اهلا بافضل عضو في المنتدي ايوا انت انت افشخ وافجر عضو هنا...... يلا يعم بسيطك اهو خش اقرا القصه اللي في الحقيقه ملهاش اي تلاتين لازمه
الجزء الاول.........
كانت حياتي ماشية بمنتهى العشوائية، زي واحد ماشي في الظلمة وبيحاول يفتكر شكل الطريق. بس لو سألت أي حد يعرفني هيقولك إن أنا عمر، أكتر واحد ممكن يقنعك إنه عايش بدماغ فاضية رغم إنها مليانة. أسلوبي دايمًا ساخر، مش عشان أنا شخص خفيف الظل زي ما الناس بتحب تقول، لا خالص، هو ده أسلوبي في الهروب. الهروب من واقع أنا مش فاهمه ولا قادر أواجهه.
رجعت من شغلي النهارده – اللي هو الحقيقة مش شغل بمعنى الكلمة، مجرد شوية حاجات بعملها عشان أجيب قرشين أعيش بيهم. كنت واقف في ميكروباص مع شوية ناس بيتخانقوا على أي حاجة، كل واحد فيهم عنده أزمة أكبر من التاني. ولما وصلت البيت، لقيت أمي قاعدة في الصالة بتتفرج على مسلسل من النوع اللي بيتكرر فيه كل مشهد عشر مرات عشان المشاهد يحس إنه عايش في الحدث.
"إنت جيت يا عمر؟" قالتها بنبرة عادية جدًا، لكن أنا عارف إنها مستنية أفتح الموضوع اللي بنهرب منه كل يوم. أنا مش فاكر آخر مرة قعدت معاها واتكلمنا بجد عن أي حاجة. بعد وفاة أبويا، وهي بقيت بتعيش على ذكرياته أكتر من عيشها معايا.
قربت منها وقلت: "آه جيت. طب في أكل؟ ولا هنبدأ نظام الصيام ده النهارده؟"
ضحكت وقالت: "صيام؟ إحنا أصلاً مش بناكل عشان نصوم."
رديت وأنا برمي شنطتي على الكنبة: "و**** ده أحسن. بدل ما نتخانق كل يوم ع الأكل."
---
الأكل كان بسيط جدًا، زي ما هو دايمًا. شوية فول وعيش ناشف. أكلنا من غير ما نتكلم كتير، وبصراحة، أنا كنت سعيد إنها ما فتحتش موضوع الجواز ولا الشغل ولا أي حاجة. هي بتحاول تحسسني إنها مش مهتمة، لكن الحقيقة إن نظرتها لي وأنا بأكل بتقول إنها شايلة همّي أكتر من نفسها.
بعد الأكل، دخلت أوضتي اللي هي أصلاً مش أوضة بجد، مجرد مساحة صغيرة فيها سرير ومكتب قديم متبهدل. كنت دايمًا بحس إن الأوضة دي أشبه بسجن، مش عشان هي وحشة، لكن لأنها كانت المكان الوحيد اللي بشوف فيه كل اللي حصل في حياتي بيعدي قدامي زي فيلم. كل ليلة، نفس المشاهد: أمي وهي بتعيط يوم وفاة أبويا، أنا وأنا واقف في الجامعة قدام لوحة النتائج اللي مكتوب عليها إني راسب، وصورة نادين… اللي عمرها ما غابت عن بالي، رغم إن المفروض أكون نسيتها من زمان.
نادين كانت أقرب حاجة للسعادة في حياتي، لكن زي كل حاجة حلوة، خلصت قبل ما أستوعب إنها كانت موجودة.
---
بعد شوية، قررت أخرج أغير الجو. لابست هدومي وقلت لأمي: "هخرج شوية أغير المود."
ردت عليّ: "غير المود إيه؟ بلاش تخرج، خلي بالك الدنيا بقت خطر."
"ما تقلقيش، أنا هروح أقعد على القهوة وراجع على طول."
خرجت وأنا بفكر إن حياتي كلها ممكن تلخصها في مشوار من البيت للقهوة والعكس. لكن اللي حصل النهارده كان مختلف. وأنا ماشي في وسط البلد، عينيا وقعت على شارع جانبي صغير عمر ما لاحظته قبل كده. الفضول شدني، وقلت أجرب أمشي فيه.
الشارع كان هادي بطريقة غريبة، كأن الزمن وقف هنا. مفيش ناس، مفيش عربيات، بس فيه هدوء… الهدوء اللي بيخوف أكتر ما يريح. وأنا ماشي، لقيت نفسي قدام باب خشب قديم، واللافتة فوقه مكتوب عليها: "مطعم النسيان".
ضحكت وقلت لنفسي: "ده إيه الهزار ده؟ هو الناس وصلت لمرحلة إنها تعمل مطاعم للناس اللي عايزة تنسى؟" الباب كان مفتوح شوية، وصوت موسيقى هادية طالع منه. فضولي كان أقوى مني، دخلت وأنا بحاول أفهم إيه الحكاية.
---
المكان كان غريب. الترابيزات معمولة من خشب تقيل، والأباجورات نازلة من السقف بإنارة خافتة، والحيطان عليها صور لناس مجهولين. الغريب إن الصور كانت كلها لناس بتضحك، لكن مع الوقت حسيت إن الضحك ده مش حقيقي. كأنهم بيتصنعوا السعادة.
قربت من الكاونتر، لقيت راجل كبير في السن، لابس بدلة شيك وشعره أبيض، بيبصلي بابتسامة هادية. قال: "أهلاً يا عمر."
اتصدمت: "إنت عرفت اسمي إزاي؟"
رد بابتسامة أغرب: "أنا هنا عشان أساعدك. المطعم ده معمول لناس زيك، ناس عايزة تنسى."
طبعًا ضحكت: "بص يا باشا، أنا مش محتاج أنسى، أنا أصلاً مش فاكر حاجة."
رد بهدوء: "أنت بتضحك عشان خايف. بس جرب مرة تصدقني."
حط قدامي منيو، وأنا متوقع ألاقي أكلات غريبة. لكن المنيو كان مختلف. بدل الأكل، كانت مكتوبة فيه حاجات زي:
"أكتر يوم كنت سعيد فيه."
"أكتر موقف كسرك."
"ذكرى أول حب."
---
بصيتله باستغراب: "هو ده إيه؟ منيو مشاعر؟"
قال: "كل حاجة هنا بتديك فرصة تمسح ذكرى معينة من حياتك. اللي بتنساه مش هيرجع."
بصراحة، حسيت إن الموضوع مجرد لعبة تسويق ذكية. لكن الفضول دفعني أجرب. اخترت ذكرى مكتوب عليها: "أكتر موقف محرج حصل لك." فكرت، لو نسيت حاجة زي كده مش هخسر كتير.
جابولي طبق صغير شكله عادي جدًا. أكلت منه وأنا مستغرب، وبعد لحظة، حسيت بدوخة خفيفة. لما صحيت، حسيت إن في حاجة اتغيرت. حاولت أفتكر الموقف المحرج اللي كان بيطاردني كل يوم، لكن مش لاقيه. كأنه ما حصلش.
---
وأنا خارج من المطعم، فضلت أفكر: هل فعلاً ده حقيقي؟ هل ممكن أنسى كل حاجة مؤلمة بالطريقة دي؟ لكن السؤال الأهم كان: إيه اللي ممكن أخسره لو فضلت أرجع هنا؟
رجعت البيت، لقيت أمي قاعدة زي ما تركتها. سألتني: "خرجت فين؟"
رديت عليها بنفس السخرية: "مطعم جديد. بيعمل حاجة اسمها نسيت-وجبة."
ضحكت وقالت: "إنت دماغك خربانة. تعبتني."
ضحكت وأنا بدخل أوضتي، لكن جوايا كان فيه ألف سؤال. أكمل أروح المكان ده؟ ولا أسيبه وأرجع لحياتي العادية؟ لكن الحقيقة كانت واضحة… أنا مكنتش عايز حياتي العادية.
---
الجزء الثاني:
"يا سيدي، الحكاية دي بدأت يوم ما قرر عمّ عوض يركب العجلة بعد 20 سنة قاعد على الكنبة... بس قبل ما أقولك إيه اللي حصل، لازم تعرف إن عمّ عوض ده أكتر واحد **** رزقه بحظ غريب في الكوكب ده. يعني لو فيه 100 شخص هيعدّوا من جنب حفرة، هو الوحيد اللي هيقع فيها ويلاقي فيها جنيه وشوال بطاطس! فا جهّز نفسك عشان اللي هتحكيهولك دلوقتي لا عقل يقبله ولا منطق!"
أنا شخص بطبيعتي ماشي بمبدأ "ماشي بالبركة"، لكن بعد اللي شفته في مطعم النسيان، الحياة قررت إنها تفاجئني بأغرب حاجة شفتها في حياتي. لما خرجت من المطعم المرة اللي فاتت، كنت فاكر إني هقدر أكمل حياتي عادي، لكن واضح إن الموضوع مش بسهولة دي.
---
اليوم بدأ بنفس الملل المعتاد. صحيت على صوت أمي وهي بتزعق: "عمر! قوم شوف فين بائع الفول، أنا مش عارفة أطبخ حاجة."
"حاضر يا أمي، دقيقة." قلتها وأنا بطولها عارف إن "الدقيقة" عندي ممكن تبقى ساعة.
خرجت وأنا أصلاً ما فيش في دماغي أجيب فول ولا أي حاجة. كنت متجه ناحية الشارع الجانبي اللي فيه المطعم. مش عارف ليه، لكن حسيت إن اليوم هيبقى مثير.
وأنا في نص الطريق، قابلت رامي. كعادته، قاعد على القهوة الصبح بدري، كأنه موظف بدوام كامل في "مكتب الاسترخاء".
"يا نجم، مش حاسس إنك بتدوس في مكان غلط؟" سألني وهو بيضحك.
"ما تقلقش، لو في حاجة غلط أنا أول واحد هسيبها تمشي لوحدها."
---
وصلت الشارع الجانبي، نفس الهدوء الغريب اللي مفيش أي منطق وراه. دخلت المطعم، وكنت مستعد لأي حاجة. الراجل العجوز كان واقف بنفس الابتسامة اللي تحسها مطبوعة على وشه.
"رجعت يا عمر." قالها وكأنه كان مستنيني.
"رجعت طبعًا. هو أنا لاقي مطاعم كتير بتمسح الذكريات؟"
"إنت بتستمتع بالتجربة أكتر من أي زبون شوفته."
قعدت على نفس الترابيزة، وبدأت أقلب في المنيو. بصراحة، المرة دي كنت عايز حاجة تقلبلي حياتي رأسًا على عقب. لقيت بند مكتوب:
"أغرب موقف واجهته في حياتك."
"طيب ده شكله هيخليني أعيش فيلم رعب، بس ماشي." قلتها وأنا باختار الطبق.
---
جابولي الطبق المعتاد، لكن طعمه كان مختلف عن كل مرة. ما لحقتش أفكر كتير، لأني فجأة لقيت نفسي في موقف غريب جدًا:
كنت قاعد في ميكروباص مليان ناس غريبة، كل واحد فيهم بيتكلم عن قصة حياته. أول واحدة قالت: "أنا كنت ممثلة شهيرة، لكن قررت أسيب الشهرة عشان أفتح محل فلافل."
طبعًا، ضحكت بصوت عالي وقلت: "شهرة إيه اللي بتسيبيها عشان فلافل؟ ده أنا مش لاقي وظيفة أصلاً!"
ردت بهدوء: "بس أنا كنت سعيدة."
---
رجعت فجأة للحاضر، والراجل العجوز بيبص لي بابتسامة: "استمتعت بالتجربة؟"
"استمتعت؟ أنا حسيت إني في كابوس كوميدي."
"كل واحد بياخد اللي يستحقه من الذكريات. بس خلي بالك، كل اختيار ليه تأثيره."
---
وأنا خارج من المطعم، وقفت عند الباب وفكرت: هل أنا فعلاً محتاج أستمر في التجارب دي؟ لكن قبل ما أكمل التفكير، لقيت واحد من زمايلي القدامى في المدرسة، كريم، بيعدي.
