مقدمة
في مستشفى "الهدوء"، اللي الناس بيروحوا ليها علشان يلاقوا الراحة والسلام النفسي، فيه أسرار قديمة ومش مفهومة، حاجات محدش يقدر يفسرها. فارس، الطبيب النفسي اللي عايش بين جراحه وألمه، قرر يرجع المكان ده بعد ما فكر إنه يمكن هنا يلاقي الحل ليه، يلاقي راحته، بعد ما فقد كل حاجة غالية عليه. لكن ماكنش يعرف إن رجوعه هيفتح قدامه أبواب جهنم.
ليلى، مريضة جديدة، جت له بتقول له عن ظل أحمر بيطاردها في كل مكان، مش مجرد ظل عادي، ده حاجه مش من الدنيا دي. وفي الطابق الثالث من المستشفى، فيه حاجة غلط، حاجة مش مفهومة، كل الناس خايفة منها، بس محدش بيتكلم عنها.
وأثناء ما فارس بيحاول يفهم كل ده، يبدأ يشوف إن كل شيء بيرجع له لحظة بلحظة، وذكريات شقيقته سارة، اللي ماتت في حادث غامض، بتظهر ليه في أحلامه، وكأنها عاوزة تقوله حاجة عن المكان ده. عن الظل الأحمر، وعن الطابق الثالث اللي مليان بالغياب.
هل ده مجرد خيال؟ ولا فيه حاجة أكبر وأخطر ورا الحكاية دي؟
الظلال مش دايمًا بتمشي بعيد، وفي كل خطوة فارس بيقرب أكتر وأكتر للحقيقة… للحقيقة اللي هتغير كل حاجة.
الشخصيات الرئيسية
1. فارس:
فارس هو الطبيب النفسي اللي عايش في عالم مليان بالأسئلة والشكوك. من وقت ما فقد أخته سارة في حادث غامض، وهو مش قادر ينسى اللي حصل. رجع للمستشفى "الهدوء" علشان يحاول يلاقي إجابات، لكن كل ما يغوص في عمق المكان ده، كل ما حاجات غريبة وذكريات مش مفهومة تطلّع له. فارس عنده رغبة قوية في إنه يكتشف الحقيقة، لكن مع مرور الوقت بدأ يشك في نفسه وفي قدرته على التمييز بين الواقع والوهم.
2. ليلى:
ليلى هي المريضة اللي جت لفارس علشان تحكيله عن الظل الأحمر اللي بيطاردها في كل مكان. هي عندها حالة نفسية غريبة، ومش قادرين يحددوا إذا كانت بتعاني من جنون العظمة أو إنها شايفة حاجة حقيقية. ليلى عندها حالة غريبة من الهلوسة، والظلال دي مش بس بتظهر ليها في أحلامها، لكن كمان في الواقع، في كل زاوية. وفارس مش قادر يفرق إذا كانت بتعاني من وهم، ولا في حاجة أكبر وأخطر ورّا الحكاية.
3. أحمد:
أحمد هو زميل فارس في المستشفى، دكتور شاطر وهادئ. لكن مع مرور الوقت، بدأ فارس يلاحظ إن أحمد مش بيكون مرتاح لما بيجي سير الطابق الثالث في المستشفى أو أي حاجة متعلقة بماضي المكان. أحمد بيحاول دايمًا يخفي مشاعره، لكن فارس حاسس إن فيه حاجة مش مظبوطة. بيظهر في حياته زي الشخص اللي عنده سر كبير، ومش عايز حد يكتشفه. وده بيخلي فارس يعتقد إنه مش مجرد زميل، ده ممكن يكون عنده علاقة بكل الحاجات الغريبة اللي بتحصل في المستشفى.
4. سارة:
سارة، أخت فارس الراحلة، هي شخصية مؤلمة بالنسبة له. سارة ماتت في حادث غامض من فترة طويلة، لكن ليها حضور غريب في حياة فارس، وكأنها بتظهر له في أحلامه أو حتى في الهلاوس اللي بيعيشها. فارس كل ما يشوف صورتها أو يفتكرها، يحس وكأنها عاوزة تقوله حاجة، لكن مش قادر يوصل ليها. سارة مش مجرد ذكرى في حياة فارس، هي جزء من اللغز اللي بيحاول فارس يحلّه. وحضورها في الأحداث ده مش مجرد صدفة، ده فيه حاجة أكبر من كده
الفصل الأول: العودة إلى الجحيم
فارس كان قاعد في مكتبه بمستشفى "الهدوء"، حاطط إيده على رأسه، مش قادر يركز. كان بيبص على الأوراق اللي قدامه، أوراق المرضى الجدد، تقارير حالتهم النفسية، وكل كلمة مكتوبة على الورق كانت بترجع له ذكريات كان نفسه ينسّاها. المكان ده، رغم إن الناس هنا بيجوا علشان يلاقوا هدوء، لكن كان بالنسبة له مرعب.
من وقت ما ساب المكان ده وراح عايش بعيد عن المستشفى دي، وكان عاوز ينسى كل حاجة، لكن دلوقتي، فكر إنه يمكن لو رجع هنا، يقدر يعالج نفسه. كان خلاص فقد كل حاجة، سارة، مراته اللي كانت حبه الوحيد، ونورة، أخته الصغيرة، ماتوا في حادث غامض مش قادر ينساه. الحادث ده مش فاهمه لحد دلوقتي. هو مش قادر يحط إيده على الحقيقة. هل كان حادث؟ ولا في حاجة أكبر وأخطر وراءه؟
الساعة كانت بتدق ببطء على الحيطة قدامه، وهو كان حاسس إن الزمن بيعدّي لكن مش بيقدّم له حاجة جديدة. مجرد فترات مفرغة، زي الصمت المزعج اللي بيملأ المكان. لحظة من لحظات حياته اللي حس فيها إن كل حاجة مش واضحة.
وفي وسط الصمت، فجأة، الباب اتفتح ودخلت ليلى.
