنى</p><p></p><p>جلست والدته على الأريكة وهى تهتف به :</p><p></p><p>- سيبها وبطل استعباط</p><p></p><p>نظر الأولاد إلى بعضهم البعض وكأنهم يقررون خطةً ما لفك أسر والدتهم ... أندفعوا بقوة نحوهما وسقط الستة أرضا وسط ضحكات عالية .. أستطاعت عبير أن تتحرر وتنهض مسرعةً تجرى باتجاه المطبخ وهى تصيح :</p><p></p><p>- حرام عليكوا الأكل هيتحرق</p><p></p><p>دخل بلال خلفها بعد أن أعطى والدته دوائها ووقف خلفها ينظر إليها وهى تُعد الطعام والعرق ينبت على جبينها من الأبخرة المتصاعدة فى وجهها وهى تزيل غطاء القدر وتقلب فيه بهمة وتتذوقه لتشعر بالرضا تجاهه .. وضعت الغطاء مرة أخرى والتفتت لتجده واقفاً يشاهدها قالت وهى تضيق عينيها :</p><p></p><p>- نعم يا فندم جاى تكمل هزار هنا ولا أيه</p><p></p><p>ضحك وهو يقول :</p><p></p><p>- لا و**** مش قصدى</p><p></p><p>ثم تقدم منها ومسح حبات العرق التى تجمعت على جبينها وقال :</p><p></p><p>- أنتِ بتتعبى أوى يا عبير .. أنا مش عارف من غيرك كنت هعيش أزاى</p><p></p><p>نظرت له بحب وقد تناست تعبها تماماً على أثر كلماته العذبة المُقدرة لمجهودها وقالت :</p><p></p><p>- أنت كمان بتتعب فى شغلك</p><p></p><p>هز رأسه نفياً وقال :</p><p></p><p>- لا انا لازم أساعدك قوليلى اعمل ايه و هتلاقينى فوريره على طول</p><p></p><p>قالت بخجل :</p><p></p><p>- ممكن تحضر الأكل معايا بس</p><p></p><p>رفع حاجبيه قائلا بدهشة :</p><p></p><p>- بس كده</p><p></p><p>أومأت برأسها فانحنى بخفة أمامها وهو يقول باحترام مرح :</p><p></p><p>- تحت أمرك يا مولاتى</p><p></p><p>ضحكت وضربته بخفة على كتفه ثم أعطته أحد الأطباق فى يده قائلة :</p><p></p><p>- أتفضل بقى للخلف دور</p><p></p><p>ألتفوا جميعاً حول المائدة وشرعوا فى تناول الطعام ولكنه فجأة ترك الملعقة من يده لتصدر صوتاً عاليا وهى ترتطم بالطبق أمامه وعقد جبينه هاتفاً :</p><p></p><p>- أيه ده يا عبير أيه الأكل ده</p><p></p><p>نظر الجميع إلي وقالت عبير بتوتر :</p><p></p><p>- أيه ماله</p><p></p><p>عقد جبينه أكثر وقال بصرامة:</p><p></p><p>- طبيخ ده ولا بسبوسة</p><p></p><p>تذوقت والدته الطعام وقالت :</p><p></p><p>- ماهو كويس أهو يابنى</p><p></p><p>بينما قالت عبير باضطراب :</p><p></p><p>- بسبوسة ازاى يعنى</p><p></p><p>ألتفت إليها بنفس الصرامة وقال :</p><p></p><p>- المعلقة يا هانم اللى دوقتى بيها الأكل ولمست بؤقك .. حطتيها فى الحلة تانى علشان كده الطبيخ بقى مسكر</p><p></p><p>رفعت عبير حاجبيها بينما نظرت له والدته ثم ضحكت وقالت :</p><p></p><p>- و**** انت عاوز علقة</p><p></p><p>ثم نظرت لعبير وقالت :</p><p></p><p>- **** يعينك عليه يا بنتى.. أنتِ مستحملة رخامته دى ازاى</p><p></p><p>زفرت عبير وهى تقول :</p><p></p><p>- **** يسامحك يا بلال خضتنى.. أنا قلت حطيت سكر بدل الملح</p><p></p><p>ضحك وهو يمسك بيدها ويقبلها وهو يقول :</p><p></p><p>- مش انا قلتلك قبل كده أى حاجة بتمسكيها بتبقى مسكره</p><p></p><p>قاطعه أحد الأولاد قائلا:</p><p></p><p>- أبى أنا عاوز حته من الفرخه دى</p><p></p><p>نظر له بلال وقال لعبير :</p><p></p><p>- الواد ده طالعلى .. بياكل بضمير أوى</p><p></p><p>بعدما هدأت الضحكات قالت عبير وقد تبادلت النظرات مع أم بلال :</p><p></p><p>- بقولك ايه يا بلال أنا عندى فكرة كده **** توافق عليها</p><p></p><p>أبتلع الطعام وقال :</p><p></p><p>- خير يا حبيبتى</p><p></p><p>- أيه رأيك تعلمنى الحجامة زى ماما كده .. ونعمل جزء فى المركز للستات .. الحجامة ابتدت تنتشر والستات مش لاقية واحدة ست تعمل عندها .</p><p></p><p>فكر بلال قليلا ثم قال :</p><p></p><p>- طب والبيت والولاد</p><p></p><p>تدخلت والدته قائلة :</p><p></p><p>- أنا هساعدها وهنتبادل الشغل وبعدين يعنى مش هتبقى زحمة ... الناس لسه لحد دلوقتى ميعرفوش فوايدها ومش هيبقى فيه أقبال كتير وخصوصا فى الاول كده ..</p><p></p><p>أردفت عبير قائلة :</p><p></p><p>- حتى لو بقت زحمة ممكن نجيب ممرضة تساعدنا</p><p></p><p>نظر بلال إليهما وقال :</p><p></p><p>- شكلكوا متفقين وانا اخر من يعلم</p><p></p><p>تبادلت مع أم بلال النظرات القلقة فقال بهدوء :</p><p></p><p>- بصى يا عبير أنا مش ضد شغل الستات بالعكس .. الست ممكن تفيد الست اللى زيها .. علشان كده أنا نفسى الدكاترة الستات يبقوا أكتر من كده ويبقوا فى كل التخصصات</p><p></p><p>قالت بفرحة :</p><p></p><p>- يعنى موافق</p><p></p><p>أشار بيده قائلا:</p><p></p><p>- موافق بشرط .. أن ده ميأثرش على بيتك وولادك</p><p></p><p>أومأت برأسها بفرحة وهى تنظر إلى والدته التى ابتسمت بسعادة وهى تنظر إلى عبير بامتنان , فلقد كانت هذه رغبتها هى , ولكنها خشيت من رفض بلال للفكرة خوفا على صحتها وسنها المتقدم , كانت تشعر أنها لابد أن تفعل شىء تخدم به الناس من حولها, لن تظل هكذا حبيسة الجدران تهتم بأحفادها وفقط , لابد أن يكون لها دور فى المجتمع مفيد وهى وسط النساء بجوار زوجة ولدها التى تعتبرها ابنتها منذ أن رأتها فى بيت والدها, فهناك أُناس يموتون فنشعر بعد موتهم بفقد الكثير والكثير وهناك أُناس يموتون فنتفاجىء بأنهم كانوا لايزالون أحياء.</p><p></p><p>*********</p><p></p><p></p><p></p><p>وقف فارس ماثلاً أمام النيابة يدلى بأقواله فى القضية وهو يذكر كل تفصيلة مرت به فى هذه الأثناء, وبعد أدلاء سكرتير النيابة باعترافاته وأنه فعل ذلك بعد تحريض من وائل وأنه استلم المال من دنيا يداً بيد بشكل مباشر وأنه لم يتقابل مع فارس ولم يراه من قبل .. خرج فارس من هناك دون أن توجه له تهمة واحدة .</p><p></p><p>وهو فى طريقه فى الرواق أمام مكتب النيابة تقابل مع دنيا ووائل وهم فى حالة مذرية ومن الواضح أنهم قد تم حبسهم على ذمة التحقيق .. نظر لها فارس بازدراء واطرقت هى برأسها أرضاً تخشى من مواجهته, حثه الدكتور حمدى على عدم التوقف والحديث معها ولكنه لم يفعل .</p><p></p><p>وقف أمامها قائلا :</p><p></p><p>- أنا عمرى ما عملت فيكى حاجة وحشة , ومغصبتكيش علشان تتجوزينى, ليه وافقتى على كتب الكتاب وانتِ رافضانى , بدل ما كنتِ تهربى من امك كنتِ كلمينى وقوليلى مش عاوزاك صدقينى كنت هحترم ده وانسحب من حياتك بهدوء , كنتِ وفرتى علينا سنين ضاعت فى لاشىء .</p><p></p><p>صمتت واطرقت إلى الأرض تريد أن تبتلعها الأرض فى أحشائها ولا تقف أمامه مثل هذا الموقف .. سمعت صوتا من الخلف يقول :</p><p></p><p>- حمدلله على سلامتك يا دكتور</p><p></p><p>ألتفت فارس ودنيا ليجدا حسن الذى اقترب منها وقال :</p><p></p><p>- مش كنتِ وفرتى على نفسك البهدلة دى</p><p></p><p>حدقت به وقالت صارخة :</p><p></p><p>- يعنى انت اللى قلتله مش كده يا ندل</p><p></p><p>أبتسم حسن وقال لها :</p><p></p><p>- مش انتِ اللى مسمعتيش الكلام وكنتِ عاوزه تاخدى نص الفلوس لوحدك ..أديكى هتصرفيها على المحامين</p><p></p><p>ثم نظر إلى فارس وقال بزهو :</p><p></p><p>- انا اللى بعتلك الجواب يا دكتور فارس علشان اعرفك الحقيقة</p><p></p><p>أحتقن وجه فارس وهو يسمتع الحديث الذى يدور بين حسن ودنيا وشعر أنه سيتقيأ ما فى معدته من فرط التقزز الذى يشعر به تجاهمها وتجاه ما يقولان ..</p><p></p><p>دفعها أمين الشرطة تجاه مكتب وكيل النيابة لتدخل إليه تستكمل التحقيقات بينما ألتفت إليها فارس وناداها قائلا :</p><p></p><p>- دنيا</p><p></p><p>ألتفتت إليه بنظرات متسائلة وعيون باكية .. فقال بهدوء :</p><p></p><p>- أنتِ طالق</p><p></p><p>واستدار بجسده إلى حسن الذى كان ينظر إليها بشماتة .. فأمسك بتلابيبه ودفعه بالاتجاه الآخر وهو يصيح به :</p><p></p><p>- أمشى من هنا يا ديل الكلب انت</p><p></p><p>نظر الدكتور حمدى إليه متسائلا وهو يقول :</p><p></p><p>- أيه علاقة حسن باللى بيحصل يا فارس</p><p></p><p>أطرق فارس برأسه وهو يحركها يمينا ويسارا قائلا بأسف:</p><p></p><p>- معلش يا دكتور أنا تعبان ومحتاج أروح دلوقتى</p><p></p><p>وضع حمدى يده على كتف فارس وقال متفهماً :</p><p></p><p>- روح أنت أرتاح ...</p><p></p><p>ثم أبتسم وهو يقول :</p><p></p><p>- بس أعمل حسابك بعد كتب كتابك على طول هتنزل الشغل ..ماشى</p><p></p><p>- ماشى يا دكتور</p><p></p><p>****</p><p></p><p></p><p></p><p>وقبل عقد القران بيوم واحد كانت عزة وعبير فى زيارة مُهرة التى كانت كانت تظن أن شمس اليوم التالى ستشرق من أجلها وأن القمر سينتصف السماء من أجلها, لا لينير الأرض كما يفعل كالعادة ولكن سيحذو حذو الشمس وسيفعل ذلك لها وحدها .</p><p></p><p>قبلتهما مُهرة وهى ترحب بهما فى منزلها بسعادة وجلست أمامهم وهى تلاعب الأطفال وعزة تنظر إليها بدهشة بينما قالت عبير بمرح :</p><p></p><p>- علشان تعرفى بس أن قلبى كان حاسس ها</p><p></p><p>ضحكت مُهرة بخجل وهى تدفن وجهها بين ******* حياءا منها وقالت عزة متسائلة :</p><p></p><p>- بصراحة يا مُهرة انا مستغربة أوى .. محدش كان يفكر أبدا ان العلاقة بينك وبين فارس تبقى أكتر من علاقة بنت باخوها الكبير</p><p></p><p>نظرت لها عبير معاتبة بينما قالت مُهرة بخفوت :</p><p></p><p>- أنا عمرى ما شوفت فارس اخويا .. كنت دايمًا بشوفه قدوتى وانى نفسى ابقى زيه.. حتى ساعات كنت بتمنى ابقى شبهه فى الشكل من كتر منا كنت بحب اقلده فى كل حاجة ..عارفة العلامات اللى بتبقى مرسومة على الطريق علشان ترشد الناس .. أهو كان بالنسبإلى كده .. لاء ده انا كنت بحس انه هو الطريق نفسه اللى من غيره أضيع واتوه .</p><p></p><p>تبادلت عزة مع عبير النظرات وهما ينظران إلى مُهرة وهى تتحدث بعيون حالمة وهائمة فقالت عبير على الفور :</p><p></p><p>- أنا بكره إن شاء **** هبقى عندك من أول اليوم.. وهجيبلك الكوافيرة هنا فى البيت وهجيبلك البنات اللى هيعملولك فرح زى فرحى بالظبط مش انتِ فاكراه ولا نسيتى</p><p></p><p></p><p></p><p>***</p><p></p><p>نظر إلى سترته فى المرآة متمماً عليها بقلق ثم خرج إلى والدته التى كانت تنتظره بالخارج ودار حول نفسه ببطء مستعرضاً حلته أمامها وقال متسائلاً:</p><p></p><p>- ها أيه رأيك يا ست الكل</p><p></p><p>أبتسمت والدته وأقبلت عليه وقبلته بعينين دامعتين وقالت :</p><p></p><p>- زى القمر يا حبيبى</p><p></p><p>قال على الفور :</p><p></p><p>- تفتكرى هعجبها كده</p><p></p><p>ضحكت وهى ترفع كتفيها وتنزلهما قائلة :</p><p></p><p>- أنت عاجبها من زمان ..من ساعة ما كانت فى اللفة</p><p></p><p>قبل يد والدته ولف ذراعه حولها قائلا:</p><p></p><p>- تصدقى يا أمى مشوفتهاش من ساعة ما رجعت غير مرة واحده لما كانت فى البلكونة.. ومن ساعتها مش عارف اشوفها ولا حتى صدفة .. مش عارف مكسوفة مني كده ليه.. كأنى غريب عنها.. كأنها متعرفنيش .. مش عارف اخاليها تاخد على الوضع الجديد ده ازاى</p><p></p><p>أجلسته والدته على الأريكة وجلست بجواره وقالت بجدية :</p><p></p><p>- أنا عاوزة اقولك كلمتين يا فارس تحطهم حلقة فى ودنك .</p><p></p><p>أعتدل وبدا عليه الأهتمام وهو يستمع لها وهى تقول :</p><p></p><p>- مُهرة يابنى بالنسبالك مش هتبقى مراتك وبس .. دى كمان هتبقى بنتك ولازم تاخد بالك من كده وانت بتتعامل معاها ... أنا عارفة ان فارق السن بينكوا مش كبير ولا حاجة .. أنا بينى وبين ابوك **** يرحمه 15 سنه وطول عمره واحنا متفقين الحمد *** لحد آخر لحظة .. عارف ليه يا فارس .. علشان ابوك طول عمره كان حنين ومكنتش بحس أنه جوزى وبس كنت بحس انى بنته بيدينى حنان الأب زى ما بيدينى حب الزوج .. فاهمنى يا فارس</p><p></p><p>أومأ برأسه وهو يحاول استيعاب نصائحها فقالت متابعة:</p><p></p><p>- لو عملت كده مراتك هتحبك أكتر واكتر.. وهتبقى أغلى حاجة فى حياتها ومش هتقدر تزعلك أبداً</p><p></p><p>أبتسم ونهض يقبل رأسها قائلا:</p><p></p><p>- **** يخليكى ليا يا أمى.. ممكن بقى نطلع أحسن من ساعة ما قولتليلى كلمة مراتك دى وأنا عاوز أطلع مش عارف ليه</p><p></p><p>ضحكت والدته بشدة وهى تضع يدها على قلبها وتقول :</p><p></p><p>- سبحان **** كأنى أول مرة اشوفك بتتجوز فيها كأنك واحد تانى خالص</p><p></p><p>أخذ بيديها يساعدها على النهوض واتجه بها نحو الباب وقد فاضت نظرات الحب من عينيه وهو يقول :</p><p></p><p>- صدقينى يا ماما.. أنا كمان حاسس أنى أول مرة بتجوز وأول مرة بحب</p><p></p><p>********</p><p></p><p></p><p></p><p>تزينت مًهرة حتى أصبحت تبدو أكبر من عمرها الحقيقى ووقفت تنظر لزينتها بالمرآة وهى تستغرب شكلها الجديد وهيئتها, شردت بعقلها بعيداً وتذكرت يوم عقد قرانها على علاء ذلك اليوم الذى لم تنظر لنفسها فيه فى مرآتها أبداً , ولا تعرف كيف كان يبدو شكلها وقتها ..</p><p></p><p>لم ترى إلا فستانها وهى تنظر إليه عندما كانت مطرقة برأسها حتى لا تراه وهى تجلس بجواره مطرقةً برأسها حزناً.. تذكرت كيف أبدت موافقتها على الزواج منه بدون عقل واعى رغم النفور الذى شعرت به تجاهه عندما تقدم لخطبتها ..</p><p></p><p>نطق لسانها بالموافقة رفض عقلها وقلبها .. حدقت بوجهها فى المرآة أكثر وقد تذكرت الطريقة التى كانت تتعامل بها مع علاء , لم تعتبره يوما زوجها حتى أنها لم تظهر أمامه الا بالملابس المحشمة وبال**** ..</p><p></p><p>لم يرى شعرها رغم إلحاحه الدائم , كانت ترفض دائما لشعورها أنه غريب عليها لا تعرفه ولا تطيقه .. كانت تعتبر رفض قلبها له دليل على عدم صحة زواجهما, لذلك هو ليس زوج ولا حتى خطيب .. كان طلاقها تحصيل حاصل سيحدث فى أى وقت ولكن فى أى حال من الأحوال ما كانت ستكمل معه مشوار حياتها أبدا .</p><p></p><p>كانت تراه مُختطف قد اختطفها من بيئتها التى نشأت بها يريد أن يقذف بها فى مجتمع آخر غريب عليها خالى من دفىء المشاعر التى اعتادت عليه فى مجتمعها الصغير, مجمتعها التى تربت ونشأت فيه وأحبته بكل ذرة فيها .</p><p></p><p>أنتفض جسدها فجأة عندما هزتها أمها بقوة هاتفة بها :</p><p></p><p>- مالك يا مُهرة سرحانة فإيه كل ده</p><p></p><p>أنتبهت إلى والدتها بعيون شاردة ولكنها عادت إلى أرض الواقع سريعاً وهى ترى عبير وعزة ووالدة فارس يدخلون غرفتها وقد ملاْت الضحكات قسمات وجوههم وعبير تقول :</p><p></p><p>- الفرقة داخلة يا مُهرة .. أجهزى ببدلة الرقص</p><p></p><p>ضحك الجميع وبدأت البنات فى الدخول إليها وجلست هى كالملكة بين الجميع تنظر إليهم وتضحك ببراءة وهم ينشدون وعبير وعزة يرقصان ويرتطمان فى بعضهما البعض ويضحكان فى سعادة وبعد قليل أخذوا بيد والدة فارس لترقص معهم ولكنها خجلت واحتضنتهم وخرجت من حلبة الرقص وجلست بجوار مُهرة وهى تربط على قدمها بسعادة وحب, ضحكت مُهرة أكثر بخجل عندما أخذت عبير الدُف من أحدى الفتيات وبدأت تنشد وهم يرددون ورائها</p><p></p><p></p><p>فارس حلم بتتمنيه</p><p>واللى حلمتى فى يوم تلاقيه</p><p>بيكون وصفه يا ***** ايييه</p><p>يلا قوليلنا ..يلا قوليلنا ..يالا قوليلنا واحكى عليه</p><p></p><p>* ما تشوف عينه الا حلاله</p><p>ولا غير ربه بيشغل باله</p><p>ويطاطى ويراضى الوالد</p><p>والوالدة بتبات داعياله</p><p>ومصلى والمولى هاديه</p><p>آدى اللى حلمت انى الاقيه</p><p></p><p>قولى كمان يا صبيه عليه</p><p>فارس حلم بتتمنيه</p><p>بيكون وصفه يا ***** ايه</p><p>يلا قوليلنا ..يلا قوليلنا ..يالا قوليلنا واحكى عليه</p><p></p><p>*يتعب جسده ويعرق اكتر</p><p>ليرتاح قلبه الاخضر</p><p>وبيرجعلى بايده نضيفة</p><p>نفسه عفيفة وزى السكر</p><p>وطيابته بتبان فى عينه</p><p>آدى اللى حلمت انى الاقيه</p><p></p><p>قولى كمان يا صبيه عليه</p><p>فارس حلم بتتمنيه</p><p>بيكون وصفه يا ***** ايه</p><p>يلا قوليلنا ..يلا قوليلنا ..يالا قوليلنا واحكى عليه</p><p></p><p>* بتمناه انه يقدرنى</p><p>يبقى ولى القلب وأمرى</p><p>والليل لو بتطول اوقاته</p><p>يبقى ونيسى ونجمى وقمرى</p><p>وانا عمرى عمرى ما اعصيه</p><p>آدى اللى حلمت انى الاقيه</p><p></p><p>قمر العاطى انك تلاقيه</p><p>زى ما كنتِ بتحلمى بيه</p><p>واهو جالك دلوقتى الفارس</p><p>يسعد قلبك ويهنيه</p><p>يسعد قلبك ويهنيه</p><p></p><p>قمر العاطى انك تلاقيه</p><p>زى ما كنتِ بتحلمى بيه</p><p>واهو جالك دلوقتى الفارس</p><p>يسعد قلبك ويهنيه</p><p>يسعد قلبك ويهنيه</p><p></p><p></p><p></p><p>أما فى الخارج وعند الرجال جلس فارس أمام والد مُهرة وبدأ المأذون فى أجراءات عقد القران .. نظر فارس حوله نظرة سريعة فلم يجد أثر لـ عمرو رغم وجود والدته وزوجته بالداخل ولكنه لم يأتى حتى الآن .</p><p></p><p>كان يريد أن يكون عمرو أحد الشهود على الزواج ولكنه تأخر للغاية عن الموعد المتفق عليه ... لاحظ بلال نظرات فارس فنهض من مكانه وذهب إلى فارس وانحنى يحدثه فى أذنه</p><p></p><p>قائلا :</p><p></p><p>- يتدور على أيه</p><p></p><p>همس له فارس :</p><p></p><p>- عمرو أتاخر أوى</p><p></p><p>أخرج بلال هاتفه واتصل به ولكن الهاتف مغلق .. أنحنى مرة أخرى وقال لفارس:</p><p></p><p>- التليفون مقفول .. بس متقلقش يمكن الشبكة واقعة ولا حاجة وبعدين ده جاى من سفر يعنى يمكن السوبر جيت اتأخر على ما طلع</p><p></p><p>أومأ فارس برأسه بقلق وانشغل مع المأذون فى الأجراءات حتى انتهى العقد وبدأت رحلة الأمضاءات الطويلة, أنهى فارس آخر توقيع له وارتسمت على وجهه علامات السعادة والفرحة والشوق والحب قد عبرت تسللت وانطلقت مرتحلة أخيرًا من بين قضبانها بداخل قلبه ولتنطق بها قسمات وجهه معلنةً عن شوقها البالغ لزوجة العمر وشريكة الطفولة والصبى .. خرجت والدة فارس وأخذت الدفتر الكبير ودخلت إلى مُهرة لتوقع هى الأخرى موافقةً على أهداء عمرها وقلبها وكيانها له بدون منازع ولا شريك كما كان دائما, ولكن هذه المرة يرتبطان برباط مقدس لا ينفك بينهما أبدًا برغبتهما.. كانت توقع على العقد ويديها ترتعش وجسدها ينتفض , لا تستطيع تفسير هذه الحالة .. ربما من الجائز أن نقول عنها .. حالة حب!</p><p></p><p>أغلق المأذون دفتره وهو يدعوا لهما بالبركة والرزق وبدأ الجميع فى ترديد الدعاء لهم خلف بلال الذى كان يردد .. بارك **** لهما وبارك عليهما وجميع بينهما فى خير...</p><p></p><p>غادر المأذون وبعد قليل وقف بلال فى المنتصف بين الجميع وقال بصوت عالى :</p><p></p><p>- ودلوقتى جه وقت الامتحان وده للكل ها</p><p></p><p>نظر له الجميع بتساؤل فقال :</p><p></p><p>- انا هسأل سؤال واحد ولازم الكل يجاوب عليه</p><p></p><p>بدأت الابتسامات تعلو الوجوه وبلال يقول :</p><p></p><p>- هو سؤال واحد ... كل واحد فيكوا أتجوز ليييييه؟</p><p></p><p>نظر له الجميع وبدأوا بالضحك فاشار لهم أن يصمتوا وقال :</p><p></p><p>- مبهزرش انا عاوز أجابة</p><p></p><p>بدأ الجميع فى الهتاف بمرح :</p><p></p><p>- ايه يا عم ده.. بنتجوز علشان نتجوز</p><p></p><p>- بنتجوز علشان نخلف ويبقى عندنا عيال</p><p></p><p>- بنتجوز علشان أهالينا يرتاحوا</p><p></p><p>- بنتجوز علشان أمهاتنا دعوا علينا فى ساعة عصارى</p><p></p><p>ضحك الجميع من أجابات بعضهم البعض , فتوجه بلال إلى فارس وأخذ بيده يوقفه وقال :</p><p></p><p>- وانت بقى يا عريس بتتجوز ليه</p><p></p><p>أبتسم بلال وقال :</p><p></p><p>- علشان أفتح بيت **** وأخلف عيال أربيهم تربية صحيحة.. أنفع بيهم الدنيا والدين من الأنسانة اللى اخترها قلبى</p><p></p><p>صفق بلال بيديه فاستجاب له الجميع وصفقوا وهم يضحكون بينما قال بلال :</p><p></p><p>- دى أجابه نموذجية يا جماعة</p><p></p><p>ثم نظر إلى والد مُهرة وقال متعجبا:</p><p></p><p>- ينفع بقى البنت اللى اخترها قلبه تبقى قاعدة جوا وهو قاعد مع الشنابات دى</p><p></p><p>ضحك الجميع مرة أخرى ونهض والد مُهرة مبتسماً وهو يقول :</p><p></p><p>- طب استنى لما ادخل اشوف الطريق</p><p></p><p>دخل والد مُهرة وطرق على الباب فخرجت له أم يحيى فقال لها :</p><p></p><p>- خلى البنات تلبس علشان العريس عاوز يقعد مع عروسته شويه</p><p></p><p>ابتسمت ودخلت على الفور وقالت بصوت مرتفع :</p><p></p><p>- يالا البسوا يا بنات العريس عاوز يدخل</p><p></p><p>أحتقن وجه مُهرة وهى تبحث عن ملابس أو **** أو أى شىء</p><p></p><p>فضحكت عزة وهى تقول لها :</p><p></p><p>- يابنتى ده خلاص بقى جوزك يا هبلة</p><p></p><p>أرتدت النساء ملابسها ووضعت عبير نقابها على وجهها وقبلت مُهرة وانصرفت .. بدأت النساء فى الأنصراف ونهض فارس ليدخل لحبيبة قلبه ليراها لأول مرة دون محاذر أو قيود أو خجل , ولكن تأتى الرياح دائما بما لا تشتهى السفن .. دخل والد عمرو وأخيه محمود وهو يهتف موجها حديثه لفارس :</p><p></p><p>- أحلقنا يا فارس يابنى.. عمرو اتقبض عليه وهو جاى فى السكة</p><p></p><p>حدق به فارس وابتلع ريقه وهو يصيح به :</p><p></p><p>- أتقبض عليه يعنى ايه و ليه</p><p></p><p>صاح والد عمرو وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة :</p><p></p><p>- وهو جاى فى السكة طلعت حملة تفتش السوبر جيت ولقوا فى شنطته حتة آثار فرعونى</p><p></p><p>تمتم فارس بذهول :</p><p></p><p>- آثــار فرعـونـى !!</p><p></p><p>******</p><p></p><p></p><p>الفصل الحادى والثلاثون</p><p></p><p></p><p></p><p>عانق فارس عمرو وربت على ظهره مطمئناً وأجلسه وجلس بجانبه ممسكاً بذراعه وهو يقول :</p><p></p><p>- متخافش يا عمرو إن شاء **** هتطلع منها.. أحكيلى كل حاجة حصلت معاك وازاى حتة الآثار دى دخلت شنطتك ؟!</p><p></p><p>أستند عمرو برأسه بين كفيه وهو يهزها نفياً قائلاً بإنهيار:</p><p></p><p>- مش عارف يا فارس مش عارف</p><p></p><p>ثم رفع رأسه إليه وقد بدا فى عينيه الرجاء وهو يقول :</p><p></p><p>- أنت مصدقنى يا فارس مش كده .. أنت مصدق انى ماليش دعوه بالحاجات دى ولا اعرفها</p><p></p><p>أمسك فارس ذراعه وهو يشد عليه مطمئناً ويقول :</p><p></p><p>- مصدقك طبعاً يا عمرو .. أنت صاحبى واخويا وأنا عارفك كويس .. بس براحة كده علشان نفهم ازاى ده حصل .. أحكيلى كل حاجة .. فى حد فى شغلك مضايق منك ولا بيكرهك ؟</p><p></p><p>ضرب عمرو كفيه فى بعضهما البعض وهو يقول :</p><p></p><p>- انا دماغى متشتته يا فارس مش عارف أجمع أى حاجة ..أنا علاقتى بزمايلى فى الشغل علاقة كويسة أوى ..</p><p></p><p>ثم تنبه فجأة وهو يقول بإضطراب :</p><p></p><p>- يمكن بس واحد هو اللى كان بيكرهنى فى الأول بس من فترة كده بقى كويس معايا خالص وبقينا اصحاب</p><p></p><p>عقد فارس بين حاجبيه وقال مكرراً :</p><p></p><p>- مين ده وكان بيكرهك ليه وبقى كويس معاك من أمتى بالظبط ؟</p><p></p><p>مسح عمرو وجهه بيديه بقوة نافضاً عن نفسه التشتت الذى يشعر به وقال :</p><p></p><p>- بص يا فارس أنا هحكيلك كل حاجة بس الكلام ده يبقى بينا وبين بعض علشان الكلام مايوصلش لمراتى بأى حال من الاحوال ..</p><p></p><p>أومأ فارس برأسه وهو يشعر أن المشكلة أكبرمما كان يظن .. مال عمرو للأمام مستنداً على قدميه وبدأ يقص على فارس ما حدث له فى هذه الشركة منذ أول لحظة وطأت قدمه فيها وحتى هذه اللحظة كان فارس يستمع إليه مشدوهاً مما يقول .. كيف تكون المهندسة إلهام بهذه الأخلاق وهى أخت الدكتور حمدى !!.. الرجل الذى لا يقبل قضية مشبوهة أبداً ومبادئه غير قابلة للمساومة أو التجزئة .. ماهذه العائلة الغريبة التى تحيط بالدكتور حمدى ألايكفى فى عائلته شخص مثل باسم ابن خالته لتصبح إلهام أخته أيضا بهذا الأنحدار الأخلاقى الذميم .!</p><p></p><p>أنتهى عمرو من سرد قصته على فارس الذى تمتم بحيرة :</p><p></p><p>- سبحان الملك .. سيدنا نوح كان نبى وابنه كان كافر وسيدنا ابراهيم كان نبى وابوه كان مشرك ب**** يبقى المفروض مستغربش من اللى بسمعه ده ..</p><p></p><p>ثم نظر إلى عمرو بريبة وهو يقول :</p><p></p><p>- علشان كده اهتمت أنها تطلعك بسرعة أنت لوحدك وقالتلك أن دنيا هى اللى قدمت البلاغ ضدنا مش كده ؟</p><p></p><p>قرأ عمرو الشك فى عينيى فارس فقال مدافعاً عن نفسه:</p><p></p><p>- متفهمنيش غلط يا فارس .. أنا متجاوبتش معاها أبداً فى أى حاجة ..أنت عارف أنا بحب مراتى قد أيه ومش ممكن اخونها</p><p></p><p>فارس:</p><p></p><p>- ولما هى الحكاية كده يا عمرو ليه وافقت أنك تكمل شغل معاها وتسافر تشتغل مشروع كبير زى ده لشركتها.. وكمان مع نادر اللى انت عارف كويس انه بيكرهك وعاوز يأذيك</p><p></p><p>قال عمرو مُطرقاً برأسه :</p><p></p><p>- دى غلطتى الوحيدة يا فارس ..واللى انا مُعترف بيها .. بصراحة أنا كنت مصمم على الاستقالة علشان ابعد عن أى مصدر للفتن لكن لما لقيت نفسى هشتغل بعيد عنها وكمان الشغل هيجيب مبلغ كويس اقدر ابدأ بيه حياتى طاوعت نفسى وقلت وماله وياريتنى ما كنت وافقت</p><p></p><p>وضع فارس يده على قدمه مشجعاً وقال :</p><p></p><p>- أحكيلى بقى بالراحة كده ايه اللى حصل من امبارح للنهاردة</p><p></p><p>مسح عمرو على شعره ثم قال بتركيز يحاول أن يتذكر كل شىء وقال :</p><p></p><p>- أنا المفروض كنت هاجى يوم الخميس بالليل .. بس طبعا زى ما قلتلك نادر كان صلح علاقته بيا من أسبوع تقريبا وبقينا اصحاب ..قابلنى يوم الخميس وقالى انه مضطر يرجع القاهرة علشان ظروف فى البيت عنده وهيجيلى الجمعة على بعد الظهر كده ويستلم هو الشغل مكانى واسافر أنا الجمعة بعد الظهر .. أنا طبعا كنت عارف أن كتب كتابك هيبقى بعد العشا فقلت هلحق مفيش مشكلة .. وفعلا نادر سافر يوم الخميس بالليل ... جهزت انا شنطتى بالليل والصبح خدتها معايا الموقع وحطيتها فى كشك الراحة بتاع المهندسين اللى بنتغدى فيه فى مكان الموقع .. وقلت علشان أول ما نادر يرجع أخد الشنطة وامشى على طول من بره بره .. وفعلا جالى فى معاده بعد الظهر على طول وخدت الشنطة وركبت السوبر جيت .. وانا جاى فى الطريق طلعت حملة تفتيش عادية بس حسيت انهم بيدوروا عليا انا بالذات لأنهم اهتموا أوى بشنطتى ولقيتهم مطلعين منها تمثال صغير شكله كده فرعونى مش عارف دخل شنطتى ازاى يا فارس.. ومن ساعتها وانا هنا .</p><p></p><p></p><p></p><p>*********</p><p></p><p></p><p></p><p>عاد فارس إلى بيته قُبيل الفجر بوقت قليل وهو يحمل هم الدنيا فوق رأسه حزناً على صديق عمره ورفيق دربه .. كيف سيخرجه من هذه الورطة فهو لم يعمل فى مثل هذه القضايا من قبل ولكن كلام عمرو وحديثه أشعراه بأن نادر هو الفاعل هو من وضع قطعة الآثار فى حقيبة عمرو الخاصة عندما تركها عمرو فى مكان استراحة المهندسين أثناء العمل فالقاعدة تقول إذا أردت أن تؤذى أحدا فاقترب منه واكتسب ثقته لتعلم عنه ما يستحيل عليك أن تعلمه وأنت عدوه ..</p><p></p><p>من الواضح أن نادر هو من قام بترتيب كل شىء ليوقع عمرو فيما وقع فيه ...أستلقى فارس على فراشه بعد أن أبدل ملابسه .. نظر إلى ساعة الحائط أمامه وزفر بضيق وهو يقول بحنق :</p><p></p><p>- طبعاً زمانها نامت مش معقول تفضل صاحية لحد دلوقتى</p><p></p><p>سمع طرقاً خفيفاً على باب غرفتة فالتفت تجاه الباب وقال :</p><p></p><p>- أتفضلى يا أمى</p><p></p><p>فتحت والدته الباب ودلفت وقد بلغ القلق منها مبلغه .. أعتدل على فراشه فاقتربت منه وجلست بجواره قائلة :</p><p></p><p>- عمرو عامل أيه يا بنى طمنى عليه</p><p></p><p>قال وهو يومىء برأسه مطمئناً :</p><p></p><p>- متقلقيش عليه يا ماما عمرو كويس وموضوعه ده إن شاء **** يخلص على خير .. زمان والده وأخوه روحوا البيت وطمنوا مراته وأمه عليه.</p><p></p><p>قالت والدته بأسى :</p><p></p><p>- دى مراته يا عينى قطعت نفسها من العياط عليه وفين وفين لحد ما أمها هدتها وعرفت تاخدها معاها البيت .. وكلنا روحنا معاها حتى مُهرة .</p><p></p><p>ألتفت فارس إلى والدته وقال متسائلاً بانفعال :</p><p></p><p>- ومُهرة نزلت بقى بفستان الفرح كده فى الشارع</p><p></p><p>هزت رأسها نفياً وأردفت قائلة:</p><p></p><p>- مُهرة برضة هتعمل كده يا فارس ؟.. دى غيرت هدومها ياعينى وفضلت مع عزة لحد ما هديت ورجعنا كلنا من عندها من ساعة كده ..وفضلت واقفه جانبى لحد ما اتصلت بيك وانت قلتلى انك جاى فى السكة .</p><p></p><p>وجدت الأبتسامة طريقها أخيراً إلى شفتيه وهو يتسائل:</p><p></p><p>- تفتكرى زمانها نامت ؟</p><p></p><p>قالت بحيرة :</p><p></p><p>- مش عارفه يابنى</p><p></p><p>ثم ربتت على قدمه قائلة:</p><p></p><p>- عموما انت كمان شكلك تعبان أوى .. نام دلوقتى والصباح رباح</p><p></p><p>أومأ برأسه موافقاً لها فتركته ونهضت وفتحت باب غرفته وخرجت وهو يتتبعها بعينيه الحائرتين .. يريد أن يتحدث معها على الأقل فى الهاتف ولكن يخشى أن تكون قد نامت فيوقظها ويقلقها بعد كل هذا العناء الذى عايشوه فى يومهم هذا .</p><p></p><p>لم يستطع النوم تململ فى الفراش كثيراً دون جدوى , نهض منه وجلس على طرفه وهو يفكر فى يوم عقد قرانه الذى انتهى بهذا الشكل المأساوى ..تركها وذهب دون أن ينظر لها نظرة واحدة .</p><p></p><p>نهض من فراشه ووقف أمام الفراش وهو يمسح على شعره متردداً .. هل يجازف أم ينتظر للغد ولكن فى الصباح سينطلق إلى عمرو مرة أخرى وبالتالى فلن يراها أيضا إلا إذا سمحت له الظروف فى المساء .. زفر بقوة واتجه إلى النافذة يفتحها ويستنشق الهواء بقوة لعله يتخلص من التردد الذى اعتمل بصدره .. كان الشارع مُظلماً إلا من بقعة صغيرة أمامه تعكس ضوءاً لغرفة عُلوية .. نظر للأعلى وقلبه قد استعاد الأمل من جديد فتأكد أن غرفتها هى مصدر الضوء ..تيقن من كونها مازالت مستيقظة.. أتجه فوراً باتجاه مكتبه وأخذ هاتفه النقال من فوقه وطلب رقمها الخاص بشوق كبير .</p><p></p><p>أغلقت الكتاب التى كانت تقرأ فيه والتفتت إلى الهاتف الذى تضىء شاشته باسمه ويهتز مع انتفاضة قلبها , لا تعلم أيهما أسرع وأقوى .. تناولت الهاتف بابتسامة كبيرة فهذه هى المرة الأولى التى سيتحدث معها بعد أن أصبحت زوجته .. ظلت تنظر للهاتف بتوتر شديد والعرق يتصبب من جبهتها على استحياء وقلبها يقفز بجنون يكاد يخرج من حلقها , وفجأة توقف الرنين وأظلمت الشاشة مرة أخرى كما أظلمت الأبتسامة التى كانت تنير ثغرها منذ قليل ..</p><p></p><p>حاولت أن تهاتفه هى ولكنها شعرت بخجل شديد وامتنعت عن ذلك واكتفت أن ترسل له رسالة صغيرة تقول فيها :</p><p></p><p>- أنا صاحية</p><p></p><p>بعد ثوان وجدت الهاتف يعلن أسمه بأصرار من جديد .. تنفست بعمق وابتلعت ريقها وضغطت زر موافق , وضعت الهاتف على أذنها باضطراب شديد فسمعت صوت أنفاسه المشتاقة , وتسلل صوته الحانى بهدوء وخفوت إلى أذنها ومنه إلى قلبها وهو يقول :</p><p></p><p>- صحيتك ؟؟</p><p></p><p>هزت رأسها نفياً كأنه يراها وحاولت أن تُخرج صوتها بصعوبة فقالت بصوت مبحوحاً :</p><p></p><p>- لاء منمتش</p><p></p><p>أبتسم وهو يستمع لصوتها الذى غلفه الخجل فخرج مضطرباً وقال :</p><p></p><p>- كنتِ بتعملى أيه</p><p></p><p>مضت تبحث عن حروفها فلم تجدها, تبعثرت وتاهت فى سماء صوته الرخيم ..أعاد سؤاله مرة أخرى على مسامعها .. فتماسكت قليلاً وقالت بارتباك :</p><p></p><p>- كنت مستنياك</p><p></p><p>تنهد بقوة وهو يتكأ على فراشه وقال بهمس:</p><p></p><p>- أنتِ كده على طول.. مبتعرفيش تنامى وانتِ قلقانة عليا ؟</p><p></p><p>مرت بها سحابة الخجل وأخذت بيدها إلى سماء الحياء فأمطرت صمتاً له صوت كصوت الندى يقطُر على قلبه فينبت فيه الشوق الهائل والحنان البالغ وجد لذته على لسانه كما وجدها فى قلبه وكيانه وهو يقول أسمها بحب كبير :</p><p></p><p>- مُهرة</p><p></p><p>أختلج قلبها وهى تستمع إلى اسمها يخرج منه بهذا الدفء وأجابته :</p><p></p><p>- نعم</p><p></p><p>أغمض عينيه يضم صوتها الخجِل إليه وقال ببطء :</p><p></p><p>- وحشتينى</p><p></p><p>لم تجبه على الفور فقال دون تردد :</p><p></p><p>- بحبك</p><p></p><p>تدرجت وجنتيها بحمرة الخجل وهى تبتسم بحب وقد خفق قلبها لكلمته وللطريقة التى نطقها بها تشعر أنها تراه الآن وتشعر بدفء كلماته التى اختلفت عن كل الكلمات ..أما هو فلا يعلم كيف استمع إلى دقات قلبها وهو يطرق باب قلبه منادياً :</p><p></p><p>مهلاً حبيبى مهلاً ..قد انتظرتك دهراً</p><p></p><p>ذاب قلبى فى شفاهك فـ بهِ اليوم رفقاً</p><p></p><p>*********</p><p></p><p></p><p></p><p>فى الصباح الباكر كان فارس يقف بجوار عمرو أمام النيابة ويتابع معه سير التحقيقات ...طلب فارس من النيابة تقريراً لمفتش آثار متخصص من هيئة الآثار للوقوف على صحة هذه القطعة الأثرية من زيفها.. وهل هى أصلية أم لا, و طالب بالأفراج عن عمرو بضمان محل أقامته لحين ورود التقرير المطلوب ... وبالفعل تمت الإستجابة لطلباته وتم تحويل القطعة الأثرية لهيئة الآثار للكشف عنها وتم الأفراج عن عمرو بضمان محل أقامته .</p><p></p><p>بعد خروجهما من النيابة وقف عمرو ينتظر فارس الذى كان يتحدث فى الهاتف مع الدكتور حمدى ويخبره بآخر التطوارات ويقول:</p><p></p><p>- بس انا مش مطمن يا دكتور ممكن التقرير يجى بأن الحتة الفرعونى دى سليمة وكده عمرو هيروح فى داهية</p><p></p><p>قال الدكتور حمدى مطمئنأ :</p><p></p><p>- أنت مش بتقول زميله فى الشغل هو اللى انت شاكك فيه وان فى بينهم ضغائن خلاص سيبلى الحكاية دى هتكلم مع إلهام واشوف ممكن تساعدنا ازاى</p><p></p><p>قال فارس بتوتر:</p><p></p><p>- لا بلاش يا دكتور</p><p></p><p>قال الدكتور حمدى متسائلاً :</p><p></p><p>- ليه يا فارس</p><p></p><p>حاول فارس البحث عن شىء آخر يقول غير الذى بداخله فقال:</p><p></p><p>- يعنى انا لسه مش متأكد مش عاوز نتهم حد ظلم</p><p></p><p>- ملكش دعوة انت .. أنا مش هاتهمه ..أنا هحاول اعرف بس أى حاجة عن شغله منها يمكن يكون بيشتغل فى حكاية الآثار دى من وراها ويوديها فى داهية هى وشركتها .. ماهى الآثار دى محدش بيلاقيها فى الشارع كده.. الموضوع شكله كبير يا فارس</p><p></p><p>أنهى فارس مكالمته مع الدكتور حمدى ونظر إلى عمرو الذى كان يقف بجواره ويتحرك بشكل عشوائى بإضطراب فقال فارس :</p><p></p><p>- ما تهدى شوية يا عم انت خيالتنى</p><p></p><p>مسح عمرو على شعره بتوتر بالغ وهو يقول :</p><p></p><p>- أنا مش مطمن يا فارس القضية ممكن تلبسنى كده</p><p></p><p>حاول فارس تهدئته وقال :</p><p></p><p>- طب ايه رأيك نعملهم مفاجأة ونروح دلوقتى.. أنا كنت كلمتهم من ساعة وقلتلهم هنتأخر لو روحنا دلوقتى هتبقى مفاجأة حلوه.. دى مراتك هتموت من القلق عليك</p><p></p><p>قال عمرو فى شرود :</p><p></p><p>- لاء انا عندى مشوار ضرورى لازم اروحه حالا قبل ما اروح</p><p></p><p>أمسكة فارس من ساعده وقال متسائلا :</p><p></p><p>- رايح فين يا عمرو</p><p></p><p>ربت عمرو على كتفه وقال مسرعاً :</p><p></p><p>- هقولك بعدين متقلقش عليا روح دلوقتى ومتخاليش حد يشوفك من عندى.. وانا ساعة وهاجى وراك على طول</p><p></p><p>قال عمرو كلمته ولم يعطى فرصة لفارس للمناقشة والسؤال وأنما أنطلق على الفور فى طريقه</p><p></p><p>********</p><p></p><p></p><p></p><p>تناولت أم فارس قطعة قماش كانت بجوارها وقالت لأم يحيى وهى تشاهدها بدقة :</p><p></p><p>- القماشة دى حلوة أوى يا ام يحيى تصدقى أنا عندى عباية من نفس نوع القماش ده وكنت بدور على واحدة زيها لأنها مريحانى أوى ..أنا هاشتريها منك وابقى هاتى غيرها</p><p></p><p>نظرت لها أم يحيى بعتاب وقالت :</p><p></p><p>- ده كلام برضة يا ست ام فارس دى هدية مني ليكى ..وبقولك ايه هاتيلى العباية اللى بتقولى عليها وانا أفصلك أختها بالظبط .. ده أنا بقيت لهلوبة فى التفصيل</p><p></p><p>هزت أم فارس رأسها نفياً وهى تقول بتصميم :</p><p></p><p>- انا ماليش دعوة بالكلام ده هادفع تمنها يعنى هادفع تمنها</p><p></p><p>ثم التفتت إلى مُهرة وقالت وهى تمد يدها إليها بمفتاح الشقة :</p><p></p><p>- خدى يا مُهرة مفتاح الشقة وانزلى هاتيلى العباية الكحلى بتاعتى علشان أمك تشوفها</p><p></p><p>وقفت مُهرة تنظر إلى يدها الممدودة بارتباك فقالت أم فارس ضاحكة :</p><p></p><p>- متخافيش فارس مش جاى دلوقتى.. أتصل وقال هيتأخر</p><p></p><p>ضحكت أم يحيى وقالت :</p><p></p><p>- فاكرة يا ام فارس لما قلتلك على مُهرة وهى صغيرة .. **** يكون فى عون جوزها من اللى هتعمله فيه</p><p></p><p>تبادلت معها أم فارس الضحكات وهى تحرك رأسها موافقةً لها وقالت وهى تنظر إلى مُهرة :</p><p></p><p>- هو حر بقى مش هو اللى مستعجل على الجواز</p><p></p><p>أحمرت وجنتها والتقطت المفتاح سريعاً من يد أم فارس وقالت وهى تهرب من أمامهما :</p><p></p><p>- أنا هنزل بدل ما تتسلوا عليا</p><p></p><p>فتحت مُهرة باب الشقة ودلفت للداخل وعلى وجهها ابتسامة كبيرة .. انطلقت على الفور تجاه غرفته ودخلتها وأغلقت الباب خلفها ووقفت فى المنتصف تنظر لها بشوق كبير وكأنها تبثها حبها لساكنها وترجوها أن تنقل مشاعرها له عنده حضوره ..</p><p></p><p>جلست على فراشه ومسحت عليه برفقة تتلمسه لمساً وتستشعر دفأه بعينين هائمتين .. أخذت وسادته وضمتها إلى صدرها برقة ونعومة وقبلتها بحب كبير .. حانت منها التفافة إلى خزانة الملابس الخاصة بدنيا .. روادها شعور بالغيرة واتجهت إليها وهى تدعو من قلبها أن تجدها خالية حاولت أن تفتحها ولكنها وجدتها مغلقة بالمفتاح فعلمت أنها مازالت محتفظة بملابس صاحبتها بداخلها .. أشتعلت نار الغيرة بقلبها لمجرد وجود ملابسها معه بنفس الغرفة, شعرت بالدماء تتصاعد إلى رأسها بقوة وشعرت بحرارة جسدها التى ارتفعت بشدة وفى تلك اللحظة فُتح باب الغرفة فجأة, فصرخت وسقطت مغشياً عليها على الفور .. أنتابه الهلع الشديد عليها وهرول نحوها وهى ملقاة أمام الخزانة وحملها ووضعها على فراشه برفق وأخذ يبحث فى الغرفة عن زجاجة عطره فوجدها أخيراً وأخذها وحاول أن يجعلها تشمها حتى تستفيق من غيبوبتها وأخيراً استجابت للرائحة النفاذة التى تسللت إلى عقلها , فتحت عيونها ببطء واصطدمت بوجهه وهو جالس بقربها على الفراش يمسح على وجنتها برفق وينادى عليها بقلق شديد , جلست على الفراش فجأة وهى تنظر إليه بخجل واضطراب وقالت :</p><p></p><p>- انا آسفة</p><p></p><p>أبتسم وهو يتأمل وجهها وشعرها ويمسح عليه برفق وقال مداعباً بخفوت :</p><p></p><p>- يعنى أول مرة اشوفك فيها يغمى عليكى كده</p><p></p><p>شعرت بارتفاع آخر فى درجات حرارتها ولكن هذه المرة من الخجل, مسحت على وجهها وهى مطرقة بوجهها وقالت بخفوت :</p><p></p><p>- آسفة أنى خضيتك</p><p></p><p>رفع وجهها إليه ونظر إليها متأملاً :</p><p></p><p>- دى تانى آسفة على فكرة .. طب آسفة التانية وعرفناها.. آسفة الأولى ليه بقى</p><p></p><p>أشاحت بوجهها بعيداً تخفى احمرار وجهها عن عينيه وقالت وهى تضع خصلة من شعرها خلف أذنها :</p><p></p><p>- آسفة انى دخلت اوضتك كده</p><p></p><p>أعاد وجهها إليه مرة أخرى بأنامله وقال هامساً :</p><p></p><p>- أنتِ مراتى .. يعنى تدخلى أوضتى براحتك ..وبعدين انتِ بتدخليها من زمان أوى.. ولا نسيتى</p><p></p><p>هربت الابتسامة من شفتيها عندما تذكرت خزانة الملابس فأشاحت بوجهها مرة أخرى ونهضت من فراشه مسرعةً وقالت بحنق :</p><p></p><p>- لازم أنسى طبعاً .. لأنها فى وقت من الأوقات كانت متحرمة عليا ..واظاهر ان الأوقات دى غالية عندك أوى</p><p></p><p>عقد حاجبيه وهو ينظر إليها بتسائل وقال :</p><p></p><p>- أيه اللى خلاكى تقولى كده</p><p></p><p>أشارت للخزانة وقالت بضيق :</p><p></p><p>- علشان لسه محتفظ بهدومها فى الدولاب .. شكلها كانت هدوم غالية عليك أوى ..</p><p></p><p>ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بغيرة واضحة :</p><p></p><p>- شكلها ليها معاك ذكريات كتير علشان كده مقدرتش تفرط فيها</p><p></p><p>رفع حاجبيه ووضع يديه فى جيبيى بنطاله واقترب منها حتى وقف أمامها مباشرة وقال وهو ينظر فى عينيها:</p><p></p><p>- بس الدولاب مقفول بالمفتاح عرفتى منين أن هدومها لسه فيه</p><p></p><p>أستدارت وهى ترفع كتفيها وقالت متبرمة :</p><p></p><p>- باينة أوى .. مش محتاجة فقاقة يعنى</p><p></p><p>أبتسم وهو يكرر ورائها :</p><p></p><p>- فقاقة ؟!... وحشتنى اللغة بتاعتك أوى</p><p></p><p>أتجه نحو مكتبه وأخرج منها مفتاح صغير وعاد إلى الخزانة وفتحها بالمفتاح وقال وهو يشير إليها :</p><p></p><p>- أتفضلى شوفى الذكريات اللى بتقولى عليها</p><p></p><p>ألتفتت مُهرة إلى الخزانة فوجدتها خاوية, فنظرت إليه بدهشة متسائلة فأومأ براسه وهو يقول :</p><p></p><p>- أيوة فاضية .. علشان أمى كانت عاوزه تعلق البدل الزيادة اللى زحمة دولابى فيها وانا قفلتها بالمفتاح علشان أمى متعملش كده.. عارفة ليه؟ .. علشان مش عاوز هدومى تتحط مكان هدومها من كتر منا بقرف كل ما افتكرها</p><p></p><p>وضعت راحتها على جانب رقبتها وهى مطرقةً برأسها لأسفل فى خجل فقال بحنان وهو يداعب وجنتها قائلا:</p><p></p><p>- أنا ماليش ذكريات مع حد غيرك يا عبيطة .. ولا نسيتى أجمل الذكريات اللى قولتيلى عليها فى رسالتك وانا فى السجن</p><p></p><p>رفعت نظرها إليه بتأثر وقد لمعت عينيها وهى تستمع إليه وهو يقول :</p><p></p><p>- الحب الحقيقى هو الذى يرسم لك طريقاً تتلمس فيه .....أجمل الذكريات</p><p></p><p>فرت دمعة من عينيها وهى تتذكر تلك اللحظات المريرة عندما ابتعد عنها غدرًا وظالماً .. شعرت بيده وأنامله تمسح دمعتها فأغمضت عينيها واستمعت لصوته وهو يقول لها همساً وبشوق كبير :</p><p></p><p>- من ساعتها وانتِ وحشانى أوى.. ومن ساعتها وانتِ بتهربى مني.. ومش عارف اشوفك شعرت بقربه ودفئ يديه المحيطة بوجهها وأنفاسه القريبة .. رحلت فى عالم آخر لم ترد العودة منه .. بل قررت فيه الرحيل والعودة منه بغير دليل.. تنسج بيديها دروباً يحفها أريج الأزهار.. بلاشاطىء.. بلا عنوان .. ولا رغبة سوى التعمق أكثر والأبحار.</p><p></p><p>أنتفض جسدهما على صوت والدته وهى تنادى عليها بعد أن أغلقت باب الشقة خلفها .. أبتعدت عنه سريعاً وهى تمسح وجهها بيدها بارتباك وهو ينظر إليها نظرة جديدة عليها لم ترها فى عينيه من قبل, ولكنها فهمتها فاخفضت نظرها خجلاً , واتجهت صوب باب الغرفة مهرولة وفتحته فوجدت والدته تبحث عنها فى الشقة ,عندما رأتها نظرت إليها بقلق وهى تقول :</p><p></p><p>- خضتينى عليكى يا مُهرة كنتِ ...</p><p></p><p>بترت كلمتها عندما رأت فارس يظهر خلفها .. نظرت إليه من خلف كتفها وابتسمت وهى تقول له بمكر :</p><p></p><p>- هو انت هنا ..يبقى انت بقى اللى أخرتها</p><p></p><p>أتجهت مباشرة إلى باب الشقة وهى تحاول تحاشى النظر فى عيني والدته وهى تقول بخجل :</p><p></p><p>- أصل لما شفت فارس فجأة اتخضيت وأغمى عليا ..</p><p></p><p>ثم قالت بإرتباك :</p><p></p><p>- انا طالعة بقى</p><p></p><p>فتحت باب الشقة ولكنه عقد بين حاجبيه وهو يناديها , فتوقفت ولم تلتف فتوجه إليها ووضع يده على الباب وهو يقول بجدية وهو يشير إلى ملابسها وشعرها :</p><p></p><p>- هو انتِ نازلة كده أصلا</p><p></p><p>نظرت إلى ملابسها وقالت بتلقائية :</p><p></p><p>- آه وفيها ايه</p><p></p><p>قال بضيق:</p><p></p><p>- يعنى أيه وفيها أيه .. خارجة من شقتك ونازله لحد هنا بهدوم البيت دى وشعرك كده يا مُهرة</p><p></p><p>تنحنحت مضطربة وقالت على الفور:</p><p></p><p>- منا قلت هنزل بسرعة واطلع بسرعة مفيهاش حاجة</p><p></p><p>أشار إليها وهو يقول حانقاً :</p><p></p><p>- أنتِ ***** ولا لاء ؟</p><p></p><p>نظرت إليه بتسائل وحيرة فقال :</p><p></p><p>- ***** يعنى شعرك ده وهدوم البيت حدودهم باب الشقة وبس .. لا سلم ولا بلكونة ولا شباك ..فاهمانى</p><p></p><p>أبتلعت ريقها وبللت شفاها بلسانها وهى تقول بخفوت :</p><p></p><p>- حاضر بس انا متاكدة أن محدش هيشوفنى</p><p></p><p>وضع يده على كتفها وقال بجدية :</p><p></p><p>- متأكدة منين.. مش يمكن تخبطى فى حد طالع ولا نازل صدفة ..ساعتها هتعملى أيه .. على ما تجرى بقى هيكون شاف جسمك وشعرك يا هانم</p><p></p><p>تدخلت والدته وقالت على الفور:</p><p></p><p>- هى أصلا مبتنزلش كده دى أول مره تعملها</p><p></p><p>ثم نظرت إلى مُهرة وقالت :</p><p></p><p>- أدخلى يا مُهرة خدى العباية بتاعتى وطرحة.. البسيهم قبل ما تطلعى</p><p></p><p>دخلت على الفور لترتدى العباية وتضع على رأسها الطرحة بينما قالت له والدته بخفوت :</p><p></p><p>- براحة عليها شوية يا فارس ..لما تخرج بقى ابقى صالحها .. أنا داخله اشوفها لتكون بتعيط ولا حاجة</p><p></p><p>دخلت والدته فوجدتها تلف الطرحة وتكاد أن تنتهى , فربتت على كتفها وقالت مبتسمة :</p><p></p><p>- متزعليش ده بيحبك وبيغير عليكى</p><p></p><p>ابتسمت وهى تقول بعينين لامعتين :</p><p></p><p>- منا عارفة</p><p></p><p>ضحكت أم فارس وهى تضرب يدها فى بعضهما وهى تقول لها :</p><p></p><p>- وانا اللى كنت فاكراكى بتعيطى !</p><p></p><p>******</p><p></p><p></p><p></p><p>خرج فارس من بيته فى المساء متوجهاً إلى مكتب الدكتور حمدى وفى الطريق صادف عمرو متوجهاً إليه , تفاجأ عمرو به فى الطريق وقال :</p><p></p><p>- كويس أنى قابلتك يا فارس أنا كنت جايلك دلوقتى</p><p></p><p>وضع فارس يده على كتف عمرو وسار به فى طريقه وهو يقول :</p><p></p><p>- تعالى نتمشى سوا ونتكلم واحنا ماشين</p><p></p><p>قال عمرو على الفور وهو يمشى بجوار فارس :</p><p></p><p>- الدكتور حمدى أتصل بيك النهاردة ؟</p><p></p><p>هز فارس رأسه نفياً وهو يقول :</p><p></p><p>- لاء مكلمنيش بتسأل ليه ؟</p><p></p><p>ظهر التوتر على ملامح عمرو وهو يقول :</p><p></p><p>- أصلى قابلته النهاردة فى مكتب إلهام فى الشركة</p><p></p><p>ألتفت إليه فارس وتوقف عن السير وقال :</p><p></p><p>- فى ايه يا عمرو أتكلم على طول قلقتنى</p><p></p><p>قال عمرو على الفور :</p><p></p><p>- لما سيبتك قدام النيابة ومشيت روحت الشركة وانا مخنوق من إلهام ونادر وحاسس أن نادر عامل فيا كده علشان خايف أحسن أخدها منه .. دخلت عليها وانا ثاير جدا وقعدت أزعق وجبتلها القديم والجديد كله وقلتلها أن نادر عمل فيا كده علشان خايف أخدها منه واتكلمت كلام كتير أوى وهى واقفة مش عارفة ترد عليا وواقفة تبصلى بذهول وكل اللى طالع عليها ..أزاى نادر يعمل كده ...</p><p></p><p>خلصت كلامى من هنا ولقيت الدكتور حمدى دخل علينا وبصلها باحتقار بعد ما سمع كل حاجة وعرف اللى اخته بتعمله وقالها أنسى أن ليكى أخ اسمه حمدى ..</p><p></p><p>سيبتهم ومشيت على طول لما شفت الألم فى عينه وحسيت أنه محرج منى ومش عارف يبص فى وشى علشان كده افتكرت أنه كلمك وقالك حاجة ..</p><p></p><p>أستمع فارس إليه بدهشة كبيرة وهو عاقداً لحاجبية وقال ببطء ثقيل :</p><p></p><p>- وطبعا تلاقيه توقع انى انا كمان عارف عن أخته الكلام ده ..</p><p></p><p>نظر إلى عمرو وقال بألم :</p><p></p><p>- وأنت بقى متوقع أنه يكلمنى .. طب هيكلمنى يقولى ايه</p><p></p><p>صمت فارس يفكر فى الحال الذى وصل إليه الدكتور حمدى وكيف ستعامل مع هذا الموقف المحرج فقال عمرو على الفور :</p><p></p><p>- فى حاجة كمان حصلت يا فارس</p><p></p><p>ألفت إليه فارس فقال عمرو :</p><p></p><p>- طلعت بعدها على هيئة الاثار من كتر منا كنت قلقان وعاوز أطمن ..قلت اسأل وأشمشم كده حوالين الحتة اللى راحتلهم من النيابة .. وقبل ما أدخل شفت نادر خارج منها ومعاه واحد كده معرفوش</p><p></p><p>أثارت كلماته حفيظة فارس وحواسه فقال بسرعة :</p><p></p><p>- تفتكر كان رايح ليه ومين اللى كان معاه ده</p><p></p><p>رفع عمرو كتفية بحيرة وهو يقول :</p><p></p><p>- معرفش يا فارس مش عارف انا هتجنن خلاص</p><p></p><p>وضع فارس يده على كتف عمرو قائلا:</p><p></p><p>- طب أنا دلوقتى هروح المكتب يا عمرو وهحاول أتكلم مع الدكتور حمدى وهشوف الحكاية وصلت لأية ..ولما أرجع بالليل هبقى أكلمك تانى يالا روح أنت دلوقتى</p><p></p><p>دخل فارس حجرة مكتب الدكتور حمدى بشىء من الخجل وقال:</p><p></p><p>- حضرتك طلبتنى يا دكتور</p><p></p><p>أشار له الدكتور حمدى بالجلوس أمامه وقد بدا عليه الالم والاستياء ثم قال:</p><p></p><p>- أنا كنت متوقع برضه أنك هتتكسف تدخلى أول ما توصل علشان كده نبهت عليهم أول ما توصل تدخلي على طول</p><p></p><p>حاول فارس أن يحتفظ له بماء وجهه وقال:</p><p></p><p>- مش فاهم حضرتك تقصد أيه</p><p></p><p>أبتسم الدكتور حمدى بأسى وهو يقول :</p><p></p><p>- لاء أنت فاهم بس مش عاوز تحرجنى</p><p></p><p>صمت فارس ولم يجيبه فقال حمدى :</p><p></p><p>- لو سمحت يا فارس أنا مش عاوز أى كلام عن القضية دى فى مكتبى تانى ..أنا خلاص أتبريت من أختى ومش عاوز أى حاجة من ناحيتها تانى</p><p></p><p>رفع فارس رأسه إليه وقد فهم ما يرمى إليه فأومأ برأسه وحاول أن يُخرج الكلمات منه بشكل تلقائى وقد حضرته فكرة وليدة اللحظة حتى يرفع عنه الحرج وقال :</p><p></p><p>- بعد اذن حضرتك يا دكتور أن كنت بفكر أفيد أهل الشارع بتاعى ..والناس الغلابة اللى فيه وافتح مكتب خاص بيا هناك وتبقى الأتعاب على قد مصاريف القضية بس .... لأن فى ناس كتير هناك أحوالهم المادية ضعيفة جدا وأصلا المرتب يدوب بيكفى اكل وشرب بالعافية...</p><p></p><p>أعتصر الالم قلب الدكتور حمدى وهو يستمع إلى فارس واقتراحه وهو يعلم جيدا أن هذا الأقتراح ماهو إلا محاولة منه لرفع الحرج الذى استشعره فارس بعد أن علم عن أخته الذى تفعله وهى متزوجة ... ولم يكن فارس مخطىءً فى ظنه لذلك قال حمدى وهو يومىء برأسه متفهماً :</p><p></p><p>- **** يوفقك فى حياتك يا فارس.. أنا مش هقدر امنعك انك تحقق ذاتك بعيد عني رغم أنى مش هقدر أستغنى عنك ولا عن مجهودك فى الشغل أبداً</p><p></p><p>قال فارس مبتسماً وقد أيقن أنه كان محقا :</p><p></p><p>- أنا تلميذ حضرتك يا دكتور أتعلمت منك أخلاق المهنة قبل ما أتعلم الشغل فيها ومن غير ما أكون بشتغل فى المكتب هنا أنا تحت أمرك فى أى حاجة سواء كان شغل أو غيره أنا مش هنسى فضلك عليا بعد ****</p><p></p><p>نهض حمدى وعانق فارس بمشاعر الأبوة التى يشعرها تجاهه دائماً وربت على كتفه قائلا بمرح :</p><p></p><p>- هتنافسنى فى المحاكم يعنى وهتاخد مني الزباين</p><p></p><p>ضحك فارس وهو يشد على يده قائلا بتواضع :</p><p></p><p>- ده انا يدوب تلميذك يا دكتور</p><p></p><p></p><p></p><p>*****</p><p></p><p></p><p></p><p>هتف عمرو فى الهاتف وهو يتحدث إلى فارس قائلا :</p><p></p><p>- يعنى ايه سبت المكتب يعنى انا السبب</p><p></p><p>ضحك فارس وهو يقول :</p><p></p><p>- أنت السبب فعلا بس مش سبب حاجة وحشة.. أنت السبب فى أنى أبدأ أحقق ذاتى وأعملى أسم كويس</p><p></p><p>هتف عمرو بانفعال مرة أخرى :</p><p></p><p>- يعنى أنت هتشتغل القضية لوحدك ولا ايه</p><p></p><p>قال فارس مداعباً :</p><p></p><p>- ومالك مرعوب كده متخافش هجيبلك تأبيدة بس</p><p></p><p>صاح عمرو بضيق :</p><p></p><p>- يا فارس مبهزرش دلوقتى .. وقولى ناوى على ايه</p><p></p><p>قال فارس بجدية :</p><p></p><p>- أنا الاول كنت مستنى تقرير هيئة الاثار لكن بعد ما قلتلى أنك شفت نادر وواحد تانى خارج من هناك قلقت</p><p></p><p>- قلقت أزاى فهمنى</p><p></p><p>- مفيش حاجة تخلى نادر يروح هناك غير سبب واحد بس .. أنه يكون عاوز التقرير يطلع بطريقة معينة</p><p></p><p>عقد عمرو بين حاجبيه وقال قلقاً :</p><p></p><p>- يعنى هيدفع فلوس علشان يثبت أنها سليمة يعنى ولا ايه معنى كده ......</p><p></p><p>قاطعه فارس قائلاً بثقة :</p><p></p><p>- بالظبط كده معنى كده أنها مش حقيقية ومزيفة لأنها لو كانت حقيقية مكنش راح هناك</p><p></p><p>قال عمرو بشرود وكانه يحادث نفسه :</p><p></p><p>- حتى لو كده طب ماهو لو تحليلك ده صح يبقى برضه هروح فى داهية لأن التقرير هيطلع زى ماهو عاوز</p><p></p><p>قال فارس مطمئناً :</p><p></p><p>- متقلقش أنا واثق من تحليلى ولو التقرير طلع زى ماهو عاوز هشكك فيه وهطلب أن الحتة دى تتحال للجنة تانية</p><p></p><p>قال عمرو ساخطاً :</p><p></p><p>- طب ماهو ممكن يرشى اللجنة التانية برضه</p><p></p><p>قال فارس وهو يضيق عينيه بثقة :</p><p></p><p>- متقلقش ساعتها هسبقه بخطوة</p><p></p><p>تأفف عمرو بضيق وزفر ثم قال :</p><p></p><p>- طب وهو هيعمل كل ده ليه.. ما كان يحطها سليمة وخلاص</p><p></p><p>قال فارس متهكماً :</p><p></p><p>- أنت عبيط يابنى عاوزه يضحى بحتة سليمة ويخسر فيها ملايين .. لا طبعاً هو أحسنله يدفع رشوة كام ألف لكن يحطلك حتة بملايين لمجرد انه يوديك فى داهية لاء ...</p><p></p><p>ثم رفع فارس حاجبيه وقال بتفكير عميق :</p><p></p><p>- وده بقى اللى بيأكدلى أن الواد نادر ده بيشتغل فى حكاية تهريب الاثار دى</p><p></p><p>استند عمرو إلى سور الشرفة وقال بتركيز :</p><p></p><p>- وانت جالك الاحساس ده أزاى ؟</p><p></p><p>جلس فارس خلف مكتبه واستند إليه وهو يعبث بصور مُهرة الخاصة بعقد القران والتى وضعتها والدته على مكتبه فقال عمرو بقلق :</p><p></p><p>- فارس أنت معايا</p><p></p><p>أنتبه فارس وقد شرد قليلا فى صور مُهرة وقال بسرعة :</p><p></p><p>- ها معلش يا عمرو انا معاك أهو</p><p></p><p>أعاد عمرو سؤاله من جديد وهو يقول :</p><p></p><p>- كنت بسألك أحساسك ده جه أزاى</p><p></p><p>قال فارس على الفور :</p><p></p><p>- بص يا عمرو الانسان لما بيحب ياذى حد أول حاجة بتيجى فى تفكيره الحاجات اللى هو بيتعامل معاها دايما .. اللى بيشتغل فى المخدرات أو بيتعاطاها لما بيحب يأذى واحد تانى بيعمل ايه .. بيحطله مخدرات ويبلغ عنه .. واحد بياخد رشوة لما يحب ياذى يعمل للى عاوز ياذيه قضية رشوة ويلبسهالوا .. واللى حصلك مع نادر بيقول أن نادر ليه فى حكاية الاثار دى علشان كده لما فكر ياذيك فكر يأذيك بنفس الحاجة اللى هو دايس فيها .. فهمت</p><p></p><p>أعتدل عمرو وقال على الفور وكأنه قد تذكر شيئاً هاماً وقال :</p><p></p><p>- **** يفتح عليك ..أنت فكرتنى بحاجة مهمة مكنتش واخد بالى منها</p><p></p><p>أنتبهت حواس فارس وهو يقول :</p><p></p><p>- افتكرت ايه</p><p></p><p>قال عمرو بتركيز :</p><p></p><p>- فى مرة أخدت أجازة يومين ونادر هو اللى كان ماسك النبطشية بدالى ولما رجعت وبصيت بالنهار على الموقع لقيت آثار حفر على عمق أكتر من العمق المسموح بيه ولما سألته قالى انها غلطت العمال بس هو لحقها</p><p></p><p>مسح فارس على شعره وقال بقلق :</p><p></p><p>- أظاهر كده يا عمرو ان الموضوع كبير وخطير وأن نادر مش لوحده فيه ..المكان اللى بتبنوا فيه الفندق ده معروف أنه مكان اثرى واصلا مش عارف التصريح بالحفر والبُنى خرج ازاى للمكان ده ...</p><p></p><p>زفر عمرو وهو يقول بضيق :</p><p></p><p>- الموضوع شكله كبير علينا أوى يا فارس ... أنت لو بصيت على الاثار اللى خرجت بره مصر وشفت حجمها وعرضها هتعرف ان الاثار دى مش ممكن تكون أتهربت .. الاثار دى خارجه تحت عين أكبر راس فى البلد وباتفاق كمان</p><p></p><p>نظر فارس أمامه بعينين حازمتين وقال بأصرار :</p><p></p><p>- أنا بقى مش هسيب الموضوع ده يا انا يا هما ...</p><p></p><p></p><p></p><p>******</p><p></p><p>وفى الصباح وقف فارس ينتظر مُهرة أمام باب شقته وابتسم عندما وجدها تهبط إليه فى الملابس الجديدة التى أهداها أياها .. نظرت إليه وابتسمت بخجل , تأملها بإعجاب ثم عقد جبينه وقال بضيق مصطنع :</p><p></p><p>- لاء مينفعش أطلعى غيريها</p><p></p><p>رفعت حاجبيها وقالت باعتراض :</p><p></p><p>- ليه دى جميلة أوى وواسعة أهى</p><p></p><p>صعد درجة من السلم ليقف أمامها مباشرة وقال وهو يداعب وجنتها :</p><p></p><p>- ماهو علشان كده عاوزك تغيريها.. حلوه أوى عليكى وخايف حد يبصلك</p><p></p><p>أبتسمت وهى ممسكةً بيده التى تداعبها وقالت بخجل :</p><p></p><p>- يالا بقى هتأخر كده على المحاضرة</p><p></p><p>رفع يديها لشفاه وقبل أناملها وقال بحب :</p><p></p><p>- أتأخرى براحتك .. أنا اللى هديكى أول محاضرة... يعنى هتروحى مع الدكتور</p><p></p><p>عقدت ذراعيها وهى تقول بعناد :</p><p></p><p>- أنا بقى مبحبش الكوسة ..واصلا محدش هيعرف علاقتنا</p><p></p><p>ضحك ضحكات رنانة أهتزلها قلبها عشقاً ثم قال :</p><p></p><p>- علاقتنا ! هو انتِ مش مراتى لا سمح ****</p><p></p><p>وضعت يدها على لحيته تمسح عليها وتخلل أصابعها برفق داخلها وهى تقول بشغف :</p><p></p><p>- أنا بحب أوى كلمة مراتى دى منك</p><p></p><p>تلاشت البسمة من وجهه وزاغت أنظاره وهو ينظر إليها شاعراً بأحاسيس قوية تجتاحه تجاهها قائلا بصوت رخيم :</p><p></p><p>- أنتِ اتعلمتى الحركة دى من مين</p><p></p><p>قالت بحياء :</p><p></p><p>- عبير هى اللى علمتهالى وقالتلى انها هتعجبك</p><p></p><p>أبتلع ريقه وهو يقول بتماسك :</p><p></p><p>- كل اللى تقولك عليه ابقى اسمعى كلامها فيه ماشى</p><p></p><p>ضحكت وهى تقول :</p><p></p><p>- ليه بقى</p><p></p><p>أومأ برأسه وهو يغمض عينيه قائلاً بمرح :</p><p></p><p>- علشان عارف انها هتعلمك بضمير</p><p></p><p></p><p></p><p>**********</p><p></p><p>بحث فارس عن مكان يصلح ليستأجرة ويبدأ فيه تأسيس مكتبه الخاص ويكون قريباً من شارعهم وأخيرا وجده على مسافة قريبة جدًا منهم وبدأ فى تاسيسه وحاول البحث عن بعض الأثاث زهيد الثمن ولكنه فى يوم من الأيام تفاجا بدخول مُهرة عليه المكتب وهى تقول بسعادة :</p><p></p><p>- يالا بسرعة يا فارس العربية واقفة تحت</p><p></p><p>نهض وهو ينظر إليها بدهشة وقال :</p><p></p><p>- عربية ايه يا مُهرة اللى واقفة تحت</p><p></p><p>قالت على الفور وهى تجذبه من يده :</p><p></p><p>- يالا بس الناس هتطلع الحاجة تعالى علشان تقف معاهم</p><p></p><p>وفجأة وجد بعض الرجال يدخلون عليه المكتب كل منهم يحمل قطة أثاث خاصة بالمكتب وبدأوا فى وضعها فى الداخل وهو واقف ينظر إليهم بدهشة .. جذبها من يدها إلى أحد الأركان وقال بجدية :</p><p></p><p>- فهمينى ايه ده وجبتى الحاجات دى منين وازاى متقوليليش</p><p></p><p>قالت بمرح وحماس:</p><p></p><p>- انا عندى واحدة صاحبتى فى الجامعة باباها عنده محل أثاث صغير كده على قدهم ..