"إيه يا عمر؟ إنت فين؟ مختفي بقالك سنين."
طبعًا، حاولت أتهرب منه: "أيوة، الدنيا لاهية وكلنا مشغولين."
لكن كريم كان مصمم يجرني لقعدة طويلة، وأنا ما كنتش في المود. قلت له: "بص يا كريم، أنا عندي مشوار دلوقتي، ممكن نتقابل قريب؟"
رد بتردد: "ماشي، بس مش هتفلت مني المرة الجاية."
---
رجعت البيت، وأمي كعادتها كانت بتتفرج على مسلسل، لكن المرة دي كانت قاعدة بتبكي.
"إيه يا أمي؟ مين اللي مات في الحلقة دي؟"
ردت: "ما حدش مات، بس البطل قرر يسيب البطلة عشان عايز يعيش لنفسه."
"يا سلام! يعني حتى في المسلسلات الناس مش بتعرف تعيش حياتها بسلام؟"
ضحكت، لكن كنت حاسس إنها بتعيط عشان حاجة أعمق من كده. حسيت بتأنيب الضمير وقلت: "تعالي، نحضر حاجة خفيفة بدل الدراما دي."
"طب إنت بتفكر في حياتك؟ لسه صغيرة يا عمر."
"ما تقلقيش، أنا عندي خطة جهنمية."
---
دخلت أوضتي، وحاولت أفكر في الخطوة الجاية. المطعم ده مش مجرد مكان بتمسح فيه الذكريات. هو كأنه اختبار، وكل اختيار فيه بيقربني من حاجة مش واضحة. لكن اللي كان واضح إن حياتي بقت مرتبطة بيه بشكل أو بآخر.
السؤال الحقيقي بقى: إيه اللي هيحصل لو قررت أمسح أكبر ذكرى مؤلمة في حياتي؟
قررت أروح للمطعم مرة تانية عشان أكتشف أكتر.
حياتي في الطبيعي زي فيلم ملوش سيناريو. ماشي بالبركة وبحاول أضحك على كل حاجة تحصل لي، بس المطعم الغريب ده خلاني أحس إنني داخل فيلم خيال علمي بميزانية قليلة. بعد ما رجعت من هناك لأول مرة، كنت بحاول أقنع نفسي إن كل اللي حصل كان حلم، أو تأثير سندوتش الفول اللي كلته الصبح. لكن الحقيقة إن المطعم كان بيلعب في دماغي.
---
صحيت يوم جديد بنفس المزاج الغريب، مع صوت أمي وهي بتزعق:
"عمر! قوم شوف مين اللي خبط الجرس. ده أكيد بائع الفول، وأنا مش طابخة النهارده."
طبعًا، ده إعلان رسمي إن اليوم هيبدأ بسيناريو عشوائي زي كل يوم. فتحت الباب، لقيت جارنا رامي، الشخص الوحيد اللي حياته أكثر فوضوية من حياتي، واقف بتيشيرت عليه صورة فريق برشلونة، وممسك بكيس شبسي:
"يا نجم! فين كنت؟ بقالك أسبوع مختفي."
قلت له: "مختفي إيه يا عم؟ كنت في رحلة داخل نفسي."
رامي بص لي بتريقة: "ده شكل رحلة؟ ولا كنت بتلعب في كوكب تاني؟"
---
حاولت أتهرب بسرعة وأنا لابس هدومي، وقلت لأمي: "هخرج شوية يا أمي، الجو برة محتاج حد زيه يفهمه."
"إنت بتخرج ليه كل يوم؟ مش شايف إن حياتك كلها بقت خروج بدون عودة؟"
رديت وأنا بابتسم: "لا تقلقي، دايماً برجع… مؤقتاً!"
---
وأنا في الطريق، قررت إني لازم أروح المطعم الغريب ده مرة تانية. المرة الأولى كانت مجرد مقدمة، لكن أنا مش من النوع اللي يسيب حاجة نصها فايت. وصلت الشارع الجانبي، وهناك بدأت الأمور تبقى أغرب.
شارع فارغ تمامًا، مع إن باقي المنطقة مليانة ناس وعربيات. حسيت للحظة إني داخل في بوابة لعالم موازي، لكن فضولي كان أقوى من خوفي. دخلت المطعم، والراجل العجوز كان قاعد بنفس الابتسامة اللي تقدر تحطها كإيموجي على واتساب.
"رجعت يا عمر. كنت عارف إنك مش هتبعد كتير."
"واضح إنك بتقرأني كويس. أو يمكن عندك كاميرات في البيت."
ضحك وقال: "لا، بس أنا فاهمك أكتر مما تتخيل."
قعدت على نفس الترابيزة اللي حسيت إنها ملكي رسميًا. المنيو كان قدامي، لكن المرة دي كان فيه بنود جديدة.
---
"إيه رأيك في البند ده؟" قال العجوز، وأشار إلى جملة مكتوبة بلون ذهبي:
"أكتر ذكرى مش قادر تسامح نفسك عليها."
وقفت دقيقة أفكر. أنا بطبعي شخص مش بيحب يفكر في حاجات مؤلمة، لكن السؤال كان بسيط: لو نسيت الحاجة دي، هل حياتي هتتحسن؟
قلت له: "ماشي، خليني أجرب. أنا جايلك هنا أصلاً عشان المغامرة."
جاب لي طبق شكله مختلف. كان عليه ورود صغيرة وكأنه معمول لشخص في مسلسل درامي. أكلت وأنا منتظر الصدمة، وفعلاً، الصدمة جات.
---
لقيت نفسي فجأة في يوم كنت ناسيه تمامًا. يوم ما دخلت الجامعة لأول مرة، وكل الناس حواليّ كانوا مبسوطين. بس أنا؟ كنت قاعد في الركن، بحاول أخبي إحساسي إني مش في المكان الصح. فكرت في قد إيه كنت حاسس بالوحدة وقتها، حتى لما الناس حاولت تقرب مني.
المشهد اتغير بسرعة، زي فيلم سريع، وافتكرت اللحظة اللي خسرت فيها فرصة شغل كبيرة عشان اخترت أسخر من المدير في مقابلة شخصية.
لما رجعت للحاضر، حسيت بفراغ غريب. الذكرى اختفت، لكن الشعور بالذنب اللي كان بيصحبها برضه اختفى.
---
"إيه رأيك؟" قال العجوز بابتسامة.
"رأيي؟ المكان ده لازم يتحط على خرائط جوجل!"
ضحك وقال: "كل واحد بيشوف المكان بطريقته. لكن خلي بالك، كل ذكرى بتنسيها بتسيب فراغ ممكن ما تعرفش تملأه."
---
وأنا خارج، سمعت صوت غريب، كأن حد بينادي اسمي. وقفت في نص الطريق، وبصيت حواليا. ما كانش فيه حد، لكن فجأة، حسيت إنني مراقب.
رجعت البيت، وأمي كالعادة كانت قاعدة بتتفرج على مسلسل. لما دخلت، بصت لي وقالت: "إنت بتقضي وقتك في إيه يا عمر؟"
"يا أمي، أنا بكتشف أسرار العالم."
ضحكت وقالت: "أسرار إيه؟ ده أنا مش فاهمة حتى سر خروجك كل يوم."
---
دخلت أوضتي، وقعدت أفكر في كل اللي حصل. المطعم مش مجرد مكان بيمسح الذكريات. ده أكتر من كده بكتير. حسيت إنني بدأت أفهم نفسي أكتر، أو يمكن أقل.
وقبل ما أنام، قررت إنني لازم أرجع مرة تانية. لكن المرة دي مش عشان أنسى… المرة دي عشان أفهم ليه أنا الوحيد اللي يقدر يدخل المكان ده.
إضافة أحداث كوميدية ومواقف غير متوقعة:
في اليوم التالي، وأنا واقف قدام المطعم، قررت أعمل تجربة جديدة. كنت متأكد إنني لو حكيت لأي حد عن المكان ده، هيقول عليّ مجنون، لكن الفضول قتلني. حاولت أصطحب رامي معايا، عشان أشوف لو يقدر يشوف المطعم أو لأ.
"رامي، تعالى معايا، فيه مكان لازم تشوفه!"
"إيه يا عمر، اكتشفت كنز ولا بتخدعني؟"
سحبته من القهوة وودّيته الشارع الجانبي. وقفت قدام المطعم وأشرت له:
"شايف المطعم ده؟"
رامي بص لي باستغراب: "مطعم إيه يا نجم؟ ده فيه حيطان بس!"
ضحكت بصوت عالي: "إنت أكيد ما نمتش كويس. المطعم هنا قدامك!"
لكن رامي فعلاً ما شافش حاجة. وقفت أفكر: ليه المكان ده مش ظاهر لحد غيري؟
---
دخلت لوحدي، والعجوز كان مستني كأنه عارف اللي حصل.
"حاولت تجيب حد معاك، صح؟"
"هو إنت عندك عرافين هنا ولا إيه؟ أيوة حاولت، لكن شكله المطعم ده معمول لي أنا بس."
"بالضبط، المكان ده بيظهر للأشخاص اللي محتاجين يفهموا حاجة عن حياتهم. إنت مش جاي تهرب، إنت جاي تدور على إجابات."
المرة دي طلبت حاجة جديدة من المنيو. حاجة اسمها:
"أغرب قرار خدته في حياتك."
وأنا بأكل، لقيت نفسي فجأة في موقف غريب جدًا. كنت لابس بدلة، وواقف قدام ناس كتير بيتكلموا بلغة غريبة. اكتشفت إنني كنت في حفل تكريم لشخصية مشهورة، والغريب إنني أنا اللي كنت الشخص المشهور!
واحد وقف وقال: "شكراً لعمر على إنقاذه الكوكب!"
رجعت للحاضر وأنا بضحك. سألت العجوز: "إيه الفيلم الخيالي ده؟"
قال لي بابتسامة غامضة: "يمكن ده دليل على إنك تقدر تبقى أكتر من اللي أنت عليه دلوقتي."
---
في نهاية اليوم، حسيت إنني دخلت دوامة جديدة. بين الكوميديا اللي عايشها واللحظات الغريبة اللي بيقدمها المطعم، كنت متأكد إن اللي جاي هيبقى أغرب بكتير. السؤال الوحيد اللي في دماغي دلوقتي: هل المطعم ده هيغير حياتي فعلاً؟ ولا أنا مجرد بعيش مغامرة مفيش ليها تفسير؟
"بس قبل ما أقولك النهاية العظيمة دي، خليني أقولك إن أنا موقفي صعب، أيوة صعب جدًا، عشان مستني رأيك في الحكاية. فلو عجبتك، قولي: 'عظمة على عظمة يا كاتب الكوميديا العالمي!' ولو ما عجبتكش... طيب استنى شوية، خد نفس، وقولي برضه، بس بالراحة، عشان قلبي حساس ومش ناقصني!"
سلااام
الجزء الثالث من مطعم النسيان لعنةالزمن
لو كنت فاكراً إن حياتك مشوقة أو مليانة مغامرات، يبقى واضح إنك ما قابلتش "مطعم النسيان". ده مش مطعم عادي زي كل المطاعم اللي بتروحها، ولا حتى في الحواديت. ده مكان فيه نكهة جديدة: نكهة الهروب من الماضي، وتذوق لحظات عمرك اللي كنت عايز تنساها... أو في بعض الأحيان، تندم إنك فكرت فيها من الأساس.
كنت فاكر إني بس داخل مطعم علشان أخلص نفسي من شوية ذكريات زي أي شخص طبيعي، لكن في الحقيقة، دخلت لعالم تاني مليان بالأسئلة والمواقف اللي هتخليك تسأل نفسك: "هل أنا جاي آكل ولا جاي أواجه الحياة؟" وبالطبع، الموضوع مش هيمشي بسهولة، خاصةً لما تكتشف إن المطعم ده مش بس بيقدم أكلة، لكن كمان بيقدّم فرصة رائعة للذكريات اللي ما كناش عايزين نتذكرها.