كانت طالعة من بين الظلال، عيونها مليانة قلق، وشكلها متوتر جدًا. كانت ماشية ببطء، مش عاوزة حد يشوفها، وكأنها بتحاول تهرب من نفسها. لابسها مش لاقي ألوان، لونها باهت، شكلها ضعيف جدًا. كانت في أول الثلاثينات، ووجهها مغطى بأثر الألم والهم.
"دكتور فارس؟" قالتها بصوت مش واضح، وراحت جالسة قدامه.
فارس رد بهدوء، وحاول يبدي إنه مش متوتر زيها: "أهلاً ليلى. تفضلي، اقعدي. حاولي ترتاحي."
قعدت قدامه ببطء، وعينيها بتلف حوالين المكان زي ما هي مش متأكدة إذا كانت في أمان هنا ولا لأ. كان واضح جدًا إنها مش مرتاحة.
"أنا... مش عارفة أبدأ منين، دكتور. في حاجة غريبة بتحصل لي. حاجة مش طبيعية."
فارس رفع حاجبه. كان حاسس إن في حاجة مش تمام، وكلامها خلاه مش قادر يسيطر على تفكيره. "فيه إيه؟ قولي لي كل حاجة."
"أنا... أنا بشوف حاجة... حاجة مش عادية، دكتور. حاجة بتطاردني في كل مكان. حاجة مش من هنا. شبح... لا، مش شبح. ظل... بس مش أي ظل. ظل لونه أحمر."
فارس فكر في الكلام ده للحظة، مش قادر يصدق اللي بيسمعه. ظل أحمر؟ ده مش مجرد كلام مريض. ده حاجة غريبة جدًا.
"ظل أحمر؟!" قالها بصوت فيه دهشة، رغم إنه كان بيحاول يسيطر على مشاعره. "إنتي متأكدة؟"
"آه، أنا متأكدة. أنا مش بهلوس. الظل ده بيظهر لي في كل مكان، في كل زاوية. مش بس في الأحلام، لا. في الحقيقة كمان. في البيت، في الشارع، حتى في المستشفى دي." قالت ليلى، وكان واضح من صوتها إنها مش قادرة تتنفس كويس. "في الأول كنت فاكراه مجرد خيال، لكن لما بدأ يظهر بشكل واضح، بدأت أخاف."
فارس حس بقلق. الكلام ده مش طبيعي. حاجات زي دي عادة ما بتحصلش. لكن حاجة تانية كانت بدأت تجذبه، زي حاجة بعيدة لسه مش قادر يوصل ليها. "الظل ده بيظهر لك في مكان معين؟ هنا؟ في المستشفى؟"
"آه، دكتور. هنا. تحديدًا في الطابق الثالث. أنا حاسة إنه موجود في المكان ده. الطابق ده مش طبيعي. فيه حاجة غلط." ليلى قالت الكلام ده وكأنها بتخاف من نفسها.
فارس اتجمد مكانه. الطابق الثالث؟ فجأة، دماغه ابتدت تسرع. هو كان عارف إن فيه حاجة حصلت في الطابق ده قبل كده. حاجات مش مفهومة، حاجات كانت بتتسكت عنها. كان في الماضي، قبل ما يسيب المستشفى، سمع حاجات عن الطابق الثالث ده، حاجات غريبة، لكن ما كانتش حاجة تتقال بوضوح. ده كان نفس الطابق اللي حصل فيه تجارب نفسية مش قانونية، وكانت الحكايات كلها مخفية تحت الأرض.
"الطابق الثالث..." قالها بصوت هادئ، وهو بيحاول يربط بين كل الحاجات دي. "إيه اللي حصل هناك؟ قولي لي أكتر."
ليلى بصلت له بعينيها الواسعتين، وهي مش قادرة تمسك نفسها. "فيه حاجات بتحصل هناك، حاجات مش مفسرة. وكأن المكان ده بيجذب الظلال، جذب الخوف."
حاجات كانت بتتحرك في ذهن فارس زي طوفان. كان عارف إن الحكاية دي مش مجرد هلوسات. كان فيه حاجة أكبر بكتير بتختبئ في المكان ده، حاجة كان هو نفسه كان جزء منها زمان. الظل ده مش مجرد خيال ليلى، ده كان حاجة ليه علاقة بكلامه هو نفسه، بحاجة مفقودة.
"ليلى، في حاجات مش واضحة هنا، وكل كلمة هتقولها هتساعدني. الطابق الثالث ده لازم نبحث فيه معًا. لازم نفهم كل حاجة."
وفي لحظة من اللحظات، فارس حس بشيء عميق جواه، شيء كان مختفي لسنين. كانت عينيه مش بس بتبص لليلى، لكن كمان كانت بتبص لذكرياته، لأشياء اختفت وسط العتمة.
الفصل الثاني: بوابة المجهول
الليل كان طويل والهدوء في مستشفى "الهدوء" كان غريب. فارس حس إن المكان ده بقى بيراقبه، بيمشي وراه، زي ما كل زاوية في المكان ده ليها سر مدفون، وكل لحظة هتكشف ليه حاجة مش مفهومة. بعد كلام ليلى عن "الظل الأحمر" والطابق الثالث، الموضوع بقى أكبر من مجرد هلوسة. كان حاسس إن فيه حاجة متخبية، حاجة لازم يكتشفها، وإنه راجع المكان ده مش علشان يعالج غيره، لكن علشان يعالج نفسه ويواجه حاجة هو مش قادر يستوعبها.
رجع فارس لمكتبه وهو مش قادر يركز. قدامه أوراق المرضى، تقارير، حاجات شبه بعضها، لكن دماغه كانت مشغولة بحاجة تانية. فجأة، الكهرباء انقطعت. الدنيا بقت ضلمة، والساعة اللي كانت بتدق بتعمل صوت غريب، كأن الوقت نفسه مش عاوز يمشي. بس فيه حاجة غريبة حصلت... حاجة كانت أقوى من الظلام اللي كان فيه.