قولتلها مرة تجيبلى معاها كتالوج من المعرض ولما شفت الحاجات اللى فيه لقيتها حلوه ورخيصة .. فنقيت واحد للمكتب هنا وأدتها العنوان وبس ..</p><p></p><p>قال بحدة :</p><p></p><p>- أنتِ بتتصرفى تصرفات عيال .. والفلوس ؟ هدفع فلوس الحاجات دى منين يا مُهرة</p><p></p><p>تألمت من قبضته قليلاً حول ذراعها وقالت بخفوت وهى مطرقةً للأسفل :</p><p></p><p>- الفلوس أدفعت خلاص متخافش</p><p></p><p>أرخى قبضته عنها وعقد حاجبيه قائلا:</p><p></p><p>- جبتى الفلوس منين ؟</p><p></p><p>قالت ببراءة :</p><p></p><p>- بعت الشبكة بتاعتى اللى جبتهالى</p><p></p><p>نظر إليها لا يعلم ماذا يقول , هل يحتد عليها وعلى تصرفها التى قامت بها دون الرجوع إليه أم يأخذها بين ذراعيه وضمها على تضحيتها بالذهب الوحيد الذى كانت تملكه والذى كان عزيزًا عليها فقال بنبرة معتذرة :</p><p></p><p>- بس الشبكة دى كانت غالية عندك أوى ليه عملتى كده</p><p></p><p>ظلت مطرقة ً برأسها وهى تقول بصدق :</p><p></p><p>- هى كانت غالية عندى علشان منك انت .. بس انت عارف انى أصلا مش بحب الدهب ولما لقيتك مزنوق فى فلوس العفش اللى هيتحط فى المكتب ملقتش قدامى حل تانى غير ده ومرضتش اقولك علشان عارفة انك هترفض</p><p></p><p>أكتسى صوته عذوبة ورقةً وهو يقول بامتنان :</p><p></p><p>- بس انتِ مكنش عندك غيره يا حبيبتى</p><p></p><p>نظرت له بعتاب وقال بخفوت دون أن تنظر إليه :</p><p></p><p>- انا معنديش غيرك انت يا فارس</p><p></p><p>********</p><p></p><p>بدأ العمل فى المكتب على قدم وساق وأخيرا تم وضع اللافتة التى تحمل أسمه .. دكتور فارس سيف الدين المحامى , ولكن أين يذهب فارس من أقداره هو مُهرة ..بعد أسبوع واحد من بداية العمل فى المكتب الجديد وذات مساء زاره أبو يحيى والد مُهرة ومعه العم عامر بصحبة ولده مينا وقد كان فارس مشغولا بالتحدث فى الهاتف مع عمرو الذى كان يخبره أن التقرير قد أُعد أخيرا وذهب إلى النيابة وأنهما لا بد ان يذهبا فى الغد على الفور .</p><p></p><p>أنهى فارس المكالمة سريعاً ورحب بأبو يحيى والعم عامر ترحيب شديد ولكن وجههما كان يعلوه العبوس وخصيصا وهما ينظران إلى بعضهما البعض شذراً .. فقال فارس على الفور :</p><p></p><p>- خير يا جماعة ايه الحكاية</p><p></p><p>نظر أبو يحيى إلى عامر ومينا بثقة وكأنه يعرف إلى أى جهة سينضم فارس وبدء فى سرد ما حدث بينهما من شقاق ونزاع</p><p></p><p></p><p></p><p>******</p><p></p><p></p><p>الفصل الثانى والثلاثون</p><p></p><p>(قبل الأخير )</p><p></p><p></p><p></p><p>- خير يا جماعة ايه الحكاية</p><p></p><p>نظر أبو يحيى إلى عامر ومينا بثقة وكأنه يعرف إلى أى جهة سينضم فارس وبدء فى سرد ما حدث بينهما من شقاق ونزاع وقال:</p><p></p><p>- شوف يا فارس يابنى .. من مدة كدة مرات عامر كانت عاوزه تشترى مكنة خياطة ومعهاش المبلغ كله .. لجأت لمراتى التانية وطلبتهم منها ..ومراتى اشترطت عليها أنها تردلها المبلغ بعد كام شهر بس بزيادة 500 جنية دلوقتى بقى مراته جاية ترجع المبلغ من غير الزيادة والحريم اتخانقوا مع بعض, حاولت افهمه أن احنا عندنا فى شرعنا أن العقد شريعة المتعاقدين وهما اتفقوا من قبل ما تاخد الفلوس برضه مش مصدق</p><p></p><p>ويقولى ده حتى عندكوا اسمه ربا , حاولت افهمه واشرحله واقوله أن السلف ده زى قرض البنك كده بالفايدة بتاعته مش ربا ولا حاجة .. ولا حياة لمن تنادى .. برضة راكب رأسه ومش راضين يدفعوا الزيادة .. أتفضل بقى انت فهمه يمكن يفهم منك.. أصله فهمه على قده شويه</p><p></p><p>هتف مينا أبن عامر بغضب :</p><p></p><p>- لو سمحت حسن ملافظك شوية يا عم ابو يحيى.. ولا يعنى علشان هو جوز بنتك ومتأكد أنه هيحكملك .. أنا اصلا مكنتش مقتنع أننا نيجي هنا ما انا عارف أيه اللى هيحصل ..</p><p></p><p>تنهد فارس ببطء وهو يشعر أنه مقدم على مشكلة كبيرة سوف تحدث وقال لـ مينا :</p><p></p><p>- وعرفت منين اللى هيحصل بقى يا مينا</p><p></p><p>لوح مينا بضيق وهو يقول :</p><p></p><p>- طبعا هتحكمله هو مش انت جوز بنته ..وغير كده هتقول ده **** ودول مسيحين يبقى احكم لل**** اللى زيى</p><p></p><p>ثم نظر إليه نظرة ذات معنى وهو يقول :</p><p></p><p>- مش كده برضه يا شيخ فارس</p><p></p><p>جذب عامر ذراع ولده ونهره بقوة قائلا:</p><p></p><p>- عيب كده يا مينا ..أحترم الدكتور وانت بتتكلم</p><p></p><p>ثم التفت إلى فارس وقال معتذراً :</p><p></p><p>- أنا آسف يا دكتور.. أمسحها فيا معلش .. مينا لسه صغير وميعرفكش كويس زيى</p><p></p><p>ألتفت فارس إلى مينا وقال بهدوء :</p><p></p><p>- أيه بقى حكاية شيخ فارس دى.. تقصد بيها ايه</p><p></p><p>نظر له مينا بحنق ولم يجبه فكرر عامر أعتذاره لـ فارس فقال فارس على الفور وهو ينظر إلى عامر :</p><p></p><p>- أتفضل أحكيلى ايه اللى حصل يا عم عامر</p><p></p><p>قال ابو يحيى معترضاً :</p><p></p><p>- منا حكتلك الحكايه كلها يا دكتور هو هيقول ايه يعنى مختلف عن اللى قلته</p><p></p><p>نظر له فارس مبتسماً وحاول أن يعطيه احساس بأنه ليس ضده وقال :</p><p></p><p>- معلش يا أبو يحيى أى حد بيحكم بين طرفين لازم يسمع من الاتنين .. حتى لو انتوا الاتنين قدام بعض لازم اسمع من الطرفين قبل ما اقول أى حاجة .</p><p></p><p>هز عامر رأسه موافقاً بإعجاب وهو ينظر إلى فارس و فقال :</p><p></p><p>- أنا كلامى مش هيختلف يا دكتور فارس هو نفس الكلام .. مراته سلفت مراتى واتفقت معاها على زيادة 500 جنيه .. بس مراتى خبت عليا موضوع الزيادة دى ..ومكنتش اعرفها ولما كنت قاعد مع الحاج عبد **** وبحكيله قالى أن ده عندكو اسمه ربا يعنى انا مجبتش حاجة من عندى .. وده كده فى ظلم كبير لينا لأننا معناش المبلغ ده دلوقتى.. المكنة باظت ومستفدناش منها بحاجة</p><p></p><p>مال أبو يحيى مستندا بيده على مكتب فارس وهو يقول :</p><p></p><p>- طب أنا ذنبى ايه.. العقد شريعة المتعاقدين ومراتك وافقت من الأول</p><p></p><p>أبتلع فارس ريقه وهو يشعر أنه يقف بقرب فوهة بركان تكاد أن تنفجر فى وجهه فى أى وقت ولكن الحق أحق أن يتبع ..سلم أمره *** ونظر إلى عامر الذى كان ينتظر كلمة حق ..شعر بسخونة تسرى فى جسده فهو يعلم ماذا سيفعل به أبو يحيى إذا ما نصر عليه غريمه .. لكن هل يقول كلمة تقرب بينه وبين حبيبته وزوجته وتبعده عن الجنة وتلقى به فى الجحيم .. وبحسبة بسيطة حسم فارس أمره ونظر إلى عيونهم المتعلقة به وأخذ نفساً عميقاً وقال :</p><p></p><p>- عم عامر على حق .. ده ربا فعلا</p><p></p><p>ارتسمت ابتسامة رضا على وجه عامر بينما حدق مينا فى فارس بدهشةً وانفجر بركان ابو يحيى فى وجهه كما توقع تماماً وقال صائحاً :</p><p></p><p>- أنت بتنصره عليا يا جوز بنتى .. يعنى انت موافق على اللى بيقوله ده</p><p></p><p>نهض فارس محاولاً تهدئته وقال على الفور :</p><p></p><p>- اسمعنى يا عمي بس أنا هافهمك ليه</p><p></p><p>صاح فيه ابو يحيى قائلا:</p><p></p><p>- كويس أنى عرفتك قبل ما أديك بنتى ..راجل بوشين صحيح.. أومال دقن وعاملى فيها شيخ وكمان بتنصر المسيحى عليا يا عم الشيخ .. ملكش عندى بنات للجواز عن اذنك</p><p></p><p>لحق به فارس عند باب الحجرة وجذبه من ساعده برفق محاولا إيقافه وتهدئته وهو يقول برجاء :</p><p></p><p>- هفهمك انا قلت كده ليه .. ده شرع **** مش كلامى</p><p></p><p>دفعه ايو يحيى بثورة عارمة وهو يصيح شرع **** ايه أنتوا كل واحد فيكوا يربى دقنه ويتاجر بشرع **** يا نصابين .</p><p></p><p>قال كلمته بعد أن دفع فارس بقوة وصفع الباب خلفه بعنف , زفر فارس وهو يمسح بكلتا يديه على شعره بقوة وهو يقول :</p><p></p><p>- لا حول ولا قوة الا ب****.. ليه كده بس.. طب كنت استنى لما تفهم</p><p></p><p>تبادل عامر مع ولده مينا النظرات المتعجبة واتجه عامر إلى فارس قائلا بأعتذار :</p><p></p><p>- انا آسف يابنى</p><p></p><p>رفع فارس رأسه إليه وقال بعدم تركيز :</p><p></p><p>- لا..لا وانت ذنبك ايه يا عم عامر</p><p></p><p>أقترب مينا من فارس وقال بإرتباك :</p><p></p><p>- أنا آسف انا كمان يا دكتور فارس مكنتش أعرف أنك هتيجى فى صف الحق مهما كان هو مع مين</p><p></p><p>حاول فارس أن يرسم ابتسامة مجاملة على شفتيه ولكنه عجز عن ذلك فعقله يدور ولا يعلم ماذا سيفعل مع والدها وماذا سيحدث بعد ذلك ..</p><p></p><p>******</p><p></p><p></p><p></p><p>ظل والدها يصرخ فى وجهها صائحاً :</p><p></p><p>- هيطلقك يعنى هيطلقك وانتِ اللى هتطلبى الطلاق منه.. أنتِ فاهمة ولا لاء</p><p></p><p>أنسابت عبراتها وهى تهتف :</p><p></p><p>- ليه بس يا بابا طب حتى استنى لما تسمع منه</p><p></p><p>صاح بصوت هادر :</p><p></p><p>- اللى بقولك عليه تعمليه .. وإلا و**** أمك هرميها فى الشارع ومش هتلاقى مكان يلمها</p><p></p><p>بكت مُهرة بشده وجسدها يرتجف وينتفض بقوة وهى تستغيث ب**** أن ينقذها مما تقاسيه ... تدخلت والدتها وقالت له بجمود :</p><p></p><p>- هو انت كل ما يحصل حاجة تهددنى بالطرد والطلاق .. أنت فاكرنى هترمى فى الشارع يعنى من غيرك</p><p></p><p>توجه إليها فى غضب عارم ولوى ساعدها خلف ظهرها وهو يصرخ فيها :</p><p></p><p>- ايوا هتترمى فى الشارع ياختى ..ولو مش عاجبك الباب يفوت جمل</p><p></p><p>دفعته بكل طاقتها بعيدا عنها بعد أن شعرت أن يدها ستكسر فى قبضته وهرولت نحو باب الشقة وهى تاخذ محفظتها وتجذب حجابها وتضعه على شعرها وهى تقول بغضب :</p><p></p><p>- سايبهالك مخضرة.. أبقى هات مراتك التانية تعمرها بقى</p><p></p><p>خرجت وأغلقت الباب خلفها ونسيت أن ابنتها فى أشد الحاجة إليها, غضبت لنفسها وانفجر بركان صمتها الذى كان هامداً طوال تلك السنوات والآن انفجر ولكنه لم ينفجر فى وجهه وحده وأنما فى وجه مُهرة ايضا .. فتحت أم فارس باب شقتها عندما سمعت صوت الصراخ الاتى من شقة مُهرة فوجدت أم يحيى وهى تهرول هابطة للأسفل حاولت إيقافها ولكن عينيها كانت تتطاير منها الشرر وهى تصيح فيه وكأنه مازال يسمعها :</p><p></p><p>- روح هات الغندورة التانية تقعدلك فيها ..أنا مستحملة وصابرة على بلاويك.. فى الآخر حصلت تمد ايدك عليا</p><p></p><p>لم تسمع نداءات أم فارس ولم تعيرها اهتماماً , نظرت للأعلى لدقيقة ثم عادت إلى شقتها مرة أخرى عندما سمعت صوت رنين الهاتف ... أجابته قائلة :</p><p></p><p>- السلام عليكم .. أيوا يا فارس</p><p></p><p>قال بسرعة :</p><p></p><p>- ماما مُهرة عندك ؟</p><p></p><p>قالت متعجبة :</p><p></p><p>- لاء يابنى ده أنا سمعت صوت خناق جاى من عندهم وشفت أم يحيى وهى نازلة تزعق على السلم وبتقول انا سايبه البيت وماشيه.. شكل جوزها مد ايده عليها</p><p></p><p>سمعت صوت زفيرة الحار وهو يقول :</p><p></p><p>- أنا جاى حالا اقفلى دلوقتى</p><p></p><p>عادى فارس سريعاً إلى المنزل فوجد والدته تنتظره على باب الشقة ويظهر عليها القلق الشديد وقالت سرعاً :</p><p></p><p>- ايه اللى حصل يابنى بينك وبين ابوها .. البنت كلمتنى ومفحومة من العياط مفهمتش منها حاجة كل اللى فهمته ان ابوها كان هيضرب امها وأنه عاوزها تطلب الطلاق منك</p><p></p><p>قال فارس بلهفة :</p><p></p><p>- مد أيده على مُهرة ؟</p><p></p><p>هزة رأسها نفياً وهى تقول :</p><p></p><p>- مش عارفه يابنى فهمنى طيب ايه اللى حصل</p><p></p><p>لم يستطع أن ينتظر أكثر من هذا صعد الدرج قفزاً حتى توقف أمام باب الشقة تنفس بقوة وطرق الباب لحظات وفتح والدها الباب وعينيه ينبعث منها الغضب والحنق قال فارس سريعاً :</p><p></p><p>- يا عمى عاوز اتكلم معاك **** يخاليك مش كده ...</p><p></p><p>قال والدها بغضب :</p><p></p><p>- قلتلك ملكش عندى بنات للجواز وياريت تطلقها بالذوق بدل ما نروح المحاكم</p><p></p><p>سمع فارس صوت بكائها من الداخل فاستشاط غضباً .. لايستطيع أن يراها أو يطمئن عليها وهى وحيدة حتى والدتها تخلت عنها وتركتها معه بمفردها .. لم يستطع أن يتحكم فى أعصابه أكثر من ذلك فهتف فيه :</p><p></p><p>- وانا مش هطلقها.. دى مراتى ومش هطلقها ..حتى لو هى اللى طلبت الطلاق بنفسها وبعدين ليه كل ده .. كل ده علشان حكمت بشرع ****.. وانت حتى مش عاوز تسمعنى لما اقول كل اللى عندى</p><p></p><p>لم يجد أجابة من أبو يحيى إلا أن صفع الباب فى وجهه مرة واحدة بدون سابق انذار ..ضرب فارس سور الدرج بقبضته حتى آلمته بشدة وهو يهتف بحنق :</p><p></p><p>- و**** ده حرام حرام اللى بيحصل ده</p><p></p><p>لحقت به والدته وأخذته وهبطت به للأسفل وهى تقول :</p><p></p><p>- تعالى يابنى استنى لما النفوس تصفى وبعدين نتكلم معاه.. تعالى احكيلى ايه اللى حصل</p><p></p><p>أما فى غرفة مُهرة فقلد كانت تبكى وتشهق وهى تضع يدها على فمها حتى لا تصدر صوتاً يستفزه من جديد وهو واقف أمامها مصدراً لأوامره وهو يقول :</p><p></p><p>- مفيش خروج ولا دخول ولا جامعة ولا غيره خلاص .. وتليفونك هيفضل معايا .. وهجيب مراتى التانية تقعد معاكى هنا وتحرسك ..ويبقى يورينى نفسه بقى سعادت الباشا الدكتور.. تراجعت فى فراشها حتى التصقت بالحائط وضمت ركبتيها إلى صدرها وهى تأن أنين المعذبين وتدفن رأسها بين قدميها وتشكوا بثها وحزنها *** وحده</p><p></p><p>وبالفعل هاتف زوجته الثانية وأمرها أن تاتى ببعض ملابسها لتكون بجوار مُهرة مراقبة لتصرفاتها فى غيابه وقص عليها ماحدث.. كانت زوجته سعيدة بما فعل بأم يحيى وأنها أنتصرت على ضرتها وآلمتها وستؤلمها أكثر حينما تنام فى فراشها وتتحكم فى ابنتها وجاءت مسرعة إليه ...</p><p></p><p>بات فارس ليلته وقد جفاه النوم وذاق السهاد مستلقياً على فراشه ينظر للأعلى يتأمل سقف الغرفة .. غرفتها فوقه تماماً لا يفصلهما عن بعضهما البعض سوى سقف الغرفة فقط, ظل مصوب نظراته إليه تكاد أن تخترقه لتراها وترى حالها الآن وتعود إليه تخبره عنها .. ماذا تفعل هل تبكى هل تضم قدميها إليها كما تفعل دائماً عندما تشعر بالوحدة .. يود أن يمده يدها لينتشلها مما هى فيه يود أن يأخذها بين ذراعيه ويحتضنها بقوة ليشعرها بالأمان .. أنا هنا يا حبيبتى ..لا تجزعى .. لا تخافى ..لا تفزعى .. لاتحزنى .. أطمئنى واسكنى صدرى كما سكنتِ قلبى دائماً ...</p><p></p><p>وفى الصباح أخبرته والدته أن زوجة أبيها جاءت لتسكن معهم فى نفس الشقة , أستشاط غضبا وهو لا يعرف ماذا يفعل , لا يريد أن يتدخل بشكل أكثر قوة حتى لا تفسد العلاقات بين العائلتين أكثر من هذا, وكان مضطرًا للحاق بعمرو فى النيابة ليتعرف على نتيجة تقرير هيئة الاثار ..</p><p></p><p>توجه إلى النيابة من جديد وهناك كانت النتيجة ليست مفاجئةً له بل كما توقع تماماً .. يقول مفتش الاثار الخبير بان القطعة الاثرية التى عرضت عليه قطعة حقيقية غير مزيفة .. شكك فارس فى نتيجة الفحص وطالب بفحصها مرة أخرى عن طريق لجنة أخرى .. تم الاستجابة لطلبه وأعيدت لعرضها على لجنة أخرى .. تقدم عمرو تجاه فارس وهو يقول بقلق :</p><p></p><p>- هنعمل ايه دلوقتى يا فارس</p><p></p><p>تنهد فارس وقد ظهرت علامات الاستياء على وجهه وهو يقول :</p><p></p><p>- زى ما قلتلك بالظبط هنسبقهم بخطوه المره دى</p><p></p><p>نظر له عمرو متعجباً وقال :</p><p></p><p>- مالك يا فارس فى حاجة مضايقاك</p><p></p><p>أومأ فارس برأسه وهو يشعر أنه يحمل هماً تنوء منه الجبال وقص على عمرو ما حدث بالامس مع والد مُهرة .. ما كاد ينتهى من حديثه حتى وجد والدته تتصل به بألحاح أجابها على الفور فقالت بإضطراب :</p><p></p><p>- مرات حماك التانية خبطت عليا وقالتلى أن جوزها راح يشوف محامى علشان يرفع قضية طلاق</p><p></p><p>أغمض فارس عينيه وقال بحزن :</p><p></p><p>- طيب يا ماما اقفلى دلوقتى معلش وهبقى أكلمك تانى</p><p></p><p>نظر إليه عمروهو يقول في إضطراب :</p><p></p><p>- حصل ايه</p><p></p><p>خالطت ابتسامة متهكمة حزينة شفتيه وهو يقول :</p><p></p><p>- حمايا شكله كان بيتلكك علشان يطلقها مني .. راح يدور على محامى يرفع قضية الطلاق</p><p></p><p>وضع عمرو يده على كتف فارس وهو يقول مطمئناً :</p><p></p><p>- متخافش مش انت واثق أنها عايزاك</p><p></p><p>أطلت نظرات القلق والحزن من عينيه وهو يقول :</p><p></p><p>- انا خايف عليها اوى يا عمرو لوحدها فى وسط كل ده</p><p></p><p>******</p><p></p><p>ذهب فارس بصحبة عمرو كما اتفقا مسبقاً لهيئة الاثار ليحاول فارس استباق نادر بخطوة كما كان يخطط من قبل .. صافحه فارس وهو يعرفه بنفسه ويقدم الكارت الشخصى الخاص به مبتسماً ... نظر مفتش الاثار إلى الكارت ثم إلى فارس متفحصاً له وهو يضيق عينيه ثم قال متسائلا :</p><p></p><p>- هو مش حضرتك كنت بتشتغل فى مكتب الدكتور حمدى مهران</p><p></p><p>أنتبهت حواس فارس وهو يومىء ببطء قائلا:</p><p></p><p>- ايوا هو حضرتك تعرفنى قبل كده</p><p></p><p>ابتسم الرجل ويهز رأسه قائلا :</p><p></p><p>- سبحان **** الدنيا صغيرة أوى .. هو حضرتك مش فاكرنى ولا ايه يا استاذ فارس</p><p></p><p>تأمله فارس قليلاً محاولا تذكره ثم قال :</p><p></p><p>- الحقيقة هو شكل حضرتك مش غريب عليا بس مش فاكر بصراحه</p><p></p><p>استند الرجل إلى مكتبه وشبك اصابع كفيه فى بعضهما وقال بتاثر :</p><p></p><p>- مش فاكر الراجل اللى مراته رفعت عليه قضية طلاق وعلشان مكنش عاوز يديها حقوقها جالكوا المكتب بتاعكوا وكان عاوز يتهمها فى شرفها ظلم ويفترى عليها وانت قعدت تنصحه وتقوله حتى لو هانت عليك مراتك أزاى عيالك يهونوا عليك تلطخ سمعتهم بالشكل ده وميقدروش يرفعوا رأسهم قدام الناس بعد كده وفضلت تذكره ب**** لحد ما قام مشى من قدامك وهو بيقول أنا مش عارف هو ده مكتب محاماه ولا جامع ..</p><p></p><p>أنتبه فارس متذكراً وهو ينظر إلى الرجل وقد عرفه وقال بدهشة :</p><p></p><p>- مش معقول</p><p></p><p>أومأ الرجل برأسه وهو يقول :</p><p></p><p>- شفت بقى الدنيا صغيرة ازاى ؟</p><p></p><p>أطرق فارس مفكراً وقد شعر برفض طلبه قبل أن يطلبه وحاول أن يبحث عن مخرج آخر لعمرو الذى كان ينظر إليهما بحيرة ودهشة لا يعرف ماذا يقول .. قطع مفتش الاثار شروده وهو يقول موجهاً حديثه لفارس :</p><p></p><p>- أؤمرنى يا أستاذ فارس حضرتك كنت جايلى ليه</p><p></p><p>رفع فارس رأسه ببط ونظر فى عينيه وهو يقول بأحباط :</p><p></p><p>- الحقيقة أنا كنت جاى متحمس بس دلوقتى مبقتش عارف هتساعدنى ولا لاء</p><p></p><p>نظر له الرجل بابتسامة ونهض من خلف مكتبه وجلس على المقعد أمامه ووضع يده على قدم فارس وهو يقول ممتناً :</p><p></p><p>- أنت ليك جميل فى رقبتى عمرى ما هنسهولك أبداً</p><p></p><p>علت الدهشة وجه فارس وهو ينظر إليه بصمت فاردف الرجل قائلا:</p><p></p><p>- أنا بعد ما مشيت من عندك فكرت فى كلامك كويس وضميرى فضل ينقح عليا وانا بسمع كلامك عمال يدور جوا عقلى .. وفضلت طول الليل صاحى مش عارف اسمع اى حاجة غير الحوار اللى دار بينا فى المكتب عندك ... حسيت انى ندل وأنى كنت هلوث سمعت ست شريفة عاشرتها سنين طويلة مشفتش منها غير كل شرف وامانه .. كنت هضيع مستقبل ولادى وسمعتهم علشان العند .. علشان بس أثبتلها أنها مش هتاخد منى حاجة غصب عنى بالمحاكم .. وأكتشفت انى مقدرش استغنى عنها وان الموضوع كله كان عند فى عند .. روحتلها وأعتذرتلها واتصالحنا ومن يومها وانا شايلك جميلك ده فى رقبتى وبدعيلك ليل نهار ...</p><p></p><p>رغماً عنه لمعت الدموع فى عينيه وهتف فى قلبه :</p><p></p><p>- يااااه يا ما أنت كريم **** .. صحيح اللى عند **** مبيضعش ابداً</p><p></p><p>ربت الرجل على قدمه مرة اخرى وقال مطمئناً :</p><p></p><p>- قولى بقى أنت عاوزنى اساعدك فى ايه وانا رقبتى ليك</p><p></p><p>خرج فارس وعمرو من هيئة الآثار وقد بدت السعادة فى عينيى كل منهما وقال له فارس بحماس :</p><p></p><p>- شفت بقى مش قلتلك أن **** مش هيسيبنا أبدا</p><p></p><p>رفع عمرو يده للسماء وهو يقول :</p><p></p><p>- الحمد *** **** ..</p><p></p><p>ثم نظر إلى فارس متسائلا وهو يقول :</p><p></p><p>- ودلوقتى المفروض هنعمل ايه الخطوه اللى جايه</p><p></p><p>ابتسم فارس بمكر وهو يقول :</p><p></p><p>- الخطوة الجايه هما اللى هيعملوها مش أحنا وساعتها هيبقوا كتبوا نهايتهم بأديهم</p><p></p><p>بمجرد أن انتهى مفتش الآثار من وضع الملفات التى بيده فى درج مكتبه حتى سمع طرقات خفيفة على باب حجرته ورأى رجلين يراهما لأول مرة ... مد نادر يده يصافحه وهو يقول :</p><p></p><p>- أقدملك نفسى مهندس نادر</p><p></p><p>وأشار إلى صاحبه وقال :</p><p></p><p>- وده الأستاذ باسم المحامى .</p><p></p><p>******</p><p></p><p>- أيه أنت مش هتروح بيتك ولا ايه ...</p><p></p><p>قال فارس تلك العبارة وهو يمشى بجوار عمرو الذى كان يسير بجواره فى طريقه إلى بيت والدته .. فقال عمرو:</p><p></p><p>- لا أنا هبات عند ابويا النهاردة أصل حماتى تعبانة شوية ومراتى وأختها بايتين عندها</p><p></p><p>ثم ألتفت إلى فارس وقال متسائلا:</p><p></p><p>- وأنت مش رايح المكتب</p><p></p><p>هز فارس راسه نفياً وقد علت قسمات وجهه سحابة حزن وقال :</p><p></p><p>- ماليش نفس اعمل حاجة خالص يا عمرو ..أنا هروح البيت يمكن اعرف اشوفها ولا أكلمها</p><p></p><p>ربت عمرو على كتفه وحاول أن يكون مرحاً وقال :</p><p></p><p>- أنا مكنتش أعرف أنك هيمان اوى كده يا عم فارس</p><p></p><p>ألتفت إليه فارس بصمت حزين ثم سار فى طريقه .. ودعه عمرو دخل بيت والدته بينما دلف فارس إلى بنايته المقابلة له صعد الدرج ولكنه لم يطرق باب شقته وإنما صعد درجات عدة أخرى ووقف أمام بابها لا يعرف ماذا يفعل .. أفتقدها بشدة يريد أن يملاْ عينيه بوجهها البرىء ولو لمرة واحدة فقط وقف مترددا تدور الافكار برأسه تعذبه وتقتله .. وأخيرا وضع رايته مستسلماً وهبط درجات السلم مرة اخرى متوجهاً إلى شقته .. وضعت والدته طعام العشاء امامه على المائدة وهو شارداً فى وجوم وكأنه فى عالم آخر عاقدا ذراعيه امام صدره وقد تقابلا حاجبية بشدة .. وضعت يدها على يده وهى تقول بهدوء :</p><p></p><p>- مش هتاكل يا فارس</p><p></p><p>أوما برأسه وأمسك ملعقته وظل يعبث فى طبقة الذى امامه وهو مطرق الرأس وقد عاد إلى وجومة الدائم فقالت :</p><p></p><p>- يابنى مش كده ده انت مكلتش من امبارح ولا بتدوق طعم النوم حتى</p><p></p><p>تنهد بقوة وقال باسى :</p><p></p><p>- مش عارف اعمل ايه يا ماما ياريتنى ما كنت كتبت الكتاب كنا عملنا الفرح على طول</p><p></p><p>رفع رأسه إليها وهو يقول بضعف :</p><p></p><p>- ماما أنتِ مبتشوفيهاش خالص</p><p></p><p>شدت على يده وهى تقول بسعادة مصطنعة:</p><p></p><p>- شوفتها النهاردة وهى نازله مع مرات ابوها وكان شكلها باين عليه أنها كويسه</p><p></p><p>نظر إليها بلهفة وقال على الفور :</p><p></p><p>- كلمتيها</p><p></p><p>ابتسمت وقالت :</p><p></p><p>- كلمتها وهى مرات ابوها هتمنعنى أكلمها كمان.. وبتسلم عليك وبتقولك متقلقش عليا</p><p></p><p>خفق قلبه وضغط على يد والدته دون ان يشعر وهو يقول :</p><p></p><p>- بجد يا ماما بجد كويسه</p><p></p><p>أبتسمت والدته وهى تؤكد له ما قالته ثم عادت لتكمل طعامها فى صمت بعد ان رأته قد بدا فى تناول طعامه .. نظرت إليه نظرة خفية بأسى وهى تهتف داخلها .. اقولك ايه بس يابنى اقولك الوردة دبلت فى يوم وليلة من كتر الهم والبكى ..</p><p></p><p>وقفت مهرة فى الليل فى نافذتها ترجو أن تراه ولو لمرة واحدة تطل برأسها للأسفل بشدة لعلها تلمح ظله فتفاجأت بصوت زوجة أبيها تقول ساخرة :</p><p></p><p>- أدخلى من الشباك .. أبوكى قال مفيش واقفة فى الشبابيك</p><p></p><p>ألتفتت إليها مُهرة وعادت إلى الوراء وأغلقت النافذة بهدوء فهى لا تريد أن تدخل فى مجادلة كلامية مع هذه المرأة على الأطلاق .. جلست على الفراش بعد أن أغلقت النافذة وتناولت أحد الكتب بجوارها وشرعت فى قراءتها فنظرت إليها زوجة أبيها نظرات ساخرة وعادت أدراجها من حيث أتت .. بعد قليل دخل يحيى بعد طرق الباب عليها وأطل بوجهه فتبسمت له وقد لمعت الدموع فى عينيها فاقترب منها وجلس بجوارها وأمسك يدها وهو يقول بإشفاق :</p><p></p><p>- متزعليش نفسك بكره ابوكى يصفى ويرجع فى كلامه</p><p></p><p>أنسابت العبرات على وجنتيها وهى تقول متسائلة :</p><p></p><p>- ماما عامله ايه</p><p></p><p>أومأ برأسه وهو يقول :</p><p></p><p>- ما أنتِ عارفه انها قاعده عند خالتك وبتسلم عليكى وبتقولك متزعليش منها هى مشيت وسابتك فى ساعة غضب ومعرفتش ترجع تانى من لما ابوكى جاب مراته هنا</p><p></p><p>أطرقت برأسها وقالت له متسائلة :</p><p></p><p>- وانت يا يحيى قاعد فين دلوقتى</p><p></p><p>قال مبتسماً :</p><p></p><p>- عند واحد صاحبىى</p><p></p><p>أطرقت برأسها ثانية وهى تقول باسى :</p><p></p><p>- **** دايما تبقى مرتاح يا يحيى</p><p></p><p>نظر إليها بشفقة ورفع وجهها إليه بيده وقال مبتسماً :</p><p></p><p>- هخاليكى تشوفيه متزعليش</p><p></p><p>أمسكت ذراعيه بلهفة وهى تهتف به :</p><p></p><p>- بجد يا يحيى</p><p></p><p>أشار لها ان تخفض صوتها ثم قال بخفوت :</p><p></p><p>- اه و**** صدقينى بس أدينى يومين كده .. ماشى ..</p><p></p><p>أومأت برأسها فرحاً وهى تمسح دموعها براحتيها وهى تقول ممتنة:</p><p></p><p>- متشكرة اوى يا يحيى **** يخاليك .. بس يومين كتير اوى مينفعش قبل كده</p><p></p><p>كتم ضحكته وهو يقول بمرح :</p><p></p><p>- طب اعملى مكسوفة طيب .. طب استنى</p><p></p><p>نهض واتجه إلى الباب ليطمئن أن زوجة أبيه لا تتجسس عليهما , وبعد ان اطمئن تماماً أخرج هاتفه وهو يقول لها بخفوت :</p><p></p><p>- تعرفى توطى صوتك على الآخر وانتِ بتتكلمى فى التليفون ؟</p><p></p><p>قفزت من فراشها فرحاً كالفراشة وقال بخفوت مماثل :</p><p></p><p>- **** ميحرمنيش منك يا يحيى</p><p></p><p>أشار لها أن تفتح النافذة وتطل منها وهى تتحدث حتى لا يظهر صوتها خارج الغرفة بينما وقف يحيى مراقباً من طرف خفى حتى لا يحدث أى هجوم مباغت من زوجة أبيه عليهما وهى تتحدث فى الهاتف .. أنتفض فارس وهو مستلقى فى فراشه سابحاً فى شروده وذكرياته على صوت رنين الهاتف .. نظر إليه فوجد رقماً غريباً غير مسجل لديه فزفر بضيق ..تركه وعاد إلى استرخاءه من جديد وهو لايعلم أن نصفه الآخر الذى اشتاق إليه هو من يهاتفه الان .</p><p></p><p>جذب يحيى الهاتف من مُهرة ووضعه فى جيبه فى اللحظة التى دخلت فيها زوجة أبيه واضعة يدها فى خصرها قائلة :</p><p></p><p>- أنت هتبات هنا ولا ايه يا يحيى</p><p></p><p>تنحنح بحرج وهو يقول :</p><p></p><p>- لا انا ماشى دلوقتى</p><p></p><p>قالت بابتسامة صفراء :</p><p></p><p>- براحتك يعنى انا مش قصدى أمشيك ولا حاجة</p><p></p><p>ربت يحيى على كتف مُهرة وهو يقول بنظرة تفهمها :</p><p></p><p>- هجيلك بكره ماشى</p><p></p><p>أومأت له مُهرة برأسها وهى تمسك بيده التى على كتفها</p><p></p><p>خرج يحيى من غرفتها واتجه إلى باب الشقة مباشرة حتى لا يحدث احتكاك بينه وبين زوجة أبيه ينتج عنه مشكلة أخرى .. خرج وأغلق الباب خلفه بينما جلست مُهرة على فراشها محتضنة قدمها كما تفعل دائما وتنظر لأرضية الغرفة وكأنها تناديه وتحاول ان تخترقها لتراه ..</p><p></p><p>خرج فارس يقف فى نافذة غرفته يستنشق هواء الفجر العليل ويملاْ به رأتيه بقوة ويزفر بهدوء وهو يسبح ويستغفر ببطء .. نظر للأعلى مرات عديدة يتلمس ظلها أو ضوء غرفتها سمع صوت هاتفه فهرول إليه ونظر فيه فزفر بضيق عندما وجد أسم عمرو هو المتصل .. كان يعتقد انها هى ولكن انقطع الامل .. عاد مرة أخرى إلى النافذة وهو يجيب عمرو بحنق :</p><p></p><p>- وعليكم السلام ورحمة **** وبركاته ايه اللى مصحيك لحد دلوقتى ؟</p><p></p><p>قال عمرو مشاكساً :</p><p></p><p>- انا كنت قلقان شوية وقفت فى الشباك لقيت العاشق الولهان واقف هو كمان عمال يبص لفوق يمكن يعرف يشوف الست جوليت ولا حاجة</p><p></p><p>نظر فارس إلى البناية التى تقبع أمامه عن يمين بنايته قليلا فوجد عمر يقف فى الشرفة ويشير إليه بيده واضعا الهاتف على أذنه وقال :</p><p></p><p>- معلش بقى شوفتنى انا.. طبعا عارف انك كان نفسك تشوف حد تانى النهاردة</p><p></p><p>تنهد فارس بعمق وهو يقول بشوق :</p><p></p><p>- وحشتنى أوى</p><p></p><p>قال عمرو مبتسماً :</p><p></p><p>- معلش يا روميو.. أصبر بكره تبقى فى بيتك</p><p></p><p>هتف فارس بحنق وهو يضرب سور الشرفة بيده :</p><p></p><p>- امتى بس يا عمرو وازاى بعد اللى حصل ده</p><p></p><p>أنتفض جسدها وهى تجلس على فراشها ضامةً لركبتيها بعد أن سمعت صوته ياتى إليها ويتسلل إلى مسامعها فى سكون الليل وقد نامت العيون وخلا الأحبة بعضهم إلى بعض .. خرجت سريعاً من غرفتها لتتأكد من أن الجميع نيام ثم عادت إلى غرفتها , وضعت حجابها على شعرها وفتحت النافذة وأطلت منها بنصف جسدها تقريباً فرأته وهو يتحدث فى الهاتف بغضب , أبتسمت وهى تنظر إليه, كم افتقدته كم اشتاقت إليه وإلى نظرة عينيه العاشقة ... تفاجأ فارس بعمرو وهو يقول له بمرح :</p><p></p><p>- قول لجوليت تدخل جوه شوية أحسن هتقع كده</p><p></p><p>أستدار فارس كلية بجسده وهو ينظر للأعلى فرآها , لم يستطع أن يتبين ملامحها جيدا وعينيها بسبب الظلام ولكن رآها ورأته ! , أبتسم عمرو وعاد أدراجه إلى الداخل وأغلق الشرفة ليتركهما وحدهما يخطفا من الوقت لحظات كفيلة بأن تعيد إليهما الحياة من جديد.. أرسل لها قبلة فى الهواء بيده استقبلتها بقلبها الذى عانقها بقوة وضمها داخله ككنز ثمين لا ينفك أن يتركه أبداً ..ضمت يدها إلى صدرها وهى تنظر إليه كانها تضمه هو .. لمحت والدها آتى من بعيد فاشارت إليه وعادت للداخل سريعاً .. عاد فارس للداخل وحاله كحال الظمآن الذى بلل شفتيه بلسانه .</p><p></p><p>********</p><p></p><p>- ها يا حضرة الظابط أيه الاخبار ..</p><p></p><p>قالها فارس وهو يجلس فى المقعد المقابل للضابط الذى قال بثقة :</p><p></p><p>- كل حاجة ماشيه زى ما أحنا متفقين بالظبط .. باسم ونادر هيتسجلهم ويتقبض عليهم متلبسين بالرشوة</p><p></p><p>أبتسم فارس بسعادة وهو يقول بأمتنان :</p><p></p><p>- الحقيقة يا فندم مش عارف اشكر حضرتك أزاى ..</p><p></p><p>ثم تنحنح فى حرج وهو يقول بحيرة :</p><p></p><p>- هو ليه حضرتك عرضت عليا المساعدة فى الموضوع ده رغم أن القضية مكانتش معاك من الأول</p><p></p><p>أبتسم الضابط وقال :</p><p></p><p>- فاكر قضية القتل اللى طليقتك كانت ماسكاها ..أهو انا كنت الظابط اللى عرضوا عليه رشوة علشان يغير أقواله فيها.. من يومها وانا متابع القضية دى وعرفت اللى حصل معاك واستجدعتك اوى.. ده غير انى كنت متأكد إن فى حد تانى بيساعد وائل وبيخططله من بعيد من غير ما يورط نفسه فى الحكاية</p><p></p><p>ثم استند بظهره إلى المقعد وهو يقول بتصميم:</p><p></p><p>- ولما عرفت موضوعك أنت وعمرو بالصدفة حبيت اساعدك .. وواحدة واحدة اتأكدت أن باسم ليه علاقة بالموضوع ده كمان .. واللى زى باسم ده عاوزله تخطيط جامد أوى وأدلة قوية علشان نقدر نقضى على فساده.. ولا زم نحط أيدنا فى أيد بعض علشان نعرف نحوط عليه كويس أوى وميعرفش يطلع من ثغرات القانون اللى هو حافظة كويس .</p><p></p><p>أستدرك فارس قائلا:</p><p></p><p>- يعنى خلاص مش فاضل غير التسجيل وبعدين نطلع أمر بالقبض عليهم</p><p></p><p>أومأ الضابط برأسه وقال مؤكدا :</p><p></p><p>- التسجيل هيتم بكره زى ما اتفقنا مع خبير الاثار .. فى نفس اليوم بالليل هنقبض عليهم إن شاء ****</p><p></p><p>نظر إليه فارس بإعجاب وهو يقول :</p><p></p><p>- نفسى اسألك سؤال بيلح عليا دايما</p><p></p><p>أومأ الضابط برأسه فقال قال فارس :</p><p></p><p>- أنت ليه مخفتش لما وائل هددك</p><p></p><p>ضحك الضابط وقال :</p><p></p><p>- وائل ده كان شكله يضحك أصلا .. وبيعرض الرشوة بسذاجة غريبة .. علشان كده كنت متأكد ان فى حد وراه عاوز يوديه فى داهية</p><p></p><p></p><p></p><p>*****</p><p></p><p>كان نادر بصحبة باسم فى شقته الخاصة ليلاً بينما سمع باسم صوت رنين هاتف المنزل فقال نادر بقلق :</p><p></p><p>- أيه ده مين بيكلمك دلوقتى</p><p></p><p>نهض باسم متوجهاً إلى الهاتف وهو يترنح ثملاً , وضع سماعة الهاتف على أذنه وقبل أن يجيب سمع صوت أنثوى يصيح به :</p><p></p><p>- أنتوا ايه اللى أنتوا عملتوه ده يا أغبيا</p><p></p><p>نظر باسم لسماعة الهاتف وهو يعقد جبينه بدهشة ثم أعادها على أذنه مرة أخرى وهو يقول بتشتت :</p><p></p><p>- أنتِ مين</p><p></p><p>صاحت بغضب :</p><p></p><p>- أنت غبى انت واللى معاك .. وهتدفعوا تمن غبائكوا ده غالى أوى</p><p></p><p>ضحك باسم وهو يقول بترنح :</p><p></p><p>- أهدى بس يا حلوة</p><p></p><p>صرخت فيه بشدة :</p><p></p><p>- بقى علشان انت بتكره واحد والغبى اللى معاك بيكره التانى تقوموا تلفتوا النظر لينا ولشغلنا والعين تبقى علينا .. اللى عملتوه ده مش هيعدى بالساهل أبدا .</p><p></p><p>وأنهت المكالمة بعنف .. نظر باسم إلى سماعة الهاتف باستنكار وهو يهوى إلى المقعد بجوار الهاتف ويهتف :</p><p></p><p>- طب متعرفناش طيب</p><p></p><p>نهض نادر قائلا:</p><p></p><p>- فى ايه يا باسم مين دى</p><p></p><p>ناوله باسم الكأس فى يده وهو يقول مترنحاً :</p><p></p><p>- أشرب ياعم .. خالينا نفرفش شوية.. أنت مالك رخم كده ليه النهاردة</p><p></p><p>*********</p><p></p><p>جلست عزة بجوار عبير فى بيت والدتهما وحدقت بها وهى تقول :</p><p></p><p>- بتقولى أيه يا عبير .. مُهرة عارفة انى كنت بحب فارس ..</p><p></p><p>أومأت عبير برأسها مبتسمة وهى تضع ولدها على الفراش بعد أن نام على ذراعها وقالت بخفوت :</p><p></p><p>- أنتِ فاكراها عبيطة ولا أيه.. ولا ناسية انها كانت ملازمة لفارس ووالدته من وهى صغيرة وقاعدة عندهم فى البيت على طول</p><p></p><p>أسندت عزة رأسها على راحتها وهى تقول بحرج :</p><p></p><p>- يادى الكسوف .. وانا بكلمها عادى وهى بتكلمنى عادى ولا باين عليها حاجة</p><p></p><p>ضحكت عبير بخفوت وهى تنهض وتجلس على الأريكة بجوار النافذة فتبعتها عزة وجلست بجوارها وهى تقول :</p><p></p><p>- ده انا كده هتكسف احط عينى فى عنيها تانى</p><p></p><p>هزت عبير رأسها نفياً وهى تقول :</p><p></p><p>- بتهزرى ؟... يابنتى هى عارفة ان الكلام ده كان زمان قبل ما تتجوزى عمرو</p><p></p><p>عقدت عزة ذراعيها أمام صدرها وقالت بتبرم:</p><p></p><p>- وانتِ عرفتى ازاى اصلا توقع كده ولا هى لمحتلك</p><p></p><p>رفعت عبير كتفيها وقالت :</p><p></p><p>- مش هى المشكلة دلوقتى.. أنا مش عارفة أيه اللى فتح السيرة دى ..أحنا دلوقتى فى مشكلة مُهرة وباباها لازم أكلم بلال يدخل ويحاول يحلها بطريقته... ياريتك يا عزة قولتيلى أول ما عمرو قالك</p><p></p><p>لوحت عزة بيديها وهى تقول :</p><p></p><p>- ياختى نسيت مش شايفه ماما كانت تعبانه ازاى</p><p></p><p>دفعتها عبير لتنهض وهى تقول بمكر :</p><p></p><p>- طب أمشى بقى شوفيلك حته تنامى فيها علشان عاوزه أكلم جوزى شويه براحتى</p><p></p><p>رفعت عزة حاجبها وهى تقول :</p><p></p><p>- بتطردينى من أوضتى اصلا ماشى يا عبير .. وبعدين أنتِ فاكرانى ماليش جوز انا كمان ولا ايه طب انا بقى هروح البلكونه ونقعد نشاور لبعض زى الحبيبة ...</p><p></p><p>ثم ضحكت وخرجت من الغرفة وأغلقت الباب خلفها</p><p></p><p>أخرجت عبير هاتفها وهاتفت بلال وبمجرد ان اجابها حاولت أن تغير نبرة صوتها وهى تقول :</p><p></p><p>- مين معايا</p><p></p><p>كان بلال مستلقياً على الفراش يستعد للنوم فابتسم وهو يتكأ على جنبه الأيمن وقال :</p><p></p><p>- حضرتك انتِ اللى متصله</p><p></p><p>قالت عبير بدلال :</p><p></p><p>- طيب ممكن نتعرف .. أصل صوتك عاجبنى أوى</p><p></p><p>أعتدل جالساً على الفراش بحماس وقد أعجبته اللعبة وقال :</p><p></p><p>- بس انا متجوز</p><p></p><p>رفعت كتفيها وهى تقول برقة :</p><p></p><p>- وايه يعنى الشرع محلل اربعة</p><p></p><p>قال هامساً :</p><p></p><p>- بس انا بحب مراتى ومفيش واحدة غيرها تملى عينى حتى لو كان الشرع محلل عشرة</p><p></p><p>كتمت ضحكتها وقالت بتبرم طفولى :</p><p></p><p>- خلاص بلاش جواز نتعرف بس</p><p></p><p>هتف ضاحكاً :</p><p></p><p>- أيه ده يا عبير أنتِ أنحرفتى أمتى يا حبيبتى</p><p></p><p>ضحكت وهى تقول :</p><p></p><p>- ياسلام يعنى دى اللى وقفت عندها يعنى</p><p></p><p>قال بحنق :</p><p></p><p>- كده برضه تضحكى الضحكه دى وانتِ بعيد عنى.. طب انا هاجى أخدك دلوقتى</p><p></p><p>حاولت ان تخفض صوت ضحكاتها و تسائلت قائلة :</p><p></p><p>- ياسلام يعنى هتضحى بوقت نومك وتنزل وتيجى تاخدنى</p><p></p><p>همس قائلا بحرارة :</p><p></p><p>- الضحكه دى تخالينى اضحى بعمرى مش بنومى بس</p><p></p><p>قالت على الفور:</p><p></p><p>- لالا أنا بهزر معاك أهدى كده علشان احكيلك على حاجة مهمة أوى تخص فارس ومُهرة</p><p></p><p>أنتبه وأرهف سمعه لها وهى تقص عليه ما قاله عمرو لعزة فى الهاتف عن مشكلة فارس ومُهرة وحتى هذه اللحظة .</p><p></p><p>*******</p><p></p><p>أستيقظت مُهرة فزعة على صوت صراخ زوجة أبيها وهى توقظها صائحة :</p><p></p><p>- قومى معايا ياختى.. بقولك قومى</p><p></p><p>نهضت مُهرة بفزع وهى تصيح :</p><p></p><p>- فى أيه</p><p></p><p>صرخت بوجهها :</p><p></p><p>- جيرانى اتصلوا بيا وقالولى أن شقتى اتسرقت.. قومى يالا تعالى معايا</p><p></p><p>نهضت مُهرة سريعاً من فراشها وتوجهت للحمام على الفور توضأت وعادت لحجرتها ارتدت ملابسها وزوجة أبيها تصرخ :</p><p></p><p>- بسرعة ياختى لسه هتقعدى تلفى عشر سنين فى الطرحة</p><p></p><p>قالت مُهرة بارتباك وهى تحاول لف خمارها :</p><p></p><p>- حاضر حاضر</p><p></p><p>غادرتها زوجة أبيها وهى ترتدى حذائها وعادت إليها تصرخ بها , أرتبكت مُهرة أكثر ووضعت دبوس ال**** فى أصبعها فتألمت بشدة وهى تنظر لأصبعها الذى أخذ يقطر بعض قطرات الدم وهى تبحث عن منديل ورقى لتضعه عليه</p><p></p><p>فصاحت زوجة أبيها بغضب :</p><p></p><p>- انا هسبقك وتعالى ورايا .. متتأخريش انتِ عارفة البيت كويس</p><p></p><p>تركتها وهبطت درجات السلم فى عجلة منها ..لفت مُهرة الخمار مرة أخرى ووضعت الدبوس بحرص هذه المرة ثم ارتدت حذائها وهبطت تهرول على درجات السلم .. وفجاة شعرت بيد تجذبها بقوة وتدخلها للداخل ووجدت نفسها فى شقة فارس وبين يديه .!</p><p></p><p>****</p><p></p><p></p><p>الفصل الأخير</p><p></p><p></p><p></p><p>أغلق الباب خلفها على الفور واستندت بظهرها إلى الباب المغلق وحدقت به لبرهة وهو يقف أمامها مباشرة محيطاً خصرها بذراعيه وهو يكاد يلتهمها بعينيه والصمت محيط بهما لا يجروْ أحدهما على شقه .. تمالك فارس قواه وقال هامساً وهو ينظر فى عينيها متعمقاً بها سابحاً بداخلها بل غارقاً فيها حتى أذنيه:</p><p></p><p>- وحشتينى</p><p></p><p>حدقت به فى ذهول غير مدركة لما حدث فجأة ..فاقترب منها وطبع قبلة على جبينها قائلاً :</p><p></p><p>- لسه مفوقتيش من المفاجأة</p><p></p><p>زاغت نظراتها وهى تحاول التقاط أنفاسها بصعوبة وهى تراه ينزع الدبوس المثبت للخمار ونزعه عنها برفق وهو يبتسم لها بشوق وقال :</p><p></p><p>- بقولك وحشتينى</p><p></p><p>وأخيراً تكلمت بصوت مبحوح وقالت :</p><p></p><p>- أنت عرفت منين أنى نازلة دلوقتى لوحدى</p><p></p><p>أخذ شهيقاً قوياً وهو يحاول أن يبدو هادئاً وقال :</p><p></p><p>- أصل شقة مرات ابوكى متسرقتش ولا حاجة .. دى لعبة اخترعتها انا ويحيى علشان هى تتلبخ وتنزل وتسيبك واعرف اشوفك .. بس بصراحة مكنتش اعرف انك هتنزلى وراها ..أنا افتكرت انها هتنزل وتسيبك لوحدك بس اتفاجأت بيكى نازلة وراها فقلت اخطفك</p><p></p><p>حاولت أن تنظر للداخل ولكن كتفيه منعاها وعيناها لا تصل لما بعدهما فقال سريعاً :</p><p></p><p>- ماما مش هنا ..عند والدة عزة بتزورها</p><p></p><p>ثم قال بعتاب خافت وهو يرفع رأسها إليه بأنامله :</p><p></p><p>- طب مفيش وانت كمان وحشتنى</p><p></p><p>مسحت وجهها براحتها بالكاد فهو لايعطيها مساحة للحركة كافية وقالت بخجل :</p><p></p><p>- وحشتنى</p><p></p><p>ضمها إلى صدره وهو يغمض عينيه بقوة مبتسماً بحب وقال :</p><p></p><p>- أنا خلاص مش هسيبك تانى .. أنتِ هتفضلى معايا هنا</p><p></p><p>أبتعدت برفق ونظرت إليه بحيرة ودهشة قالت :</p><p></p><p>- يعنى أيه هفضل هنا</p><p></p><p>مسح على وجنتها ثم خلل أصابعه بين خصلات شعرها يداعبه وهو يقول :</p><p></p><p>- يعنى انتِ مراتى ومش هسمح لحد انه يفرق بينا.. ومش هسيب ابوكى يبعدك عنى تانى ومش هتخرجى من بيتى بعد كده</p><p></p><p>بللت شفاهها بلسانها بتوتر غير مستوعبة لما يقول وقالت بتلعثم :</p><p></p><p>- أزاى يعنى مينفعش يا فارس نقعد مع بعض واحنا مكتوب كتابنا بس .. طب هنقول للناس ايه ..</p><p></p><p>هزت رأسها لعلها تستفيق من وقع كلماته وهى تردد :</p><p></p><p>- مش فاهمة حاجة</p><p></p><p>أمسكها من كتفيها ونظر إلى عينيها بقوة وقال بحسم :</p><p></p><p>- خلاص احنا مش هنفضل مكتوب كتابنا طول عمرنا .. أنتِ هتعيشى هنا معايا وهنعلن كده قدام كل الناس .. أنتِ كده كده مراتى وابوكى عاوز يبعدك عنى وبيضغط عليكى علشان تطلبى الطلاق.. وانا مش هاسمحله.. لازم احطه قدام الأمر الواقع ..</p><p></p><p>نظر إلى عينيها بقوة أكبر وقال بهدوء :</p><p></p><p>- انا هدخل بيكى يا مُهرة .. وهنا.. زينا زى أى اتنين متجوزين .. ويبقى ابوكى بقى يورينى هياخدك مني ازاى تانى</p><p></p><p>شعرت أنها تختنق واحمر وجهها من فرط حرارة جسدها المتصاعدة وقالت باضطراب :</p><p></p><p>- أنت اتجننت يا فارس بتقول أيه ..سيبنى امشى</p><p></p><p>أحكم يديه حولها وهو ينظر إليها بتصميم قائلاً :</p><p></p><p>- أيوا اتجننت .. ولو مش بمزاجك هيبقى غصب عنك ..أنتِ مراتى فاهمة يعنى أيه مراتى</p><p></p><p>حاولت أن تتحرر من يده وهى تقول بخوف:</p><p></p><p>- سيبنى يا فارس بقولك سيبنى</p><p></p><p>حملها رغماً عنها ليبعدها عن باب الشقة وأدخلها غرفته وهى تهتف به :</p><p></p><p>- لا يا فارس لاا</p><p></p><p>أغلق باب غرفته وهو يتوقع أن تصرخ أو تحاول الهرب أو تستغيث أو حتى تستسلم, ولكنها لم تفعل ذلك , نظرت إليه بهدوء وهو يغلق باب الغرفة وبمجرد أن عاد إليها عازماً على فعل ما قرره ..أقتربت هى منه بسرعة ولفت يدها حول خصره ودفنت وجهها فى صدره وهى تبكى قائلة :</p><p></p><p>- أحمينى منك يا فارس.. أحمينى منك</p><p></p><p>بدء صدره يعلو ويهبط بقوة ويديه متجمدة بجواره وهو ينظر إليها وهى فى هذا الوضع وتقول ببكاء ولوعة :</p><p></p><p>- فاكر لما قلتلى لو أى حد فى الدنيا ضايقك ولا قرب منك تعالى قوليلى وانا هاحميكى ..فاكر لما كنت بتقولى أوعى تخافى من حد وانا موجود ..أنا ضهرك وانا حماكى .. فاكر لما قلتلى بعد كتب الكتاب حتى لو انا زعلتك يا مُهرة تعالى اشتكيلى مني وانا هخدلك حقك مني ..أنا دلوقتى عاوزاك تحمينى منك يا فارس.. وانت عمرك ما خلفت وعدك معايا ..أحمينى منك يا فارس ..أحمينى منك</p><p></p><p>أغمض عينيه بقوة وهو يشعر أن كلماتها خناجر موجهة إلى قلبه بقوة وحسم , لم تخطأ هدفها أبداً , أصابته فى مقتل , تعرفه جيداً , وتعرف نبله وشهامته وقيامه تجاهها بدور الأب والأخ قبل أن يكون الزوج والحبيب, هو من رباها وكان يحملها فوق كتفه ولم يجروْ أحدا على مسها خوفا منه, فكيف الآن هو من يؤذيها, كيف تلتجأ إليه ويخذلها .</p><p></p><p>ظلت تدفن رأسها بقوة فى صدره وكأنها تريد أن تختلط بعظامه وتتسلل داخل قلبه ليحيطها ويضمها ويشعرها بالأمان ... وأخيراً وبعد طول انتظار منها وجدته يلف يديه حول رأسها ويضمها أكثر فى صدره ويمسح على شعرها ويقبله قائلا بحنان :</p><p></p><p>- متخافيش .. متخافيش</p><p></p><p>أغمضت عينيها وانسابت عبراتها لتغرق قميصه وتبلل صدره ..شعر بسخونة تلك العبرات فعض شفتيه بألم وقال :</p><p></p><p>- أنا مش ممكن أذيكى وانتِ عارفة كده كويس</p><p></p><p>ثم رفع وجهها بأنامله ونظر إلى عينيها وهو يقول بابتسامة حزينة:</p><p></p><p>- أهو ده عيب اللى يتجوز واحدة فاهماه كويس</p><p></p><p>خالطت الدموع ابتسامتها وهى تنظر إليه بلهفة فمد يده ومسح عنها العبرات قائلا:</p><p></p><p>- كفاية بقى عياط.. مش عارف اشوف عنيكى من كتر الدموع</p><p></p><p>أومأت برأسها وهى تبتسم وتمسح عبراتها براحتيها وهى تقول بحب :</p><p></p><p>- خلاص مش هعيط تانى</p><p></p><p>طبع قبلة على جبينها وقال بهدوء :</p><p></p><p>- أنتِ بتعملى فيا كده ازاى .. أنا بحس انى ببقى واحد تانى خالص وانا معاكى</p><p></p><p>وضعت يديها على صدره وقالت بصوت مرتجف من فرط التاثر :</p><p></p><p>- أنا بحبك يا فارس وعمرى ما هطلب منك الطلاق أبدًا إلا اذا حسيت ان انت اللى مش عاوزنى.. أصبر بس شوية مش عاوزينه يعند معانا .. نفسى العلاقة بينكوا تبقى كويسة زى الأول .. وانا أوعدك أنى هصبر على أى حاجة تحصلى فى سبيل اننا نبقى مع بعض فى الآخر وأهالينا راضيين عننا مش غصب عنهم .</p><p></p><p>أمسك وجهها بيديه ونظر فى عينيها بقوة وهو يقول بحب :</p><p></p><p>- أنتِ بتجيبى الكلام الكبير ده منين</p><p></p><p>أشارت بأصبعها إلى صدره وهى تقول :</p><p></p><p>- منك انت .. ولا ناسى انى كنت ماشية وراك ولازقة فيك بسمع كل الكلام اللى بتقوله وبخزنه فى مخى ومش بقدر انسى منه ولا حرف</p><p></p><p>أبتسم وقال مداعباً :</p><p></p><p>- طب ما تجيبى أطه كده على الماشى</p><p></p><p>ضحكت وهى تبتعد عنه وقالت :</p><p></p><p>- لا يا سيدى أحسن بعدين تتهور ولا حاجة</p><p></p><p>أرتدت خمارها ثانية واتجهت باتجاه باب الشقة , فلحق بها ووضع يده على الباب قائلا:</p><p></p><p>- طب يعنى هشوفك ازاى تانى؟</p><p></p><p>زاغت نظراتها يمينا ويسارا وهى تفكر ثم قالت :</p><p></p><p>- قولى معاد رجوعك بالليل أمتى بالظبط .. وانا هبصلك من الشباك واهى تصبيرة كده لحد ما **** يفرجها</p><p></p><p>ضمها إليه مرة أخرى مودعاً وهو يقول :</p><p></p><p>- **** يجمعنى بيكى يا حبيبتى فى أقرب وقت</p><p></p><p>لمعت الدموع فى عينيها وهى تودعه وتذهب وتغلق باب شقته خلفها برفق ..ظلت عينيه متعلقة بباب الشقة وهو يشعر بوهن شديد فى جسده وكانه قد تسلق جبلا دفعة واحدة دون توقف .. هوى إلى أقرب مقعد بجوار الباب وأغمض عينيه وهو يدعو **** أن يقرب بينهما ويجمعه بها فى القريب العاجل</p><p></p><p></p><p></p><p>*******</p><p></p><p></p><p></p><p>فى اليوم التإلى مباشرة كان بلال يجلس فى بيت فارس ويقول بعتاب موجهاً حديثه إلى فارس :</p><p></p><p>- مقولتليش ليه يا فارس على اللى حصل ده كله.. هو انا مش صاحبك ولا أيه</p><p></p><p>تنهد فارس بعمق وقال بحزن :</p><p></p><p>- مرضتش اضايقك يا بلال ..وبعدين انا عارف انك مش فاضى</p><p></p><p>شد بلال على يد فارس وهو يقول بلوم :</p><p></p><p>- كده برضه ده انا افضيلك نفسى مخصوص يا اخى ده أحنا اخوه فى **** مش مصاحبين بعض لدنيا ولا لمصلحه</p><p></p><p>قاطعته والدة فارس وقالت :</p><p></p><p>- **** يكرمك يابنى بس ابوها مش عاوز يسمع لحد خالص ومش مدى فرصه لحد انه يتكلم ولا يشرح حاجة</p><p></p><p>أردف فارس قائلاً:</p><p></p><p>- وبعدين انا قلت اسببه لما يهدى من ناحيتى يمكن يرضى يسمعنى واقدر اشرحله</p><p></p><p>وضع بلال يده على كتف فارس وقال بثقة :</p><p></p><p>- سيب الموضوع ده عليا أنا **** يقدرنى وأقدر أحله</p><p></p><p>نظر له فارس بلهفة فقال :</p><p></p><p>- توكل على **** يا فارس وأدعى وإن شاء **** **** هيلين قلبه من ناحيتك وانا هحاول معاه على قد ما اقدر ... يالا هات رقمه</p><p></p><p>نظر فارس إلى والدته وقال بحرج:</p><p></p><p>- معلش يا ماما ممكن تعمللنا دور شاى تانى</p><p></p><p>شعرت والدته أنه يريد ان يتحدث مع بلال على انفراد فنهضت على الفور وهى تقول مبتسمة :</p><p></p><p>- حاضر من عنيا</p><p></p><p>توجهت والدته إلى المطبخ وتركتهما وحدهما فألتفت فارس إلى بلال واقترب منه وقال هامساً :</p><p></p><p>- بلال انا عاوز اسألك فى حاجة مش متأكد منها كده</p><p></p><p>اشار له بلال بأن يتحدث فقال :</p><p></p><p>- هو انا لو دخلت بيها من غير اذن ابوها ينفع ؟</p><p></p><p>أطرق بلال مبتسماً ثم رفع رأسه ونظر إلى فارس قائلاً :</p><p></p><p>- لاء طبعاً مينفعش</p><p></p><p>عقد فارس حاجبيه وقال حانقاً :</p><p></p><p>- ليه يا بلال دى مراتى أومال عقد الجواز اللى بينا ده ايه</p><p></p><p>رفع بلال حاجبيه وقال :</p><p></p><p>- على اساس انك مدرستهاش فى الكليه مثلا</p><p></p><p>زفر فارس بضيق قائلا:</p><p></p><p>- نسيتها يا عم .. هو انا فى أيه ولا فى أيه</p><p></p><p>ابتسم بلال وهو ينظر إليه وشد على يده قائلاً :</p><p></p><p>- أنت عقدت عليها والاشهار كان للعقد بس يعنى هى لسه فى بيت ابوها حقوقها وواجباتها دلوقتى غير المدخول بيها وانت كده هتلغبط الدنيا فى بعض .. ده غير أن ده مش هيحل حاجة غير أنك هتزود عناد ابوها</p><p></p><p>هتف فارس حانقاً :</p><p></p><p>- أنت هتعملى زيها وتقولى ده مش هيحل حاجة وكده ابويا هيعند أكتر .. وبعدين ده لو حصل مش هوديها عند ابوها تانى وهتقعد معايا هنا ويبقى ده اعلان الدخول اللى بتقول عليه</p><p></p><p>عقد بلال حاجبيه وقال باستنكار :</p><p></p><p>- هى كمان قالتلك كده .. معناه ايه الكلام ده هو أنت حاولت يا فارس</p><p></p><p>أشاح بوجهه قائلا:</p><p></p><p>- أعمل ايه.. هتجنن عقلى طار مني مش لاقى حل</p><p></p><p>لانت ملامح بلال وهو يربت على كتفه قائلا:</p><p></p><p>- ياسيدى قلتلك سيبها على **** وبعدين مش قادر تصبر شويه يعنى خلاص .. ما أنت كده ولا كده مكنتش هتدخل دلوقتى وكنت هتستنى سنة كمان</p><p></p><p>مسح فارس على شعره وهو يقول بحنق :</p><p></p><p>- معرفش بقى يا بلال انا كنت بدور على أى حل وخلاص.. الموضوع بالنسبالى مش زى ما انت فاكر .. أنا كنت هعمل كده علشان أحط ابوها قدام الأمر الواقع ويبطل يقولى طلقها وكل اللى كنت عاوزه انى أجيبها تعيش هنا وابقى مطمن عليها بدل ماهى قاعدة لوحدها مع مرات ابوها **** أعلم بتعاملها ازاى .</p><p></p><p>أخرج بلال هاتفه وقال على الفور :</p><p></p><p>- طب هات رقم أبوها</p><p></p><p>****</p><p></p><p>- لقوهم مقتولين فى شقة باسم ... أظاهر ان علاقتهم ببعض قديمة ومن زمان أوى</p><p></p><p>حدق فارس وعمرو فى الضابط وهو يتحدث إليهم من خلف مكتبه وهتف فارس</p><p></p><p>على الفور :</p><p></p><p>- أمتى حصل الكلام ده</p><p></p><p>مطت الضابط شفتيه وقال :</p><p></p><p>- الشغالة معاها مفتاح وكانت بتروح كل يوم الصبح بدرى تنضف الشقة ..واضح انهم كانوا بيسهروا كل ليلة .. دخلت النهاردة الصبح لقيتهم مرمين على الأرض ومقتولين .. صرخت طبعا والعمارة كلها اتلمت واتصلوا بالبوليس</p><p></p><p>نظر عمرو إلى فارس بخوف وقال :</p><p></p><p>- يعنى ايه الكلام ده طب مين اللى عمل كده</p><p></p><p>قال الضابط بتركيز :</p><p></p><p>- البحث الجنائى شغال بس لحد دلوقتى ملقيوش حاجة بصماتهم وبصمات الشغالة بس .. واضح كمان من المعاينة ان الباب متكسرش يعنى القاتل عارفهم وعارف طريقهم ومعاه مفتاح أو هما فتحولوا الباب بأرادتهم.. مفيش دليل على أى حاجة خالص وشكلها كده هتتأيد ضد مجهول .</p><p></p><p>تقطعت أنفاس فارس وهو يشعر انه يختنق و ينظر إلى عمرو الذى كان ينظر إليه هو الآخر بذهول وهتف عمرو بلوعة :</p><p></p><p>- يعنى القضية كده باظت ولا أيه .. أنا مش فاهم حاجة</p><p></p><p>شعر فارس بالأسى تجاه الدكتور حمدى بينما سمع الضابط يقول لـ عمرو:</p><p></p><p>- أنت كده قضيتك خلصت خلاص.. التقرير هيتقدم انها مزيفة وانت هتطلع براءة والقضية تتقفل ... قضية الرشوة هى اللى باظت بموت باسم ونادر ومنعرفش مين اللى وراهم ولا مين اللى كان بيحركهم .. وده اللى مخالينى متأكد أن اللى قتلهم هو اللى وراهم ومش عاوز يتكشف ..بس هتجنن واعرف ..عرف منين انهم هيقعوا خلاص .. واننا هنقبض عليهم تانى يوم .</p><p></p><p>تبادل النظرات مع فارس الذى قال باصرار :</p><p></p><p>- أنا بقى مش هسكت والموضوع متقفلش على كده.. المكان اللى الفندق بيتبنى فيه ده مكان أثرى وانا هقدم بلاغ للنائب العام بالكلام ده وهطلب انهم يكشفوا بأجهزة الدولة اذا كان فيه أثار تحت الحفر ده ولا لاء .. ولازم اجيب اللى ورا نادر وباسم بأى شكل .</p><p></p><p>مال عمرو للأمام وهو يقول :</p><p></p><p>- متكبرش الموضوع يا فارس الناس دى ايديها طايله</p><p></p><p>أستدرك الضابط قائلا:</p><p></p><p>- بلاش يا دكتور فارس .. أنا عارف حاجات كتير عن الشغل ده انت متعرفوش ..وبنصحك بلاش</p><p></p><p>نهض فارس وهو يقول باصرار :</p><p></p><p>- انا رايح اقدم البلاغ حالاً</p><p></p><p>*****</p><p></p><p>هاتف بلال والد مُهرة وأاتفق معه على موعد فى المركز الخاص بالدكتور بلال وبالفعل ذهب إليه والدها فى الميعاد المتفق عليه, نهض بلال من خلف مكتبه مصافحاً أياه بحرارة وجلس قبالته فقال والد مُهرة على الفور :</p><p></p><p>- انا عارف انت كنت عاوز تقابلنى ليه يا دكتور وو**** لو مكنتش غالى عليا مكنتش وافقت اجى اقابلك</p><p></p><p>أخرج بلال زجاجة مسك وأعاطها له قائلاً بابتسامة :</p><p></p><p>- طب مش هتقبل هديتى كمان ولا ايه</p><p></p><p>أخذها والدها على استحياء قائلا:</p><p></p><p>- هديتك مقبولة يا دكتور</p><p></p><p>قال بلال مبتسماً :</p><p></p><p>- أوعدنى بقى انك هتسمعنى من غير ما تقاطعنى ولا تتعصب</p><p></p><p>أومأ والدها برأسه موافقاً بغير ترحيب .. فقال بلال :</p><p></p><p>- أنا عارف انك بتحب النبى عليه الصلاة والسلام وبتحب تسمع كلامه مش كده ؟</p><p></p><p>قال والدها على الفور :</p><p></p><p>- عليه الصلاة والسلام</p><p></p><p>تمتم بلال :</p><p></p><p>- عليه الصلاة والسلام ..</p><p></p><p>ثم قال بهدوء :</p><p></p><p>- بص بقى يا راجل يا طيب النبى عليه الصلاة والسلام قال :</p><p></p><p>- " درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم, أشد من ستة وثلاثين زنية"</p><p></p><p>وقال كمان عليه الصلاة والسلام</p><p></p><p>"لعن **** آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه. وقال: هم سواء"</p><p></p><p>وأنا بحبك يا عم أبو يحيى ومرضالكش أبدا أنك تاكل ربا.. وعلشان كده فارس قال ان عم عامر على حق.. علشان هو كمان بيحبك وخايف عليك</p><p></p><p>قال أبو مُهرة حانقاً :</p><p></p><p>- يا دكتور بلال ده مش ربا.. ده زى قرض البنك كده وليه فوايد وبعدين هما اتفقوا من الاول والعقد شريعة المتعاقدين</p><p></p><p>قال بلال على الفور :</p><p></p><p>- بس اللى نعرفة أن ما بنى على باطل فهو باطل.. ولو العقد ده عقد ربا يبقى باطل ويبقى الاتفاق بينهم باطل برضه.. الكلام ده لو العقد ده بيوافق شرع **** لكن لو يخالفه ميبقاش شريعة المتعاقدين ولا حاجة..أما بقى بالنسبة لحكاية أن البنك بيسلف بالفوايد .. بغض النظر عن حكمها انت جار بيسلف جاره يا ابو يحيى مش بنك</p><p></p><p>طرق الباب فقال بلال :</p><p></p><p>- أتفضل</p><p></p><p>دخل عامر ومعه ولده مينا ومد يده يصافح أبو يحيى الذى صافحه ببرود وجلسا بجواره</p><p></p><p>فقال ابو يحيى متبرماً وهو يوجه حديثه لـ بلال:</p><p></p><p>- بس برضة مكنش يصح ينصفه على حسابى.. ده انا حماه وهو حتى مش من دينه</p><p></p><p>نظر له عامر ومينا بضيق فقال بلال على الفور :</p><p></p><p>- بس فارس معملش حاجة غريبة.. فارس عمل زى ما الرسول عليه الصلاة والسلام عمل بالظبط ..</p><p></p><p>عقد أبو يحيى جبينه بينما انتبهت حواس عامر وولده مينا وبلال يقول :</p><p></p><p>- فى واحد راح للرسول عليه الصلاة والسلام وقاله ان فى دقيق أتسرق منه وأنه تتبع اثره فوجد الاثار موديه على بيت يهودى .. ولما شافوا بيت إليهودى فعلا لقوا اثار الدقيق من بيت الراجل صاحب الدقيق لحد بيت إليهودى.. وكان ده دليل قوى ضد إليهودى.. لكن الحقيقة أن اليهودى مكنش هو اللى سرق ..وان واحد تانى **** هو السارق الحقيقى.. وانه خبى الدقيق عند اليهودى لما حس انه هيتكشف ... ساعتها تنزل الوحى على النبى عليه الصلاة والسلام بالآيه الكريمة اللى بتقول:</p><p></p><p>(إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} إلى قوله تعإلى: {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)</p><p></p><p>الآية دى يا عم ابو يحيى كانت آيه تبرئة اليهودى ... كان ممكن الرسول عليه الصلاة والسلام يسكت ويقول خلاص بقى ماهو يهودى يعنى معقوله أطلع اليهودى شريف وال**** حرامى ... لكن لاء.. الرسول عليه الصلاة والسلام أنتصر لليهودى وبرأه وأدان ال**** اللى سرق فعلا.. هو ده الإسلام وهو ده شرع **** .