في الجزء دا، عمر مش هيتغير زي ما أنتوا متخيلين، لأ، هو لسه نفس الشخص اللي بيهرب من كل حاجة، لكن هتكتشفوا إنه مش بس بيهرب عشان يضحك الناس، لكن كمان لأنه بيخبي حاجة جوا قلبه. والحاجة دي؟ ده سر المطعم اللي مش هتقدر تكتشفه بسهولة.
هل عمر هيتعلم من أخطائه؟ هل هيقدر يواجه حاجات تانية كان مش قادر يشوفها؟ تابعونا في الجزء الثالث عشان نشوف الحياة بتعمل معاه إيه لما بيقرر يواجهها بدل ما يهرب منها، أو يمكن... يهرب لحد ما ينسى؟
الحياة، زي ما قلتلك قبل كده، ما كانتش أكثر من مشوار مكرر من البيت للقهوة والعكس. لكن بعد ما دخلت "مطعم النسيان" في الجزء اللي فات، لقيت إن العالم دا مش دايمًا زي ما الواحد فاهمه. الشوارع اللي كنت بتمشي فيها كل يوم صارت مليانة أسرار وأنا مش عارف إذا كان ده شيء مزعج أو مثير. زي أي حاجة بتحصل بسرعة، فكرت إني لو مشيت ورا فضولي هلاقي حاجات مش عايز أكتشفها، لكن برضه لو مفيش حد تاني بيكتشفها، مين هيتعلم عن كل ده؟
في اليوم اللي بعد ما رجعت من المطعم، كنت قاعد زي ما هو الحال، على الكنبة في البيت، دماغي شغالة بسرعة عشان أفهم إيه اللي حصل. الفكرة إنني كنت فاكر أن "النسيان" ده مجرد لعبة، زي أي حاجة جديدة بتجذب الفضول. لكن، لحد ما الموضوع ده بدأ يبقى أخطر من كده، أنا بدأ فعلاً أصدق إن فيه حاجة غريبة بتحصل.
قررت أروح تاني اليوم ده للمطعم، بس مش عشان النسيان برضه، أنا كنت عايز أكتشف إيه سر المكان ده. لأنه مش معقول الناس تروح تشتري ذكرى، وكأننا في مزاد للبشر.
وصلت، ولقيت الباب زي ما هو مفتوح شوية، بس المرة دي حاسس إن المكان مش زي ما كان. حسيت إن في حاجة مش مظبوطة. دخلت وسمعت نفس الموسيقى الهادية، بس بقى في حاجة غريبة في الجو. لمحت نفس الرجل الكبير اللي قابلني المرة اللي فاتت، وكان واقف عند الكاونتر. أول ما شافني، ابتسم وقال: "أهلاً يا عمر."
مفيش حاجة جديدة هنا، لكن المرة دي حسيته كان فيه شيء مختلف في نظرته. ابتسمت أنا بردة وقلت: "أنت مش هتكتفي بتعريف نفسك مرة واحدة؟"
قال وهو يرمش بعينه: "في المكان ده، كل لحظة بتكون جديدة. أنت مش هتحتاج لاسم ولا حاجة تانية."
حسيت إن ده بداية لشيء أكبر. قبل ما أتكلم، لقيته بيحط قدامي منيو تاني، لكن مش زي المرة اللي فاتت. المرة دي كان فيه حاجات تانية غريبة مكتوبة فيه:
"هل كنت مستعد لقراراتك؟"
"أنت عارف ليه أنت موجود هنا؟"
"إيه هو أعظم قرار في حياتك؟"
ضحكت وأنا متأكد إنه مفيش حاجة جادة في الموضوع، وقلت: "هل ده قائمة أكل ولا قائمة اختبار نفسي؟"
ابتسم وقال: "تقدر تشوفها زي ما تحب، لكن هنا هتتعلم أشياء عن نفسك ما كنتش تعرفها."
بصيت في المنيو وأنا عمال أفكر في الخيار الأول اللي هختاره، وأخيراً قررت أختار: "أنت عارف ليه أنت موجود هنا؟" حسيت إنه سؤال غريب، وأنا مش عارف ليه اخترته. ممكن عشان كنت عايز أعرف.
جاب لي طبق صغير، شبه اللي جابوه لي المرة اللي فاتت، بس المرة دي كان فيه رائحة غريبة تطلع منه. خدته وبدأت آكل، وكل قضمة كنت حسس إن فيه حاجة مش طبيعية، لكن مش قادر أفهم إيه بالضبط. بعد شوية، حاسة قوية من الدوخة ضربتني، وبدأت الدنيا تدور قدامي. حسيت إني هسقط، لكن حاولت أتماسك.
في اللحظة دي، نزلت من على الكرسي، وحاولت أمشي على الأقل لغاية الباب، لكن قبل ما أخرج، رجعت تاني للكاونتر. لقيته مبتسم وهو بيقول لي: "أنت دلوقتي فاهم السؤال؟"
طبعًا، في اللحظة دي، بدأت أستوعب إن الإجابة مش مجرد كلمة، دي حياة كاملة. هنا، أنا مش بس جاي علشان أنسى حاجة، لكن عشان أتذكر كل شيء مهم كان في حياتي، وكل شيء أنا اخترت أتجاهله.
لكن اللي ما كنتش عارفه، إن فيه سر كان مخبأ، وكل جزء من اللعبة دي كان له هدف. اللي عرفته بعد كده هو إن المطعم ده مش مجرد مكان، ده تجربة... تجربة كانت موجهة لناس زيي، ناس مش قادرين يتعاملوا مع الماضي.
---
بعد ما خرجت من المطعم، مشيت بخطوات ثقيلة كأني مش عايز أصدق أي حاجة حصلت. ولكن، في الوقت نفسه، كنت حاسس بشيء غريب زي ما لو كنت بدأت أفهم حاجة عن نفسي ما كنتش فاهمها قبل كده. المواقف الكوميدية بقت أكتر، وابتديت ألاحظ حاجات غريبة في تصرفاتي. كل مرة كنت أفكر في حاجة، لقيتها بتكون مش هي نفسها لما كنت أعرفها.
مرة تانية، لما رجعت البيت، كانت أمي زي ما هي، قاعدة قدام التلفزيون، زي ما هي دايمًا. حاولت أتكلم معاه، بس قلت لها: "أمي، لو كان عندك خيار تنسي كل حاجة حصلت في حياتك، كنت هتعمليها؟"
ردت بدهشة: "انت مالك يا عمر؟ إنت مش عارف تبقى هادي شويه؟"
ضحكت وقلت: "لا، بس أنا لو ناسي حاجة، مش هخسر حاجة تانية."
لكن الحقيقة، في داخلي، كنت عارف إن الإجابة على سؤالي كانت أكتر من مجرد لعبة. في المطعم ده، النسيان مش مجرد راحة، ده كان نوع من الخداع.
في الوقت ده، لقيت نفسي مش قادر أوقف التفكير في المطعم والمكان الغريب ده. بمرور الوقت، شعرت إن كل حاجة حولي بتتغير، لكن إزاي؟ ده كان هو السؤال اللي ما لقيتش له إجابة. كان فيه سر في المكان ده، وسر في الأسئلة، وأنت مش هتعرف الحقيقة لحد ما تكتشف كل حاجة.
---
اللي حصل بعد كده هو شيء ما كانش في الحسبان. في يوم من الأيام، قررت إني هروح تاني المطعم ده. كنت عايز أفهم السر. وبعدين كنت هتغير أكتر.
"مطعم النسيان: لعبة الزمن"
الفضول كان بيقتلني. بعد الزيارة الأولى لمطعم النسيان، كنت حاسس إن في حاجة مش مظبوطة، حاجة أكبر من مجرد أكلة غريبة أو ذكريات بتروح وتجي. لكن الأسئلة بدأت تدور في دماغي بشكل مش طبيعي. أنا ماكنتش عارف أتحكم في اللي بيحصل لي، وكل اللي كنت عارفه هو إني لازم أروح تاني علشان أفهم أكتر.
اليوم ده، قررت أروح تاني، مش عشان أطعم الذاكرة أو أشتري لحظة من الماضي، لكن علشان أفهم سر المكان ده. كل خطوة كنت بخطوها وأنا رايح، كان عندي إحساس غريب. كنت حاسس إن المكان ده هيفتح لي أبواب تانية، أبواب مش كنت متخيل إني هقدر أواجهها. لكن أنا في النهاية شخص مغامر، لسه بضحك في وسط الدوامة دي كلها.
وصلت للمطعم، وكان نفس المشهد، الباب اللي شوية مفتوح، والموسيقى الهادئة اللي مش عارف هل هي تهديني ولا بتزيدني توتر. دخلت، والجو كان زي ما هو. نفس الراجل الكبير قاعد وراء الكاونتر. كان مبتسم، بس ابتسامته كانت مليانة غموض.
قال لي: "أهلاً بيك يا عمر، أنت مش هتخاف تاني؟"
ضحكت وأجبته: "هو إنت مش هتكتفي بالكلام ده؟ لو فضلت تردد فيه، هنسى ليه جيت في الأساس."
هو قال: "ما فيش مشكلة لو نسيت، بس المرة دي هتكتشف إن كل حاجة مش زي ما أنت فاكرها."
نظرت للمنيو اللي كان قدامي، وهو كان مش زي المرة الأولى. المرة دي كانت أكثر تعقيدًا. كأنني كنت داخل في مغامرة حياة. كنت عايز أضحك على نفسي، لكن في نفس الوقت كنت خائف.
المنيو كتب عليه:
"هل أنت مستعد لفتح أبواب الماضي؟"
"هل لديك الشجاعة لمواجهة قرارك الأكبر؟"
"ماذا لو اخترت أن تعيش في الماضي؟"
طبعًا، أنا كنت قاعد أفكر إذا كان ده كله مجرد نصب. يعني إيه "فتح أبواب الماضي" و"الشجاعة لمواجهة القرار الأكبر"؟ ده مش زي أي منيو شفته في حياتي.
ضحكت وأنا مش قادر أتمالك نفسي، وقلت: "المرة دي هختار 'هل لديك الشجاعة لمواجهة قرارك الأكبر؟' عشان أكيد في حاجة غلط."
جاب لي طبق صغير، وكان فيه شوية فواكه غريبة مش عارف أتعرف عليها. لما بدأت آكل، حسيت إن المذاق كان غريب. فاجأتني المرة دي. مش بسبب الطعم، لكن بسبب الفكرة اللي بدأت تلمع في دماغي. كنت حاسس إني مش لوحدي هنا، وكأن في حد بيشوفني. كان فيه حاجة غريبة في الجو، حاجة مش مرئية لكن حاضرة.
الطبق خلص، وحسيت إن جسمي بيدور. رحت قاعد على الكرسي بسرعة، وكان ضوء المكان بدأ يضيع قدامي. بعد لحظات، حسيت إن أنا في مكان تاني، مش مطعم ولا مكان عادي. حسيت إنني انتقلت لمرحلة تانية، مرحلة فيها كل شيء ممكن. بدأت أفتكر حاجات مش فاكرها من قبل.
الرجل الكبير نظر لي وقال: "أنت الآن شفت القرار، القرار اللي خلتك هنا."
قلت له: "ماذا يعني الكلام ده؟ أنا مش فاهم."
هو ابتسم وقال: "القرار الأكبر هو الخيار اللي تأخذ فيه، واللي سيغير كل شيء في حياتك."
في اللحظة دي، بدأت أتساءل عن كل شيء في حياتي. عن أمي، عن نادين، عن كل شيء كان في الماضي. لكن، أكثر شيء كان بيفكرني هو المطعم ده. المكان اللي كان بيدعيني علشان أنسى، لكن كمان كان بيخليني أواجه كل حاجة كنت عايز أهرب منها.
بعد شوية، قررت أخرج، مش قادر أتحمل أكتر من كده. على الطريق، وأنا ماشي، كنت حاسس إن في حاجة غريبة بقى عندي. وكأني مش بس داخل في لعبة من الماضي، لكن في لعبة مع الزمن نفسه.