فجأة، سمع صوت. كان خافت في الأول، لكن مع مرور الوقت بقى واضح أكتر:
"فارس... روح للغرفة 301."
فارس حس بشيء غريب في قلبه، حاجة مش مريحة، لكنه قرر يواجهها. أخذ مصباح يدوي، وطلع للطابق الثالث.
الطابق الثالث كان غير كل الطوابق. المكان كان بارد بشكل غريب، هواءه ثقيل كأنها غرفة مقفولة من زمان. وكل خطوة كان بياخدها كان حسها بتشد لورا، وكأن المكان نفسه بيمنعه من التقدم.
وصل للغرفة 301، والباب كان مفتوح. دخل بحذر، قلبه بيخفق بسرعة. الغرفة كانت غريبة، حيطانها مغطاة برسومات مش مفهومة، حاجات مش واضحة، حاجات زي الحروف القديمة. في وسط الغرفة، كان في صندوق معدني صغير. فارس قرب منه، وفتح الصندوق. جوه كان في صور قديمة.
فارس بدأ يطلع في الصور، وكل صورة كانت تشبه الثانية، كلهم جالسين في دائرة كأنهم في جلسة علاج جماعي. لكن اللي كان غريب إن الوجوه كانت مشوهة، مش زي الناس الطبيعية. في صورة واحدة، شاف حاجة خلته يتجمد. سارة... أختة. كان مستحيل إنه يشوف صورتها هنا. سارة ماتت من زمان، لكن هنا، في الصورة دي، كانت جالسة في وسط الدائرة.
"إزاي ده؟ ده مش ممكن!" فارس همس لنفسه.
لكن فجأة، حس بشيء بيحصل وراه. التفت بسرعة، لكن مكانش فيه حد. بس في المرآة الكبيرة اللي كانت في الزاوية، شاف حاجة غريبة...
الظل الأحمر كان واقف وراه، لكنه مش مجرد ظل عادي. كان كائن حي، كبير، عيونه حمرا ومش طبيعية. صوتهم كان بيخترق أعماقه:
"عدت تاني. افتح الأبواب."
وفجأة اختفى، كأن حاجة ملاش وجود. فارس كان مش قادر يتحرك من مكانه.
رجع فارس للمكتب، لكنه كان عارف إن فيه حاجة لازم يتأكد منها. قرر إنه لازم يكلم أحمد، زميله في المستشفى. أحمد كان دايمًا بيبص للطابق الثالث بحذر، وكان دايمًا بيهرب من الكلام عن التاريخ القديم للمستشفى.
لما لقى أحمد في غرفة الأطباء، كان جالس لوحده، شكله مضغوط جدًا. فارس قرر يسأله مباشرة.
"أحمد، إيه اللي حصل في الطابق الثالث؟ لازم تقولي."
أحمد كان متردد، عينيه متهربة، لكن بعد لحظة طويلة، قال:
"أنت مش عايز تعرف. الطابق ده في حاجة مش صحية. قبل كده كان في تجارب نفسية غير قانونية. كانوا بيجربوا حاجات على المرضى، والحاجة اللي حصلت في الحريق ما كانتش مجرد حادث."
"وحكاية سارة؟ أنا شوفت صورتها في الأرشيف... هي كانت جزء من ده؟" فارس سأل وهو مش قادر يستوعب.
أحمد بسط إيده كأنه مش قادر يقول أكتر من كده.
"سارة كانت جزء من التجارب دي. مش بس كانت هنا، كانوا بيعملوا عليها تجارب مش طبيعية... حاجات كنا مش فاهمينها."
كلام أحمد كان زي الصاعقة. فارس حس إن الدنيا بتتدمر حواليه. أختة سارة كانت جزء من تجارب مريضة، حاجة كان نفسه ينساها. قرر يرجع للطابق الثالث علشان يواجه الحقيقة مهما كانت.
وهو رايح تاني للطابق الثالث، كان عارف إن المرة دي مش زي أي مرة قبل كده. دلوقتي هو مش داخل علشان يكتشف حاجة، هو داخل علشان يواجه الماضي.
لما وصل للغرفة 301، لقى الباب مفتوح، بس المرة دي كان في حاجة غريبة. المرآة انكسرت على الأرض، والدم كان موجود عليها. وفي وسط المكان كان في رسالة مكتوبة بالدم:
"ابحث عن الباب الرابع... الحقيقة هناك."
فارس بدأ يدور في الطابق، وفي الآخر لقى باب مش مرقم في آخر الممر. لما قرب منه، الباب اتفتح لوحده. دخل فارس جوه، والجو كان غريب، مظلم بشكل مش طبيعي. على الأرض كان في دائرة محفورة، وفي النص كان في حاجة غريبة، زي بوابة مفتوحة.
"دي البوابة؟" فارس تمتم لنفسه وهو مش قادر يصدق.
لكن قبل ما يقدر يفكر أكتر، حس بشيء بيجره ناحيتها. الظل الأحمر كان واقف قدامه، والمرة دي كان أكبر وأقوى.
"فارس... لقد عدت لمكانك."
وفجأة، الدنيا ضلمت تمامًا، والباب اتقفل وراءه. فارس سقط في ظلام لا نهائي، وكأن مفيش رجوع.
نهاية الفصل الثاني
الفصل الثالث: متاهة الظلام (النهاية المطوّلة)
فارس كان واقف قدام الدايرة المحفورة في الأرض، والبوابة اللي شبه الدوامة بتلمع قدامه بلون أحمر بينبض كأنه قلب حي. جسمه كان بيتراجع لا إراديًا، لكن رجليه كانت متجمدة مكانها، كأن الدايرة بتمنعه يهرب. إحساس الخوف كان بيخنقه، زي ما يكون كل نفس بياخده بيتسحب من حواليه.
"إيه ده؟" فارس همس بصوت متقطع، وهو يحاول يفهم اللي بيحصل حواليه.