</p><p></p><p></p><p></p><p>****</p><p></p><p>لم يصدق فارس نفسه وهو يدخل المدرج فى الكلية ليجد مُهرة جالسة أمامه وسط زميلااتها تنظر له وتبتسم ابتسامة واسعة ... تعلق بصره بها فى دهشة وألقى محاضرته بسرعة وبمجرد أن انتهى أشار لها بعينيه أن تلحقه .. جمعت مُهرة أشيائها وخرجت مسرعة فى فرحة غامرة.. أخذها للخارج وهو يقول بلهفة :</p><p></p><p>- أحكيلى اللى حصل بقى وبالراحة كده</p><p></p><p>قالت بسعادة :</p><p></p><p>- بابا رجع امبارح من عند الدكتور بلال وقال لمراته تمشى وترجع بيتها وراح جاب ماما ويحيى رجع البيت ..وقعد اتكلم معايا وهو مسكوف من اللى عمله وكان عاوز يتاسفلك بس محرج ..</p><p></p><p>تنهد بقوة وهو يقول بفرحة :</p><p></p><p>- بركاتك يا دكتور بلال</p><p></p><p>ضحكت مُهرة وشرعت فى التوجه إلى المدرج مرة أخرى وهى تقول :</p><p></p><p>- سيبنى بقى كفاية عليك كده</p><p></p><p>جذبها من يدها قائلا بابتسامة سعيدة :</p><p></p><p>- لاء أحنا هنتغدى مع بعض بالمناسبة الحلوة دى</p><p></p><p>رفعت حاجبيها وقالت معترضة :</p><p></p><p>- لاء طبعا مش موافقه أنت مبذر أوى على فكره</p><p></p><p>قال بحنان وهو ينظر فى عينيها محاولا التاثير عليها قائلا:</p><p></p><p>- طب لو قلتلك علشان خاطرى .. نفسى اقعد معاكى شوية</p><p></p><p>نجحت خطته فقالت على الفور وقد احمرت وجنتيها :</p><p></p><p>- موافقة.. بس نقعد فى حته فيها بحر</p><p></p><p>عقد حاجبيه وهو يقول مداعباً :</p><p></p><p>- دلوقتى بتتشرطى.. مش لسه كنتِ بتقولى لاء من شوية</p><p></p><p>عقدت ذراعيها أمام صدرها متبرمة وهى تقول بمرح طفولى :</p><p></p><p>- خلاص مش عاوزه منك حاجة</p><p></p><p>ضحك وهو يجذبها من يدها ليخرج بها خارج الجامعة ليجلسا وحدهما مرة أخرى لتعود المهرة الأصيلة إلى حضن فارسها المغوار.</p><p></p><p>****</p><p></p><p>عادا من نزهتهما بعد **** العصر ليجدا حالة من الهرج والمرج داخل شارعهم ودخان كثيف يخرج من أحد المحلات الجانبية الصغيرة فى الشارع .. نظرت إليه مُهرة وهى تقول بقلق :</p><p></p><p>- ياترى حصل ايه</p><p></p><p>أخذها إلى بنايتهم ودفع بها برفق داخلها وهو يقول :</p><p></p><p>- أطلعى انتِ لما اشوف أيه اللى بيحصل</p><p></p><p>توجه فارس إلى الحاج عبد **** صاحب محال البقالة ليسأله عن الأمر فقال له :</p><p></p><p>- مش عارفين حصل ازاى ده يا دكتور فارس .. أحنا فجاة كده لقينا النار طالعة من المحل المقفول ده .. قعدنا نطفى فيه والناس كلها اتلمت تساعدنا وكانت هوجة فى الشارع بس الحمد *** لحقناها قبل ما تكبر</p><p></p><p>عقد فارس حاجبيه بدهشة وعاد أدراجه إلى بنايته, وما إن دخلها حتى وجد مُهرة تتصل به وهى تهتف :</p><p></p><p>- ألحقنى يا فارس ..</p><p></p><p>لا يعلم كيف صعد تلك الدرجات إليها .. فى لمح البصر كان واقفا أمام شقتها المفتوحة ووجد والدته خارجة منها وعلى وجهها علامات الفزع وقالت له :</p><p></p><p>- تعالى يا فارس شوف أوضة مُهرة</p><p></p><p>توجه فارس على الفور إلى غرفة مُهرة فوجدها تقف فى منتصفها تنظر إلى ملابسها المبعثرة فى كل مكان وعلى وجهها قد رسم الخوف لوحة ظاهرة للعيان بمجرد النظر إليها .. نظرت إليه وهى تقول بفزع :</p><p></p><p>- ألحقنى يا فارس</p><p></p><p>تقدم إليها فوجد فى يدها ورقة مدت يدها بها إليه وهى تقول :</p><p></p><p>- لقيت الورقة دى على سريرى محطوطة هنا</p><p></p><p>وأشارت إلى كومة ملابس موضوعة بشكل معين ..ليست مبعثرة مثل بقية الملابس ولكن موضوعة فى مكان ظاهر على فراشها بعناية ... كانت كومة من ملابسها الداخلية !.. اتسعت عينيى فارس وأعاد النظر للورقة سريعاً فوجد بها كلمات قليلة :</p><p></p><p>- المرة دى أوضتها وهدومها.. المرة الجاية هى نفسها.. ومتلومش غير نفسك</p><p></p><p>رفع رأسه بفزع إلى كومة ملابسها الداخلية .. نعم لقد وصلت الرسالة .. طرقت عقله بجنون .. تهديد بال****** ... ولكن من ... من يجروْ على هذا ... أستدار إلى والدتها صائحاً :</p><p></p><p>- أزاى ده حصل وأمتى</p><p></p><p>قالت والدتها وهى تضع يدها على صدرها مكان قلبها وهى تلهث من شدة الخوف :</p><p></p><p>- انا كنت تحت عند الست ام فارس وفجأة لقينا ناس بتزعق فى الشارع وبيقولوا حريقة . طلعنا انا وهى ووقفنا فى البلكونة .. ولما لقيناك انت ومُهرة راجعين من بره سيبت الست ام فارس وطلعت شقتى ولقيت مُهرة طالعة ورايا ولقينا باب الشقة مكسور وأول ما دخلت أوضتها لقيناها كده على حالتها دى واتصلت بيك...</p><p></p><p>أخرج فارس هاتفه وأتصل على الضابط صديقه وقص عليه ما حدث فصمت الضابط لحظة بعد ما سمع ما سرده عليه فارس وقرأ عليه الرسالة فقال :</p><p></p><p>- نصيحة مني أبعد عن حكاية الآثار دى خالص يا دكتور فارس</p><p></p><p>صاح فارس بانفعال :</p><p></p><p>- يعنى انت شايف ان قضية الآثار دى ليها علاقة باللى حصل ؟</p><p></p><p>قال الضابط بثقة :</p><p></p><p>- انا مش شايف .. انا متاكد ... شوف يا فارس قضية صاحبك خلصت وطلع براءة والحكاية خلصت والبلاغ اللى انت قدمته اتحفظ حتى من غير ما يحققوا فيه ..وقضية القتل كمان اتحفظت برضه من غير ما نوصل لحاجة فيها ..وكل الأدله أطمست .. مبقاش فيه دلوقتى غير عنادك.. واعتقد اللى حصل ده والتهديد ده خطوة.. ونصيحة مني تبعد وتقفل موضوع الاثار ده خالص</p><p></p><p>مسح فارس على رأسه بعنف وهو يهتف :</p><p></p><p>- يعنى أيه ..يعنى فعلا دى عصابة بقى ومش عاوزين أى شوشرة حواليهم ودلوقتى بيهددونى بمراتى</p><p></p><p>أجابة الضابط بهدوء :</p><p></p><p>- بالظبط كده واديك شفت نادر وباسم اتقتلوا لمجرد انهم لفتوا الأنظار ليهم.. شوف انت بقى ممكن يحصلك أيه لو مشيت فى الموضوع ده اكتر من كده ... خدها نصيحه من واحد شغال فى مكان ماليان فساد بالشكل ده.. أقف لحد كده يا فارس ..لو حصلك حاجة انت ولا مراتك محدش هيسأل فيكوا وبرضه القضية هتتحفظ ...</p><p></p><p>جمع فارس بلال وعمرو والضابط وقص عليهم ما حدث وما قاله الضابط صديقه فأعاد الضابط كلماته مرة أخرى أمامهم فأطرق بلال فى سكون ثم قال دون أن ينظر إليهم :</p><p></p><p>- حضرة الظابط معاه حق يا فارس ..أديك شفت لما اتشدينا كلنا على المعتقل محدش حس بينا ولا حد سال علينا واللى خرجنا من هناك هما هما نفس الناس اللى احنا شاكين فيهم دلوقتى.. والخوف دلوقتى مش علينا احنا.. الخوف دلوقتى على الحريم اللى ممكن يتبهدلوا معانا لو كملنا</p><p></p><p>ضغط فارس قبضته فى راحته وهو يقول بغضب :</p><p></p><p>- عارف لو هددونى بالقتل مكنش همنى حاجة ... المشكلة انهم بيهددونى بمراتى .. مراتى يا بلال</p><p></p><p>وضع عمرو وجهه بين راحتيه وهو يقول موبخاً نفسه :</p><p></p><p>- ياريتنى ما كنت رحت اشتغلت فى الشركة دى ..ياريتنى لما قدمت استقالتى صممت عليها ومشيت ولا كنت سافرت ولا اتهببت</p><p></p><p>هتف فارس بحنق :</p><p></p><p>- لازم نلاقى حل مش معقول نسيبهم ينهبوا البلد كده واحنا خايفين على نفسنا لازم نوصل لأكبر مسؤل فى البلد</p><p></p><p>نهض الضابط صديقه من مكانه واقفا ً وهو يقول فى شرود :</p><p></p><p>- أكبر مسؤل اللى انت عاوز توصله ده هو اللى خد أوامر من اللى أكبر منه أن محضر القتل يتقفل والحفر يفضل شغال فى وادى الريان مكان الفندق واهو نفذ الأوامر وقفل المحاضر واتحفظ عليها من غير تحقيق .. عارف لما جارك يتعدى عليك وتروح لابوه تشتكيله تلاقى ابوه هو اللى مسلطه.. أهو هو ده بالظبط .</p><p></p><p>وضع يده على كتفه وقال بأسى :</p><p></p><p>- شيل أيدك من الموضوع يا فارس ..الفساد فى البلد دى من سنين كتير.. فوق الستين سنة ويمكن أكتر.. لدرجة ان الناس تعايشت معاه واتعودت عليه .. مينفعش تواجهه لوحدك أستنى شوية .. محدش عارف بكرة هيحصل أيه !</p><p></p><p>********</p><p></p><p>جلست بجواره حول المائدة وهى تقول بنعومة :</p><p></p><p>- معلش يا فارس اشرحلى الحتة دى تانى.. مش فاهماها كويس ..الجنائى ده صعب أوى</p><p></p><p>مال عليها وهمس فى أذنها :</p><p></p><p>- طب خشنى صوتك شوية انا كده مش هعرف اشرح حاجة خالص</p><p></p><p>ضحكت بصوت خفيض ثم قالت :</p><p></p><p>- معلش استحملنى خلاص الامتحانات قربت تخلص</p><p></p><p>تافف وهو يغلق الكتاب بيده وقال :</p><p></p><p>- ما انتِ لو حنيتى عليا بأطه هستحمل</p><p></p><p>ضحكت ثانية وامتزجت ضحكاتها بصوت والدته وهى تعود من المطبخ حاملة أكواب الشاى بيدها ووضعتها أمامهم وهى تنظر إليهما بمكر قائلة :</p><p></p><p>- أيه الدرس اللى كله ضحك ده</p><p></p><p>أمسك يد والدته وأجلسها أمامهما وقال متبرماً :</p><p></p><p>- بصى بقى يا ست الكل ..أنا عاوز اتجوز ماليش دعوه اتصرفى ..مش انتِ امى ومسؤلة عنى.. أنا كده هنحرف</p><p></p><p>تبادلت النظرات مع مُهرة وقالت بلامبالاة :</p><p></p><p>- استنى بقى لما تخلص الكلية بتاعتها</p><p></p><p>هتف فارس على الفور :</p><p></p><p>- نعم ؟! .. لالالا ..أنا يدوب هستحمل لحد امتحانات السنة دى ما تخلص</p><p></p><p>ثم نظر إلى مهُرة نظرة ذات معنى وقال :</p><p></p><p>- وبعدها بقى محدش يلومنى</p><p></p><p>قالت والدته على الفور :</p><p></p><p>- طب اصبر لما نجيب لمُهرة عفش جديد ولا هتدخل على القديم</p><p></p><p>ظهرت سحابة حزن فى عينيى مُهرة وأمطرت حروف غيرتها الواضحة وهى تقول :</p><p></p><p>- الحكاية مش حكاية عفش قديم ..الموضوع ده ميفرقش معايا.. أنا بس مش عاوزه أوضة النوم دى .. مش بتاعتى.. فى واحدة غيرى نامت عليها</p><p></p><p>ثم نظرت إليه نظرات عتاب ولوم فقال :</p><p></p><p>- تانى يامُهرة ... مش انا فهمتك الحكاية كلها قبل كده.. وبعدين يا ستى انا نفسى مش هوافق تدخلى على عفش قديم وهغيرهولك بالقسط</p><p></p><p>قالت والدته متسائلة :</p><p></p><p>- أنت ليه يا فارس مرجعتلهاش عفشها.. مش ده فى القايمة بتاعتها</p><p></p><p>أخرج فارس ميدالية المفاتيح وقال :</p><p></p><p>- كويس انى لسه معايا نسخة من مفاتيح شقتها.. هروح بكره انقلها حاجتها فيها.. ده حقها</p><p></p><p>هتفت مُهرة على الفور بضيق :</p><p></p><p>- وانت بقى هتروح شقتها لوحدك لاء انا هاجى معاك</p><p></p><p>رفع كتفيه مقلداً لها وهو يقول مداعباً :</p><p></p><p>- هو انا مش قلتلك أنها محكوم عليها بسبع سنين .. خايفة من أيه بقى ..هتطلعلى من الصورة تاكلنى يعنى</p><p></p><p>أستندت برأسها على راحتها وقالت بعناد:</p><p></p><p>- برضة هاجى معاك</p><p></p><p>*****</p><p></p><p>أنهت مُهرة أختباراتها وبدأت فى أتمام أمر الأثاث الجديد, أخذته إلى معرض الأثاث الخاص بوالد صديقتها وانتقيا غرفة نوم جديدة وغرفة أخرى للأستقبال ولقد كانت مُهرة فى غاية السعادة والفرحة وهى تتعلق بيده وهما يتنقلان بين الغرف المعروضة .. أشارت له على غرفة صغيرة الفراش وقالت :</p><p></p><p>- مش ملاحظ ان الأوضة دى الكومدينو فيها أكبر من السرير</p><p></p><p>مال على أذنها وقال :</p><p></p><p>- هو فين السرير اصلا</p><p></p><p>كتمت ضحكتها وأكملا رحلتهما فى البحث عن أسعار مناسبة وقسط مناسب لحالتهما المادية فى ذلك الوقت وتم تحديد ميعاد الزواج بعد أيام من أتمام تجهيز شقة الزوجية .</p><p></p><p>حزمت عزة حقيبتها وهى تقول :</p><p></p><p>- خلاص يا عمرو كل حاجة جاهزة</p><p></p><p>دلف إلى الغرفة وقال وهو ينظر للحقائب :</p><p></p><p>- ده أحنا هنشوف بهدلة يابنتى</p><p></p><p>قالت باعتراض :</p><p></p><p>- ليه بس ده انا بحب اسكندرية أوى وكان نفسى أعيش فيها من زمان ..كويس انك لقيت شغل هناك</p><p></p><p>بدل ملابسه وهو يقول :</p><p></p><p>- آه طبعا مصائب قوم عند قوم فوائدُ</p><p></p><p>لفت ذراعيها حول ساعده وهى تقول بابتسامة واسعة :</p><p></p><p>- على الأقل هنقضى شهر عسل جديد مع مُهرة وفارس وكمان بلال وعبير هيسافروا معانا أسبوع</p><p></p><p>وضع يده على بطنها وهو يقول بمرح :</p><p></p><p>- شهر عسل أيه بقى ما خلاص أدبست واللى كان كان</p><p></p><p>دفعته وهى تقول بتبرم:</p><p></p><p>- أمشى كده هو انت كنت تطول ابقى ام عيالك</p><p></p><p>دفعها من كتفها برفق وهو يقول :</p><p></p><p>- أمشى كده وانا متجوزك شفقة ورحمة اصلا</p><p></p><p>****</p><p></p><p>كالعادة كانت زفة بسيطة جميلة , أحاطت النساء مُهرة وهن يحملن الدفوف والشعلات وأطواق الزهور وهى تمر بينهن, زهرة يافعة فى مقتبل العمر, فى عينيها ترى الأمل والسعادة والتفاؤل والحب .. تصفق وتنشد معهم كالأطفال .. أما فارس فى قاعة الرجال فكان يشعر للمرة الأولى أنه فى حفل زفافه, كانت السعادة بادية على وجهه وبين الحين والاخر يقترب من عمرو قائلا :</p><p></p><p>- ما تنهى بقى يا عم انت مسافر الفجر ولا ايه</p><p></p><p>أقترب بلال منهما وسمع عمرو وهو يقول لـ فارس مداعباً :</p><p></p><p>- أيه ده هو مش الفرح عندكوا بيبقى اسبوع متواصل ولا ايه</p><p></p><p>ضحك بلال ضحكات رنانة بينما دفعه فارس من كتفه وهو يقول :</p><p></p><p>- أسبوع مين يا عم.. أنا هروح أخد مراتى وامشى ..اقعد انت بقى الأسبوع ده براحتك</p><p></p><p>وضع بلال ذراعيه على كتفيهما وهو يقول مشاكساً :</p><p></p><p>- لا يا عمرو حرام أسبوع كتير مشيها تلات تيام بس</p><p></p><p>نظر له فارس بحنق بينما صفق عمرو وهو يقول بمرح :</p><p></p><p>- العريس هيقتلنا يا شيخ بلال .. وبعدين كلنا مسافرين مع بعض فمفيش داعى نقطع على بعض يعنى</p><p></p><p>دفع بعضهم البعض وهم يضحكون بشدة فى نشوة ومرح كبير والناس ينظرون إليهم ما بين سعيد ومندهش ..هل الملتحون يضحكون مثلنا !.. هل هم من كوكبنا أم هجموا علينا من كوكب آخر !</p><p></p><p>سافروا جميعاً إلى عروس البحر المتوسط .. فارس ومُهرة .. بلال وعبير .. عزة وعمرو</p><p></p><p>كل ثنائى فى شقته الخاصة المؤجرة خصيصا لهذه الأجازة باستثناء شقة عمرو التى كانت مؤجرة بشكل دائم نظراً لعمله الذى جعله ينتقل للأسكندرية للأقامة الكاملة فيها ... وضع فارس الطعام على المائدة ثم توجه إلى غرفة نومها وطرق الباب بخفة وقال :</p><p></p><p>- مُهرة العشا جاهز يا حبيبتى</p><p></p><p>هتفت من الداخل:</p><p></p><p>- أوعى تدخل لسه مخلصتش</p><p></p><p>تنهد بسعادة وهو يتجول فى أركان الشقة ينتظرها .. خرجت بعد قليل بعد أن بدلت ملابسها</p><p></p><p>تنهد بعمق ثم توجه إليها وجلس بجوارها وبدأ يطعمها فى فمها بعض اللقيمات الصغيرة وبعد أن انتهى أخذت يده فى يدها ولعقت أصابعه بمرح وهى مبتسمة له فنظر لها بحب وشوق كبيرين وقال بخفوت :</p><p></p><p>- أوعى تقولى عبير علمتك دى كمان</p><p></p><p>أومات برأسها وهى تقول :</p><p></p><p>- أه عبير هى علمتهإلى</p><p></p><p>أمسك يدها وقبلها بحنان قائلا :</p><p></p><p>- خلصتى أكل ولا لسه ؟</p><p></p><p>شعر بها ارتجفت فجاة وأنتفض جسدها وتقلصت عضلات وجهها خوفاً ووجلاً فعقد جبينه وقال بقلق :</p><p></p><p>- مالك خايفة كده ليه</p><p></p><p>تلعثمت وهى تقول :</p><p></p><p>- لا ابدا مفيش</p><p></p><p>شعر بخوفها وسمع طرقات قلبها وكأنه رأى خفقانه وقفزاته بجنون .. شعر بالشفقة تجاهها ومسح على شعرها وهو يجذبها إلى صدره قائلا :</p><p></p><p>- من أمتى وانتِ بتخافى مني ؟ فاكره اليوم اللى قلتيلى فيه أحمينى منك يا فارس ؟</p><p></p><p>رفع رأسها إليه قائلا :</p><p></p><p>- محدش فى الدنيا دى يخاف عليكى أدى ..صح ولا لاء؟</p><p></p><p>أومات برأسها وقد شعرت ببعض الهدوء النفسى يغلفها على أثر كلماته الرقيقة ووضعت رأسها على صدره بهدوء فمسح على ذراعها وهو يقول :</p><p></p><p>- لازم تتأكدى من كده كويس أوى ..أنا هفضل طول عمرى حمايتك وأمانك حتى من نفسى أنتِ يا مُهرة مش حبيبتى وبس ومش مراتى وبس ..أنتِ بنتى واختى قبل أى حاجة تانية وزى ما كنت بخاف عليكى وانتِ لسه بيبى بين أيديا.. هفضل برضة اخاف عليكى وانتِ مراتى وحبيبتى وبين أيديا</p><p></p><p>اتسعت ابتسامتها ورفعت رأسها إليه وطبعت قبلة صغير ممتنة على وجنته ..فنظر إليها بشغف قائلا :</p><p></p><p>- أنتِ صدقتى ولا أيه ده انتِ عبيطة أوى !</p><p></p><p>لم تكن تلك الليلة هى ليلة عادية فى عمرهما , كانت بداية جديدة لعمر آخر ... فارس آخر ومهرة أخرى , يطوفان حدائق حبهما فى سكون وصمت , يهدى كل منهما رحيقه طواعية وحب, أصبح الأخذ هو العطاء , والعطاء هو الأخذ , أختلفت المقاييس , توحدت الأنفس أصبحت كياناً واحداً , يتنفس برئة واحدة , يبتسم بثغر واحد , روحاً واحدة و جسداً واحداً ... وقلبان ينتفضان عشقاً .</p><p></p><p>******</p><p></p><p>لامست مياه البحر أقدامهما وهما يجلسان على شاطئه ويتأملان شروق الشمس فاسندت رأسها على صدره وقالت :</p><p></p><p>- أنا جسمى قشعر من جمال وروعة المنظر الخلاب ده .. شفت عظمة **** فى أبداعه ..</p><p></p><p>أجابها فارس بعد أن قبل كفها بحنان :</p><p></p><p>- أومال لو شفتى الأجمل والأروع من المنظر ده هتقولى أيه</p><p></p><p>رفعت رأسها تنظر إليه فى فضول كبير قائلة :</p><p></p><p>- فين ده</p><p></p><p>قال وهو ينظر إلى عينيها الواسعتين :</p><p></p><p>- عنيكى</p><p></p><p>أحمرت وجنتيها خجلاً وقالت بخجل :</p><p></p><p>- بتهزر ؟</p><p></p><p>قال بحب :</p><p></p><p>- انا بتكلم جد ..أنا لما بشوف عنيكى بنسى الدنيا كلها وبحس أنى فى الجنة ... أنا معرفتش طعم الحب الا وأنا معاكى .. عشت حياتى قبلك فى وهم وانا فاكر أنى بحب غيرك .. عشت أكبر كدبة فى حياتى .. لكن لما عرفت أنى بحبك دوقت ساعتها طعم الحب الحقيقى ...</p><p></p><p>أنتِ عارفه يا مُهرة.. أنا عشت حياتى كلها كل ما أدخل محكمة واسمع حكم وراه جملة مع وقف التنفيذ .. كنت بفتكر حياتى اللى عشتها .. الجملة دى هى تلخيص حياتى كلها .. من ساعة ما اتخرجت من الجامعة وانا بحلم ابقى وكيل نيابة ..وكنت بذاكر واطلع الأول وكنت عايش دور وكيل النيابة بس مع وقف التنفيذ .. لحد ما اتجوزت وكنت فاكر انى بحبها وهى بتحبنى وبعد ما عرفتها على حقيقتها والناس فاكرانا متجوزين ومتفاهمين وبنحب بعض ميعرفوش اننا متجوزين بس مع وقف التنفيذ ...حتى لما دخلت المعتقل كنت فاكر انى هموت ومحضر نفسى للموت لكن كنت بموت كل يوم من الانتظار.. لكن برضه مع وقف التنفيذ .. ولما اتجوزتك وابوكى كان هيفرق بينا ومكنتش عارف اشوفك ..كنتِ مراتى مع وقف التنفيذ .. و لما فكرت واتحمست انى أطهر البلد دى من الفساد والسرقة واللى بيحصل فيها عرفت ساعتها اننا كلنا شايفين السرقة والفساد لكن مش قادرين نعمل حاجة وفاكرين نفسنا أبطال ..بس كلنا أبطال مع وقف التنفيذ .</p><p></p><p>كانت تنظر إليه تسمعه بتركيز واهتمام فقالت :</p><p></p><p>- تفتكر يا فارس فى أمل بلدنا تتغير ؟</p><p></p><p>قال بشرود :</p><p></p><p>- أنا متاكد ان ده هيحصل ... بس عشان ده يحصل لازم نكون كلنا أيد واحدة لازم الشعب ده يفوق من الغفلة اللي عايش فيها من سنين طويلة... إن **** لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم... ده مهما كان حجم الظلم والطغيان اللي موجود في البلد مش هايقدر يقف أدام ثورة الناس كلها ... بس الخوف كله إن لو الشعب عمل ثورة فعلا وما غيرش نفسه وفضل عايش فى الضلمة ... هاتبقى ثورة .. بس مع وقف التنفيذ .</p><p></p><p>*****</p><p></p><p></p><p></p><p>تمت بحمد الـله</p><p>الي اللقاء مع موضوع جديد</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابيقور, post: 42894, member: 1775"] الفصل الحادى والعشرون عاد الفارس إلى صهوة جواده مرة أخرى وأستأنف حياته العملية ثانية ولكن هذه المره وهو يجلس خلف مكتب الدكتور حمدى مهران كنائباً عنه ومديراً للمكتب وشريك فيه بمجهوده بنسبة الثلث ...لينفذ فكر استاذه فى قبول القضايا ورفضها حسب ما يترائى له من حلها وحرمتها مهما كانت باهظة الثمن ...وعادت دنيا تقبع خلف مكتبها تقلب أوراقها بملل غير راضية عن وضعها القديم فقد كانت تتصور أن شأنها سيرتفع لمجرد أنها زوجته وأنه سيعطيها مكتب مخصص لها ولكنها تركها كما هى حتى عندما غضبت وطلبت منه ذلك رد ببرود: - لو هارقى حد هيبقى على حسب كفائته مش على حسب هو يقربلى ايه وقد كانت الضربة الموجعة لها والقاسمة لغرورها وكبريائها أنه أعطى نورا صلاحية مدير المكتب وخصص لها مكتبه سابقاً بل وخفف عنها عبء عمل النهار وأصبحت تعمل مساءا كمديرة للمكتب فقط مما جعل دنيا تستشيط غضباً وحنقاً وتستعر النار بداخلها ...خرجت من المكتب دون أستئذان وتوجهت لوالدتها لتحكى لها مأساتها معه والظلم الذى تلاقيه فى عملها فاجابتها والدتها بهدوء: - فى حاجة مش طبيعية بينك وبينه ومحدش فيكوا عاوز يقول عليها جلست دنيا تقلم أظافرها وهى ترفع كتفيها وتقول بخبث : - بصراحة يا ماما فيه بس يعنى ..ضميرى مش سامحلى انى افضح جوزى نظرت لها والدتها مستفهمة وقد عقدت حاجبيها قائلة: - يعنى أيه يابنتى مش عاوزه تفضحيه هو فى ايه بالظبط رفعت رأسها إلى والدتها وتصنعت الخجل وهى تقول : - أصله بصراحة يعنى مش قد كده معايا ..يمكن بقى علشان كده علطول مضايق وبيعاملنى وحش زى ما اكون أنا المسؤلة عن حالته دي زاد أنعقاد حاجبى والدتها وهى تنظر إليها قائلة: - طب ليه ما يروحش لدكتور بدل ما العلاقة بينكوا متوترة كده زفرت دنيا متبرمة وهى تقول بملل: - يووه حاولت كتير معاه وكل مره بيزعل ويعمل خناقة .. خلاص بقى قسمتى ونصيبى انا راضية جلست والدتها واستندت إلى ظهر مقعدها وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها وتنظر لابنتها بشك ثم قالت : - غريبة أوى الحكاية دى عادت دنيا لتقليم أظافرها ثانية وهى تقول بأسى : - شايفة يا ماما انا مستحملة أيه.. وكمان قاعدة مع امه فى مكان واحد ومعاملتها بقت حاجة صعبة أوى مالت أمها للأمام بابتسامة متهكمة وقالت : - أهى دى بقى لو حلفتيلى عليها عمرك كله مش هصدقك ..ده انا شفت بعينى محدش قالى نظرت دنيا إليها وقالت بحزن: - كده يا ماما بقى انتِ برضة تخيل عليكى حركات الست دى .. دى بتعمل كده قدامك بس ضحكت أمها بسخرية وقالت : - روحى شوفيلك كدبة تانية بس تكون محبوكة شوية عن دى هبت دنيا واقفة وهى تقول بانفعال : - كده يا ماما ...ماشى ..أنا هدخل انام شوية - أنتِ مش هتروحى - لاء لازم يعرف انه غلط دخلت غرفتها وتنفست بقوة وهى تزفر بضيق متسائلة بداخلها.. لماذا دائما يكذبها الجميع حتى والدتها لا تصدقها فى شىء , ألهذه الدرجة هى مكروهة منهم ...هوت إلى فراشها بقوة وغضب وهى تلوم نفسها على سذاجتها التى أودت بها ..تذكرت يوم وفاة أبيها واليوم الذى توعدتها أمها أنها ستجعل عمتها تأخذها معها إلى الصعيد لتعيش هناك بقية عمرها وتذكرت يوم أن قررت مصيرها وحددت معاد عقد قرانها على فارس دون الرجوع إليها عادت لتذكر الشعور الذى مر بها والغضب الذى تملكها حينها وهى ترى حياتها تسير فى الاتجاه الخاطىء وسينتهى بها الأمر فى حارة مع حماتها فى شقة واحدة , أستعادت ذاكرتها هذا اليوم المشؤم الذى بحثت فيه عن الدواء المنوم خاصتها ووضعت منه لوالدتها فى مشروبها والذى جعلها تنام نوما عميقا مما أتاح الفرصة لها أن تخرج , وأول ماتوجهت كان لمكتب باسم الذى رحب بها وأغلق الباب قائلا: - ولا يهمك محدش يقدر يجوزك غصب عنك - كل ده بسببك انت ..ماما عملت كده علشان سمعتك وانت بتكلمنى فى التليفون بالليل فى الليلة اللى بابا مات فيها ...أسمع بقى انا مش هغرق لوحدى لازم تطلعنى من الحكاية دى فورا - يعنى عاوزانى اعمل ايه - أنت مش قلت هتجوزى وتخلينى شريكتك فى المكتب ؟.. يبقى تيجى بكره وتطلب أيدى رسمى - أيه ده.. يعنى بتفضلينى على حبيب القلب ولا أيه مش فاهم - حبيب قلب أيه دلوقتى ..يعنى أرمى نفسى بأيدى فى الحارة مع أمه علشان بحبه ..لاء طبعا - أومال انتِ خرجتى ازاى دلوقتى .. مش بتقولى امك حاسباكى - حطيت منوم لماما هينيمها طول الليل وقلت اجيلك وارجع البيت من غير ما تحس انى خرجت .. وطبعا انت هتتقدم بكره رسمى ومش هتسيبنى فى اللى انا فيه ده لوحدى.. مش كده يا باسم.. مش كنت بتقول انك بتحبنى وانك مستعد تعمل أى حاجة علشانى أغمضت عينيها وهى تتذكر نظرة عينيه فى تلك اللحظة , وكيف عادت لبيتها وهى تجر أذيال الخيبة , مترنحة لا تصدق ما فعله بها وافتراسه لها بعد أن وثقت به وعاد صوته يتردد داخلها مرة أخرى وهو يقول بمنتهى الوقاحة : - أعرف دكتور كويس هيرجعك زى ما كنتِ وأحسن كمان شعرت بغصة فى حلقها عندما وصلت لهذه النقطة من ذكرياتها المقززة , و أخذت تفكر فى طريقة تعيد بها مكانتها مرة أخرى , فكان لابد أن تبدأ بفارس أولا , لابد أن تستعيد مكانتها فى قلبه بأى شكل من الأشكال وبشتى الطرق . ***** ظلت مُهرة تداعب أبناء عبير الأربعة وتجرى وهم يجرون خلفها وصوت ضحكاتهم يتردد بين جدران المنزل فى سعادة بينما قالت أم بلال وهى تضع يدها على صدرها : - كفاية يا مُهرة قلبى وجعنى من الضحك يابنتى قالت عبير وهى تجرى خلف أحدهم بطبق الطعام: - سيبيها يا ماما دول كده بياكلوا وجبتهم كلها جلست مُهرة على الأرض والأطفال تجذبها من يدها لتقوم مرة أخرى وهى تتنفس بصعوبة وتقول بأنفاس متقطعة: - كفايه مش قادره قطعتوا نفسى يا ولاد الدكتور ضحكت عبير وهى تقول بمرح: - أنتِ خلاص يا مُهرة بقى عندك خبرة ينفع نجوزك من بكره نهضت أم بلال وهى تقول : - أنا هدخل اريح شوية دماغى وجعنى من كتر الضحك نهضت مُهرة وأخذت طفلين على قدماها تداعبهم وشرعت عبير فى إطعام الاثنين الآخرين وهى تنظر إلى مُهرة نظرات متفحصة ثم قالت : - مُهرة .. أنتِ فى حاجة مضايقاكى ألتفتت إليها مُهرة بحيرة وقالت بتردد : - ليه بتقولى كده ركزت عبير على عينيها وقالت بثقة: - علشان عارفاكى كويس .. لما بتبقى مضايقة ومهمومة بتقعدى تجرى وتلعبى وتضحكى أكتر من الطبيعى بتاعك حاولت مُهرة تغير مجرى الحديث وهى تقول : - أحنا مش هنروح لـ عزة ولا ايه يالا بقى قومى ألبسى نهضت عبير وهى ترمقها بنظراتها وقالت : - ماشى يا مُهرة بس خليكى فكرة أنى أختك الكبيرة لو أحتاجتى تتكلمى انا موجوده قالت عبير كلمتها الاخيرة وتوجهت لغرفتها مصطحبة أطفالها لتبدل لهم ملابسهم بينما كانت عينان مُهرة تتابعها فى شرود وقد عاد الأسى يسكن قسمات هذا الوجه اليافع مرة أخرى, وهى تتذكرنتيجة التنسيق التى كانت تتمناه وتحلم بها سابقا والتى وضعتها أول غباتها وهى تملأ استمارة الرغبات متنازلة عن مجموع درجاتها الذى يؤهلها لكلية أخرى , ورغم ذلك اختارت أن تدرس نفس ما كان يدرسه, أختارت كلية الحقوق ! **** سمع صلاح طرقات منغمة على باب غرفته فالتفت إلى الباب وقال بمرح : - أدخل يا عريس أطل عمرو برأسه من فتحة الباب بابتسامته المرحة ودخل إليه يعانقه قائلا: - وحشنى و**** يا أستاذ صلاح نظر إليه صلاح متأملا وهو يقول : - وانت و**** يا عمرو ..بس أيه الحلاوة دى .. هو الجواز عامل عمايله معاك ولا ايه رفع عمرو يديه يستعرض عضلاته وقال بغرور مصطنع : - لا ولسه مشفتش المجانص كمان لم يضحك صلاح فنظر إليه عمرو فوجده ينظر خلفه ووجهه قد عاد إليه جموده فالتفت عمرو خلفه فوجد إلهام واقفة عند الباب وتنظر إليه بنظرات إعجاب جريئة تكاد تلتهمه بعينيها وقالت برقة : - حمد *** على السلامة يا بشمهندس ..تعال المكتب شوية لو سمحت ضرورى وخرجت متوجهة لمكتبها , فوضع صلاح يديه على كتف عمرو وقال : - **** يخليلك مراتك يابنى نظر له عمرو نظر مبهمة واتجه إلى مكتب إلهام , طرق الباب ودخل فقالت : - أقفل الباب يا بشمهندس أغلق عمرو الباب ووقف مكانه قائلا : - خير يا بشمهندسة أشارت له بالجلوس أمامها فاقترب قائلا: - أنا أصلى لسه هستلم الشغل قالت ببطء وهى تتفحصه : - مش هعطلك كتير اتفضل جلس عمرو على المقعد أمام المكتب متحاشيا النظر إليها , مالت للأمام واسندت ذقنها إلى راحتها وهى تنظر إليه مبتسمة وقالت : - تعرف أنك احلويت فعلا بعد الجواز نهض عمرو على الفور وقال بضيق: - معلش انا لازم امشى عندى شغل كتير نهضت من مقعدها ودارت حول مكتبها ووقفت أمامه , مدت يدها إليه ولمست بأناملها أزرار قميصه وقالت هامسة: - أنت ليه مش حاسس بيه يا عمرو نظر ليدها وابتعد خطوة للخلف ونظر فى الاتجاه الآخر وهو يقول بجدية: - يا بشمهندسة اللى بيحصل ده مينفعش خالص أقتربت هى الخطوة التى ابتعدها ونظرت إليه برجاء وقالت بضعف: - مينفعش أيه ..مينفعش أحبك نظر إليها بدهشة وقال : - يا مدام إلهام انا راجل متجوز وبحب مراتى وحضرتك كمان متجوزة و.. قاطعته على الفور وهى تتلمس قميصه مرة أخرى وقالت بعينين ملتهبتين : - وبحبك انت .. أشاح بوجهه وهو يبتعد عن يدها فقالت تستعطفه: - يا عمرو انا بحبك ومش عاوزه منك أى حاجة.. أنت ليه مش قادر تحس بالى جوايا شعر بالحرج والأضطراب وحاول أن ينتقى عبارات غير جارحة وهو يسمع نبرتها الواهنة التى ترجوه بها , ألتفت إليها قائلا بهدوء: - يا بشمهندسة أحنا كلنا هنا بنحترمك وبنقدرك .. لكن غير كده مش هينفع صدقينى ..عن أذنك وتركها وأنصرف وهى ترمقه وتراقب حركته العصبية وهو يفتح الباب ويخرج ويغلقه خلفه مسرعاً , فرت دمعة من عينيها فمسحتها بسرعة وهى تقول بتصميم : - غلطان يا عمرو .. توجه عمرو مباشرة إلى مكتبه وعانق زميله أحمد بحرارة والتفت إلى زميله نادر متناسياً المشاحنة التى كانت بينهما وقال: - أزيك يا بشمهندس نادر نظر له نادر نظرة متعالية وقال: - كويس ربت أحمد على كتفه وقال بمرح : - واحشنى و**** يا عمرو ووحشانى خفة دمك ..ايه خلاص هترجعلنا تانى ولا ايه قال عمرو وهو يجلس خلف مكتبه بخفة : - اه ان شاء **** ..هرجع أرخم عليكوا تانى ضحك أحمد وهو يضع أمامه بعض الرسومات الهندسية وبدأ فى العمل بينما كان نادر يراقبه عن كثب ويتتبعه وهو يعمل بنظرات محتقنة حاقدة . **** أنهى بلال جلسته العلاجية لاحد مرضاه الذى قال مرحاً : - بجد يا دكتور بلال .. أنت أيدك مرهم ولا حسيت بحاجة رفع بلال رأسه إليه وقال مداعباً: - أنت محسسنى انك جاى تاخد حقنة فى الصيدلية .. وبعدين لو محستش بحاجة تبقى الجلسة فشلت يا كابتن ضحك كابتن علاء وهو يقول : - لا نجحت ان شاء **** ...بس حلو أوى حكاية التسبيح والتكبير والاستغفار اللى انت بتعملها دى يا دكتور بجد أنت ليك سبق فى الحكايه دى ...ده انا ما سمعت عنك وعن اللى بتعمله من زميلى فى الفريق قلت لازم أجى أجرب بنفسى وسيبت دكتور الفريق أبتسم بلال وهو ينهض من خلف مكتبه قائلا: - الكلام كله عاجبنى إلا الحتة الأخيرة.. ناقصلك شوية وتقولى اعملى خصم ضحك علاء بينما نهض بلال وهو يأخذ مفاتيحه من فوق المكتب وقال : - يالا يا كابتن يدوب نلحق العصر ساعده بلال على النهوض وهو يقول له مشجعاً: - لا بقولك أيه بلاش دلع.. أنجز علشان عاوزين الكاس السنة دى ابتسم علاء بإجهاد وهو يتحرك معتمدا على يديى بلال وقال : - أنا معتمد على **** وعليك يا دكتور رد بلال مبتسماً وقال معلماً: - يا ابو الكباتن قول على **** ثم عليك نظر له علاء مستفهماً وقال : - وايه الفرق ؟؟ شرع بلال فى الشرح له وهما يتوجهان خارج المركز وقال : - يعنى لما اقول خرجت من المركز انا وعلاء يعنى خرجنا احنا الاتنين سوا... زى زيك يعنى لكن لما اقول أنت ثم أنا يعنى أنت الاول وبعدين أجى انا فى المرتبة التانية ..كده أحنا مش متساويين مع بعض هز علاء رأسه بدهشة وقال : - تصدق أول مرة أعرف ده احنا بنقولها كتير اوى ما كاد ينتهى من كلمته حتى أصطدم بمُهرة التى كانت تهبط الدرج بسرعة مداعبة الطفل على يديها , نظرت له مُهرة وقالت بإندفاع: - مش تحاسب يا استاذ أنت ..ايه الناس دى نظر بلال إلى عبير التى كانت تهبط السلم بهدوء وهى تساعد الأطفال على تعلم هبوط السلم بحذر ويبدو أن مُهرة قد سبقتها كما تفعل دائما وسمع علاء يقول لها وهو يتأملها ملياً: - المفروض انتِ اللى تعتذريلى على فكرة.. أنا اللى تعبان وانتِ اللى خبطى فيها نظرة له مُهرة شذراً قائلة بحنق : - وانت مبتشوفش يعنى بينما قال بلال بسرعة : - خلاص يا كابتن حصل خير ..خلاص يا مُهرة قالت عبير بتلقائية : - خلاص بقى يا مُهرة محصلش حاجة اقترب بلال من عبير وهمس فى اذنها : - مش قلت محبش راجل غريب يسمع صوتك ..ماشى لما نطلع بيتنا بس أبتسمت عبير بصمت فهى مازالت وستظل تحب غيرته عليها حتى من أن يستمع رجل غريب لصوتها فقط .. نظر علاء إلى مُهرة وقال بإعجاب : - وكمان اسمك مُهرة .. لا بصراحة أسم على مسمى نهره بلال على الفور وهو يأخذ بيديه للأسفل قائلا: - بقولك ايه يا كابتن .. أنت هتعاكسها قدامى كمان طب احترمنى على الأقل يا أخى همس علاء فى أذنه قائلا: - هى تقربلك ولا ايه قال بلال وهو يعبر به باب البناية قائلا: - حاجة زى كده ..وبعدين وانت مالك **** وفى أحد الليإلى افترش فارس الأرض بعيدا عن الفراش ووضع وسادته واستلقى بجسده المنهك وأغمض عينيه فى أنهاك شديد تحت عينيى دنيا المتابعة له وهى جالسة على الفراش ترقبه وقد عزمت على تنفيذ ما قررته وأن تستعيد مكانتها لديه ثانية , نهضت من فراشها وتعطرت وارتدت ثياباً مكشوفة وجلست على الأرض بجواره واتكأت على طرف وسادته لينفذ عطرها لأنفه رغماً عنه وقالت بدلال : - هتفضل تنام على الأرض لحد أمتى .. هو احنا مش متجوزين ولا ايه قال بجدية دون أن يفتح عينيه: - أنا حذرتك قبل كده يا دنيا .. أرجعى على سريرك وابعدى عنى غلفت صوتها بنبرة ناعمة وهى تتلمس خصلات شعره : - ولو مبعدتش هتعمل ايه فتح عينيه وألتفت إليها بعصبية وقال بغضب : - هتشوفى فارس اللى عمرك ما شوفتيه قبل كده .. ثم قال محذرا: - والكام شهر اللى هتقعدي على ذمتى فيهم تتجنبينى خالص وتبطلى محاولاتك دى علشان أنا بحس بقرف لما بتقربى مني ألقى عليها نظرة احتقار أخيرة وأغمض عينيه ثانية وولاها ظهره غير مباليا بها , نظرت إليه بغضب وحقد شديد وهبت واقفة فى عصبية كبيرة وبدلت ملابسها ونامت وهى تعض على يديها من كثرة الغيظ والغل ! **** حاول أن تمحى من أفكارها كل ماهو ليس له علافة بمستقبلها ومذاكرتها وتتعايش مع الواقع بشكل أكثر حسمأ وواقعية , ولكن الواقع هو الذى لم يتركها لشأنها كثيرا , تزوج والدها بامرأة أخرى وأصبح أكثر أهمالاً لهم ماديا ومعنويا, ولم يكن هذا هو العبء الوحيد عليها وأنما لحق به عبأً آخر , بدأ العرسان يتوافدون عليها وبدأت هى الصراع فى الرفض دائما مماجعل والدها يزداد سخطاً عليها وعلى رفضها المستمر بدون أسباب حتى كانت الطامة الكبرى بالنسبة لها وتقدم للزواج منها أحد الأشخاص الذين يصعب على والدها الإنصياع إليها ولم يقتنع باسبابها , ولكنها أصرت مما جعله يضربها لأول مرة ...وأخيرا أضطر والدها إلى الأستماع إلى رأى زوجته أم يحيى واللجوء إلى الشخص الوحيد الذى يظن الجميع أنه يمكن له أن يقنعها بالموافقة , فتح فارس باب منزله ليجد أمامه والد مُهرة ثائرا جدا و لكنه قال بحرج: - معلش يا أستاذ فارس عملنالك أزعاج بس كنت محتاجك عندى ضرورى لو سمحت قال فارس بدهشة متسائلاً: - طيب اتفضل شوية مينفعش من على الباب كده - معلش يا أستاذنا مش هينفع أومأ فارس برأسه وقد بدأ القلق يتسرب لنفسه وقال : - حاضر ثوانى هغير واجى معاك بدل ملابسه سريعاً وهو يشعر بقلق بالغ وتوجه إلى والدته بالمطبخ يخبرها بالأمر ثم أخذه والد مُهرة وصعد به إلى شقته , وجلس معه فى غرفة استقبال الضيوف وقال بحنق: - بص بقى يا أستاذ فارس البت دى غلبتنى وطلعت عينى وبصراحة كده امها شارت عليا ان مفيش حد غيرك هيقنعها ويخليها تغير رأيها بما أنك مربيها ومن صغرها وهى بتسمع كلامك عقد فارس بين حاجبيه وقال بقلق : - فى ايه طيب فهمنى لوح الرجل بيديه وقال بعصبية: - عماله ترفض عريس ورا التانى وانا ساكت عليها ومش عاوز اغصبها لكن العريس ده بقى هتجوزه حتى ولو غصب عنها ..يا أستاذ فارس ده لاعيب كورة معروف وغنى وهتتبسط أوى معاه وهتخرج من هنا لمستوى تانى خالص.. أنا مش عارف البت دى مالها كده مال فارس للأمام واستند بمرفقيه على قدمه وفرك كفيه فى توتر وقال : - مُهرة لسه صغيرة قال والدها بحنق: - وأيه المشكلة .. هى يعنى هتجوز النهاردة ..الراجل عاوز يكتب الكتاب بس حك فارس ذقنه بعصبية وقال متهكماً: - ياه كمان عاوز يكتب الكتاب مش يخطب .. ده شكله مستعجل على كده - هيخطب ليه .. ده جاهز من مجاميعه ومش عاوز مننا حاجة خالص ولا حتى شنطة هدومها زاد اضطرابه وتوتره وتعرقت يديه بشدة وقال محاولا التحكم بعصبيته: - اه علشان كده بقى دخلت أم يحيى وقدمت له الشاى قائلة : - و**** يا أستاذ فارس شاب يفرح ويشرح القلب ومن ساعة ما شفها عند الدكتور بلال وهو هيتجنن عليها.. وهى دماغها ناشفة ثم توجهت للخارج وهى تقول : - انا هناديهالك وانت بقى تحاول تاثر عليها.. أنا عارفة انها بتسمع كلامك دخلت أم مُهرة غرفتها وقالت لها بلهفة: - قومى بسرعة أستاذ فارس عاوزك بره نهضت مُهرة من خلف مكتبها الصغير وهى تحدق بوالدتها وقالت بحزن: - جاى يقنعنى انى اوافق على العريس.. مش كدة؟ أومأت أمها برأسها وقالت مؤكدة: - أومال معطل نفسه وطالع مع ابوكى ليه .. وبعدين يا مُهرة خلى بالك لو فضلتى رافضة ابوكى هيبهدلنا ويمكن يطلقنى يابنتى .. يرضيكى امك تطلق على كبر كده زاغت نظراتها وهى تجلس على مقعدها مرة أخرى ترمى بثقل جسدها عليه دفعة واحدة بعد ان خذلتها قدميها وقد شعرت أن الألم يعتصر قلبها اعتصارًا محاولاً أن يتخلص من هذا الرجل الذى طالما أحبه وعشق كل سكناته وخلجاته وحروف كلماته وضحكاته بل وآلامه وأحزانه , خرجت كلماتها بصعوبة بعد أن بللت الدموع شفاهها وقالت : - قوليلوا مفيش داعى يتعب نفسه يا ماما ..أنا خلاص موافقة خرجت أم يحيى من غرفة ابنتها وهى تطلق الزغاريد, فنهض فارس ووالدها متسائلين فقالت أم يحيى بسعادة كبيرة: - بركاتك يا أستاذ فارس .. أول ما خطيت بيتنا عنادها اتفك ونظرت إلى زوجها قائلة: - كلم العريس وقوله البت وافقت يا ابو العروسة خفق قلبه بقوة وهو ينظر إليها مشدوها قائلا: - هى قالتك انها موافقة يا ام يحيى ضحكت أم يحيى وهى تقول: - طبعا يا أستاذ فارس موافقة توجه والد مُهرة إلى الهاتف بينما شعرهو أن الدنيا تميد به وأنه يتنفس من ثقب أبرة لا تروى ظمأ رأتيه, فاتجه إلى الباب خارجاً وهو يتمتم غاضباً: - مبروك *** عاد الفارس مهزوماً إلى شقته ولكن غاضباً لأقصى حد , فتح الباب بعنف وأغلقه خلفه بقوة خرجت والدته من المطبخ فزعة ورأته غاضباً بشدة لا يرد عليها , ودخل إلى الحمام وضع رأسه تحت الصنبور لعله يطفأ النار التى نشبت برأسه وهو لا يدرى مصدر النار الحقيقية, وقفت والدته بجواره ترجوه أن يتحدث ويخبرها ما به , وأخيرًا أغلق الصنبور واعتدل واقفا وهو يتكأ على الحائط أمامه بكلتا يديه ناظراً لوجه بالمرآة والمياه تقطر من كل مكان بوجهه وشعره لتغرق ملابسه قائلاً : - هتتجوز .. رفعت والدته حاجبيها دهشة وهى تقول : - هى مين يابنى وفجأة انقلب الصمت إلى زوبعة شديدة تتلوها الأعاصير تترا , وأخذ يهدر فى غضب شديد: - خلاص مبقاش ليا لازمة عندها .. أنا بقيت ولا حاجة عند الهانم.. رايحة تقرر وتوافق من غير ما ترجعلى خرج من الحمام متوجهًا إلى المائدة وراح يركل المقاعد واحداً تلو الآخر فينقلب على عقبيه محدثا جلبة شديدة وهو يصيح : - كانت بتاخد رأيى فى لون الفيونكة اللى فى شعرها .. كانت بتاخد رأيى فى القلم اللى بتكتب بيه .. دلوقتى بتقرر تتجوز ..كده من نفسها ..خلاص كبرت وعاوزه تجوز .. خلاص مبقاليش قيمة عندها حاولت والدته أن تهدىء من روعه وتتشبث به لتجلسه ولكنه كان كالعاصفة الهوجاء يطيح بكل ما يقابله أمامه يمينا ويسارا , لم تعد تعرف كيف تعيده إلى رشده, أخذت تمسح على ذراعيه تارة وعلى رأسه تارة وهى تستعيذ ب**** من الشيطان الرجيم , حتى هدأ أخيرًا وجلس وقد احتقن وجهه بشدة ودفن رأسه بين كفيه محاولاً السيطرة على غضبه, يلتقط أنفاسه بصعوبة كأنه كان يعدو بقوة. وقفت والدته بجواره تمسح رأسه وتقرأ بعض آيات القرآن وبينما هم كذلك صدح رنين هاتف المنزل , تركته والدته ورفعت سماعة الهاتف لتجيب المتصل , أمتقع وجهها وهى تنظر إلى فارس الذى بدأ يهدأ قليلاً وأنفاسه تنتظم , ثم قالت بشحوب: - أمتى حصل ده يابنتى رفع رأسه ونظر إلى والدته متسائلاً حينما سمعها تقول لمحدثتها: - لاحول ولا قوة الا باللـه ..البقاء *** يابنتى **** الفصل الثانى والعشرون أغلق فارس باب شقة والدة دنيا خلف المعزيين وعاد ليجلس بجوارها منهكاً من شدة التعب , نظر إليها فوجدها تدفن رأسها بين كفيها وتنساب عبراتها المنهمرة على وجنتيها لتبلل كفيها ووجهها , أقتربت والدته منها ومسحت على ظهر دنيا بحنان قائلة: - كفايه يا بنتى هتموتى نفسك من العياط .. أدعيلها بالرحمة ثم نظرت لـ فارس وأردفت : - قوم يابنى خد مراتك وادخلوا ارتاحوا شوية.. أنتوا منمتوش من امبارح نهض فارس بتثاقل , فكم كان محتاجاً لقسط من الراحة لبعض الوقت, بعد نهار طويل من اجراءات الدفن والوقوف لاستقبال المعزين , أمسك يدها وساعدها على النهوض وهو يقول بإشفاق: - تعالى جوه يا دنيا.. قومى يالا نهضت وهى تجفف دموعها وقد أطرقت رأسها إلى الأرض وكادت أن تسقط من فرط أجهادها وحالتها النفسية السيئة, لولا أن أسندها بيديه ومضى بها إلى غرفتها , ساعدها فى الجلوس على طرف فراشها قائلاً: - نامى شوية علشان أعصابك تهدى رفعت رأسها إليه ببطء ونظرت له من بين دموعها وقالت بصوت مبحوح من كثرة البكاء: - أقعد لو سمحت جلس بجوارها على الفراش والتفت إليها مشفقاً لحالها فارتمت على صدره وأخذت تبكى وتشهق بقوة وهى ترجوه قائلةً: - متسبنيش يا فارس .. أنا ماليش غيرك دلوقتى .. أرجوك متسبنيش لوحدى ..أنا بعتذرلك عن كل اللى عملته معاك وكل اللى غلطته فى حقك.. بس أنا عارفة انك شهم ونبيل ومش هتتخلى عنى . وشهقت بقوة أكبر وهى تقول بانهيار: - آخر حاجة ماما قالتهالى أقولك تفضل جنبى علشان ماليش غيرك ..علشان خاطرها يا فارس مش علشان خاطرى انا..أرجوك يا فارس أرجوك رفع رأسه لأعلى وتنفس بقوة ثم ربت على كتفها مطمئناً وقال : - متخافيش يا دنيا متخافيش ولمعت عينيه من التأثر وهو يردف قائلاً: - أنا جنبك متقلقيش من حاجة أبدًا أعتدلت ونظرت إليه بلهفة قائلة: - بجد يا فارس يعنى مش هتطلقنى ربت على يدها وقال بهدوء : - متفكريش فى الكلام ده دلوقتى.. أنا عاوزك تنامى وترتاحى ..أنتِ مش شايفة نفسك عامله ازاى أستلقت فى فراشها مطمئنة وأغمضت عينيها , ظل جالساً بجوارها حتى ذهبت فى سبات عميق , ألقى عليها نظرة مشفقة ونهض بهدوء وخرج وأغلق الباب خلفه , خرج فوجد والدته قد غفوت على الأريكة الخارجية , حاول إيقاظها ولكنها لم تستجب له من شدة الإرهاق , هوى بجسده على المقعد جانبها واستند إلى ظهر المقعد وأغمض عينيه وهو يحاول استيعاب الأمر من جديد . لقد أصبحت وحيدة الآن وليس من الشهامة أن يتخلى عنها هكذا ويتركها بمفردها , لقد استنجدت به وتوسلت إليه أن لا يتركها فكيف يفعل , تأبى رجولته أن يفعل ذلك , ولكن كيف يحتفظ بها وهى من هى , لن يستطيع أن يتخذها زوجة حقيقية ولن يستطيع أن يطلقها فى مثل هذه الظروف , وضع كفيه على وجهه ملتجأً إلى **** عزوجل هاتفاً بقلبه : - ما العمل ياربى ما العمل ***** عادت أم فارس إلى بيتها وتركتهما هناك بعد أن ألحت على فارس أن يبقى مع زوجته فى شقة والدتها قليلاً , ثم يعود بها بعد أن تتحسن حالتها , تفاجأت بأن زواج مُهرة قد تم بالفعل فى غيابها فصعدت إليهم وجلست بصحبة أم يحيى وهى تقول بضيق: - كده برضوا.. هو أنا مش من حقى افرح بيها زيك ولا أيه يا ام يحيى قالت أم يحيى بحرج: - و**** سألت عليكى يا ست أم فارس ملقتكيش وبعدها عرفت من عمرو ان حماة الأستاذ فارس تعيشى انتِ .. أتلخمت فى كتب الكتاب ومعرفتش أوصلك - مُهرة فين علشان أباركلها اشارت لها أم يحيى إلى غرفتها قائلة: - جوه.. ثوانى اندهالك خرجت مُهرة من غرفتها وتلاقت عينيها بعينين أم فارس كل عينين بها ما بها وتنطق بالكثير ولكن مُهرة لم تستطع أن تنتظر أكثر , جرت مسرعةً وارتمت بين أحضان أم فارس وأخذت تبكى وتبكى وأمه تمسح على رأسها وقد لمعت عينيها بالدموع ولكنها تماسكت فقالت أم يحيى: - أيه يا بت مالك بتعيطى ليه كده رفعت أم فارس رأسها لأم يحيى قائلة: - تلاقيها واخده على خاطرها مني علشان محضرتش فرحها مطت أم يحيى شفتيها وهى تقول : - أنا عارفة ايه دلع البنات ده .. دى من ساعة كتب الكتاب وهى لويه بوزها كده حتى عريسها مبتديلوش ريق حلو ابدا أزداد بكاء مُهرة ولكنها لم ترفع رأسها من حضن أم فارس حتى بللت حجابها بدموعها فقالت أم فارس وقد رسمت ابتسامة مصطنعة على شفتيها : - ايه يا ست انتِ... أنتِ بقيتى بخيلة ولا أيه فين الشربات بتاعى ضحكت أم يحيى بسعادة وهى متوجهة إلى المطبخ قائلة: - من عنيا يا ست الكل تبعتها أم فارس بعينيها حتى اختفت داخل المطبخ فربتت على رأس مُهرة وقالت بخفوت: - متقهريش نفسك يا بنتى.. كل شىء قسمة ونصيب توقفت مُهرة عن البكاء ورفعت رأسها تنظر فى عينيها متعجبة فابتسمت لها أم فارس وقالت بخفوت : - أنا كمان مربياكى واقدر احس بيكى كويس .. ولا فاكرانى مش حاسة بيكى كل ده ثم امسكت وجهها بين يديها وقالت بحنان: - ركزى فى مذاكرتك ومتفكريش فى حاجة.. وارضى بقضاء [B]** علشان **[/B] يرضى عنك ويرضيكى ***** دخلت مُهرة هى وأخيها يحيى النادى الرياضى تتطلع حولها منبهرة بما ترى بينما كان علاء الذى يسير بجوارها بزهو وهو يشاهد الأنبهار فى عينيها هى وأخيها وهو يشعر بالسعادة, فتلك المرة الأولى التى وافقت على أن تخرج بصحبته منذ أن عقد عليها ..مرت بجوارهم مجموعة من الفتيات استوقفوه بلهفة وهن يصافحنه ويتضاحكن معه بجرأة وبجوارها يحيى يكاد يلتهمهن بعينيه , ألتفت علاء إلى مُهرة فوجدها مصوبة نظرها عليهم بملامح خالية من أى تعبير ولكن يغلب عليها بعض الدهشة , أنصرفت الفتيات واقترب منها قائلا : - أيه يا حبيبتى غيرانه ولا أيه... لا لازم تتعودى على كده دى ضريبة الشهرة ولا ايه يا يحيى قال يحيى مؤكداً : - طبعا يا نجم نظرت إليهما مُهرة وكأنها لم تسمعهما ولم ترى حديثه مع الفتيات وقالت : - هو مين اللى بيصرف على كل الحاجات الفخمة اللى فى النادى دى نظر لها متعجباً وقال باستنكار: - هو ده كل اللى لفت نظرك أومأت برأسها وقالت باهتمام: - غريبة أوى أنا كنت بشوف الحاجات دى فى التلفزيون بس كنت فاكراهم بيضحكوا علينا طلع بجد عقد ذراعيه أمام صدره بضيق وقال وهو يسير بجوارهما ببطء: - وأيه الغريب فى كده .. إذا كانت مكافأتنا لوحدها بتوصل للألفات وساعات الواحد فينا بياخد مليون لوحده مكافأة ..مستغربة ان النادى نفسه يبقى فخم ثم أشار لهما على أحدى الطاولات لتجلس , جلس قبالتها فانحنت للامام مستندة إلى الطاولة الصغيرة وقالت : - ومين اللى بيدفع كل ده رفع كتفيه قائلا بلا مبالاة : - تبرعات رجال الاعمال مكافآت من الدولة وحاجات زى كده يعنى أسندت ذقنها على راحة يدها وقالت متعجبة: - مصر ماليانة أحياء شعبية محتاجة نص اللى بيتحط فى النادى ده والماتشات بتاعته هو وغيره ورجال الأعمال دول لو اتبرعوا للأحياء دى ولا لأطفال الشوارع ولا للمستشفيات اللى محتاجة أجهزة وأدوية كان هيبقى ثوابهم أكبر عند **** مش يجوا يحطوا فلوسهم فى حمام سباحة ولا ماتش عقد حاجبيه وقال بحنق: - أحنا بندى البلد دى جوايز ده غير الدورى والكاس ضحكت وهى تقول : - غريبة أوى أنتوا بيتصرف عليكوا ملايين علشان دورى وكاس لكن العلماء محدش بيسأل فيهم و بيضطروا يهاجروا بره مصر علشان يلاقوا اللى يصرف على أبحاثهم اللى هتخدم البشرية كلها قال يحيى بحماس معترضاً: - والماتشات دى برضة حاجة كويسة يا مُهرة .. بتخرج الطاقة والناس بتحبها وبتتبسط منها يعنى كلنا بنستفاد والبلد كمان بتستفاد نظرت إلى يحيى وقالت بتلقائية: - يابنى ده انا اختك وبشوفك أنت وصحابك وانتوا بتتخانقوا بعد كل ماتش ده غير الشتيمة اللى بتقعدوا تشتموها للعيبة وتاخدوا عليها ذنوب والقهوة اللى على أول شارعنا اللى بيضربوا بعض بالكراسى وفى الآخر بعد الماتش ما يخلص هما ياخدوا المكافآت وانتوا تتخانقوا وتخسروا بعض.. وبلد أيه اللى بتستفاد دى الفريق بيسافر والبلد تصرف عليهم فى البلد التانية ..وفى الآخر لو كسبوا يقولوا مصر فازت ولو خسروا مصر خسرت.. طب مصر كسبت ايه وخسرت ايه واحنا مش مهتمين بالعلم والعلماء وبنقولهم فوت علينا بكره .. كسبت كاس بيتحط على رف النادى مكتوب عليه تاريخ الانتصاروفلوس تتوزع على اللعيبة زى الرز ..وفى ناس أحق بالفلوس دى بيباتوا من غير أكل ولا دوا وبيموتوا من كتر الأهمال فى المستشفيات الحكومية...الكلام ده لو فى عدل لو كل واحد بياخد حقه نسى علاء أنه فى مكان عام وهتف غاضباً: - وحضرتك بقى وافقتى تتجوزينى ليه طالما شايفة أن شغلى تافه أوى كده حملت حقيبة يدها وقالت بتلقائية : - منا قلتلك كنت فاكراهم بيضحكوا علينا فى التلفزيون وبيبالغوا بس كلامك ده واللى أنا شايفاه أكدلى ..وبعدين مالك زعلان أوى كده ليه الأختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية وأنا بقول رأيى نظر لها يحيى مندهشاً وهو يقول : - سبحان **** كأنى سامع الأستاذ فارس هو اللى بيتكلم نظرت له مُهرة بتأثر ولمعت عينيها حنيناً بينما قال علاء متسائلاً: - مين فارس ده؟ ضحك يحيى وهو يقول : - ده بقى يا سيدى الأب الروحى لمراتك.. هو اللى مربيها ومحفظها الكلام ده ظن علاء أن الشخص الذى يتحدث عنه يحيى رجل طاعن فى السن مثلاً فلم يبالى بالأمر وقال باستهزاء : - وأنا أقول برضة اتعلمتى منين التخاريف دى هتفت مُهرة وهى تنظر له بغضب : - أتكلم باسلوب أحس من كده تدخل يحيى بسرعة وقال مهدئاً للموقف : - صلوا على النبى يا جماعة دى مجرد مناقشة تأملها علاء لبعض الوقت ثم قال حانقاً : - يالا نمشى سارت بجواره وهو يمشى بخطوات واسعة وهى تحاول اللحاق به جاهدة ويحيى يلقى النظرات الأخيرة على النادى الذى حلم دائما بدخوله , حتى وجدته يقف فجأه وتتغير ملامحه الغاضبة إلى الابتهاج عندما صافح أحد الرجال الذى كان يبدو عليه أنه فى أوائل العقد الخامس من عمره يرتدى حلة وقبعة رياضية ثم استدار إليها يعرفها إلى الرجل قائلا : - دى مُهرة مراتى يا كوتش وده يحيى أخوها نظر إليها الرجل مبتسماً ومد يده يصافحها قائلا : - أهلا وسهلا نورتى النادى عقدت ذراعيها وقالت بجمود: - أهلا بحضرتك بس معلش مش بسلم مد يحيى يده وصافح الرجل بحرارة بينما نظر لها علاء نظرة نارية وضغط أسنانه حتى خُيل إليها أنها استمعت إلى صوت صكيكها وقال آمراً : - سلمي يا مُهرة ده الكوتش بتاعى.. أنتِ متعرفيهوش ولا أيه نظرت إليه وظلت عاقدة ذراعها ولم ترد فقال الرجل بسرعة وهو يربط على كتف علاء : - خلاص يا كابتن مش مشكلة ..يالا اشوفك فى التدريب سلام جذبها من ذراعها بقوة وهو يقول : - انا غلطان أنى جبتك هنا.. أمسكه يحيى وهو يحاول تخليص ذراعها منه هاتفاً : - مش كده يا كابتن التفاهم بالراحة دفعت يده بعيدا بضيق وأسرعت الخطى وقد لمعت عيناها بالدموع , ظلت جالسة فى المقعد الخلفى فى السيارة وعلاء يقودها حانقاً فى طريقه إلى المنزل وهى تنظر من النافذة بجوارها وكلما فرت دمعة من عينيها رغماً عنها مسحتها بسرعة حتى لا يراها فى المرآة .. أما هو فكان يصيح طوال الطريق بغضب قائلاً: - بتحرجينى مع الكوتش بتاعى يا مُهرة يعنى لو كنت قابلت حد من الرجال الاعمال اللى بيرعانى كنتِ برضة هتحرجينى قدامه كده مش كفايه مش عاجبك شغلى ومستخسرة فيا الفلوس اللى باخدها كانت تستمع إلى يحيى وهو يحاول تهدئته أما هى فقد ظلت صامتة ولم ترد عليه وتركته يخرج ما فى صدره من حنق وغضب عليها, كانت تشعر أنها وحيدة لا تشعر بالأمان معه تريد أن تصل لمنزلها سريعا لتحتمى بجدرانه بعد أن فقدت النصير الذى غاب عنها وتاه فى دنياه ***** وضع فارس حقيبة دنيا فى غرفتها وخرج منها وأغلق الباب خلفه قائلا لوالدته فى عجلة من أمره : - لازم امشى حالاً.. أتأخرت أوى على المكتب همست له والدته بخفوت: - مش تستنى مع مراتك شوية يا فارس وبعدين تنزل ربت على كتفها برقة وقال وهو يضع الهاتف فى جيبه ويأخذ مفاتيحه : - هستنى أعمل أيه يا ماما هى خلاص بقت كويسة.. معلش عندى شغل متأخر .. مع السلامة ترجل يحيى فى بداية المنعطف المؤدى إلى شارعهم عندما التقت عيناه بعينيى محمود الذى قاطعه منذ زواج مُهرة وهو يقول : - معلش يا كابتن واحد صاحبى زعلان مني عاوز ألحقه .. يالا سلام تابع علاء طريقة بتثاقل ووضع السيارة بجوار المنزل ,هبطت مُهرة بسرعة دون أن تنتظره , لحق بها على الدرج وأمسكها من ذراعها وجذبها إليه بحدة وهو يقول : - كمان مش معبرانى .. ده بدل ما تعتذري لى يا هانم ألتفتت إليه وقد أغرورقت عيناها بالدموع وقالت : - لو سمحت سيب أيدى .. مش كفاية الكلام الجارح اللى عمال تقوله طول الطريق .. جاى تكمل هنا كمان حاولت أن تتملص منه ولكنه جذبها مرة أخرى وقال بعصبية : - مُهرة .. أنتِ متعرفنيش كويس .. أنا عصبى متخلنيش أمد أيدى عليكى ..أعتذرى حالاً بدأت تبكى بصوت مرتفع وهى تحاول التملص منه, عندها سمعت وقع أقدام تهبط الدرج على عجل , وما أن اقتربت حتى زادت من سرعتها على صوت بكائها ,وأخيرا ظهر فارس وهو ينزل سريعا ينقل بصره بينهما و قال وهو ينظر إليها وإلى دموعها التى انسابت على خديها وقال بلوعة : - مالك بتعيطى ليه قبض علاء على يدها أكثر حتى تألمت ثم قال : - وأنت مالك انت خاليك فى حالك .. لم يكد علاء أن يتم عبارته حتى وجد فارس قد قبض بعنف على يده الممسكة بذراعها وضغط رسغه بقوة تألم لها علاء واضطر أن يترك ذراع مُهرة التى بمجرد أن تحررت من يد علاء حتى صعدت أربع درجات ووقفت خلف فارس تحتمى به , نظر له علاء بغضب وصاح هائجاً: - وانت مالك .. دى مراتى ألتفت فارس إليها فوجدها تنظر إليهما وتمسح دموعها بكلتا يديها وقد أطلت من عينيها نظرت استغاثة ملهوفة مخلوطة بالألم ..ألتفت إليه وقال محذرا والشرر يتطاير من عينيه : - هى الرجولة انك تفرد عضلاتك على بنت وتقول مراتى.. أنت كده مفكر نفسك راجل حاول علاء أن يتخطاه إليها ولكن فارس وضع يده على سور السلم ففصل بينهما بجسده فقال علاء غاضبا: - بقولك وأنت مالك .. مين انت علشان تدخل ..أضربها ولاحتى اكسر دماغها مدام عاوزه تتربى لم يكد أن يتم كلمته حتى وجد لكمة شديدة توجهت إلى أنفه ارتد على آثارها إلى الخلف ولكن لحسن قدره أن يحيى كان فى طريقه إلى الصعود فارتطم بجسده مما منعه من السقوط وربما ما هو أكثر من ذلك بكت مُهرة بشدة وصعدت تعدو إلى شقتها بينما وضع علاء يده على أنفه فوجد الدماء تسيل منها نظر إلى راحته برعب وهو ينظر إلى الدماء التى لوثتها , دفعهما فارس معا وغادر البناية على الفور وهو فى قمة غضبه. أخذه يحيى وصعد به إلى شقتهم , جلس والد مُهرة بجوار علاء يعطيه بعض المناديل الورقية ليمسح دمائه التى لوثت وجهه بينما كان يحيى وأمه يؤنبانها فى الداخل وهى ملقاة على الفراش وتبكى بحرارة , ولم يكتفوا بذلك وأنما أجبروها هم ووالدها على الخرج والاعتذار منه , وعادت لغرفتها مكسورة مهزومة ورغم أحساسها بالدونية والضياع والمهانة إلا أنها شعرت أنها لم تفقد المظلة التى كانت وظلت وستظل تحميها من عوادى الدنيا وزخات السُحب . **** ألتفت بلال إلى فارس ورفع حاجبيه بتعجب شديد وقال متعجباً : - ضربته !!! أشاح فارس بوجهه وضرب بيده على قدمه وقال وهو غاضب : - تصدق ب**** انا لو مكنتش مسكت أعصابى مكنش هيبقى ضرب بس أنا كان ممكن اقتله أستند بلال بمرفقيه إلى مكتبه فى المركز ونظر إليه متفحصاً وقال بهدوء : - أنت لو بتتخانق مع مراتك تحب حد يتدخل بينكوا بالطريقة دى هتف فارس حانقاً : - يعنى كنت اسيبه يعمل فيها كده قدامى واقول سلام عليكم وانزل عادى كده هز بلال رأسه نفيا وقال : - لا يا سيدى محدش قالك كده.. بس برضة فى حاجة اسمها بالمعروف بالنصيحة تسمع عنهم ولا لاء - دمى غلى فى عروقى يا بلال مفكرتش ومقدرتش استحمل سفالته شبك بلال بين أصباعه وقال بثقة : - طبعا مش هقولك أنك غلطان علشان أنت عارف انك غلطان أومأ فارس برأسه وهو ينظر أمامه بشرود قائلا : - معاك حق انا غلطان...غلطان انى ضربته بس كان المفروض أكسرله عضمه علشان بعد كده ايده متلمسهاش تانى صمت بلال لبعض الوقت وهو يفكر , هل من الحكمة أن يتكلم معه ويكشف له عن ما يراه ويشعربه أم يصمت مادام فارس يفسر أفعاله على أنها شهامة منه تجاهها , ولو صارحه فما جدوى ذلك وهو متزوج وهى متزوجة , الأمر يحتاج لتفكير أكثر من هذا قبل المصارحة أخرجه فارس من تفكيره العميق على صوته الهادر وهو ينهض واقفاً ويقول : - شوف يا بلال أنا جيتلك علشان عرفت أنه عرفها عن طريقك يعنى انت تعرفه كويس ..عاوزك تبلغه أنى لو عرفت أنه مد أيده عليها بحلو ولا بوحش هتبقى آخر مره يستعمل فيها أيده دى .. سلام نهض بلال وحاول إيقافه ولكنه لم يفلح فى ذلك فلقد كان غاضبا جدا, عاد إلى مكتبه وجلس خلفه فى وجوم وهو يشعر أن المصارحة بعد ما راه وسمعه الآن منه ستكون تبعتها أكبر من الكتمان بكثير فلابد من التمهل ...فهذه النبرة وهذا الزئير وهذه التصرفات ليست لرجل يغار فقط أو يحب فقط , وإنما هو يراها كنزه الثمين ومهرته الأصيلة الذى لابد أن يحافظ عليه دائما وأبدا من أن تمتد إليه يداً غريبة ويرى نفسه حاميها وحارسها وفارسها النبيل الذى يبذل الغالى والرخيص فداءا لها, فهى مازالت وستظل طفلته التى تحتاجه ومن الجائز أن نعشق أطفالنا أحيانا .. ! **** بمجرد أن دخل فارس مكتبه وقد هدأت ملامحه قليلاً حتى لحقت به نورا على الفور قائلة بسعادة: - دكتور فارس اتأخرت ليه جلسه خلف مكتبه واسند ظهره للخلف وهو يشعر بإرهاق ذهنى رهيب وأغمض عينيه قائلاً : - فى حاجة ؟ قالت بسرعة وهى مبتسمة ببهجة : - فى زبون معايا فى المكتب وجاى لحضرتك ومصمم أنك انت اللى تمسكله القضية بتاعته بنفسك مش حد تانى فتح عينيه ببطء وقال مستفهماً : - أشمعنى يعنى قالت بحماس : - القضية اللى حضرتك اشتغلتها من شهر وجبت فيها براءة للقاتل سمعت أوى .. والرجل جاى ملهوف وعنده استعداد يدفع أى مبلغ تطلبه .. ده ملياردير يا دكتور فارس مليادريييييير .. ابتسم فارس لحماسها المفرط وقد تسلل حماسها إليه وقال : - خليه يدخل فرقعت نورا أصابعها بحماس وفرحة وخرجت مسرعة وسمحت للرجل بالدخول إليه , نهض فارس وصافحه بأدب وتواضع قائلا وهو يشير إليه بالجلوس : - أتفضل يا فندم جلس الرجل وهو ينظر إلى فارس مندهشا وقال بدون مقدمات : - الحقيقة انا كنت فاكر حضرتك اكبر من كده يا دكتور فارس ابتسم فارس وقال بلباقة : - ده مدح ولا ذم أستدرك الرجل بسرعة وقال بإحترام : - مدح طبعا يا دكتور يعنى حضرتك سمعتك مسمعة كده وانت فى السن ده ..