وصلت البيت، وكنت مش عارف أقول لأمي إيه. كنت عايز أقول لها إن المكان ده مش مجرد مطعم، لكن كان شيئًا أكبر من كده. كان تجربة، وكأن المطعم نفسه هو اختبار. ابتسمت وأنا دخلت الأوضة، وقلت لها: "أنا رجعت، وأعتقد إني لقيت إجابة على سؤالي."
هي بس بصلتني وقالت: "أنت مش عارف نفسك، يا عمر. بس خلي بالك، الزمن مش هيرحمك."
لكن في داخل قلبي، كنت عارف إن المطعم ده هو التحدي اللي كنت محتاجه. المكان ده كان بيعلمني إزاي أواجه ماضيّ وأعيش معاه. وكل مرة كنت بروح فيها، كنت بحس إني هكمل اكتشاف شيء جديد عن نفسي. ماكنتش عارف إيه هو بالضبط، لكن أنا كنت على وشك اكتشافه.
لكن في النهاية، المطعم ده مش مكان عادي. دي كانت لعبة الزمن، اللعبة اللي هتخليني أختار بين النسيان أو المواجهة. ومع كل خطوة، كنت عارف إن كل مرة هروح، هتغير حياتي للأبد.
نظرت في المرايا في أوضتي، وحسيت إن الشخص اللي كنت أعرفه اختفى. أنا دلوقتي مش عمر اللي دخلت المطعم من أول مرة، أنا واحد تاني، واحد بيكتشف نفسه في عالم مليء بالأسرار. لكن السؤال اللي ظل في عقلي كان: هل المطعم ده فعلاً عايز يساعدني ولا فيه حاجة أكبر بيخبيها عني؟
---
نهاية الجزء الثالث
اتمنى تقول رايك لانه بيشجعني اكمل ولا لاء
---
الجزء الرابع:
المطر كان بيضرب على زجاج العربية بإيقاع منتظم، زي دقات قلب واحد قلقان. أنا راكن قدام المطعم، وباصص من بعيد للشباك المضبب. أنوار المطعم كانت خافتة، بس تقدر تميز الحركة جوه، زي خيالات بتتحرك بين الدخان والضباب. الليل كان مختلف المرة دي، كأن السما مطفيّة لونها. كل حاجة حواليّ ساكتة بشكل مزعج، إلا المطر.
أخدت نفس طويل وقررت أنزل. المطر بللني في ثواني، بس كان دافي بشكل غريب. لما فتحت باب المطعم، الرائحة اللي ضربتني كانت مختلفة عن أول مرة. كان فيه ريحة قوية، مزيج من حاجة محروقة وحاجة معفنة. المكان كان شبه فاضي، إلا من زبونين قاعدين بعيد، ووجههُم مستخبي في الظل. حسيت بإحساس غريب؛ كأن فيه عينين بتراقبني، بس مفيش حد باين.
-"مساء الخير." صوتي طلع متردد وأنا واقف عند المدخل.
خرجت من المطبخ نفس الست اللي قابلتني قبل كده، لكن المرة دي ملامحها كان عليها حاجة غريبة، كأن وشّها ملبس قناع مش حقيقي. ابتسمت لي، بس الابتسامة كانت باردة.
-"أهلا بيك تاني، عمر."
الطريقة اللي قالت بيها اسمي خلت شعر جسمي يقف. أنا ما قلتلهاش اسمي المرة اللي فاتت... صح؟ حاولت أهدي نفسي، يمكن أنا قلتلها ونسيت.
-"كنت عايز أشوف المنيو." قلت الجملة دي عشان أهرب من اللحظة دي.
-"أكيد. تفضل، اقعد على نفس الترابيزة بتاعتك."
مشيت للترابيزة اللي كنت قاعد عليها قبل كده، بس حسيت كأن الأرضية مبلولة، كأني ماشي على حاجة لزجة. لما بصيت تحت، شفت بقعة سودة كأنها زيت، لكن فيها لمعة حمرا خفيفة.
-"مش مشكلة." قلت لنفسي وأنا بحاول ما أفكرش كتير.
جت الست حطت المنيو على الترابيزة، وبصتلي. عينيها كانت أوسع من الطبيعي، والنظرة بتاعتها كأنها بتغوص جوايا.
-"عندنا حاجات جديدة النهارده. تحب تجرب؟"
-"آه... ممكن."
-"ممتاز. استنى شوية، الأكل هيكون جاهز."
ومشيت. الحركة بتاعتها كانت غريبة؛ كأن رجلها ما بتلمسش الأرض. حاولت أقنع نفسي إن كل ده بسبب التوتر أو الإضاءة الضعيفة.
بعد خمس دقايق، رجعت ومعاها طبق مش فاهم هو إيه. كان فيه حاجة زي لحم، لكن شكله مش مألوف، عليه صوص بني غامق. الريحة كانت قوية لدرجة خلتني أحس بدوخة.
-"إحنا بنحب نقدم أكلات مش تقليدية هنا. دي وصفة قديمة جدًا."
حاولت أتكلم، بس لساني كان تقيل. خدت شوكة وبدأت أكل، رغم إن كل حتة في دماغي كانت بتقولي أقوم وأهرب. الطعم كان... غريب. مش سيئ، بس كأن فيه حاجة غلط. فجأة حسيت بحرارة في معدتي، وبدأت أحس بصوت في وداني، زي همس بعيد.
-"طعمها كويس، مش كده؟" سألتني وهي واقفة وبتتفرج عليا.
-"آه... كويس."
بس الحقيقة، كنت حاسس إن جسمي كله بيتقل، وكأن في حاجة بتتسحب مني. لما بصيت حواليّ، المكان كان شكله بيتغير. الأرضية بقت مليانة نفس البقع السودة الحمرا، والحيطان كان عليها تشققات بتخرج منها دخان.
قمت بسرعة، الكرسي وقع ورايا. الست بصتلي بنفس الابتسامة الباردة.
-"مش عايز تكمّل؟ لسه عندنا حاجات أحلى."
-"أنا همشي."
-"مش هتقدر."
الجملة طلعت من بقها زي أمر. لما حاولت أمشي ناحية الباب، حسيت الأرض بتتشبك في رجلي. كأن الأرضية مسكتني، أو... أو كأنها بتشدني لتحت.
-"إنت جيت هنا مش صدفة، عمر. إحنا اخترناك."
صوتها بقى غليظ، كأنه جاي من أكتر من شخص في نفس الوقت. حاولت أصرخ، لكن صوتي ما طلعش. فجأة، الزبونين اللي كانوا قاعدين بعيد وقفوا. لما بصيت عليهم، شفت وشوش مش طبيعية، كأنها مفرودة زيادة، وعنيهم مكانها كان فاضي.
الزبونين قربوا مني بخطوات بطيئة. حسيت إنهم مش ماشيين على الأرض، لكن بيتزحلقوا كأن في حاجة غير مرئية بتحركهم. وشوشهم بتقرب أكتر، وتفاصيلها بتظهر بوضوح. الجلد كان شفاف بطريقة غريبة، والعروق تحت بتتحرك زي ما تكون كائنات صغيرة بتمشي جواهم.
رجعت لورا، بس رجلي كانت لازقة في الأرضية اللزجة اللي تحت مني. حاولت أشد نفسي، لكن كل ما أحرك رجلي، حسيت كأن الأرض بتتمسك بي أكتر.
-"إيه اللي بيحصل هنا؟! إنتو عايزين مني إيه؟!" صوتي أخيرًا طلع، لكنه كان متقطع ومليان خوف.
الست اللي كانت واقفة قدامي ابتسمت. المرة دي ابتسامتها وسعت لدرجة مش طبيعية، وكأن فكها بينشق. صوتها خرج كأنه ريح قوية:
-"إحنا مش بنختار أي حد، عمر. إنت مختلف... روحك فيها حاجة إحنا محتاجينها."
-"روح؟! إنتو بتتكلموا عن إيه؟!"
-"اللي شوفته النهارده مش كل حاجة. دي كانت البداية بس. لازم تكمّل الرحلة، لأنك لو ما كملتهاش... هنكملها إحنا."
في اللحظة دي حسيت بحاجة بتتحرك ورايا. حاولت أبص، لكن كأن رقبتي مش قادرة تتحرك. فجأة، صوت خطوات تقيلة جاي من اتجاه المطبخ. كان فيه حاجة كبيرة جاية ناحيتنا. لما ظهرت من الظل، عيني ما كانتش مصدقة.
حاجة شبه الإنسان، لكن طويلة جدًا، حوالي 3 متر، وأطرافها نحيفة بطريقة مش طبيعية. الجلد كان رمادي، وعليه شقوق زي جلد متشقق. راسها كانت عبارة عن فجوة سودة، زي حفرة بتبلع النور حواليها. الحركة بتاعتها كانت بطيئة، لكن كل خطوة بتعمل صوت زي طقطقة عظام.
الزبونين اللي كانوا قربوا مني وقفوا فجأة، وركعوا قدام الكائن ده، زي ما يكونوا بيعبدوه. الست وقفت مكانها، وابتسامتها بقت أهدى.
-"ده سيد المكان. وهو اللي هيقرر مصيرك."
-"أنا مش عايز أكون جزء من ده!" صرخت، وحاولت أتحرك بكل قوتي.
لكن رجلي كانت غارقة أكتر في المادة السودة اللي على الأرض. فجأة، الكائن مد إيده النحيفة ناحيتي. لما لمسني، حسيت كأن نار بتجري في جسمي. كل ذكرى عندي بدأت تظهر قدام عيني بسرعة، كأن حياتي كلها بتتعرض في ثواني.
لكني شفت حاجة كمان... شفت حاجات مش فاكرها، أو يمكن حاجات مش ليا أصلاً. شفت وجوه غريبة، أماكن مظلمة، وأصوات بتصرخ، كأنها مستنياه أنضم ليهم. في اللحظة دي، فهمت إن المكان ده مش مجرد مطعم، وإن اللي بيحصل مش طبيعي.
---
حاولت أقاوم. كل عضلة في جسمي كانت بتصرخ، لكن حسيت بحاجة جوة عقلي بتقولي: "مفيش مفر، إلا لو استغليت ده." ما فهمتش المقصود، بس ركزت في الفكرة. إيدي كانت أقرب حاجة حرة. مسكت طبق على الترابيزة ورميته ناحيتهم. الطبق ما عملش أي حاجة، لكنه أصدر صوت عالي كفاية ليلفت انتباه الكائن.
اللحظة دي كانت فرصتي. شدت نفسي بكل قوتي. رجلي اتحررت من المادة السودة، لكن الأرض بدأت تهتز تحت مني. الكائن بص ناحيتي، وكأنه ما كانش متوقع إني أحاول أهرب.
جريت ناحية الباب. كل خطوة كانت كأنها على أرضية بتنهار. لما وصلت للباب، حسيته أثقل من أي باب في حياتي. شددته بكل قوتي، وفتح أخيرًا. خرجت برا، المطر كان لسه نازل، لكن الجو بقى أهدى.
جريت للعربية، وشغلتها بسرعة. المراية الخلفية أظهرت المطعم ورايا، لكنه كان مختلف. الأنوار كانت مطفية، والمبنى كأنه أقدم بكتير، زي خرابة. كائن الظل كان واقف عند الباب، لكنه ما خرجش. حسيت إنه بيبصلي رغم إنه ملهوش عينين.
---
وصلت البيت، وأنا مبلول ومش قادر أتنفس. كل حاجة حواليّ كانت عادية، لكنها حسيت بغربة. دخلت الحمام وغسلت وشي، لكن لما بصيت في المراية شفت حاجة خلفية. انعكاس المطعم كان ظاهر ورايا في المراية، رغم إني في البيت.
-"لازم أفهم إيه اللي حصل ده." قلت لنفسي وأنا بحاول أستجمع شجاعتي.
لكن لما خرجت من الحمام، لقيت ورقة على الترابيزة. الورقة كان مكتوب عليها بخط غريب:
"ما ينفعش تهرب، يا عمر. الرحلة لسه ما بدأتش."