في اللحظة اللي مد فيها إيده ناحية البوابة، الأرض تحت رجليه بدأت تهتز، وصوت غريب، أقرب لزئير مخلوق مش بشري، خرج من أعماق المكان. الإهتزاز زاد، والجدران بدأت تنشق، زي ما يكون المكان كله بيستعد ينهار.
فجأة، الظل الأحمر ظهر من ورا فارس، لكن المرة دي شكله كان أوضح وأكبر. جسمه كان زي الدخان الكثيف، لكنه متماسك، وعيناه زي جمرتين مشتعلة، بتنور وتطفي. كل خطوة كان بياخدها بتسيب أثر، الأرض تحت رجليه كانت بتتحرق وتسيب ريحة رماد تقيلة.
"فارس..." الصوت بتاعه كان عميق، وكأنه طالع من كل اتجاه. "فاكر إنك تقدر تهرب؟ ده مش ممر للهروب... ده بوابة البداية."
"بداية إيه؟! أنا مش فاهم حاجة!" فارس صرخ بصوت مخنوق وهو بيحاول يتحرك، لكن الدايرة كانت زي قيد ماسكه في مكانه. الأصوات اللي كانت حوالين فارس بقت أوضح: ناس بتصرخ، بتبكي، لكن كأن صوتهم جاي من بعيد، كأنهم بيحذروا من حاجة.
الظل ابتسم ابتسامة مخيفة، ورفع إيده لفوق. فجأة، بوابة الدوامة اللي كانت قدامه اتحولت لعاصفة ضخمة. الرياح اللي طلعت منها كانت بتشفط كل حاجة حواليها. الأبواب اللي في الممر اتكسرت، والمرايات اتناثرت لشظايا في كل مكان، وكل شظية كانت بتعكس وجوه غريبة، ملامحها مشوهة، بعضها كان بيبكي، وبعضها بيضحك بطريقة مرعبة.
"كل اللي كنت فاكره حقيقة... مجرد وهم. حياتك، سارة، الغرفة 301... كل ده كان خطة عشان توصّل هنا." الظل قرب أكتر، وصوته بقى أقرب، وكأنه بينطق جوه دماغ فارس.
"ليه أنا؟! أنا عملت إيه؟!" فارس صرخ، لكن صوته كان بيتوه وسط الرياح والأصوات المرعبة اللي حواليه.
"لأنك فتحت البوابة يا فارس... وإنت اللي هتقفلها." الظل قالها بابتسامة مليانة تهديد. "بس التمن هيكون روحك."
فجأة، ظهر انعكاس لسارة في الهوا اللي حواليه. انعكاسها كان باهت، زي ما تكون محبوسة في مراية قديمة متشققة.
"فارس... متسمعش كلامه!" صوتها كان مليان خوف وألم، وكان واضح إنها بتعاني. "لازم تهرب... بسرعة!"
"سارة؟! إنتي فين؟!" فارس بص حواليه، لكنه كان شايفها بس في الانعكاس.
"مش مهم أنا فين... المهم إنك تقفل الدايرة!" صوتها كان بيقوى، لكن كأن الرياح بتحاول تخفيه.
الظل ضحك ضحكة مخيفة جدًا، والدوامة اتحولت لعاصفة نارية. الضوء الأحمر اتحول لنور قاتل، وشظايا المرايات اللي حواليه كانت بتتحرك بسرعة، وكل واحدة كانت بتقطع في الهوى، وتسيب أثر دموي وهمي.
"معندكش اختيار، فارس. لو خرجت، كل اللي بتحبهم هيموتوا... ولو فضلت، هتواجه أسوأ كوابيسك."
فارس كان حاسس إنه محاصر. الأصوات كانت بتزيد، والدايرة حوالين رجليه بدأت تولع، زي نار خفية بتتحرك تحته.
في لحظة، فارس سمع صوت سارة تاني، بس المرة دي كان أقرب، وكأنها واقفة جنبه:
"فارس! اقفل الدايرة! اقفلها قبل ما البوابة تفتح بالكامل!"
فارس حاول يتحرك، لكن حس بحاجة بتشده من رجليه. لما بص لتحت، شاف أيادي سوداء خارجة من الأرض، مشوهة، ومليانة عيون صغيرة بتبصله. الأيادي كانت ماسكة رجليه وبتشدّه ناحيتها.
"لااااا!" فارس صرخ، وحاول يفلت، لكن الأيادي كانت أقوى منه.
الظل قرب أكتر، وبص عليه بابتسامة مليانة شر:
"اللعبة انتهت يا فارس. اختار النهاية بتاعتك."
في اللحظة الأخيرة، فارس حس بنبض قوي في الدايرة، زي نبض قلب حي، وكل حاجة حوالينه سكتت للحظة. بعدين، صوت واحد عالي اخترق الصمت:
"اقفل الدايرة!
بآخر قوة عنده، فارس مد إيده لدايرة النار، وبدأ يكرر الكلام اللي كان محفور حواليها، رغم إنه مش فاهم معناه. كل كلمة كان بيقولها، الصوت حواليه كان بيعلى، والمكان كله كان بيتهز.
فجأة، الدايرة انفجرت بنور أبيض قوي، وكل حاجة حوالينه اختفت. الرياح سكتت، والأصوات راحت، والظلام ابتلع كل حاجة.
فارس كان واقع في فراغ تام، حاسس إنه مش قادر يتحرك أو يتنفس. فجأة، ظهر نور ضعيف قدامه، باب أسود عليه كتابة غريبة.
فارس قرب منه، رغم إنه مش قادر يسيطر على جسمه. لما وصل، شاف اسمه مكتوب على الباب بخط كبير:
لكن جنب اسمه، كان فيه جملة صغيرة محفورة تحتها:
"كل باب له ضريبة... هل أنت مستعد؟"
وفجأة، الباب اتفتح لوحده، ونور أحمر غمر المكان، وسحب فارس لجواه.