يعنى اكيد حضرتك نبغة فى مهنتك ..دى خبرتى كراجل فى السوق من زمان وعلشان كده انا جيتلك مصمم انك أنت اللى تترافع عن ابنى قال عبارته الأخيرة ووضع الملف الذى بيده أمامه على المكتب , فتحه فارس وبدأ يقلب أوراقه بينما قال الرجل بحزن : - ابنى يا دكتور شاب فى عز شبابه ومتربى وأخلاقه عالية .. يتهموه ظلم فى قضية زى دى ..أنا ابنى مش ممكن يقتل يا دكتور مش ممكن أبدا .. انا متأكد أن تقرير التحريات اللى اتقدم ده افترى وظلم علشان أعدائى فى السوق عايزين ينتقموا مني بأى شكل ويشوهوا سمعتى بأى طريقة هز فارس رأسه وقال متفهماً : - طيب حضرتك سيبلى القضية ادرسها واقلبها فى دماغى من كل النواحى وهرد عليك بكره إن شاء **** بس حضرتك أعملى توكيل علشان أزوره وأتكلم معاه شويه قبل ما اقول رأيى فى القضية قال الرجل على الفور : - انا يا دكتور مستعد أدفع اللى حضرتك تطلبه ملايين الدنيا كلها فدى ابنى قال فارس بإشفاق : - متقلقش إن شاء [B]** لو بريء فعلا **[/B] مش هيتخلى عنه وانا هبذل كل جهدى علشان اطلعه منها حياه الرجل وغادر المكتب وقبل أن يبدأ فى فتح الملف لقراءته بتمعن قفزت مُهرة إلى ذهنه مرة أخرى وصورتها التى رآها عليها اليوم وهى تنظر له تستنجده أن لا يتخلى عنها ولكن الذى حيره فعلا هى النظرة الأخرى التى رآها فى لمحة لم تتعدى ثانية من الوقت , لقد كانت نظرة عتاب .. وجد نفسه يخرج هاتفه ويكتب رسالة من كلمتين : - بتعاتبينى ليه ؟! أعلن هاتفها على وصول رسالة نصية, فتحتها وهى تجلس على طرف فراشها دون أن تنظر لأسم الراسل , أتسعت عيناها دهشة وخفق قلبها بقوة وهى تقرأ حروفه التى أرسلها دون وعى فوجدت دمعتين قد فرتا من مقلتيها وابتلعت ريقها بصعوبة وكتمت أنفاسها وهى تكتب بشرود : - السؤال ده لوحده محتاج عتاب قرأ رسالتها ووضع الهاتف على مكتبه ودفن وجهه بين يديه وقد ازدادت حيرته واشتعلت التساؤلات فى قلبه من جديد , زفر بقوة وتناول القهوة التى وُضعت أمامه بتمهل وبدأ فى فتح ملف القضية ...وهو لا يعلم أنه فتح عليه باب من أبواب جهنم . **** الفصل الثالث والعشرون قلب أوارقها بهدوء وتركيز وعيناه تجرى بين السطور حتى شعر بألم فى رأسه وصداع شديد من كثرة التفكير وقد شُتت أفكاره تماماً لم يعد قادراً على قراءة المزيد ..طرقت نورا باب مكتبه ودخلت بعد ما سمعت الأذن بالدخول ...دخلت وقد تغيرت ملامحا تماماً وبدا عليها القلق وقالت فى عجلة كبيرة : - من فضلك يا دكتور ممكن أستئذن دلوقتى ..جوزى كلمنى وشكله تعبان أوى قال فارس وهو يضغط جبينه بيده من شدة الألم : - طيب مستنية أيه ..يالا روحى بسرعة ولو محتاجة أجازة مفيش مشكلة قالت بامتنان وهى تغادر : - متشكره أوى يا دكتور فارس غادرت نورا على الفور بينما بحث هو عن دواء لألم الرأس ولكنه لم يجد فنهض فى تعب وأخذ الملف معه وقرر أن يكمله فى المنزل . كانت دنيا تجلس أمام التلفاز تتنقل بين قنواته فى ملل وقد تركتها أم فارس ودخلت غرفتها لتنام فهى لم تعتاد السهر الطويل .. أغلقت دنيا جهاز التلفاز واتجهت لغرفتها وتناولت هاتفها من فوق الطاوله ودخلت غرفتها وآوت إلى فراشها ..أستلقت على الفراش وهى تفكر فى حالها وكيف سينتهى زواجها وهل سيطلقها فعلا أم ستتغير الأمور, أنتبهت على صوت رنين هاتفها , تناولته ونظرت فيه فزفرت بملل وردت بتثاقل قائلة : - أيوا رد المتصل بلهفة قائلاً: - ايوا يا أستاذة.. أنا وائل قالت بضيق : - منا عارفة يا وائل خير فى حاجة ولا أيه قال بشغف : - قضية يا أستاذة.. أنما أيه هتنقلنا نقلة كبيرة أوى قالت بازدراء: - أفندم ؟ أستدرك متوتراً: - قصدى يعنى هتنقل الدكتور فارس والمكتب نقلة جامدة أوى بدأ الاهتمام يتسرب إلى صوتها وهى تقول : - نظامها أيه القضية دى قال على الفور: - أبن راجل مليادير متهم فى قضية قتل والراجل جاى مخصوص للدكتور فارس وعاوزه يشتغلها بنفسه ومستعد يدفع بدل المليون تلاتة سال لعابها عندما سمعت الرقم وقالت بخفوت : - وأنت عرفت منين قال وائل متهكماً: - يا أستاذة انا مفيش حاجة تخفى عليا فى المكتب.. أومال حضرتك أخترتينى أنا ليه علشان ابقى أيدك اليمين فى غيابك - طيب متشكره أوى يا وائل أردف وائل قائلاً بلهفة: - أستنى يا أستاذة.. مش ده كل اللى عندى أرهفت سمعها له وهو يتابع قائلاً: - القضية دى أتنشرت فى الجرايد من يومين بس.. وانا قريت تفاصيلها كلها ولما شمشمت حواليها عرفت أن فى محضر تحريات وشهود بيدينوا الواد المتهم فى القضية علشان كده انا قلقان أن الدكتور فارس يرفضها سكت ثانية من الوقت واستدرك قائلا: - لاء ده انا متأكد كمان انه هيرفضها ولو اتعرضت على الدكتور حمدى هو كمان هيرفضها الواد المتهم شكله مش مظلوم وده اللى مخلينى متأكد ان فارس باشا هيرفض يشتغلها وهيضيع علينا المبلغ المهول ده تسرب القلق إليها فهى تعرف طريقة تفكير فارس جيدا وتعلم أنه لو وجد المتهم غير مفترى عليه وبأنه قاتل فعلا سيرفض الدفاع عنه مهما كانت الأتعاب مغرية ..فقالت فى توتر: - طب وانت أيه رأيك يا وائل لاحت أبتسامة نصر على شفتيه وهو يقول : - بسيطة يا أستاذة ..حضرتك ممكن تاخدى وتدى معاه فى القضية لو لقتيه قبلها خلاص بركه يا جامع لو لقتيه رافض يبقى مفيش غير حل واحد.. - ايه هو ؟!! - حضرتك تشتغلى القضية بنفسك ضحكت وهى تقول : - أنت بتهزر مش كده ؟..أشتغلها ازاى يعنى وأبو المتهم هيرضى يخلينى أخدها أزاى يا فالح قال بسرعة: - يا أستاذة القضية مش محتاجة شغل كتير زى ما انتِ فاهمة ..لو أعتمدنا على شغل المحاماة يبقى الواد هياخد أعدام.. القضية دى عاوزه شغل من نوع تانى قالت بترقب : - مش فاهمة ... - شوفى يا أستاذة.. القضية كلها مربط الفرس فيها التحريات والشهود ولو تقرير التحريات اتسحب من الملف بصنعة لطافة والشهود غيروا أقوالهم يبقى مفيش دليل والواد هيطلع براءة قالت بحنق : - وانت فاكر بقى انى اعرف أوصل للورقة دى و حتى لو عملت كده فارس مش هيسكت ده غير أنه لو رفض القضية الراجل أصلا مش هيرضى حد مش معروف زى يشتغلها مهما قلناله نظر وائل للجالس بجواره مبتسماً بانتصار وقال لها : - المشكلتين دول محدش هيقدر عليهم غير واحد بس...الأستاذ باسم أعتدلت على الفراش وكأن حية قد لدغتها وهتفت متسائلة: - باسم مين ؟..اللى كان معانا فى المكتب ؟ قال وائل مؤكدا: - هو الوحيد اللى كان فى مكتبنا ليه معارف كتير فى النيابة ويقدر يخلصلنا موضوع الورقة والشهود وهو برضة اللى هيقدر يلاقى حل لمشكلة الدكتور فارس صمتت دنيا لتفكر بالأمر, كادت أن ترفض وتنهى المكالمة على الفور رافضة للعرض والأقتراح ولكن المبلغ المعروض أدار رأسها , ليس بهين على الأطلاق , إنه كافى أن يذيب الصخور بينها وبين باسم وينسيها ما فعله بها وما تلاقيه الآن بسببه وأن يلتقيا من أجله مرة أخرى ..قالت فى تردد : - طب أدينى فرصة افكر أنهى وائل المكالمة معها ووضع الهاتف فى جيبه وهو ينظر لباسم الذى كان يقف بجواره ويلقنه بعض الكلمات ..ربت باسم على كتف وائل وهو ينظر أمامه بتفكير قائلا: - برافوا عليك قال وائل لاهثاً : - متأكد يا أستاذ باسم أنها هترضى أبتسم باسم وهو يجلس خلف مكتبه ويشبك كفيه فى بعضهما وقال بثقة : - زى ما انا متأكد أنك واقف قدامى دلوقتى . ثم همهم بخفوت وقال : - دى تبيع ابوها علشان الفلوس ***** أنهت دنيا المكالمة وهى شاردة تماماً وقد ومض فى عقلها صور متتابعة وكأنه شريط سينمائى لليوم الذى هربت من بيتها وذهبت إليه فى مكتبه وما حدث بينهما ...شعرت بغصة فى قلبها وهى تتذكر وحشيته معها ..كيف تعاود العلاقات معه من جديد بعد ما كان ..كيف تحدثه وبأى وجه تنظر إليه وينظر إليها ثانية ..دار رأسها أكثر وقد أختلط كل شى أمامها بشكل متناقض لم يخرجها منها إلا أن سمعت صوت باب الشقة وهو يغلق بهدوء فعلمت أنه حضر..أغلق فارس الباب بهدوء وهو ينظر للمنزل الهادىء حوله فى سكون.. فهذا ما كان يحتاجه فى تلك اللحظة..السكون ..جلس على أقرب مقعد ووضع الملف بجواره وارتمى بظهره إلى ظهر المقعد وفرك جبينه فى قوة فمازال يعانى من الصداع الشديد ..فى تلك اللحظة خرجت دنيا من غرفتها ونظرت إلى وجهه المتعب فاقتربت منه ومسحت على شعره وهى تقول بخفوت: - مالك ..مصدع أدار رأسه إليها وأومأ بنعم بدون كلام ...توجهت إلى غرفتها وأحضرت له قرص مسكن للألم مع كوب المياه وقالت : - هروح أعملك كوباية شاى تظبطلك دماغك وضع كوب المياه بجواره وأغمض عينيه بإسترخاء يتلمس قليلاً من الراحة والسكينة محاولا ان يبتعد بذهنه عن الافكار التى أدت به إلى هذه الحاله ...وضعت أمامه كوب الشاى وظلت تنظر إليه وهو يرتشف منه ببطء وفى صمت حتى أنتهى منه وحرصت على أن لا يدور بينهما حديث من اى نوع ... وضع الكوب ونهض واقفاً متوجهاً لغرفته ..دخلت خلفه ونظر إليها مندهشاً وهى تأخذ سترته من يده وتعلقها فى الخزانة فهى لم تفعل ذلك منذ زواجهما وها هى تفعله دون أن يطلب منها مساعدته ... ألتفتت له وقالت مبتسمة : - تحب أحضرلك العشا زادت دهشته ولكنه قال : - لا مليش نفس يدوب هاخد دش واقعد اشتغل شوية أنتظرت حتى أخذ ملابسه ودخل الحمام ثم انطلقت إلى المقعد الذى وضع عليه الملف ...أخذته بين أيديها وفتحته وتجولت فيه بنظرها بسرعة فتأكدت انه الملف المطلوب وتأكدت من المعلومات التى سربها إليها وائل .. ومن الواضح أن فارس لم يدرس القضية كاملة حتى الان ...تركت الملف ووضعته كما هو وأنتظرته حتى خرج من الحمام وتوجه إلى الاريكة وأستلقى عليها وقفت بجواره وقالت بخفوت ورقة: - أنت شكلك مرهق أوى يا فارس تعالى نام على السرير علشان جسمك يرتاح .. وأستدركت فى حزن : - ولو كان عليا يا سيدى انا مش هنام دلوقتى هز رأسه نفيا وقال بصوت نائماً : - لا متشكر روحى نامى انتِ ..أنا هغفل ساعة واحدة بس وهقوم أكمل شغلى دخلت غرفتها ولكنها لم تستطع أن تنام كانت تريد ان تخلق معه اى حوار بخصوص القضية ولكنه غير مستعد للحديث على الاطلاق واى حديث الان سوف يؤدى إلى عواقب وخيمة .. تقلبت فى فراشها كثرا وهى تحاول أن تجد مخرجاً ما .. لابد أن تتودد إليه بالحكمة حتى يأمنها ويتحدث معها بما يجول فى خاطره وبدون قيود ... لم تستطع النوم ابدا ظلت هكذا حتى شعرت بحركته فى الخارج فعلمت أنه استيقظ أنتظرته حتى توضأ ووقف يصلى ركعتين خفيفتين قبل أن يبدأ فى العمل ... بعد أن أنتهى أخذ الملف ووضعه على الطاوله وجلس امامه وكأنه أمام لغم يوشك ان ينفجر عند أول لمسة له ..خرجت دنيا من غرفتها وتوجهت للمطبخ مباشرة وأعدت له فنجان القهوة التى يحبها ووضعتها أمامه بابتسامة رقيقة وهى تقول : - أتفضل نظر إليها وهو يشعر أن هذا اليوم هو يوم المفاجات فلا داعى للتعجب من شىء بعد ذلك ... جلست أمامه واستندت على راحتيها وظلت تتابعه وهو يقرأ ويتأمل فيقف على معلومه طويلا ثم يتجاوزها إلى غيرها يتاملها برفق وكأنه يخشى فقدانها ... رفع رأسه إليها فوجدها تتامله مبتسمة فقال : - منمتيش ولا أيه قالت بعذوبة : - لاء نمت بس صحيت على صوتك وأنت بتقرأ القرآن وأنت بتصلى حقيقى صوتك حلو أوى فى القرآن يا فارس كان قد عاهد نفسه على عدم الدهشة ولكنه لم يستطع ..رفع حاجبية ومط شفتيه بقوة ثم أعاد رأسه إلى الملف وأكمل ما كان بدا ..كانت هى تبحث عن كلمات مناسبة لا تستفزه بها وهى تسأله عن القضية حتى لا تشعره أنها تعلم شىء عنها ...تنحنحت فى خفوت ثم قالت : - شكلها قضية مهمه اللى مسهراك كده أومأ برأسه ببطء دون أن ينظر إليها وقال : - فعلاً قضية مهمة قالت بنرة أنثوية ضعيفة: - طب ما تشرحهالى يا فارس .. أنت خبره كبيرة اوى ونفسى اتعلم منك نظر إليها ولسان حاله يقول : - أى نوع من الاعاجيب يحدث فى هذا اليوم .. ما هذا الهدوء والسكينة والتعاون والتواضع هذه ليست دنيا ابدا قال باقتضاب : - دى قضية متهم فيها شاب صغير بقتل واحدة بالعربية بتاعته والشهود بيقولوا انه كان قاصد وانها كانت واقفه على الرصيف اصلا وكمان التحريات بتقول انه كان يعرفها يعنى الحادثه مش صدفه تيقنت دنيا من كلام وائل أكثر عندما وجدت فارس يتكلم عن القضية وكأنه قد عزم رفضها قالت بحنكة: - طب والمتهم أعترف ولا قال ايه هز رأسه نفيا وهو يقول : - بالعكس ده صمم انه برىء وان الشهود متلفقين والتحريات متلفقة ابوه كمان لما قابلنى قال انه ليه اعداء فى السوق وجايز يكونوا ملبسين ابنه القضية نظرت فى عينينه تكاد أن تخترقهما وتتسلل إلى عقله لتعرف فيما يفكر وماذا سيقرر وقالت وبلا مبالاة: - مش جايز فعلا كده مط شفتيه وهو يقول : - كله هيتحدد لما اروح اقابل المتهم ثم لمعت عينيه وهو ينظر امامه قائلا : - انا هقدر اعرف منه هو عمل كده فعلا ولا لاء قالت بشك : - وهو يعنى هيعترفلك أعاد رأسه إلى الاوراق مرة اخرى وهو ينهى الحديث قائلا : - سيبيها على **** **** كانت عزة تحضر الطعام بسرعة وتضعه فى الاطباق وتنقلها على الطاولة ضاحكةً وهى ترى عمرو يلكم الوسادة بقوة مرات متتالية فتسقط الوسادة على الارض فيأخذها ويلكمها مرات أخرى ثم يخنقها بيديه بعنف وقد تصبب عرقاً فقالت وهى تجلس حول الطاولة بجواره : - نفسى أعرف بتعمل ايه ألتفت إليها وهو يمسح العرق عن جبينه وقال وهو يلهث : - بتمرن عندى ماتش ملاكمة ضحكت مرة أخرى وقالت : - أول مرة اعرف انهم بيخنقوا بعض فى الملاكمة هز رأسه نفياً وهو يتناول الملعقة قائلا : - لا ده مش علشان الملاكمة.. ده علشان لو واحد ضايقنى أخنقه وأخلص منه وضعت كوب المياه أمامه وهى تقول : - وهتلاعب مين بقى.. تايسون نظر لها بطرف عينيه مازحاً وهو يقول : - بتقولى فيها .. أنا فعلا هلاعب بلال تايسون نظرت إليه بدهشة وقالت : - أيه ده بجد و**** ..هى دى مسابقة ولا ايه وضع الطعام فى فمه وقال : - لا يا بنتى مسابقة أيه.. أصلا بلال هو اللى بيمرنى انا وفارس فى مركز الشباب اللى جانبنا استندت بذقنها على راحة يدها وهى تقول : - أنا نفسى الاقى حاجة واحدة الدكتور بلال مبيعرفش يعملها.. حتى الملاكمة هو اللى بيمرنكوا ضربها على كتفها بخفة وهو يقول بحنق : - ايه يا ماما مالك معجبة بيه كده ليه .. طب بكره هتشوفى هكسرهم هما الاتنين على حلبة المصارعة نظرت له بدهشة وقالت : - هى مصارعة ولا ملاكمة وضع قطعة من اللحم فى فمها وهو يقول : - كلى وانتِ ساكتة صمتت قليلاً وهى تنظر له باضطراب ثم تشجعت وقالت : - عمرو أنا لازم اروح لدكتورة علشان موضوع الحمل وضع الملعقة فى طبقة ونظر لها معاتباً وقال : - احنا مش اتكلمنا فى الموضوع ده قبل كده وقلنا نسيبه على **** أسندت وجنتها على راحة يدها وقالت : - أحنا متفقناش.. أنت اللى قررت وانا اضطريت اوافق انا مش عارفه انت ليه مش مهتم أخذ كفها من تحت وجنتها ووضعه بين راحتيه وقال بهدوء : - مش عاوز حاجة تشغلك عنى وعن اهتمامك بيا لوحدى.. ومدام التاخير جاى من عند **** لوحده يبقى خلاص حاولت أن تعترض ولكنه وضعه أصبعه على شفتاها وقال : - أنتِ مش عارفة يا حبيبتى انا محتاج اهتمامك بيا قد أيه.. ومش عارفة أن تفرغك ليا بيحمينى من حاجات شكلها ايه قالت بقلق : - تقصد ايه ؟ قبل يدها وقال مبتسماً: - مش قصدى حاجة.. كل الحكاية انى عاوزك تفضيلى .. أنا وبس ..وأنا ممنعتكيش من الخلفة ..ووقت ما **** يأذن هتحملى ..بلاش نستعجل *** دخل فارس مكتبه مساءاً فوجد الرجل صاحب القضية فى انتظاره.. صافحه معتذراً عن التأخير وأشار إليه بالجلوس ..جلس الرجل ثم نهض مرة أخرى ووضع أمام فارس الاوراق التى طلبها ووضع فوقهم شيك بالأتعاب ..نظر فارس إلى المبلغ المدون أمامه ثم رفع رأسه للرجل وقال : - أنا قلت لحضرتك انى مش هقبل أى حاجة إلا لما اقابل المتهم بعد كده هقرر وبعدين المبلغ ده كبير أوى قال الرجل بسرعة وبصوت يشبه البكاء : - فلوس الدنيا كلها فدى ابنى وبعدين انا متفائل ان شاء **** لما تقابله هتتاكد أنه برىء أنا متأكد نظر إليه فارس بإشفاق ومد يده بالشيك قائلاً بحسم : - معلش حضرتك خده ولو وافقت نبقى نتكلم فى حكاية الاتعاب دى بعدين ...أنا هروحله بكره على طول ان شاء **** يعنى الموضوع مش هيتاخر كتير خرج الرجل من حجرة فارس وقبل أن يخرج من المكتب الخارجى تفاجأ بدنيا التى أقتربت منه بتمهل وقالت : - متقلقش يا فندم ان شاء **** خير رفع الرجل يده إلى السماء وهو يقول بضعف : - **** يسمع منك يابنتى اقترب وائل منهما وقال للرجل مقدماً له دنيا قائلاً: - دى الأستاذة دنيا مرات الدكتور فارس ومحامية معانا هنا قالت دنيا باهتمام : - أمبارح الدكتور فارس سهر على القضية للفجر وتقريبا شبه موافق عليها يعنى حكاية المقابلة دى مسألة شكلية مش أكتر نظر لها الرجل بتأثر وقال بامتنان: - حقيقى يا أستاذة ؟... مش عارف اقولك ايه طمنتينى **** يطمن قلبك قالت مؤكدة : - إن شاء **** لما يرجع من الزيارة انا اللى هكلم حضرتك وأحدد مع حضرتك الأتعاب والمعاد اللى حضرتك هتجيلوا فيه غادر الرجل بعد أن تأكد أن قضيته قد قُبلت بالفعل فها هى زوجته تؤكد له أنه بدا العمل بها فعلاً ...دخلت دنيا حجرتها بعصبية وقلق والتفتت إلى وائل الذى تبعها وقالت : - وبعدين يا وائل.. أنا قلقانه أوى .. أنا كل ده ولسه مش عارفة أيه اللى هيحصل .. نفرض رفضها فعلا قال وائل بثقة : - الأستاذ باسم مستنى منك مكالمة.. بعد ما تعرفى قرار الدكتور فارس وساعتها هيقولك هيعمل ايه بالظبط. **** الفصل الرابع والعشرون أطل بلال برأسة داخل مصلاها الصغير الذى أتخذته منذ زواجها مصلى خاص بها فى أحد أركان المنزل الصغيرة فوجدها تسبح بعد انتهاءها لتوها من **** الفجر .. أزاح الستار الذى وضعته عليه ليعطى الركن شىء من الخصوصية فلا يدخله أحداً سواها ولا يعبث أحد بمكتبتها الصغيرة فيه ..أقترب منها وجلس بجوارها . ألتفتت إليه بابتسامة عذبة فأخذ كفها فى يده وقبل راحتها ثم أكمل تسبيحه على أصابعها .. نظرت له بحب جارف وهو يسبح على أصابعها وفى كل تسبيحة يزداد حبه بقلبها وتتعلق به أكثر وأكثر ..رفعت يدها الأخرى ومررت أناملها على لحيته وخللت أصابعها برفق داخلها فنظر لها وابتسم ثم اقترب منها أكثر وأخذها بين ذراعه وهما جالسان على الأرض ثم تناول يدها الأخرى وأكمل التسبيح عليها ..ظلت هى تمرر أصابعها على يده التى تتلمس راحتها برقة حتى انتهى ورفع راحتها لفمه ليقبلها مرة أخرى باشتياق. ولفها إليه برفق لتكون فى مواجهته وقال بخفوت : - لسه صاحية لغاية دلوقتى ليه مش قلتى هصلى وانام بادلته همساً بهمس وهى تقول بسكينة : - كل مرة بقول أذكار الصباح فى السرير بتروح عليا نومه قبل ما اخلصها فقلت اقولها هنا علشان كمان ابقى مركزة فيها ... ثم أردفت متسائلة : - مش قلت هتدى درس بعد الصلاة ظهر الحزن على وجهه وهو يقول : - درس الفجر أتمنع هو كمان مع الاسف ثم أردف متهكماً بسخرية حزينة: - الرقاصة فى الكباريهات محدش بيقدر يمنعها من اللى بتعمله لكن أحنا لما نيجى نتكلم عن **** يمنعونا ويقفلوا المساجد بعد الصلاة على طول ربتت على وجنته وقالت بهدوء : - متزعلش نفسك كده يا حبيبى أنت ناسى حديث الرسول عليه الصلاة والسلام لما قال : 0 بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ نظر لها وأطل الأسى من عينيه قائلا: - أحنا بقينا غُرب فى بلدنا يا عبير أول ما الواحد يربى لحيته يبتدى الاضطهاد ويبتدوا يحاصروه فى كل مكان فى المسجد وفى الشغل وفى كل حته تبتدى المضايقات ... كأن التأسى بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام بقت تهمة المفروض الواحد يتعاقب عليها حاولت أن تضفى بعض من المرح عليه فغيرت مجرى الحديث وقالت مداعبة : - قولى بقى ناوى تعمل ايه النهاردة فى فارس وعمرو أستجاب لمداعبتها وأبتسم بمرح وقال : - ناوى أدشدشهم طبعاً تحسست ذراعيه بإعجاب وهى تقول ضاحكة : - أنا متأكده أنك هدشدهم بضمير خلل أصابعه بين خصلات شعرها و همس فى أذنها قائلاً: - فكرتينى بالضمير ..الولاد لسه نايمين مش كده ! **** - طيب هسيبكوا أنا شوية يا متر علشان تعرفوا تتكلموا قال الضابط هذه العبارة وهو ينهض من خلف مكتبه ويأخذ هاتفه واتجه خارج مكتبة .. أنتظر فارس حتى خرج الضابط وأغلق الباب خلفه فالتفت إلى الشاب الذى وقف أمامه مُطرقاً برأسه فى حزن وقال وهو يشير له بالجلوس: - أقعد يا هانى جلس هانى ببطء وبدون أن يرفع رأسه أو ينطق ببنت شفة ..تفرس فيه فارس ملياً وقرأ بسهولة تعبيرات الحزن والوجوم فى ملامحه الشاحبة المترقبة ..لايبدو عليه الإجرام أبداً على العكس تماماً , وجهه فيه من البراءة ما فيه ..حاول فارس أن يقرأ لغة جسده فلكل جسد لغة من الممكن ان تكشف عن مكنونات مشاعره أثناء الحديث ..صمت فارس برهة من الوقت لكى يجعله يتوتر أكثر ويسهل استدراجه وقاطعاً عنه أى اسلوب للمراوغة من الممكن أن يلجأ إليه ثم قال فجأة : - أنا عارف أنك مكنش قدامك حل تانى ..! رفع هانى رأسه بحذر ناظراً إلى فارس الذى مال للأمام مقتحماً عينيه و تكلم وكأنه رآه يوم الحادث رأى العين وأردف قائلاً بثقة : - كانت بتهددك كنت هتعمل أيه يعنى غير كده حدق هانى فيه مندهشاً وقال متعجباً : - عرفت ازاى أنها كانت بتهددنى ! قال فارس بهدوء وتركيز : - أحكيلى كل حاجة وانا هقولك عرفت ازاى نظر له هانى وهو يفرك كفيه فى اضطراب وتوتر كبيرين وقال متلعثماً : - زى ما انت قلت مكنش فى أيدى حل تانى.. كانت عمالة تهددنى أنها تفضحنى فى كل حتة وتقول لابويا وانا خلاص كنت هتعين فى السلك الدبلوماسى وأى قلق كان هيحصل حواليا كان هيطير مني الشغلانة اللى كنت بحلم بيها طول عمرى.. ثم بدأ فى البكاء وهو يرتعش قائلاً : - صدقنى أنا عمرى ما كنت احلم انى اعمل فيها كده.. بس هى اللى اضطرتنى .. دفن وجهه بين كفيه وهو يرتعش بقوة ويقول: - أنا مكنش قصدى اموتها أنا كنت عاوزها تسقط بس وخلاص.. مكنتش اعرف انها هتموت سايره فارس فى الحديث وهو يربط على ساقه مهدئاً وقال : - أهدى بس يا هانى أهدى .. أنا فاهمك طبعاً بس انت أيه اللى خلاك من الأول تعرف الاشكال دى يا أخى جفف هانى دموعه ولكنه مازال يتلعثم وهو يتحدث من فرط الاضطراب فهذه أول مرة يعترف بها بما فعل وقال : - كانت زميلتى فى الكلية وأعجبنا ببعض لحد ما صارحنا بعض بالحب وكنا متفقين أن محدش يعرف بعلاقتنا دلوقتى وكانت علاقتنا علاقة حب بريئة ..وبعد شويه صرحتنى أنها حكت لاختها الكبيرة وأختها كانت متفاهمة معاها حتى ساعات ..ساعات كانت بتخرج معانا وكانت متصورة كده أن علاقتنا بقت شبه رسمية وبقت مطمنة أكتر معايا ... فى الأول كانت بتحاسب أوى على كل لمسة بينى وبينها وبترفض لكن بعد ما اختها الكبيرة عرفت ورحبت وهى من ساعتها وهى معتبرة علاقتنا رسمية .. وابتدت التنازلات بينا لحد ما حصل اللى حصل ..وجات قالتلى أنها حامل ..وفضلت شهر بحاله أحاول أتهرب منها .. ألتقط أنفاسه بصعوبة وهو يتابع قائلاً : - لحد ما هددتنى وقالتلى انها هتفضحنى فى كل حته وتبلغ ابويا .. أجهش فى البكاء عندما وصل لهذه النقطة وهو يقول: - مفكرتش ..معرفتش أفكر فى حاجة غير أنى اخلص من تهدديها بس.. مكنتش اقصد صدقنى أغمض فارس عينيه بألم وقد تيقن من أدانته ..ها هو يتجسد أمامه مثالاً لعقد الحرام عندما يُقطع فتنفرط حباته حبة تلو الأخرى بسرعة كبيرة لا نستطيع اللحاق بها أو جمعها. تركه فارس يبكى ويعضه الندم على ما فعل حتى بدأ يهدأ ويسكن جسده المنتفض ثم قال : - علشان كده أنكرت أنك تعرفها مش كده رفع هانى كتفيه بحركة عصبية وهو يقول بأنفاس لاهثة : - اومال كنت هعمل ايه كان لازم أنكر وكدبت الشهود اللى شافوا الحادثة وكدبت أختها لما قالت انها تعرفنى ...خفت اقول الحقيقة .. خفت يعدمونى أخذ فارس كفه وقبض عليه بقوة وهو ينظر له بصرامة قائلاً: - ومخفتش من **** ؟! .. إنت ممكن تاخد براءة وبعدين تموت عادى فى بيتك ثم وضع أصبعه على صدره وضغطه وهو يقول : - هتروحله ازاى وانت هاتك عرض واحدة ومش هى عايشة وبس لاء وهى ميتة كمان حدق فيه هانى فزعاً وهو يقول منتفضاً : - وهى ميتة يعنى أيه - يعنى أهلها وصحابها وجيرانها وكل اللى يعرفوها عرفوا دلوقتى انها ماتت وهى حامل وهى مش متجوزة .. يعنى عرضها اتلوث والناس بتنهش فيه حتى وهى ميتة .. و بسببك انت بدأت دموع هانى تنهمر بشدة وهتف صائحاً : - أنا تبت لربنا تبت وندمت و**** هيقبل توبتى انا متأكد وضع فارس يده على كتفه وهزه بقوة وهو يقول : - ممكن **** يقبل توبتك اه لما تغلط فى حق نفسك وبس ..لكن أنت غلط فى حق أنسانه متعلقه فى رقبتك عمرها اللى راح هى واللى كان فى بطنها وشرفها اللى أتنهش .. يعنى لازم تردلها حقها ..على الأقل خالص انك تعترف بغلطك وتتقبل العقوبة بشجاعة.. مش تنكر وتقول توبت دفع هانى يد فارس حانقاً وقال : - أنت عايز منى أيه ..أنت جاى تدافع عنى ولا جاى تلف حبل المشنقة حوالين رقبتى هز فارس رأسه أسفاً وهو يقول : - يابنى أنا بنصحك لوجه **** علشان لما عمرك اللى متعرفش هيخلص أمتى ينتهى ..تروح لربك نضيف قال عبارته الاخيرة وتركه وأتجه لباب الحجرة لينصرف .. فتح الباب وخرج وتركه وحيداً يشعر بظلام قلبه وروحه الآثمة الملوثة ..والمُعذبة *** بينما كانت أم فارس منشغلةً فى المطبخ تعد طعام الغذاء سمعت طرقاً خفيفاً على باب الشقة فتركت ما فى يدها واتجهت لتفتح الباب ..أبتسمت وهى تنظر إلى مُهرة التى وقفت على استحياء مطرقةً برأسها وقالت : - أهلا يا مُهرة يا حبيبتى اتفضلى قالت مُهرة بخفوت وقد بلغ الخجل منها مبلغة : - معلش يا طنط مش هقدر أدخل .. ثم ترددت قبل أن تقول : - أنا بس كنت عاوزه اسأل على حاجة وهمشى على طول جذبتها أم فارس من يدها وهى تقول : - تعالى مفيش حد هنا غيرى دخلت مُهرة وأغلقت أم فارس الباب خلفها فوقفت خلفه ولم تتحرك خطوة واحدة وقالت بخجل : - معلش يا طنط بجد مش هقدر أقعد .. قالت أم فارس وهى تمسكها من يدها وتتجه للمطبخ : - طب تعالى معايا فى المطبخ قوليلى اللى انتِ عايزاه أحسن الأكل هيتحرق وضعت مُهرة حقيبتها جانباً على المقعد المجاور للباب وتبعتها إلى المطبخ ..وقفت مُهرة بجوارها تنظر إليها وهى تقلب الطعام فى الإنائين , أشفقت عليها من المجهود اليومى التى تقوم به وحدها وبحركة تلقائية تناولت ملعقة خشبية كبيرة ووقفت تقلب الأرز مساعدة لها ثم قال : - فى حاجة يا طنط عاوزه اسألك عليها بس خايفة تقلقى ألتفتت إليها أم فارس باهتمام وقالت : - خير يا بنتى فى أيه ظهرعلى وجهها الأضطراب والتوتر وهى تقول : - بقالى كام يوم بحلم بكوابيس تخص الدكتور فارس وبقوم من النوم مفزوعة عقدت أم فارس بين حاجبيها وهى تضيف صلصة الطماطم إلى الإناء وقد تسرب القلق لقلبها وقالت : - بتشوفى أيه فى الكوابيس دى أضافت مُهرة مرقة اللحم إلى الإرز وقلبته مرة أخرى ثم وضعت غطاءه جيداً والتفتت إليها قائلة : - مش هينفع أحكيه يا طنط علشان مرة ..مرة الدكتور فارس قالى أن اللى يحلم بحلم وحش ميحكيهوش لحد خالص ويستعيذ ب**** وهو مش هيضره قالت كلمتها وتوجهت للمكان المخصص للأكواب بحثت بعينيها قليلاً وما لبثت أن وجدت ضالتها ..كوبها المخصص منذ زمن طويل لا يشرب منه أحد غيرها , لونه مميز وعليه رسومات كرتونية كثيرة مختلفة , أبتسمت وهى تتناوله وقالت : - مكنتش متخيلة انى هلاقيه أطلت نظرات الإشفاق فى عينيى أم فارس وقالت بحنان : - حاجاتك اللى هنا فى الحفظ والصون مهما غبتى هترجعى تلاقيها لمعت عينيى مُهرة بدمعة قاتلت لإخفائها وهى تتجه للثلاجة ووضعت فى الكوب بعض المياه الباردة وما أن انتهت حتى قالت لها أم فارس : - كنتِ عاوزه تسألينى على أيه يا مُهرة وضعت مُهرة الكوب على رخامة المطبخ أمامها وقالت : - الكوابيس دى مش مريحانى يا طنط .. هو الدكتور فارس عنده مشكلة ولا حاجة ؟ توترت وهى تردف : - انا و**** مش بدخل فى خصوصياته.. بس انا بخاف من أحلامى دايما وبصدقها علشان كده بسأل هزت أم فارس رأسها نفياً وهى تقول مطمئنة : - محكاش ليا حاجة خالص لو فى مشكلة كان أكيد حكالى ..أطمنى قالت مُهرة وهى تومىء برأسها قلقةً : - **** يكون كده فعلا .. معلش يا طنط عطلتك.. أمشى انا بقى علشان عندى مذاكره كتير كادت أن تخرج من المطبخ الا أن أم فارس تذكرت أنها لم تسألها عن أحوالها مع زوجها وخصيصا بعد المشادة التى حدثت بينه وبين فارس فوضعت يدها على كتفها من الخلف وهى تقول : - أستنى صحيح ..عاملة أيه مع جوزك يا بنتى ياترى لسه زعلان ولا خلاص شعرت مُهرة بالحنق لمجرد ذكر أسمه وقالت بضيق : - تفتكرى يا طنط أنا ممكن أفكر فى زعله بعد ما كان هيمد أيده عليا بعد أسبوع واحد من كتب كتابنا عندما وصلت لهذه النقطة سمعت المفتاح يدور فى الباب ويُفتح لتفاجأ بفارس يدخل ويغلق الباب خلفه وقد بدا عليه الإرهاق والهم الشديد بعد جلسته مع هانى منذ قليل ..ألتفت بتلقائية لينادى والدته فوجدها تهم بالخروج من المطبخ وقد احمرت وجنتاها خجلا للقاءه فى بيته, نسى همه وأرهاقه وهو مازال واقفاً مكانه خلف الباب المغلق وتسللت النشوة إلى قلبه, تناولت حقيبتها بجوار الباب بارتباك شديد ووقفت تقول بخفوت : - أزيك يا دكتور لم يتنحى جانباً لتخرج إنما ظل واقفاً مكانه .. لا يعلم لماذا تسمرت قدماه وأبت أن تتحرك وقد ارتسمت النشوة والبهجة على ملامحة وقال : - أزيك انتِ يا مُهرة .. عاملة أيه تحشرج صوتها وهى تُتمتم : - الحمد *** كانت تتوقع أن يتحرك جانباً ولكنه لم يفعل ..أقتربت منه والدته وربتت على ذراعه وكأنها توقظه من غفوته وقالت : - عديها يا فارس علشان متتأخرش على مامتها ألتفت إلى والدته محدقاً بها وكأنه لم يراها إلا الآن فقط , أغمض عينيه وفتحهما ببطء ثم تنحى جانباً لتمر من أمامه وتحت ناظري قلبه الذى يقاتل ليزيل الغمامة التى تعصب عينيه فتحجب عنه الرؤية الصحيحة لحقيقة مشاعره , خرجت وأغلقت الباب خلفها مسرعة وصعدت الدرج فراراً , ولكن من منا يستطيع الفرار من قلبه . تركته والدته وعادت للمطبخ ثانية لتُتمم على الطعام فدخل خلفها ووقف مستنداً بذراعيه على باب المطبخ قائلاً : - مالها يا ماما فى حد ضايقها تانى هزت رأسها نفياً وقالت : - لا مفيش دى كانت بتسلم عليا بس وقع بصره على الكوب الموضوع فوق رخامة المطبخ فارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيه .. تقدم نحوه وأخذه ونظر إليه جيدا وهو يقول : - طول عمرها مبتحبش تشرب غير من الكوباية دى نظرت له والدته بدهشة وهو يتوجه إلى الثلاجه ويصب فيه بعض الماء البارد ويشرب بشكل تلقائى ولكن بحماس شديد.. وبتلذذ! أنتهى ووضعها مكانها كما هى وخرج ليبدل ملابسه تحت ناظري والدته التى كانت تدعو **** بقلبها أن يرزقه راحة البال والقلب . بمجرد أن جلسا حول مائدة الطعام قالت والدته : - أومال مراتك مجاتش ليه يابنى لحد دلوقتى عقد بين حاجبيه بضيق وقال : - عاوزه تقعد فى بيت امها يومين وكأنهما استدعاها حينما تحدثا عنها فلم يكد ينتهى من كلمته حتى سمع رنين هاتفه النقال أخذ الهاتف وأجابها فقالت على الفور: - أيه يا فارس قافل تليفونك ليه ظهرت الدهشة على وجهه وقال : - أنا مقفلتش التليفون النهاردة خالص تصنعت الدهشة وهى تقول : - معقوله أومال كان بيدينى مغلق ليه ثم استدركت وهى تقول : - أومال أنت كنت فين من ساعتين كده لما كان بيدينى مغلق - كنت مع المتهم بتاع قضية القتل أدعت المرح وهى تقول : - شكلك كده وافقت على القضية هز رأسه نفياً وهو يقول : - لاء رفضتها أبتلعت ريقها بصعوبة فهذا ما كانت تتوقعه إلا أنها كان لديها بصيص من الأمل فى أن يقبلها ويريحها مما هى مقدمةً عليه .. قالت بتماسك : - بلغت والده بالرفض ولا لسه - لا لسه لما أروح المكتب بالليل هخلى السكرتارية تبلغه علشان يجى كمان ياخد الأوراق بتاعة القضية شعرت بالوهن يدب فى أوصالها فهاهى ستضطر أن تلجأ إلى أكثر شخص تبغضه على وجه الأرض وسمعته ينهى المكالمة قائلا: - طب معلش يا دنيا هقفل دلوقتى علشان ألحق أخلص غدا وأنزل قالت بلهفة : - رايح المكتب بدرى كده - لالا أنا عندى ماتش كده مع الدكتور بلال وعمرو ويمكن اروح المكتب متأخر شوية ..يلا سلام أنهى مكالمته بينما قالت والدته باهتمام: - ليه يا فارس هتسيبها تقعد لوحدها يابنى فى حاجة مزعلاها ولا ايه ..طب شوف ايه اللى مزعلها .. مينفعش تقعد لوحدها كده ..دى دلوقتى بقت يتيمة يا فارس نظر لها فارس وهو يشعر بالإشفاق تجاه والدته لطيبتها الزائدة حتى مع من يُسيئون معاملتها وقال : - مفيش حاجة يا ماما.. هى طلعت فى دماغها النهاردة الصبح أنها تروح هناك شوية وصممت .. خلاص براحتها نظرت له والدته بريبة ثم تذوقت الأرز وهى تتمتم بإعجاب : - و**** شاطرة رفع فارس رأسه ناظراً إليها بتسائل وقال : - مين دى اللى شاطرة قالت والدته وهى تتناول طبقها : - ولا حاجة .. مُهرة أصلها نفسها حلو فى الرز رفع حاجبيه وقال : - هى اللى عملته ؟! أومأت برأسها وهى تكمل طعامها دون أن تنظر إليه فقال : - فين طبق الرز بتاعى يا ست الكل رفعت رأسها بدهشة وقالت : - أنت مش قلت بتحب السبانخ مع العيش مط شفتيه قائلا: - هجربها مع الرز نظرت له والدته وهو يأكل الإرز بإعجاب شديد وكأنه لم يأكله من قبل, فلاحت ابتسامة صغيرة على جانبى شفتيها رغماً عنها , وبعد أن انتها من طعامهما ..أعد فارس الشاى كما يفعل دائماً ...وضع واحدة أمام والدته التى قالت : - أنت هتقابل عمرو والدكتور بلال النهاردة أرتشف رشفة منه وأومأ برأسه قائلاً : - أيوا عندنا ماتش النهاردة بعد **** العصر على طول .. يدوبك أخلص وأرجع أغير هدومى وانزل على المكتب أنهى فارس أغتساله وبدل ملابسه وارتدى حلته الرياضية استعداداً لماتش الملاكمة **** نظر باسم لرقم الدنيا الذى تتضىء به شاشة هاتفه النقال بانتصار وخبث فقد كان متأكداً من اتصالها ولجوئها إليه من أجل المال فلقد صدق ظنه بها بل وثقته فى طمعها ... أجابها بترحاب شديد فقالت باقتضاب وهى تشعر بالتقزز منه وقالت : - خلصنى وقولى هتعمل ايه.. فارس هيبلغ الراجل رفضه النهاردة أصابه التوتر والقلق وقال بسرعة وهو يعتدل فى جلسته : - لاء لازم تعطليه النهاردة بأى شكل .. مش لازم يكلم الراجل النهاردة خالص.. وإلا كل حاجة هتبوظ قالت بتأفف : - أمنعه ازاى يعنى أنا أصلا فى بيت ماما مش معاه وبعدين انت ناوى تعمل ايه انا لسه معرفش لحد دلوقتى .. هتف بغضب : - أنتِ غبية ولا ايه.. سبتى البيت ليه دلوقتى صرخت به : أنت أيه يا أخى مبتحسش ..انا مش عارفة انت ناويله على ايه .. مش قادره أحط عينى فى عينه أطلت من عينيه نظرات بغض شديده وهو يقول : - هعدى عليكى بالعربية دلوقتى ..هنروح مشوار مهم وهناك هقولك انا ناويله على أيه بالظبط ضحكت ضحكة عصبية وهى تهتف : - أنت عاوزنى اقابلك انت .. فى حد يروح يقابل التعبان مرتين ضغط حروف كلماته بغل واضح وهو يقول : - أسمعى بقى ..أنتِ وافقتى تتعاملى معايا بمزاجك مرة تانية يعنى لازم تكملى للآخر ومتخافيش يا أموره انا مش عاوز منك حاجة.. المقابلة هتبقى فى الشارع .. ولو خايفة أوى كده من مقابلتى هقولك هنتقابل فين علشان تطمنى قالت بسرعة : - فين ؟ نظر أمامه بحقد دفين وهو يقول : - مباحث أمن الدولة أتسعت عيناها رعباً وهى تردد خلفه : - مباحث أمن الدولة ! غير نبرة صوته وهو يقول : - متخافيش أوى كده .. أنا ليا واحد صاحبى هناك هيظبطنا فى الحكاية دى .. كل اللى عليكى انك تقدمى بلاغ صغير وملكيش دعوة بالباقى هتفت ساخطة : - وهقول ايه فى البلاغ ده واشمعنى انا اللى أقدمه - أنتِ مراته .. يعنى بلاغك هيبقى أهم من عشرين بلاغ تانى.. متنسيش أحنا عاوزينهم يتحركوا بسرعة قبل ما يتصل بالراجل ويبلغه بالرفض ..ومتخافيش عليه يا ستى محدش هيلمسه ..هما بس هيضايفوه عندهم لحد ما القضية تخلص والفلوس تبقى بتاعتنا قالت وكأنها منومة وقد أنتزعت أرادتها : - وهقول ايه فى البلاغ ده أبتسم وهو يقول : - هتقولى أنك شاكه أنه منضم لخلية أرهابية وأنه بيجتمع بناس معينة فى البيت عندكوا وبيتكلموا فى السياسة.. وحطى أسم أى حد من صحابه.. ويا سلام لو مربى دقنه تقطعت أنفاسها وانقبض صدرها وهى تقول : - بس أنا معرفش حد من صحابه غير أتنين بس .. وواحد فيهم مربى دقنه - ممتاز أوى حطى أساميهم الاتنين صمتت وقد شعرت أن السماء والأرض تلعنها وضاقت بها جدران بيتها وانقبض عليها فلم تسمح لها بالتنفس, فشعرت بأضلاعها تتمزق صارخةً ببغضها تود الهروب ببعضها من بعضها ... لم ينتظرها حتى تستيقظ مما هى فيه وقال بسرعة : - أنا مش عارف انتِ قلقانة من أيه.. قلتلك محدش هيلمسه بأى أذى ..صاحبى اللى هناك أكدلى كده ..كل الحكاية أننا هنكسب وقت لصالحنا مش أكتر من كده.. ومحدش هيعرف أن انتِ اللى بلغتى ولا حتى فارس نفسه ..ها قلتى أيه أبتلعت ريقها وقت أمتقع وجهها بشدة وتحجرت مقلتيها وقالت بصوت مسحوق بأقدام الطمع: - موافقة **** وقف بلال على الحلبة وحيداً وهو يلوح لهما بذراعيه تارة ويضرب يديه بعضهما فى بعض تارة أخرى فتصدر قفازات الملاكمة التى يرتديها صوتاً عاليا وهو يهتف بهما : - أيه محدش قادر يواجهنى ولا أيه دفع عمرو فارس للحلبة وهو يقول لبلال : - لالا أوعى يغرك جسمك .. أنت باين عليك متعرفش فارس .. ده أيده طارشة دفع فارس يد عمرو بعيدا عنه ثم صعد إلى الحلبة وقال لـ عمرو : - طول عمرى بقول عليك ندل ياض بدا بلال يلاعبه بمرح شديد ويعلمه بعض الفنون التى تجعله يتفادى الضربات بحرفية شديدة ولقد كان فارس تلميذ بارع ..تعلم سريعاً وبدا يناوش بلال ببعض الضربات الخاطفة ولكنه لم يفلح فى أصابته إلا مرة واحدة ..ألتفت بلال إلى عمرو وهو يلوح له بالصعود هاتفاً : - يالا يا عمرو دورك جه صعد عمرو على مضض وهو يقول : - انا *** وانا إليه راجعون [B]** يرحمك يا عمرو كنت أمور ومسمسم **[/B] يرحمك يا غالى ضحكا فارس وبلال وتنحى فارس جانباً ليصبح عمرو فى مواجهة بلال .. شعر بلال بالنشوة وهو يداعب عمرو بضربات لا تصل إليه إلا قليلاً مما أغرى عمرو على التقدم وصد تلك الضربات ... بعد قليل وقف بلال بينهما يلعب دور الحكم , وبدأ عمرو وفارس فى مناوشة بعضهما البعض , طالت المناوشات ولكن فارس كان متقدم على عمرو كثيرا فاستطاع أن يوجه له ضربات عدة مما جعل عمرو يشعر باليأس فوجه إلى فارس ضربة غير مدروسة لم يراعى فيها المسافة بينهما رغماً عنه فاصابته فى فكه مباشرة واندفعت الدماء من فم فارس بغزارة أمتقع وجه عمرو واقترب منه بلال بسرعة يحاول أسعافه حتى توقفت الدماء تماماً جلس عمرو يساعده وهو يعتذر لفارس قائلا : - أنا آسف و**** ما اقصد يا فارس .. معلش انا غشيم أعتدل فارس فى جلسته بمساعدة بلال وعمرو وضربه فارس على كتفه بقوة وهو يهتف به : - يخربيت العمى الحيسى اللى انت فيه يا أخى.. هروح شغلى أزاى دلوقتى ساعده بلال على النهوض وهو يقول : - لا شغل أيه بقى ده انت بؤك وارم خالص.. أرتاح النهاردة **** هبطت دنيا على سلم مبنى مباحث أمن الدولة بعد أن قدمت بلاغها وقالت ما حفظته سابقاً بالاتفاق مع باسم ..ألتفت إليه وهو يهبط بجوارها ونظرت إليه بأشمئزاز وهى تقول : - المفروض أيه الخطوة اللى جايه قال باسم وهو ينظر أمامه بتفكير: - هتروحى البيت دلوقتى وتحاولى تعطليه علشان ميروحش المكتب النهاردة.. والنهاردة قبل الفجر هيعملولوا زيارة ليلية وضعت يدها على صدرها بخوف وقالت: - بسرعة كده وقف أمام سيارته والتفت إليها قائلا: - الناس دى مش محتاجة تحريات .. وجوزك سهل علينا الأمر وساب دقنه .. وده دليل اتهام كافى علشان يبقى أرهابى يا مدام .. أنتِ مش عايشة فى البلد دى ولا أيه! **** عاد فارس للمنزل فى آخر اليوم بعد أن ودعه عمرو وبلال عند باب المنزل وتركاه وأنصرفا ... ضربت والدته على صدرها وهى تنظر لفكه المصاب وقالت بلوعة: - ايه اللى عمل فيك كده يا فارس لف ذراعه حول كتفها وهو يقول مداعباً: - متقلقيش كده يا ماما دى أصابة ملاعب حاولت أن تتحسس مكان الأصابة قائلة : - أنا بكلم جد.. مين اللى عمل فيك كده حاول أن يضحك ولكنه تألم وقال : - الواد عمرو **** يخربيته.. ده مش بيلعب ده بيطبش.. صحيح على رأى المثل ألعب مع اللئيم ومتلعبش مع العبيط دخلت دنيا المنزل خلفه تماماً وأغلقت الباب خلفها وتبادلا نظرات الدهشة بين بعضهما البعض فقال : - أنتِ مش قلتى هتباتى يومين هناك قالت : - رجعت فى كلامى.. بس انت مين عمل فيك كده تركها واستدار ليجلس على المقعد وقال : - مفيش دى حاجة بسيطة .. بكره هبقى كويس ان شاء **** خفق قلبها هى تقول : - يعنى مش هتروح المكتب النهاردة أومأ برأسه دون أن يتكلم فقالت بسرعة : - طب خلاص ارتاح انت وانا هلبس وأروح دلوقتى وهبلغه باللى انت عايزة بدلت ملابسها فى غرفتها وهى شاردة الذهن, يكاد قلبها أن يقفز من حنجرتها من شدة الخوف من المستقبل, نظرت لنفسها فى المرآة فوجدت علامات الريبة تحتل ملامحها وصدق من قال ..يكاد المُريب أن يقول خذونى ..حاولت أن تتماسك وتجمدت ملامحها وخرجت من الغرفه ووقفت أمامه تنظر إليه كأنها تودعه وقالت : - أنا ماشية.. عاوز حاجة أشار إليها قائلا: - متنسيش تبلغى السكرتارية يتصلوا بالراجل صاحب القضية ويبلغوا رفضى علشان يجى ياخد ورق القضية ويلحق يشوف محامى تانى أومأت برأسها واتجهت للباب فاستوفقها منادياً : - دنيا وقع قلبها بأخمص قدميها وهى تلتفت إليه بعينين زائغتين فقال : - ساعتين بالظبط وارجعى .. متتأخريش علشان مترجعيش بالليل متاخر لوحدك أبتلعت ريقها وهى تسمع كلماته وأومأت برأسها وقالت : - حاضر *** ذهبت دنيا للمكتب وحضر إليها وائل واتفقا على تنفيذ الخطوات الاحقة .. ستتصدر هى القضية وسيتولى هو وباسم أمر الشهود وأمر ورقة التحريات التى ستُنتزع من ملف القضية لتصبح منعدمة الأدلة, خافت دنيا أن تعود للبيت وهى تعلم ما سيحدث قبل الفجر بدقائق, أتصلت بوالدة فارس وأبلغتها أنها ستضطر إلى الذهاب إلى شقة والدتها لانها قد نسيت هاتفها وبعض أشياءها الخاصة هناك , وربما ستضطر للمبيت , لم توقظه والدته لتُخبره بامرها وعزمت أن تخبره فى الصباح خوفاً من ردة فعله وهو منهك ومصاب هكذا **** دقت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل, ولكنها لم تدق وحدها , لقد تبعتها دقات عنيفة على باب المنزل ..أستيقظ فارس فزعاً وكذلك والدته ولكن الدقات لم تنتظرهما , كُسر الباب عنوة ليدخل زوار الفجر إلى المنزل باندفاع محطمين ما فيه, يبحثون عن أى شىء يدينه, ظل يصرخ بهم وهو يحمى والدته بذراعيه : - أنتوا مين , وبتفتشوا على أيه وفين أذن النيابة خرج أحد الرجال من المطبخ وهو يرفع سكينة كبيرة قائلا : - لقيت سكينة دبح كبيرة يا فندم وورق ألمونيوم هتفت والدته : - وفيها أيه دى حاجات المطبخ خرج رجل آخر من الشرفة وهو يقول لنفس الرجل : - لقينا تراب فيه حبات ظلت صغيرة يا فندم تناول الضابط الذى كان يلقى الأوامر للجميع الأشياء الثلاث وقال موجهاً كلامه لفارس : - رمل وظلت وورق المونيوم ..أنت بتصنع قنبلة يديوية فى بيتك ولا ايه أدرك فارس أنه مأخوذ لا محالة وأن دفاعه عن نفسه لن يجدى فقال بهدوء : - ده مش رمل ده تراب بنزرع بيه فى البلكونه قصارى الزرع بس انا عارف انه هيتكتب رمل أومأ الرجل برأسه ساخرًا وقال : - شاطر ثم صرخ فى الموجودين جميعاً ...هاتووا *** وقف بلال يسد باب غرفة نومه بعد أن هتف بزوجته آمرا بارتداء ملابسها فورا وبأقصى سرعة , أرتدت عبير ملابسها وهى تصرخ به : - مش معقول هيدخلوا عليا الأوضه وانا كده صرخ بها : - ألبسى بقولك بسرعة وبسرعة البرق وقبل أن يتكاثر عليه الرجال ويدفعوه بقوة ليدخلوا غرفته, كانت قد وضعت نقابها على وجهها ..دفعهم وهو يمر من بينهم ليحميها منهم وهم ينقضون على فراش السرير ليمزقونه بالمطواة ويخرجون ما به ويقلبون الخزانات والملابس التى بداخلها فيمزقونها عنوة , أحاطها بذراعيه هى ووالدته وأبناءه من خلفه..لقد كان كل همه أن لا تنكشف زوجته ولا أمه على أحد منهم ,وعبير تردد بجسد مرتجف وهى متشبثة بظهره : - اللهم اكفيناهم بما شئت وكيف شئت ... وبعد أن انتهوا تكاثروا عليه مرة أخرى ليأخذوه معهم .. حاولت والدته أن تتشبث به تمنعهم ولكنهم لم يراعوا حرمة ولا امرأة عجوز .. دفعوها بمنتهى العنف وهم يقذفونها باقذع الألفاظ لتسقط على رأسها مغشيا عليها فى الحال وخرجوا وتركوا البيت فى حالة دمار ..أمرأة مغشياً عليها وأخرى ترتعتش وتنتفض وتنتحب زوجها وحبيبها وأطفال يصرخون أبيهم ... أما عند عمرو فلم يكن الأمر بأقل منهما شأنًا, دمارا فى كل مكان وأثاثاً مبعثر وممزق فى كل مكان ومحطم وامرأة خلفها زوجها صارخة باكية جزعة تنادى على زوجها فلا تجد من يرد النداء . **** الفصل الخامس والعشرون كيف تنام العيون وقد فقدت كل الأحبة فى ليلة واحدة , كيف ترتاح القلوب بين الصدور اللآهجة ..ألتف الجميع حول النساء الثكالى فى بيت أم فارس محاولين أن يخففوا عنهم ولكن كيف السبيل لذلك ..دفنت مُهرة وجهها فى صدر أم فارس تبكى وهى تستمع لكلام عزة وعبير عن ما حدث معهم هم أيضا فى بيوتهم قبل الفجر , كل منهن تبكى دماً بعد أن جف نبع دموعهن ..الناظر إليهن لا يعلم من يواسى من , ومن يطمئن من , ومن يربت على كتف من .. الجميع مكلومين فى أحبائهم , كل منهن تحتاج إلى صدر حنون يضمها ويطمئنها على رفيق دربها ولقد كانت مُهرة هى ملهمتهم فى ذلك عندما ألقت نفسها بين أحضان أم فارس تبكيه وتخفف عنها فى نفس الوقت..كذلك فعلت عبير عندما ألقت نفسها فى حضن أم بلال وكذلك فعلت عزة وهى بين ذراعى أم عمرو وكأنهن بهذه الأحضان يتساندون ويشدوا أزر بعضهم البعض فالمفقود واحد .. ألتف حولهن بعض الجارات يستمعون لماساتهم محاولين التخفيف عنهن ومواساتهن ببعض كلمات الصبر ...بينما ذهب الرجال يبحثون عنهم فى كل الأقسام وبنايات أمن الدولة المبعثرة فى كل مكان , وفى النهاية عادوا بخفى حنين ..لاشىء ..غير موجودين فى أى مكان بشكل رسمى وقف والد عمرو على باب شقة أم فارس من الخارج هو وبعض الرجال وقال بغضب وهو يكاد يمنع نفسه من البكاء بصعوبة هاتفاً : - لفينا الاقسام كلها وروحنا كل مبنى بيقولوا عليه بتاع أمن الدولة.. وبرضة مفيش حس ولا خبر عنهم هما التلاتة هيكونوا ودوهم فين يعنى رد والد عزة بحنق : - للدرجة دى أى حد يتاخد من بيته بسهوله كده ويختفى ومالوش أثر ..أحنا فى مصر ولا فى شيكاغو تدخل محمود أخو عمرو قائلا : - أنا عارف كل ده ليه علشان اصحابه مربين دقنهم أجابه يحيى : - طب وأيه المشكله يعنى قال محمود : - المشكلة ان أى واحد مربى دقنه يبقى أرهابى وش هتف مينا أبن العم عامر جارهم قائلا: - يا سلام طب ما أحنا عندنا القس مربى دقنه هو الموضوع بالدقن يعنى تمتم محمود حانقاً : - يا عم انتوا مسيحين أحنا بنتكلم على المسلمين دلوقتى قال عامر بحزن : - يابنى انتوا جرانا من زمان وعمرنا ما شوفنا منكم حاجة وحشه .. فارس وعمرو وصاحبه بلال اللى زى المرهم ده.. يتعمل فيهم كده ليه ..أرهاب أيه وبتاع أيه .. الأرهاب ده مبنشفهوش غير فى الافلام والمسلسلات ربت الحاج عبد **** على كتف عامر وهو يقول مؤكدا : - معاك حق و**** يا عامر متزعلش من محمود ميقصدش قال والد عمرو مقاطعاً : - طب دلوقتى هنعمل أيه.. هندور فين ولا هنلاقيهم ازاى بس يا ناس أنتبه يحيى فجأة وقال : - هى مش مرات الأستاذ فارس محامية.. أكيد هى ممكن تعرف تتصرف هى والمحامين اللى فى مكتبه تقدم والد عمرو بسرعة وطرق باب الشقة المفتوح وهو يقول : - يا ست أم فارس أومال مرات الأستاذ فارس فين ..أكيد هى محامية وهتعرف تتصرف رفعت عزة رأسها من صدر أم عمرو وقالت بلهفة : - ايوا يا طنط **** يخليكى هى فين يمكن تعرف تلاقيهم صوب الجميع نظره إليها , حتى مُهرة رفعت رأسها تنتظر جوابها فقالت وهى تمسح دموعها بكلتا يديها : - مرضتش أتصل بيها وهى لوحدها وابلغها.. أتلهيت فى اللى حصل وخفت اقولها وهى لوحدها يحصلها حاجة ..كلمتها بس وقولتلها تيجى ضرورى ومش عارفة اتاخرت ليه لحد دلوقتى ؟! أستندت عبير إلى ظهر أريكتها وأغمضت عينيها المتورمتين من البكاء فى حسرة وقد لاحت صورته فى عقلها وومض به قلبها وهى تستمع إليه وهو يقول لها بمرح : - أوعى تاخرى الصلاة مرة تانية فاهمة ولا افهمك بطريقتى وجدت الأبتسامة المتألمة طريقها إلى شفتيها وهى ترى ملامحه المداعبة لها وهى تتذكره وهو يداعب أطفاله بشغف طفولى ويجرى بينهم وهم يحاولون أمساكه ولا يستطيعون فيقفز ليعبر واحدا ويلتف حول الآخر بخفة ويجرى من الطفلان الآخران بسرعة ليدور حول المائدة وهم يدورون خلفه ويسقطون من فرط ضحكاتهم المجلجلة قبل أن ينجحوا فى الأمساك به أخيرا فيتكاثروا عليه ويتصنع هو السقوط فيتكالبون فوقه وهو يصرخ بمرح مستنجداً بها أن تنقذه من بين براثنهم . فرت دمعة من عينيها واعتصر قلبها من الألم ..دخلت دنيا شارعهم وهى ترتدى نظارة سوداء تخفى بها عينيها وجزء كبير من وجهها ومرت بين نظرات الناس حولها المشفقة عليها ومما حدث لزوجها فجراً .. صعدت الدرج فى اضطراب وهى ترى الرجال مجتمعين أعلى الدرج أمام شقة زوجها.. تنحوا جانباً عندما رأوها وهم يقولون : - قلبنا معاكى يا بنتى عبرت من بينهم ودخلت الشقة لترى هذا الجمع الغفير من النساء وترى مُهرة بين ذراعى أم فارس وعيناها تكاد تختفى من كثرة البكاء ودموعها التى لا تجف ..كان الوضع أشبه بمأتم أجتمعت فيه النساء فقالت فى تلعثم : - خير فى ايه يا طنط ايه اللى حصل نظر لها الجميع بإشفاق حتى مُهرة نظرت لها برحمة وشفقة وهى تتوقع رد الفعل بعد علمها بما حدث ..وقفت أم فارس واقتربت منها وهى تبكى وقالت : - فارس خدوه يا دنيا.. دخلوا علينا قبل الفجر وخدوه من وسطينا قالت باضطراب وهى متوترة : - هما مين دول؟ نظر لها الجميع بدهشة كبيرة فرد فعلها لا يتواكب مع ما تسمع من والدته بينما قالت أم فارس : - بيقولوا أمن الدولة يابنتى.. ومش هو وبس لا كمان خدوا عمرو وبلال معاه كان لابد أن تظهر بعض رد الفعل وإلا شك بها الجميع فتصنعت البكاء ولكنها لم تخلع عنها نظارتها السوداء حتى لا يعلم الجميع بخداعها ..أستندت إلى الحائط وأخذت تشهق بقوة وهى تضع يدها على فمها ..ربتت أم فارس على كتفيها وهى تقول : - امسكى نفسك يابنتى ده انتِ اللى المفروض تقوليلنا نعمل ايه أحنا مش لاقينه فى أى حته تماسكت دنيا سريعاً وتناولت منديلاً لتجفف دموعها التى لم تنزل أصلاً وهى تقول : - معاكى حق يا طنط ..أنا هدور عليه فى كل حته لحد ما الاقيه عن أذنكم وخرجت سريعاً وهى تشعر أن بكائهم قد أصبح لعنة تطاردها أينما ذهبت .. نظرت النساء إلى بعضها البعض متعجبةً من رد فعلها ولكن عادوا إلى ما كانوا عليه منذ قليل ..كلَ يبكى على ليلاه.! *** عادت دنيا إلى بيت والدتها وأول ما فعلت أجرت اتصالاً هاتفيا بباسم الذى أجابها بسأم شديد : - أيوا يا دنيا خير ؟ قالت فى سرعة : - عاوزه اطمن عليه .. وأطمن أمه زفر فى ضيق وقال حانقاً : - هو طلع رحلة يا دنيا وعاوزة تطمنى عليه ..أنتِ عارفة كويس هو فين ولا ناسية هتفت بغضب : - أمه هتموت نفسها عليه حرام عليك صاح غاضباً : - هتعمليلى فيها حنينة ياختى ولا أيه.. ولا تكونى ناسية انك انتِ اللى بلغتى عنه يا ام قلب حنين تحشرج صوتها وقالت ببكاء : - عارفة انى أنا اللى أتزفت وبلغت.. بس عاوزه اطمن امه .. أنت وعدتنى محدش هيأذيه رفع حاجبيه مندهشاً من كلامها الذى هو عكس تصرفاتها تماماً وقال ساخراً: - و**** انتِ لُغز يا دنيا.. طب لما انتِ قلبك عليه كده وافقتى ليه من الأول هتفت باكية : - علشان هو اللى اضطرنى لكده بغباءه ومثاليته الزايدة.. فاكر نفسه عايش فى الجنة صمت باسم قليلاً ثم قال بهدوء حاسم : - بصى يا دنيا.. أنا هتكلم فى الموضوع ده لآخر مرة علشان زهقت منه ومش عاوز وجع دماغ تانى ..فارس هيفضل فى المعتقل لحد ما القضية تتقفل وتخلص خالص .. يعنى أربع خمس شهور بالكتير.. وصلى الكلام ده لأهله بطريقتك المهم متوجعليش دماغى تانى.. فاهمة؟ أبتلعت ريقها بصعوبة وهى تحاول تنظيم أنفاسها وهى تمسح دموعها بتوتر وقالت : - طب وهنعمل أيه فى القضية؟ رفع حاجبية متهكماً وقال : - أيوا هو ده المهم دلوقتى.. كده انتِ دنيا اللى انا اعرفها ...ركزى معايا كده وفتحى مخك .. أستمعت إليه باهتمام وتركيز وهو يقول : - أولا مفيش مخلوق فى المكتب عندكوا هيعرف بحكاية الاعتقال دى ..ولا حتى الدكتور حمدى وكويس أن نورا أجازة علشان هى اللى هتعمل قلق ومكنتش هتسكت ..دلوقتى انتِ المسؤلة عن كل حاجة فى المكتب ..وده فى صالحنا ..علشان كده عاوزك أول حاجة تعمليها أول ما تروحى المكتب النهاردة تكلمى الراجل صاحب القضية وتبلغيه ان فارس طالب الأتعاب وبعد ما توصلك الفلوس هقولك الخطوة اللى بعدها قالت معترضة : - لاء لازم أعرف كل حاجة دلوقتى زفر بقوة ثم قال بملل : - هقولك ..أنا خلاص وصلت لسكرتير النيابة اللى هيسحبلنا الورق المطلوب من ملف القضية قبل ما تروح على المحكمة ..وهتفاوض معاه النهاردة على المبلغ اللى هياخده .. ومش كده وبس ..أنا كمان وصلت لشهود الأثبات وبرضة هتفاوض معاهم على المبلغ .. والفلوس اللى هتاخديها من الراجل فى اقرب وقت هنكيشهم منها .. وكده لا هيبقى فيه دليل ولا شهود والحادثة هتبقى قضاء وقدر..ومش مقصودة والواد يطلع من عقوبة القتل العمد وبعد كده ممكن نفاوض أهل القتيلة لما يبقوا فى موقف الضعيف وممكن ساعتها يتنازلوا بقرشين وتبقى القضية بخ.. فهمتى قالت بشك : - طب ماهو محامى البنت اللى ماتت ممكن يقدم فى المحكمة صورة من الورقة اللى هتتاخد دى وساعتها يتهمونا بالتزوير قال بثقة مخلوطة بالسخرية : - وانتِ يعنى فاكرة أن حكاية زى دى تعدى عليا ..المحامى بتاعهم أطلع على القضية بس ومصورش منها نسخة يعنى مفيش فى أيده ورق ضد يتكلم بيه..فهمتى يا فالحة أعتدل فى جلسته ولمعت عينيه بخبث وهو يقول : - ومذكرة المرافعة انا اللى هكتبهالك وهتحفظيها زى ما هى كده علشان تجلجلى بيها فى المحكمة ولما الحكم يتغير شوفى بقى ساعتها أسمك هيلمع ازاى .. لمعت الفكرة فى رأسها فلقد عرف باسم كيف يقضى على النبضة الأخيرة من نبضات ضميرها .. تخيلت حكم البراءة وكيف سيلع أسمها بعد ذلك فى سماء المحاماة لتتهافت عليها القضايا كما حدث مع فارس ويقصدها الناس ولكنها لن تفعل مثله , لن تعيش بمثاليته التى دمرته وستدمره , سيكون الحكم الوحيد فى قبول أى قضية هو الأتعاب , فقط ليس إلا .. وستخطو فى نفس طريق باسم فى حل القضايا الشائكة ... وضعت الهاتف بجانبها وقد نسيت تماماً أمر فارس , ولم تعد تذكر إلا مستقبلها فقط ..والذى ستجنيه من خلفه حل المساء على النساء وحالهن هو البكاء .. لا يزلن مجتمعين فى بيت أم فارس ما بين متضرعة وباكية ومنهارة ..مُصابهن واحد , يتلمسن أى خبر ولو غير مؤكد أى شىء يطمئنهن على الأزواج والأحبة ورفقاء الدرب ولكن لاشىء ..كأنهم اختفوا وذهبوا جميعاً ..خلف قرص الشمس ..ولم يعثروا على أجابة شافية من أى جهة ..الأجابة الوحيدة التى وجدوها كانت عن طريق دنيا , بعد أن أبلغتهم بها فى الهاتف وقالت : - عرفت أنهم فى المعتقل.. بس لسه مش قادرة أحدد مكانهم بالظبط ولا حتى قدرت أعرف تهمتهم أيه .. ثم أردفت وكأن أمرهم لا يعنيها : - انا هفضل بقى فى بيت ماما لحد ما نعرف طريقهم هناك بتحرك أسرع ..سلام وقبل منتصف الليل بقليل نهضت أم عبير وهى تمسك بيد أم بلال قائلة : - يالا يا حجة أحنا هنروح تعالى معانا قالت أم بلال وقد بلغ منها التعب والحزن مبلغهم : - مينفعش يا أم عبير أنا هروح البيت قالت أم عبير بتصميم: - لاء هتروحى لوحدك فى البهدلة اللى حصلت دى أزاى.. طب على الاقل باتى معانا النهاردة تدخلت عبير وقالت لوالدتها : - معلش يا ماما انا كمان هروح بيتى .. ثم نظرت أمامها فى شرود وهى تقول : - بيت بلال ميتقفلش أبدا مهما حصل ذهب الجميع وتركوا أم فارس وحدها على وعد اللقاء فى اليوم التالى لبداية رحلة بحث جديدة ...ذهب الجميع وبقيت مُهرة بجوارها بعد أن قالت أم فارس لوالدتها وهى تتشبث بها فى حضنها : - سيبيها معايا النهاردة يا أم يحيى أغلق باب الشقة عليهما وحدهما ..ظلت مُهرة بحضنها تتلمس فيها رائحته بينما ظلت أمه متشبثةً بها تتلمس فيها قلبه ...رفعت مُهرة رأسها قائلة : - يالا يا طنط قومى ارتاحى فى اوضتك شوية ..أنتِ تعبانة أوى نهضت أم فارس بمساعدتها ولكنها قالت : - لا انا عاوزه انام فى أوضة ابنى ثم عادت للبكاء مرة أخرى وهى تقول : - وحشنى أوى يا قلب امه أنهمرت الدموع من عينيى مُهرة وهى تحاول تهدئتها وتقول بصوت متقطع: - أنتِ كده هتتعبى بزيادة وكمان مخدتيش الدوا النهاردة .. أخذتها مُهرة إلى غرفته .. كانت مبعثرة أشيائها وأثاثها نتيجة الاقتحام الغاشم المباغت .. عدلت مُهرة من وضع الفراش وساعدتها على الأستلقاء فوقه وجلست بجوارها وهى لا تعلم هل تداوى جرح أمه أم تداوى جرحها الغائر .. تناولت والدته الدواء من يدها وأغمضت عينيها بعد أن شعرت أن سقف الغرفة يدور حول نفسه وراحت فى سبات عميق .. ظلت مُهرة تنظر حولها تتلمس أشياءه المبعثرة فى تأثر ودموع صامته حتى غابت عن الوعى وهى تجلس على مقعده خلف مكتبه الصغير ..أبت أن تنام على فراشه التى تقاسمه فيه امرأة أخرى , خافت أن تشتم رائحتهما معاً ممزوجة فى بعضهما البعض ..كانت تعلم أنه لايسمح لأحد غيرها بأن يعبث بمكتبه لذلك فضلت أن تنام خلفه وهى متأكدة أنه لم يلمسه بعده سواها. *** لا يستطيع أن يتكلم أحد عن الظلم إلا من ذاق مرارته ولا يقدر أحداً على وصف الظلام الا من عاش فيه ...كانت غرفة أقل ما يقال عنها نتنة الرائحة تفوح منها رائحة النجاسة لا يوجد ولا حتى نافذة صغيرة ,لا يوجد إلا بصيص نور صغير يأتى من أسفل عقب الباب الحديدى لا يصدر عنها سوى صدى صوت الأنين الهامس والتأوهات الخافتة التى تخشى من الظهور رغم عِظم اللآلم... والصمت هو سيد الموقف ... لا يقطعه سوى تمتمت بلال لبعض آيات القرآن ... همس عمرو فى أذن فارس قائلا: - أحنا هنا من امبارح ومحدش قالنا تهمتنا أيه ولا حد عبرنا مال فارس على أذنه وقال همساً : - شكلنا كده مش جايين هنا رسمى وإلا كانوا حققوا معانا شق الصمت صرير المزلاج الحديدى وهو يدور ليفتح من الخارج ويُرمى على الأرض شخصاً آخر لا يعرفونه.. شهق الجميع وانتفضوا عندما دققوا النظر به ..