--ــتكملة الجزء الرابع – النهاية:
قاومت رعشة الخوف اللي سيطرت عليَّ وأنا ماسك الورقة اللي كان مكتوب عليها الكلام ده. الورقة نفسها كانت غريبة، ملمسها أشبه بجلد جاف، ريحتها زي الحاجات القديمة اللي بتتقلب في مكتبات مهجورة.
المكان حواليا كان هادي، هادي لدرجة تخوف. في العادي، كنت أسمع صوت التلفزيون اللي أمي بتتفرج عليه في الصالة أو صوت خطواتها وهي بتتحرك في المطبخ. لكن دلوقتي، البيت كله صمت.
-"يا ماما؟"
صوتي خرج ضعيف، لكن مفيش رد.
الجملة المكتوبة في الورقة بتدور في دماغي زي شريط مش عايز يقف: "ما ينفعش تهرب، يا عمر. الرحلة لسه ما بدأتش."
رحلة إيه؟! وأساسًا ليه أنا؟ الحكاية دي ليها علاقة بأي حاجة أنا عملتها؟ حاولت أفتكر، لكن مفيش حاجة توضح. كل حاجة كانت ضبابية، مليانة أسئلة من غير إجابات.
---
وأنا واقف في نص الصالة، النور بدأ يومض. المراتب بتاعة النور كأنها بتتقلّب بين العادي وبين شعاع أصفر زي اللي شوفته في المطعم. بعد كده، الصوت بدأ يظهر، نفس الصوت اللي سمعته قبل كده، صوت أنين بطيء، كأنه طالع من بُعد تاني.
-"إيه اللي بيحصل هنا؟!" صرخت.
الأرض تحت رجلي بدأت تبرد. لما بصيت، لقيت المادة السودة اللي كانت في المطعم بدأت تظهر تاني. المرة دي كانت أسرع، وكأنها بتتحرك ناحيتي. قفزت على الكنبة، لكن المادة السودة كانت بتنتشر بشكل مرعب. كل ما تحاول تلمس أي حاجة، الحاجة دي تتحول لنسخة قديمة ومهملة. الكنبة بقت خشب مكسر، الحيطة بقت مشققة، كأن البيت بيتحوّل لمشهد من كابوس.
-"سيبوني فحالي!"
فجأة، الباب اللي بين الصالة والمطبخ فتح. كان مظلم من جواه، لكن كان فيه صوت جاي من جوه: صوت خطوات صغيرة بتمشي بسرعة. الصوت قرب أكتر، وكل خطوة كانت تقيلة زي صدى في دماغي.
بعد ثواني، ظهر... *** صغير، شكله عادي جدًا في البداية، لكن كل ما قرب، التفاصيل بقت أوضح. وشه كان باهت، مش شبه الناس الطبيعيين، وعينيه ما كانش فيها أي لون، مجرد فراغ أبيض. وقف قدامي، وبعدين فتح بقه وقال بصوت أعمق بكتير من أي صوت ممكن يطلع من ***:
-"العرض اتقدّم. ماترفضش."
-"عرض؟! عرض إيه؟!"
-"اختيارك هيحدد. يا تكمّل الرحلة... يا تنضم لينا."
كنت لسه واقف مش فاهم، لكن قبل ما أجاوب، الطفل مد إيده ناحية وشي. في اللحظة دي، حسيت الدنيا كلها بتدوّر. البيت، الصالة، المادة السودة... كل حاجة اختفت.
---
لما فتحت عيني، لقيت نفسي في غرفة ضيقة. الجدران كانت بلون أحمر غريب، زي لون الدم بعد ما يجف. مفيش مصدر نور واضح، لكن الغرفة كانت مضيئة بطريقة مش مفهومة.
كان فيه ترابيزة في النص، وعليها كرسيين. واحد من الكراسي كان فاضي، لكن الكرسي التاني كان قاعد عليه واحد... نفس الكائن الطويل اللي شوفته في المطعم.
بصيت حوالي، مفيش باب ولا شباك، مفيش أي طريقة للخروج.
-"إيه ده؟ أنا فين؟!"
الكائن رفع إيده وأشار للكرسي الفاضي. صوته جه في دماغي مباشرة، من غير ما يحرك شفايفه، كأنه بيتكلم جوا دماغي:
"اجلس."
-"أنا مش عايز أقعد! أنا عايز أرجع بيتي!"
"بيتك؟ ده مش بيتك. ده مجرد محطة في رحلتك. اجلس!"
ما كانش فيه أي خيار. الكرسي اللي أنا عليه بدأ يتحرك لوحده لحد ما قرب من الترابيزة. لما قعدت، الترابيزة قدامي بدأت تتغيّر. بقت مراية كبيرة، وكل لما بصيت فيها، شفت مشاهد غريبة.
المشهد الأول كان لناس بتجري في شارع مظلم. كان فيه صوت زي صفارات إنذار، لكن الناس ما كانوا مش بيتحركوا ناحية الصوت، بالعكس، كانوا بيهربوا منه.
المشهد التاني كان لطفل صغير واقف في وسط أرض فاضية. حواليه كانوا فيه جثث... جثث لناس كتير. الطفل ده كان هو نفسه اللي شوفته في البيت.
المشهد الأخير كان صورتي أنا... لكن مش أنا اللي أعرفه. كنت واقف في مكان مظلم، ماسك حاجة في إيدي. لما ركزت أكتر، لقيت إن الحاجة دي عبارة عن وجه إنسان... مش فاهم إيه اللي بيحصل.
---
الكائن مد إيده، وكان ماسك حاجة. حاجة شبه قلب، لكنها بتتحرك.
"ده مش اختيارك بس يا عمر. ده اختيار الجميع. هل هتكمّل؟"
-"تكمل إيه؟! أنا مش فاهم حاجة!"
"اللي مش فاهمه النهارده، هتفهمه بكرة. الرحلة دي مش بتنتهي بسهولة. لكن لو رفضتها... مش هتعرف تعيش معاها."
-"مش هعرف أعيش مع إيه؟!"
في اللحظة دي، الكائن بصلي بعينه السودة، وكل حاجة حواليا بدأت تختفي تاني. حسيت كأن دماغي بيتسحب لبُعد تاني. صوت الكائن فضل يتكرر:
"اختيارك هيقرر مصيرك... لكن محدش يهرب."
---
صحيت فجأة، وأنا متكوم على الأرض. كنت في الصالة بتاعة البيت، لكن كل حاجة كانت طبيعية. النور شغال، التليفزيون مفتوح على برنامج عادي، وصوت أمي جاي من المطبخ وهي بتحضر الأكل.
قمت بصعوبة، وجريت عليها:
-"يا ماما! إنتي كويسة؟"
-"آه، مالك؟ شكلك تعبان!"
حاولت أشرح اللي حصل، لكن حسيت إن الكلام كان بيتوه مني. كل حاجة كانت زي الحلم، لكن الحلم ده كان حقيقي. بصيت حواليا، مفيش أي أثر للمادة السودة أو الورقة الغريبة.
لكن قبل ما أهدأ، صوت أمي جالي من المطبخ:
-"على فكرة، مفيش فايدة من الهروب."
لما بصيت، أمي كانت واقفة، لكنها مش هي. عينيها كانت نفس الفراغ الأبيض اللي شوفته عند الطفل.
قفلت عيني وحاولت أركز، هل ده حقيقي؟ أمي فعلاً بتتكلم كده؟ لما فتحت عيني تاني، أمي كانت طبيعية. وشها اللي أعرفه، الابتسامة المعتادة:
-"مالك يا عمر؟ شكلك مرعوب. حصل حاجة؟"
-"لأ... لأ، مفيش. بس... كنت أحلم بحاجة غريبة."
ابتسمت بهدوء وقالت وهي بتقلب الملعقة في الحلة:
-"الأحلام ساعات بتكون رسائل... بس مش كل رسالة تستاهل الرد."
الكلام ده سمعته قبل كده. مش منها... لكن فين؟ حسيت برعشة برد بتمر في ضهري، لكن تجاهلتها.
---
يوم جديد؟
حاولت أقنع نفسي إن كل اللي شوفته كان مجرد حلم، مجرد تخيل من عقلي بسبب الضغط، أو يمكن حاجة أكلتها أثرت عليا. قررت أنسى كل ده. يومي بدأ عادي جدًا: قهوة على الترابيزة، كتاب صغير بقرأ فيه، وأمي بتتنقل بين المطبخ والصالة.
لكن بعد الضهر، وأنا بفتح الكمبيوتر، لقيت رسالة على الشاشة، رسالة ماكتبتهاش أنا:
"الرحلة ما بتنتهيش. عمر، الاختيار ليك."
قفلت اللاب بسرعة. ضربات قلبي كانت سريعة جدًا، حسيت إن الهواء نفسه اتقل حواليَّ. جريت ناحية أمي في المطبخ، وكنت لسه هتكلم لما سمعت صوت الباب بيخبط.
بصيت ناحية الباب، ولقيت إن الصوت ما كانش طبيعي. مش مجرد خبط عادي، كان كأنه حد بيخبط بكل قوة، بإصرار غريب.
-"مين؟" سألت بصوت عالي.
مفيش رد. بس الخبط استمر، أقوى وأسرع. أمي كانت واقفة وبتبص ناحيتي كأنها مستنية مني أفتح الباب.
-"ماتفتحش يا عمر."
ده مش صوت أمي... ده الصوت اللي جه من الكائن الطويل. بصيت عليها، لقيت إن وشها بدأ يتغير تاني، وشها بقى مشوش، وعينيها بقت بيضا زي الأول.
-"إنتي مش أمي!"
-"أنا أكتر من مجرد أم. أنا صوت الرحلة... أنا اللي هخليك تختار."
الخبط على الباب وقف فجأة. البيت كله بقى هادي بطريقة تخوف. لما بصيت ناحية الباب، لقيت الظل بتاع *** صغير واقف.
---
الطفل ده فتح الباب من غير ما يلمسه. لما قرب أكتر، كل حاجة في البيت بدأت تتغير: الألوان اتبدلت، الريحة بقت زي رائحة الشجر المحروق، وصوت صفير ريح عالية غطى على أي صوت.
-"عمر، لو فتحت الباب ده، مفيش رجوع. لو قفلته، مش هتعرف تهرب من العواقب."
بصيت حوالي، حاسس إن الأرض تحت رجلي بتختفي. حسيت بالدوخة، حسيت إن كل حاجة بتنهار حوالي.
لكن السؤال فضل يتكرر في دماغي: أفتح الباب... ولا لأ؟
لحظة التردد دي كانت كأنها أبدية. لكن قبل ما أقرر، الطفل بصلي بابتسامة غريبة وقال:
-"هنا دايمًا عندنا طريقة تانية..."
واختفى.
---
داخل غرفة صغيرة جدرانها مطلية بلون رمادي شاحب، جلس عمر على كرسي معدني متهالك. أمامه مكتب خشبي قديم عليه مجموعة من الأوراق ومصباح صغير. الغرفة كانت فارغة إلا من رجل في منتصف العمر يرتدي نظارات طبية وينظر إليه بنظرة حانية.
"عمر... النهاردة هنكمل كلامنا عن اللي كنت بتحسه وقت الحادثة."
رفع عمر عينيه ببطء، وكأن الكلمات خرجت من أعماق ذاكرته المدفونة. "كنت شايف الدنيا كلها بتتحول لظلام. كل حاجة حواليّ بقت مرعبة... وكنت سامع أصوات... زي حد بيصرخ جوا دماغي."
الرجل الذي جلس أمامه هو الدكتور سامح، طبيبه النفسي. منذ سنتين، بدأ عمر جلسات العلاج بعد انهياره الكامل إثر الحادثة التي أودت بحياة والديه. حادثة مروعة تركته وحيدًا، يعيش في عالم من الخوف والهلاوس.
"طب والأصوات دي؟ كنت بتسمعها إمتى؟"
"لما كنت لوحدي... لما كنت بحاول أنام... كان في صوت واحد مميز، صوت *** صغير بيصرخ ويناديني."