في مستشفى "الهدوء"، اللي الناس بيروحوا ليها علشان يلاقوا الراحة والسلام النفسي، فيه أسرار قديمة ومش مفهومة، حاجات محدش يقدر يفسرها. فارس، الطبيب النفسي اللي عايش بين جراحه وألمه، قرر يرجع المكان ده بعد ما فكر إنه يمكن هنا يلاقي الحل ليه، يلاقي راحته، بعد ما فقد كل حاجة غالية عليه. لكن ماكنش يعرف إن رجوعه هيفتح قدامه أبواب جهنم.
ليلى، مريضة جديدة، جت له بتقول له عن ظل أحمر بيطاردها في كل مكان، مش مجرد ظل عادي، ده حاجه مش من الدنيا دي. وفي الطابق الثالث من المستشفى، فيه حاجة غلط، حاجة مش مفهومة، كل الناس خايفة منها، بس محدش بيتكلم عنها.
وأثناء ما فارس بيحاول يفهم كل ده، يبدأ يشوف إن كل شيء بيرجع له لحظة بلحظة، وذكريات شقيقته سارة، اللي ماتت في حادث غامض، بتظهر ليه في أحلامه، وكأنها عاوزة تقوله حاجة عن المكان ده. عن الظل الأحمر، وعن الطابق الثالث اللي مليان بالغياب.
هل ده مجرد خيال؟ ولا فيه حاجة أكبر وأخطر ورا الحكاية دي؟
الظلال مش دايمًا بتمشي بعيد، وفي كل خطوة فارس بيقرب أكتر وأكتر للحقيقة… للحقيقة اللي هتغير كل حاجة.
الشخصيات الرئيسية
1. فارس:
فارس هو الطبيب النفسي اللي عايش في عالم مليان بالأسئلة والشكوك. من وقت ما فقد أخته سارة في حادث غامض، وهو مش قادر ينسى اللي حصل. رجع للمستشفى "الهدوء" علشان يحاول يلاقي إجابات، لكن كل ما يغوص في عمق المكان ده، كل ما حاجات غريبة وذكريات مش مفهومة تطلّع له. فارس عنده رغبة قوية في إنه يكتشف الحقيقة، لكن مع مرور الوقت بدأ يشك في نفسه وفي قدرته على التمييز بين الواقع والوهم.
2. ليلى:
ليلى هي المريضة اللي جت لفارس علشان تحكيله عن الظل الأحمر اللي بيطاردها في كل مكان. هي عندها حالة نفسية غريبة، ومش قادرين يحددوا إذا كانت بتعاني من جنون العظمة أو إنها شايفة حاجة حقيقية. ليلى عندها حالة غريبة من الهلوسة، والظلال دي مش بس بتظهر ليها في أحلامها، لكن كمان في الواقع، في كل زاوية. وفارس مش قادر يفرق إذا كانت بتعاني من وهم، ولا في حاجة أكبر وأخطر ورّا الحكاية.
3. أحمد:
أحمد هو زميل فارس في المستشفى، دكتور شاطر وهادئ. لكن مع مرور الوقت، بدأ فارس يلاحظ إن أحمد مش بيكون مرتاح لما بيجي سير الطابق الثالث في المستشفى أو أي حاجة متعلقة بماضي المكان. أحمد بيحاول دايمًا يخفي مشاعره، لكن فارس حاسس إن فيه حاجة مش مظبوطة. بيظهر في حياته زي الشخص اللي عنده سر كبير، ومش عايز حد يكتشفه. وده بيخلي فارس يعتقد إنه مش مجرد زميل، ده ممكن يكون عنده علاقة بكل الحاجات الغريبة اللي بتحصل في المستشفى.
4. سارة:
سارة، أخت فارس الراحلة، هي شخصية مؤلمة بالنسبة له. سارة ماتت في حادث غامض من فترة طويلة، لكن ليها حضور غريب في حياة فارس، وكأنها بتظهر له في أحلامه أو حتى في الهلاوس اللي بيعيشها. فارس كل ما يشوف صورتها أو يفتكرها، يحس وكأنها عاوزة تقوله حاجة، لكن مش قادر يوصل ليها. سارة مش مجرد ذكرى في حياة فارس، هي جزء من اللغز اللي بيحاول فارس يحلّه. وحضورها في الأحداث ده مش مجرد صدفة، ده فيه حاجة أكبر من كده
الفصل الأول: العودة إلى الجحيم
فارس كان قاعد في مكتبه بمستشفى "الهدوء"، حاطط إيده على رأسه، مش قادر يركز. كان بيبص على الأوراق اللي قدامه، أوراق المرضى الجدد، تقارير حالتهم النفسية، وكل كلمة مكتوبة على الورق كانت بترجع له ذكريات كان نفسه ينسّاها. المكان ده، رغم إن الناس هنا بيجوا علشان يلاقوا هدوء، لكن كان بالنسبة له مرعب.
من وقت ما ساب المكان ده وراح عايش بعيد عن المستشفى دي، وكان عاوز ينسى كل حاجة، لكن دلوقتي، فكر إنه يمكن لو رجع هنا، يقدر يعالج نفسه. كان خلاص فقد كل حاجة، سارة، مراته اللي كانت حبه الوحيد، ونورة، أخته الصغيرة، ماتوا في حادث غامض مش قادر ينساه. الحادث ده مش فاهمه لحد دلوقتي. هو مش قادر يحط إيده على الحقيقة. هل كان حادث؟ ولا في حاجة أكبر وأخطر وراءه؟
الساعة كانت بتدق ببطء على الحيطة قدامه، وهو كان حاسس إن الزمن بيعدّي لكن مش بيقدّم له حاجة جديدة. مجرد فترات مفرغة، زي الصمت المزعج اللي بيملأ المكان. لحظة من لحظات حياته اللي حس فيها إن كل حاجة مش واضحة.
وفي وسط الصمت، فجأة، الباب اتفتح ودخلت ليلى.