لقد كان عارياً تماماً ومؤخرته تنزف دماً ...كان الرجل يأن أنات متواصلة دون أنقطاع وهو مازال مكانه لم يتحرك ..تردد بلال قليلا ثم اقترب ببطء وهو يتفحص وجهه فوجده متورماً تماماً حتى أنه لا يستطيع لأحد أن يتعرف على ملامحه أو يميزه ...حاول بلال المساعدة ولكن الرجل انتفض للمسته لذراعه ثم زحف إلى ركن من أركان الزنزانة بعيدا عنهم وظل يبكى ويأن حتى انقطع صوته تماماً فظنوه قد نام من التعب من شدة التعذيب ... أنتفض عمرو وقد أدرك أنها النهاية ..حاول بلال أن يسرى عنهم وقال : - متخافش كده يا عمرو أحنا مش متهمين فى حاجة نظر إليه فارس وقال بحدة : - يعنى المسكين ده كان متهم فى ايه يعنى يا بلال هى وصلت للدرجة دى شق الصمت الغرفة صوت آخر ولكنه آتى من الخارج ... صوت صياح رهيب وأصوات تصرخ وتستغيث شق سمعهم وانتفض له قلوبهم وخصيصاً أنهم استطاعوا تميز أصوات نساء تصرخ صرخات غير منقطعة وتستغيث ... هب عمرو واقفاً بحركة لا أرادية وهو يقول : - ده صوت ستات ..أنتفض قلب كل واحداً منهم وقد حل فى عقولهم صور زوجاتهم .. كان هذا هو العذاب الحقيقى , كل رجل منهم يتصور أن زوجته من بين النساء التى تصرخ فى الخارج وهو مكبل لا يستطيع الفكاك للذب عنها لا يستطيع أن يحمى شرفها من الانتهاك .. أنتفضت قلوبهم مرة أخرى عندما دار المزلاج ثانية ودُفع داخل الحجرة رجلين آخرين سقطا على الأرض فور دخولهما من شدة العذاب ... حاولوا مساعدتهما على الجلوس وتفقد جراحاتهما وكل رجل منهم يبكى من شدة التعذيب كالنساء ..الا رجل واحداً كان صامدا رغم انه كان أشدهم عذاباً ولم يكن لسانه يفتر عن قول لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين ... هدأت الاصوات فى الخارج ولم يعودوا يسمعون شيئاً فهدأت نفوسهم قليلاً .. نظر أحد الرجلين إلى الرجل المعرى فى ركن الزنزانة وبكى وكأنه قد شهد عذابه ثم نظر ثلاثتهم إلى الرجلين وقال لهما فارس : - أنتوا تهمتكوا أيه قال رجل الأول بخفوت : - أنا مش من القاهرة أنا من سينا.. عندى محل تصليح غسالات من يومين لقيتهم هجموا عليا وقلبوا المحل وغمونى وخدونى فى عربية ولقيت نفسى هنا قدام الظابط وواحد تانى بيقولوا عليه وكيل نيابة , هتف فارس فجأة : - عذبوك قدام وكيل النيابة.. أومال مين اللى بيطبق القانون أجابه الرجل : - قانون مين يا أستاذ ..وكيل النيابة هنا زيه زى الظابط اللى بييعذذب بالظبط ثم اردف قائلا : - وكل اللى طالع عليهم مين اللى اشترى منك التايمر من يومين ..اقولهم انا بصلح غسالات وطبيعى أى حد يشترى تايمر غسالة من عندى ..يقولولى أنت كداب يابن ال ـــــــــــــــــ وفجأة لقيت الظابط ولع سيجارة وقالى لو السيجارة دى خلصت من غير ما تعترف هتكره اليوم اللى اتولدت فيه .. فضلت احلفله مفيش فايدة لحد ما قام من ورا مكتبه وقالى أنا هعرفك مين هارون باشا وبعدين ندى على المخبر وقالوا حضرلى التونيك .. قاطعه عمرو متسائلا : - أيه التونيك ده أجابه الرجل : - ده الجهاز اللى بيصعقونا بيه بالكهربا .. وفضلوا يعذبوا فيا بالكهربا وانا عريان وفى الاخر ... ثم اشار للرجل الاخر وقال: - لقيت الراجل ده جايبينه برضه متغمى وبيقولولى هو ده اللى اشترى التايمر منك ؟.. بصتله كده وقلت لاء نظر لهم الرجل الاخر وقال : - انا اصلا من القاهرة ايه اللى هيودينى سينا علشان اشترى تايمر غسالة .. خدونى من بيتى من وسط ولادى وشدوا ال[B]** من على وش مراتى وكانوا عاوزين يعتدوا عليها قدامى لولا ستر وكل اللى طالع عليهم أنت بتصلى الفجر فين وسايب دقنك ليه ..زى ما تكون الفجر تهمه ودقنى جريمة ... فضلوا يعذبوا فيا أربع ساعات كهرباء ولما عرفت أنطق قلتلهم عاوز اصلى وقف الظابط قدامى وقالى صليلى ... قول سبحان هارون وبحمده سبحان هارون العظيم ....فضلت ابكى واقوله خاف ..يقولى **[/B] مين مسمعتش الاسم ده قبل كده .. تابع الرجل الاول حديثه قائلا : - كان حلقى بيتقطع من كتر التعذيب قلتلهم عاوز اشرب رد عليا واحد منهم قالى مينفعش يا حبيبى أحنا خايفين عليك أنت متوصلك كهربا فشر السد العالى لو شربت هتموت..أول مرة أحس ان روحى بتطلع وترجع تانى مكانها أردف الرجل الاخر : - أنا لقيوا عندى سيديهات عن الويندوز وتصليحه والبرامج ولقيت وكيل النيابة وهو بيقرا عناوين السيديهات بيقول للى بيكتب جنبه .. انهم لقيوا سيديهات عن ازاى تركب قنبلة وتفجرها عن بعد ومرسومات لكنسية ازاى تتسلق وتدخل تحط قنابل فى اماكن محدش يكتشفها .. أنتفضت أجسادهم مرة أخرى عندما سمعوا صوت الباب يفتح من جديد وكانوا يظنون أن هناك المزيد من المعذبين سيدخلون عليهم ولكن هذه المرة سمعوا صوت ينادى أسمائهم الثلاث ...بلال ..فارس ...عمرو نظروا إلى بعضهم بعضا وكأنهم يودعون بعضهم ويشيعونهم ونظرا إليهم الرجلين نظرات شفقة وخوف زادت من فزعهم ...نهض ثلاثتهم ولكن بلال أمسكهم من أكتافهم ونظر إليهم قائلا : - حافظوا على دعاء اللهم أكفنيهم بما شئت وكيف شئت ... تقدم الثلاث وهم يرددون الدعاء فى خفوت ولقد كان قلب فارس يُعتصر اعتصارا منذ أن علم أن التعذيب يتم بمعرفة وكيل نيابة وتحت نظره ..سار الثلاثة فى رواق ضيق طويل وصدورهم تلهج وتأجر إلى **** سبحانه وتعالى وبلال يتمتم : - اللهم انهم لا يعجزونك دخل ثلاثتهم غرفة صغيرة أخرى ولكن هذه المرة يتوسطها مكتب يجلس خلفه رجل عرفه فارس من أول وهلة .. حدق فارس به لبرهة فنهض الرجل قائلا : - تعالوا وجد فارس نفسه يقول دون وعى : - أنت ازاى تشوف التعذيب ده وتسكت عليه قال وكيل النيابة الذى كان زميلاً له فى الكلية : - مفيش وقت للكلام ده يا فارس.. كويس انى عرفت انك هنا بالصدفة.. **** وحده هو اللى خلانى اشوف أسمك بالصدفة فى اللى جم أمبارح ...أسمع انت هتترحل دلوقتى على طره ..أهو أحسن من هنا على أى حال ... أعاد فارس سؤاله مرة أخرى هاتفاً به أن يجيبه ,فقال صديقة : - يا فارس انا كنت زيك بحلم ابقى وكيل نيابة و**** حققى حلمى ..مكنتش اعرف أنى هشتغل فى أمن الدولة ..ولما شفت المهازل اللى بتحصل هنا عملت فيها شجيع وقلت اروح اقدم بلاغ للنائب العام وقبل ما ادخله قابلت ولاد الحلال اللى يعرفونى وقالولى هو انت مكنتش تعرف أنه كان بيتشغل فى مباحث أمن الدولة عشر سنين وكان راضى عن اللى بيحصل هتدخل تقوله ايه ...حافظ على نفسك وعيالك وحاول تتنقل لأى جهة تانية من غير ما تقول حاجة ولا تفتح بؤك ...وانا يا فارس قدمت طلب نقلى وهنفذه قريب والحمد *** انك جيت قبل ما انا امشى ولا مكنتش هتخرج من هنا على رجلك زى ما دخلت ولا انت ولا اصحابك.. أنت متوصى عليك جامد يا فارس نظر عمرو إلى بلال بذهول بينما حدق به فارس قائلا : - مين اللى موصى علينا وليه قال صديقه : - معرفش .. كل اللى عرفته انك متوصى عليك انت بالذات.. ومكنوش هيخرجوك سليم من هنا ...أنا ادخلت وهرحلك انت وصحابك على طره لحد ما تشوف هتخرج منها ازاى وأوعدك انى اساعدك على قد ما اقدر ضغط أحد الازرار أمامه فدخل على فور أمين شرطة يرتدى زى ملكى وقال له بلهجة صارمة : - خد دول يابنى على عربية الترحيلات.. أوراقهم اهى أستقل ثلاثتهم سيارة الترحيلات وهم يعتذرون فى داخلهم للوحوش التى يقال عنهم انهم مفترسين وبلا رحمة. ***** نهضت مُهرة من نومها فزعة وهى تصيح : - الدكتور حمدى .. وأخذت توقظ أم فارس وتهزها بقوة جعلتها تستيقظ فزعة ونهضت جالسة وهى تهتف بها : - مالك يا مُهرة فيكى ايه صاحت مُهرة وكأنها غريق قد وجد لوح من الخشب فى قلب المحيط يتعلق بها لعلها تنجيه من الغرق وقالت : - الدكتور حمدى يا طنط مفيش غيره.. هو اللى هيعرف طريق فارس ..فارس كان بيقول عليه بيحبه وبيعتبره زى ابنه تلقت دنيا اتصالا هاتفياً وهى غارقة فى نومها على فراشها الوثير فى بيت والدتها ..تململت فى الفراش وهى تنظر للرقم , أتسعت حدقتاها وخفق قلبها خوفاً وأجابة بتردد فقالت أم فارس لهفة : - معلش يا بنتى صحناكى من النوم ...أنا عاوزه رقم الدكتور حمدى صاحب المكتب يا دنيا هو الوحيد اللى هيعرف طريق فارس ..ليه معارف كتير أبتلعت دنيا ريقها وقد غارت عيناها وقالت : - بس الرقم مش معايا هنا دلوقتى.. بكره اروح المكتب أجيبه قالت ام فارس برجاء: - ارجوكى يا بنتى مش هقدر استنى للمغرب مينفعش تروحى المكتب بالنهار توترت دنيا أكثر وقالت بتلعثم : - اه اه هحاول اشوف ينفع ولا لاء وهرد عليكى فى اقرب وقت وبعدين مفيش داعى تتعبى نفسك انا لما اروح المكتب هكلمه واطلب مساعدته متخافيش أغلقت دنيا الهاتف وهى تلعن اليوم الذى جعلها توافق على اقتراح باسم وقالت بعصبية : - هعمل ايه دلوقتى لو الدكتور حمدى عرف.. كل حاجة هتبوظ ظلت تفكر منذ طلوع الفجر وحتى قرب وقت الظهر وهى ترتشف القهوة كوباً تلو الآخر حتى هداها شيطانها لفكرة لمعت فى رأسها على الفور وبلورها لها عقلها ...أنتظرت حتى بعد الظهر بقليل ثم أعادت الأتصال بام فارس مرة أخرى وقالت لها بأسى : - انا آسفه يا طنط.. الدكتور حمدى تعبان أوى وسافر بره يتعالج.. مش موجود فى مصر ومش عارفة اوصله . ***** أجرت مُهرة اتصالا هاتفياً تقوم به لأول مرة منذ زواجها وقالت بارتباك : - علاء من فضلك محتاجة منك حاجة مهمة أوى قال بتثاقل وهو ينهض من فراشه : - طب مش تقولى صباح الخير يا حبيبى الأول قالت بصوت مرتجف : - أرجوك يا علاء مش وقته انا محتجالك أنتبه وهو يجلس على فراشه وقال : - خير يا مُهرة عاوزه أيه.. محتاجه فلوس ولا حاجة قالت بصوت باكى : - فارس جارنا ..أمن الدولة خدوه ومش عارفين نلاقيه.. بيقولوا معتقل بس فين مش عارفين .. وانت أكيد ليك اصحاب كتير معروفين ورجال أعمال ممكن يعرفولنا طريقه هتف بها حانقاً : - مش فارس ده اللى ضربنى ؟ بكت بشدة وأخذت تشهق وترجوه بمرارة أن يصفح عنه ولكنه قال بتشفى : - أحسن خإليه يتبهدل ولا يقتلوه ويرحونا منه ..**** خادلى حقى شهقت بشدة وأخذ صدرها يعلو ويهبط وهى تبكى وتقول : - أرجوك يا علاء علشان خاطر [B]** .. أعمل كده لوجه **[/B] طيب ..طيب علشان خاطر امه المسكينة صاح بها وهو ينهى المكالمة : - بقولك أيه يا مُهرة بلا امه بلا ابوه.. أنا راجل نجم عاوزه حد يعرف انى اعرف واحد معتقل ..عاوزه تضيعى مستقبلى ... واغلق الهاتف بقوة وهو يزفر بقوة , بينما سقط منها الهاتف وسقطت على الأرض من شدة البكاء ثم سجدت وهى تقول بنحيب : - **** مالناش غيرك **** نجيه .. ده عمره ما أذى حد **** ******** طرق صلاح باب حجرة مكتب إلهام ودخل وقد بدا القلق على محياه فاعتدلت وقالت بسرعة : - ها يا صلاح وصلتوا لحاجة.. عرفتوا عمرو مبيجيش ليه أومأ برأسه وقد ارتسم الحزن على قسمات وجهه وقال : - أتقبض عليه من يومين ... خدوه الفجر من بيته هبت واقفة وقالت بفزع : - مين دول اللى خدوه وليه رفع كتفيه باسى وقال بحيرة : - مش عارف يا بشمهندسة بس طريقة القبض عليه دى بتقول انهم مش مباحث عادية شكلهم كده أمن دولة هوت إلى مقعدها وارتجف قلبها بين أضلعها واتسعت عيناها وهى تفكر وفجاة تناولت سماعة الهاتف وضغطت عدة أرقام ثم قالت بسرعة لمديرة المكتب : - وصلينى بالباشا حالاً. ***** الفصل السادس والعشرون عالم السجون ... إنه عالم إختلفت فيه المعايير وتغيرت المقاييس .. لم يعد السجن هو مصير المجرمين والسفاحين فقط , بل أصبح السجن مصير المتدينين وأصحاب الرأى أيضا وكل حر يأبى أن يضع رأسه فى التراب ويدفنها بين حبات الرمل. دُفع ثلاثتهم بقوة داخل العنبر وأُغلق الباب الحديدى خلفهم ليصدر صريراً مزعجاً أيقظ على أثره النيام داخل العنبر ...وقف ثلاثتهم ينظرون إلى بعضهم البعض وأعينهم تفيض بسؤال واحد فقط ..وماذا بعد ... وقعت أعينهم على رجل ملتحف ببطانية سوداء فى أحد الاركان على أرض العنبر فاقترب بلال منه بقلب مقبوض وكأنه يشعر لماذا هذا الجسد قد سُجى هكذا وقبل أن يلمسه , هتف أحد الرجال الآخرين من زملاء العنبر : - سيبوا ده ميت أصابتهم غصة فى حلوقهم وهم يتبادلون النظرات ..أنحنى بلال لينظر فى وجهه فوجد ما كان يعتقده ..شاب صغير فى السن له لحية صغيرة واضح عليه اثار التعذيب بشدة , أغمض بلال عينيه بألم وهو يقول : - إنا *** وإنا إليه راجعون غادر أربعة مسجونين سرائرهم واقتربوا منهم متسائلين : - أنتوا جايين فى ايه.. مفيش مظاهرات الأيام دى.. قال الرجل الاخر : - بس حظكوا حلو و**** أنكوا جايين فى الوقت ده.. لو كنتوا جيتوا الصبح كنتوا حضرتوا حفلة الاستقبال عقد فارس بين حاجبيه وقال : - حفلة استقبال أيه قال الرجل : - حفلة الاستقبال دى يا سيدى بيستقبلوا بيها كل عربية ترحيلات بتوصل السجن بالكللابب البوليسية وانت وحظك .. وبعد ما تنزل وانت بتجرى من الكللابب قبل ما تتعض يستقبلوك العساكر بالعصاية الكهربا والكرابيج ساعة ساعتين لحد ما كله يقع على الارض ويستسلم للضرب .. بعدها بقى يوزعوهم على العنابر .. دى بقى حفلة الاستقبال أومأ بلال برأسه وهو يربط على كتفهم مطمئناً ونظر لهم نظرات مطمئنة أنهم قد عبروا تلك المرحلة بأمان فمن الواضح أن صديق فارس كان يعلم هذا أيضا لذلك أمر بترحيلهم فى هذا الوقت من الليل ..شعر فارس بغصة فى قلبة وهو يرى بلاده لأول مرة بصورة حقيقية غير التى كان يراها فى الخارج .. فى خارج ذلك العالم .. عالم السجون والمعتقلات .. أخذهم زملاء العنبر إلى أفرشتهم كل واحد منهم على سرير صغير عليه بطانية خشنة .. جلس عمرو على طرف فراشه مشدوهاً لما رأى فى تلك الأيام, أولا فى أمن الدولة وثانيا هنا فى السجن .. وقال بغضب وعصبية موجهاً كلامه لفارس : - وبعدين يا فارس هنفضل كده لحد أمتى حتى منعرفش تهمتنا ايه جلس أحد الرجال على السرير بجواره قائلا: - لا لازم تهدى وطى صوتك اللى بيعلى صوته هنا بيتسحب على عنبر التأديب ألتفت عمرو إليه وحدق به قائلا : - ايه عنبر التأديب ده كمان أبتسم الرجل وقال : - اه معلش كان المفروض أشرحلكم من الاول .. النظام هنا ... السجن متقسم كذا عنبر ..عنبر التأديب وده متقسم زنازين صغيره مترين فى مترين وده بيبقى أنفرادى .. وعنبر الجنائى ودول بقى تجار المخدرات وقتالين القتله وغيرهم وعنبر التخابر وده بقى مخصص للجواسيس وده بقى أنضف عنبر هو وعنبر القضاة وافراد الشرطة اللى بيجى هنا متهم فى قضية رشوة ولا فساد والمعاملة فيهم معاملة خمس نجوم .. وهنا بقى العنبر السياسى وده كل اللى بيقول رايه فى البلد دى ومعظمه مشايخ زى ما أنت شايف ..أبتسم بلال وهو يومىء برأسه وقال : - ونسيت عنبر الاخوان ضحك الرجل بصوت خفيض وقال لـ بلال : - اظاهر انك جيت هنا قبل كده يا شيخ قال بلال بجمود : - جيت مرة واحدة بس عرفت كتير كتم عمرو غضبه وقال : - برضه محدش جاوبنى هنفضل كتير ومن غير ما نعرف تهمتنا ايه ؟ ربت الرجل على كتفه قائلا : - طالما محدش حقق معاكوا يبقى مفيش تهمة وبما أنكوا جايين دلوقتى يبقى انتوا مش معتقلين رسمي قال فارس بإقتضاب : - يعنى أيه مش رسمي تكفل بلال بالرد عليه قائلا : - يعنى زي ما صاحبك قالك .. متوصى علينا أقترب عمرو من فراش بلال وجلس على طرفه قائلا : - مين اللى هيوصى علينا يتعمل فينا كده مين قال بلال وهو ينظر أمامه بشرود : - مش عارف يا عمرو بس الموضوع ده شكله هيطول ولازم نحاول نهدى علشان نعرف نفكر.. قال كلمته الأخيرة ثم نهض قائلا: - تعالوا نصلى على الأخ اللى مات ده قال الرجل الذى يحدثهم : - هيجوا يخدوا جثته الفجر مع انهم عارفين ان فى واحد ميت هنا من بعد العشاء **** - ميرسى يا فندم .. نطقت دنيا بهذه العبارة وهى تتناول الشيك من والد هانى المتهم فى قضية القتل وبرقت عينيها وهى تنظر للمبلغ المدون فيه وقالت بابتسامة : - حضرتك أطمن خالص أبنك هيبقى فى حضنك قريب جدا قال الرجل بلهفة : - **** يا أستاذة **** يسمع منك ... ثم قال بتساؤل : - هو الدكتور فارس مجاش النهاردة ولا ايه قالت بتمساك: - الدكتور فارس مش بيجى كل يوم.. ولما بيكون مش موجود انا ببقى مكانة أومأ الرجل برأسه متفهماً وقال : - المهم عندى أنه هو اللى يشتغل القضية بنفسه رفعت حاجبيها بدهشة مصطنعة وهى تقول : - طبعاً يا فندم القضايا اللى زى دى الدكتور فارس هو اللى بيكتب فيها المذكرات وهو اللى بيترافع ..واحنا بس بنعمل الشغل الارى والمالى بتاعها علشان كده طلبت من حضرتك تكتب الشيك بأسمى يعنى حضرتك هتشوفوا فى المحكمة ان شاء **** .. بعد قليل أنصرف الرجل ودخل خلفه وائل مسرعا ً وقال بعينين لامعتين : - أداكى الشيك ابتسمت بثقة وهى ترفع الشيك أمام عينيه ثم وضعته فى حقيبتها قائلة بقلق : - أهى الفلوس بقت معانا والراجل جاب الاتعاب كلها مش نصها زى ما كنا فاكرين عاوز ابنه بأى طريقة ..**** بقى باسم يخلصنا من القضية دى بسرعة بقى انا قلقانة أوى قال وائل مشجعاً : - متقلقيش يا أستاذة.. أنتِ قدها وقدود والأستاذ باسم خلاص ظبط الناس مش ناقص غير الفلوس علشان ينفذوا ربتت على حقيبتها وهى تقول : - وأهى الفلوس .. يلا بقى كلمه وخليه يخلصنا تحدث وائل هاتفياً مع باسم وأخبره أن المال قد أصبح بحوزت دنيا .. مد وائل يده بالهاتف إلى دنيا قائلا: - الأستاذ عاوز يكلمك تناولت الهاتف وقالت بتعالى : - أيوا ابتسم باسم عندما لاحظ نبرة صوتها المتعالية وقال بسخرية : - طب حتى استنى لما تصرفى الشيك وبعدين ابقى اتغرى براحتك مطت شفتيها بضيق وقالت : [LIST] [*]خير يا أستاذ باسم [*]بكرة هنروح نصرف الشيك سوا ونطلع على طول على سكرتير النيابة نكيشه ونخلص معاه وبعدين نقعد مع بعض ونقسم الاتعاب علينا زى ما اتفقنا ماشى .. [/LIST] قالت بإقتضاب : - بس هنقعد فى مكان عام مش عندك فى المكتب أطلق ضحكة عالية أشعرتها بالاشمئزاز وقال بخبث : - أيه موحشتكيش ولا ايه أتسعت عينيها وشعرت أنها ستتقيأ عندما ذكرها بما حدث سابقاً ..أغلقت الهاتف فى وجهه وهى تتمتم : - حيوان *********** وقف صلاح ينظر إلى إلهام التى كانت تتحدث فى الهاتف بلهفة وهى تقول لمحدثها : - طبعاً يا باشا من رجالتنا ومينفعش نسيبه كده .. دى حتى تبقى وحشه فى حقنا وبعدين اللى موصى عليه ده مش أكبر من معاليك صمتت بعض الوقت تستمع إليه ثم قالت بثقة : - يافندم أرهاب أيه.. بقول لمعاليك من رجالتنا صمتت قليلا ثم قالت وهى تنقر على سطح مكتبها بأطراف أصابعها بعصبية : - ماشى يا فندم اللى تشوفه .. ساعتك المهم بس ميطولش كتير.. أغلقت الهاتف وزادت عصبية نقرها على المكتب فقال صلاح متلهفاً: - ها يابشمهندسة ايه الاخبار ضربت المكتب بقبضتها وهى تقول بضيق : - لو كان لوحده كان طلعه بسهولة.. المشكلة فى الاتنين اللى معاه.. علشان كده بيقولى الموضوع هياخد وقت قال صلاح بحزن : - يعنى الولد المسكين ده هيفضل مرمى كده من غير ذنب قالت بعصبية : - مش قادره اعمل اكتر من كده يا صلاح.. أنا وصلت لأعلى المستويات كل اللى وعدونى بيه أن محدش هيقربله وهيفضل هناك معزز مكرم لحد ما يطلع .. خبطت سطح مكتبها مرة أخرى حتى آلمتها قبضتها ففركتها بغيظ وضيق وهى تقول : - لو كان لوحده كنت عرفت اطلعه النهاردة.. المشكله فى الاتنين اللى مربين دقنهم اللى معاه دول ..أنا عارفة أيه الأشكال اللى بيعرفها دى! *********** فُتح باب العنبر مرة أخرى فتعلقت أبصار الجميع به .. دخل الشاويش المسئول عن العنبر وتقدم باتجاه عمرو وفارس وبلال وأشار إليهم بحزم وقسوة قائلا: - تعالوا معايا انتوا التلاتة نظر ثلاثتهم إلى بعضهم البعض بتساؤل فصرخ بهم بصوت كريه مرة أخرى : - بقول قوم انت وهو نهض ثلاثتهم وهم ينظرون إليه بحنق وتعلقت به أبصار شركائهم فى العنبر وهم ينظرون إليهم بشفقة ..سار ثلاثتهم خلفه وبعد أن أغلق العنبر أمرهم ان يسيروا خلفه ..ساروا قليلاً حتى توقف بهم أمام أحد الزنازين وشرع فى فتح بابها وهو يقول متبرماً : - حظكوا من السما ... فتح الزنزانة ثم دفعهم داخلها بقسوة مرة أخرى وأغلقها خلفهم , كانت الزنزانة أقل عددا من العنبر الآخر بكثير.. كانت تبدو أكثر آدمية من التى قبلها .. والفُرش والأغطية كانت تبدو أكثر راحة من العنبرالأول نوعاً ما ...نظر زملائهم إليهم متسائلين كما يُفعل مع كل مُعتقل جديد , فالقى بلال السلام ..فأجابه البعض بخفوت ألقى ثلاثتهم أجسادهم على فُرُشِهم بإنهاك شديد ولأول مرة تذوق عيونهم طعم النوم منذ اعتقالهم ... بعد ساعة استيقظ بلال على هزات خفيفة ..أنتبه من نومه دفعة واحدة بإنفعال فربت الرجل الذى كان يوقظه على صدره يهدئه وهو يقول : - أهدى يا أخى انا بصحيك علشان تلحق الصلاة متخافش نهض بلال وهو يشعر أن عظامه مختلطة ببعضها البعض فى ألم شديد ..توجه إلى فارس وعمرو وأوقظهما بنفس الهزات الخفيفة فاستيقظوا بنفس الأنتباه المفاجىء واتساع حدقاتهما بإنفعال شديد فطمئنهم وهو يقول : - يلا قوموا علشان نلحق الصلاة زفر عمرو بقوة وهو يقول : - يا أخى حرام عليك ده انا مصدقت يغمضلى جفن توجه فارس إليه وهو يمسك بيده لينهضه رغماً عنه قائلا : - قوم صلى يا عمرو .. **** أعلم احنا أعمارنا هتخلص أمتى هنا وقف بلال بعد أن توضأ ليصلى بهم ولكن الرجل الذى أيقظه اقترب منه وقال محذرا : - كل واحد يصلى لوحده يا دكتور .. **** الجماعة ممنوعه هنا أومأ بلال برأسه وقد تذكر ..فألتف إليه فارس قائلاً : - ويمنعوا **** الجماع ليه ضرب عمرو كفا ً بكف وهو يقول : - هو أحنا فى غوانتانمو ولا ايه أنتهى الثلاثة من صلاتهم تباعاً واحداً تلو الآخر.. مر يومان والحال هكذا لم يتغير .. كانت بوابة الزنزانة تغلق عليهم فى تمام الخامسة والنص مساءا وكذا يكون أنتهى اليوم داخل السجن فيبدأ بلال فى أعطائهم بعض التمرينات الرياضية التى تقوى عظامهم لتستطيع تحمل خشن العيش داخل السجن , وليستطيع مقاومة الرطوبة المنتشرة فى كل مكان فيه ... كان الجميع يستجيب له إلا واحداً , لاحظ بلال أنه يرمقهم بنظرات غاضبة وكارهة لهم , يظهر ذلك فى عينيه جلياً كلما التفت إليهم على مدار يومين كاملين , ولأول مرة يتدخل هذا الرجل بالحديث عندما رأى فارس ينهض من فراشه ويجلس على طرف فراش بلال وهو يقول بقلق : - مفيش أى وسيلة هنا نطمن الناس اللى برا علينا .. زمانهم دايخين علينا فى كل حته دلوقتى ومش لاقين لنا أثر .. فقال هذا الرجل هاتفاً : - و**** أهلكوا زمانهم مستريحين منكوا ومن التشدد بتاعكوا ألتفت إليه فارس بغضب بينما ربت بلال على ذراعه حتى لا يرد عليه بغضب فصمت فارس وترك المجال لـ بلال بالرد فقال له بابتسامة : - هو فى أهل فى الدنيا يبقوا مستريحين وولادهم فى السجن ترك زملائهم فى الزنزانة ما كانوا منشغلين به وبدأوا فى متابعة الحوار ظنا منهم أنه سينتهى بمعركة تكون نهايتها زنزانة تأديب منفردة لكل منهما...نظر له الرجل بحنق قائلاً : - لا طبعا بس اللى زيكوا أهلهم هيستريحوا منهم .. تلاقى كل واحد فيكم عنده أخت بيجرجرها من شعرها وينزل فيها ضرب لو شافها بتسمع أغانى ولا بتتفرج على فيلم آخر عبارة نطقها جعلت فارس وبلال ينظران إلى بعضهما البعض ويبتسمان رغماً عنهما .. مال فارس للأمام وهو يقول له : - حضرتك العنوان غلط .. اللى بيعملوا كده الممثلين اللى بيطلعوا فى التلفزيون مش أحنا نظر له الرجل بتهكم وقال : - الممثلين دول بيمثلوا حياتكم واللى بتعملوه فى أهلكوا بسبب تشددكوا فى الدين تدخل بلال قائلا: - ممكن اسأل حضرتك سؤال ..مش زمان كنا بنسمع أن الممثل علشان يندمج فى الدور بتاعه لازم يروح يعيش فى وسط الناس اللى هيمثل دورهم فى المسلسل يعنى مثلا كنا زمان نسمع ان واحد راح دخل السجن علشان يعرف يمثل حال المساجين صح ولا لاء أومأ الرجل برأسه قائلا: - أه طبعا سمعنا كده كتير ابتسم بلال ثم قال : - طيب هل الممثل اللى بيمثل دور الملتزم ده بيروح يعيش مع الملتزمين فى بيوتهم وبيشوفهم بيعاملوا أهإليهم أزاى واخوتهم وزوجاتهم قال الرجل ساخرا: - هيروح ازاى يا شيخ يعيش معاهم فى بيوتهم هو طبعا بيتصور حياتكوا مع اهاليكوا رفع بلال حاجبيه وقال بهدوء : - طيب مش يبقى ده ظلم أنه يحكم علينا اننا بنضرب اخواتنا وزوجاتنا وهو عمره ما عاش وسطنا ونجرجرهم من شعرهم كمان علشان بيسمعوا أغانى ويطلع يمثل كده فى التلفزيون ويخلى الناس تصدق عننا كده وتخاف مننا وأحنا مش بنعمل كده أصلا تدخل زميلاً آخر لهم وقال : - و**** أنت معاك حق يا شيخ ده أنا ليا جار زيك كده لما مراته بتقعد مع مراتى يرغوا مع بعض شوية بترجع مراتى تقولى أنت مش رومانسى ليه زى جارنا الشيخ قال الرجل الاول معترضاً : - و**** بقى أحنا خدنا عنكوا الفكره دى بسبب التشدد اللى أنتوا فيه وكل حاجة حرام حرام حرام .. حرمتوا علينا عيشيتنا أتكأ بلال على أحدى جانبيه وقال : - طب ممكن اسألك سؤال كمان ومعلش تعإلى على نفسك وجاوبنى قال الرجل بملل : - أتفضل قال بلال بجدية : - حضرتك عندك سخان غاز ولا كهربا؟ نظر له الرجل بدهشة وقال متهكماً : - سخان غاز يا سيدى ليه ابتسم بلال قائلاً : [LIST] [*]ممتاز ... فاكر حضرتك أول مرة ركبته فيها [*]فاكر [/LIST] أعتدل بلال فى جلسته وقال باهتمام: - يا ترى شغلته لوحدك زاد الرجل مللاً وهو يجيب قائلاً : - لاء طبعاً صاحب المحل قالى معاه كتالوج ولازم أمشى على الخطوات اللى فيه بالظبط قصد بلال ان يقول ببرود: - وسمعت كلامه ليه هتف الرجل بعصبية : - يعنى ايه سمعت كلامه ليه مش هما اللى عاملينه وأدرى بيه عقد بلال بين حاجبيه وقال : - صاحب المحل اللى اشتريت منه السخان متشدد زينا صوب الجميع نظرة لبلال الذى كان يتحدث باريحية وسلاسة فى الحديث والغلاف الذى كان يميز حديثه هو المنطق والهدوء ... وخصيصاً عندما ظهرت علامات الدهشة على وجه الرجل وقال بحيرة : - مش فاهم عقد بلال ذراعيه بهدوء وهو يقول : - يعنى [B]** سبحانه وتعإلى هو اللى خلقنا وهو اللى قالنا عن طريق رسولنا محمد صل **[/B] عليه وسلم أن ده حرام وده حلال سواء فى القرآن أو فى السُنة .. يعنى القرآن والسُنة دول ومن بعديهم اقوال السلف الصالح هما الكتالوج بتاعنا علشان كده لما أنا أقرا فى الكتالوج ده وأعرف أن ده حرام واقولك عليه مينفعش حضرتك تقول عليا متشدد لانى كل اللى عليا أنى بنقل لحضرتك كلام **** وأوامره ونواهيه مش أكتر من كده يبقى انا متشدد ليه بقى أطرق الرجل مفكراً وسادت همهمة بسيطة خافتة بين شركائهم فى الزنزانة معجبين بحديث بلال بينما ابتسم فارس وهو ينظر لبلال بإعجاب شديد.. فأردف بلال قائلاً: - وزى ما حضرتك متأكد ان المصنع اللى صنع السخان وعمل الكتالوج وحط فيه ضوابط للتشغيل هو أدرى بالسخان وباللى ينفعله واللى مينفعلوش واللى يبوظه واللى ميبوظوش يبقى برضة لازم حضرتك تبقى متأكد أن الحرام والحلال دول مش علشان يضايقوا حضرتك,, لاء,, ده علشان [B]** سبحانه وتعإلى هو اللى خلقنا وهو أدرى بينا وبقلوبنا وايه اللى يخلينا عباد **[/B] المؤمنين وايه اللى يخلى قلوبنا فاسدة والعياذ ب**** . ********** فتحت عبير باب شقتها لعزة التى دخلت مسرعة وقالت بلهفة : - عبير عرفنا مكانهم يا عبير أتسعت عيناها وتشبثت بملابسها وهى تقول بلهفة أكبر : - ب**** عليكى يا عزة عرفتوا مكانهم.. طب هما فين وعاملين ايه وعرفتوا ازاى ؟ جاءت أم بلال على صوت عبير الملهوف وتعلق بصرها بعزة وهى تنقل بصرها بينهما وتقول : - الأستاذ صلاح اللى عمرو كان شغال عندهم فى الشركة كان جه سأل على عمرو من يومين كده ..ولما عرف اللى حصل قالى أنهم هيحاولوا يعرفوا طريقهم .. واتصل بيا النهاردة من شوية وبلغنى أنهم عرفوا انهم موجودين فى سجن طره وانهم كويسين أوى وبيتعاملوا كويس أوى ومفيش تهمة معينة متوجهالهم وهيخرجوا قريب ان شاء **** وضعت أم بلال يدها على صدرها وهى تقول : - الحمد *** هوت عبير إلى الأرض ساجدة تبكى وتدعوا وهى تشعر أن قلبها لم يعد ينبض منذ أن غادرها فى ذلك اليوم المشئوم ولكنها بدأت تطمئن شيئا قليلاً بعد هذه الأخبار وأخذت تدعوا **** أن يرده إليها رداً جميلاً وأن يحفظه. عانقت أم فارس مُهرة وهما يبكيان من الفرحة لمجرد أن علموا أنه بخير ولم يصبه مكروه مما كانوا يسمعوا عما يحدث للمعتقلين من قبل ... أبتعدت مُهرة قليلاً وهى ممسكة بيد أم فارس وقالت بهيستيرية : - لازم نعمل المستحيل ونروح نشوفه يا ماما أبتسمت أم فارس وهى تستمع لتلك الكلمة من فمها لأول مرة وقالت : - يابنتى الحمد *** اننا عرفنا مكانه وأنه بخير هو وصحابه الحمد ***.. مش عارفة بقى حكاية الزيارة دى هتنفع ولا لاء وهنعملها ازاى ... صمتت قليلاً ثم قالت : - انا هتصل بـ دنيا علشان ابلغها الأخبار الحلوة دى .. وأكيد هى مش هتسكت وهتحاول تروحله وساعتها تبقى تاخدنا معاها .. هرولت مُهرة إلى الهاتف وهى تقول بلهفة : - طب يا ماما كلميها دلوقتى مش لازم نضيع وقت أخذت أم فارس الهاتف وقصت عليها ماحدث مما جعل دنيا تبتلع ريقها بصعوبة واستشعرت الخوف من احتمالية خروج فارس بهذه السرعة فالقضية ما زال أمامها شهرين على الأقل قبل النطق بالحكم, سمعت أم فارس وهى تقطع عليها أفكارها فقالت : - ايوا معاكى .. طيب انا هشوف الحكاية دى وابلغك بالتطورات قريب أوى ان شاء ****.. أنا هقفل دلوقتى علشان معايا شغل مهم .. أغلقت أم فارس الهاتف وهى تنظر له مندهشة وتقول متعجبةً: - غريبة أوى .. كنت فكراها هتطير من الفرحة مش عارفة كلمتنى كده ليه أنا قلبى مش مطمن قالت مُهرة بسرعة : - خلاص يا ماما متزعليش نفسك انا هحاول مع علاء تانى نظرت لها أم فارس غير راضية وقالت باستنكار : - لاء مش عاوزين منه حاجة.. مش كفاية اللى عملوا فيكى قبل كده.. هترجعى تتذليلوا تانى نظرت أمامها بشرود وهى تقول بخفوت : - زى بعضه تانى وتالت كله فداهم ********** وضعت أم يحيى أكواب الشاى أمام علاء ومُهرة وهى تقول برجاء: - معلش يا علاء علشان خاطرى انا حاول هز علاء رأسه نفياً وهو ينظر إلى عينيى مُهرة الراجية ويقول : - كله إلا سمعتى ,, مقدرش ,, أنا نجم ولو سُمعتى حصلها خدش واحد موهبتى مش هتنفعنى نظر له يحيى بإزدراء , لأول مرة يراه على حقيقته, زال الأنبهار الذى كان يشعر به تجاهه وقال بنفور : - كل ده ميجيش حاجة قدام حياة تلاتة كنا بنعتبرهم مثلنا الأعلى نظر له علاء متهكماً وقال بسخرية : - مثلك الاعلى أنت مش أنا شعرت مُهرة ببغض شديد تجاهه وهى تتبادل النظرات المعاتبة مع والدتها وهى تقول موجهةً الحديث إليه : - والدكتور بلال ميخصكش هو كمان.. مش ده كان ليه فضل عليك بعد **** وضع علاء كوب الشاى بعصبية وقال : - أنا أول مرة اعرف أن لما راجل يروح يزور مراته تقعد تكلمه على رجالة تانين أنا لو كنت اعرف كده مكنتش جيت من أساسه .. هب واقفاً وانصرف بعصبية ..كان يشعر بوخز الضمير تجاه بلال ولكن كرهه لفارس جعله يتناسى أمرهم جميعاً .. أقترب يحيى من أخته وهو يقول بأسى : - معلش يا مُهرة متزعليش نفسك نظرت لوالدتها مرة أخرى وهى تقول : - انا مش زعلانه منه ..أنا زعلانة عليه ..اللى زى ده بيفضل طول عمره عايش لنفسه وبس ..علشان كده لما عمره هيخلص محدش حتى هيفتكر يترحم عليه. ********** مر شهراً كاملاً ثلاثون يوماً حتى تكونت صداقة بين أبطالنا الثلاث وزملائهم فى الزنزانة حتى جاء ذلك اليوم الذى فُتحت فيه بوابة زنزانتهم الحديدية معلنةً عن قدوم أحد ما ... دخل الشويش المسؤل عنهم و بصوته الغليظ أشار لـ عمرو قائلاً : - يالا علشان هتخرج يا عمرو هب عمرو واقفاً غير مصدق لما سمع ونظر إلى بلال وفارس وقال : - طب وهما صرخ الشاويش فيه بنبرة قاسية : - يالا ياخويا.. هى رحلة؟ .. أنت بس اللى هتخرج نهض فارس وبلال ,عانقاه بحرارة وقد دمعت عينيه وهو يقول : - مش هسيبكوا وامشى أبتسم فارس وهو يدفعه فى كتفه قائلا: - يالا يابنى هتعملى فيها بطل ولا أيه.. ده احنا مصدقنا حد يطلع يطمنهم علينا.. يالا .. أمسكه بلال من كتفه قائلاً بعينين دامعتين : - خلى مراتك تروح لمراتى وتطمنها عليا ثم ابتسم وهو يردف قائلا: - وعلشان تصدق انى انا اللى باعتلها الرسالة الشفوية.. دى خاليها تقولها..بلال بيقولك انتِ وحشتينى أوى وبضمير.. أومأ عمرو وقد حفظ رسالة بلال ونظر لفارس الذى احتار ماذا يقول ,ماهى الرسالة التى يرسلها لأهله فقال : - وانا كمان روح البيت عندنا وطمنهم كلهم عليا.. وقولهم ان شاء **** اننا هنخرج احنا كمان تقدم الشاويش وجذب عمرو من ذراعه بقسوة وهو يصيح به : - يالا ياخويا بدل ما خاليك تكمل معاهم هنا خرج عمرو ينظر إلى الطريق غير مصدق أنه مازال على قيد الحياة حتى هذه اللحظة نظر خلفه وكأنه يرى أصدقاء محنته قابعون فى زنزانتهم يودعونه بنظراتهم الدامعة ..أخذ شهيقاً كبيرا ليملأ صدره بالهواء النقى خارج حدود أسوار السجون المظلمة بما فيها من رائحة الرطوبة العفنة وأصوات المعذبين واتجه إلى أول سيارة أجرة قابلته ..لم يسال عن وجهتها كل ما كان يريده هو الأبتعاد .... الابتعاد وفقط ... غادر عمرو سريعاً وهو يتذكر تلك الليلة المظلمة التى دخل عليهم فيها ذلك الشاب متقطعة أنفاسه من كثرة التعذيب ..تفوح منه رائحة شواء جلده من كثرة الكهرباء التى تعرض لها وكل هذا ليس لذنب اقترفه ولا ذنب ألم به سوى أنه قال لظابط أمن دولة كان يقبض على صديقه دون حق فقال له .. أتقى **** .. لم يلبث الفتى الصغير بينهم سوى دقائق ثم نطق بالشهادة بعد أن سالت دموعهم عليه تروى جرحه كما تروى السحب بامطارها حشاش الأرض. ****** الفصل السابع والعشرون عاد إلى شارعهم يطوى الأرض طياً .. يهرول تارة فينهكه التعب فيمشى تارة أخرى ... وقف عند بداية المنعطف ينظر إلى بداية شارعهم , إلى البيوت المتلاصقة والقهوة البعيدة وهو يشعر أنه افتقد دفأهم وحمايتهم ورعايتهم لمن حولهم وهو يتسائل فى نفسه, لماذا لا تكون الدنيا كلها شارعهم بقلوب أهله الطيبة , ما هؤلاء البشر الذى تعامل معهم وكيف ينتمون إلى فئة البشر ...أليسوا أقرب إلى مصاصين الدماء الذين رآهم كثيرا فى الأفلام لا بل مصاصين الدماء لايقتلون بهذه البشاعة التى رآها, أنما هى عضة نتيجة لاحتياجهم للدماء ..أما هؤلاء فهم يشوهون ويقتلون ويعذبون لا لشىء الا للمتعة الا للضحك على صرخات وأنين المُعذبين لا لشىء الا للقتل ..لالشىء الا لكره الكرامة ومن ينادون بها ..أى بلد هذه التى لا نحيا بها كراماً .. قطعت أم فارس قراءتها للقرآن ووضعت المصحف بجوارها وهى تنادى على مُهرة ... خرجت مُهرة مسرعة من المطبخ فقالت لها أم فارس بوهن : - شوفى يا مُهرة فى أيه فى الشارع أيه الزيطة دى تناولت مُهرة أسدال الصلاة وارتدته بسرعة وخرجت إلى الشرفة ..أتسعت عيناها وهى تنظر إلى عمرو وأهل شارعهم مجتمعين حوله مهنئين له فى جلبة شديدة , فرحين به وبعودته سالماً ..بحثت بعينيها سريعاً بين الوجوه وقد خفق قلبها بشدة تبحث بين العيون والوجوه لاشىء ..لم يعد .. أنهمر دمعها رغماً عنها ومسحته بيديها وهى تجيب نداء أم فارس وتقول بصوت متقطع : - عمرو رجع يا ماما انهمرت دموعها مرة أخرى وهى تتمتم : - رجع لوحده هرولت أم فارس إلى الشرفة بلهفة , بحثت هى أيضا عن ولدها بين الناس فلم تجده, خرجت من الشرفة متوجهة إلى باب الشقه مسرعةً .. لحقتها مُهرة وهى تتشبث بذراعها هاتفةً : - أستنى يا ماما هتنزلى كده ازاى ..أنتِ بهدوم البيت نظرت أم فارس لملابسها وهى تضع يدها على شعرها لاتعلم ماذا تفعل وكأنها مسلوبة الأرادة ..لم تنتظر مُهرة كثيرا أندفعت للداخل وأحضرت لها عباءة الخروج و**** .. أرتدتهم بسرعة وهى واقفة على باب الشقة ولسانها يلهج بفزع: - يا حبيبى يابنى.. ياترى انت فين يابنى ألبستها مُهرة حذائها سريعاً والتقطت مفتاح الشقة ونزلا سويا يهرولا إلى حيث عمرو . لم تستطع عزة أن تنتظر كثيرا وهى تراه من النافذة , أندفعت تفتح باب الشقة لمقابلته , لا تعلم كيف كانت تقفز درجات السلم ... كان قد سبقها وصعد السلم بقفزات أسرع وأوسع منها .. وأخيرًا التقيا ... تعانقا .. تعانقا بقوة واندفاع , كل منهما رمى بجسده باتجاه الآخر .. البكاء هو سيد الموقف .. كانت تشهق وهى بين ذراعيه وتضمه بقوة وهى تهتف باسمه بقلبها قبل شفتاها ... أما هو فقد ضمها إلى صدره وأغمض عينيه وهو لا يصدق أنه رآها مرة أخرى ... أسرعت أم عزة تتصل بعبير وتخبرها بالأمر .. صعد بها للأعلى وهى مازالت متعلقةً به ..دخلا شقتها بين والدها ووالدتها التى هتفت: - حمد *** على سلامتك يابنى جلس على الأريكة وهو يلف كتفها بذراعه وتنفس بقوة وهو ينظر إليهم بشوق قائلا: - **** يسلمكم .. كان الباب مفتوحاً ولم هناك مجالاً لطرقه, أندفع والده ووالدته وأخيه محمود نحوه يقبلانه ويعانقانه من بين دموعهما ثم تركوا المجال لأخيه ليعانقه بلهفة وشوق لصدر أخيه الأكبر الذى طالما استمع إليه وأرشده فى طريقه .. دخلت أم فارس بعدهم مباشرة وفى أعاقبها مُهرة .. أطمئنت أم فارس عليه ونظرت له متسائلة وهى تخشى السؤال عن أبنها حتى لا يأتيها خبر مفجع ... ولكن مُهرة لم تنتظر كثيراً فهى على يقين أنه بخير, لو كان حدث له شىء كانت قد شعرت بذلك .. فقالت بلهفة : - فين دكتور فارس ودكتور بلال يا بشمهندس أبتسم عمرو والجميع محيط به وهو يقول : - الحمد *** كويسين أوى وبيطمنوكوا عليهم قالت أم فارس بلهفة بعد أن أطمئن قلبها : - مخرجوش معاك ليه هز رأسه نفياً وهو يقول : - مش عارف.. مقدرتش اعرف حاجة خالص.. بس اطمنوا طالما انا خرجت يبقى هما كمان هيخرجوا قريب ان شاء [B]** ..بس هما كويسين و**[/B] وباعتين السلام ليكوا كلكوا وبيطمنوكوا قالت أم فارس بجزع : - ازاى يابنى بس.. ده الظابط اللى جه خده قعد يقول بتعمل قنبله فى بيتك طمئنها عمرو قائلا : - صدقينى يا طنط و**** كويسين ومفيش تهمة متوجهه لحد خالص ..وكل اللى عرفناه ان فى حد هو اللى شكنا بلاغ ووصى علينا.. بس مين هو.. ده منعرفوش لحد دلوقتى ..بس متقلقوش.. أنا هفضل ورا الموضوع ده مش هسيبوا غير لما اعرف قال كلمته والتفت إلى زوجته الجالسة بجواره ومستندة برأسها على ذراعه وقال : - أتصلى باختك وطمنيها على جوزها خرجت أم فارس ومُهرة من بيت والد عزة مُطرقتان برأسيهما بحزن وأسى, لا يعلمان ماذا ينتظرهما فى المستقبل . ***************** أستندت عبير إلى ظهر سريرها وعينيها تلمع بالدموع, ألتفتت إلى الوسادة الخالية بجانبها وإلى الفراغ الذى طالما كان يحتله جسده بجوارها وارتسمت على جانبى شفتاها ابتسامة حزينة وهى تتذكر الرسالة الشفوية التى أرسلها مع عمرو .. وحشتينى أوى وبضمير ... تناولت وسادته وهى تستلقى على جانبها الأيمن واحتضنتها بقوة وهى ترويها بدموعها هامسة : - وانت كمان وحشتنى أوى يا بلال طرقت والدته باب غرفتها فوضعت الوسادة مكانها ومسحت دموعها واتجهت للباب وفتحته وعيونها المُعذبة تفضح حزنها ..أخذتها والدته من ذراعها وخرجت بها خارج غرفتها إلى الأريكة التى يعتادون الجلوس عليها , أجلستها كالاطفال والتفتت إليها قائلة : - عارفة يا عبير أول مرة خدوا بلال فيها .. كنت هموت من الرعب والخوف عليه وكانت دماغى كل ثانية تودى وتجيب مش عارفة عايش ولا لاء .. لما قعد هناك كام شهر وطلع بعدها .. حسيت أن بلال اتغير أوى ..أتغير للأحسن .. وساعتها قالى كلمة عاجبتنى أوى قالى الدهب لازم يتعرض للنار علشان يبقى نقى .. علشان كده مش عاوزاكى تخافى من المحن دى ... المحن دى اللى بتنقينا وتنضف قلوبنا وتشيل منها أى حاجة غير **** ... أومأت عبير برأسها وهى تنظر لها قائلة : - معاكى حق يا ماما ثم قبلت كفها وقالت: - **** يخاليكى لينا ربتت أم بلال على رأسها بابتسامة حنونة فقالت عبير : - المركز مش هينفع يفضل مقفول كل ده ..أنا هتصل بالممرض اللى كان مسؤل عن المركز واخاليه يرجع تانى وكل الناس اللى جلساتها اتلغت من غير سبب يتصل بيهم يقولهم ان المواعيد كلها اتأجلت علشان بلال مايفقدش المرضى اللى كانوا بيتابعوا معاه واهو يفضل فى المركز يعمل اللى يقدر عليه.. أكيد بلال كان بيعلمه شغله يعنى ممكن يمشى المركز شوية لحد ما بلال يرجع بإذن **** ..المهم المركز مايتقفلش أبدًا *************** وقف عمرو أمام حجرة مكتب إلهام وتنفس بقوة ثم طرق الباب .. أتسعت ابتسامتها وهى تنهض من خلف مكتبها مسرعة نحوه بلهفة وقالت وهى تمسك بذراعيه : - حمدلله على سلامتك يا حبيبى أنزل عمرو يدها بهدوء ثم مد يده أمامها بورقة قائلا : - ياريت حضرتك تقبلى استقالتى نظرت إلى الورقة ثم رفعت رأسها إليه ثانية وهى تقول باستنكار : - أستقالتك !! .. ليه يا عمرو ليه كل ما اقرب منك تبعد عنى أتجه نحو مكتبها ووضع الأستقالة عليه بهدوء والتفت لها عاقدا ذراعيه أمام صدره قائلا : - هكلمك بصراحة .. أنا الأول كنت متردد فعلا ..وكنت بقول مفيهاش حاجة طالما مش بعمل حاجة غلط وبينى وبينك كنت معجب بكلامك ليا أبتسم ساخراً وهو يقول : - راجل بقى وفرحان بشبابى وان فى واحدة بتحبنى وعايزانى وبتعمل المستحيل علشان تقربلى تجهم وجهه وهو يردف بصوت خرج من بين جدران السجون قائلا: - لكن اللى شوفته يخلينى أبيع الدنيا دى كلها.. واعرف ان الدنيا دى متسواش حاجة ألتفت إلى مكتبها وهو يستند عليه قائلا: - فى عز الوقت اللى كنت فرحان بيه بنفسى وبوسامتى شوفت شباب صغير قد اخويا محمود بيتعذب ويتجلد ويتكهرب وفى الآخر يموت لمجرد أنه بيحافظ على [B]** الفجر.. لمجرد انه قال لظابط أتقى **[/B] . ألتفت إليها مرة أخرى وهو يقول : - كل ده وانا كنت عايش مع نفسى ولا اعرف أى حاجة.. عايش علشان اكل واشرب والبس واشتغل وبس .. معرفش الظلم وصل لحد كده ازاى.. معرفش حاجة عن الناس اللى بتموت كل يوم من غير حس ولا خبر ولا كأنهم حيوانات .. هتفت الهام مقاطعة : - عمرو.. أنت شكلك أعصابك تعبانة.. خد أجازة ارتاح شوية هز رأسه نفيا وقال بتصميم : - آسف يا مدام.. أنا مصمم على الأستقالة لمعت عينيها بالدموع وهى تحاول الوصول لنقطة اتفاق قائلة : - طب اسمع بس يا عمرو .. خاليك فى الشركة وانا اوعدك انى مش هتكلم معاك تانى كلام يضايقك.. أو يحسسك أنك بتعمل حاجة غلط نظر لها بترقب وهو يقول : - مقدرش .. مينفعش أحط نفسى فى الفتنة واقول انا جدع وقدها وقدود أبتلعت ريقها وقالت بتماسك : - طب يا عمرو لو فى شغل بعيد عنى تقبله ؟ قال بشك : - شغل ايه ابتسمت بتوتر وهى تقول : - شركتنا داخله شراكة مع شركة سياحة ..هنبنى فندق سياحى فى مكان جديد اسمه وادى الريان.. هنبقى أول فندق فى المكان ده ..المشروع ده ضخم ياعمرو وهيطلعلك منه مكافأة حلوة أوى ..ممكن تبدء بيها حياتك العملية وتفتح شركة هندسة صغيرة كده على قدك ... ها قلت أيه؟ صمت قليلاً يفكر فى الأمر فقالت : - متقلقش مش هتبعد عن بيتك كتير.. هتنزل أجازة يومين فى الأسبوع ..تلات شهور والمشروع يخلص مش كتير.. يعنى بالنسبة لطبيعة شغلك نظر إليها بتسائل وقال : - واشمعنى أنا اللى عاوزانى اشتغل المشروع ده .. ليه مدتيهوش لنادر ولا حد تانى غيرى عقدت ذراعيها وقالت بخفوت : - مش هينفع اجاوبك علشان وعدتك انى مش هقولك كلام يحسسك انك بتعمل حاجة غلط ..ها فهمت ولا اقول بصراحة ؟ صمت قليلاً يفكر ..وجدها فرصة من الممكن يبدء بها حياته بعيدًا عنها وعن فتنتها وستضمن له مستقبل جيد بالحلال وأخيرًا خرج عن صمته قائلا : - موافق ... بس محتاج شوية وقت علشان عاوز اتابع موضوع صحابى اللى حضرتك مهتمتيش بأمرهم ابتسمت وقالت بثقة : - متقلقش هيخرجوا قريب .. اللى خرجوك هيخرجوهم ..هما بس معرفوش يطلعوهم معاك بسرعة علشان واحد فيهم متوصى عليه جامد والتانى اُعتقل قبل كده .. أستدار عمرو بإنفعال قائلا : - معرفتيش مين اللى وصى عليه بالطريقة دى تناولت خصلة من شعرها تلفها حول أصبعها وقالت متعجبة : - الحقيقة عرفت بس مستغربة أوى قالت كلمتها الاخيرة ثم توجهت لمكتبها وجلست خلفه وهى تنظر إليه بتأمل وهو يقول متلهفاً : - مين .. مين اللى عمل كده مطت شفتاها وهى تقول ببطء : - مراته توجه نحوها وأتكأ على المكتب بقبضتيه وهو يقول منفعلاً : - مرات مين رفعت حاجبيها وقالت : - مرات صاحبك المحامى ده أتسعت عينيه وهو يردد بذهول : - دنيا رفعت كتفيها بحيرة وهى تقول : - مش عارفه ..كل اللى عرفته ان مراته هى اللى بلغت عنه وحطت أساميكم معاه هتف صائحاً بغضب : - أنتِ متأكدة من الكلام ده مالت للأمام وقالت بثقة : - طبعا يا عمرو .. المعلومة دى من فوق أوى تركها وخرج مهرولا للخارج والغضب يعتمل فى صدره والغريب أنه لا يدرى لماذا تفعل زوجة بزوجها هذا مهما كانت بينهما خلافات ومشاحنات كيف تستطيع أن تفعل به ذلك ما الداعى إذن.. ما الداعى..؟!! ********* هبت أم فارس واقفة وهى تهتف به مستنكرة : - بتقول ايه يا عمرو انت اتجننت ولا أيه وضعت مُهرة يدها على فمها فزعاً وهى تحدق به وهو يقول : - زى ما بقولك كده يا خالتى.. اللى جابلى المعلومة هو اللى خرجنى من هناك قبلهم .. دلوقتى بقى انا عاوز اعرف ..أيه اللى يخلى زوجة تبلغ عن جوزها وعن صحابه كمان جلست أم فارس هاوية وهى تقول بشرود : - و**** يابنى ما اعرف ..فارس مكنش بيحكيلى على حاجة خالص تخص حياته معاها تدخلت عزة وهى تقول بحدة وغضب : - علشان كده مكنش باين عليها الزعل ولا الخضة ..الحقيرة ... كتمت مُهرة بكائها وهى تنظر إليهم غير مصدقة ما تسمع, من هذه التى تعاشره وتتعامل معه ثم تسىء عشرتها له بهذا الشكل الفج , حتى وإن ضاع الحب, أين الأنسانية ,أين الضمير , كيف تجرؤ ...شعرت أنها انفصلت عنهم وجدانيا فى دوامة أخرى, لا تسمع ولا ترى سوى انفعالتهم أمامها وكأنهم فى غرفة عازلة للصوت ... ظلت هكذا وأخيرا استطاعت أن تسمع هتاف عمرو وهو يقول : - أنا هعمل المستحيل علشان اطلع تصريح بالزيارة.. لازم اقابله واقوله على كل حاجة لم تشعر بنفسها إلا وهى تهتف برجاء قائلة : - لا لاء حرام عليك .. مش كفاية عليه عذاب السجن كمان يعرف كده وهو مش عارف يتحرك ولا يعمل حاجة ولا قادر يعرف هى عملت كده ليه.. أنت كده هتزود عذابه نظرت لها عزة نظرة متفحصة بينما قالت أم فارس : - صح مُهرة معاها حق .. بس **** يخاليك يا عمرو تحاول تخالينا نزوره ..أحنا مش هنقوله على حاجة بس نزوره ونطمن عليه وحشنى أوى هدأ عمرو قليلاً وجلس بجوار عزة قائلا : - محدش يجيبلها سيرة اننا عرفنا حاجة.. ولو اتصلت كلموها عادى ... وانا هروح للدكتور حمدى وهو ان شاء **** هيقدر يخالينا نشوفهم ونطمن عليهم قالت أم فارس بلوعة : - ماهى قالتلنا انه تعبان وسافر يتعالج نظر عمرو أمامه باشمئزاز وهو يقول : - مش لازم نصدقها فى أى كلمة قالتها ..أنا هدور عليه بنفسى لحد ما الاقيه وبعدين هو يبقى اخو صاحبة الشركة اللى انا شغال فيها يعنى سهل أوصله . *********** - عاوزه أيه يا نورا.. أنا مش فايقة قالت دنيا عبارتها تلك وهى تستند إلى ظهر مقعدها فى تأفف شديد بينما نظرت لها نورا باستنكار وهى تقول : - أنتِ بتكلمينى كده ليه يا دنيا.. هو انا جاية اشحت منك .. وبعدين متنسيش انى مديرة المكتب يعنى أسلوبك لازم يكون أحسن من كده معايا ضربت دنيا سطح المكتب بعصبية وقالت : - مديرة على نفسك ..أنا يا ماما ابقى مرات فارس ودراعه اليمين هنا فى غيابه.. عارفة كده ولا لاء؟ عقد نورا ذراعيها بتحدى قائلة : - الدكتور فارس مدانيش تعليمات بكده ولو حضرتك عاوزه تقعدى فى المكتب ده مكانه يبقى لازم هو اللى يقولى كده فى الأول زفرت دنيا بقوة وقالت بتعالى : - قولتلك مسافر مسافر ..أنتِ مبتفهميش خرجت نورا مباشرة و صفقت الباب خلفها بقوة ودخلت مكتبها ..جلست خلفه بانفعال وهى تضرب بأناملها بسرعة وتوتر وهى تمتم: - أنا مش مستريحة أبدا للموضوع ده ..لازم الدكتور حمدى ياخد خبر ****** بعد خروج نورا مباشرة من حجرة فارس التى احتلتها دنيا, زفرت بضيق وغضب ولملمت أوراقها الخاصة لتنصرف ولكن رنين هاتفها استوقفها وجعلها تنظر إلى الرقم الغير مسجل لديها بتفكير ولكنها قررت أن تجيب المتصل وقالت : - مين أجابها المتصل ببرود : - أنا حسن يا أستاذة دنيا عقدت ما بين حاجبيها وهى تقول : - حسن مين أجابها بنفس البرود : - حسن اللى كنت شغال فى مكتب الدكتور حمدى معاكوا وبعدين روحت اشتغلت مع الأستاذ باسم أومأت برأسها وقد تذكرته وقالت : - خير يا حسن فى حاجة - عاوز سلفية صغيرة منك ..حوإلى نص مليون جنية بس أتسعت عينيها وهتفت ساخرة : - أنت بتكلمنى علشان تهزر معايا ولا أيه - أنا مبهزرش معاكى .. أنا بتكلم جد ودخلت فى الموضوع دوغرى عقد حاجبيها بشدة وقد شعرت بالخوف وقالت : - أتكلم على طول - زى ما قلتلك كده نص مليون قالت بجمود : - مقابل أيه - مقابل اللى سمعته بيحصل بينك وبين الأستاذ باسم يوم ما جيتيله المكتب بالليل لوحدك وخرجتى متبهدلة من عنده .. ومقابل انك اتفقتى معاه انك تودى جوزك فى داهية علشان تقسموا انتوا الاتعاب سوا وتهبروا الملايين لوحدكوا.. ها كدة كفاية ؟ أتسعت عيناها وصاحت بغضب وسبته بشدة رافضة ابتزازة لها ثم قالت: - وشوف بقى هيحصلك أيه من باسم لما يعرف انك كنت بتجسس عليه ضحك حسن متهكما وهو يقول : - بمنتهى البساطة لو قولتى لباسم هفضح حكاية التزوير اللى عملتوها فى القضية صاحت متهكمةً : - شوف يا بابا ..أنا مش هجيب سيرة لباسم علشان بس انا مبحبش أذى حد .. لكن تنسى حكاية الفلوس دى خالص واللى انت بتهددنى بيه مرمى فى المعتقل ولو ضايقتنى تانى هتحصله . قالت كلمتها وأغلقت الهاتف بشدة وعنف , نظر حسن إلى الهاتف وقال بغضب : - ماشى يا أستاذة .. لما نشوف *********** ضحك باسم ضحكات رنانة فى ذلك المكان العام المُطل على كورنيش النيل ثم قال : - بقى فى حد فى الدنيا يقعد يتكلم فى قضية على البحر كده .. معقول لسه بتخافى مني ده انتِ قلبك اسود أوى يا شيخة مالت للأمام وقالت بإنفعال : - وطى صوتك شوية .. الناس بتبص علينا هدأت ضحكاته أخيراً وتحولت ملامحه للجدية مباشرة ثم قال : - خلاص خالينا فى المهم ... الجلسة اللى فاتت كانت جلسة أجراءات شكلية بس .. زى ما انتِ شوفتى كده مجرد تسجيل أوراق وحضور المتهم وكلام من ده .. الجلسة بتاعة بكره هى اللى لازم تبدعى فيها .. لازم تترافعى وانتِ واثقة من نفسك وعارفة بتقولى أيه أومأت برأسها بأنصياع وهى تقول : - هاخد المذكرة اللى كتبتهالى دى احفظها صم من النهاردة لبكره أخذ رشفة من القهوة التى وضعت أمامه وقال : - برافوا عليكى ..عاوزك تصميها صم ***** نهض الدكتور حمدى من مقعده وهو يتناول مفاتيح سيارته ويقول لـ عمرو مسرعاً : - تعالى معايا يا بشمهندس توجها إلى المكتب مباشرة بعد أن علم من عمرو ماذا حدث لفارس وماذا فعلت دنيا والبلاغ الذى قدمته ضده وأكدت له أخته إلهام ماحدث وما عرفته من معلومات .. تفاجأ جميع المحامين بدخول الدكتور حمدى بصحبة عمرو ..أبتسم البعض وغضب الآخر وهم ينظرون إليه وهو متجه لمكتبه فى عجلة من أمره ..فتحه بقوة متوقعا وجودها ولكنه لم يجدها .. حضرت نورا فورا ونقلت بصرها بينهما بقلق بينما قال الدكتور حمدى بغضب : - ليه يا نورا مكلمتنيش لما فارس اختفى فجأة كده حدقت به بقلق وهى تقول : - أختفى ازاى يا دكتور ..دى مراته قالتلى انه مسافر قال عمرو بحنق : - مسافر !.. اه يا بنت ال .. ولا بلاش ابوها كان راجل غلبان هز الدكتور حمدى رأسه بقوة غير مصدق ما حدث فى غيابه وقال لها : - لا يا نورا فارس مش مسافر ..فارس فى المعتقل ومراته هى اللى بلغت عنه وقدمت شكوى بالكذب ضده عقد حاجبيه بغضب ثم قال لها محذرا: - البت دى لو دخلت المكتب تانى تطردوها فورا فاهمانى ولا لاء أومأت برأسها موافقة وقد لمعت الدموع فى عينيها وقالت : - طب ليه تعمل فى جوزها كده نظر عمرو للدكتور حمدى وقال : - طب وموضوع فارس والدكتور بلال هنعمل فيه أيه شبك الدكتور حمدى يديه وهو يستند إلى المكتب قائلا : - الأول نعمل تصريح لوالدته تطمن عليه وتشوفه وبعدين نشوف هنعمل ايه علشان نطلعه منها هو وصاحبه ***** بكت مُهرة بقوة وانسابت الدموع فى عينيها وهى بين ذراعى أم فارس التى قالت: - خلاص بقى هدى نفسك شوية ..و**** يا بنتى كان على عينى.. كان نفسى تيجى معايا بس عمرو بيقول مينفعش غير للقرايب بس أنسابت دموعها أكثر وهى تقول : - كان نفسى اشوفه حتى من بعيد من غير ما اكلمه مسحت أم فارس على رأسها وتمسح دمعها بيدها وتقول : - أنا هقوله انك بتسلمى عليه وانك كنتِ عاوزه تيجى هتف عمرو فى عجلة منه : - يالا بقى يا جماعة لازم نتحرك دلوقتى الدكتور حمدى مستنينا بالعربية تحت تشبثت مُهرة بها وهى تقول برجاء : - طب مش هدخل هستنى بره نظرت لها أم فارس بإشفاق وقالت لعمرو : - مينفعش يا عمرو يابنى تيجى معانا وتستنى بره مطت عمرو شفتيه وهو يقول : - ماهو انا كمان هستنى بره ..طيب يالا تعالى معانا ..قولتى لوالدتك أومأت برأسها وهى تقول : - ايوا قلتلها ثم اندفعت للداخل وهى تقول : - ثوانى هجيب حاجة واطلع على طول دخلت مُهرة غرفته و فتحت مكتبه وأحضرت أحد الصور لهما معاً وهى **** صغيرة وأخذت قلما وضعتهما فى حقيبتها وخرجت على الفور هاتفه : - أنا جاهزة يالا بينا نزلت خلفهم تهبط الدرج بسرعة ...أتصطدم عمرو بعلاء الذى كان صاعدا إليها .. وقال : - معلش يا كابتن مخدتش بالى أصلى مستعجل نظر له علاء بريبة وقال : - هو مش أنت كان مقبوض عليك برضة.. طلعت أمتى تغيرت ملامح عمرو وقال بلهجة عدوانية : - متكلم كويس يا أخى .. قول حتى حمدلله على السلامة نظر له علاء نظرة متعالية ثم نظر لمُهرة قائلا : - خارجة كده على فين نظر له عمرو بغضب ثم نظر إلى مُهرة قائلا : - خلاص يا مُهرة خاليكى انتِ هتفت مُهرة وهى تستوقف أم فارس وتمسك بذراعها قائلة : - لاء .. أنا جاية معاكوا أشار لها علاء بالصعود قائلا : - تروحى معاهم فين ..أتفضلى على فوق تدخلت أم فارس قائلة له برجاء : - معلش يابنى علشان خاطرى سيبها تيجى معانا دلوقتى وابقوا أتكلموا بعدين .. هبطت مُهرة درجة من السلم فتقدم نحوها يحذرها قائلا: - بتكسرى كلامى يا مُهرة ..أنا اقولك اطلعى وانتِ تنزلى معاهم عادى كده نظرت له بتحدى فنظر لها نظرة نارية وقال : - لو كسرتى كلامى ونزلتى معاهم وسبتينى هطلقك ومش هسأل فيكى تانى فاهمانى تدخلت أم فارس وقالت لها : - خلاص يابنتى اطلعى مفيش داعى للمشاكل هزت مُهرة رأسها بعنف ونظرت له بتحدى أكبر وهبطت درجات السلم بثقة وهى تقول لأم فارس : - يالا بينا يا ماما هنتأخر مرت بجواره وهو مصدوم من رد فعلها, كان متوقع أن تهديده سيأتى ثماره معها وسترجع معه رغماً عنها , شعر بالغضب الشديد واستدار إليها وهى تهبط درجات السلم أمام نظرات عمرو وأم فارس المصدومة فناداها بغضب شديد ..ألتفتت إليه ببرود فقال بجمود : - أنتِ طـالـق أبتسمت وكأنها لم تسمع شيئاً نظرت لعمرو وأم فارس قائلة : - يالا يا جماعة هنتأخر تحركت السيارة نحو سجن طرة ... جلست مُهرة فى السيارة فى الخلف بجوار أم فارس وأم بلال بينما كان عمرو فى المقدمة بجوار الدكتور حمدى الذى كان يجلس خلف عجلة القيادة وهو عاقد جبينه فى تركيز محاولاً التفكير فى مخرج ما لتلميذه النجيب الذى طالما اعتبر نفسه أباه وأستاذه وموجهه . ساد الصمت على الجميع داخل السيارة .. حتى قال الدكتور حمدى : - خلاص يا جماعة كلها ربع ساعة ونوصل قال كلمته ونظر لعمرو الذى كان ينظر إلى الطريق قلقا , لا يعرف لماذا راوده هذا الشعور, كلما اقتربت المسافة كلما اضطربت نبضات قلبه وكأنه يقترب من الموت , كلما اقتربت المسافة كلما رأى وسمع ما حدث داخل السجون ورآه بعينيه وسمعه بأذنه ونجاه **** تعإلى منه بقدرته ... بينما فى الخلف أخرجت مُهرة الصورة الصغيرة من حقيبتها وقلبتها على الوجه الآخر الأبيض وأخرجت قلمها وهى تنظر إلى أم بلال وأم فارس وهما منهمكتان فى الحديث ... أخذت نفساً عميقاً وكتبت بخط صغير منمق يعرفه جيداً: - الحب الحقيقى هو الذى يرسم لك طريقاً تتلمس فيه ..أجمل الذكريات ..أفضل العطاء .. حُسن الأخذ .. سكن البُعد ...مودة القرب ... فإن لم تجد فيه غير الشقاء فاعلم أنه ألم متنكر .. أنزع عنه قناع الحب واتركه وارحل ...بلا أسف ... أمضاء الفارس الصغير ********* الفصل الثامن والعشرون عانق كل منهما والدته فى لهفة وشوق كبيرين وقبلا رأسيهما وأيديهما بدموع العيون ..كانت كل منهما تنظر إلى ولدها غير مصدقة أن [B]** سبحانه وتعالى قد مد فى عمرها حتى رأت ولدها حى يرزق من جديد .. كان العناق بالقلب والعيون أكبر شوقاً من عناق الأجساد .. جلسوا بجوار بعضهما البعض غير مصدقين هذه اللحظة التى جاءتهم منحة من **[/B] عزوجل فى عز أزمتهم المظلمة بين جدران السجون ... صافح الدكتور حمدى ، بلال ، وهو ينظر إليه بإعجاب شديد بينما ربت على كتف فارس مشجعاً وهو يقول بتاثر : - أنا عارف انك راجل يا فارس وهتتحمل الأزمة اللى بتمر بيها وهتخرج ان شاء **** انت وصاحبك قريب أوى أومأ فارس برأسه ممتناً وهو يقول : - متشكر أوى يا دكتور على اللى عملته معانا ربت حمدى على يديه وهو يشد عليها قائلا: - هو انا لسه عملت حاجة يا راجل ...أجل الكلام ده لما تطلعوا ان شاء **** من هنا مال بلال على والدته قائلاً : - عبير والولاد عاملين أيه يا ماما ... كويسين ؟ عانقت يدها يده وهى تقول بإشفاق : - كويسين يابنى وزى الفل متقلقش عليهم أبداً .. وبيسلموا عليك أوى.. وعبير بتقولك رسالتك وصلتها وانت كمان وحشتها أوى ومستنياك على نار شرد قليلاً وهو ينظر أمامه بوجوم قائلاً : - وحشونى أوى ثم أعاد النظر إليها قائلاً : - كلكوا وحشتونى أوى يا أمى لمعت الدموع فى عينيها وهى تقول : - عبير كانت عاوزه تيجى معانا بس انا مرضتش أجيبها معايا علشان عارفة رأيك فى الحكاية دى كويس قبل يدها وقال بحنان: - كويس يا أمى انك عملتى كده.. أنا محبش مراتى وولادى يجوا مكان زى ده ولا حد من اللى هنا عينه تقع عليها نظر الدكتور حمدى لفارس وقال باهتمام: - فى حد حقق معاكوا يا فارس هز فارس رأسه نفياً وهو يقول : - لا يا دكتور مشوفتش أى محقق خالص من ساعة ما روحت أمن الدولة لحد دلوقتى .. ثم مال عليه قليلاً وقال : - مفيش غير واحد صاحبى **** بعته لينا هناك وهو اللى جابنا هنا نقل الدكتور حمدى بصره بين فارس ووالدته وقال موجهاً حديثه لفارس : - هو انت فى عداوة بينك وبين حد معين يا فارس أعتدل فارس وهو يفكر بتركيز شديد ثم قال : - أنت عارف شغلنا يا دكتور ممكن يبقالك أعداء مش راضين عن طريقة شغلك لكن حتى لو فى عداوة معتقدش حد يفكر يبهدلنا بالشكل ده نظر الدكتور حمدى لوالدته نظرة ذات معنى ثم قال : - غريبة حاولت أم فارس تغير مجرى الحديث قائلة : - على فكرة.. عمرو ومُهرة بره وبيسلموا عليكوا أوى نظر بلال إلى أم فارس قائلاً : - أيه ده بجد وعمرو جاله قلب يرجع هنا تانى نظر له فارس وابتسما سويا فى وقت واحد ولكن فارس تغيرت ملامحه وانتبه فجأة وهو يلتفت لوالدته متفاجأً وقال : - وأيه اللى جاب مُهرة هنا يا ماما .. إزاى تجيبيها معاكى يا ماما بس تابع بلال الحديث باهتمام عندما قالت أم فارس : - و**** يابنى أنا وعمرو غلبنا فيها واتحايلنا عليها كتير تستنى فى البيت .. بس هى اللى كانت مصممة تيجى تشوفك وتطمن عليك.. حتى لما عرفت أنها مش هينفع تدخل علشان مش من قرايبك برضة صممت تيجى وقالت هستناكوا بره .. ثم نظرت إليه نظرة ذات معنى وهى تقول : - حتى علاء معرفش يمنعها ألتفت بلال إلى فارس الذى ظهر الضيق على وجهه وهو يقول : - مكنش ينفع تيجى يا ماما ..