توقف عمر للحظة، ثم أضاف: "وبعدين بدأت أشوفه... الطفل ده. كان في كل مكان. في الشقة، في الشارع، حتى في المرايا."
سامح كتب بعض الملاحظات على الورق أمامه. "وعايزك تفتكر، الطفل ده... كنت بتحس إنه بيمثّل إيه بالنسبة لك؟"
"كان... كان الخوف اللي جوايا. كنت حاسس إنه انعكاس للي أنا حاسس بيه. بس ساعتها مكنتش فاهم ده."
تذكر عمر التفاصيل كأنها تحدث الآن. العالم من حوله كان يتفكك، يصبح غير مفهوم. الكائنات الغريبة، الطفل الذي يظهر ويختفي، الباب الغامض الذي كان يقف أمامه في أحلامه المتكررة... كل شيء كان جزءًا من عالمه النفسي المضطرب.
---
في الليلة التي فقد فيها والديه، كان عمر جالسًا في المقعد الخلفي للسيارة. صوت الفرامل الحاد، الضوء الساطع القادم من الشاحنة، ثم الصمت المطبق. استيقظ بعدها في المستشفى ليكتشف أنه الناجي الوحيد. ومنذ ذلك الحين، بدأ يشعر بالعزلة والذنب. لماذا هو الذي نجا؟ لماذا لم يكن قادرًا على إنقاذهم؟
---
مع الوقت، أصبح الشعور بالذنب يتحول إلى هلاوس. بدأ يسمع أصواتًا ويشعر بأشياء غريبة حوله. الباب الذي كان يظهر في أحلامه كان يرمز إلى اختياراته: هل سيظل عالقًا في ماضيه، أم سيواجه مستقبله؟ الطفل الذي يطارده كان جزءًا منه، يمثل خوفه وانعزاله.
---
في جلسة العلاج الأخيرة، طلب منه الدكتور سامح أن يغلق عينيه ويتخيل نفسه يقف أمام الباب الذي يظهر دائمًا في أحلامه. "الباب ده بيمثل حاجات كتير يا عمر. لو فتحته، بتفتح لنفسك فرصة تبدأ من جديد. لكن القرار ليك."
في خياله، وقف عمر أمام الباب. كان مترددًا، لكنه شعر أن الوقت قد حان. وضع يده على المقبض، فتح الباب، ورأى نورًا قويًا يغمره بالكامل.
"أنا فتحت الباب، دكتور سامح." فتح عمر عينيه وقال بابتسامة صغيرة.
الدكتور سامح ابتسم. "ممتاز، عمر. دي خطوة كبيرة جدًا."
من تلك اللحظة، بدأ عمر في تقبل ما حدث. لم يكن الأمر سهلًا، لكنه تعلم أن الماضي لا يمكن تغييره، وأنه يستطيع أن يعيش ويصنع حياة جديدة.
---
العِبرة من القصة:
القصة أصبحت تدور حول مواجهة الأحزان والضغوط النفسية، والتعامل مع مشاعر الفقد والذنب. الرسالة هي أن الشفاء ممكن، حتى لو بدا الألم لا يُحتمل في البداية. الماضي قد يكون ثقيلًا، لكنه لا يجب أن يمنعك من التقدم إلى الأمام.
في كتير جدا مش هيعجبه القصه وده طبيعي جدا لاني اول مره اكتب واسف لو انت شايف القصه مش مشوقه واسف لو كنت مستني نهاية احسن او حسيت ببعض الملل في القرائةولكني كتبت القصه دي عشان كل واحد بيقف عند حاجه معينه سواء حبيبته سابته او حد من اهله مات صحيح الفراق صعب لكن دي سنة الحياة محدش باقي
وبشكر جدا اي حد كان بيشجعني علي القصه وبيقول رايه بكل مصداقيه وبتاسف للنبطشي باشا علي اللفظ اللي قولته واللي قولته بغير قصد و**** لوحده يعلم..................
آلَکْآتٌبً آلَمًتٌوٌآضعٌ ŴĮĎỖŴ ϺÃЌẸŘ
الجزء الاول.........
كانت حياتي ماشية بمنتهى العشوائية، زي واحد ماشي في الظلمة وبيحاول يفتكر شكل الطريق. بس لو سألت أي حد يعرفني هيقولك إن أنا عمر، أكتر واحد ممكن يقنعك إنه عايش بدماغ فاضية رغم إنها مليانة. أسلوبي دايمًا ساخر، مش عشان أنا شخص خفيف الظل زي ما الناس بتحب تقول، لا خالص، هو ده أسلوبي في الهروب. الهروب من واقع أنا مش فاهمه ولا قادر أواجهه.
رجعت من شغلي النهارده – اللي هو الحقيقة مش شغل بمعنى الكلمة، مجرد شوية حاجات بعملها عشان أجيب قرشين أعيش بيهم. كنت واقف في ميكروباص مع شوية ناس بيتخانقوا على أي حاجة، كل واحد فيهم عنده أزمة أكبر من التاني. ولما وصلت البيت، لقيت أمي قاعدة في الصالة بتتفرج على مسلسل من النوع اللي بيتكرر فيه كل مشهد عشر مرات عشان المشاهد يحس إنه عايش في الحدث.
"إنت جيت يا عمر؟" قالتها بنبرة عادية جدًا، لكن أنا عارف إنها مستنية أفتح الموضوع اللي بنهرب منه كل يوم. أنا مش فاكر آخر مرة قعدت معاها واتكلمنا بجد عن أي حاجة. بعد وفاة أبويا، وهي بقيت بتعيش على ذكرياته أكتر من عيشها معايا.
قربت منها وقلت: "آه جيت. طب في أكل؟ ولا هنبدأ نظام الصيام ده النهارده؟"
ضحكت وقالت: "صيام؟ إحنا أصلاً مش بناكل عشان نصوم."
رديت وأنا برمي شنطتي على الكنبة: "و**** ده أحسن. بدل ما نتخانق كل يوم ع الأكل."
---
الأكل كان بسيط جدًا، زي ما هو دايمًا. شوية فول وعيش ناشف. أكلنا من غير ما نتكلم كتير، وبصراحة، أنا كنت سعيد إنها ما فتحتش موضوع الجواز ولا الشغل ولا أي حاجة. هي بتحاول تحسسني إنها مش مهتمة، لكن الحقيقة إن نظرتها لي وأنا بأكل بتقول إنها شايلة همّي أكتر من نفسها.
بعد الأكل، دخلت أوضتي اللي هي أصلاً مش أوضة بجد، مجرد مساحة صغيرة فيها سرير ومكتب قديم متبهدل. كنت دايمًا بحس إن الأوضة دي أشبه بسجن، مش عشان هي وحشة، لكن لأنها كانت المكان الوحيد اللي بشوف فيه كل اللي حصل في حياتي بيعدي قدامي زي فيلم. كل ليلة، نفس المشاهد: أمي وهي بتعيط يوم وفاة أبويا، أنا وأنا واقف في الجامعة قدام لوحة النتائج اللي مكتوب عليها إني راسب، وصورة نادين… اللي عمرها ما غابت عن بالي، رغم إن المفروض أكون نسيتها من زمان.
نادين كانت أقرب حاجة للسعادة في حياتي، لكن زي كل حاجة حلوة، خلصت قبل ما أستوعب إنها كانت موجودة.
---
بعد شوية، قررت أخرج أغير الجو. لابست هدومي وقلت لأمي: "هخرج شوية أغير المود."
ردت عليّ: "غير المود إيه؟ بلاش تخرج، خلي بالك الدنيا بقت خطر."
"ما تقلقيش، أنا هروح أقعد على القهوة وراجع على طول."
خرجت وأنا بفكر إن حياتي كلها ممكن تلخصها في مشوار من البيت للقهوة والعكس. لكن اللي حصل النهارده كان مختلف. وأنا ماشي في وسط البلد، عينيا وقعت على شارع جانبي صغير عمر ما لاحظته قبل كده. الفضول شدني، وقلت أجرب أمشي فيه.
الشارع كان هادي بطريقة غريبة، كأن الزمن وقف هنا. مفيش ناس، مفيش عربيات، بس فيه هدوء… الهدوء اللي بيخوف أكتر ما يريح. وأنا ماشي، لقيت نفسي قدام باب خشب قديم، واللافتة فوقه مكتوب عليها: "مطعم النسيان".
ضحكت وقلت لنفسي: "ده إيه الهزار ده؟ هو الناس وصلت لمرحلة إنها تعمل مطاعم للناس اللي عايزة تنسى؟" الباب كان مفتوح شوية، وصوت موسيقى هادية طالع منه. فضولي كان أقوى مني، دخلت وأنا بحاول أفهم إيه الحكاية.
---
المكان كان غريب. الترابيزات معمولة من خشب تقيل، والأباجورات نازلة من السقف بإنارة خافتة، والحيطان عليها صور لناس مجهولين. الغريب إن الصور كانت كلها لناس بتضحك، لكن مع الوقت حسيت إن الضحك ده مش حقيقي. كأنهم بيتصنعوا السعادة.
قربت من الكاونتر، لقيت راجل كبير في السن، لابس بدلة شيك وشعره أبيض، بيبصلي بابتسامة هادية. قال: "أهلاً يا عمر."
اتصدمت: "إنت عرفت اسمي إزاي؟"
رد بابتسامة أغرب: "أنا هنا عشان أساعدك. المطعم ده معمول لناس زيك، ناس عايزة تنسى."
طبعًا ضحكت: "بص يا باشا، أنا مش محتاج أنسى، أنا أصلاً مش فاكر حاجة."
رد بهدوء: "أنت بتضحك عشان خايف. بس جرب مرة تصدقني."
حط قدامي منيو، وأنا متوقع ألاقي أكلات غريبة. لكن المنيو كان مختلف. بدل الأكل، كانت مكتوبة فيه حاجات زي:
"أكتر يوم كنت سعيد فيه."
"أكتر موقف كسرك."
"ذكرى أول حب."
---
بصيتله باستغراب: "هو ده إيه؟ منيو مشاعر؟"
قال: "كل حاجة هنا بتديك فرصة تمسح ذكرى معينة من حياتك. اللي بتنساه مش هيرجع."
بصراحة، حسيت إن الموضوع مجرد لعبة تسويق ذكية. لكن الفضول دفعني أجرب. اخترت ذكرى مكتوب عليها: "أكتر موقف محرج حصل لك." فكرت، لو نسيت حاجة زي كده مش هخسر كتير.
جابولي طبق صغير شكله عادي جدًا. أكلت منه وأنا مستغرب، وبعد لحظة، حسيت بدوخة خفيفة. لما صحيت، حسيت إن في حاجة اتغيرت. حاولت أفتكر الموقف المحرج اللي كان بيطاردني كل يوم، لكن مش لاقيه. كأنه ما حصلش.
---
وأنا خارج من المطعم، فضلت أفكر: هل فعلاً ده حقيقي؟ هل ممكن أنسى كل حاجة مؤلمة بالطريقة دي؟ لكن السؤال الأهم كان: إيه اللي ممكن أخسره لو فضلت أرجع هنا؟
رجعت البيت، لقيت أمي قاعدة زي ما تركتها. سألتني: "خرجت فين؟"
رديت عليها بنفس السخرية: "مطعم جديد. بيعمل حاجة اسمها نسيت-وجبة."
ضحكت وقالت: "إنت دماغك خربانة. تعبتني."
ضحكت وأنا بدخل أوضتي، لكن جوايا كان فيه ألف سؤال. أكمل أروح المكان ده؟ ولا أسيبه وأرجع لحياتي العادية؟ لكن الحقيقة كانت واضحة… أنا مكنتش عايز حياتي العادية.
---
الجزء الثاني:
"يا سيدي، الحكاية دي بدأت يوم ما قرر عمّ عوض يركب العجلة بعد 20 سنة قاعد على الكنبة... بس قبل ما أقولك إيه اللي حصل، لازم تعرف إن عمّ عوض ده أكتر واحد **** رزقه بحظ غريب في الكوكب ده. يعني لو فيه 100 شخص هيعدّوا من جنب حفرة، هو الوحيد اللي هيقع فيها ويلاقي فيها جنيه وشوال بطاطس! فا جهّز نفسك عشان اللي هتحكيهولك دلوقتي لا عقل يقبله ولا منطق!"