كانت طالعة من بين الظلال، عيونها مليانة قلق، وشكلها متوتر جدًا. كانت ماشية ببطء، مش عاوزة حد يشوفها، وكأنها بتحاول تهرب من نفسها. لابسها مش لاقي ألوان، لونها باهت، شكلها ضعيف جدًا. كانت في أول الثلاثينات، ووجهها مغطى بأثر الألم والهم.
"دكتور فارس؟" قالتها بصوت مش واضح، وراحت جالسة قدامه.
فارس رد بهدوء، وحاول يبدي إنه مش متوتر زيها: "أهلاً ليلى. تفضلي، اقعدي. حاولي ترتاحي."
قعدت قدامه ببطء، وعينيها بتلف حوالين المكان زي ما هي مش متأكدة إذا كانت في أمان هنا ولا لأ. كان واضح جدًا إنها مش مرتاحة.
"أنا... مش عارفة أبدأ منين، دكتور. في حاجة غريبة بتحصل لي. حاجة مش طبيعية."
فارس رفع حاجبه. كان حاسس إن في حاجة مش تمام، وكلامها خلاه مش قادر يسيطر على تفكيره. "فيه إيه؟ قولي لي كل حاجة."
"أنا... أنا بشوف حاجة... حاجة مش عادية، دكتور. حاجة بتطاردني في كل مكان. حاجة مش من هنا. شبح... لا، مش شبح. ظل... بس مش أي ظل. ظل لونه أحمر."
فارس فكر في الكلام ده للحظة، مش قادر يصدق اللي بيسمعه. ظل أحمر؟ ده مش مجرد كلام مريض. ده حاجة غريبة جدًا.
"ظل أحمر؟!" قالها بصوت فيه دهشة، رغم إنه كان بيحاول يسيطر على مشاعره. "إنتي متأكدة؟"
"آه، أنا متأكدة. أنا مش بهلوس. الظل ده بيظهر لي في كل مكان، في كل زاوية. مش بس في الأحلام، لا. في الحقيقة كمان. في البيت، في الشارع، حتى في المستشفى دي." قالت ليلى، وكان واضح من صوتها إنها مش قادرة تتنفس كويس. "في الأول كنت فاكراه مجرد خيال، لكن لما بدأ يظهر بشكل واضح، بدأت أخاف."
فارس حس بقلق. الكلام ده مش طبيعي. حاجات زي دي عادة ما بتحصلش. لكن حاجة تانية كانت بدأت تجذبه، زي حاجة بعيدة لسه مش قادر يوصل ليها. "الظل ده بيظهر لك في مكان معين؟ هنا؟ في المستشفى؟"
"آه، دكتور. هنا. تحديدًا في الطابق الثالث. أنا حاسة إنه موجود في المكان ده. الطابق ده مش طبيعي. فيه حاجة غلط." ليلى قالت الكلام ده وكأنها بتخاف من نفسها.
فارس اتجمد مكانه. الطابق الثالث؟ فجأة، دماغه ابتدت تسرع. هو كان عارف إن فيه حاجة حصلت في الطابق ده قبل كده. حاجات مش مفهومة، حاجات كانت بتتسكت عنها. كان في الماضي، قبل ما يسيب المستشفى، سمع حاجات عن الطابق الثالث ده، حاجات غريبة، لكن ما كانتش حاجة تتقال بوضوح. ده كان نفس الطابق اللي حصل فيه تجارب نفسية مش قانونية، وكانت الحكايات كلها مخفية تحت الأرض.
"الطابق الثالث..." قالها بصوت هادئ، وهو بيحاول يربط بين كل الحاجات دي. "إيه اللي حصل هناك؟ قولي لي أكتر."
ليلى بصلت له بعينيها الواسعتين، وهي مش قادرة تمسك نفسها. "فيه حاجات بتحصل هناك، حاجات مش مفسرة. وكأن المكان ده بيجذب الظلال، جذب الخوف."
حاجات كانت بتتحرك في ذهن فارس زي طوفان. كان عارف إن الحكاية دي مش مجرد هلوسات. كان فيه حاجة أكبر بكتير بتختبئ في المكان ده، حاجة كان هو نفسه كان جزء منها زمان. الظل ده مش مجرد خيال ليلى، ده كان حاجة ليه علاقة بكلامه هو نفسه، بحاجة مفقودة.
"ليلى، في حاجات مش واضحة هنا، وكل كلمة هتقولها هتساعدني. الطابق الثالث ده لازم نبحث فيه معًا. لازم نفهم كل حاجة."
وفي لحظة من اللحظات، فارس حس بشيء عميق جواه، شيء كان مختفي لسنين. كانت عينيه مش بس بتبص لليلى، لكن كمان كانت بتبص لذكرياته، لأشياء اختفت وسط العتمة.
الفصل الثاني: بوابة المجهول
الليل كان طويل والهدوء في مستشفى "الهدوء" كان غريب. فارس حس إن المكان ده بقى بيراقبه، بيمشي وراه، زي ما كل زاوية في المكان ده ليها سر مدفون، وكل لحظة هتكشف ليه حاجة مش مفهومة. بعد كلام ليلى عن "الظل الأحمر" والطابق الثالث، الموضوع بقى أكبر من مجرد هلوسة. كان حاسس إن فيه حاجة متخبية، حاجة لازم يكتشفها، وإنه راجع المكان ده مش علشان يعالج غيره، لكن علشان يعالج نفسه ويواجه حاجة هو مش قادر يستوعبها.
رجع فارس لمكتبه وهو مش قادر يركز. قدامه أوراق المرضى، تقارير، حاجات شبه بعضها، لكن دماغه كانت مشغولة بحاجة تانية. فجأة، الكهرباء انقطعت. الدنيا بقت ضلمة، والساعة اللي كانت بتدق بتعمل صوت غريب، كأن الوقت نفسه مش عاوز يمشي. بس فيه حاجة غريبة حصلت... حاجة كانت أقوى من الظلام اللي كان فيه.