كان لازم انتِ اللى تمنعيها مش الواد اللى اسمه بتاع ده أبتسمت والدته وهى تقول قاصدة : - اذا كانت مخافتش من تهديده بالطلاق وصممت تيجى معانا حتى لما طلقها ولا همها حاجة ونزلت وسابته واقف يرن عقد فارس ما بين حاجبيه وهو ينظر فى عينيها التى كانت تحمل معانى كثييرة وقال ببطء : - طلقها .... ؟!! نظرت إلى عينيه وهى تقول : - ايوا طلقها ثم قالت مؤكدة : - كل ده علشان تجيلك ألقى بلال نظرة سريعة على فارس ثم أعاد رأسه إلى والدته وأكمل حديثه الخاص معها تاركاً فارس فى حيرته ...أمسكت والدته يده بشكل تلقائى حتى لا يلاحظ أحد ووضعت الصورة المطوية فى راحت يده ثم همست له وهو ينظر ليده بدهشة : - وباعتالك الصورة دى قبض فارس على الصورة المطوية داخل قبضته ثم تابع حديثه مع الدكتور حمدى بشكل طبيعى ولكن عقله كان يعمل فى أتجاه آخر ... ******** أنتهت الزيارة وتفرق الأحرار, فمنهم من خرج لعالمه ومنهم من عاد لجدران سجنه الكئيبة ... جلس فارس على فراشه وأخرج الصورة من راحته وفتح طياتها بهدوء ...نظر إلى الصورة وابتسم ..كانت ملامحهما المشاكسة فى الصورة كفيلة بجلاء صدره من أى هم وحزن يعتمل به... **** وصبى يتشاكسان بطريقتهما الخاصة ... أتسعت ابتسامته وهو يتأمل فى الصورة ..جلس بلال بجواره وهو ينظر لابتسامته الواسعة التى احتلت شفتيه ثم مال عليه وقال بخفوت : - مش هتقرى الرسالة اللى ورا الصورة دى قلب فارس الصورة على الجانب الأبيض منها ومرر عينيه بين سطور كلماتها وهو يتمتم هامساً بما خطت يدها الصغير ...قرأها مرة ثانية وثالثة فى صمت ما إن تصل عينيه إلى آخر كلمة فيها حتى تعود إلى أولها من جديد محاولاً فهم ما بين سطورها بصعوبة شديدة وضع بلال يده على ذراع فارس وهو يقول بخفوت : - ها يا فارس رفع رأسه إليه وقال بعينين حائرتين : - نعم ! أقترب بلال منه أكثر وقال هامساً: - أنت قولتلى من كام يوم انك هتنفصل عن مراتك بس مقولتش أيه السبب ساعتها حاول فارس استجماع شتات نفسه الحائرة وهو يقول: - مشاكل يا بلال ... مشاكل مالهاش دوا .. ومش هينفع يبقى ليها حل غير الانفصال وعموما أحنا متفقين على كده من زمان وهى موافقة ومرحبة كمان .. الموضوع منتهى خلاص نظر بلال إلى عينيه بعمق وقال بجدية : - مُهرة ليها علاقة بالمشاكل دى ؟ رفع فارس حاجبيه متعجباً من سؤاله وهو يقول : - وأيه علاقة مُهرة بالموضوع ده حرك بلال رأسه بلامبالاة وهو يقول : - يعنى ممكن تكون مراتك أصلاً مضايقة من اهتمامك بمُهرة واهتمام مُهرة بيك تبسم فارس ساخراً ثم قال : - لالا الموضوع مش كده خالص الحكاية أكبر من كده بكتير ثم نفض رأسه وهو يقول بثقة : - وبعدين يعنى اهتمامى بمُهرة شىء عادى.. ده انا اللى مربيها وهى بتعتبرنى مثلها الأعلى فى الحياة نظر إلى التوقيع وأشار إليه بأصبعه وهو يقول له : - شايف موقعة أيه تحت ... الفارس الصغير أبتسم بشرود وهو يقول بإعجاب : - طول عمرها بتحب تقلدنى من وهى عندها سنتين وأردف ضاحكاً وهو يكمل حديثه بشجن : - عارف يا بلال لما بقى عندها تلات سنين كانت بتشد التيشرت بتاعى من دولابى وتقعد تلبس فيه ساعة لحد ما تنجح تلبسه فى الآخر.. ويبقى طويل عليها وتقعد تتكعبل بيه وهى ماشية .. وتبسم ضاحكاً وهو يقول : - أصلها طول عمرها أوزعة ... وبرضة مكنتش بتحرم أبدا.. ترجع تاني تلبس قمصانى وهدومى أبتسم بلال رغماً عنه بتأثر وهو يخفى ضحكاته الخافتة ويستمع إلى نبع ذكرياته المتدفق قائلا: - مفيش يوم كنت برجع فيه من بره إلا والاقيها واقفالى على السلم مستنية العسلية والحلويات بتاعتى ألتفت إلى بلال وهو يقول مؤكداً: - ولعلمك هى رغم حبها للحلويات والعسلية لكن عمرها مااخدتها من حد غيرى أبداً ثم شرد مرة أخرى ناظراً للفراغ وقال : - هى كده على طول فى كل حاجة .. مبتسمعش كلام حد غيرى مبتستناش هدايا غير مني عمرها ما فرحت بهدية قد ما تكون هدية انا اللى جايبهالها علشان كده لما كانت تعبانة بعد ما اتجوزت دنيا كل اللى فكرت فيه ساعتها انى أجيبلها هدية علشان افرحها بيها ... ساعتها مجاش فى بالى خالص انى مينفعش أجيبلها هدية دلوقتى كل اللى كان فى بالى انى أدخل السعادة على قلبها وبس . ظهر الضيق على ملامحة فجأة ويتابع حانقاً : - المرة الوحيدة اللى مخدتش رأيى فيها فحاجة تخصها ..هى المرة اللى وافقت فيها على الواد اللى اسمه علاء ده .. ومش عارف ليه عملت كده .. يمكن اتكسفت ..مش عارف حرك بلال رأسه بتعجب شديد ومال للأمام وهو يضع يده على الصورة بين يدى فارس قائلاً: - أنا مش عارف ازاى راجل ناضج زيك عنده 28 سنة ومش قادر يحكم على مشاعره ويفهمها صح .. ونظر إلى عينيه بثقة وأردف قائلاً : - شوف يا فارس انا واخد بالى من الحكاية دى من ساعة ما مُهرة تعبت يوم جوازك وانت مكنتش عاوزنى أدخل اشوفها.. ومن ساعة ما كانت واقف قدام قاعة المناسبات وعروستك قاعدة فى العربية مستنياك وانت مش عاوز تسافر وتسيبها تعبانة لوحدها .. وحكاية ضربك لعلاء على السلم مكنش علشان شوفته بيتعامل معاها وحش وبس لاء .. قال كلمته الأخيرة ونظر بعمق داخل عينيه وهو يقول : - أنت كنت غيران منه .. ومستنى أى فرصة علشان تعمل فيه كده وتفش غلك فيه . أتسعت عينيى فارس وهو يستمع إلى بلال الذى تابع قائلاً : - أنا من وقت ده ما حصل وانا كنت بفكر اقولك بس كنت متردد انى افتح معاك الموضوع ده .. أولا لأنى مكنتش اعرف حكاية الطلاق اللى انت ومراتك كنتوا متفقين عليها دى وخصوصا كمان انها مجاتش النهاردة مع والدتك وانت مسألتش عليها .. ثانياً أنها كانت وقتها متجوزة هى كمان ومكنش ينفع بأى حال من الأحوال نجيب سيرة واحدة متجوزة فى كلام زى ده ... رغم أنى كنت متأكد من مشاعرها ناحيتك . هتف فارس قائلاً بحيرة ممزوجة بلهفة واضحة : - يعنى أيه عرفت مشاعرها ناحيتى أبتسم بلال وهو يرفع حاجبيه قائلاً : - هقولك يا سيدى .. يوم فرحك لما كانت تعبانة وسخنة وانا دخلت أشوفها هى حمى ولا سخونية عادية ..كانت بتهلوس باسمك وبتقول متسبنيش يا فارس.. بس صوتها مكنش باين وامها من كتر العياط اللى كانت بتعيطة مكنتش واخدة بالها.. لكن اللى انا متأكد منه أن والدتك خدت بالها هى كمان زيى بالظبط . أخذ بلال نفساً عميقاً يملأ به رأتيه وقد شعر أنه بلغ جهداً مضنياً وهو يحاول أن ينتقى كلماته وفى نفس الوقت يقرأ ملامح فارس وردود فعله السريعة الواضحة التى كانت تظهر عليه على أثر كلماته ثم زفر ببطء وقال : - وأظن بقى بعد كل اللى حصل ده وبعد ما هى اطلقت وانت كمان هتسيب مراتك زى ما قولتلى يبقى مينفعش بعد كده غير الحلال . شد على يده وهو يقول بجدية : - عجل بالحلال يا فارس أول ما تخرج من هنا إن شاء **** ...أنا لولا انى عارفك وعارف أخلاقك مكنتش قلتلك كل ده وكنت خفت عليك من تصرفاتك ومشاعرك معاها.. لكن انا علشان عارفك كويس وعارف انت هتعمل أيه لما اصارحك بمشاعرك دى ..قولتلك ونبهتك وعارف انك هتاخد الخطوة الصح نظر فارس لبلال بدهشة وهو يتابعه بعينيه وبلال ينهض واقفاً ويقول مداعباً : - أصلاً انتوا بصراحة حالتكوا صعبة أوى مينفعش فيها غير الحلال تركه بلال واتجه إلى فراشه وفارس مازال يتبعه بعينيه فى حالة ذهول شديدة , يقاومة عقله بشدة وهو يتردد داخله كلمات بلال .. خفض رأسه إلى الصورة مجدداً ومرر عينيه على حروفها ثانيةً لتتسلل إلى عقله وتفتح أبوابه المغلقة ليهرع قلبه إلى أجراس عقله يدقها فى صخب عنيف منادياً مستصرخاً ثائراً قائلاً: أيا عقلى فصدقه حبيساً بين قضبانى ... أنا المسجون لو تعلم وأنت الآن سجانى ضممتُ حبيبتى دوماً سنيناً بين جدرانى .. فكيف الآن تأمرنى بكبح جماح وجدانى فدعنى أنطلق شوقاً إلى سكنى وعنوانى ... ودعنى أرتوى عطشاً وأسكن نهر بستانى فلا تعجب على قلبٍ كنتُ أظنه ينسانى ... فرسم اليوم لى نبضاً فأصبح كل ألحانى و خط اليوم لى شعراً فأطربنى وأشجانى ...وأرسل لى بصورته فأيقظنى وأحيانى ************ صُفعت صفعة قويةً أردتها إلى صدر أمها وهى تبكى بشدة ووالدها يصرخ بها مهدداً : - أطلقتى يا مُهرة ..أتطلقتى .. وعلشان أيه ..علشان عاوزة تمشى كلامك على جوزك علشان دماغك ناشفة وعاوزة تتكسر ستين حتة ..أنا بقى هكسرلك دماغك دى وهرجعك لعلاء غصب عنك هتفت أمها باكيةُ وهى ترجوه قائلةً : - مش كده يا ابو يحيى حرام عليك البت هتموت فى أيدك صرخت مُهرة وهى تشهق بقوة وتلتقط أنفاسها بصعوبة: - مش هرجعله حتى لو قطعتنى مش هرجعله حرام عليك يا بابا أنا بكرهه بكرهه حرام عليك جذبها من شعرها إليه بقوة جعلتها تصرخ بشدة من الالم ونظر إلى عينيها بتحدى هاتفاً بغضب : - ماهو يا ترجعيله يا هحسبك هنا فى البيت ..مفيش محاضرات .. مفيش جامعة ولا دراسة تانى من أساسه .. وأبقى شوفى بقى دماغك الناشفة دى هتوديكى لفين .. لم يكتفى بألقاء توعده لها فقط وأنما ألقاها هى الأخرى بعنف وقوة جعلتها ترتطم بالجدار لتسقط مغشياً عليها فى الحال . ******* كانت الساعة الثامنة صباحاً وبدت قاعة محكمة الجنايات خاوية إلا من بعض المنتظرين لقضاياهم التى سوف تُنظر اليوم .. وكان من بين هؤلاء محامى المجنى عليها الذى جلس فى الصف الأمامى وقد شرد بعقله قليلاً وهو يتذكر اليوم الذى دخل فيه على سكرتير المحكمة وأطلع على أوراق القضية وقام بتصويرها وقد اكتشف أن محضر الشرطة تم تزويرة ومن بينهم أقوال الشهود حول الحادثة وقد تأكد لديه دون شك أنه تم تزويرة عمداً ولكنه تأكد أيضاً أن لكل مجرم لابد أن يترك خلفه أثراً ما يدل على جرمه وابتسم ابتسامة أنتصار وقد وقعت عينيه على مقدمة محضر تحقيقات النيابة والذى كانت هناك فيه جملة تشير إلى الأقوال الحقيقية للشهود ولكن المزور لم يلتفت إليها . أستفاق من شروده على صوت والد المتهم وهو يحادث دنيا بنبرة قلقة مضطربة وهو يقول لها : - أومال فين الأستاذ فارس يا أستاذة مش قلتى انه هو اللى هيحضر ويترافع قالت دنيا بفتور وهى تجلس أمامه وبجوارها وائل وتقول : - الأستاذ فارس تعب جدا أمبارح بالليل ومكنش ينفع خالص أنه ينزل النهاردة وبعدين مالك حضرتك خايف كده ليه هو أنا هترافع من دماغى هو اللى كاتب المذكرة وانا هقول اللى فيها وخلاص يعنى مش هجيب حاجة من عندى متخافش ... بدأت وقائع الجلسة وسمحت المحكمة لمحامية المتهم بالحديث وبدأت دنيا فى سرد ما حفظته عن ظهر قلب من المذكرة التى أعطاها أياها باسم حتى وصلت إلى نقطة أقوال الشهود وأكدت على أن اقوال الشهود أثبتت خطأ المجنى عليها وأنها هى المتسببة فى الحادث وعندما انتهت من مرافعتها سمحت المحكمة بدفاع محامى المجنى عليها والذى قال بأن أوراق المحضر قد تم تزويرها وإخفاء أقوال شهود الإثبات , وأنه قد حدث تزوير متعمد فى أقوال الشهود .. ثم قدم الدليل الدامغ على صدقه بأن فجر قنبلته فوق رأس دنيا مباشرة حينما ذكر للمحكمة بأنه قد ورد في مقدمة محضر تحقيقات النيابة إشارة إلى أقوال الشهود الحقيقية والمخالفة لأقوالهم فى المحضر المزور وأثبت بمرافعته التناقض بينهما واتهمهم بالتزوير فى أوراق رسمية. وتم تأجيل القضية أسبوعين لإستدعاء الضابط والشهود , وقعت المفاجأة مدوية على دنيا وزلزلت أركان خطتها كاملة وتبادلت النظرات الحائرة مع وائل وخرجت مهرولة من القاعة وهى تجرى إتصالا هاتفياً بباسم تستنجد به مما حدث .. أجابها باسم ببرود : - ومالك قلقانة كده ليه مفيش مشكلة ...أنا هجيبلك أرار الظابط ده هو والشهود وهبعت وائل يتفاوض معاهم زى ما حصل قبل كده . هتفت به وهى تتلفت حولها قلقاً : - ونفرض بقى الظابط ولا حد من الشهود مرديش يغير كلامه ... أنت شكلك كده حاطط إيدك فى المية الباردة علشان اسمك بعيد عن كل حاجة قال بثقة : - اللى ميرضاش بالذوق هيرضى بالعافية ..أنتِ باين عليكى لسه متعرفنيش كويس .. بكره هبعتلهم وائل يخلص معاهم هما التلاتة علشان نعرف مين معانا ومين ضدنا ونتصرف على الأساس ده شعرت بالتوتر الشديد والخوف وهى تقول بإضطراب : - يعنى أيه اللى ميرضاش بالذوق يرضا بالعافية دى فهمهالى صمت قليلا ثم قال بجمود أرعبها : - هو بالظبط اللى أنتِ فهمتيه ده مالهاش معنى تانى .. يا أما يحضروا ويقولوا اللى أحنا عايزينه يا اما تتقدم شهادات وفاتهم للقاضى . ********** وضعت عزة رأسها على صدر زوجها وقالت بحزن : - يا عمرو أنا مصدقت انك رجتعلى بالسلامة.. تقوم تسيبنى وتسافر تانى مسح على شعرها بحب وقال : - مش سفر زى ما انتِ فاكرة يا حبيبتى.. ده انا هاجى يومين فى الأسبوع وبعدين كلها كام شهر والفندق يخلص ونطلع بمبلغ كويس نبدأ بيه حياتنا رفعت رأسها من على صدره ونظرت إليه وقالت بغيرة واضحة : - طب واشمعنى بقى صاحبة الشركة مهتمية بيك انت بالذات بالشكل ده نظر إليها وقال بحذر : - تقصدى أيه رفعت كتفيها وهى تقول بتبرم : - قصدى أنها سألت عليك ولما عرفت اللى حصلك فضلت ورا الموضوع لحد ما طلعتك وطلعتك لوحدك كمان.. وبعدين قالتلك أن دنيا هى اللى بلغت عنكم وبعدين تديك شغل مهم وفيه فلوس كتيرة كده ..كل ده ليه ؟ ! مسح على وجنتها بظهر يده وهو يقول بمرح : - أنت بتغير ولا أيه يا جميل أمسكت بيده بين راحتيها وقالت بخفوت : - أه طبعاً بغير ..مالها مهتمية بيك كده ضحك ضحكة هادئة ونظر إلى عينيها وقال : - أنتِ عارفة اللى بتغيرى منها دى عندها كام سنه ؟! وبعدين انتِ عارفة كويس أوى أن محدش بيملى عينى غيرك ..صح ولا لاء نظرت إليه بشك وهى تقول: - مش عارفة يا عمرو.. هدوءك ده مش مطمنى خالص ضحك مرة أخرى وظهر عليه الاستمتاع بالحديث وهو يقول : - ليه بس يا حبيبى أستندت إلى ظهر الأريكة وعقدت ذراعيها أمام صدرها ثم قالت : - أصل انت من عوايدك يعنى انى لما بقولك حاجة غلط بيبان عليك انك مضايق وبتقعد تدافع عن نفسك .. لكن دلوقتى هادى كده زى ما تكون بتأكدلى أحساسى ضرب كفاً بكف وهو يحرك رأسه متعجباً منها وقال : - و**** انتِ مجنونة يا حبيبتى نظرت إليه بدهشة فأومأ برأسه مؤكداً وهو يقول بمرح : - اه و**** مجنونة صدقينى .. يعنى انا أتعصب تقوليلى أنت عصبى وبتتخانق ..أبقى هادى تقوليلى هدوءك مش مريحنى ..أعمل فيكى أيه دلوقتى نظرت إليه وقالت بجدية : - شفت بقى أنت بتوهنى ازاى وبتهرب من الكلام لف ذراعه حول كتفها وجذبها إليه وقال : - طيب أنا هريحك .. أولا الست دى أكبر منى بكتير جدا ومتجوزة راجل أعمال و ملياردير ومديها الشركة دى تديرها .. وانا واحد من مئات المهندسين اللى شغالين عندها زيى زى غيرى ..كل اللى يميزنى أنها عارفة أنى أهم الدكتور حمدى أخوها علشان كده لما الأستاذ صلاح سأل عنى لما غبت وده طبيعى طبعا أى موظف يغيب لازم يعرفوا غايب ليه ... وعرف منك اللى حصلى قالها وهى علشان عارفه انى أهم الدكتور حمدى أدخلت فى الموضوع بمعارفها الكتير.. وطبعا كده ولا كده كانت هتعرف بموضوع دنيا والست كتر خيرها قالتلنا علشان ناخد بالنا منها ...أما بقى موضوع الشغل فترشيحها ليا للسفر فدى حاجة تشكر عليها ..هى عارفة انى فى بداية حياتى وعاوزه تخدمنى علشان خاطر أخوها برضة .. ها أقتنعتى ولا لسه ..؟ نظرت إليه بعيون غير مطمئنة ولكنها لم تجد ما تقوله .. أستطاع أن يسكتها ولكنه لم يستطع أن يقنع نفسه بما قال , دارت الشكوك برأسه مرة أخرى ولكنه نفضها جميعا عندما سمعها تقول : - عمرو أنا بجد متشكرة أوى التفت إليها متعجبا وهو يقول : - متشكره على ايه قالت بابتسامة رقيقة : - علشان وافقت انى اروح الدكتورة واشوف موضوع الحمل ده اللى اتأخر . نظر أمامه بشرود ثم قال : - أنا كنت غلطان يا عزة .. أنا كنت بفكر فى نفسى وراحتى وبس ..مفكرتش فى مشاعرك انتِ ورغبتك فى انك تبقى أم زيك زى أختك تمام .. نفسك يبقى عندك ولاد كده زيها تربيهم وتهتمى بيهم وتشبعى غريزة الأمومة فيهم ...لكن الحمد *** انى انتبهت لخطأى ده بدرى ..اللى شوفته فى المعتقل ده خلانى اراجع أمورى فحاجات كتير أوى فى حياتى واحس انى تافه وأنانى ومبفكرش غير فى نفسى لاحظت عزة الوجوم الذى ظهر على قسمات وجهه واحتلها بضراوة مما غير ملامحه كثيراً .. شعر بأناملها تعبث بوجنته وهى تقول هامسة: - أنا بحبك فى كل حالاتك أبتسم وهو يلتفت إليها وقد عادت إليه روحه المرحة وقال : - وبعدين الحمل متأخرش ولا حاجة.. أنا اللى مكنتش هنا ! ******* جلست أم فارس بجوار مُهرة على طرف فراشها وأخذتها بين أحضانها ومسحت على شعرها بحنان ثم نظرت إلى والدها وقالت بغضب شديد : - أنت ازاى تعمل كده فى بنتك يا ابو يحيى.. مش حرام عليك لوح والدها بيده وهو يقول بعصبية : - معلش بقى يا ست ام فارس.. دى بنتى وانا حر فيها.. أضربها اموتها محدش له عندى حاجة أطلت من عينيها نظرات غاضبة ولأول مرة تخرج عن شعورها وتتكلم بعصبية شديدة وأخذت تهتف به قائلة : - بنتك؟! .. تعرف ايه انت عن بنتك .. بنتك دى كانت بتقعد عندى أكتر ما كانت بتقعد فى بيتك ..كانت بتلجالى وتحكيلى مشاكلها أكتر من أمها نفسها.. لما كانت بتتعب ونوديها للدكتور ويكشف عليها ويسألنا عن أسامى الأدوية بتاعتها ولا تعبت أمتى ..أمها مكانتش بتعرف.. أنا اللى كنت برد.. مفيش دكتور روحناله إلا لما افتكر أن انا اللى أمها مش مراتك يا ابو يحيى .. أبنى كان بيعلمها ويوجهها ويذاكرلها وانت حتى متعرفش هى فى سنة كام ... أنت كنت بتخرج الفجر ترجع نص الليل وامها كانت بتخرج تشتغل علشان تكفى طلباتها هى ويحيى وكنتوا بتسيبوها لوحدها فى البيت وهى عيلة ..أتربت فى حضنى وكبرت فى حضنى .. بكت أم يحيى كثيرًا وهى تستمع لكلمات أم فارس ولقد كانت تعلم أنها محقة ..تابعت أم فارس وهى تشير إلى مُهرة وتقول : - بصلها كده بعد ما كبرت وبقت عروسة.. وشوف لبسها وأخلاقها وطريقة تعاملها مع الناس علشان تعرف انى عرفت اربى صح.. وشوف كده لو كانت فضلت قاعدة لوحدها وانتوا سابينها مع اخوها وصحابه والمدرسين الرجاله اللى كانوا داخلين خارجين لما كان يحيى فى الثانوية العامة وشوف كانت ممكن يحصلها أيه .. وكل ده وانت بعيد متعرفش عنها حاجة ... ضمت مُهرة أكثر إلى حضنها وهى تصيح بهما : - حد فيكوا عمره سألها مالك .. حد فيكوا عمره عرف حتى أسامى اصحابها أيه واصحابها شكلهم أيه .. حد فيكوا عارف قلبها فى أيه.. بتحب أيه وبتكره أيه؟ ... محدش فيكوا يعرف عنها زيى أنا .. جاى دلوقتى وتقولى بنتى وانا حر فيها.. أموتها واضربها أنا حر .. وهبت واقفة بصرامة وجذبت مُهرة من يدها وأخذتها تحت ذراعها وقالت لهما بقوة لا تعرف كيف واتتها حينها : - البت دى بنتى انا.. وهاخدها عندى ومحدش فيكوا هيقربلها .. والواد اللى اسمه علاء ده لو هوب ناحيتها هخلى عيال الشارع يطلعوه من هنا بفضيحة . جذبتها خلفها بحسم وانصرفت بها أم فارس أمام أنظارهما المبهوتة , ينظران لبعضهما البعض وكل منهما يحاول أن يحمل الآخر مسؤولية أهماله وسوء تصرفه . ****** أستطاع باسم الحصول على رقم هاتف الضابط محرر محضر القضية وأتصل بــوائل وأعطاه رقم هاتفه وطلب منه أن يقابله فى مكان عام ولا يذهب إليه فى قسم الشرطة .. بالفعل قام وائل بالاتصال بالضابط وأتفق معه على مقابلة سريعة فى مكان عام ... ذهب الضابط لمقابلة وائل وعندما حاول وائل إغراءه بالمال ليغير أقواله رفض بشدة و تركه الضابط وانصرف بحدة ووائل يتابعه بنظراته القلقة الخائفة وأخرج الهاتف على الفور وهاتف باسم وأخبره بما حدث ..فقال باسم : - خلاص سيبك منه ..هو اللى عاوز يروح لقبره برجليه .. دلوقتى بقى تروح تقابل الشهود وتشوف مايتهم هما كمان وبعدين تبلغنى باللى حصل بينكوا بالظبط .. قال وائل بارتباك : - بس دلوقتى يا أستاذ باسم معظم الفلوس معاك هندفعلهم منين قال باسم بابتسامة متهكمة : - ملكش دعوة روحلهم بس واتفق معاهم وسيب الباقى عليا حاول وائل أقناع الشهود بالإستجابة لطلبه وإغراءهم بالمال ولكنهما كانا مذبذبين بشدة وقال أحدهما : - يا أستاذ وائل بقولك محامى البنت القتيلة لسه نازل من عندنا قبل انت تيجى على طول وهددنا أننا لو غيرنا أقوالنا ومقولناش الحقيقة هيفضحنا قدام المحكمة ويحبسنا بتهمة التزوير . مال وائل للأمام وقال بثقة : - ولا يقدر يعملكوا حاجة ..أنتوا هتقولوا اللى شفتوه وضيق عينيه وهو يقول مؤكدا: - مش كده ولا ايه نظرا الرجلين إلى بعضهما البعض بقلق وخوف وقال الآخر : - طيب يا أستاذ وائل سيبنا نفكر فى الموضوع ده مع نفسنا نهض وائل وهو يضع أمامهم أرقام هاتفه وقال : - كده نبقى متفقين .. تكلمونى بعد يومين علشان نقعد مع بعض ونتفق على كل حاجة غادرهم وائل سريعاً وهو يبتسم بثقة وأغلق الباب خلفه ... نظر أحداهما للآخر وقال : - هنعمل أيه دلوقتى.. الراجل ده شكله شرانى أوى وفى نفس الوقت المحامى التانى هددنا بالحبس بتهمة التزوير . قال الاخر : - طب وبعدين ... وقبل أن يجيبه سمعا طرقاً على باب الشقة فنهض أحدهما وهو ينظر للآخر مترقباً وفتح الباب ونظر إلى القادم بتساؤل ورهبة وهو ينظر إلى حلته العسكرية وهو عاقداً ذراعيه أمام صدره ويقول بهدوء ولكن بلهجة صارمة : - ها اتفقتوا على المبلغ ولا لسه ! ***** وبعد أسبوعين مرتقبين كانت تجلس فى قاعة المحكمة وهى تنظر إلى محامى المجنى عليها, يحمل وجهها قسمات انتصار واثقة بعد أن أكد لها باسم أن الشهود سيغيرون أقوالهم و عدم حضور الضابط الذى يستند إليه محامى المجنى عليها فى أثبات جناية التزوير , بدأت الجلسة وأمر القاضى حاجب المحكمة بالنداء على الشهود الثلاث .... نظرت دنيا إلى الأوراق أمامها وهى تشعر بأن كل شى قد انتهى , فبمجرد أن يشهد الشهود بنفس الشهادة التى أمام القاضى فى المحضر فسوف يتغير الحكم كما قال لها باسم ..وأخذت ترسم أحلام وردية فى دنياها الخاصة وترى اسمها يسطع فى سماء الشهرة كنجمة متلألأة بين النجوم ..ولكن شعرت بزلزال شديد يفتت أحلامها وينثرها لتسقط من السماء إلى الأرض فى خسف شديد وهو تستمع إلى صوت الضابط الذى وقف أمام المحكمة بهئيته وقد ألقى عليها هى ووائل نظرة استخفاف . بدأ القاضى بسؤاله عن أقواله وبدا هو فى سرد الوقائع الحقيقية التى حدثت بالفعل وعندما ناقشه القاضى فى الأقوال التى بين يديه فى التقرير المزيف أجاب الضابط بالنفى وأنه لم يكتب هذا المحضر وأن أقوال الشهود فيه مزيفة عن الأقوال التى أدلوا بها من قبل . أنهى القاضى مناقشة الضابط ثم استدعى الشاهدين اللذين أكدا أقوال الضابط و أنكروا بشدة الأقوال الموجودة فى المحضر المزيف ... شعرا كل من دنيا ووائل بأن الأرض قد ضاقت عليهما وأن السماء قد سقطت كسفاً على رأسها ودرات بها الدنيا وهى تهمس لوائل أن يقوم ويناقش الشهود ويحاول تضليل المحكمة ولكن الصدمات تاتى تباعاً دائماً , فجأة سمع الجميع هتاف هانى من خلف القضبان فى انهيار شديد وبكاء حار وهو يعترف بجريمته ويشهق كالنساء ويرتجف خلف قضبانه بعد ان أدلى باعتراف مفصل وظل يهتف صارخاً : - مكنش قصدى اقتلها مكنش قصدى كل ده يحصل مكنش قصدى سقطت دنيا مغشياً عليها عندما سمعت القاضى بعد المداولة ينطق بالحكم ويأمر بغحالة أوراق هانى للمفتى ويأمر بعودة أوراق القضية للنيابة العامة للتحقيق فى واقعة التزوير! الفصل التاسع والعشرون صرخت دنيا فى وجه وائل وصاحت بعصبية شديدة : - يعنى أيه مش لاقيه.. هيكون راح فين.. أختفى يعنى تبادل معها الصراخ وأخذ يصيح بانهيار : - بقولك اختفى.. أختفى ..لا تليفون ولا مكتب.. ومعرفش بيته.. عاوزانى أعمل أيه اضرب الودع ولا افتح الكوتشينه جلست ودفنت رأسها بين كفيها وهى تنوح وتبكى ثم تنهضت وتدور حول نفسها فى المكان هائمةً على وجهها وهى تقول بهيستيرية : - يعنى أيه .. وقعنا فى المصيبة دى وسابنا وخلع ..ده احنا قدامنا أقل من شهر والتحقيقات تبدأ معانا وساعتها هنتحبس على ذمة التحقيق وياعالم هنطلع تانى ولا لاء .. ألتفتت إليه صارخة بجنون : - ما ترد عليا يا بنى آدم هنعمل ايه أتجه نحوها ودفعها من كتفها وهو يصيح : - معرفش معرفش .. ياريتنى ما كنت سمعت كلامه.. ياريتنى ماكنت بصيت لفلوس القضية أدينى هتحبس معاكى ومستقبلى هيضيع نظرت له بذهول وهى تقول غاضبة : - طب ليه عمل كده ليه .. كان قصده أيه من كده.. ياخد الفلوس ويحبس فارس ويضيع مستقبلى ويحبسنى وخلاص ..طب ليه ضرب وائل قبضته فى الجدار وهو يقول بخزى : - هو انتِ لوحدك؟ .. منا كمان ضيعلى مستقبلى وهيحبسنى بسببه ..قالى ملكش دعوة.. أنا هوقف الظابط عند حده ومش هيروح المحكمة وطلع بيضحك علينا .. زى ما يكون كان قاصد يعمل فينا كده من الأول وكان بيلاعبنا بصوابعه زى عرايس الخشب ..يخلينا نروح نتفق مع سكرتير النيابة وندفعله الفلوس وهو بعيد.. ويخالينى اروح للظابط اساومه هو الشهود وهو بعيد ضرب الجدار بقبضته مرة تلو مرة وهو يهتف حانقاً : - غبى ..أنا غبى.. كان لازم أخد بالى تقدمت نحو الباب وفتحته بعنف وهى تصرخ فيه : - أطلع بره يا وش النحس .. أطلع بره خرج وهو ينظر إليها نظرات محتقرة بإزدراء, فصفعت الباب خلفه بقوة وأخذت تتنفس بصعوبة وهى تفرك يديها بتوتر وخوف ***** كادت أم فارس أن تتابع حديثها مع مُهرة لولا أن سمعت طرقات أخرى على باب الشقة .. عدلت مُهرة من جلستها بينما اتجهت أم فارس لتنظر من الطارق .. فتحت الباب فوجدت شاب لم تره من قبل, ولكنه ابتسم وقال باحترام : - السلام عليكم يا حجة نظرت إليه بتسائل وهى تقول : - وعليكم السلام يابنى قال باهتمام : - مش دى شقة الدكتور فارس سيف الدين قالت وهى تومىء برأسها : - أيوا يابنى هيا مد يده لها بخطاب قائلاً : - الجواب ده للأستاذ فارس وقبل أن تتكلم قال بسرعة : - أنا عارف أنه مش موجود دلوقتى بس لو سمحتى الجواب ده مهم جدا من فضلك تحاولى توصليه ليه بأى طريقه عن أذنك حاولت أن توقفه ولكنه لم يعطيها الفرصة وهبط درجات السلم سريعاً , أغلقت الباب وهى تقلب الخطاب بين يديها بدهشة متسائلة : - ياترى من مين الجواب ده نهضت مُهرة وتوجهت إليها وهى تنظر إلى الخطاب بين يدها وقالت : - من مين الجواب ده يا ماما - معرفش يا بنتى بس بيقولى أنى لازم أوصله لفارس ضرورى قالت كلمتها وهى تفتحه وتقول : - لما نشوف فى أيه ده كمان حاولت أن تدقق النظر فيه ولكن الخط كان صغيرا فلم تستطع أن تقرأه بوضوح فدفعته لمُهرة وهى تقول : - خدى أقريهولى يا مُهرة لحسن الخط صغير أوى أخذته مُهرة من يدها ونظرت فيه وبدأت فى القراءة بصوت مسموع : - عزيزى دكتور فارس.. مش مهم تعرف أنا مين ..المهم انى عندى معلومات مهمة جدا ليك .. أنا مش عارف انت اتخدعت بسهولة كده ازاى.. لكن انا أحب اشيل الغمامة دى من على عينك واقولك أن مراتك بعد أبوها مات على طول راحت لباسم مكتبه بعد ما حطت لأمها منوم و........ لم تستطع مُهرة القراءة شهقت وهى تضع يدها على فمها .. حثتها أم فارس على المتابعة وهى تمسكها من ذراعها وتقول بجدية : - كملى يا مُهرة سكتى ليه تلعثمت مُهرة وهى لا تعرف ماذا تفعل فقالت : - ماما الجواب ده مش لازم يوصل لفارس أبدا شدت أم فارس على ذراعها وقالت بتصميم : - هتكملى ولا أنده حد تانى يكملهولى أعادت مُهرة قراءة الخطاب فى تردد وبصوت مضطرب ... بينما أخذ وجه أم فارس يمتقع وهى تحدق فى الفراغ, حتى أنهت مُهرة قراءته فرفعت وجهها إلى أم فارس وربتت على كتفها قائلة : - ماما **** يخاليكى أهدى شوية.. أنتِ الضغط بيعلى عندك بسرعة لمعت الدموع فى عينيها وهى تقول : - يا حبيبى يابنى .. وكنت كاتم فى نفسك كل ده وساكت.. طب ليه يا فارس سكت ليه نظرت لها مُهرة بعدم فهم وقالت متسائلة : - يعنى أيه الكلام ده هو فارس كان عارف عقدت حاجبيها وهى تقول غير مصدقة : - كل تصرفاته بعد ما رجعوا من اسكندرية كانت بتقول أنهم مش كويسين مع بعض .. مع أنهم مكانش لسه بقالهم أسبوع متجوزين جديد .. وهو شكله كان كأنه شايل هم كبير أوى ومش عارف يا حبيب امه يتكلم مع حد .. دمعت عينيها وهى تقول بتاثر : - أتاريه مكنش عاوز يفضحها .. تقوم فى الآخر تعمل فيه كده ! .. بقى يسترها ويخبى سرها وفى الآخر تبهدله البهدلة دى وكل ده علشان كانت طمعانة فى القضية وفلوسها . وضعت مُهرة الخطاب بجوارها ولفت ذراعيها حول ذراع أم فارس وأسندت رأسها على كتفها وقد انزلقت دمعتين من عينيها فى صمت .. ثم قالت : - مش لازم يشوف الجواب ده يا ماما.. أحنا لازم نقطعه.. ده ممكن يتهور ويعمل فيها حاجة قالت كلمتها ومدت يدها للخطاب وقبضت عليه فى راحتها بقوة ونهضت لتلقى به فى القمامة, ولكن أم فارس أوقفتها وجذبت الخطاب منها وقالت بتصميم : - مش هنسترها تانى.. لا انا ولا ابنى.. خلاص .. لازم يشوف الجواب ولازم تاخد جزائها علشان نارى تبرد شوية.. وانا عارفة انه مش هيأذى نفسه.. بس كفاية انه يبرد ناره شوية ويعرف اللى حواليه عملوا فيه كده ليه . مسحت مُهرة دموعها براحتيها عندما سمعت رنين هاتف المنزل وتوجهت لتجيب المتصل وهى تقول : - السلام عليكم أتاها صوتاً محملاً بالفرحة واللهفة .. صوتاً كان ولا يزال محملاً بالحنان الجارف دائماً ..سقطت السماعة من يدها المرتعشة على أثر المفاجأة الغير متوقعة عندما سمعته يقول بشوق : - مُهرة ؟ ألتقطت السماعة سريعاً ووضعتها على أذنها غير مصدقة وأم فارس تنظر إليها متعجبة منها ولكن دهشتها زالت وقفزت فرحاً من مكانها عندما سمعتها تقول بأنفاس متقطعة : - فارس ؟ أخذت أم فارس سماعة الهاتف من يدها ووضعتها على أذنها تمسكها بيدها الاثنتين فى شوق ولهفة وهى تقول : - فارس ..أبنى.. أنت بتتكلم منين وضعت مُهرة يدها على صدرها وهى تشعر أن قلبها سيقفز من مكانه فرحاً واحتقن وجهها بشدة وهى تستمع لأم فارس تقول من بين دموعها : - يعنى انت طلعت يا فارس ؟.. بجد يابنى طلعت.. طب انت فين ثم أخذت تقبل السماعة وهى تبكى قائلة : - تعالى بسرعة يا فارس.. تعالى بسرعة.. نفسى اخدك فى حضنى يابنى وحشتنى أوى أنهى فارس المكالمة وهو يمسح دموعه ويد الدكتور حمدى تربط على كتفه قائلا بمرح : - أيه ده.. هو انت لسه شوفت حاجة ..أومال لما تروح بقى هتعمل أيه ثم مد يده بالهاتف إلى بلال قائلاً : - يالا خد انت كمان التليفون وكلم والدتك وبلغها أنك خرجت أبتسم بلال واستنشق الهواء النقى خارج جدران المعتقل حتى أمتلاْ صدره به ثم زفر بهدوء وقال : - لا يا دكتور معلش ..أنا عاوز اعملهم مفاجأة ضحك الدكتور حمدى وهو يقول : - حرام عليك يلاقوك قدامهم كده فجأة ضحك فارس ثم قال : - طول عمره بتاع مقالب يا دكتور.. هو كده من زمان ضحك ثلاثتهم وهم يستقلون سيارة الدكتور حمدى فى طريقهم إلى منازلهم , كان الدكتور حمدى يقود السيارة وهو ينظر إلى فارس الجالس بجواره نظرات خاطفة ورأسه يدور لا يعلم ماذا يفعل .. لابد أن يخبره بأمر زوجته التى قدمت ضده بلاغ وزجت به فى معتقلات الأهوال تلك ظلماً , ولكن هل يخبره الآن أم ماذا ؟... قطع فارس عليه تفكيره وقال متسائلا : - معرفتش يا دكتور مين اللى عمل فينا كده ؟ ألتفت إليه الدكتور حمدى ثم أعاد النظر للطريق وقد حسم أمره ثم قال : - فارس .. لازم تعرف الدنيا دى كلها فيها الكويس وفيها الوحش فيها اللى بيعمل خير لوجه **** من غير سبب وفيها برضة اللى بيأذى الناس من غير سبب ولو الأذيه جاتلك من اقرب الناس ليك أوعى تزعل نفسك .. واعرف ان **** بيكشفلك اللى حواليك علشان متفضلش عايش موهوم ومخدوع فيهم .. أستدار فارس بجسده إليه ونظر للخلف إلى حيث بلال التقت نظراتهما فى تساؤل صامت قطعه فارس وهو يلتفت إلى الدكتور حمدى قائلا : - الكلام ده معناه ان حضرتك عرفت مين أومأ الدكتور حمدى برأسه وهو يقول : - أيوا عرفت ... بس كنت محتار اقولك دلوقتى ولا لما تروح بيتك وترتاح شويه من اللى شفته أعتدل بلال فى جلسته وقد شعر أن الدكتور حمدى يقصد شخصاً قريب جدا من فارس بينما قال فارس سريعاً : - مين يا دكتور قولى مين أضطرب صوت الدكتور حمدى وهو يقول ببطء : - مراتك دنيا أتسعت عيني فارس هلعاً ونظر إلى بلال الذى لم تكن الصدمة عليه أقل من فارس .. حدقا فى بعضهما البعض بينما هتف فارس : - دنيا مراتى .. أزاى و ليه .. حضرتك متأكد يا دكتور متأكد انها مراتى اللى عملت فيا كده ظهر الأسف على وجه الدكتور حمدى وهو يقول بإشفاق : - هو ده اللى انا عرفته.. ولعلمك محدش هيقدر يجاوب على سؤالك .. إلا انت بس .. أنت بس اللى ممكن تقولنا ليه هى عملت كده أعتدل فارس فى جلسته مصدوماً واستند بظهره إلى مقعده وقد احتقن وجهه غضباً وحنقاً وضرب باب السيارة بقبضته بقوة وهو يهتف : - سؤال أيه اللى اجاوب عليه .. هو فى حاجة بين راجل ومراته مهما كانت تخاليها تعمل كده فيه .. ليه يا دنيا تعملى فيا كده ليه ده انا .. بتر كلمته وابتلعها قبل أن يكملها .. كان سيقول: - ده انا سترتك ومرضتش افضحك .. ولكن فروسيته المعهودة أبت ذلك ... ربت بلال على كتفه من الخلف ثم قال : - أستنى يا فارس لما تقابلها وتتكلم معاها بهدوء.. أحنا لسه مش عارفين حاجة.. أستنى لما تسمعلها الأول ألتفت إليه فارس غاضباً وهو يقول : - هتقولى أيه يا بلال ..هتقولى بلغت عنى وعن صحابى ليه .. ليه ربت على كتفه مرة أخرى وهو يدعوه للهدوء مرة أخرى وأن ينتظر حتى يسمع منها حتى هدأ فارس بعض الشىء وصمت غضبه خارجياً ولكن قلبه كان مشتعلاً .. كيف تفعل فيه ذلك بعد كل ما فعله من أجلها . ****** أقتربت سيارة الدكتور حمدى من منزل بلال الذى شعر بنشوة وانتشاء حينما لاح جانب المنزل من بعيد فقال سريعاً : - كفاية هنا يا دكتور معلش تعبناك معانا أبتسم الدكتور حمدى بوقار وقال ضاحكاً: - تعب أيه بس هو انا اللى اتعلقت ... قال كلمته وضحك بينما انفجر بلال ضاحكاً ثم قال : - بعد اللى شوفته فى المعتقل ده بيتهيالى مفيش مصرى متعلقش ضحكا الأثنان بينما كان فارس واجماً شارداً فى عالمه الخاص .. ترجل بلال من السيارة وانحنى باتجاه فارس وضع يده على كتفه قائلا : - الهدوء هو اللى هيعرفك السبب مش الغضب.. أهدى وتوكل على **** أومأ له فارس برأسه بينما شرع الدكتور حمدى فى الأنطلاق بالسيارة إلى حيث منزل فارس صعد بلال درج منزله بهدوء ومر بجوار باب المركز الخاص به ونظر نظرةً فى الخفاء متعجباً .. المركز خاوى ولكنه مفتوح وكأنه يعمل, وكأنه لم يُغلق يوماً , وفى هذه اللحظة شعر بمن يضع يده على كتفه من الخلف قائلا بخشونة : - مين حضرتك ألتفت إليه بلال وابتسم فى وجه الممرض المساعد له فى المركز والذى ما أن رآه حتى كاد أن يهتف متفاجأً باسمه, لولا أن وضع بلال يده على فمه وكممه حتى هدأ ثم رفع يده عنه وهو يشير له بالصمت .. هتف المساعد بسعادة: - رجعت من السفر أمتى وأيه المفاجأة الحلوة دى أبتسم بلال وهو يجيبه بصوت خفيض : - **** يسلمك ..ها أخبار المركز أيه رفع المساعد كتفيه وهو يقول : - حضرتك مشيت من غير ما تقولى.. وطبعا الناس ابتدت تضايق من سفرك المفاجىء.. قفلنا شوية بس زوجة حضرتك فتحته تانى ورجعنا كلمنا الناس وبلغناهم ان سبب سفرك كان ضرورى ومسألة حياة أو موت .. والناس تفهمت الوضع وبلغناهم اننا هنتصل بيهم تانى لما المركز يرجع يشتغل ظهرت البشاشة على وجه بلال مقدراً لمجهود زوجته فى الحفاظ على سمعته كطبيب فلم تكن عبير تطمح فى أن ينتظره المرضى , فالمرض لا يمكن الصبر عليه , ولكن كل طموحها كان فى الحفاظ على سمعته كطبيب حتى لا تتأثر بهذا الاختفاء المفاجىء وانتقطاعه عن متابعة المرضى ... ألتفت إلى مساعده وقال متسائلا: - وانت كنت فاتح ليه دلوقتى قال المساعد : - مش انا دى زوجة حضرتك .. وانا كنت نازل اشترى شوية حاجات كده للمركز رفع بلال حاجبيه قائلا: - يعنى هى جوه دلوقتى ؟ أومأ المساعد برأسه ثم قال : - قالتلى اجيب الحاجات دى.. ولما ارجع هى هتمشى على طول أخذ بلال الأشياء من يد المساعد وقال : - خلاص امشى انت .. النهاردة أجازة بمناسبة رجوعى كانت عبير تجلس على مقعده خلف مكتبه وهى تقلب أوراقه وتحاول فهم ما بها برغم صعوبتها .. شعرت بمقبض الباب يفتح فعقدت جبينها وأنزلت ال**** على وجهها ونهضت واقفة بتوتر .. عقدت جبينها بقوة وهى لا تعلم أنها سترى أحب الوجوه إليها على الأطلاق .. فُتح الباب ولكن أحداً لم يدخل ولكنها سمعت صوته يقول : - خايف ادخل فجأة تتخضى صرخت عبير ووضعت يدها على فمها وجرت باتجاه الباب وفتحته بلهفة لتنظر إليه وإلى ابتسامتة التى زينة وجهه وابتلعت ريقها وهى تحدق به غير مصدقة أنه يقف أمامها .. لم تمضى عليها ثوان حتى دارت رأسها وسقطت مكانها ولكنها لم تفقد الوعى ... حملها بلال وأغلق الباب خلفه بقدمه وتوجه بها إلى مقعد الكشف الكبير ووضعها برفق ورفع ال**** عن وجهها وهو يقول بلوعة : - عبير.. أنتِ كويسة ؟ نظرت إليه بعيون دامعة وهى تقول بوهن : - أنت بجد ولا حلم؟ أبتسم وهو يمسح على وجنتها ويمرر أنامله على وجهها وهو يقول هامساً : - بجد يا حبيبتى ..أنا طلعت النهاردة وقلت أعملكم مفاجأة بس اظاهر انى غلط وضعت يدها على وجهه تتحسسه باضطراب وهى مازالت غير مصدقة وتقول : - يعنى انا مش بحلم .. قالت كلمتها وبدأت فى بكاء مرير ولفت ذراعيها حول رقبته وعانقته بقوة وهى تتشممه وتبكى وتنتفض وتقول هاتفة : - **** مكنش بحلم .. **** تكون حقيقى يا بلال.. **** تكون رجعتلى يا حبيبى ضمها إليه بقوة وهو يمسح على ظهرها برقة وقد اغرورقت عيناه بالدموع من فرط تأثره بكلماتها وهو يقول مطمئناً : - أطمنى يا حبيبتى.. أنا هنا و****.. أنا بجد .. أطمنى ... وحشتينى وحشتينى أوى رفعت رأسها من صدره ونظرت إليه مرة أخرى وهى تمسك بوجهه بين راحتيها وقالت : - شفت الولاد وماما ولا لسه هز رأسه نفياً وهو يقول مبتسماً : - أنا لما عرفت انك هنا مقدرتش أروح فى حته تانية.. دخلتلك على طول أنتبهت عبير وهى تقول : - هو الممرض بره ؟ هز رأسه نفياً مرة أخرى وتلمس وجنتها وهو يتأملها قائلاً بشوق : - متقلقيش ..أنا مشيته وقفلت باب المركز من جوه .. يعنى أحنا لوحدنا دلوقتى نظرت له وابتسمت بحب فقال بمرح : - فاكرة الكرسى ده لما قعدتى عليه أول مرة وكنتِ خايفة أحسن اكشف عليكى ضحكت وهى تحيط عنقه بيدها قائلة : - فاكرة نهض من مقعده وجلس جوارها قائلا بخفوت : - هى رجلك عاملة أيه دلوقتى ؟! ضحكت عبير برقة وحب وشوق كبير .. ها قد استعادت الزهرة عبيرها وشذاها الخلاب وكأنها عادت للحياة من جديد , بلمسة من بستانيها الخبير, لتتفتح وتزدهر على ألحان قلبه وهو يسقيها بعذب كلماته التى ينتقيها دائما لها, كما يتلمس البستانى زهوره بحب واهتمام ورقة ... وضمير . ***** هتفت أم فارس وهى توجه كلامها لأم يحيى قائلة : - يالا بسرعة يا ام يحيى زمانهم على وصول وضعت أم يحيى القدر على النار وهى تقول : - مش كانوا بلغونا من بدرى كنا عاملنا أصناف كتير مسحت مُهرة العرق من جبينها بظهر يدها وهى تقول بحماس: - كده خلاص الرز كمان خلص .. قالت أم يحيى لمُهرة : - تصدقى يا بت يا مُهرة.. أول مرة أعرف أنك بتعرفى تطبخى قالت أم فارس معاتبة : - وهتعرفى منين متخاليناش نتكلم بقى ضحكت مُهرة وهى تضع قبلة صغيرة على وجنة أم فارس قائلة : - خلاص بقى المسامح كريم غيرت أم يحيى مجرى الحديث قائلة : - أنا حاسة ان الأكل ده مش كفاية قالت مُهرة مبتسمة وهى تقطع خضروات السلطة : - اصلاً الدكتور فارس لما بيكون مبسوط مش بياكل كتير.. علشان كده متتعبيش نفسك المهم بس السلطة جنب الأكل علشان بيحبها أوى توجهت أم يحيى خارج المطبخ وهى تقول : - أنا سامعة دوشة تحت ..هروح اشوف خناقة دى ولا أيه خرجت أم يحيى بينما انتفض قلب مُهرة وهى تقول بخفوت : - شكلهم وصلوا نظرت لها أم فارس متسائلة بينما خرجت مُهرة تهرول متوجهة إلى غرفة أم فارس وبدلت ملابسها التى كانت ترتديها فى المنزل وارتدت ملابسها ووضعت ال**** على رأسها وخرجت مسرعة إلى المطبخ فلم تجد أم فارس وسمعت صوتها وصوت والدتها آتى من الشرفة فخرجت إليهما سريعاً وهى تلتقط أنفاسها بصعوبة والابتسامة الواسعة مرتسمة على شفتيها وقد أيقنت أنه قد جاء .. وقفت بجوارهما فى الشرفة لتنظر إلى جيرانهم وأهل شارعهم البسيط وهم ملتفون حوله والدكتور حمدى يقف بجواره مبتسماً وسعيداً بهذا الحب الذى يحظى به فارس من الجميع ... شعرت أن قلبها سيخرج من صدرها ويقفز من الشرفة إليه وضعت يدها على صدرها تمنعه وتصده عن الجنون واحمر وجهها بشدة وتسللت الدموع من مقلتيها رغماً عنها مختلطة بابتسامتها التى ملأت وجهها ... رفع فارس وجهه للشرفة وهو يحاول تخطى الجميع بصعوبة ليستطيع أن يرى والدته التى كانت تهتف باسمه وتدعوه للصعود بسرعة .. كانت تلك النظرة كفيلة أن يراها ولو لثوان ويرى تعابير وجهها ودموعها .. تراجعت مُهرة خطوة للوراء وهى تلتقط أنفاسها بصعوبة وشعرت أنها لن تستطيع أن تحتمل هذا اللقاء .. خرجت من الشرفة تجرى إلى باب الشقة , فتحته وصعدت مسرعة وهى تسمع وقع أقدامه على السلم يصعد بسرعة أكبر من التى تصعد هى بها , ولكن خوفها من لقاءه جعلها تسرع أكثر حتى وصلت لباب شقتها .. أختفت بعيدة عن السلم واستمعت لوقع أقدامه وهو يقترب من شقته ويتبعه الدكتور حمدى .. وسمعت والدته وهى تبكى وتهتف باسمه . عانقته والدته بلهفة وحنان وضمته إلى صدرها بقوة وهى تبكى .. جعل يمسح على رأسها وظهرها وهو يقول : - وحشتينى أوى يا أمى . دخل شقته وهو يلف ذراعه حول كتفها وهو يقول للدكتور حمدى : - أتفضل يا دكتور أتفضل ثم نظر إلى أم يحيى التى كانت تقول بفرحة : - ألف حمدلله على سلامتك يا دكتور أبتسم فارس وهو يومىء برأسه قائلا: - **** يسلمك يا ست أم يحيى تجولت عيناه فى المكان سريعاً ... كان يتوقع أن يراها ولكنها غير موجودة .. تحول بنظرة إلى المطبخ فربما تكون هناك , وهنا قالت والدته وهى تضيق عينيها بمكر : - بتدورعلى حد ؟ ألتفت برأسه إليها وقال متلعثماً : - ها لالا مفيش ..أنا بس هموت من الجوع وحشنى أكلك أوى يا ماما قالت وهى تشير لعينيها : - من عنيا يا حبيبى سمع أم يحيى وهى تقول موجهة كلامها لأم فارس : - هى البت مُهرة مش كانت واقفة معانا فى البلكونة.. أختفت فين البت دى فجأة قالت أم فارس مبتسمة : - شكلها طلعت فوق ظلت مُهرة واقفة أعلى الدرج أمام باب شقتها, لا تعرف ماذا تفعل , تخاف من مواجهته , أن ينظر إليها بعد الخاطرة التى كتبتها على ظهر الصورة وأرسلتها إليه قاصدة أن تخفف عنه وتلهمه الحل وهدوء النفس فى حالة معرفته بما فعلت زوجته به . ****** رفع فارس وجهه بعد أن انتهى من قراءة الخطاب الذى قدمته إليه والدته بعد انصراف الدكتور حمدى وأم يحيى وكان وجهه محتقناً بشدة وصدره يعلو ويهبط بجنون , الآن فقط علم لماذا ! , هب واقفاً واتجه نحو الباب بغضب شديد , حاولت والدته منعه ولكنها لم تستطع .. أتجه إلى بيتها فى غضب شديد وبمجرد أن اقترب أخرج سلسلة مفاتيحه الخاصة لسوء حظ دنيا كان مازال محتفظ بمفتاح شقتها منذ أن كان معها هناك بعد وفاة والدتها .. وبدون مقدمات فتح الباب ودخل فلم يجد إلا الهدوء والسكون .. دار فى الشقة سريعاً وقسمات وجهه تنطق ضيقا وغضبا فلم يجدها , دخل غرفتها مرة أخرى وأخرج ملابسها من الخزانة بعصبية وقذف بها فى كل مكان باحثا عن أى شىء آخر يدينها .. أمتلأت أركان غرفتها بملابسها وانقلبت الغرفة رأساً على عقب .. وأخذ مقعد وجلس ينتظرها والشرر يتطاير من عينيه .. مرت ساعة من الوقت وإذا به يسمع المفتاح يدور فى الباب من الخارج فعلم أنها قد حضرت أخيراً .. فتحت دنيا الباب بارهاق واضح ووضعت بعض الأطعمة التى أحضرتها على الطاولة ثم توجهت إلى غرفة نومها لتبدل ملابسها ولكنها تسمرت مكانها بمجرد أن فتحت الباب لتجد ملابسها مبعثرة فى كل مكان, حدقت فى الغرفة لبرهة قبل أن تشعر بيد تمتد إليها من خلف الباب لتجذبها من شعرها بقوة وتطرحها أرضاً ... سقطت دنيا على الأرض وهى تصرخ ولكن صرختها تحاشت فى حلقها عندما نظرت إلى وجه مهاجمها .. وقالت بفزع : - فارس ! تقدم نحوها وعينيه ينبعث منها الشرر والغضب , تراجعت للخلف وكأن لسعات غضبه تطولها فتحرقها .. نظر لها بأحتقار ورفع يده وصفعها بقوة على وجهها وهو يهتف بها : - حقيييرة وقعت على المقعد الصغير وقبل أن تنهض تقدم منها بسرعة وقبض على شعرها بقوة وهو ينظر إليها بتقزز واشمئزاز قائلا بصوت مُخيف : - قبلتى تتجوزينى ليه لما انتِ مش عاوزانى من الأول .. روحتى لباسم علشان يخلصك منى ها .. صرخت من قبضته التى تمزق شعرها وهو يهزها منه بعنف متابعاً : - وتضحكى عليا وتقوليلى سواق تاكسى خطفنى واغتصبنى .. وكمان عملتى عملية علشان تخدعينى أكتر.. لولا أن **** كشفك وعمليتك باظت ... وبعد ما سترت عليكى ومفضحتكيش تسجنينى أنا واصحابى علشان القضية يا حقيرة ... دفعها بقوة إلى الفراش وهى تصرخ وتنظر إليه بفزع ,حاولت أن تتشبث بالفراش لتنهض ولكنه جذبها إليه ووضع يده حول رقبتها وهو يحدق بها بنظرات لم تراها منه أو من غيره طيلة حياتها .. نظرات مُميتة ... وسمعت صوته التى كان يأتى من بئر سحيق وهو يقول بصوت أرعبها : - كنتِ عاوزاهم يقتلونى فى أمن الدولة وتخلصى مني؟ .. كنتِ مستعجلة على الفلوس أوى كده ؟ بتحبي الدنيا أوى كدة ؟.. طالما بتحبيها كده ..أنا بقى هحرمك منها ودلوقتى .. حالاً .. وبدأ يقبض على رقبتها بقبضته بقوة وهى تنتفض بين يديه وتحدق به مذعورة وقد احتقن وجهها وبدأت دماء الحياة تفارقه .. وشعرت أنها ستموت فى هذه اللحظة وتنتهى .. ولكن فجاة شعرت أن الدماء بدأت تعود إليها من جديد والهواء يعانق رئتيها وشعرت بارتخاء أصابعه حول رقبتها ونظرت إليه وهو يقول لها : - أنتِ خسارة فيكى الواحد يضيع نفسه علشانك .. وارتطمت وجنتها بصفعة أخرى وصرخ فيها قائلا: - بس مش هطلقك واريحك.. خاليكى مرمية هنا علشان وقت ما يجيلى مزاجى وأعوز اقتلك ابقى عارف طريقك بصق عليها ونظر إليها باحتقار وغادر المكان وهو يشعر بالتقزز والنفور وأغلق الباب خلفه بقوة أرعبتها وانتفض لها جسدها الذى لم يعد يستطع أن يتحمل كل هذا الرعب والخوف والفزع, أغمضت عينيها وابتلعت ريقها وهى ترتعش وبدأت فى بكاء هيستيرى .. كانت تريد كل شىء ففقدت كل شىء , حتى حياتها كادت أن تفقدها ...فى لحظة غضب ****** عاد إلى منزله مساءا وهو يشعر أنه قد فقد جميع قواه وبذل مجهوداً نفسياً مضنياً .. هبت والدته منتفضةً واتجهت إليه متلهفةً وقالت : - كده يا فارس تعمل كده فيا انا كنت هموت من الخوف عليك تنفس بعمق ثم ربط على كتفها مطمئناً وهو يقول بإرهاق: - معلش يا أمى أنا آسف كان جوايا شحنة وعاوز اطلعها فى مكانها اللى يستهالها نظرت إليه متفحصة بقلق وهى تتسائل : - روحتلها مش كده ؟ عملت فيها حاجة ؟ هز رأسه نفياً وهو يقول بابتسامة واهنة : - متخافيش عليا.. أنا فشيت غلي فيها وخلاص.. هو أنا مجنون أضيع نفسى فى واحدة زى دى أخذته من يده كالأطفال وذهبت به إلى غرفته وأجلسته إلى فراشه قائلة : - نام شوية طيب ..شكلك تعبان أوى ده انت حتى مستريحتش من ساعة ما رجعت خرجت وتركته يهوى بجسده المنهك فوق فراشه وهو يفكر فى زوجته وما فعلته به منذ أول يوم زواجهما وحتى هذه اللحظة ويتسائل عن سبب واحد فعله معها جعلها تنكر كل شىء وتقذف به خلف ظهرها وتخطوا فى طريقها على جثته بهذا الشكل القبيح .. فلم يجد شىء إلا دنائتها .. فالشخص الدنىء لا يؤثر فيه معروف ولا يستقبح مُنكراً .. لقد أخطاء منذ اللحظة الأولى عندما قبل الأرتباط بفتاة مثلها , لم يعطى بالا وهو يقرر الارتباط بها لحديث النبى صل **** عليه وسلم أظفر بذات الدين تربت يداك... وكانت هذه هى النتيجة, غطى الطمع عينيها ولم تجد ديناً يُردعها فما كان منها إلا الخيانة ... أغمض عينيه فى سكون وهو يشعر فيهما بألم شديد وكأن نغزات شوك شديدة تنغزه من كثرة الإرهاق والتعب والجهد , ورغم أنها الليلة الأولى التى سينامها على فراشه بعد كل ما مر به إلا أنه لم يرتاح , وظلت رأسه تدور حتى سقط فى نوم عميق فجأة وكأن النوم بئر قد أُسقط فيه رغما عنه على حين غره ******** فى الصباح استيقظ على صوت رنين الهاتف فنهض وهو يشعر بألم فى عظامه شديد .. نهض بتاكسل وتثاقل وعندما فتح الباب سمع والدته تتحدث فى الهاتف قائلة : - لاء لسه مصحيش .. يابنتى أطمنى ليه القلق اللى انتِ فيه ده .. قلتلك امبارح أنه جه كويس ودخل نام .. لاء متخافيش لو كان حصل حاجة كان هيبان عليه يعنى ..... طيب ماشى خلاص ..مع السلامة أنهت المكالمة واستدارت لتجده يقف بجوار باب غرفته عاقداً ذراعيه أمام صدره والابتسامة تعلو وجهه وهو يقول : - كانت بتطمن عليا مش كده ؟ أبتسمت والدته بمكر وهى تقول بلامبالاة : - هى مين دى قصدك مين اقترب منها وقبل وجنتها وهو يقول بمرح : - مش عارفة مين يا ست أم فارس ضحكت وهى تتجه للمطبخ فدخل خلفها وهو يقول بأصرار : - ممكن بقى تحكيلى كل حاجة مكنتش واخد بالى منها ألقت عليه نظرة وهى تعد الأفطار ثم قالت : - وانا مالى أسأل صاحبة الشأن تنهد بقوة وهو يقول : - اسألها ازاى بس.. مش هينفع اكلمها أصلا وضعت والدته طبقين فى يديه ثم أخذت بقية الأطباق وخرجت من المطبخ وهو يتبعها وقالت : - و**** لو دخلت البيت من بابه هينفع تكلمها ونص كمان جلس على المقعد خلف المائدة وهو يقول مراوغاً: - أنتِ شايفة كده يعنى ؟ نظرت له نظرة جانبية وضربته على كتفه وهى تقول : - يا واد بطل تتلائم عليا .. ده انت عاوزها النهاردة قبل بكره ضحك وهو يمسك يدها التى ضربته بها وقبلها ثم قال : - هو انا معرفش أهزر معاكى شوية يا حجة.. علطول فقسانى كده أبتسمت فى سعادة وقالت : - تحب احددلك معاد أمتى أخرج هاتفه من جيبه ووضعه أمامها على المائدة قائلا: - دلوقتى نظرت إلى الهاتف ثم نظرت إليه بدهشة وقالت : - أنت بتكلم جد يا واد أخذ الهاتف وضغط رقم منزلها وأعطاها الهاتف وهو يومىء برأسه أى ..نعم أخذت الهاتف مبتسمة بدهشة من تصرفاته الصبيانية وكأنها ترى ولدها لأول مرة ! ****** نظرت أم يحيى إلى مُهرة التى كانت تفرك يديها بتوتر بالغ وقد احمرت وجنتيها بشدة بعد أن أخبرتها بطلب فارس وقالت لها : - يعنى مردتيش عليا يا مُهرة.. أوعى تكونى مستغربة زيى انا وابوكى لم تستطع أن ترفع وجهها , كان الخبر كفيل بأن يفقدها وعيها ويلجم لسانها .. ها هو حبيب العمر يتقدم طالباً الزواج منها ثانى يوم تحرره من الأسر وكأنه لم يكن فى أسر السجون فقط .. هزتها أمها من كتفها وهى تقول : - يابنتى ردى على ابوكى رفعت مُهرة رأسها إلى والدها الذى قال : - هتعملى فيها مكسوفة.. ما تردى على طول ها اقوله أيه.. موافقة ولا رافضة همهمت فى خفوت فلم يسمعها أحد منهما ...هتف والدها بصوت عالى انتفضت له وهو يقول : - متعلى صوتك جلست والدتها بجوارها وهى تقول : - حبيبتى .. المرة دى مش هنجبرك على حاجة.. أنتِ حره متخافيش.. أنا عارفة انه أكبر منك بعشر سنين واكتر وانتِ بتعتبريه زى اخوكى الكبير و........ قاطعتها مُهرة فجأة وهى تقول بسرعة : - موافقة ****** - فارس أنت بتهزر ولا بتكلم جد؟! ضحك فارس وهو يجيب عمرو عبر الهاتف النقال : - هى الحاجات دى فيها هزار يا عبيط اخواتك انت ..طبعا بتكلم جد قال عمرو بمرح : - أصل مش معقول .. أنت عارف انت اكبر منها بكام سنة ولا ناسى ...طب وهى وافقت ازاى تنحنح فارس وهو يقول : - وأيه المشكلة .. مش فاهم تنهد عمرو وقال : - طب وهى قالتلك أيه ..وافقت على أساس أيه يعنى أبتسم فارس ابتسامة واسعة وهو يقول : - بينى وبينك انا كنت هموت واشوفها واتكلم معاها.. لما طلعت عندهم فى البيت لما كنت بتفق مع والدها على التفاصيل, بس هى بقى مرضيتش تخرج وامها قالتلى انها لو خرجت دلوقتى هيغمى عليها من الكسوف .. ضحك مرة أخرى وهو يقول : - حتى لما اتلككت وقلتلهم طيب لو هى عاوزه تسألنى على حاجة هتعمل أيه ..وانا لو عاوز اسالها على حاجة هعمل ايه ... مامتها دخلت كلمتها وخرجت تقولى .. بتقولك لو عاوز تسألها على حاجة قول لماما .. وماما هتقولى وانا هرد عليك عن طريقها ..وانا مش عاوزه اسأله على حاجة علشان انا عارفة كل حاجة! ضحك عمرو ضحكات رنانة وقال : - للدرجة دى مكسوفة منك ..سبحان مُغير الأحوال ... قولى بقى الخطوبة أمتى كده رفع فارس حاجبيه وقال : - خطوبة ايه يا عم الحاج ..هو انا بتاع خطوبة ..تفتكر يعنى لسه هخطب بقى وأغض البصر وكده ..وبعدين هى كمان بقت تكسف منى أوى وأنا عاوز أخاليها تاخد عليا شوية .. أحنا اتفقنا على كتب الكتاب على طول عمرو: - طب قولى أمتى بقى علشان أجى احضر فارس : - كنا هنخاليها الخميس بس علشان سيادتك بقى هنخاليها الجمعة قال عمرو مداعباً : - تصدق يا فارس انا عمرى ما شوفتك كده أبداً .. حتى فى جوازتك الأولى مكنتش فرحان أوى كده للدرجة دى بتحبها زفر فارس بقوة محاولاً أخراج جميع انفعالاته وقال : - بحبها أيه يا أخى.. أنا مش لاقى كلمة توصف أحساسى بيها .. أنا لما بلال كلمنى فى السجن ونبهنى.. حسيت بعدها انى عاوز أكسر حيطان الزنزانة وأخرج اشوفها .. كان نفسى اشوفها أوى يا عمرو.. ساعتها حسيت بالسجن فعلا كان هو ده سجنى الحقيقى .. أنا مش عارف انا ازاى مخدتش بالى العمر ده كله ******* الفصل الثلاثون فى مساء اليوم التالى دخل فارس مكتب الدكتور حمدى بعد أن هاتفه وطلب منه الحضور على الفور لأن والد هانى قد جاء إلى المكتب وينتظره هناك ... طرق فارس باب حجرة مكتب الدكتور حمدى ودلف إليه وهو ينقل بصره بين الدكتور حمدى ووالد هانى الذى كان يقبع أمام حمدى وقد ظهر حول عينيه السواد من شدة الإرهاق والأكتئاب الذى يعانيه منذ أن حُكم على ولده بأحالة أوراقه للمفتى .. جلس الرجل يستمع إلى فارس وهو يقص عليه ما حدث معه منذ أن دخل مكتبه أول مرة وطلب منه الدفاع عن ابنه هانى فى قضية القتل , كان يستمع إليه وهو محدق به تتسع عينيه شيئاً فشيئاً غير مصدق ما تسمعه أذنه حتى انتهى فارس قائلا: - يعنى مش ابنك لوحده اللى اترمى فى السجن بسبب القضية دى .. أنا كمان اترميت ظلم وده الفرق بينى وبين ابنك ضاقت عينيى الرجل وهو يقول بذهول : - يعنى مراتك هى اللى عملت كل ده لوحدها بعد ما رميتك فى السجن هى و وائل أومأ فارس برأسه وقال بأسى : - أيوا مراتى ووائل صاح الرجل بانهيار : - يعنى مراتك تتمتع بالفلوس وانا ابنى يتعدم واخسره رفع فارس رأسه إليه وقال بجدية : - ومين قالك انها هتتمتع بالفلوس .. دى زورت أوراق رسمية يعنى هتتحبس هى واللى ساعدها دفن وجهه بين كفيه وهو يبكى هاتفاً : - وابنى يا ناس ..أبنى هيروح مني مال فارس للأمام وقال بهدوء: - الحكم ده مش نهائى .. ده غير ان المحكمة هتراعى انه اعترف على نفسه رفع رأسه ونظر إليه وهو يضرب كفيه بحسرة : - يعنى كل التعب اللى تعبت فيه ده كله وانا بربيه وبكبره وبصرف عليه وبعمله اللى هو عايزة وفى الاخر ياخد مؤبد ولا أعدام .. ليه كده يا هانى انا قصرت معاك فأيه يابنى تبادل فارس مع الدكتور حمدى النظرات المشفقة على الرجل وانحنى فارس باتجاهه وربت على كتفه قائلا: - التربية مش معناها انك تديله فلوس وتخليه مش عاوز حاجة .. أنت كنت مخصصله شقة بتاعته من غير رقيب ولا حسيب على تصرفاته .. أنت اديته فى أيده الأداه اللى دمر بيها نفسه وانت فاكر انك بتسعده مسح الرجل دموعه وهو يقول بحزن: - أنا كنت بقول ده راجل مش بنت علشان أخاف عليه ربت فارس على كتفه وقال : - الحلال والحرام مفيهوش راجل وست .. كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.. أنت لو كنت ربيته على الحلال والحرام كنت كسبت راجل فى ضهرك دلوقتى يقف جنبك ويساندك.. نهض الرجل بتثاقل وقد شعر أن جبلاً قد وُضع على ظهره فلم يعد يحتمله وقال بوهن : - متشكر يا دكتور فارس .. بس انا فوقت متأخر أوى بعد ما ابنى ضاع مني وماليش حيلة خلاص وقبل أن يخرج من حجرة المكتب تبعه الدكتور حمدى مربتاً على كتفه مطمئناً له وقال : - متقلقش زى ما قالك فارس الحكم مش نهائى أومأ الرجل برأسه حزناً وهو يشعر بالضياع .. لم تنفعه أمواله فى أن ينشىء رجلا حقيقياً يعتمد عليه فى مراحل عمره المتقدمة ومرضه الذى بدأ يزحف إليه رويداً رويدًا . بعد خروج الرجل من مكتبه أخرج فارس جواب استدعاء من النيابة وقدمه للدكتور حمدى قائلا: - الآستدعاء ده جالى النهاردة الصبح علشان قضية التزوير,قرأ الدكتور حمدى جواب الاستدعاء وهو يومىء برأسه ثم قال : - ده كان متوقع يا فارس طبعا .. متنساش أن أسمك فى التوكيل أول أسم .. مط شفتيه قائلا: - عموما متقلقش فى أكتر من اثبات أنك مكنتش شغال القضية دى تنهد فارس بعمق وقال : - أنا مش قلقان يا دكتور .. أنا عارف انى هطلع منها بسهولة ان شاء **** .. أنا هروح بكره واحط أقوالى و**** ييسر الأمر والموضوع يخلص على كده نظر له الدكتور حمدى بإشفاق قائلا: - معلش يا فارس أنا عارف أن اللى حصل مش سهل عليك وصدمتك فى مراتك مش قليلة بس انت قدها وهتتجاوز الأزمة دى بسرعة زى عادتك دايما .. ثم ابتسم قائلا : - وبعدين عندى ليك خبر حلو هينسيك كل ده نظر فارس إليه بفضول فقال حمدى على الفور بمرح : - هو انت يابنى مش معاك الدكتوراة ولا أيه أومأ فارس برأسه وهو ينظر إليه بفضول كبير فأردف الدكتور حمدى قائلا: - طب استعد بقى علشان تستلم شغلك فى الجامعة يا دكتور حدق فارس به غير مصدق وعلى وجهه ابتسامة وقال بسرعة: - بجد يا دكتور أبتسم الدكتور حمدى وقال بخشوع: - **** كبير أوى يا فارس ********* كانت عبير تضع الأطباق على المائدة وقد ارتسمت ابتسامة رضى على شفتيها ثم ضحكت ضحكة صغيرة وهى ترى بلال يمرح مع الأولاد ويداعبهم ويقوم بتعليمهم الملاكمة وهم يتدربون فيه , فمنهم من يلكمه فى معدته ومنهم يلكمه فى وجهه ومنهم من يقفز على ظهره ويلكمه فى ساعديه وهو يصرخ بمرح ويصيح : - ألحقينى يا عبير ولادك هيموتونى ضحكت وهى تقول : - أحسن ..