أنا شخص بطبيعتي ماشي بمبدأ "ماشي بالبركة"، لكن بعد اللي شفته في مطعم النسيان، الحياة قررت إنها تفاجئني بأغرب حاجة شفتها في حياتي. لما خرجت من المطعم المرة اللي فاتت، كنت فاكر إني هقدر أكمل حياتي عادي، لكن واضح إن الموضوع مش بسهولة دي.
---
اليوم بدأ بنفس الملل المعتاد. صحيت على صوت أمي وهي بتزعق: "عمر! قوم شوف فين بائع الفول، أنا مش عارفة أطبخ حاجة."
"حاضر يا أمي، دقيقة." قلتها وأنا بطولها عارف إن "الدقيقة" عندي ممكن تبقى ساعة.
خرجت وأنا أصلاً ما فيش في دماغي أجيب فول ولا أي حاجة. كنت متجه ناحية الشارع الجانبي اللي فيه المطعم. مش عارف ليه، لكن حسيت إن اليوم هيبقى مثير.
وأنا في نص الطريق، قابلت رامي. كعادته، قاعد على القهوة الصبح بدري، كأنه موظف بدوام كامل في "مكتب الاسترخاء".
"يا نجم، مش حاسس إنك بتدوس في مكان غلط؟" سألني وهو بيضحك.
"ما تقلقش، لو في حاجة غلط أنا أول واحد هسيبها تمشي لوحدها."
---
وصلت الشارع الجانبي، نفس الهدوء الغريب اللي مفيش أي منطق وراه. دخلت المطعم، وكنت مستعد لأي حاجة. الراجل العجوز كان واقف بنفس الابتسامة اللي تحسها مطبوعة على وشه.
"رجعت يا عمر." قالها وكأنه كان مستنيني.
"رجعت طبعًا. هو أنا لاقي مطاعم كتير بتمسح الذكريات؟"
"إنت بتستمتع بالتجربة أكتر من أي زبون شوفته."
قعدت على نفس الترابيزة، وبدأت أقلب في المنيو. بصراحة، المرة دي كنت عايز حاجة تقلبلي حياتي رأسًا على عقب. لقيت بند مكتوب:
"أغرب موقف واجهته في حياتك."
"طيب ده شكله هيخليني أعيش فيلم رعب، بس ماشي." قلتها وأنا باختار الطبق.
---
جابولي الطبق المعتاد، لكن طعمه كان مختلف عن كل مرة. ما لحقتش أفكر كتير، لأني فجأة لقيت نفسي في موقف غريب جدًا:
كنت قاعد في ميكروباص مليان ناس غريبة، كل واحد فيهم بيتكلم عن قصة حياته. أول واحدة قالت: "أنا كنت ممثلة شهيرة، لكن قررت أسيب الشهرة عشان أفتح محل فلافل."
طبعًا، ضحكت بصوت عالي وقلت: "شهرة إيه اللي بتسيبيها عشان فلافل؟ ده أنا مش لاقي وظيفة أصلاً!"
ردت بهدوء: "بس أنا كنت سعيدة."
---
رجعت فجأة للحاضر، والراجل العجوز بيبص لي بابتسامة: "استمتعت بالتجربة؟"
"استمتعت؟ أنا حسيت إني في كابوس كوميدي."
"كل واحد بياخد اللي يستحقه من الذكريات. بس خلي بالك، كل اختيار ليه تأثيره."
---
وأنا خارج من المطعم، وقفت عند الباب وفكرت: هل أنا فعلاً محتاج أستمر في التجارب دي؟ لكن قبل ما أكمل التفكير، لقيت واحد من زمايلي القدامى في المدرسة، كريم، بيعدي.
"إيه يا عمر؟ إنت فين؟ مختفي بقالك سنين."
طبعًا، حاولت أتهرب منه: "أيوة، الدنيا لاهية وكلنا مشغولين."
لكن كريم كان مصمم يجرني لقعدة طويلة، وأنا ما كنتش في المود. قلت له: "بص يا كريم، أنا عندي مشوار دلوقتي، ممكن نتقابل قريب؟"
رد بتردد: "ماشي، بس مش هتفلت مني المرة الجاية."
---
رجعت البيت، وأمي كعادتها كانت بتتفرج على مسلسل، لكن المرة دي كانت قاعدة بتبكي.
"إيه يا أمي؟ مين اللي مات في الحلقة دي؟"
ردت: "ما حدش مات، بس البطل قرر يسيب البطلة عشان عايز يعيش لنفسه."
"يا سلام! يعني حتى في المسلسلات الناس مش بتعرف تعيش حياتها بسلام؟"
ضحكت، لكن كنت حاسس إنها بتعيط عشان حاجة أعمق من كده. حسيت بتأنيب الضمير وقلت: "تعالي، نحضر حاجة خفيفة بدل الدراما دي."
"طب إنت بتفكر في حياتك؟ لسه صغيرة يا عمر."
"ما تقلقيش، أنا عندي خطة جهنمية."
---
دخلت أوضتي، وحاولت أفكر في الخطوة الجاية. المطعم ده مش مجرد مكان بتمسح فيه الذكريات. هو كأنه اختبار، وكل اختيار فيه بيقربني من حاجة مش واضحة. لكن اللي كان واضح إن حياتي بقت مرتبطة بيه بشكل أو بآخر.
السؤال الحقيقي بقى: إيه اللي هيحصل لو قررت أمسح أكبر ذكرى مؤلمة في حياتي؟
قررت أروح للمطعم مرة تانية عشان أكتشف أكتر.
حياتي في الطبيعي زي فيلم ملوش سيناريو. ماشي بالبركة وبحاول أضحك على كل حاجة تحصل لي، بس المطعم الغريب ده خلاني أحس إنني داخل فيلم خيال علمي بميزانية قليلة. بعد ما رجعت من هناك لأول مرة، كنت بحاول أقنع نفسي إن كل اللي حصل كان حلم، أو تأثير سندوتش الفول اللي كلته الصبح. لكن الحقيقة إن المطعم كان بيلعب في دماغي.
---
صحيت يوم جديد بنفس المزاج الغريب، مع صوت أمي وهي بتزعق:
"عمر! قوم شوف مين اللي خبط الجرس. ده أكيد بائع الفول، وأنا مش طابخة النهارده."
طبعًا، ده إعلان رسمي إن اليوم هيبدأ بسيناريو عشوائي زي كل يوم. فتحت الباب، لقيت جارنا رامي، الشخص الوحيد اللي حياته أكثر فوضوية من حياتي، واقف بتيشيرت عليه صورة فريق برشلونة، وممسك بكيس شبسي:
"يا نجم! فين كنت؟ بقالك أسبوع مختفي."
قلت له: "مختفي إيه يا عم؟ كنت في رحلة داخل نفسي."
رامي بص لي بتريقة: "ده شكل رحلة؟ ولا كنت بتلعب في كوكب تاني؟"
---
حاولت أتهرب بسرعة وأنا لابس هدومي، وقلت لأمي: "هخرج شوية يا أمي، الجو برة محتاج حد زيه يفهمه."
"إنت بتخرج ليه كل يوم؟ مش شايف إن حياتك كلها بقت خروج بدون عودة؟"
رديت وأنا بابتسم: "لا تقلقي، دايماً برجع… مؤقتاً!"
---
وأنا في الطريق، قررت إني لازم أروح المطعم الغريب ده مرة تانية. المرة الأولى كانت مجرد مقدمة، لكن أنا مش من النوع اللي يسيب حاجة نصها فايت. وصلت الشارع الجانبي، وهناك بدأت الأمور تبقى أغرب.
شارع فارغ تمامًا، مع إن باقي المنطقة مليانة ناس وعربيات. حسيت للحظة إني داخل في بوابة لعالم موازي، لكن فضولي كان أقوى من خوفي. دخلت المطعم، والراجل العجوز كان قاعد بنفس الابتسامة اللي تقدر تحطها كإيموجي على واتساب.
"رجعت يا عمر. كنت عارف إنك مش هتبعد كتير."
"واضح إنك بتقرأني كويس. أو يمكن عندك كاميرات في البيت."
ضحك وقال: "لا، بس أنا فاهمك أكتر مما تتخيل."
قعدت على نفس الترابيزة اللي حسيت إنها ملكي رسميًا. المنيو كان قدامي، لكن المرة دي كان فيه بنود جديدة.
---
"إيه رأيك في البند ده؟" قال العجوز، وأشار إلى جملة مكتوبة بلون ذهبي:
"أكتر ذكرى مش قادر تسامح نفسك عليها."
وقفت دقيقة أفكر. أنا بطبعي شخص مش بيحب يفكر في حاجات مؤلمة، لكن السؤال كان بسيط: لو نسيت الحاجة دي، هل حياتي هتتحسن؟
قلت له: "ماشي، خليني أجرب. أنا جايلك هنا أصلاً عشان المغامرة."
جاب لي طبق شكله مختلف. كان عليه ورود صغيرة وكأنه معمول لشخص في مسلسل درامي. أكلت وأنا منتظر الصدمة، وفعلاً، الصدمة جات.
---
لقيت نفسي فجأة في يوم كنت ناسيه تمامًا. يوم ما دخلت الجامعة لأول مرة، وكل الناس حواليّ كانوا مبسوطين. بس أنا؟ كنت قاعد في الركن، بحاول أخبي إحساسي إني مش في المكان الصح. فكرت في قد إيه كنت حاسس بالوحدة وقتها، حتى لما الناس حاولت تقرب مني.
المشهد اتغير بسرعة، زي فيلم سريع، وافتكرت اللحظة اللي خسرت فيها فرصة شغل كبيرة عشان اخترت أسخر من المدير في مقابلة شخصية.
لما رجعت للحاضر، حسيت بفراغ غريب. الذكرى اختفت، لكن الشعور بالذنب اللي كان بيصحبها برضه اختفى.
---
"إيه رأيك؟" قال العجوز بابتسامة.
"رأيي؟ المكان ده لازم يتحط على خرائط جوجل!"
ضحك وقال: "كل واحد بيشوف المكان بطريقته. لكن خلي بالك، كل ذكرى بتنسيها بتسيب فراغ ممكن ما تعرفش تملأه."
---
وأنا خارج، سمعت صوت غريب، كأن حد بينادي اسمي. وقفت في نص الطريق، وبصيت حواليا. ما كانش فيه حد، لكن فجأة، حسيت إنني مراقب.
رجعت البيت، وأمي كالعادة كانت قاعدة بتتفرج على مسلسل. لما دخلت، بصت لي وقالت: "إنت بتقضي وقتك في إيه يا عمر؟"
"يا أمي، أنا بكتشف أسرار العالم."
ضحكت وقالت: "أسرار إيه؟ ده أنا مش فاهمة حتى سر خروجك كل يوم."
---
دخلت أوضتي، وقعدت أفكر في كل اللي حصل. المطعم مش مجرد مكان بيمسح الذكريات. ده أكتر من كده بكتير. حسيت إنني بدأت أفهم نفسي أكتر، أو يمكن أقل.
وقبل ما أنام، قررت إنني لازم أرجع مرة تانية. لكن المرة دي مش عشان أنسى… المرة دي عشان أفهم ليه أنا الوحيد اللي يقدر يدخل المكان ده.
إضافة أحداث كوميدية ومواقف غير متوقعة:
في اليوم التالي، وأنا واقف قدام المطعم، قررت أعمل تجربة جديدة. كنت متأكد إنني لو حكيت لأي حد عن المكان ده، هيقول عليّ مجنون، لكن الفضول قتلني. حاولت أصطحب رامي معايا، عشان أشوف لو يقدر يشوف المطعم أو لأ.
"رامي، تعالى معايا، فيه مكان لازم تشوفه!"