فجأة، سمع صوت. كان خافت في الأول، لكن مع مرور الوقت بقى واضح أكتر:
"فارس... روح للغرفة 301."
فارس حس بشيء غريب في قلبه، حاجة مش مريحة، لكنه قرر يواجهها. أخذ مصباح يدوي، وطلع للطابق الثالث.
الطابق الثالث كان غير كل الطوابق. المكان كان بارد بشكل غريب، هواءه ثقيل كأنها غرفة مقفولة من زمان. وكل خطوة كان بياخدها كان حسها بتشد لورا، وكأن المكان نفسه بيمنعه من التقدم.
وصل للغرفة 301، والباب كان مفتوح. دخل بحذر، قلبه بيخفق بسرعة. الغرفة كانت غريبة، حيطانها مغطاة برسومات مش مفهومة، حاجات مش واضحة، حاجات زي الحروف القديمة. في وسط الغرفة، كان في صندوق معدني صغير. فارس قرب منه، وفتح الصندوق. جوه كان في صور قديمة.
فارس بدأ يطلع في الصور، وكل صورة كانت تشبه الثانية، كلهم جالسين في دائرة كأنهم في جلسة علاج جماعي. لكن اللي كان غريب إن الوجوه كانت مشوهة، مش زي الناس الطبيعية. في صورة واحدة، شاف حاجة خلته يتجمد. سارة... أختة. كان مستحيل إنه يشوف صورتها هنا. سارة ماتت من زمان، لكن هنا، في الصورة دي، كانت جالسة في وسط الدائرة.
"إزاي ده؟ ده مش ممكن!" فارس همس لنفسه.
لكن فجأة، حس بشيء بيحصل وراه. التفت بسرعة، لكن مكانش فيه حد. بس في المرآة الكبيرة اللي كانت في الزاوية، شاف حاجة غريبة...
الظل الأحمر كان واقف وراه، لكنه مش مجرد ظل عادي. كان كائن حي، كبير، عيونه حمرا ومش طبيعية. صوتهم كان بيخترق أعماقه:
"عدت تاني. افتح الأبواب."
وفجأة اختفى، كأن حاجة ملاش وجود. فارس كان مش قادر يتحرك من مكانه.
رجع فارس للمكتب، لكنه كان عارف إن فيه حاجة لازم يتأكد منها. قرر إنه لازم يكلم أحمد، زميله في المستشفى. أحمد كان دايمًا بيبص للطابق الثالث بحذر، وكان دايمًا بيهرب من الكلام عن التاريخ القديم للمستشفى.
لما لقى أحمد في غرفة الأطباء، كان جالس لوحده، شكله مضغوط جدًا. فارس قرر يسأله مباشرة.
"أحمد، إيه اللي حصل في الطابق الثالث؟ لازم تقولي."
أحمد كان متردد، عينيه متهربة، لكن بعد لحظة طويلة، قال:
"أنت مش عايز تعرف. الطابق ده في حاجة مش صحية. قبل كده كان في تجارب نفسية غير قانونية. كانوا بيجربوا حاجات على المرضى، والحاجة اللي حصلت في الحريق ما كانتش مجرد حادث."
"وحكاية سارة؟ أنا شوفت صورتها في الأرشيف... هي كانت جزء من ده؟" فارس سأل وهو مش قادر يستوعب.
أحمد بسط إيده كأنه مش قادر يقول أكتر من كده.
"سارة كانت جزء من التجارب دي. مش بس كانت هنا، كانوا بيعملوا عليها تجارب مش طبيعية... حاجات كنا مش فاهمينها."
كلام أحمد كان زي الصاعقة. فارس حس إن الدنيا بتتدمر حواليه. أختة سارة كانت جزء من تجارب مريضة، حاجة كان نفسه ينساها. قرر يرجع للطابق الثالث علشان يواجه الحقيقة مهما كانت.
وهو رايح تاني للطابق الثالث، كان عارف إن المرة دي مش زي أي مرة قبل كده. دلوقتي هو مش داخل علشان يكتشف حاجة، هو داخل علشان يواجه الماضي.
لما وصل للغرفة 301، لقى الباب مفتوح، بس المرة دي كان في حاجة غريبة. المرآة انكسرت على الأرض، والدم كان موجود عليها. وفي وسط المكان كان في رسالة مكتوبة بالدم:
"ابحث عن الباب الرابع... الحقيقة هناك."
فارس بدأ يدور في الطابق، وفي الآخر لقى باب مش مرقم في آخر الممر. لما قرب منه، الباب اتفتح لوحده. دخل فارس جوه، والجو كان غريب، مظلم بشكل مش طبيعي. على الأرض كان في دائرة محفورة، وفي النص كان في حاجة غريبة، زي بوابة مفتوحة.
"دي البوابة؟" فارس تمتم لنفسه وهو مش قادر يصدق.
لكن قبل ما يقدر يفكر أكتر، حس بشيء بيجره ناحيتها. الظل الأحمر كان واقف قدامه، والمرة دي كان أكبر وأقوى.
"فارس... لقد عدت لمكانك."
وفجأة، الدنيا ضلمت تمامًا، والباب اتقفل وراءه. فارس سقط في ظلام لا نهائي، وكأن مفيش رجوع.
نهاية الفصل الثاني
الفصل الثالث: متاهة الظلام (النهاية المطوّلة)
فارس كان واقف قدام الدايرة المحفورة في الأرض، والبوابة اللي شبه الدوامة بتلمع قدامه بلون أحمر بينبض كأنه قلب حي. جسمه كان بيتراجع لا إراديًا، لكن رجليه كانت متجمدة مكانها، كأن الدايرة بتمنعه يهرب. إحساس الخوف كان بيخنقه، زي ما يكون كل نفس بياخده بيتسحب من حواليه.
"إيه ده؟" فارس همس بصوت متقطع، وهو يحاول يفهم اللي بيحصل حواليه.