أنت اللى علمتهم ثم صفقت بيدها وهى تقول للأولاد: - يالا يا ولاد أدخلوا صحوا تيتة علشان نتغدى سوا ولكنهم لم يعبأوا ظلوا يلكمونه ويضربونه ولكنه استطاع أن يفلت منهم جميعاً ويهرول بأتجاه عبير وهو يصيح بمرح: - ألحقونى هيموتونى وهم يهرولون خلفه ويضحكون بشدة .. جرى بلال حتى وصل إلى عبير ولف خلفها وأحاط خصرها من الخلف وهو يحتمى بجسدها منهم وكلما جاؤه عن يمينه أدارها ناحية اليمين واذا جاؤه عن شماله أدارها باتجاههم وكأنها دمية يلعب بها وهى تضحك ولا تستطيع الفكاك من ذراعيه المحيطة بها .. خرجت أم بلال من غرفتها على أصوات الضحك ونظرت إلي بلال محدقة به وهو يحيط عبير من الخلف ويضمها إلى صدره والأولاد يضحكون وهى تضحك .. نظر بلال إلى والدته وقال : - لا أرجوكى يا أمى متفهمنيش غلط حاولت عبير فكاك يده من حولها وهى تشعر بالخجل وهو مازال مطبقاً عليها بقوة لا يريد تركها فصاحت فى والدته : - ألحقينى يا ماما خاليه يسيبنى جلست والدته على الأريكة وهى تهتف به : - سيبها وبطل استعباط نظر الأولاد إلى بعضهم البعض وكأنهم يقررون خطةً ما لفك أسر والدتهم ... أندفعوا بقوة نحوهما وسقط الستة أرضا وسط ضحكات عالية .. أستطاعت عبير أن تتحرر وتنهض مسرعةً تجرى باتجاه المطبخ وهى تصيح : - حرام عليكوا الأكل هيتحرق دخل بلال خلفها بعد أن أعطى والدته دوائها ووقف خلفها ينظر إليها وهى تُعد الطعام والعرق ينبت على جبينها من الأبخرة المتصاعدة فى وجهها وهى تزيل غطاء القدر وتقلب فيه بهمة وتتذوقه لتشعر بالرضا تجاهه .. وضعت الغطاء مرة أخرى والتفتت لتجده واقفاً يشاهدها قالت وهى تضيق عينيها : - نعم يا فندم جاى تكمل هزار هنا ولا أيه ضحك وهو يقول : - لا و**** مش قصدى ثم تقدم منها ومسح حبات العرق التى تجمعت على جبينها وقال : - أنتِ بتتعبى أوى يا عبير .. أنا مش عارف من غيرك كنت هعيش أزاى نظرت له بحب وقد تناست تعبها تماماً على أثر كلماته العذبة المُقدرة لمجهودها وقالت : - أنت كمان بتتعب فى شغلك هز رأسه نفياً وقال : - لا انا لازم أساعدك قوليلى اعمل ايه و هتلاقينى فوريره على طول قالت بخجل : - ممكن تحضر الأكل معايا بس رفع حاجبيه قائلا بدهشة : - بس كده أومأت برأسها فانحنى بخفة أمامها وهو يقول باحترام مرح : - تحت أمرك يا مولاتى ضحكت وضربته بخفة على كتفه ثم أعطته أحد الأطباق فى يده قائلة : - أتفضل بقى للخلف دور ألتفوا جميعاً حول المائدة وشرعوا فى تناول الطعام ولكنه فجأة ترك الملعقة من يده لتصدر صوتاً عاليا وهى ترتطم بالطبق أمامه وعقد جبينه هاتفاً : - أيه ده يا عبير أيه الأكل ده نظر الجميع إلي وقالت عبير بتوتر : - أيه ماله عقد جبينه أكثر وقال بصرامة: - طبيخ ده ولا بسبوسة تذوقت والدته الطعام وقالت : - ماهو كويس أهو يابنى بينما قالت عبير باضطراب : - بسبوسة ازاى يعنى ألتفت إليها بنفس الصرامة وقال : - المعلقة يا هانم اللى دوقتى بيها الأكل ولمست بؤقك .. حطتيها فى الحلة تانى علشان كده الطبيخ بقى مسكر رفعت عبير حاجبيها بينما نظرت له والدته ثم ضحكت وقالت : - و**** انت عاوز علقة ثم نظرت لعبير وقالت : - **** يعينك عليه يا بنتى.. أنتِ مستحملة رخامته دى ازاى زفرت عبير وهى تقول : - **** يسامحك يا بلال خضتنى.. أنا قلت حطيت سكر بدل الملح ضحك وهو يمسك بيدها ويقبلها وهو يقول : - مش انا قلتلك قبل كده أى حاجة بتمسكيها بتبقى مسكره قاطعه أحد الأولاد قائلا: - أبى أنا عاوز حته من الفرخه دى نظر له بلال وقال لعبير : - الواد ده طالعلى .. بياكل بضمير أوى بعدما هدأت الضحكات قالت عبير وقد تبادلت النظرات مع أم بلال : - بقولك ايه يا بلال أنا عندى فكرة كده **** توافق عليها أبتلع الطعام وقال : - خير يا حبيبتى - أيه رأيك تعلمنى الحجامة زى ماما كده .. ونعمل جزء فى المركز للستات .. الحجامة ابتدت تنتشر والستات مش لاقية واحدة ست تعمل عندها . فكر بلال قليلا ثم قال : - طب والبيت والولاد تدخلت والدته قائلة : - أنا هساعدها وهنتبادل الشغل وبعدين يعنى مش هتبقى زحمة ... الناس لسه لحد دلوقتى ميعرفوش فوايدها ومش هيبقى فيه أقبال كتير وخصوصا فى الاول كده .. أردفت عبير قائلة : - حتى لو بقت زحمة ممكن نجيب ممرضة تساعدنا نظر بلال إليهما وقال : - شكلكوا متفقين وانا اخر من يعلم تبادلت مع أم بلال النظرات القلقة فقال بهدوء : - بصى يا عبير أنا مش ضد شغل الستات بالعكس .. الست ممكن تفيد الست اللى زيها .. علشان كده أنا نفسى الدكاترة الستات يبقوا أكتر من كده ويبقوا فى كل التخصصات قالت بفرحة : - يعنى موافق أشار بيده قائلا: - موافق بشرط .. أن ده ميأثرش على بيتك وولادك أومأت برأسها بفرحة وهى تنظر إلى والدته التى ابتسمت بسعادة وهى تنظر إلى عبير بامتنان , فلقد كانت هذه رغبتها هى , ولكنها خشيت من رفض بلال للفكرة خوفا على صحتها وسنها المتقدم , كانت تشعر أنها لابد أن تفعل شىء تخدم به الناس من حولها, لن تظل هكذا حبيسة الجدران تهتم بأحفادها وفقط , لابد أن يكون لها دور فى المجتمع مفيد وهى وسط النساء بجوار زوجة ولدها التى تعتبرها ابنتها منذ أن رأتها فى بيت والدها, فهناك أُناس يموتون فنشعر بعد موتهم بفقد الكثير والكثير وهناك أُناس يموتون فنتفاجىء بأنهم كانوا لايزالون أحياء. ********* وقف فارس ماثلاً أمام النيابة يدلى بأقواله فى القضية وهو يذكر كل تفصيلة مرت به فى هذه الأثناء, وبعد أدلاء سكرتير النيابة باعترافاته وأنه فعل ذلك بعد تحريض من وائل وأنه استلم المال من دنيا يداً بيد بشكل مباشر وأنه لم يتقابل مع فارس ولم يراه من قبل .. خرج فارس من هناك دون أن توجه له تهمة واحدة . وهو فى طريقه فى الرواق أمام مكتب النيابة تقابل مع دنيا ووائل وهم فى حالة مذرية ومن الواضح أنهم قد تم حبسهم على ذمة التحقيق .. نظر لها فارس بازدراء واطرقت هى برأسها أرضاً تخشى من مواجهته, حثه الدكتور حمدى على عدم التوقف والحديث معها ولكنه لم يفعل . وقف أمامها قائلا : - أنا عمرى ما عملت فيكى حاجة وحشة , ومغصبتكيش علشان تتجوزينى, ليه وافقتى على كتب الكتاب وانتِ رافضانى , بدل ما كنتِ تهربى من امك كنتِ كلمينى وقوليلى مش عاوزاك صدقينى كنت هحترم ده وانسحب من حياتك بهدوء , كنتِ وفرتى علينا سنين ضاعت فى لاشىء . صمتت واطرقت إلى الأرض تريد أن تبتلعها الأرض فى أحشائها ولا تقف أمامه مثل هذا الموقف .. سمعت صوتا من الخلف يقول : - حمدلله على سلامتك يا دكتور ألتفت فارس ودنيا ليجدا حسن الذى اقترب منها وقال : - مش كنتِ وفرتى على نفسك البهدلة دى حدقت به وقالت صارخة : - يعنى انت اللى قلتله مش كده يا ندل أبتسم حسن وقال لها : - مش انتِ اللى مسمعتيش الكلام وكنتِ عاوزه تاخدى نص الفلوس لوحدك ..أديكى هتصرفيها على المحامين ثم نظر إلى فارس وقال بزهو : - انا اللى بعتلك الجواب يا دكتور فارس علشان اعرفك الحقيقة أحتقن وجه فارس وهو يسمتع الحديث الذى يدور بين حسن ودنيا وشعر أنه سيتقيأ ما فى معدته من فرط التقزز الذى يشعر به تجاهمها وتجاه ما يقولان .. دفعها أمين الشرطة تجاه مكتب وكيل النيابة لتدخل إليه تستكمل التحقيقات بينما ألتفت إليها فارس وناداها قائلا : - دنيا ألتفتت إليه بنظرات متسائلة وعيون باكية .. فقال بهدوء : - أنتِ طالق واستدار بجسده إلى حسن الذى كان ينظر إليها بشماتة .. فأمسك بتلابيبه ودفعه بالاتجاه الآخر وهو يصيح به : - أمشى من هنا يا ديل الكلب انت نظر الدكتور حمدى إليه متسائلا وهو يقول : - أيه علاقة حسن باللى بيحصل يا فارس أطرق فارس برأسه وهو يحركها يمينا ويسارا قائلا بأسف: - معلش يا دكتور أنا تعبان ومحتاج أروح دلوقتى وضع حمدى يده على كتف فارس وقال متفهماً : - روح أنت أرتاح ... ثم أبتسم وهو يقول : - بس أعمل حسابك بعد كتب كتابك على طول هتنزل الشغل ..ماشى - ماشى يا دكتور **** وقبل عقد القران بيوم واحد كانت عزة وعبير فى زيارة مُهرة التى كانت كانت تظن أن شمس اليوم التالى ستشرق من أجلها وأن القمر سينتصف السماء من أجلها, لا لينير الأرض كما يفعل كالعادة ولكن سيحذو حذو الشمس وسيفعل ذلك لها وحدها . قبلتهما مُهرة وهى ترحب بهما فى منزلها بسعادة وجلست أمامهم وهى تلاعب الأطفال وعزة تنظر إليها بدهشة بينما قالت عبير بمرح : - علشان تعرفى بس أن قلبى كان حاسس ها ضحكت مُهرة بخجل وهى تدفن وجهها بين ******* حياءا منها وقالت عزة متسائلة : - بصراحة يا مُهرة انا مستغربة أوى .. محدش كان يفكر أبدا ان العلاقة بينك وبين فارس تبقى أكتر من علاقة بنت باخوها الكبير نظرت لها عبير معاتبة بينما قالت مُهرة بخفوت : - أنا عمرى ما شوفت فارس اخويا .. كنت دايمًا بشوفه قدوتى وانى نفسى ابقى زيه.. حتى ساعات كنت بتمنى ابقى شبهه فى الشكل من كتر منا كنت بحب اقلده فى كل حاجة ..عارفة العلامات اللى بتبقى مرسومة على الطريق علشان ترشد الناس .. أهو كان بالنسبإلى كده .. لاء ده انا كنت بحس انه هو الطريق نفسه اللى من غيره أضيع واتوه . تبادلت عزة مع عبير النظرات وهما ينظران إلى مُهرة وهى تتحدث بعيون حالمة وهائمة فقالت عبير على الفور : - أنا بكره إن شاء **** هبقى عندك من أول اليوم.. وهجيبلك الكوافيرة هنا فى البيت وهجيبلك البنات اللى هيعملولك فرح زى فرحى بالظبط مش انتِ فاكراه ولا نسيتى *** نظر إلى سترته فى المرآة متمماً عليها بقلق ثم خرج إلى والدته التى كانت تنتظره بالخارج ودار حول نفسه ببطء مستعرضاً حلته أمامها وقال متسائلاً: - ها أيه رأيك يا ست الكل أبتسمت والدته وأقبلت عليه وقبلته بعينين دامعتين وقالت : - زى القمر يا حبيبى قال على الفور : - تفتكرى هعجبها كده ضحكت وهى ترفع كتفيها وتنزلهما قائلة : - أنت عاجبها من زمان ..من ساعة ما كانت فى اللفة قبل يد والدته ولف ذراعه حولها قائلا: - تصدقى يا أمى مشوفتهاش من ساعة ما رجعت غير مرة واحده لما كانت فى البلكونة.. ومن ساعتها مش عارف اشوفها ولا حتى صدفة .. مش عارف مكسوفة مني كده ليه.. كأنى غريب عنها.. كأنها متعرفنيش .. مش عارف اخاليها تاخد على الوضع الجديد ده ازاى أجلسته والدته على الأريكة وجلست بجواره وقالت بجدية : - أنا عاوزة اقولك كلمتين يا فارس تحطهم حلقة فى ودنك . أعتدل وبدا عليه الأهتمام وهو يستمع لها وهى تقول : - مُهرة يابنى بالنسبالك مش هتبقى مراتك وبس .. دى كمان هتبقى بنتك ولازم تاخد بالك من كده وانت بتتعامل معاها ... أنا عارفة ان فارق السن بينكوا مش كبير ولا حاجة .. أنا بينى وبين ابوك **** يرحمه 15 سنه وطول عمره واحنا متفقين الحمد *** لحد آخر لحظة .. عارف ليه يا فارس .. علشان ابوك طول عمره كان حنين ومكنتش بحس أنه جوزى وبس كنت بحس انى بنته بيدينى حنان الأب زى ما بيدينى حب الزوج .. فاهمنى يا فارس أومأ برأسه وهو يحاول استيعاب نصائحها فقالت متابعة: - لو عملت كده مراتك هتحبك أكتر واكتر.. وهتبقى أغلى حاجة فى حياتها ومش هتقدر تزعلك أبداً أبتسم ونهض يقبل رأسها قائلا: - **** يخليكى ليا يا أمى.. ممكن بقى نطلع أحسن من ساعة ما قولتليلى كلمة مراتك دى وأنا عاوز أطلع مش عارف ليه ضحكت والدته بشدة وهى تضع يدها على قلبها وتقول : - سبحان **** كأنى أول مرة اشوفك بتتجوز فيها كأنك واحد تانى خالص أخذ بيديها يساعدها على النهوض واتجه بها نحو الباب وقد فاضت نظرات الحب من عينيه وهو يقول : - صدقينى يا ماما.. أنا كمان حاسس أنى أول مرة بتجوز وأول مرة بحب ******** تزينت مًهرة حتى أصبحت تبدو أكبر من عمرها الحقيقى ووقفت تنظر لزينتها بالمرآة وهى تستغرب شكلها الجديد وهيئتها, شردت بعقلها بعيداً وتذكرت يوم عقد قرانها على علاء ذلك اليوم الذى لم تنظر لنفسها فيه فى مرآتها أبداً , ولا تعرف كيف كان يبدو شكلها وقتها .. لم ترى إلا فستانها وهى تنظر إليه عندما كانت مطرقة برأسها حتى لا تراه وهى تجلس بجواره مطرقةً برأسها حزناً.. تذكرت كيف أبدت موافقتها على الزواج منه بدون عقل واعى رغم النفور الذى شعرت به تجاهه عندما تقدم لخطبتها .. نطق لسانها بالموافقة رفض عقلها وقلبها .. حدقت بوجهها فى المرآة أكثر وقد تذكرت الطريقة التى كانت تتعامل بها مع علاء , لم تعتبره يوما زوجها حتى أنها لم تظهر أمامه الا بالملابس المحشمة وبال**** .. لم يرى شعرها رغم إلحاحه الدائم , كانت ترفض دائما لشعورها أنه غريب عليها لا تعرفه ولا تطيقه .. كانت تعتبر رفض قلبها له دليل على عدم صحة زواجهما, لذلك هو ليس زوج ولا حتى خطيب .. كان طلاقها تحصيل حاصل سيحدث فى أى وقت ولكن فى أى حال من الأحوال ما كانت ستكمل معه مشوار حياتها أبدا . كانت تراه مُختطف قد اختطفها من بيئتها التى نشأت بها يريد أن يقذف بها فى مجتمع آخر غريب عليها خالى من دفىء المشاعر التى اعتادت عليه فى مجتمعها الصغير, مجمتعها التى تربت ونشأت فيه وأحبته بكل ذرة فيها . أنتفض جسدها فجأة عندما هزتها أمها بقوة هاتفة بها : - مالك يا مُهرة سرحانة فإيه كل ده أنتبهت إلى والدتها بعيون شاردة ولكنها عادت إلى أرض الواقع سريعاً وهى ترى عبير وعزة ووالدة فارس يدخلون غرفتها وقد ملاْت الضحكات قسمات وجوههم وعبير تقول : - الفرقة داخلة يا مُهرة .. أجهزى ببدلة الرقص ضحك الجميع وبدأت البنات فى الدخول إليها وجلست هى كالملكة بين الجميع تنظر إليهم وتضحك ببراءة وهم ينشدون وعبير وعزة يرقصان ويرتطمان فى بعضهما البعض ويضحكان فى سعادة وبعد قليل أخذوا بيد والدة فارس لترقص معهم ولكنها خجلت واحتضنتهم وخرجت من حلبة الرقص وجلست بجوار مُهرة وهى تربط على قدمها بسعادة وحب, ضحكت مُهرة أكثر بخجل عندما أخذت عبير الدُف من أحدى الفتيات وبدأت تنشد وهم يرددون ورائها فارس حلم بتتمنيه واللى حلمتى فى يوم تلاقيه بيكون وصفه يا ***** ايييه يلا قوليلنا ..يلا قوليلنا ..يالا قوليلنا واحكى عليه * ما تشوف عينه الا حلاله ولا غير ربه بيشغل باله ويطاطى ويراضى الوالد والوالدة بتبات داعياله ومصلى والمولى هاديه آدى اللى حلمت انى الاقيه قولى كمان يا صبيه عليه فارس حلم بتتمنيه بيكون وصفه يا ***** ايه يلا قوليلنا ..يلا قوليلنا ..يالا قوليلنا واحكى عليه *يتعب جسده ويعرق اكتر ليرتاح قلبه الاخضر وبيرجعلى بايده نضيفة نفسه عفيفة وزى السكر وطيابته بتبان فى عينه آدى اللى حلمت انى الاقيه قولى كمان يا صبيه عليه فارس حلم بتتمنيه بيكون وصفه يا ***** ايه يلا قوليلنا ..يلا قوليلنا ..يالا قوليلنا واحكى عليه * بتمناه انه يقدرنى يبقى ولى القلب وأمرى والليل لو بتطول اوقاته يبقى ونيسى ونجمى وقمرى وانا عمرى عمرى ما اعصيه آدى اللى حلمت انى الاقيه قمر العاطى انك تلاقيه زى ما كنتِ بتحلمى بيه واهو جالك دلوقتى الفارس يسعد قلبك ويهنيه يسعد قلبك ويهنيه قمر العاطى انك تلاقيه زى ما كنتِ بتحلمى بيه واهو جالك دلوقتى الفارس يسعد قلبك ويهنيه يسعد قلبك ويهنيه أما فى الخارج وعند الرجال جلس فارس أمام والد مُهرة وبدأ المأذون فى أجراءات عقد القران .. نظر فارس حوله نظرة سريعة فلم يجد أثر لـ عمرو رغم وجود والدته وزوجته بالداخل ولكنه لم يأتى حتى الآن . كان يريد أن يكون عمرو أحد الشهود على الزواج ولكنه تأخر للغاية عن الموعد المتفق عليه ... لاحظ بلال نظرات فارس فنهض من مكانه وذهب إلى فارس وانحنى يحدثه فى أذنه قائلا : - يتدور على أيه همس له فارس : - عمرو أتاخر أوى أخرج بلال هاتفه واتصل به ولكن الهاتف مغلق .. أنحنى مرة أخرى وقال لفارس: - التليفون مقفول .. بس متقلقش يمكن الشبكة واقعة ولا حاجة وبعدين ده جاى من سفر يعنى يمكن السوبر جيت اتأخر على ما طلع أومأ فارس برأسه بقلق وانشغل مع المأذون فى الأجراءات حتى انتهى العقد وبدأت رحلة الأمضاءات الطويلة, أنهى فارس آخر توقيع له وارتسمت على وجهه علامات السعادة والفرحة والشوق والحب قد عبرت تسللت وانطلقت مرتحلة أخيرًا من بين قضبانها بداخل قلبه ولتنطق بها قسمات وجهه معلنةً عن شوقها البالغ لزوجة العمر وشريكة الطفولة والصبى .. خرجت والدة فارس وأخذت الدفتر الكبير ودخلت إلى مُهرة لتوقع هى الأخرى موافقةً على أهداء عمرها وقلبها وكيانها له بدون منازع ولا شريك كما كان دائما, ولكن هذه المرة يرتبطان برباط مقدس لا ينفك بينهما أبدًا برغبتهما.. كانت توقع على العقد ويديها ترتعش وجسدها ينتفض , لا تستطيع تفسير هذه الحالة .. ربما من الجائز أن نقول عنها .. حالة حب! أغلق المأذون دفتره وهو يدعوا لهما بالبركة والرزق وبدأ الجميع فى ترديد الدعاء لهم خلف بلال الذى كان يردد .. بارك **** لهما وبارك عليهما وجميع بينهما فى خير... غادر المأذون وبعد قليل وقف بلال فى المنتصف بين الجميع وقال بصوت عالى : - ودلوقتى جه وقت الامتحان وده للكل ها نظر له الجميع بتساؤل فقال : - انا هسأل سؤال واحد ولازم الكل يجاوب عليه بدأت الابتسامات تعلو الوجوه وبلال يقول : - هو سؤال واحد ... كل واحد فيكوا أتجوز ليييييه؟ نظر له الجميع وبدأوا بالضحك فاشار لهم أن يصمتوا وقال : - مبهزرش انا عاوز أجابة بدأ الجميع فى الهتاف بمرح : - ايه يا عم ده.. بنتجوز علشان نتجوز - بنتجوز علشان نخلف ويبقى عندنا عيال - بنتجوز علشان أهالينا يرتاحوا - بنتجوز علشان أمهاتنا دعوا علينا فى ساعة عصارى ضحك الجميع من أجابات بعضهم البعض , فتوجه بلال إلى فارس وأخذ بيده يوقفه وقال : - وانت بقى يا عريس بتتجوز ليه أبتسم بلال وقال : - علشان أفتح بيت **** وأخلف عيال أربيهم تربية صحيحة.. أنفع بيهم الدنيا والدين من الأنسانة اللى اخترها قلبى صفق بلال بيديه فاستجاب له الجميع وصفقوا وهم يضحكون بينما قال بلال : - دى أجابه نموذجية يا جماعة ثم نظر إلى والد مُهرة وقال متعجبا: - ينفع بقى البنت اللى اخترها قلبه تبقى قاعدة جوا وهو قاعد مع الشنابات دى ضحك الجميع مرة أخرى ونهض والد مُهرة مبتسماً وهو يقول : - طب استنى لما ادخل اشوف الطريق دخل والد مُهرة وطرق على الباب فخرجت له أم يحيى فقال لها : - خلى البنات تلبس علشان العريس عاوز يقعد مع عروسته شويه ابتسمت ودخلت على الفور وقالت بصوت مرتفع : - يالا البسوا يا بنات العريس عاوز يدخل أحتقن وجه مُهرة وهى تبحث عن ملابس أو **** أو أى شىء فضحكت عزة وهى تقول لها : - يابنتى ده خلاص بقى جوزك يا هبلة أرتدت النساء ملابسها ووضعت عبير نقابها على وجهها وقبلت مُهرة وانصرفت .. بدأت النساء فى الأنصراف ونهض فارس ليدخل لحبيبة قلبه ليراها لأول مرة دون محاذر أو قيود أو خجل , ولكن تأتى الرياح دائما بما لا تشتهى السفن .. دخل والد عمرو وأخيه محمود وهو يهتف موجها حديثه لفارس : - أحلقنا يا فارس يابنى.. عمرو اتقبض عليه وهو جاى فى السكة حدق به فارس وابتلع ريقه وهو يصيح به : - أتقبض عليه يعنى ايه و ليه صاح والد عمرو وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة : - وهو جاى فى السكة طلعت حملة تفتش السوبر جيت ولقوا فى شنطته حتة آثار فرعونى تمتم فارس بذهول : - آثــار فرعـونـى !! ****** الفصل الحادى والثلاثون عانق فارس عمرو وربت على ظهره مطمئناً وأجلسه وجلس بجانبه ممسكاً بذراعه وهو يقول : - متخافش يا عمرو إن شاء **** هتطلع منها.. أحكيلى كل حاجة حصلت معاك وازاى حتة الآثار دى دخلت شنطتك ؟! أستند عمرو برأسه بين كفيه وهو يهزها نفياً قائلاً بإنهيار: - مش عارف يا فارس مش عارف ثم رفع رأسه إليه وقد بدا فى عينيه الرجاء وهو يقول : - أنت مصدقنى يا فارس مش كده .. أنت مصدق انى ماليش دعوه بالحاجات دى ولا اعرفها أمسك فارس ذراعه وهو يشد عليه مطمئناً ويقول : - مصدقك طبعاً يا عمرو .. أنت صاحبى واخويا وأنا عارفك كويس .. بس براحة كده علشان نفهم ازاى ده حصل .. أحكيلى كل حاجة .. فى حد فى شغلك مضايق منك ولا بيكرهك ؟ ضرب عمرو كفيه فى بعضهما البعض وهو يقول : - انا دماغى متشتته يا فارس مش عارف أجمع أى حاجة ..أنا علاقتى بزمايلى فى الشغل علاقة كويسة أوى .. ثم تنبه فجأة وهو يقول بإضطراب : - يمكن بس واحد هو اللى كان بيكرهنى فى الأول بس من فترة كده بقى كويس معايا خالص وبقينا اصحاب عقد فارس بين حاجبيه وقال مكرراً : - مين ده وكان بيكرهك ليه وبقى كويس معاك من أمتى بالظبط ؟ مسح عمرو وجهه بيديه بقوة نافضاً عن نفسه التشتت الذى يشعر به وقال : - بص يا فارس أنا هحكيلك كل حاجة بس الكلام ده يبقى بينا وبين بعض علشان الكلام مايوصلش لمراتى بأى حال من الاحوال .. أومأ فارس برأسه وهو يشعر أن المشكلة أكبرمما كان يظن .. مال عمرو للأمام مستنداً على قدميه وبدأ يقص على فارس ما حدث له فى هذه الشركة منذ أول لحظة وطأت قدمه فيها وحتى هذه اللحظة كان فارس يستمع إليه مشدوهاً مما يقول .. كيف تكون المهندسة إلهام بهذه الأخلاق وهى أخت الدكتور حمدى !!.. الرجل الذى لا يقبل قضية مشبوهة أبداً ومبادئه غير قابلة للمساومة أو التجزئة .. ماهذه العائلة الغريبة التى تحيط بالدكتور حمدى ألايكفى فى عائلته شخص مثل باسم ابن خالته لتصبح إلهام أخته أيضا بهذا الأنحدار الأخلاقى الذميم .! أنتهى عمرو من سرد قصته على فارس الذى تمتم بحيرة : - سبحان الملك .. سيدنا نوح كان نبى وابنه كان كافر وسيدنا ابراهيم كان نبى وابوه كان مشرك ب**** يبقى المفروض مستغربش من اللى بسمعه ده .. ثم نظر إلى عمرو بريبة وهو يقول : - علشان كده اهتمت أنها تطلعك بسرعة أنت لوحدك وقالتلك أن دنيا هى اللى قدمت البلاغ ضدنا مش كده ؟ قرأ عمرو الشك فى عينيى فارس فقال مدافعاً عن نفسه: - متفهمنيش غلط يا فارس .. أنا متجاوبتش معاها أبداً فى أى حاجة ..أنت عارف أنا بحب مراتى قد أيه ومش ممكن اخونها فارس: - ولما هى الحكاية كده يا عمرو ليه وافقت أنك تكمل شغل معاها وتسافر تشتغل مشروع كبير زى ده لشركتها.. وكمان مع نادر اللى انت عارف كويس انه بيكرهك وعاوز يأذيك قال عمرو مُطرقاً برأسه : - دى غلطتى الوحيدة يا فارس ..واللى انا مُعترف بيها .. بصراحة أنا كنت مصمم على الاستقالة علشان ابعد عن أى مصدر للفتن لكن لما لقيت نفسى هشتغل بعيد عنها وكمان الشغل هيجيب مبلغ كويس اقدر ابدأ بيه حياتى طاوعت نفسى وقلت وماله وياريتنى ما كنت وافقت وضع فارس يده على قدمه مشجعاً وقال : - أحكيلى بقى بالراحة كده ايه اللى حصل من امبارح للنهاردة مسح عمرو على شعره ثم قال بتركيز يحاول أن يتذكر كل شىء وقال : - أنا المفروض كنت هاجى يوم الخميس بالليل .. بس طبعا زى ما قلتلك نادر كان صلح علاقته بيا من أسبوع تقريبا وبقينا اصحاب ..قابلنى يوم الخميس وقالى انه مضطر يرجع القاهرة علشان ظروف فى البيت عنده وهيجيلى الجمعة على بعد الظهر كده ويستلم هو الشغل مكانى واسافر أنا الجمعة بعد الظهر .. أنا طبعا كنت عارف أن كتب كتابك هيبقى بعد العشا فقلت هلحق مفيش مشكلة .. وفعلا نادر سافر يوم الخميس بالليل ... جهزت انا شنطتى بالليل والصبح خدتها معايا الموقع وحطيتها فى كشك الراحة بتاع المهندسين اللى بنتغدى فيه فى مكان الموقع .. وقلت علشان أول ما نادر يرجع أخد الشنطة وامشى على طول من بره بره .. وفعلا جالى فى معاده بعد الظهر على طول وخدت الشنطة وركبت السوبر جيت .. وانا جاى فى الطريق طلعت حملة تفتيش عادية بس حسيت انهم بيدوروا عليا انا بالذات لأنهم اهتموا أوى بشنطتى ولقيتهم مطلعين منها تمثال صغير شكله كده فرعونى مش عارف دخل شنطتى ازاى يا فارس.. ومن ساعتها وانا هنا . ********* عاد فارس إلى بيته قُبيل الفجر بوقت قليل وهو يحمل هم الدنيا فوق رأسه حزناً على صديق عمره ورفيق دربه .. كيف سيخرجه من هذه الورطة فهو لم يعمل فى مثل هذه القضايا من قبل ولكن كلام عمرو وحديثه أشعراه بأن نادر هو الفاعل هو من وضع قطعة الآثار فى حقيبة عمرو الخاصة عندما تركها عمرو فى مكان استراحة المهندسين أثناء العمل فالقاعدة تقول إذا أردت أن تؤذى أحدا فاقترب منه واكتسب ثقته لتعلم عنه ما يستحيل عليك أن تعلمه وأنت عدوه .. من الواضح أن نادر هو من قام بترتيب كل شىء ليوقع عمرو فيما وقع فيه ...أستلقى فارس على فراشه بعد أن أبدل ملابسه .. نظر إلى ساعة الحائط أمامه وزفر بضيق وهو يقول بحنق : - طبعاً زمانها نامت مش معقول تفضل صاحية لحد دلوقتى سمع طرقاً خفيفاً على باب غرفتة فالتفت تجاه الباب وقال : - أتفضلى يا أمى فتحت والدته الباب ودلفت وقد بلغ القلق منها مبلغه .. أعتدل على فراشه فاقتربت منه وجلست بجواره قائلة : - عمرو عامل أيه يا بنى طمنى عليه قال وهو يومىء برأسه مطمئناً : - متقلقيش عليه يا ماما عمرو كويس وموضوعه ده إن شاء **** يخلص على خير .. زمان والده وأخوه روحوا البيت وطمنوا مراته وأمه عليه. قالت والدته بأسى : - دى مراته يا عينى قطعت نفسها من العياط عليه وفين وفين لحد ما أمها هدتها وعرفت تاخدها معاها البيت .. وكلنا روحنا معاها حتى مُهرة . ألتفت فارس إلى والدته وقال متسائلاً بانفعال : - ومُهرة نزلت بقى بفستان الفرح كده فى الشارع هزت رأسها نفياً وأردفت قائلة: - مُهرة برضة هتعمل كده يا فارس ؟.. دى غيرت هدومها ياعينى وفضلت مع عزة لحد ما هديت ورجعنا كلنا من عندها من ساعة كده ..وفضلت واقفه جانبى لحد ما اتصلت بيك وانت قلتلى انك جاى فى السكة . وجدت الأبتسامة طريقها أخيراً إلى شفتيه وهو يتسائل: - تفتكرى زمانها نامت ؟ قالت بحيرة : - مش عارفه يابنى ثم ربتت على قدمه قائلة: - عموما انت كمان شكلك تعبان أوى .. نام دلوقتى والصباح رباح أومأ برأسه موافقاً لها فتركته ونهضت وفتحت باب غرفته وخرجت وهو يتتبعها بعينيه الحائرتين .. يريد أن يتحدث معها على الأقل فى الهاتف ولكن يخشى أن تكون قد نامت فيوقظها ويقلقها بعد كل هذا العناء الذى عايشوه فى يومهم هذا . لم يستطع النوم تململ فى الفراش كثيراً دون جدوى , نهض منه وجلس على طرفه وهو يفكر فى يوم عقد قرانه الذى انتهى بهذا الشكل المأساوى ..تركها وذهب دون أن ينظر لها نظرة واحدة . نهض من فراشه ووقف أمام الفراش وهو يمسح على شعره متردداً .. هل يجازف أم ينتظر للغد ولكن فى الصباح سينطلق إلى عمرو مرة أخرى وبالتالى فلن يراها أيضا إلا إذا سمحت له الظروف فى المساء .. زفر بقوة واتجه إلى النافذة يفتحها ويستنشق الهواء بقوة لعله يتخلص من التردد الذى اعتمل بصدره .. كان الشارع مُظلماً إلا من بقعة صغيرة أمامه تعكس ضوءاً لغرفة عُلوية .. نظر للأعلى وقلبه قد استعاد الأمل من جديد فتأكد أن غرفتها هى مصدر الضوء ..تيقن من كونها مازالت مستيقظة.. أتجه فوراً باتجاه مكتبه وأخذ هاتفه النقال من فوقه وطلب رقمها الخاص بشوق كبير . أغلقت الكتاب التى كانت تقرأ فيه والتفتت إلى الهاتف الذى تضىء شاشته باسمه ويهتز مع انتفاضة قلبها , لا تعلم أيهما أسرع وأقوى .. تناولت الهاتف بابتسامة كبيرة فهذه هى المرة الأولى التى سيتحدث معها بعد أن أصبحت زوجته .. ظلت تنظر للهاتف بتوتر شديد والعرق يتصبب من جبهتها على استحياء وقلبها يقفز بجنون يكاد يخرج من حلقها , وفجأة توقف الرنين وأظلمت الشاشة مرة أخرى كما أظلمت الأبتسامة التى كانت تنير ثغرها منذ قليل .. حاولت أن تهاتفه هى ولكنها شعرت بخجل شديد وامتنعت عن ذلك واكتفت أن ترسل له رسالة صغيرة تقول فيها : - أنا صاحية بعد ثوان وجدت الهاتف يعلن أسمه بأصرار من جديد .. تنفست بعمق وابتلعت ريقها وضغطت زر موافق , وضعت الهاتف على أذنها باضطراب شديد فسمعت صوت أنفاسه المشتاقة , وتسلل صوته الحانى بهدوء وخفوت إلى أذنها ومنه إلى قلبها وهو يقول : - صحيتك ؟؟ هزت رأسها نفياً كأنه يراها وحاولت أن تُخرج صوتها بصعوبة فقالت بصوت مبحوحاً : - لاء منمتش أبتسم وهو يستمع لصوتها الذى غلفه الخجل فخرج مضطرباً وقال : - كنتِ بتعملى أيه مضت تبحث عن حروفها فلم تجدها, تبعثرت وتاهت فى سماء صوته الرخيم ..أعاد سؤاله مرة أخرى على مسامعها .. فتماسكت قليلاً وقالت بارتباك : - كنت مستنياك تنهد بقوة وهو يتكأ على فراشه وقال بهمس: - أنتِ كده على طول.. مبتعرفيش تنامى وانتِ قلقانة عليا ؟ مرت بها سحابة الخجل وأخذت بيدها إلى سماء الحياء فأمطرت صمتاً له صوت كصوت الندى يقطُر على قلبه فينبت فيه الشوق الهائل والحنان البالغ وجد لذته على لسانه كما وجدها فى قلبه وكيانه وهو يقول أسمها بحب كبير : - مُهرة أختلج قلبها وهى تستمع إلى اسمها يخرج منه بهذا الدفء وأجابته : - نعم أغمض عينيه يضم صوتها الخجِل إليه وقال ببطء : - وحشتينى لم تجبه على الفور فقال دون تردد : - بحبك تدرجت وجنتيها بحمرة الخجل وهى تبتسم بحب وقد خفق قلبها لكلمته وللطريقة التى نطقها بها تشعر أنها تراه الآن وتشعر بدفء كلماته التى اختلفت عن كل الكلمات ..أما هو فلا يعلم كيف استمع إلى دقات قلبها وهو يطرق باب قلبه منادياً : مهلاً حبيبى مهلاً ..قد انتظرتك دهراً ذاب قلبى فى شفاهك فـ بهِ اليوم رفقاً ********* فى الصباح الباكر كان فارس يقف بجوار عمرو أمام النيابة ويتابع معه سير التحقيقات ...طلب فارس من النيابة تقريراً لمفتش آثار متخصص من هيئة الآثار للوقوف على صحة هذه القطعة الأثرية من زيفها.. وهل هى أصلية أم لا, و طالب بالأفراج عن عمرو بضمان محل أقامته لحين ورود التقرير المطلوب ... وبالفعل تمت الإستجابة لطلباته وتم تحويل القطعة الأثرية لهيئة الآثار للكشف عنها وتم الأفراج عن عمرو بضمان محل أقامته . بعد خروجهما من النيابة وقف عمرو ينتظر فارس الذى كان يتحدث فى الهاتف مع الدكتور حمدى ويخبره بآخر التطوارات ويقول: - بس انا مش مطمن يا دكتور ممكن التقرير يجى بأن الحتة الفرعونى دى سليمة وكده عمرو هيروح فى داهية قال الدكتور حمدى مطمئنأ : - أنت مش بتقول زميله فى الشغل هو اللى انت شاكك فيه وان فى بينهم ضغائن خلاص سيبلى الحكاية دى هتكلم مع إلهام واشوف ممكن تساعدنا ازاى قال فارس بتوتر: - لا بلاش يا دكتور قال الدكتور حمدى متسائلاً : - ليه يا فارس حاول فارس البحث عن شىء آخر يقول غير الذى بداخله فقال: - يعنى انا لسه مش متأكد مش عاوز نتهم حد ظلم - ملكش دعوة انت .. أنا مش هاتهمه ..أنا هحاول اعرف بس أى حاجة عن شغله منها يمكن يكون بيشتغل فى حكاية الآثار دى من وراها ويوديها فى داهية هى وشركتها .. ماهى الآثار دى محدش بيلاقيها فى الشارع كده.. الموضوع شكله كبير يا فارس أنهى فارس مكالمته مع الدكتور حمدى ونظر إلى عمرو الذى كان يقف بجواره ويتحرك بشكل عشوائى بإضطراب فقال فارس : - ما تهدى شوية يا عم انت خيالتنى مسح عمرو على شعره بتوتر بالغ وهو يقول : - أنا مش مطمن يا فارس القضية ممكن تلبسنى كده حاول فارس تهدئته وقال : - طب ايه رأيك نعملهم مفاجأة ونروح دلوقتى.. أنا كنت كلمتهم من ساعة وقلتلهم هنتأخر لو روحنا دلوقتى هتبقى مفاجأة حلوه.. دى مراتك هتموت من القلق عليك قال عمرو فى شرود : - لاء انا عندى مشوار ضرورى لازم اروحه حالا قبل ما اروح أمسكة فارس من ساعده وقال متسائلا : - رايح فين يا عمرو ربت عمرو على كتفه وقال مسرعاً : - هقولك بعدين متقلقش عليا روح دلوقتى ومتخاليش حد يشوفك من عندى.. وانا ساعة وهاجى وراك على طول قال عمرو كلمته ولم يعطى فرصة لفارس للمناقشة والسؤال وأنما أنطلق على الفور فى طريقه ******** تناولت أم فارس قطعة قماش كانت بجوارها وقالت لأم يحيى وهى تشاهدها بدقة : - القماشة دى حلوة أوى يا ام يحيى تصدقى أنا عندى عباية من نفس نوع القماش ده وكنت بدور على واحدة زيها لأنها مريحانى أوى ..أنا هاشتريها منك وابقى هاتى غيرها نظرت لها أم يحيى بعتاب وقالت : - ده كلام برضة يا ست ام فارس دى هدية مني ليكى ..وبقولك ايه هاتيلى العباية اللى بتقولى عليها وانا أفصلك أختها بالظبط .. ده أنا بقيت لهلوبة فى التفصيل هزت أم فارس رأسها نفياً وهى تقول بتصميم : - انا ماليش دعوة بالكلام ده هادفع تمنها يعنى هادفع تمنها ثم التفتت إلى مُهرة وقالت وهى تمد يدها إليها بمفتاح الشقة : - خدى يا مُهرة مفتاح الشقة وانزلى هاتيلى العباية الكحلى بتاعتى علشان أمك تشوفها وقفت مُهرة تنظر إلى يدها الممدودة بارتباك فقالت أم فارس ضاحكة : - متخافيش فارس مش جاى دلوقتى.. أتصل وقال هيتأخر ضحكت أم يحيى وقالت : - فاكرة يا ام فارس لما قلتلك على مُهرة وهى صغيرة .. **** يكون فى عون جوزها من اللى هتعمله فيه تبادلت معها أم فارس الضحكات وهى تحرك رأسها موافقةً لها وقالت وهى تنظر إلى مُهرة : - هو حر بقى مش هو اللى مستعجل على الجواز أحمرت وجنتها والتقطت المفتاح سريعاً من يد أم فارس وقالت وهى تهرب من أمامهما : - أنا هنزل بدل ما تتسلوا عليا فتحت مُهرة باب الشقة ودلفت للداخل وعلى وجهها ابتسامة كبيرة .. انطلقت على الفور تجاه غرفته ودخلتها وأغلقت الباب خلفها ووقفت فى المنتصف تنظر لها بشوق كبير وكأنها تبثها حبها لساكنها وترجوها أن تنقل مشاعرها له عنده حضوره .. جلست على فراشه ومسحت عليه برفقة تتلمسه لمساً وتستشعر دفأه بعينين هائمتين .. أخذت وسادته وضمتها إلى صدرها برقة ونعومة وقبلتها بحب كبير .. حانت منها التفافة إلى خزانة الملابس الخاصة بدنيا .. روادها شعور بالغيرة واتجهت إليها وهى تدعو من قلبها أن تجدها خالية حاولت أن تفتحها ولكنها وجدتها مغلقة بالمفتاح فعلمت أنها مازالت محتفظة بملابس صاحبتها بداخلها .. أشتعلت نار الغيرة بقلبها لمجرد وجود ملابسها معه بنفس الغرفة, شعرت بالدماء تتصاعد إلى رأسها بقوة وشعرت بحرارة جسدها التى ارتفعت بشدة وفى تلك اللحظة فُتح باب الغرفة فجأة, فصرخت وسقطت مغشياً عليها على الفور .. أنتابه الهلع الشديد عليها وهرول نحوها وهى ملقاة أمام الخزانة وحملها ووضعها على فراشه برفق وأخذ يبحث فى الغرفة عن زجاجة عطره فوجدها أخيراً وأخذها وحاول أن يجعلها تشمها حتى تستفيق من غيبوبتها وأخيراً استجابت للرائحة النفاذة التى تسللت إلى عقلها , فتحت عيونها ببطء واصطدمت بوجهه وهو جالس بقربها على الفراش يمسح على وجنتها برفق وينادى عليها بقلق شديد , جلست على الفراش فجأة وهى تنظر إليه بخجل واضطراب وقالت : - انا آسفة أبتسم وهو يتأمل وجهها وشعرها ويمسح عليه برفق وقال مداعباً بخفوت : - يعنى أول مرة اشوفك فيها يغمى عليكى كده شعرت بارتفاع آخر فى درجات حرارتها ولكن هذه المرة من الخجل, مسحت على وجهها وهى مطرقة بوجهها وقالت بخفوت : - آسفة أنى خضيتك رفع وجهها إليه ونظر إليها متأملاً : - دى تانى آسفة على فكرة .. طب آسفة التانية وعرفناها.. آسفة الأولى ليه بقى أشاحت بوجهها بعيداً تخفى احمرار وجهها عن عينيه وقالت وهى تضع خصلة من شعرها خلف أذنها : - آسفة انى دخلت اوضتك كده أعاد وجهها إليه مرة أخرى بأنامله وقال هامساً : - أنتِ مراتى .. يعنى تدخلى أوضتى براحتك ..وبعدين انتِ بتدخليها من زمان أوى.. ولا نسيتى هربت الابتسامة من شفتيها عندما تذكرت خزانة الملابس فأشاحت بوجهها مرة أخرى ونهضت من فراشه مسرعةً وقالت بحنق : - لازم أنسى طبعاً .. لأنها فى وقت من الأوقات كانت متحرمة عليا ..واظاهر ان الأوقات دى غالية عندك أوى عقد حاجبيه وهو ينظر إليها بتسائل وقال : - أيه اللى خلاكى تقولى كده أشارت للخزانة وقالت بضيق : - علشان لسه محتفظ بهدومها فى الدولاب .. شكلها كانت هدوم غالية عليك أوى .. ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بغيرة واضحة : - شكلها ليها معاك ذكريات كتير علشان كده مقدرتش تفرط فيها رفع حاجبيه ووضع يديه فى جيبيى بنطاله واقترب منها حتى وقف أمامها مباشرة وقال وهو ينظر فى عينيها: - بس الدولاب مقفول بالمفتاح عرفتى منين أن هدومها لسه فيه أستدارت وهى ترفع كتفيها وقالت متبرمة : - باينة أوى .. مش محتاجة فقاقة يعنى أبتسم وهو يكرر ورائها : - فقاقة ؟!... وحشتنى اللغة بتاعتك أوى أتجه نحو مكتبه وأخرج منها مفتاح صغير وعاد إلى الخزانة وفتحها بالمفتاح وقال وهو يشير إليها : - أتفضلى شوفى الذكريات اللى بتقولى عليها ألتفتت مُهرة إلى الخزانة فوجدتها خاوية, فنظرت إليه بدهشة متسائلة فأومأ براسه وهو يقول : - أيوة فاضية .. علشان أمى كانت عاوزه تعلق البدل الزيادة اللى زحمة دولابى فيها وانا قفلتها بالمفتاح علشان أمى متعملش كده.. عارفة ليه؟ .. علشان مش عاوز هدومى تتحط مكان هدومها من كتر منا بقرف كل ما افتكرها وضعت راحتها على جانب رقبتها وهى مطرقةً برأسها لأسفل فى خجل فقال بحنان وهو يداعب وجنتها قائلا: - أنا ماليش ذكريات مع حد غيرك يا عبيطة .. ولا نسيتى أجمل الذكريات اللى قولتيلى عليها فى رسالتك وانا فى السجن رفعت نظرها إليه بتأثر وقد لمعت عينيها وهى تستمع إليه وهو يقول : - الحب الحقيقى هو الذى يرسم لك طريقاً تتلمس فيه .....أجمل الذكريات فرت دمعة من عينيها وهى تتذكر تلك اللحظات المريرة عندما ابتعد عنها غدرًا وظالماً .. شعرت بيده وأنامله تمسح دمعتها فأغمضت عينيها واستمعت لصوته وهو يقول لها همساً وبشوق كبير : - من ساعتها وانتِ وحشانى أوى.. ومن ساعتها وانتِ بتهربى مني.. ومش عارف اشوفك شعرت بقربه ودفئ يديه المحيطة بوجهها وأنفاسه القريبة .. رحلت فى عالم آخر لم ترد العودة منه .. بل قررت فيه الرحيل والعودة منه بغير دليل.. تنسج بيديها دروباً يحفها أريج الأزهار.. بلاشاطىء.. بلا عنوان .. ولا رغبة سوى التعمق أكثر والأبحار. أنتفض جسدهما على صوت والدته وهى تنادى عليها بعد أن أغلقت باب الشقة خلفها .. أبتعدت عنه سريعاً وهى تمسح وجهها بيدها بارتباك وهو ينظر إليها نظرة جديدة عليها لم ترها فى عينيه من قبل, ولكنها فهمتها فاخفضت نظرها خجلاً , واتجهت صوب باب الغرفة مهرولة وفتحته فوجدت والدته تبحث عنها فى الشقة ,عندما رأتها نظرت إليها بقلق وهى تقول : - خضتينى عليكى يا مُهرة كنتِ ... بترت كلمتها عندما رأت فارس يظهر خلفها .. نظرت إليه من خلف كتفها وابتسمت وهى تقول له بمكر : - هو انت هنا ..يبقى انت بقى اللى أخرتها أتجهت مباشرة إلى باب الشقة وهى تحاول تحاشى النظر فى عيني والدته وهى تقول بخجل : - أصل لما شفت فارس فجأة اتخضيت وأغمى عليا .. ثم قالت بإرتباك : - انا طالعة بقى فتحت باب الشقة ولكنه عقد بين حاجبيه وهو يناديها , فتوقفت ولم تلتف فتوجه إليها ووضع يده على الباب وهو يقول بجدية وهو يشير إلى ملابسها وشعرها : - هو انتِ نازلة كده أصلا نظرت إلى ملابسها وقالت بتلقائية : - آه وفيها ايه قال بضيق: - يعنى أيه وفيها أيه .. خارجة من شقتك ونازله لحد هنا بهدوم البيت دى وشعرك كده يا مُهرة تنحنحت مضطربة وقالت على الفور: - منا قلت هنزل بسرعة واطلع بسرعة مفيهاش حاجة أشار إليها وهو يقول حانقاً : - أنتِ ***** ولا لاء ؟ نظرت إليه بتسائل وحيرة فقال : - ***** يعنى شعرك ده وهدوم البيت حدودهم باب الشقة وبس .. لا سلم ولا بلكونة ولا شباك ..فاهمانى أبتلعت ريقها وبللت شفاها بلسانها وهى تقول بخفوت : - حاضر بس انا متاكدة أن محدش هيشوفنى وضع يده على كتفها وقال بجدية : - متأكدة منين.. مش يمكن تخبطى فى حد طالع ولا نازل صدفة ..ساعتها هتعملى أيه .. على ما تجرى بقى هيكون شاف جسمك وشعرك يا هانم تدخلت والدته وقالت على الفور: - هى أصلا مبتنزلش كده دى أول مره تعملها ثم نظرت إلى مُهرة وقالت : - أدخلى يا مُهرة خدى العباية بتاعتى وطرحة.. البسيهم قبل ما تطلعى دخلت على الفور لترتدى العباية وتضع على رأسها الطرحة بينما قالت له والدته بخفوت : - براحة عليها شوية يا فارس ..لما تخرج بقى ابقى صالحها .. أنا داخله اشوفها لتكون بتعيط ولا حاجة دخلت والدته فوجدتها تلف الطرحة وتكاد أن تنتهى , فربتت على كتفها وقالت مبتسمة : - متزعليش ده بيحبك وبيغير عليكى ابتسمت وهى تقول بعينين لامعتين : - منا عارفة ضحكت أم فارس وهى تضرب يدها فى بعضهما وهى تقول لها : - وانا اللى كنت فاكراكى بتعيطى ! ****** خرج فارس من بيته فى المساء متوجهاً إلى مكتب الدكتور حمدى وفى الطريق صادف عمرو متوجهاً إليه , تفاجأ عمرو به فى الطريق وقال : - كويس أنى قابلتك يا فارس أنا كنت جايلك دلوقتى وضع فارس يده على كتف عمرو وسار به فى طريقه وهو يقول : - تعالى نتمشى سوا ونتكلم واحنا ماشين قال عمرو على الفور وهو يمشى بجوار فارس : - الدكتور حمدى أتصل بيك النهاردة ؟ هز فارس رأسه نفياً وهو يقول : - لاء مكلمنيش بتسأل ليه ؟ ظهر التوتر على ملامح عمرو وهو يقول : - أصلى قابلته النهاردة فى مكتب إلهام فى الشركة ألتفت إليه فارس وتوقف عن السير وقال : - فى ايه يا عمرو أتكلم على طول قلقتنى قال عمرو على الفور : - لما سيبتك قدام النيابة ومشيت روحت الشركة وانا مخنوق من إلهام ونادر وحاسس أن نادر عامل فيا كده علشان خايف أحسن أخدها منه .. دخلت عليها وانا ثاير جدا وقعدت أزعق وجبتلها القديم والجديد كله وقلتلها أن نادر عمل فيا كده علشان خايف أخدها منه واتكلمت كلام كتير أوى وهى واقفة مش عارفة ترد عليا وواقفة تبصلى بذهول وكل اللى طالع عليها ..أزاى نادر يعمل كده ... خلصت كلامى من هنا ولقيت الدكتور حمدى دخل علينا وبصلها باحتقار بعد ما سمع كل حاجة وعرف اللى اخته بتعمله وقالها أنسى أن ليكى أخ اسمه حمدى .. سيبتهم ومشيت على طول لما شفت الألم فى عينه وحسيت أنه محرج منى ومش عارف يبص فى وشى علشان كده افتكرت أنه كلمك وقالك حاجة .. أستمع فارس إليه بدهشة كبيرة وهو عاقداً لحاجبية وقال ببطء ثقيل : - وطبعا تلاقيه توقع انى انا كمان عارف عن أخته الكلام ده .. نظر إلى عمرو وقال بألم : - وأنت بقى متوقع أنه يكلمنى .. طب هيكلمنى يقولى ايه صمت فارس يفكر فى الحال الذى وصل إليه الدكتور حمدى وكيف ستعامل مع هذا الموقف المحرج فقال عمرو على الفور : - فى حاجة كمان حصلت يا فارس ألفت إليه فارس فقال عمرو : - طلعت بعدها على هيئة الاثار من كتر منا كنت قلقان وعاوز أطمن ..قلت اسأل وأشمشم كده حوالين الحتة اللى راحتلهم من النيابة .. وقبل ما أدخل شفت نادر خارج منها ومعاه واحد كده معرفوش أثارت كلماته حفيظة فارس وحواسه فقال بسرعة : - تفتكر كان رايح ليه ومين اللى كان معاه ده رفع عمرو كتفية بحيرة وهو يقول : - معرفش يا فارس مش عارف انا هتجنن خلاص وضع فارس يده على كتف عمرو قائلا: - طب أنا دلوقتى هروح المكتب يا عمرو وهحاول أتكلم مع الدكتور حمدى وهشوف الحكاية وصلت لأية ..ولما أرجع بالليل هبقى أكلمك تانى يالا روح أنت دلوقتى دخل فارس حجرة مكتب الدكتور حمدى بشىء من الخجل وقال: - حضرتك طلبتنى يا دكتور أشار له الدكتور حمدى بالجلوس أمامه وقد بدا عليه الالم والاستياء ثم قال: - أنا كنت متوقع برضه أنك هتتكسف تدخلى أول ما توصل علشان كده نبهت عليهم أول ما توصل تدخلي على طول حاول فارس أن يحتفظ له بماء وجهه وقال: - مش فاهم حضرتك تقصد أيه أبتسم الدكتور حمدى بأسى وهو يقول : - لاء أنت فاهم بس مش عاوز تحرجنى صمت فارس ولم يجيبه فقال حمدى : - لو سمحت يا فارس أنا مش عاوز أى كلام عن القضية دى فى مكتبى تانى ..أنا خلاص أتبريت من أختى ومش عاوز أى حاجة من ناحيتها تانى رفع فارس رأسه إليه وقد فهم ما يرمى إليه فأومأ برأسه وحاول أن يُخرج الكلمات منه بشكل تلقائى وقد حضرته فكرة وليدة اللحظة حتى يرفع عنه الحرج وقال : - بعد اذن حضرتك يا دكتور أن كنت بفكر أفيد أهل الشارع بتاعى ..والناس الغلابة اللى فيه وافتح مكتب خاص بيا هناك وتبقى الأتعاب على قد مصاريف القضية بس .... لأن فى ناس كتير هناك أحوالهم المادية ضعيفة جدا وأصلا المرتب يدوب بيكفى اكل وشرب بالعافية... أعتصر الالم قلب الدكتور حمدى وهو يستمع إلى فارس واقتراحه وهو يعلم جيدا أن هذا الأقتراح ماهو إلا محاولة منه لرفع الحرج الذى استشعره فارس بعد أن علم عن أخته الذى تفعله وهى متزوجة ... ولم يكن فارس مخطىءً فى ظنه لذلك قال حمدى وهو يومىء برأسه متفهماً : - **** يوفقك فى حياتك يا فارس.. أنا مش هقدر امنعك انك تحقق ذاتك بعيد عني رغم أنى مش هقدر أستغنى عنك ولا عن مجهودك فى الشغل أبداً قال فارس مبتسماً وقد أيقن أنه كان محقا : - أنا تلميذ حضرتك يا دكتور أتعلمت منك أخلاق المهنة قبل ما أتعلم الشغل فيها ومن غير ما أكون بشتغل فى المكتب هنا أنا تحت أمرك فى أى حاجة سواء كان شغل أو غيره أنا مش هنسى فضلك عليا بعد **** نهض حمدى وعانق فارس بمشاعر الأبوة التى يشعرها تجاهه دائماً وربت على كتفه قائلا بمرح : - هتنافسنى فى المحاكم يعنى وهتاخد مني الزباين ضحك فارس وهو يشد على يده قائلا بتواضع : - ده انا يدوب تلميذك يا دكتور ***** هتف عمرو فى الهاتف وهو يتحدث إلى فارس قائلا : - يعنى ايه سبت المكتب يعنى انا السبب ضحك فارس وهو يقول : - أنت السبب فعلا بس مش سبب حاجة وحشة.. أنت السبب فى أنى أبدأ أحقق ذاتى وأعملى أسم كويس هتف عمرو بانفعال مرة أخرى : - يعنى أنت هتشتغل القضية لوحدك ولا ايه قال فارس مداعباً : - ومالك مرعوب كده متخافش هجيبلك تأبيدة بس صاح عمرو بضيق : - يا فارس مبهزرش دلوقتى .. وقولى ناوى على ايه قال فارس بجدية : - أنا الاول كنت مستنى تقرير هيئة الاثار لكن بعد ما قلتلى أنك شفت نادر وواحد تانى خارج من هناك قلقت - قلقت أزاى فهمنى - مفيش حاجة تخلى نادر يروح هناك غير سبب واحد بس .. أنه يكون عاوز التقرير يطلع بطريقة معينة عقد عمرو بين حاجبيه وقال قلقاً : - يعنى هيدفع فلوس علشان يثبت أنها سليمة يعنى ولا ايه معنى كده ...... قاطعه فارس قائلاً بثقة : - بالظبط كده معنى كده أنها مش حقيقية ومزيفة لأنها لو كانت حقيقية مكنش راح هناك قال عمرو بشرود وكانه يحادث نفسه : - حتى لو كده طب ماهو لو تحليلك ده صح يبقى برضه هروح فى داهية لأن التقرير هيطلع زى ماهو عاوز قال فارس مطمئناً : - متقلقش أنا واثق من تحليلى ولو التقرير طلع زى ماهو عاوز هشكك فيه وهطلب أن الحتة دى تتحال للجنة تانية قال عمرو ساخطاً : - طب ماهو ممكن يرشى اللجنة التانية برضه قال فارس وهو يضيق عينيه بثقة : - متقلقش ساعتها هسبقه بخطوة تأفف عمرو بضيق وزفر ثم قال : - طب وهو هيعمل كل ده ليه.. ما كان يحطها سليمة وخلاص قال فارس متهكماً : - أنت عبيط يابنى عاوزه يضحى بحتة سليمة ويخسر فيها ملايين .. لا طبعاً هو أحسنله يدفع رشوة كام ألف لكن يحطلك حتة بملايين لمجرد انه يوديك فى داهية لاء ... ثم رفع فارس حاجبيه وقال بتفكير عميق : - وده بقى اللى بيأكدلى أن الواد نادر ده بيشتغل فى حكاية تهريب الاثار دى استند عمرو إلى سور الشرفة وقال بتركيز : - وانت جالك الاحساس ده أزاى ؟ جلس فارس خلف مكتبه واستند إليه وهو يعبث بصور مُهرة الخاصة بعقد القران والتى وضعتها والدته على مكتبه فقال عمرو بقلق : - فارس أنت معايا أنتبه فارس وقد شرد قليلا فى صور مُهرة وقال بسرعة : - ها معلش يا عمرو انا معاك أهو أعاد عمرو سؤاله من جديد وهو يقول : - كنت بسألك أحساسك ده جه أزاى قال فارس على الفور : - بص يا عمرو الانسان لما بيحب ياذى حد أول حاجة بتيجى فى تفكيره الحاجات اللى هو بيتعامل معاها دايما .. اللى بيشتغل فى المخدرات أو بيتعاطاها لما بيحب يأذى واحد تانى بيعمل ايه .. بيحطله مخدرات ويبلغ عنه .. واحد بياخد رشوة لما يحب ياذى يعمل للى عاوز ياذيه قضية رشوة ويلبسهالوا .. واللى حصلك مع نادر بيقول أن نادر ليه فى حكاية الاثار دى علشان كده لما فكر ياذيك فكر يأذيك بنفس الحاجة اللى هو دايس فيها .. فهمت أعتدل عمرو وقال على الفور وكأنه قد تذكر شيئاً هاماً وقال : - **** يفتح عليك ..أنت فكرتنى بحاجة مهمة مكنتش واخد بالى منها أنتبهت حواس فارس وهو يقول : - افتكرت ايه قال عمرو بتركيز : - فى مرة أخدت أجازة يومين ونادر هو اللى كان ماسك النبطشية بدالى ولما رجعت وبصيت بالنهار على الموقع لقيت آثار حفر على عمق أكتر من العمق المسموح بيه ولما سألته قالى انها غلطت العمال بس هو لحقها مسح فارس على شعره وقال بقلق : - أظاهر كده يا عمرو ان الموضوع كبير وخطير وأن نادر مش لوحده فيه ..المكان اللى بتبنوا فيه الفندق ده معروف أنه مكان اثرى واصلا مش عارف التصريح بالحفر والبُنى خرج ازاى للمكان ده ... زفر عمرو وهو يقول بضيق : - الموضوع شكله كبير علينا أوى يا فارس ... أنت لو بصيت على الاثار اللى خرجت بره مصر وشفت حجمها وعرضها هتعرف ان الاثار دى مش ممكن تكون أتهربت .. الاثار دى خارجه تحت عين أكبر راس فى البلد وباتفاق كمان نظر فارس أمامه بعينين حازمتين وقال بأصرار : - أنا بقى مش هسيب الموضوع ده يا انا يا هما ... ****** وفى الصباح وقف فارس ينتظر مُهرة أمام باب شقته وابتسم عندما وجدها تهبط إليه فى الملابس الجديدة التى أهداها أياها .. نظرت إليه وابتسمت بخجل , تأملها بإعجاب ثم عقد جبينه وقال بضيق مصطنع : - لاء مينفعش أطلعى غيريها رفعت حاجبيها وقالت باعتراض : - ليه دى جميلة أوى وواسعة أهى صعد درجة من السلم ليقف أمامها مباشرة وقال وهو يداعب وجنتها : - ماهو علشان كده عاوزك تغيريها.. حلوه أوى عليكى وخايف حد يبصلك أبتسمت وهى ممسكةً بيده التى تداعبها وقالت بخجل : - يالا بقى هتأخر كده على المحاضرة رفع يديها لشفاه وقبل أناملها وقال بحب : - أتأخرى براحتك .. أنا اللى هديكى أول محاضرة... يعنى هتروحى مع الدكتور عقدت ذراعيها وهى تقول بعناد : - أنا بقى مبحبش الكوسة ..واصلا محدش هيعرف علاقتنا ضحك ضحكات رنانة أهتزلها قلبها عشقاً ثم قال : - علاقتنا ! هو انتِ مش مراتى لا سمح **** وضعت يدها على لحيته تمسح عليها وتخلل أصابعها برفق داخلها وهى تقول بشغف : - أنا بحب أوى كلمة مراتى دى منك تلاشت البسمة من وجهه وزاغت أنظاره وهو ينظر إليها شاعراً بأحاسيس قوية تجتاحه تجاهها قائلا بصوت رخيم : - أنتِ اتعلمتى الحركة دى من مين قالت بحياء : - عبير هى اللى علمتهالى وقالتلى انها هتعجبك أبتلع ريقه وهو يقول بتماسك : - كل اللى تقولك عليه ابقى اسمعى كلامها فيه ماشى ضحكت وهى تقول : - ليه بقى أومأ برأسه وهو يغمض عينيه قائلاً بمرح : - علشان عارف انها هتعلمك بضمير ********** بحث فارس عن مكان يصلح ليستأجرة ويبدأ فيه تأسيس مكتبه الخاص ويكون قريباً من شارعهم وأخيرا وجده على مسافة قريبة جدًا منهم وبدأ فى تاسيسه وحاول البحث عن بعض الأثاث زهيد الثمن ولكنه فى يوم من الأيام تفاجا بدخول مُهرة عليه المكتب وهى تقول بسعادة : - يالا بسرعة يا فارس العربية واقفة تحت نهض وهو ينظر إليها بدهشة وقال : - عربية ايه يا مُهرة اللى واقفة تحت قالت على الفور وهى تجذبه من يده : - يالا بس الناس هتطلع الحاجة تعالى علشان تقف معاهم وفجأة وجد بعض الرجال يدخلون عليه المكتب كل منهم يحمل قطة أثاث خاصة بالمكتب وبدأوا فى وضعها فى الداخل وهو واقف ينظر إليهم بدهشة .. جذبها من يدها إلى أحد الأركان وقال بجدية : - فهمينى ايه ده وجبتى الحاجات دى منين وازاى متقوليليش قالت بمرح وحماس: - انا عندى واحدة صاحبتى فى الجامعة باباها عنده محل أثاث صغير كده على قدهم ..قولتلها مرة تجيبلى معاها كتالوج من المعرض ولما شفت الحاجات اللى فيه لقيتها حلوه ورخيصة .. فنقيت واحد للمكتب هنا وأدتها العنوان وبس .. قال بحدة : - أنتِ بتتصرفى تصرفات عيال .. والفلوس ؟ هدفع فلوس الحاجات دى منين يا مُهرة تألمت من قبضته قليلاً حول ذراعها وقالت بخفوت وهى مطرقةً للأسفل : - الفلوس أدفعت خلاص متخافش أرخى قبضته عنها وعقد حاجبيه قائلا: - جبتى الفلوس منين ؟ قالت ببراءة : - بعت الشبكة بتاعتى اللى جبتهالى نظر إليها لا يعلم ماذا يقول , هل يحتد عليها وعلى تصرفها التى قامت بها دون الرجوع إليه أم يأخذها بين ذراعيه وضمها على تضحيتها بالذهب الوحيد الذى كانت تملكه والذى كان عزيزًا عليها فقال بنبرة معتذرة : - بس الشبكة دى كانت غالية عندك أوى ليه عملتى كده ظلت مطرقة ً برأسها وهى تقول بصدق : - هى كانت غالية عندى علشان منك انت .. بس انت عارف انى أصلا مش بحب الدهب ولما لقيتك مزنوق فى فلوس العفش اللى هيتحط فى المكتب ملقتش قدامى حل تانى غير ده ومرضتش اقولك علشان عارفة انك هترفض أكتسى صوته عذوبة ورقةً وهو يقول بامتنان : - بس انتِ مكنش عندك غيره يا حبيبتى نظرت له بعتاب وقال بخفوت دون أن تنظر إليه : - انا معنديش غيرك انت يا فارس ******** بدأ العمل فى المكتب على قدم وساق وأخيرا تم وضع اللافتة التى تحمل أسمه .. دكتور فارس سيف الدين المحامى , ولكن أين يذهب فارس من أقداره هو مُهرة ..بعد أسبوع واحد من بداية العمل فى المكتب الجديد وذات مساء زاره أبو يحيى والد مُهرة ومعه العم عامر بصحبة ولده مينا وقد كان فارس مشغولا بالتحدث فى الهاتف مع عمرو الذى كان يخبره أن التقرير قد أُعد أخيرا وذهب إلى النيابة وأنهما لا بد ان يذهبا فى الغد على الفور . أنهى فارس المكالمة سريعاً ورحب بأبو يحيى والعم عامر ترحيب شديد ولكن وجههما كان يعلوه العبوس وخصيصا وهما ينظران إلى بعضهما البعض شذراً .. فقال فارس على الفور : - خير يا جماعة ايه الحكاية نظر أبو يحيى إلى عامر ومينا بثقة وكأنه يعرف إلى أى جهة سينضم فارس وبدء فى سرد ما حدث بينهما من شقاق ونزاع ****** الفصل الثانى والثلاثون (قبل الأخير ) - خير يا جماعة ايه الحكاية نظر أبو يحيى إلى عامر ومينا بثقة وكأنه يعرف إلى أى جهة سينضم فارس وبدء فى سرد ما حدث بينهما من شقاق ونزاع وقال: - شوف يا فارس يابنى .. من مدة كدة مرات عامر كانت عاوزه تشترى مكنة خياطة ومعهاش المبلغ كله .. لجأت لمراتى التانية وطلبتهم منها ..ومراتى اشترطت عليها أنها تردلها المبلغ بعد كام شهر بس بزيادة 500 جنية دلوقتى بقى مراته جاية ترجع المبلغ من غير الزيادة والحريم اتخانقوا مع بعض, حاولت افهمه أن احنا عندنا فى شرعنا أن العقد شريعة المتعاقدين وهما اتفقوا من قبل ما تاخد الفلوس برضه مش مصدق ويقولى ده حتى عندكوا اسمه ربا , حاولت افهمه واشرحله واقوله أن السلف ده زى قرض البنك كده بالفايدة بتاعته مش ربا ولا حاجة .. ولا حياة لمن تنادى .. برضة راكب رأسه ومش راضين يدفعوا الزيادة .. أتفضل بقى انت فهمه يمكن يفهم منك.. أصله فهمه على قده شويه هتف مينا أبن عامر بغضب : - لو سمحت حسن ملافظك شوية يا عم ابو يحيى.. ولا يعنى علشان هو جوز بنتك ومتأكد أنه هيحكملك .. أنا اصلا مكنتش مقتنع أننا نيجي هنا ما انا عارف أيه اللى هيحصل .. تنهد فارس ببطء وهو يشعر أنه مقدم على مشكلة كبيرة سوف تحدث وقال لـ مينا : - وعرفت منين اللى هيحصل بقى يا مينا لوح مينا بضيق وهو يقول : - طبعا هتحكمله هو مش انت جوز بنته ..وغير كده هتقول ده **** ودول مسيحين يبقى احكم لل**** اللى زيى ثم نظر إليه نظرة ذات معنى وهو يقول : - مش كده برضه يا شيخ فارس جذب عامر ذراع ولده ونهره بقوة قائلا: - عيب كده يا مينا ..أحترم الدكتور وانت بتتكلم ثم التفت إلى فارس وقال معتذراً : - أنا آسف يا دكتور.. أمسحها فيا معلش .. مينا لسه صغير وميعرفكش كويس زيى ألتفت فارس إلى مينا وقال بهدوء : - أيه بقى حكاية شيخ فارس دى.. تقصد بيها ايه نظر له مينا بحنق ولم يجبه فكرر عامر أعتذاره لـ فارس فقال فارس على الفور وهو ينظر إلى عامر : - أتفضل أحكيلى ايه اللى حصل يا عم عامر قال ابو يحيى معترضاً : - منا حكتلك الحكايه كلها يا دكتور هو هيقول ايه يعنى مختلف عن اللى قلته نظر له فارس مبتسماً وحاول أن يعطيه احساس بأنه ليس ضده وقال : - معلش يا أبو يحيى أى حد بيحكم بين طرفين لازم يسمع من الاتنين .. حتى لو انتوا الاتنين قدام بعض لازم اسمع من الطرفين قبل ما اقول أى حاجة . هز عامر رأسه موافقاً بإعجاب وهو ينظر إلى فارس و فقال : - أنا كلامى مش هيختلف يا دكتور فارس هو نفس الكلام .. مراته سلفت مراتى واتفقت معاها على زيادة 500 جنيه .. بس مراتى خبت عليا موضوع الزيادة دى ..ومكنتش اعرفها ولما كنت قاعد مع الحاج عبد **** وبحكيله قالى أن ده عندكو اسمه ربا يعنى انا مجبتش حاجة من عندى .. وده كده فى ظلم كبير لينا لأننا معناش المبلغ ده دلوقتى.. المكنة باظت ومستفدناش منها بحاجة مال أبو يحيى مستندا بيده على مكتب فارس وهو يقول : - طب أنا ذنبى ايه.. العقد شريعة المتعاقدين ومراتك وافقت من الأول أبتلع فارس ريقه وهو يشعر أنه يقف بقرب فوهة بركان تكاد أن تنفجر فى وجهه فى أى وقت ولكن الحق أحق أن يتبع ..سلم أمره *** ونظر إلى عامر الذى كان ينتظر كلمة حق ..شعر بسخونة تسرى فى جسده فهو يعلم ماذا سيفعل به أبو يحيى إذا ما نصر عليه غريمه .. لكن هل يقول كلمة تقرب بينه وبين حبيبته وزوجته وتبعده عن الجنة وتلقى به فى الجحيم .. وبحسبة بسيطة حسم فارس أمره ونظر إلى عيونهم المتعلقة به وأخذ نفساً عميقاً وقال : - عم عامر على حق .. ده ربا فعلا ارتسمت ابتسامة رضا على وجه عامر بينما حدق مينا فى فارس بدهشةً وانفجر بركان ابو يحيى فى وجهه كما توقع تماماً وقال صائحاً : - أنت بتنصره عليا يا جوز بنتى .. يعنى انت موافق على اللى بيقوله ده نهض فارس محاولاً تهدئته وقال على الفور : - اسمعنى يا عمي بس أنا هافهمك ليه صاح فيه ابو يحيى قائلا: - كويس أنى عرفتك قبل ما أديك بنتى ..راجل بوشين صحيح.. أومال دقن وعاملى فيها شيخ وكمان بتنصر المسيحى عليا يا عم الشيخ .. ملكش عندى بنات للجواز عن اذنك لحق به فارس عند باب الحجرة وجذبه من ساعده برفق محاولا إيقافه وتهدئته وهو يقول برجاء : - هفهمك انا قلت كده ليه .. ده شرع **** مش كلامى دفعه ايو يحيى بثورة عارمة وهو يصيح شرع **** ايه أنتوا كل واحد فيكوا يربى دقنه ويتاجر بشرع **** يا نصابين . قال كلمته بعد أن دفع فارس بقوة وصفع الباب خلفه بعنف , زفر فارس وهو يمسح بكلتا يديه على شعره بقوة وهو يقول : - لا حول ولا قوة الا ب****.. ليه كده بس.. طب كنت استنى لما تفهم تبادل عامر مع ولده مينا النظرات المتعجبة واتجه عامر إلى فارس قائلا بأعتذار : - انا آسف يابنى رفع فارس رأسه إليه وقال بعدم تركيز : - لا..لا وانت ذنبك ايه يا عم عامر أقترب مينا من فارس وقال بإرتباك : - أنا آسف انا كمان يا دكتور فارس مكنتش أعرف أنك هتيجى فى صف الحق مهما كان هو مع مين حاول فارس أن يرسم ابتسامة مجاملة على شفتيه ولكنه عجز عن ذلك فعقله يدور ولا يعلم ماذا سيفعل مع والدها وماذا سيحدث بعد ذلك .. ****** ظل والدها يصرخ فى وجهها صائحاً : - هيطلقك يعنى هيطلقك وانتِ اللى هتطلبى الطلاق منه.. أنتِ فاهمة ولا لاء أنسابت عبراتها وهى تهتف : - ليه بس يا بابا طب حتى استنى لما تسمع منه صاح بصوت هادر : - اللى بقولك عليه تعمليه .. وإلا و**** أمك هرميها فى الشارع ومش هتلاقى مكان يلمها بكت مُهرة بشده وجسدها يرتجف وينتفض بقوة وهى تستغيث ب**** أن ينقذها مما تقاسيه ... تدخلت والدتها وقالت له بجمود : - هو انت كل ما يحصل حاجة تهددنى بالطرد والطلاق .. أنت فاكرنى هترمى فى الشارع يعنى من غيرك توجه إليها فى غضب عارم ولوى ساعدها خلف ظهرها وهو يصرخ فيها : - ايوا هتترمى فى الشارع ياختى ..