في اللحظة اللي مد فيها إيده ناحية البوابة، الأرض تحت رجليه بدأت تهتز، وصوت غريب، أقرب لزئير مخلوق مش بشري، خرج من أعماق المكان. الإهتزاز زاد، والجدران بدأت تنشق، زي ما يكون المكان كله بيستعد ينهار.
فجأة، الظل الأحمر ظهر من ورا فارس، لكن المرة دي شكله كان أوضح وأكبر. جسمه كان زي الدخان الكثيف، لكنه متماسك، وعيناه زي جمرتين مشتعلة، بتنور وتطفي. كل خطوة كان بياخدها بتسيب أثر، الأرض تحت رجليه كانت بتتحرق وتسيب ريحة رماد تقيلة.
"فارس..." الصوت بتاعه كان عميق، وكأنه طالع من كل اتجاه. "فاكر إنك تقدر تهرب؟ ده مش ممر للهروب... ده بوابة البداية."
"بداية إيه؟! أنا مش فاهم حاجة!" فارس صرخ بصوت مخنوق وهو بيحاول يتحرك، لكن الدايرة كانت زي قيد ماسكه في مكانه. الأصوات اللي كانت حوالين فارس بقت أوضح: ناس بتصرخ، بتبكي، لكن كأن صوتهم جاي من بعيد، كأنهم بيحذروا من حاجة.
الظل ابتسم ابتسامة مخيفة، ورفع إيده لفوق. فجأة، بوابة الدوامة اللي كانت قدامه اتحولت لعاصفة ضخمة. الرياح اللي طلعت منها كانت بتشفط كل حاجة حواليها. الأبواب اللي في الممر اتكسرت، والمرايات اتناثرت لشظايا في كل مكان، وكل شظية كانت بتعكس وجوه غريبة، ملامحها مشوهة، بعضها كان بيبكي، وبعضها بيضحك بطريقة مرعبة.
"كل اللي كنت فاكره حقيقة... مجرد وهم. حياتك، سارة، الغرفة 301... كل ده كان خطة عشان توصّل هنا." الظل قرب أكتر، وصوته بقى أقرب، وكأنه بينطق جوه دماغ فارس.
"ليه أنا؟! أنا عملت إيه؟!" فارس صرخ، لكن صوته كان بيتوه وسط الرياح والأصوات المرعبة اللي حواليه.
"لأنك فتحت البوابة يا فارس... وإنت اللي هتقفلها." الظل قالها بابتسامة مليانة تهديد. "بس التمن هيكون روحك."
فجأة، ظهر انعكاس لسارة في الهوا اللي حواليه. انعكاسها كان باهت، زي ما تكون محبوسة في مراية قديمة متشققة.
"فارس... متسمعش كلامه!" صوتها كان مليان خوف وألم، وكان واضح إنها بتعاني. "لازم تهرب... بسرعة!"
"سارة؟! إنتي فين؟!" فارس بص حواليه، لكنه كان شايفها بس في الانعكاس.
"مش مهم أنا فين... المهم إنك تقفل الدايرة!" صوتها كان بيقوى، لكن كأن الرياح بتحاول تخفيه.
الظل ضحك ضحكة مخيفة جدًا، والدوامة اتحولت لعاصفة نارية. الضوء الأحمر اتحول لنور قاتل، وشظايا المرايات اللي حواليه كانت بتتحرك بسرعة، وكل واحدة كانت بتقطع في الهوى، وتسيب أثر دموي وهمي.
"معندكش اختيار، فارس. لو خرجت، كل اللي بتحبهم هيموتوا... ولو فضلت، هتواجه أسوأ كوابيسك."
فارس كان حاسس إنه محاصر. الأصوات كانت بتزيد، والدايرة حوالين رجليه بدأت تولع، زي نار خفية بتتحرك تحته.
في لحظة، فارس سمع صوت سارة تاني، بس المرة دي كان أقرب، وكأنها واقفة جنبه:
"فارس! اقفل الدايرة! اقفلها قبل ما البوابة تفتح بالكامل!"
فارس حاول يتحرك، لكن حس بحاجة بتشده من رجليه. لما بص لتحت، شاف أيادي سوداء خارجة من الأرض، مشوهة، ومليانة عيون صغيرة بتبصله. الأيادي كانت ماسكة رجليه وبتشدّه ناحيتها.
"لااااا!" فارس صرخ، وحاول يفلت، لكن الأيادي كانت أقوى منه.
الظل قرب أكتر، وبص عليه بابتسامة مليانة شر:
"اللعبة انتهت يا فارس. اختار النهاية بتاعتك."
في اللحظة الأخيرة، فارس حس بنبض قوي في الدايرة، زي نبض قلب حي، وكل حاجة حوالينه سكتت للحظة. بعدين، صوت واحد عالي اخترق الصمت:
"اقفل الدايرة!
بآخر قوة عنده، فارس مد إيده لدايرة النار، وبدأ يكرر الكلام اللي كان محفور حواليها، رغم إنه مش فاهم معناه. كل كلمة كان بيقولها، الصوت حواليه كان بيعلى، والمكان كله كان بيتهز.
فجأة، الدايرة انفجرت بنور أبيض قوي، وكل حاجة حوالينه اختفت. الرياح سكتت، والأصوات راحت، والظلام ابتلع كل حاجة.
فارس كان واقع في فراغ تام، حاسس إنه مش قادر يتحرك أو يتنفس. فجأة، ظهر نور ضعيف قدامه، باب أسود عليه كتابة غريبة.
فارس قرب منه، رغم إنه مش قادر يسيطر على جسمه. لما وصل، شاف اسمه مكتوب على الباب بخط كبير:
لكن جنب اسمه، كان فيه جملة صغيرة محفورة تحتها:
"كل باب له ضريبة... هل أنت مستعد؟"
وفجأة، الباب اتفتح لوحده، ونور أحمر غمر المكان، وسحب فارس لجواه.