ولو مش عاجبك الباب يفوت جمل دفعته بكل طاقتها بعيدا عنها بعد أن شعرت أن يدها ستكسر فى قبضته وهرولت نحو باب الشقة وهى تاخذ محفظتها وتجذب حجابها وتضعه على شعرها وهى تقول بغضب : - سايبهالك مخضرة.. أبقى هات مراتك التانية تعمرها بقى خرجت وأغلقت الباب خلفها ونسيت أن ابنتها فى أشد الحاجة إليها, غضبت لنفسها وانفجر بركان صمتها الذى كان هامداً طوال تلك السنوات والآن انفجر ولكنه لم ينفجر فى وجهه وحده وأنما فى وجه مُهرة ايضا .. فتحت أم فارس باب شقتها عندما سمعت صوت الصراخ الاتى من شقة مُهرة فوجدت أم يحيى وهى تهرول هابطة للأسفل حاولت إيقافها ولكن عينيها كانت تتطاير منها الشرر وهى تصيح فيه وكأنه مازال يسمعها : - روح هات الغندورة التانية تقعدلك فيها ..أنا مستحملة وصابرة على بلاويك.. فى الآخر حصلت تمد ايدك عليا لم تسمع نداءات أم فارس ولم تعيرها اهتماماً , نظرت للأعلى لدقيقة ثم عادت إلى شقتها مرة أخرى عندما سمعت صوت رنين الهاتف ... أجابته قائلة : - السلام عليكم .. أيوا يا فارس قال بسرعة : - ماما مُهرة عندك ؟ قالت متعجبة : - لاء يابنى ده أنا سمعت صوت خناق جاى من عندهم وشفت أم يحيى وهى نازلة تزعق على السلم وبتقول انا سايبه البيت وماشيه.. شكل جوزها مد ايده عليها سمعت صوت زفيرة الحار وهو يقول : - أنا جاى حالا اقفلى دلوقتى عادى فارس سريعاً إلى المنزل فوجد والدته تنتظره على باب الشقة ويظهر عليها القلق الشديد وقالت سرعاً : - ايه اللى حصل يابنى بينك وبين ابوها .. البنت كلمتنى ومفحومة من العياط مفهمتش منها حاجة كل اللى فهمته ان ابوها كان هيضرب امها وأنه عاوزها تطلب الطلاق منك قال فارس بلهفة : - مد أيده على مُهرة ؟ هزة رأسها نفياً وهى تقول : - مش عارفه يابنى فهمنى طيب ايه اللى حصل لم يستطع أن ينتظر أكثر من هذا صعد الدرج قفزاً حتى توقف أمام باب الشقة تنفس بقوة وطرق الباب لحظات وفتح والدها الباب وعينيه ينبعث منها الغضب والحنق قال فارس سريعاً : - يا عمى عاوز اتكلم معاك **** يخاليك مش كده ... قال والدها بغضب : - قلتلك ملكش عندى بنات للجواز وياريت تطلقها بالذوق بدل ما نروح المحاكم سمع فارس صوت بكائها من الداخل فاستشاط غضباً .. لايستطيع أن يراها أو يطمئن عليها وهى وحيدة حتى والدتها تخلت عنها وتركتها معه بمفردها .. لم يستطع أن يتحكم فى أعصابه أكثر من ذلك فهتف فيه : - وانا مش هطلقها.. دى مراتى ومش هطلقها ..حتى لو هى اللى طلبت الطلاق بنفسها وبعدين ليه كل ده .. كل ده علشان حكمت بشرع ****.. وانت حتى مش عاوز تسمعنى لما اقول كل اللى عندى لم يجد أجابة من أبو يحيى إلا أن صفع الباب فى وجهه مرة واحدة بدون سابق انذار ..ضرب فارس سور الدرج بقبضته حتى آلمته بشدة وهو يهتف بحنق : - و**** ده حرام حرام اللى بيحصل ده لحقت به والدته وأخذته وهبطت به للأسفل وهى تقول : - تعالى يابنى استنى لما النفوس تصفى وبعدين نتكلم معاه.. تعالى احكيلى ايه اللى حصل أما فى غرفة مُهرة فقلد كانت تبكى وتشهق وهى تضع يدها على فمها حتى لا تصدر صوتاً يستفزه من جديد وهو واقف أمامها مصدراً لأوامره وهو يقول : - مفيش خروج ولا دخول ولا جامعة ولا غيره خلاص .. وتليفونك هيفضل معايا .. وهجيب مراتى التانية تقعد معاكى هنا وتحرسك ..ويبقى يورينى نفسه بقى سعادت الباشا الدكتور.. تراجعت فى فراشها حتى التصقت بالحائط وضمت ركبتيها إلى صدرها وهى تأن أنين المعذبين وتدفن رأسها بين قدميها وتشكوا بثها وحزنها *** وحده وبالفعل هاتف زوجته الثانية وأمرها أن تاتى ببعض ملابسها لتكون بجوار مُهرة مراقبة لتصرفاتها فى غيابه وقص عليها ماحدث.. كانت زوجته سعيدة بما فعل بأم يحيى وأنها أنتصرت على ضرتها وآلمتها وستؤلمها أكثر حينما تنام فى فراشها وتتحكم فى ابنتها وجاءت مسرعة إليه ... بات فارس ليلته وقد جفاه النوم وذاق السهاد مستلقياً على فراشه ينظر للأعلى يتأمل سقف الغرفة .. غرفتها فوقه تماماً لا يفصلهما عن بعضهما البعض سوى سقف الغرفة فقط, ظل مصوب نظراته إليه تكاد أن تخترقه لتراها وترى حالها الآن وتعود إليه تخبره عنها .. ماذا تفعل هل تبكى هل تضم قدميها إليها كما تفعل دائماً عندما تشعر بالوحدة .. يود أن يمده يدها لينتشلها مما هى فيه يود أن يأخذها بين ذراعيه ويحتضنها بقوة ليشعرها بالأمان .. أنا هنا يا حبيبتى ..لا تجزعى .. لا تخافى ..لا تفزعى .. لاتحزنى .. أطمئنى واسكنى صدرى كما سكنتِ قلبى دائماً ... وفى الصباح أخبرته والدته أن زوجة أبيها جاءت لتسكن معهم فى نفس الشقة , أستشاط غضبا وهو لا يعرف ماذا يفعل , لا يريد أن يتدخل بشكل أكثر قوة حتى لا تفسد العلاقات بين العائلتين أكثر من هذا, وكان مضطرًا للحاق بعمرو فى النيابة ليتعرف على نتيجة تقرير هيئة الاثار .. توجه إلى النيابة من جديد وهناك كانت النتيجة ليست مفاجئةً له بل كما توقع تماماً .. يقول مفتش الاثار الخبير بان القطعة الاثرية التى عرضت عليه قطعة حقيقية غير مزيفة .. شكك فارس فى نتيجة الفحص وطالب بفحصها مرة أخرى عن طريق لجنة أخرى .. تم الاستجابة لطلبه وأعيدت لعرضها على لجنة أخرى .. تقدم عمرو تجاه فارس وهو يقول بقلق : - هنعمل ايه دلوقتى يا فارس تنهد فارس وقد ظهرت علامات الاستياء على وجهه وهو يقول : - زى ما قلتلك بالظبط هنسبقهم بخطوه المره دى نظر له عمرو متعجباً وقال : - مالك يا فارس فى حاجة مضايقاك أومأ فارس برأسه وهو يشعر أنه يحمل هماً تنوء منه الجبال وقص على عمرو ما حدث بالامس مع والد مُهرة .. ما كاد ينتهى من حديثه حتى وجد والدته تتصل به بألحاح أجابها على الفور فقالت بإضطراب : - مرات حماك التانية خبطت عليا وقالتلى أن جوزها راح يشوف محامى علشان يرفع قضية طلاق أغمض فارس عينيه وقال بحزن : - طيب يا ماما اقفلى دلوقتى معلش وهبقى أكلمك تانى نظر إليه عمروهو يقول في إضطراب : - حصل ايه خالطت ابتسامة متهكمة حزينة شفتيه وهو يقول : - حمايا شكله كان بيتلكك علشان يطلقها مني .. راح يدور على محامى يرفع قضية الطلاق وضع عمرو يده على كتف فارس وهو يقول مطمئناً : - متخافش مش انت واثق أنها عايزاك أطلت نظرات القلق والحزن من عينيه وهو يقول : - انا خايف عليها اوى يا عمرو لوحدها فى وسط كل ده ****** ذهب فارس بصحبة عمرو كما اتفقا مسبقاً لهيئة الاثار ليحاول فارس استباق نادر بخطوة كما كان يخطط من قبل .. صافحه فارس وهو يعرفه بنفسه ويقدم الكارت الشخصى الخاص به مبتسماً ... نظر مفتش الاثار إلى الكارت ثم إلى فارس متفحصاً له وهو يضيق عينيه ثم قال متسائلا : - هو مش حضرتك كنت بتشتغل فى مكتب الدكتور حمدى مهران أنتبهت حواس فارس وهو يومىء ببطء قائلا: - ايوا هو حضرتك تعرفنى قبل كده ابتسم الرجل ويهز رأسه قائلا : - سبحان **** الدنيا صغيرة أوى .. هو حضرتك مش فاكرنى ولا ايه يا استاذ فارس تأمله فارس قليلاً محاولا تذكره ثم قال : - الحقيقة هو شكل حضرتك مش غريب عليا بس مش فاكر بصراحه استند الرجل إلى مكتبه وشبك اصابع كفيه فى بعضهما وقال بتاثر : - مش فاكر الراجل اللى مراته رفعت عليه قضية طلاق وعلشان مكنش عاوز يديها حقوقها جالكوا المكتب بتاعكوا وكان عاوز يتهمها فى شرفها ظلم ويفترى عليها وانت قعدت تنصحه وتقوله حتى لو هانت عليك مراتك أزاى عيالك يهونوا عليك تلطخ سمعتهم بالشكل ده وميقدروش يرفعوا رأسهم قدام الناس بعد كده وفضلت تذكره ب**** لحد ما قام مشى من قدامك وهو بيقول أنا مش عارف هو ده مكتب محاماه ولا جامع .. أنتبه فارس متذكراً وهو ينظر إلى الرجل وقد عرفه وقال بدهشة : - مش معقول أومأ الرجل برأسه وهو يقول : - شفت بقى الدنيا صغيرة ازاى ؟ أطرق فارس مفكراً وقد شعر برفض طلبه قبل أن يطلبه وحاول أن يبحث عن مخرج آخر لعمرو الذى كان ينظر إليهما بحيرة ودهشة لا يعرف ماذا يقول .. قطع مفتش الاثار شروده وهو يقول موجهاً حديثه لفارس : - أؤمرنى يا أستاذ فارس حضرتك كنت جايلى ليه رفع فارس رأسه ببط ونظر فى عينيه وهو يقول بأحباط : - الحقيقة أنا كنت جاى متحمس بس دلوقتى مبقتش عارف هتساعدنى ولا لاء نظر له الرجل بابتسامة ونهض من خلف مكتبه وجلس على المقعد أمامه ووضع يده على قدم فارس وهو يقول ممتناً : - أنت ليك جميل فى رقبتى عمرى ما هنسهولك أبداً علت الدهشة وجه فارس وهو ينظر إليه بصمت فاردف الرجل قائلا: - أنا بعد ما مشيت من عندك فكرت فى كلامك كويس وضميرى فضل ينقح عليا وانا بسمع كلامك عمال يدور جوا عقلى .. وفضلت طول الليل صاحى مش عارف اسمع اى حاجة غير الحوار اللى دار بينا فى المكتب عندك ... حسيت انى ندل وأنى كنت هلوث سمعت ست شريفة عاشرتها سنين طويلة مشفتش منها غير كل شرف وامانه .. كنت هضيع مستقبل ولادى وسمعتهم علشان العند .. علشان بس أثبتلها أنها مش هتاخد منى حاجة غصب عنى بالمحاكم .. وأكتشفت انى مقدرش استغنى عنها وان الموضوع كله كان عند فى عند .. روحتلها وأعتذرتلها واتصالحنا ومن يومها وانا شايلك جميلك ده فى رقبتى وبدعيلك ليل نهار ... رغماً عنه لمعت الدموع فى عينيه وهتف فى قلبه : - يااااه يا ما أنت كريم **** .. صحيح اللى عند **** مبيضعش ابداً ربت الرجل على قدمه مرة اخرى وقال مطمئناً : - قولى بقى أنت عاوزنى اساعدك فى ايه وانا رقبتى ليك خرج فارس وعمرو من هيئة الآثار وقد بدت السعادة فى عينيى كل منهما وقال له فارس بحماس : - شفت بقى مش قلتلك أن **** مش هيسيبنا أبدا رفع عمرو يده للسماء وهو يقول : - الحمد *** **** .. ثم نظر إلى فارس متسائلا وهو يقول : - ودلوقتى المفروض هنعمل ايه الخطوه اللى جايه ابتسم فارس بمكر وهو يقول : - الخطوة الجايه هما اللى هيعملوها مش أحنا وساعتها هيبقوا كتبوا نهايتهم بأديهم بمجرد أن انتهى مفتش الآثار من وضع الملفات التى بيده فى درج مكتبه حتى سمع طرقات خفيفة على باب حجرته ورأى رجلين يراهما لأول مرة ... مد نادر يده يصافحه وهو يقول : - أقدملك نفسى مهندس نادر وأشار إلى صاحبه وقال : - وده الأستاذ باسم المحامى . ****** - أيه أنت مش هتروح بيتك ولا ايه ... قال فارس تلك العبارة وهو يمشى بجوار عمرو الذى كان يسير بجواره فى طريقه إلى بيت والدته .. فقال عمرو: - لا أنا هبات عند ابويا النهاردة أصل حماتى تعبانة شوية ومراتى وأختها بايتين عندها ثم ألتفت إلى فارس وقال متسائلا: - وأنت مش رايح المكتب هز فارس راسه نفياً وقد علت قسمات وجهه سحابة حزن وقال : - ماليش نفس اعمل حاجة خالص يا عمرو ..أنا هروح البيت يمكن اعرف اشوفها ولا أكلمها ربت عمرو على كتفه وحاول أن يكون مرحاً وقال : - أنا مكنتش أعرف أنك هيمان اوى كده يا عم فارس ألتفت إليه فارس بصمت حزين ثم سار فى طريقه .. ودعه عمرو دخل بيت والدته بينما دلف فارس إلى بنايته المقابلة له صعد الدرج ولكنه لم يطرق باب شقته وإنما صعد درجات عدة أخرى ووقف أمام بابها لا يعرف ماذا يفعل .. أفتقدها بشدة يريد أن يملاْ عينيه بوجهها البرىء ولو لمرة واحدة فقط وقف مترددا تدور الافكار برأسه تعذبه وتقتله .. وأخيرا وضع رايته مستسلماً وهبط درجات السلم مرة اخرى متوجهاً إلى شقته .. وضعت والدته طعام العشاء امامه على المائدة وهو شارداً فى وجوم وكأنه فى عالم آخر عاقدا ذراعيه امام صدره وقد تقابلا حاجبية بشدة .. وضعت يدها على يده وهى تقول بهدوء : - مش هتاكل يا فارس أوما برأسه وأمسك ملعقته وظل يعبث فى طبقة الذى امامه وهو مطرق الرأس وقد عاد إلى وجومة الدائم فقالت : - يابنى مش كده ده انت مكلتش من امبارح ولا بتدوق طعم النوم حتى تنهد بقوة وقال باسى : - مش عارف اعمل ايه يا ماما ياريتنى ما كنت كتبت الكتاب كنا عملنا الفرح على طول رفع رأسه إليها وهو يقول بضعف : - ماما أنتِ مبتشوفيهاش خالص شدت على يده وهى تقول بسعادة مصطنعة: - شوفتها النهاردة وهى نازله مع مرات ابوها وكان شكلها باين عليه أنها كويسه نظر إليها بلهفة وقال على الفور : - كلمتيها ابتسمت وقالت : - كلمتها وهى مرات ابوها هتمنعنى أكلمها كمان.. وبتسلم عليك وبتقولك متقلقش عليا خفق قلبه وضغط على يد والدته دون ان يشعر وهو يقول : - بجد يا ماما بجد كويسه أبتسمت والدته وهى تؤكد له ما قالته ثم عادت لتكمل طعامها فى صمت بعد ان رأته قد بدا فى تناول طعامه .. نظرت إليه نظرة خفية بأسى وهى تهتف داخلها .. اقولك ايه بس يابنى اقولك الوردة دبلت فى يوم وليلة من كتر الهم والبكى .. وقفت مهرة فى الليل فى نافذتها ترجو أن تراه ولو لمرة واحدة تطل برأسها للأسفل بشدة لعلها تلمح ظله فتفاجأت بصوت زوجة أبيها تقول ساخرة : - أدخلى من الشباك .. أبوكى قال مفيش واقفة فى الشبابيك ألتفتت إليها مُهرة وعادت إلى الوراء وأغلقت النافذة بهدوء فهى لا تريد أن تدخل فى مجادلة كلامية مع هذه المرأة على الأطلاق .. جلست على الفراش بعد أن أغلقت النافذة وتناولت أحد الكتب بجوارها وشرعت فى قراءتها فنظرت إليها زوجة أبيها نظرات ساخرة وعادت أدراجها من حيث أتت .. بعد قليل دخل يحيى بعد طرق الباب عليها وأطل بوجهه فتبسمت له وقد لمعت الدموع فى عينيها فاقترب منها وجلس بجوارها وأمسك يدها وهو يقول بإشفاق : - متزعليش نفسك بكره ابوكى يصفى ويرجع فى كلامه أنسابت العبرات على وجنتيها وهى تقول متسائلة : - ماما عامله ايه أومأ برأسه وهو يقول : - ما أنتِ عارفه انها قاعده عند خالتك وبتسلم عليكى وبتقولك متزعليش منها هى مشيت وسابتك فى ساعة غضب ومعرفتش ترجع تانى من لما ابوكى جاب مراته هنا أطرقت برأسها وقالت له متسائلة : - وانت يا يحيى قاعد فين دلوقتى قال مبتسماً : - عند واحد صاحبىى أطرقت برأسها ثانية وهى تقول باسى : - **** دايما تبقى مرتاح يا يحيى نظر إليها بشفقة ورفع وجهها إليه بيده وقال مبتسماً : - هخاليكى تشوفيه متزعليش أمسكت ذراعيه بلهفة وهى تهتف به : - بجد يا يحيى أشار لها ان تخفض صوتها ثم قال بخفوت : - اه و**** صدقينى بس أدينى يومين كده .. ماشى .. أومأت برأسها فرحاً وهى تمسح دموعها براحتيها وهى تقول ممتنة: - متشكرة اوى يا يحيى **** يخاليك .. بس يومين كتير اوى مينفعش قبل كده كتم ضحكته وهو يقول بمرح : - طب اعملى مكسوفة طيب .. طب استنى نهض واتجه إلى الباب ليطمئن أن زوجة أبيه لا تتجسس عليهما , وبعد ان اطمئن تماماً أخرج هاتفه وهو يقول لها بخفوت : - تعرفى توطى صوتك على الآخر وانتِ بتتكلمى فى التليفون ؟ قفزت من فراشها فرحاً كالفراشة وقال بخفوت مماثل : - **** ميحرمنيش منك يا يحيى أشار لها أن تفتح النافذة وتطل منها وهى تتحدث حتى لا يظهر صوتها خارج الغرفة بينما وقف يحيى مراقباً من طرف خفى حتى لا يحدث أى هجوم مباغت من زوجة أبيه عليهما وهى تتحدث فى الهاتف .. أنتفض فارس وهو مستلقى فى فراشه سابحاً فى شروده وذكرياته على صوت رنين الهاتف .. نظر إليه فوجد رقماً غريباً غير مسجل لديه فزفر بضيق ..تركه وعاد إلى استرخاءه من جديد وهو لايعلم أن نصفه الآخر الذى اشتاق إليه هو من يهاتفه الان . جذب يحيى الهاتف من مُهرة ووضعه فى جيبه فى اللحظة التى دخلت فيها زوجة أبيه واضعة يدها فى خصرها قائلة : - أنت هتبات هنا ولا ايه يا يحيى تنحنح بحرج وهو يقول : - لا انا ماشى دلوقتى قالت بابتسامة صفراء : - براحتك يعنى انا مش قصدى أمشيك ولا حاجة ربت يحيى على كتف مُهرة وهو يقول بنظرة تفهمها : - هجيلك بكره ماشى أومأت له مُهرة برأسها وهى تمسك بيده التى على كتفها خرج يحيى من غرفتها واتجه إلى باب الشقة مباشرة حتى لا يحدث احتكاك بينه وبين زوجة أبيه ينتج عنه مشكلة أخرى .. خرج وأغلق الباب خلفه بينما جلست مُهرة على فراشها محتضنة قدمها كما تفعل دائما وتنظر لأرضية الغرفة وكأنها تناديه وتحاول ان تخترقها لتراه .. خرج فارس يقف فى نافذة غرفته يستنشق هواء الفجر العليل ويملاْ به رأتيه بقوة ويزفر بهدوء وهو يسبح ويستغفر ببطء .. نظر للأعلى مرات عديدة يتلمس ظلها أو ضوء غرفتها سمع صوت هاتفه فهرول إليه ونظر فيه فزفر بضيق عندما وجد أسم عمرو هو المتصل .. كان يعتقد انها هى ولكن انقطع الامل .. عاد مرة أخرى إلى النافذة وهو يجيب عمرو بحنق : - وعليكم السلام ورحمة **** وبركاته ايه اللى مصحيك لحد دلوقتى ؟ قال عمرو مشاكساً : - انا كنت قلقان شوية وقفت فى الشباك لقيت العاشق الولهان واقف هو كمان عمال يبص لفوق يمكن يعرف يشوف الست جوليت ولا حاجة نظر فارس إلى البناية التى تقبع أمامه عن يمين بنايته قليلا فوجد عمر يقف فى الشرفة ويشير إليه بيده واضعا الهاتف على أذنه وقال : - معلش بقى شوفتنى انا.. طبعا عارف انك كان نفسك تشوف حد تانى النهاردة تنهد فارس بعمق وهو يقول بشوق : - وحشتنى أوى قال عمرو مبتسماً : - معلش يا روميو.. أصبر بكره تبقى فى بيتك هتف فارس بحنق وهو يضرب سور الشرفة بيده : - امتى بس يا عمرو وازاى بعد اللى حصل ده أنتفض جسدها وهى تجلس على فراشها ضامةً لركبتيها بعد أن سمعت صوته ياتى إليها ويتسلل إلى مسامعها فى سكون الليل وقد نامت العيون وخلا الأحبة بعضهم إلى بعض .. خرجت سريعاً من غرفتها لتتأكد من أن الجميع نيام ثم عادت إلى غرفتها , وضعت حجابها على شعرها وفتحت النافذة وأطلت منها بنصف جسدها تقريباً فرأته وهو يتحدث فى الهاتف بغضب , أبتسمت وهى تنظر إليه, كم افتقدته كم اشتاقت إليه وإلى نظرة عينيه العاشقة ... تفاجأ فارس بعمرو وهو يقول له بمرح : - قول لجوليت تدخل جوه شوية أحسن هتقع كده أستدار فارس كلية بجسده وهو ينظر للأعلى فرآها , لم يستطع أن يتبين ملامحها جيدا وعينيها بسبب الظلام ولكن رآها ورأته ! , أبتسم عمرو وعاد أدراجه إلى الداخل وأغلق الشرفة ليتركهما وحدهما يخطفا من الوقت لحظات كفيلة بأن تعيد إليهما الحياة من جديد.. أرسل لها قبلة فى الهواء بيده استقبلتها بقلبها الذى عانقها بقوة وضمها داخله ككنز ثمين لا ينفك أن يتركه أبداً ..ضمت يدها إلى صدرها وهى تنظر إليه كانها تضمه هو .. لمحت والدها آتى من بعيد فاشارت إليه وعادت للداخل سريعاً .. عاد فارس للداخل وحاله كحال الظمآن الذى بلل شفتيه بلسانه . ******** - ها يا حضرة الظابط أيه الاخبار .. قالها فارس وهو يجلس فى المقعد المقابل للضابط الذى قال بثقة : - كل حاجة ماشيه زى ما أحنا متفقين بالظبط .. باسم ونادر هيتسجلهم ويتقبض عليهم متلبسين بالرشوة أبتسم فارس بسعادة وهو يقول بأمتنان : - الحقيقة يا فندم مش عارف اشكر حضرتك أزاى .. ثم تنحنح فى حرج وهو يقول بحيرة : - هو ليه حضرتك عرضت عليا المساعدة فى الموضوع ده رغم أن القضية مكانتش معاك من الأول أبتسم الضابط وقال : - فاكر قضية القتل اللى طليقتك كانت ماسكاها ..أهو انا كنت الظابط اللى عرضوا عليه رشوة علشان يغير أقواله فيها.. من يومها وانا متابع القضية دى وعرفت اللى حصل معاك واستجدعتك اوى.. ده غير انى كنت متأكد إن فى حد تانى بيساعد وائل وبيخططله من بعيد من غير ما يورط نفسه فى الحكاية ثم استند بظهره إلى المقعد وهو يقول بتصميم: - ولما عرفت موضوعك أنت وعمرو بالصدفة حبيت اساعدك .. وواحدة واحدة اتأكدت أن باسم ليه علاقة بالموضوع ده كمان .. واللى زى باسم ده عاوزله تخطيط جامد أوى وأدلة قوية علشان نقدر نقضى على فساده.. ولا زم نحط أيدنا فى أيد بعض علشان نعرف نحوط عليه كويس أوى وميعرفش يطلع من ثغرات القانون اللى هو حافظة كويس . أستدرك فارس قائلا: - يعنى خلاص مش فاضل غير التسجيل وبعدين نطلع أمر بالقبض عليهم أومأ الضابط برأسه وقال مؤكدا : - التسجيل هيتم بكره زى ما اتفقنا مع خبير الاثار .. فى نفس اليوم بالليل هنقبض عليهم إن شاء **** نظر إليه فارس بإعجاب وهو يقول : - نفسى اسألك سؤال بيلح عليا دايما أومأ الضابط برأسه فقال قال فارس : - أنت ليه مخفتش لما وائل هددك ضحك الضابط وقال : - وائل ده كان شكله يضحك أصلا .. وبيعرض الرشوة بسذاجة غريبة .. علشان كده كنت متأكد ان فى حد وراه عاوز يوديه فى داهية ***** كان نادر بصحبة باسم فى شقته الخاصة ليلاً بينما سمع باسم صوت رنين هاتف المنزل فقال نادر بقلق : - أيه ده مين بيكلمك دلوقتى نهض باسم متوجهاً إلى الهاتف وهو يترنح ثملاً , وضع سماعة الهاتف على أذنه وقبل أن يجيب سمع صوت أنثوى يصيح به : - أنتوا ايه اللى أنتوا عملتوه ده يا أغبيا نظر باسم لسماعة الهاتف وهو يعقد جبينه بدهشة ثم أعادها على أذنه مرة أخرى وهو يقول بتشتت : - أنتِ مين صاحت بغضب : - أنت غبى انت واللى معاك .. وهتدفعوا تمن غبائكوا ده غالى أوى ضحك باسم وهو يقول بترنح : - أهدى بس يا حلوة صرخت فيه بشدة : - بقى علشان انت بتكره واحد والغبى اللى معاك بيكره التانى تقوموا تلفتوا النظر لينا ولشغلنا والعين تبقى علينا .. اللى عملتوه ده مش هيعدى بالساهل أبدا . وأنهت المكالمة بعنف .. نظر باسم إلى سماعة الهاتف باستنكار وهو يهوى إلى المقعد بجوار الهاتف ويهتف : - طب متعرفناش طيب نهض نادر قائلا: - فى ايه يا باسم مين دى ناوله باسم الكأس فى يده وهو يقول مترنحاً : - أشرب ياعم .. خالينا نفرفش شوية.. أنت مالك رخم كده ليه النهاردة ********* جلست عزة بجوار عبير فى بيت والدتهما وحدقت بها وهى تقول : - بتقولى أيه يا عبير .. مُهرة عارفة انى كنت بحب فارس .. أومأت عبير برأسها مبتسمة وهى تضع ولدها على الفراش بعد أن نام على ذراعها وقالت بخفوت : - أنتِ فاكراها عبيطة ولا أيه.. ولا ناسية انها كانت ملازمة لفارس ووالدته من وهى صغيرة وقاعدة عندهم فى البيت على طول أسندت عزة رأسها على راحتها وهى تقول بحرج : - يادى الكسوف .. وانا بكلمها عادى وهى بتكلمنى عادى ولا باين عليها حاجة ضحكت عبير بخفوت وهى تنهض وتجلس على الأريكة بجوار النافذة فتبعتها عزة وجلست بجوارها وهى تقول : - ده انا كده هتكسف احط عينى فى عنيها تانى هزت عبير رأسها نفياً وهى تقول : - بتهزرى ؟... يابنتى هى عارفة ان الكلام ده كان زمان قبل ما تتجوزى عمرو عقدت عزة ذراعيها أمام صدرها وقالت بتبرم: - وانتِ عرفتى ازاى اصلا توقع كده ولا هى لمحتلك رفعت عبير كتفيها وقالت : - مش هى المشكلة دلوقتى.. أنا مش عارفة أيه اللى فتح السيرة دى ..أحنا دلوقتى فى مشكلة مُهرة وباباها لازم أكلم بلال يدخل ويحاول يحلها بطريقته... ياريتك يا عزة قولتيلى أول ما عمرو قالك لوحت عزة بيديها وهى تقول : - ياختى نسيت مش شايفه ماما كانت تعبانه ازاى دفعتها عبير لتنهض وهى تقول بمكر : - طب أمشى بقى شوفيلك حته تنامى فيها علشان عاوزه أكلم جوزى شويه براحتى رفعت عزة حاجبها وهى تقول : - بتطردينى من أوضتى اصلا ماشى يا عبير .. وبعدين أنتِ فاكرانى ماليش جوز انا كمان ولا ايه طب انا بقى هروح البلكونه ونقعد نشاور لبعض زى الحبيبة ... ثم ضحكت وخرجت من الغرفة وأغلقت الباب خلفها أخرجت عبير هاتفها وهاتفت بلال وبمجرد ان اجابها حاولت أن تغير نبرة صوتها وهى تقول : - مين معايا كان بلال مستلقياً على الفراش يستعد للنوم فابتسم وهو يتكأ على جنبه الأيمن وقال : - حضرتك انتِ اللى متصله قالت عبير بدلال : - طيب ممكن نتعرف .. أصل صوتك عاجبنى أوى أعتدل جالساً على الفراش بحماس وقد أعجبته اللعبة وقال : - بس انا متجوز رفعت كتفيها وهى تقول برقة : - وايه يعنى الشرع محلل اربعة قال هامساً : - بس انا بحب مراتى ومفيش واحدة غيرها تملى عينى حتى لو كان الشرع محلل عشرة كتمت ضحكتها وقالت بتبرم طفولى : - خلاص بلاش جواز نتعرف بس هتف ضاحكاً : - أيه ده يا عبير أنتِ أنحرفتى أمتى يا حبيبتى ضحكت وهى تقول : - ياسلام يعنى دى اللى وقفت عندها يعنى قال بحنق : - كده برضه تضحكى الضحكه دى وانتِ بعيد عنى.. طب انا هاجى أخدك دلوقتى حاولت ان تخفض صوت ضحكاتها و تسائلت قائلة : - ياسلام يعنى هتضحى بوقت نومك وتنزل وتيجى تاخدنى همس قائلا بحرارة : - الضحكه دى تخالينى اضحى بعمرى مش بنومى بس قالت على الفور: - لالا أنا بهزر معاك أهدى كده علشان احكيلك على حاجة مهمة أوى تخص فارس ومُهرة أنتبه وأرهف سمعه لها وهى تقص عليه ما قاله عمرو لعزة فى الهاتف عن مشكلة فارس ومُهرة وحتى هذه اللحظة . ******* أستيقظت مُهرة فزعة على صوت صراخ زوجة أبيها وهى توقظها صائحة : - قومى معايا ياختى.. بقولك قومى نهضت مُهرة بفزع وهى تصيح : - فى أيه صرخت بوجهها : - جيرانى اتصلوا بيا وقالولى أن شقتى اتسرقت.. قومى يالا تعالى معايا نهضت مُهرة سريعاً من فراشها وتوجهت للحمام على الفور توضأت وعادت لحجرتها ارتدت ملابسها وزوجة أبيها تصرخ : - بسرعة ياختى لسه هتقعدى تلفى عشر سنين فى الطرحة قالت مُهرة بارتباك وهى تحاول لف خمارها : - حاضر حاضر غادرتها زوجة أبيها وهى ترتدى حذائها وعادت إليها تصرخ بها , أرتبكت مُهرة أكثر ووضعت دبوس ال**** فى أصبعها فتألمت بشدة وهى تنظر لأصبعها الذى أخذ يقطر بعض قطرات الدم وهى تبحث عن منديل ورقى لتضعه عليه فصاحت زوجة أبيها بغضب : - انا هسبقك وتعالى ورايا .. متتأخريش انتِ عارفة البيت كويس تركتها وهبطت درجات السلم فى عجلة منها ..لفت مُهرة الخمار مرة أخرى ووضعت الدبوس بحرص هذه المرة ثم ارتدت حذائها وهبطت تهرول على درجات السلم .. وفجاة شعرت بيد تجذبها بقوة وتدخلها للداخل ووجدت نفسها فى شقة فارس وبين يديه .! **** الفصل الأخير أغلق الباب خلفها على الفور واستندت بظهرها إلى الباب المغلق وحدقت به لبرهة وهو يقف أمامها مباشرة محيطاً خصرها بذراعيه وهو يكاد يلتهمها بعينيه والصمت محيط بهما لا يجروْ أحدهما على شقه .. تمالك فارس قواه وقال هامساً وهو ينظر فى عينيها متعمقاً بها سابحاً بداخلها بل غارقاً فيها حتى أذنيه: - وحشتينى حدقت به فى ذهول غير مدركة لما حدث فجأة ..فاقترب منها وطبع قبلة على جبينها قائلاً : - لسه مفوقتيش من المفاجأة زاغت نظراتها وهى تحاول التقاط أنفاسها بصعوبة وهى تراه ينزع الدبوس المثبت للخمار ونزعه عنها برفق وهو يبتسم لها بشوق وقال : - بقولك وحشتينى وأخيراً تكلمت بصوت مبحوح وقالت : - أنت عرفت منين أنى نازلة دلوقتى لوحدى أخذ شهيقاً قوياً وهو يحاول أن يبدو هادئاً وقال : - أصل شقة مرات ابوكى متسرقتش ولا حاجة .. دى لعبة اخترعتها انا ويحيى علشان هى تتلبخ وتنزل وتسيبك واعرف اشوفك .. بس بصراحة مكنتش اعرف انك هتنزلى وراها ..أنا افتكرت انها هتنزل وتسيبك لوحدك بس اتفاجأت بيكى نازلة وراها فقلت اخطفك حاولت أن تنظر للداخل ولكن كتفيه منعاها وعيناها لا تصل لما بعدهما فقال سريعاً : - ماما مش هنا ..عند والدة عزة بتزورها ثم قال بعتاب خافت وهو يرفع رأسها إليه بأنامله : - طب مفيش وانت كمان وحشتنى مسحت وجهها براحتها بالكاد فهو لايعطيها مساحة للحركة كافية وقالت بخجل : - وحشتنى ضمها إلى صدره وهو يغمض عينيه بقوة مبتسماً بحب وقال : - أنا خلاص مش هسيبك تانى .. أنتِ هتفضلى معايا هنا أبتعدت برفق ونظرت إليه بحيرة ودهشة قالت : - يعنى أيه هفضل هنا مسح على وجنتها ثم خلل أصابعه بين خصلات شعرها يداعبه وهو يقول : - يعنى انتِ مراتى ومش هسمح لحد انه يفرق بينا.. ومش هسيب ابوكى يبعدك عنى تانى ومش هتخرجى من بيتى بعد كده بللت شفاهها بلسانها بتوتر غير مستوعبة لما يقول وقالت بتلعثم : - أزاى يعنى مينفعش يا فارس نقعد مع بعض واحنا مكتوب كتابنا بس .. طب هنقول للناس ايه .. هزت رأسها لعلها تستفيق من وقع كلماته وهى تردد : - مش فاهمة حاجة أمسكها من كتفيها ونظر إلى عينيها بقوة وقال بحسم : - خلاص احنا مش هنفضل مكتوب كتابنا طول عمرنا .. أنتِ هتعيشى هنا معايا وهنعلن كده قدام كل الناس .. أنتِ كده كده مراتى وابوكى عاوز يبعدك عنى وبيضغط عليكى علشان تطلبى الطلاق.. وانا مش هاسمحله.. لازم احطه قدام الأمر الواقع .. نظر إلى عينيها بقوة أكبر وقال بهدوء : - انا هدخل بيكى يا مُهرة .. وهنا.. زينا زى أى اتنين متجوزين .. ويبقى ابوكى بقى يورينى هياخدك مني ازاى تانى شعرت أنها تختنق واحمر وجهها من فرط حرارة جسدها المتصاعدة وقالت باضطراب : - أنت اتجننت يا فارس بتقول أيه ..سيبنى امشى أحكم يديه حولها وهو ينظر إليها بتصميم قائلاً : - أيوا اتجننت .. ولو مش بمزاجك هيبقى غصب عنك ..أنتِ مراتى فاهمة يعنى أيه مراتى حاولت أن تتحرر من يده وهى تقول بخوف: - سيبنى يا فارس بقولك سيبنى حملها رغماً عنها ليبعدها عن باب الشقة وأدخلها غرفته وهى تهتف به : - لا يا فارس لاا أغلق باب غرفته وهو يتوقع أن تصرخ أو تحاول الهرب أو تستغيث أو حتى تستسلم, ولكنها لم تفعل ذلك , نظرت إليه بهدوء وهو يغلق باب الغرفة وبمجرد أن عاد إليها عازماً على فعل ما قرره ..أقتربت هى منه بسرعة ولفت يدها حول خصره ودفنت وجهها فى صدره وهى تبكى قائلة : - أحمينى منك يا فارس.. أحمينى منك بدء صدره يعلو ويهبط بقوة ويديه متجمدة بجواره وهو ينظر إليها وهى فى هذا الوضع وتقول ببكاء ولوعة : - فاكر لما قلتلى لو أى حد فى الدنيا ضايقك ولا قرب منك تعالى قوليلى وانا هاحميكى ..فاكر لما كنت بتقولى أوعى تخافى من حد وانا موجود ..أنا ضهرك وانا حماكى .. فاكر لما قلتلى بعد كتب الكتاب حتى لو انا زعلتك يا مُهرة تعالى اشتكيلى مني وانا هخدلك حقك مني ..أنا دلوقتى عاوزاك تحمينى منك يا فارس.. وانت عمرك ما خلفت وعدك معايا ..أحمينى منك يا فارس ..أحمينى منك أغمض عينيه بقوة وهو يشعر أن كلماتها خناجر موجهة إلى قلبه بقوة وحسم , لم تخطأ هدفها أبداً , أصابته فى مقتل , تعرفه جيداً , وتعرف نبله وشهامته وقيامه تجاهها بدور الأب والأخ قبل أن يكون الزوج والحبيب, هو من رباها وكان يحملها فوق كتفه ولم يجروْ أحدا على مسها خوفا منه, فكيف الآن هو من يؤذيها, كيف تلتجأ إليه ويخذلها . ظلت تدفن رأسها بقوة فى صدره وكأنها تريد أن تختلط بعظامه وتتسلل داخل قلبه ليحيطها ويضمها ويشعرها بالأمان ... وأخيراً وبعد طول انتظار منها وجدته يلف يديه حول رأسها ويضمها أكثر فى صدره ويمسح على شعرها ويقبله قائلا بحنان : - متخافيش .. متخافيش أغمضت عينيها وانسابت عبراتها لتغرق قميصه وتبلل صدره ..شعر بسخونة تلك العبرات فعض شفتيه بألم وقال : - أنا مش ممكن أذيكى وانتِ عارفة كده كويس ثم رفع وجهها بأنامله ونظر إلى عينيها وهو يقول بابتسامة حزينة: - أهو ده عيب اللى يتجوز واحدة فاهماه كويس خالطت الدموع ابتسامتها وهى تنظر إليه بلهفة فمد يده ومسح عنها العبرات قائلا: - كفاية بقى عياط.. مش عارف اشوف عنيكى من كتر الدموع أومأت برأسها وهى تبتسم وتمسح عبراتها براحتيها وهى تقول بحب : - خلاص مش هعيط تانى طبع قبلة على جبينها وقال بهدوء : - أنتِ بتعملى فيا كده ازاى .. أنا بحس انى ببقى واحد تانى خالص وانا معاكى وضعت يديها على صدره وقالت بصوت مرتجف من فرط التاثر : - أنا بحبك يا فارس وعمرى ما هطلب منك الطلاق أبدًا إلا اذا حسيت ان انت اللى مش عاوزنى.. أصبر بس شوية مش عاوزينه يعند معانا .. نفسى العلاقة بينكوا تبقى كويسة زى الأول .. وانا أوعدك أنى هصبر على أى حاجة تحصلى فى سبيل اننا نبقى مع بعض فى الآخر وأهالينا راضيين عننا مش غصب عنهم . أمسك وجهها بيديه ونظر فى عينيها بقوة وهو يقول بحب : - أنتِ بتجيبى الكلام الكبير ده منين أشارت بأصبعها إلى صدره وهى تقول : - منك انت .. ولا ناسى انى كنت ماشية وراك ولازقة فيك بسمع كل الكلام اللى بتقوله وبخزنه فى مخى ومش بقدر انسى منه ولا حرف أبتسم وقال مداعباً : - طب ما تجيبى أطه كده على الماشى ضحكت وهى تبتعد عنه وقالت : - لا يا سيدى أحسن بعدين تتهور ولا حاجة أرتدت خمارها ثانية واتجهت باتجاه باب الشقة , فلحق بها ووضع يده على الباب قائلا: - طب يعنى هشوفك ازاى تانى؟ زاغت نظراتها يمينا ويسارا وهى تفكر ثم قالت : - قولى معاد رجوعك بالليل أمتى بالظبط .. وانا هبصلك من الشباك واهى تصبيرة كده لحد ما **** يفرجها ضمها إليه مرة أخرى مودعاً وهو يقول : - **** يجمعنى بيكى يا حبيبتى فى أقرب وقت لمعت الدموع فى عينيها وهى تودعه وتذهب وتغلق باب شقته خلفها برفق ..ظلت عينيه متعلقة بباب الشقة وهو يشعر بوهن شديد فى جسده وكانه قد تسلق جبلا دفعة واحدة دون توقف .. هوى إلى أقرب مقعد بجوار الباب وأغمض عينيه وهو يدعو **** أن يقرب بينهما ويجمعه بها فى القريب العاجل ******* فى اليوم التإلى مباشرة كان بلال يجلس فى بيت فارس ويقول بعتاب موجهاً حديثه إلى فارس : - مقولتليش ليه يا فارس على اللى حصل ده كله.. هو انا مش صاحبك ولا أيه تنهد فارس بعمق وقال بحزن : - مرضتش اضايقك يا بلال ..وبعدين انا عارف انك مش فاضى شد بلال على يد فارس وهو يقول بلوم : - كده برضه ده انا افضيلك نفسى مخصوص يا اخى ده أحنا اخوه فى **** مش مصاحبين بعض لدنيا ولا لمصلحه قاطعته والدة فارس وقالت : - **** يكرمك يابنى بس ابوها مش عاوز يسمع لحد خالص ومش مدى فرصه لحد انه يتكلم ولا يشرح حاجة أردف فارس قائلاً: - وبعدين انا قلت اسببه لما يهدى من ناحيتى يمكن يرضى يسمعنى واقدر اشرحله وضع بلال يده على كتف فارس وقال بثقة : - سيب الموضوع ده عليا أنا **** يقدرنى وأقدر أحله نظر له فارس بلهفة فقال : - توكل على **** يا فارس وأدعى وإن شاء **** **** هيلين قلبه من ناحيتك وانا هحاول معاه على قد ما اقدر ... يالا هات رقمه نظر فارس إلى والدته وقال بحرج: - معلش يا ماما ممكن تعمللنا دور شاى تانى شعرت والدته أنه يريد ان يتحدث مع بلال على انفراد فنهضت على الفور وهى تقول مبتسمة : - حاضر من عنيا توجهت والدته إلى المطبخ وتركتهما وحدهما فألتفت فارس إلى بلال واقترب منه وقال هامساً : - بلال انا عاوز اسألك فى حاجة مش متأكد منها كده اشار له بلال بأن يتحدث فقال : - هو انا لو دخلت بيها من غير اذن ابوها ينفع ؟ أطرق بلال مبتسماً ثم رفع رأسه ونظر إلى فارس قائلاً : - لاء طبعاً مينفعش عقد فارس حاجبيه وقال حانقاً : - ليه يا بلال دى مراتى أومال عقد الجواز اللى بينا ده ايه رفع بلال حاجبيه وقال : - على اساس انك مدرستهاش فى الكليه مثلا زفر فارس بضيق قائلا: - نسيتها يا عم .. هو انا فى أيه ولا فى أيه ابتسم بلال وهو ينظر إليه وشد على يده قائلاً : - أنت عقدت عليها والاشهار كان للعقد بس يعنى هى لسه فى بيت ابوها حقوقها وواجباتها دلوقتى غير المدخول بيها وانت كده هتلغبط الدنيا فى بعض .. ده غير أن ده مش هيحل حاجة غير أنك هتزود عناد ابوها هتف فارس حانقاً : - أنت هتعملى زيها وتقولى ده مش هيحل حاجة وكده ابويا هيعند أكتر .. وبعدين ده لو حصل مش هوديها عند ابوها تانى وهتقعد معايا هنا ويبقى ده اعلان الدخول اللى بتقول عليه عقد بلال حاجبيه وقال باستنكار : - هى كمان قالتلك كده .. معناه ايه الكلام ده هو أنت حاولت يا فارس أشاح بوجهه قائلا: - أعمل ايه.. هتجنن عقلى طار مني مش لاقى حل لانت ملامح بلال وهو يربت على كتفه قائلا: - ياسيدى قلتلك سيبها على **** وبعدين مش قادر تصبر شويه يعنى خلاص .. ما أنت كده ولا كده مكنتش هتدخل دلوقتى وكنت هتستنى سنة كمان مسح فارس على شعره وهو يقول بحنق : - معرفش بقى يا بلال انا كنت بدور على أى حل وخلاص.. الموضوع بالنسبالى مش زى ما انت فاكر .. أنا كنت هعمل كده علشان أحط ابوها قدام الأمر الواقع ويبطل يقولى طلقها وكل اللى كنت عاوزه انى أجيبها تعيش هنا وابقى مطمن عليها بدل ماهى قاعدة لوحدها مع مرات ابوها **** أعلم بتعاملها ازاى . أخرج بلال هاتفه وقال على الفور : - طب هات رقم أبوها **** - لقوهم مقتولين فى شقة باسم ... أظاهر ان علاقتهم ببعض قديمة ومن زمان أوى حدق فارس وعمرو فى الضابط وهو يتحدث إليهم من خلف مكتبه وهتف فارس على الفور : - أمتى حصل الكلام ده مطت الضابط شفتيه وقال : - الشغالة معاها مفتاح وكانت بتروح كل يوم الصبح بدرى تنضف الشقة ..واضح انهم كانوا بيسهروا كل ليلة .. دخلت النهاردة الصبح لقيتهم مرمين على الأرض ومقتولين .. صرخت طبعا والعمارة كلها اتلمت واتصلوا بالبوليس نظر عمرو إلى فارس بخوف وقال : - يعنى ايه الكلام ده طب مين اللى عمل كده قال الضابط بتركيز : - البحث الجنائى شغال بس لحد دلوقتى ملقيوش حاجة بصماتهم وبصمات الشغالة بس .. واضح كمان من المعاينة ان الباب متكسرش يعنى القاتل عارفهم وعارف طريقهم ومعاه مفتاح أو هما فتحولوا الباب بأرادتهم.. مفيش دليل على أى حاجة خالص وشكلها كده هتتأيد ضد مجهول . تقطعت أنفاس فارس وهو يشعر انه يختنق و ينظر إلى عمرو الذى كان ينظر إليه هو الآخر بذهول وهتف عمرو بلوعة : - يعنى القضية كده باظت ولا أيه .. أنا مش فاهم حاجة شعر فارس بالأسى تجاه الدكتور حمدى بينما سمع الضابط يقول لـ عمرو: - أنت كده قضيتك خلصت خلاص.. التقرير هيتقدم انها مزيفة وانت هتطلع براءة والقضية تتقفل ... قضية الرشوة هى اللى باظت بموت باسم ونادر ومنعرفش مين اللى وراهم ولا مين اللى كان بيحركهم .. وده اللى مخالينى متأكد أن اللى قتلهم هو اللى وراهم ومش عاوز يتكشف ..بس هتجنن واعرف ..عرف منين انهم هيقعوا خلاص .. واننا هنقبض عليهم تانى يوم . تبادل النظرات مع فارس الذى قال باصرار : - أنا بقى مش هسكت والموضوع متقفلش على كده.. المكان اللى الفندق بيتبنى فيه ده مكان أثرى وانا هقدم بلاغ للنائب العام بالكلام ده وهطلب انهم يكشفوا بأجهزة الدولة اذا كان فيه أثار تحت الحفر ده ولا لاء .. ولازم اجيب اللى ورا نادر وباسم بأى شكل . مال عمرو للأمام وهو يقول : - متكبرش الموضوع يا فارس الناس دى ايديها طايله أستدرك الضابط قائلا: - بلاش يا دكتور فارس .. أنا عارف حاجات كتير عن الشغل ده انت متعرفوش ..وبنصحك بلاش نهض فارس وهو يقول باصرار : - انا رايح اقدم البلاغ حالاً ***** هاتف بلال والد مُهرة وأاتفق معه على موعد فى المركز الخاص بالدكتور بلال وبالفعل ذهب إليه والدها فى الميعاد المتفق عليه, نهض بلال من خلف مكتبه مصافحاً أياه بحرارة وجلس قبالته فقال والد مُهرة على الفور : - انا عارف انت كنت عاوز تقابلنى ليه يا دكتور وو**** لو مكنتش غالى عليا مكنتش وافقت اجى اقابلك أخرج بلال زجاجة مسك وأعاطها له قائلاً بابتسامة : - طب مش هتقبل هديتى كمان ولا ايه أخذها والدها على استحياء قائلا: - هديتك مقبولة يا دكتور قال بلال مبتسماً : - أوعدنى بقى انك هتسمعنى من غير ما تقاطعنى ولا تتعصب أومأ والدها برأسه موافقاً بغير ترحيب .. فقال بلال : - أنا عارف انك بتحب النبى عليه الصلاة والسلام وبتحب تسمع كلامه مش كده ؟ قال والدها على الفور : - عليه الصلاة والسلام تمتم بلال : - عليه الصلاة والسلام .. ثم قال بهدوء : - بص بقى يا راجل يا طيب النبى عليه الصلاة والسلام قال : - " درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم, أشد من ستة وثلاثين زنية" وقال كمان عليه الصلاة والسلام "لعن **** آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه. وقال: هم سواء" وأنا بحبك يا عم أبو يحيى ومرضالكش أبدا أنك تاكل ربا.. وعلشان كده فارس قال ان عم عامر على حق.. علشان هو كمان بيحبك وخايف عليك قال أبو مُهرة حانقاً : - يا دكتور بلال ده مش ربا.. ده زى قرض البنك كده وليه فوايد وبعدين هما اتفقوا من الاول والعقد شريعة المتعاقدين قال بلال على الفور : - بس اللى نعرفة أن ما بنى على باطل فهو باطل.. ولو العقد ده عقد ربا يبقى باطل ويبقى الاتفاق بينهم باطل برضه.. الكلام ده لو العقد ده بيوافق شرع **** لكن لو يخالفه ميبقاش شريعة المتعاقدين ولا حاجة..أما بقى بالنسبة لحكاية أن البنك بيسلف بالفوايد .. بغض النظر عن حكمها انت جار بيسلف جاره يا ابو يحيى مش بنك طرق الباب فقال بلال : - أتفضل دخل عامر ومعه ولده مينا ومد يده يصافح أبو يحيى الذى صافحه ببرود وجلسا بجواره فقال ابو يحيى متبرماً وهو يوجه حديثه لـ بلال: - بس برضة مكنش يصح ينصفه على حسابى.. ده انا حماه وهو حتى مش من دينه نظر له عامر ومينا بضيق فقال بلال على الفور : - بس فارس معملش حاجة غريبة.. فارس عمل زى ما الرسول عليه الصلاة والسلام عمل بالظبط .. عقد أبو يحيى جبينه بينما انتبهت حواس عامر وولده مينا وبلال يقول : - فى واحد راح للرسول عليه الصلاة والسلام وقاله ان فى دقيق أتسرق منه وأنه تتبع اثره فوجد الاثار موديه على بيت يهودى .. ولما شافوا بيت إليهودى فعلا لقوا اثار الدقيق من بيت الراجل صاحب الدقيق لحد بيت إليهودى.. وكان ده دليل قوى ضد إليهودى.. لكن الحقيقة أن اليهودى مكنش هو اللى سرق ..وان واحد تانى **** هو السارق الحقيقى.. وانه خبى الدقيق عند اليهودى لما حس انه هيتكشف ... ساعتها تنزل الوحى على النبى عليه الصلاة والسلام بالآيه الكريمة اللى بتقول: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} إلى قوله تعإلى: {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) الآية دى يا عم ابو يحيى كانت آيه تبرئة اليهودى ... كان ممكن الرسول عليه الصلاة والسلام يسكت ويقول خلاص بقى ماهو يهودى يعنى معقوله أطلع اليهودى شريف وال**** حرامى ... لكن لاء.. الرسول عليه الصلاة والسلام أنتصر لليهودى وبرأه وأدان ال**** اللى سرق فعلا.. هو ده الإسلام وهو ده شرع **** . **** لم يصدق فارس نفسه وهو يدخل المدرج فى الكلية ليجد مُهرة جالسة أمامه وسط زميلااتها تنظر له وتبتسم ابتسامة واسعة ... تعلق بصره بها فى دهشة وألقى محاضرته بسرعة وبمجرد أن انتهى أشار لها بعينيه أن تلحقه .. جمعت مُهرة أشيائها وخرجت مسرعة فى فرحة غامرة.. أخذها للخارج وهو يقول بلهفة : - أحكيلى اللى حصل بقى وبالراحة كده قالت بسعادة : - بابا رجع امبارح من عند الدكتور بلال وقال لمراته تمشى وترجع بيتها وراح جاب ماما ويحيى رجع البيت ..وقعد اتكلم معايا وهو مسكوف من اللى عمله وكان عاوز يتاسفلك بس محرج .. تنهد بقوة وهو يقول بفرحة : - بركاتك يا دكتور بلال ضحكت مُهرة وشرعت فى التوجه إلى المدرج مرة أخرى وهى تقول : - سيبنى بقى كفاية عليك كده جذبها من يدها قائلا بابتسامة سعيدة : - لاء أحنا هنتغدى مع بعض بالمناسبة الحلوة دى رفعت حاجبيها وقالت معترضة : - لاء طبعا مش موافقه أنت مبذر أوى على فكره قال بحنان وهو ينظر فى عينيها محاولا التاثير عليها قائلا: - طب لو قلتلك علشان خاطرى .. نفسى اقعد معاكى شوية نجحت خطته فقالت على الفور وقد احمرت وجنتيها : - موافقة.. بس نقعد فى حته فيها بحر عقد حاجبيه وهو يقول مداعباً : - دلوقتى بتتشرطى.. مش لسه كنتِ بتقولى لاء من شوية عقدت ذراعيها أمام صدرها متبرمة وهى تقول بمرح طفولى : - خلاص مش عاوزه منك حاجة ضحك وهو يجذبها من يدها ليخرج بها خارج الجامعة ليجلسا وحدهما مرة أخرى لتعود المهرة الأصيلة إلى حضن فارسها المغوار. **** عادا من نزهتهما بعد **** العصر ليجدا حالة من الهرج والمرج داخل شارعهم ودخان كثيف يخرج من أحد المحلات الجانبية الصغيرة فى الشارع .. نظرت إليه مُهرة وهى تقول بقلق : - ياترى حصل ايه أخذها إلى بنايتهم ودفع بها برفق داخلها وهو يقول : - أطلعى انتِ لما اشوف أيه اللى بيحصل توجه فارس إلى الحاج عبد **** صاحب محال البقالة ليسأله عن الأمر فقال له : - مش عارفين حصل ازاى ده يا دكتور فارس .. أحنا فجاة كده لقينا النار طالعة من المحل المقفول ده .. قعدنا نطفى فيه والناس كلها اتلمت تساعدنا وكانت هوجة فى الشارع بس الحمد *** لحقناها قبل ما تكبر عقد فارس حاجبيه بدهشة وعاد أدراجه إلى بنايته, وما إن دخلها حتى وجد مُهرة تتصل به وهى تهتف : - ألحقنى يا فارس .. لا يعلم كيف صعد تلك الدرجات إليها .. فى لمح البصر كان واقفا أمام شقتها المفتوحة ووجد والدته خارجة منها وعلى وجهها علامات الفزع وقالت له : - تعالى يا فارس شوف أوضة مُهرة توجه فارس على الفور إلى غرفة مُهرة فوجدها تقف فى منتصفها تنظر إلى ملابسها المبعثرة فى كل مكان وعلى وجهها قد رسم الخوف لوحة ظاهرة للعيان بمجرد النظر إليها .. نظرت إليه وهى تقول بفزع : - ألحقنى يا فارس تقدم إليها فوجد فى يدها ورقة مدت يدها بها إليه وهى تقول : - لقيت الورقة دى على سريرى محطوطة هنا وأشارت إلى كومة ملابس موضوعة بشكل معين ..ليست مبعثرة مثل بقية الملابس ولكن موضوعة فى مكان ظاهر على فراشها بعناية ... كانت كومة من ملابسها الداخلية !.. اتسعت عينيى فارس وأعاد النظر للورقة سريعاً فوجد بها كلمات قليلة : - المرة دى أوضتها وهدومها.. المرة الجاية هى نفسها.. ومتلومش غير نفسك رفع رأسه بفزع إلى كومة ملابسها الداخلية .. نعم لقد وصلت الرسالة .. طرقت عقله بجنون .. تهديد بال****** ... ولكن من ... من يجروْ على هذا ... أستدار إلى والدتها صائحاً : - أزاى ده حصل وأمتى قالت والدتها وهى تضع يدها على صدرها مكان قلبها وهى تلهث من شدة الخوف : - انا كنت تحت عند الست ام فارس وفجأة لقينا ناس بتزعق فى الشارع وبيقولوا حريقة . طلعنا انا وهى ووقفنا فى البلكونة .. ولما لقيناك انت ومُهرة راجعين من بره سيبت الست ام فارس وطلعت شقتى ولقيت مُهرة طالعة ورايا ولقينا باب الشقة مكسور وأول ما دخلت أوضتها لقيناها كده على حالتها دى واتصلت بيك... أخرج فارس هاتفه وأتصل على الضابط صديقه وقص عليه ما حدث فصمت الضابط لحظة بعد ما سمع ما سرده عليه فارس وقرأ عليه الرسالة فقال : - نصيحة مني أبعد عن حكاية الآثار دى خالص يا دكتور فارس صاح فارس بانفعال : - يعنى انت شايف ان قضية الآثار دى ليها علاقة باللى حصل ؟ قال الضابط بثقة : - انا مش شايف .. انا متاكد ... شوف يا فارس قضية صاحبك خلصت وطلع براءة والحكاية خلصت والبلاغ اللى انت قدمته اتحفظ حتى من غير ما يحققوا فيه ..وقضية القتل كمان اتحفظت برضه من غير ما نوصل لحاجة فيها ..وكل الأدله أطمست .. مبقاش فيه دلوقتى غير عنادك.. واعتقد اللى حصل ده والتهديد ده خطوة.. ونصيحة مني تبعد وتقفل موضوع الاثار ده خالص مسح فارس على رأسه بعنف وهو يهتف : - يعنى أيه ..يعنى فعلا دى عصابة بقى ومش عاوزين أى شوشرة حواليهم ودلوقتى بيهددونى بمراتى أجابة الضابط بهدوء : - بالظبط كده واديك شفت نادر وباسم اتقتلوا لمجرد انهم لفتوا الأنظار ليهم.. شوف انت بقى ممكن يحصلك أيه لو مشيت فى الموضوع ده اكتر من كده ... خدها نصيحه من واحد شغال فى مكان ماليان فساد بالشكل ده.. أقف لحد كده يا فارس ..لو حصلك حاجة انت ولا مراتك محدش هيسأل فيكوا وبرضه القضية هتتحفظ ... جمع فارس بلال وعمرو والضابط وقص عليهم ما حدث وما قاله الضابط صديقه فأعاد الضابط كلماته مرة أخرى أمامهم فأطرق بلال فى سكون ثم قال دون أن ينظر إليهم : - حضرة الظابط معاه حق يا فارس ..أديك شفت لما اتشدينا كلنا على المعتقل محدش حس بينا ولا حد سال علينا واللى خرجنا من هناك هما هما نفس الناس اللى احنا شاكين فيهم دلوقتى.. والخوف دلوقتى مش علينا احنا.. الخوف دلوقتى على الحريم اللى ممكن يتبهدلوا معانا لو كملنا ضغط فارس قبضته فى راحته وهو يقول بغضب : - عارف لو هددونى بالقتل مكنش همنى حاجة ... المشكلة انهم بيهددونى بمراتى .. مراتى يا بلال وضع عمرو وجهه بين راحتيه وهو يقول موبخاً نفسه : - ياريتنى ما كنت رحت اشتغلت فى الشركة دى ..ياريتنى لما قدمت استقالتى صممت عليها ومشيت ولا كنت سافرت ولا اتهببت هتف فارس بحنق : - لازم نلاقى حل مش معقول نسيبهم ينهبوا البلد كده واحنا خايفين على نفسنا لازم نوصل لأكبر مسؤل فى البلد نهض الضابط صديقه من مكانه واقفا ً وهو يقول فى شرود : - أكبر مسؤل اللى انت عاوز توصله ده هو اللى خد أوامر من اللى أكبر منه أن محضر القتل يتقفل والحفر يفضل شغال فى وادى الريان مكان الفندق واهو نفذ الأوامر وقفل المحاضر واتحفظ عليها من غير تحقيق .. عارف لما جارك يتعدى عليك وتروح لابوه تشتكيله تلاقى ابوه هو اللى مسلطه.. أهو هو ده بالظبط . وضع يده على كتفه وقال بأسى : - شيل أيدك من الموضوع يا فارس ..الفساد فى البلد دى من سنين كتير.. فوق الستين سنة ويمكن أكتر.. لدرجة ان الناس تعايشت معاه واتعودت عليه .. مينفعش تواجهه لوحدك أستنى شوية .. محدش عارف بكرة هيحصل أيه ! ******** جلست بجواره حول المائدة وهى تقول بنعومة : - معلش يا فارس اشرحلى الحتة دى تانى.. مش فاهماها كويس ..الجنائى ده صعب أوى مال عليها وهمس فى أذنها : - طب خشنى صوتك شوية انا كده مش هعرف اشرح حاجة خالص ضحكت بصوت خفيض ثم قالت : - معلش استحملنى خلاص الامتحانات قربت تخلص تافف وهو يغلق الكتاب بيده وقال : - ما انتِ لو حنيتى عليا بأطه هستحمل ضحكت ثانية وامتزجت ضحكاتها بصوت والدته وهى تعود من المطبخ حاملة أكواب الشاى بيدها ووضعتها أمامهم وهى تنظر إليهما بمكر قائلة : - أيه الدرس اللى كله ضحك ده أمسك يد والدته وأجلسها أمامهما وقال متبرماً : - بصى بقى يا ست الكل ..أنا عاوز اتجوز ماليش دعوه اتصرفى ..مش انتِ امى ومسؤلة عنى.. أنا كده هنحرف تبادلت النظرات مع مُهرة وقالت بلامبالاة : - استنى بقى لما تخلص الكلية بتاعتها هتف فارس على الفور : - نعم ؟! .. لالالا ..أنا يدوب هستحمل لحد امتحانات السنة دى ما تخلص ثم نظر إلى مهُرة نظرة ذات معنى وقال : - وبعدها بقى محدش يلومنى قالت والدته على الفور : - طب اصبر لما نجيب لمُهرة عفش جديد ولا هتدخل على القديم ظهرت سحابة حزن فى عينيى مُهرة وأمطرت حروف غيرتها الواضحة وهى تقول : - الحكاية مش حكاية عفش قديم ..الموضوع ده ميفرقش معايا.. أنا بس مش عاوزه أوضة النوم دى .. مش بتاعتى.. فى واحدة غيرى نامت عليها ثم نظرت إليه نظرات عتاب ولوم فقال : - تانى يامُهرة ... مش انا فهمتك الحكاية كلها قبل كده.. وبعدين يا ستى انا نفسى مش هوافق تدخلى على عفش قديم وهغيرهولك بالقسط قالت والدته متسائلة : - أنت ليه يا فارس مرجعتلهاش عفشها.. مش ده فى القايمة بتاعتها أخرج فارس ميدالية المفاتيح وقال : - كويس انى لسه معايا نسخة من مفاتيح شقتها.. هروح بكره انقلها حاجتها فيها.. ده حقها هتفت مُهرة على الفور بضيق : - وانت بقى هتروح شقتها لوحدك لاء انا هاجى معاك رفع كتفيه مقلداً لها وهو يقول مداعباً : - هو انا مش قلتلك أنها محكوم عليها بسبع سنين .. خايفة من أيه بقى ..هتطلعلى من الصورة تاكلنى يعنى أستندت برأسها على راحتها وقالت بعناد: - برضة هاجى معاك ***** أنهت مُهرة أختباراتها وبدأت فى أتمام أمر الأثاث الجديد, أخذته إلى معرض الأثاث الخاص بوالد صديقتها وانتقيا غرفة نوم جديدة وغرفة أخرى للأستقبال ولقد كانت مُهرة فى غاية السعادة والفرحة وهى تتعلق بيده وهما يتنقلان بين الغرف المعروضة .. أشارت له على غرفة صغيرة الفراش وقالت : - مش ملاحظ ان الأوضة دى الكومدينو فيها أكبر من السرير مال على أذنها وقال : - هو فين السرير اصلا كتمت ضحكتها وأكملا رحلتهما فى البحث عن أسعار مناسبة وقسط مناسب لحالتهما المادية فى ذلك الوقت وتم تحديد ميعاد الزواج بعد أيام من أتمام تجهيز شقة الزوجية . حزمت عزة حقيبتها وهى تقول : - خلاص يا عمرو كل حاجة جاهزة دلف إلى الغرفة وقال وهو ينظر للحقائب : - ده أحنا هنشوف بهدلة يابنتى قالت باعتراض : - ليه بس ده انا بحب اسكندرية أوى وكان نفسى أعيش فيها من زمان ..كويس انك لقيت شغل هناك بدل ملابسه وهو يقول : - آه طبعا مصائب قوم عند قوم فوائدُ لفت ذراعيها حول ساعده وهى تقول بابتسامة واسعة : - على الأقل هنقضى شهر عسل جديد مع مُهرة وفارس وكمان بلال وعبير هيسافروا معانا أسبوع وضع يده على بطنها وهو يقول بمرح : - شهر عسل أيه بقى ما خلاص أدبست واللى كان كان دفعته وهى تقول بتبرم: - أمشى كده هو انت كنت تطول ابقى ام عيالك دفعها من كتفها برفق وهو يقول : - أمشى كده وانا متجوزك شفقة ورحمة اصلا **** كالعادة كانت زفة بسيطة جميلة , أحاطت النساء مُهرة وهن يحملن الدفوف والشعلات وأطواق الزهور وهى تمر بينهن, زهرة يافعة فى مقتبل العمر, فى عينيها ترى الأمل والسعادة والتفاؤل والحب .. تصفق وتنشد معهم كالأطفال .. أما فارس فى قاعة الرجال فكان يشعر للمرة الأولى أنه فى حفل زفافه, كانت السعادة بادية على وجهه وبين الحين والاخر يقترب من عمرو قائلا : - ما تنهى بقى يا عم انت مسافر الفجر ولا ايه أقترب بلال منهما وسمع عمرو وهو يقول لـ فارس مداعباً : - أيه ده هو مش الفرح عندكوا بيبقى اسبوع متواصل ولا ايه ضحك بلال ضحكات رنانة بينما دفعه فارس من كتفه وهو يقول : - أسبوع مين يا عم.. أنا هروح أخد مراتى وامشى ..اقعد انت بقى الأسبوع ده براحتك وضع بلال ذراعيه على كتفيهما وهو يقول مشاكساً : - لا يا عمرو حرام أسبوع كتير مشيها تلات تيام بس نظر له فارس بحنق بينما صفق عمرو وهو يقول بمرح : - العريس هيقتلنا يا شيخ بلال .. وبعدين كلنا مسافرين مع بعض فمفيش داعى نقطع على بعض يعنى دفع بعضهم البعض وهم يضحكون بشدة فى نشوة ومرح كبير والناس ينظرون إليهم ما بين سعيد ومندهش ..هل الملتحون يضحكون مثلنا !.. هل هم من كوكبنا أم هجموا علينا من كوكب آخر ! سافروا جميعاً إلى عروس البحر المتوسط .. فارس ومُهرة .. بلال وعبير .. عزة وعمرو كل ثنائى فى شقته الخاصة المؤجرة خصيصا لهذه الأجازة باستثناء شقة عمرو التى كانت مؤجرة بشكل دائم نظراً لعمله الذى جعله ينتقل للأسكندرية للأقامة الكاملة فيها ... وضع فارس الطعام على المائدة ثم توجه إلى غرفة نومها وطرق الباب بخفة وقال : - مُهرة العشا جاهز يا حبيبتى هتفت من الداخل: - أوعى تدخل لسه مخلصتش تنهد بسعادة وهو يتجول فى أركان الشقة ينتظرها .. خرجت بعد قليل بعد أن بدلت ملابسها تنهد بعمق ثم توجه إليها وجلس بجوارها وبدأ يطعمها فى فمها بعض اللقيمات الصغيرة وبعد أن انتهى أخذت يده فى يدها ولعقت أصابعه بمرح وهى مبتسمة له فنظر لها بحب وشوق كبيرين وقال بخفوت : - أوعى تقولى عبير علمتك دى كمان أومات برأسها وهى تقول : - أه عبير هى علمتهإلى أمسك يدها وقبلها بحنان قائلا : - خلصتى أكل ولا لسه ؟ شعر بها ارتجفت فجاة وأنتفض جسدها وتقلصت عضلات وجهها خوفاً ووجلاً فعقد جبينه وقال بقلق : - مالك خايفة كده ليه تلعثمت وهى تقول : - لا ابدا مفيش شعر بخوفها وسمع طرقات قلبها وكأنه رأى خفقانه وقفزاته بجنون .. شعر بالشفقة تجاهها ومسح على شعرها وهو يجذبها إلى صدره قائلا : - من أمتى وانتِ بتخافى مني ؟ فاكره اليوم اللى قلتيلى فيه أحمينى منك يا فارس ؟ رفع رأسها إليه قائلا : - محدش فى الدنيا دى يخاف عليكى أدى ..صح ولا لاء؟ أومات برأسها وقد شعرت ببعض الهدوء النفسى يغلفها على أثر كلماته الرقيقة ووضعت رأسها على صدره بهدوء فمسح على ذراعها وهو يقول : - لازم تتأكدى من كده كويس أوى ..أنا هفضل طول عمرى حمايتك وأمانك حتى من نفسى أنتِ يا مُهرة مش حبيبتى وبس ومش مراتى وبس ..أنتِ بنتى واختى قبل أى حاجة تانية وزى ما كنت بخاف عليكى وانتِ لسه بيبى بين أيديا.. هفضل برضة اخاف عليكى وانتِ مراتى وحبيبتى وبين أيديا اتسعت ابتسامتها ورفعت رأسها إليه وطبعت قبلة صغير ممتنة على وجنته ..فنظر إليها بشغف قائلا : - أنتِ صدقتى ولا أيه ده انتِ عبيطة أوى ! لم تكن تلك الليلة هى ليلة عادية فى عمرهما , كانت بداية جديدة لعمر آخر ... فارس آخر ومهرة أخرى , يطوفان حدائق حبهما فى سكون وصمت , يهدى كل منهما رحيقه طواعية وحب, أصبح الأخذ هو العطاء , والعطاء هو الأخذ , أختلفت المقاييس , توحدت الأنفس أصبحت كياناً واحداً , يتنفس برئة واحدة , يبتسم بثغر واحد , روحاً واحدة و جسداً واحداً ... وقلبان ينتفضان عشقاً . ****** لامست مياه البحر أقدامهما وهما يجلسان على شاطئه ويتأملان شروق الشمس فاسندت رأسها على صدره وقالت : - أنا جسمى قشعر من جمال وروعة المنظر الخلاب ده .. شفت عظمة **** فى أبداعه .. أجابها فارس بعد أن قبل كفها بحنان : - أومال لو شفتى الأجمل والأروع من المنظر ده هتقولى أيه رفعت رأسها تنظر إليه فى فضول كبير قائلة : - فين ده قال وهو ينظر إلى عينيها الواسعتين : - عنيكى أحمرت وجنتيها خجلاً وقالت بخجل : - بتهزر ؟ قال بحب : - انا بتكلم جد ..أنا لما بشوف عنيكى بنسى الدنيا كلها وبحس أنى فى الجنة ... أنا معرفتش طعم الحب الا وأنا معاكى .. عشت حياتى قبلك فى وهم وانا فاكر أنى بحب غيرك .. عشت أكبر كدبة فى حياتى .. لكن لما عرفت أنى بحبك دوقت ساعتها طعم الحب الحقيقى ... أنتِ عارفه يا مُهرة.. أنا عشت حياتى كلها كل ما أدخل محكمة واسمع حكم وراه جملة مع وقف التنفيذ .. كنت بفتكر حياتى اللى عشتها .. الجملة دى هى تلخيص حياتى كلها .. من ساعة ما اتخرجت من الجامعة وانا بحلم ابقى وكيل نيابة ..وكنت بذاكر واطلع الأول وكنت عايش دور وكيل النيابة بس مع وقف التنفيذ .. لحد ما اتجوزت وكنت فاكر انى بحبها وهى بتحبنى وبعد ما عرفتها على حقيقتها والناس فاكرانا متجوزين ومتفاهمين وبنحب بعض ميعرفوش اننا متجوزين بس مع وقف التنفيذ ...حتى لما دخلت المعتقل كنت فاكر انى هموت ومحضر نفسى للموت لكن كنت بموت كل يوم من الانتظار.. لكن برضه مع وقف التنفيذ .. ولما اتجوزتك وابوكى كان هيفرق بينا ومكنتش عارف اشوفك ..كنتِ مراتى مع وقف التنفيذ .. و لما فكرت واتحمست انى أطهر البلد دى من الفساد والسرقة واللى بيحصل فيها عرفت ساعتها اننا كلنا شايفين السرقة والفساد لكن مش قادرين نعمل حاجة وفاكرين نفسنا أبطال ..بس كلنا أبطال مع وقف التنفيذ . كانت تنظر إليه تسمعه بتركيز واهتمام فقالت : - تفتكر يا فارس فى أمل بلدنا تتغير ؟ قال بشرود : - أنا متاكد ان ده هيحصل ... بس عشان ده يحصل لازم نكون كلنا أيد واحدة لازم الشعب ده يفوق من الغفلة اللي عايش فيها من سنين طويلة... إن **** لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم... ده مهما كان حجم الظلم والطغيان اللي موجود في البلد مش هايقدر يقف أدام ثورة الناس كلها ... بس الخوف كله إن لو الشعب عمل ثورة فعلا وما غيرش نفسه وفضل عايش فى الضلمة ... هاتبقى ثورة .. بس مع وقف التنفيذ . ***** تمت بحمد الـله الي اللقاء مع موضوع جديد [/QUOTE]
إدراج الإقتباسات…
التحقق
1+1
رد
قسم قصص السكس
قصص غير جنسية
مع وقف التنفيذ | السلسلة الثالثة | ـ ثلاثة عشر جزء
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز ) للمساعدة في تخصيص المحتوى وتخصيص تجربتك والحفاظ على تسجيل دخولك إذا قمت بالتسجيل.
من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.
موافق
معرفة المزيد…
أعلى
أسفل