"إيه يا عمر، اكتشفت كنز ولا بتخدعني؟"
سحبته من القهوة وودّيته الشارع الجانبي. وقفت قدام المطعم وأشرت له:
"شايف المطعم ده؟"
رامي بص لي باستغراب: "مطعم إيه يا نجم؟ ده فيه حيطان بس!"
ضحكت بصوت عالي: "إنت أكيد ما نمتش كويس. المطعم هنا قدامك!"
لكن رامي فعلاً ما شافش حاجة. وقفت أفكر: ليه المكان ده مش ظاهر لحد غيري؟
---
دخلت لوحدي، والعجوز كان مستني كأنه عارف اللي حصل.
"حاولت تجيب حد معاك، صح؟"
"هو إنت عندك عرافين هنا ولا إيه؟ أيوة حاولت، لكن شكله المطعم ده معمول لي أنا بس."
"بالضبط، المكان ده بيظهر للأشخاص اللي محتاجين يفهموا حاجة عن حياتهم. إنت مش جاي تهرب، إنت جاي تدور على إجابات."
المرة دي طلبت حاجة جديدة من المنيو. حاجة اسمها:
"أغرب قرار خدته في حياتك."
وأنا بأكل، لقيت نفسي فجأة في موقف غريب جدًا. كنت لابس بدلة، وواقف قدام ناس كتير بيتكلموا بلغة غريبة. اكتشفت إنني كنت في حفل تكريم لشخصية مشهورة، والغريب إنني أنا اللي كنت الشخص المشهور!
واحد وقف وقال: "شكراً لعمر على إنقاذه الكوكب!"
رجعت للحاضر وأنا بضحك. سألت العجوز: "إيه الفيلم الخيالي ده؟"
قال لي بابتسامة غامضة: "يمكن ده دليل على إنك تقدر تبقى أكتر من اللي أنت عليه دلوقتي."
---
في نهاية اليوم، حسيت إنني دخلت دوامة جديدة. بين الكوميديا اللي عايشها واللحظات الغريبة اللي بيقدمها المطعم، كنت متأكد إن اللي جاي هيبقى أغرب بكتير. السؤال الوحيد اللي في دماغي دلوقتي: هل المطعم ده هيغير حياتي فعلاً؟ ولا أنا مجرد بعيش مغامرة مفيش ليها تفسير؟
"بس قبل ما أقولك النهاية العظيمة دي، خليني أقولك إن أنا موقفي صعب، أيوة صعب جدًا، عشان مستني رأيك في الحكاية. فلو عجبتك، قولي: 'عظمة على عظمة يا كاتب الكوميديا العالمي!' ولو ما عجبتكش... طيب استنى شوية، خد نفس، وقولي برضه، بس بالراحة، عشان قلبي حساس ومش ناقصني!"
سلااام
الجزء الثالث من مطعم النسيان لعنةالزمن
لو كنت فاكراً إن حياتك مشوقة أو مليانة مغامرات، يبقى واضح إنك ما قابلتش "مطعم النسيان". ده مش مطعم عادي زي كل المطاعم اللي بتروحها، ولا حتى في الحواديت. ده مكان فيه نكهة جديدة: نكهة الهروب من الماضي، وتذوق لحظات عمرك اللي كنت عايز تنساها... أو في بعض الأحيان، تندم إنك فكرت فيها من الأساس.
كنت فاكر إني بس داخل مطعم علشان أخلص نفسي من شوية ذكريات زي أي شخص طبيعي، لكن في الحقيقة، دخلت لعالم تاني مليان بالأسئلة والمواقف اللي هتخليك تسأل نفسك: "هل أنا جاي آكل ولا جاي أواجه الحياة؟" وبالطبع، الموضوع مش هيمشي بسهولة، خاصةً لما تكتشف إن المطعم ده مش بس بيقدم أكلة، لكن كمان بيقدّم فرصة رائعة للذكريات اللي ما كناش عايزين نتذكرها.
في الجزء دا، عمر مش هيتغير زي ما أنتوا متخيلين، لأ، هو لسه نفس الشخص اللي بيهرب من كل حاجة، لكن هتكتشفوا إنه مش بس بيهرب عشان يضحك الناس، لكن كمان لأنه بيخبي حاجة جوا قلبه. والحاجة دي؟ ده سر المطعم اللي مش هتقدر تكتشفه بسهولة.
هل عمر هيتعلم من أخطائه؟ هل هيقدر يواجه حاجات تانية كان مش قادر يشوفها؟ تابعونا في الجزء الثالث عشان نشوف الحياة بتعمل معاه إيه لما بيقرر يواجهها بدل ما يهرب منها، أو يمكن... يهرب لحد ما ينسى؟
الحياة، زي ما قلتلك قبل كده، ما كانتش أكثر من مشوار مكرر من البيت للقهوة والعكس. لكن بعد ما دخلت "مطعم النسيان" في الجزء اللي فات، لقيت إن العالم دا مش دايمًا زي ما الواحد فاهمه. الشوارع اللي كنت بتمشي فيها كل يوم صارت مليانة أسرار وأنا مش عارف إذا كان ده شيء مزعج أو مثير. زي أي حاجة بتحصل بسرعة، فكرت إني لو مشيت ورا فضولي هلاقي حاجات مش عايز أكتشفها، لكن برضه لو مفيش حد تاني بيكتشفها، مين هيتعلم عن كل ده؟
في اليوم اللي بعد ما رجعت من المطعم، كنت قاعد زي ما هو الحال، على الكنبة في البيت، دماغي شغالة بسرعة عشان أفهم إيه اللي حصل. الفكرة إنني كنت فاكر أن "النسيان" ده مجرد لعبة، زي أي حاجة جديدة بتجذب الفضول. لكن، لحد ما الموضوع ده بدأ يبقى أخطر من كده، أنا بدأ فعلاً أصدق إن فيه حاجة غريبة بتحصل.
قررت أروح تاني اليوم ده للمطعم، بس مش عشان النسيان برضه، أنا كنت عايز أكتشف إيه سر المكان ده. لأنه مش معقول الناس تروح تشتري ذكرى، وكأننا في مزاد للبشر.
وصلت، ولقيت الباب زي ما هو مفتوح شوية، بس المرة دي حاسس إن المكان مش زي ما كان. حسيت إن في حاجة مش مظبوطة. دخلت وسمعت نفس الموسيقى الهادية، بس بقى في حاجة غريبة في الجو. لمحت نفس الرجل الكبير اللي قابلني المرة اللي فاتت، وكان واقف عند الكاونتر. أول ما شافني، ابتسم وقال: "أهلاً يا عمر."
مفيش حاجة جديدة هنا، لكن المرة دي حسيته كان فيه شيء مختلف في نظرته. ابتسمت أنا بردة وقلت: "أنت مش هتكتفي بتعريف نفسك مرة واحدة؟"
قال وهو يرمش بعينه: "في المكان ده، كل لحظة بتكون جديدة. أنت مش هتحتاج لاسم ولا حاجة تانية."
حسيت إن ده بداية لشيء أكبر. قبل ما أتكلم، لقيته بيحط قدامي منيو تاني، لكن مش زي المرة اللي فاتت. المرة دي كان فيه حاجات تانية غريبة مكتوبة فيه:
"هل كنت مستعد لقراراتك؟"
"أنت عارف ليه أنت موجود هنا؟"
"إيه هو أعظم قرار في حياتك؟"
ضحكت وأنا متأكد إنه مفيش حاجة جادة في الموضوع، وقلت: "هل ده قائمة أكل ولا قائمة اختبار نفسي؟"
ابتسم وقال: "تقدر تشوفها زي ما تحب، لكن هنا هتتعلم أشياء عن نفسك ما كنتش تعرفها."
بصيت في المنيو وأنا عمال أفكر في الخيار الأول اللي هختاره، وأخيراً قررت أختار: "أنت عارف ليه أنت موجود هنا؟" حسيت إنه سؤال غريب، وأنا مش عارف ليه اخترته. ممكن عشان كنت عايز أعرف.
جاب لي طبق صغير، شبه اللي جابوه لي المرة اللي فاتت، بس المرة دي كان فيه رائحة غريبة تطلع منه. خدته وبدأت آكل، وكل قضمة كنت حسس إن فيه حاجة مش طبيعية، لكن مش قادر أفهم إيه بالضبط. بعد شوية، حاسة قوية من الدوخة ضربتني، وبدأت الدنيا تدور قدامي. حسيت إني هسقط، لكن حاولت أتماسك.
في اللحظة دي، نزلت من على الكرسي، وحاولت أمشي على الأقل لغاية الباب، لكن قبل ما أخرج، رجعت تاني للكاونتر. لقيته مبتسم وهو بيقول لي: "أنت دلوقتي فاهم السؤال؟"
طبعًا، في اللحظة دي، بدأت أستوعب إن الإجابة مش مجرد كلمة، دي حياة كاملة. هنا، أنا مش بس جاي علشان أنسى حاجة، لكن عشان أتذكر كل شيء مهم كان في حياتي، وكل شيء أنا اخترت أتجاهله.
لكن اللي ما كنتش عارفه، إن فيه سر كان مخبأ، وكل جزء من اللعبة دي كان له هدف. اللي عرفته بعد كده هو إن المطعم ده مش مجرد مكان، ده تجربة... تجربة كانت موجهة لناس زيي، ناس مش قادرين يتعاملوا مع الماضي.
---
بعد ما خرجت من المطعم، مشيت بخطوات ثقيلة كأني مش عايز أصدق أي حاجة حصلت. ولكن، في الوقت نفسه، كنت حاسس بشيء غريب زي ما لو كنت بدأت أفهم حاجة عن نفسي ما كنتش فاهمها قبل كده. المواقف الكوميدية بقت أكتر، وابتديت ألاحظ حاجات غريبة في تصرفاتي. كل مرة كنت أفكر في حاجة، لقيتها بتكون مش هي نفسها لما كنت أعرفها.
مرة تانية، لما رجعت البيت، كانت أمي زي ما هي، قاعدة قدام التلفزيون، زي ما هي دايمًا. حاولت أتكلم معاه، بس قلت لها: "أمي، لو كان عندك خيار تنسي كل حاجة حصلت في حياتك، كنت هتعمليها؟"
ردت بدهشة: "انت مالك يا عمر؟ إنت مش عارف تبقى هادي شويه؟"
ضحكت وقلت: "لا، بس أنا لو ناسي حاجة، مش هخسر حاجة تانية."
لكن الحقيقة، في داخلي، كنت عارف إن الإجابة على سؤالي كانت أكتر من مجرد لعبة. في المطعم ده، النسيان مش مجرد راحة، ده كان نوع من الخداع.
في الوقت ده، لقيت نفسي مش قادر أوقف التفكير في المطعم والمكان الغريب ده. بمرور الوقت، شعرت إن كل حاجة حولي بتتغير، لكن إزاي؟ ده كان هو السؤال اللي ما لقيتش له إجابة. كان فيه سر في المكان ده، وسر في الأسئلة، وأنت مش هتعرف الحقيقة لحد ما تكتشف كل حاجة.
---
اللي حصل بعد كده هو شيء ما كانش في الحسبان. في يوم من الأيام، قررت إني هروح تاني المطعم ده. كنت عايز أفهم السر. وبعدين كنت هتغير أكتر.
"مطعم النسيان: لعبة الزمن"
الفضول كان بيقتلني. بعد الزيارة الأولى لمطعم النسيان، كنت حاسس إن في حاجة مش مظبوطة، حاجة أكبر من مجرد أكلة غريبة أو ذكريات بتروح وتجي. لكن الأسئلة بدأت تدور في دماغي بشكل مش طبيعي. أنا ماكنتش عارف أتحكم في اللي بيحصل لي، وكل اللي كنت عارفه هو إني لازم أروح تاني علشان أفهم أكتر.
اليوم ده، قررت أروح تاني، مش عشان أطعم الذاكرة أو أشتري لحظة من الماضي، لكن علشان أفهم سر المكان ده. كل خطوة كنت بخطوها وأنا رايح، كان عندي إحساس غريب. كنت حاسس إن المكان ده هيفتح لي أبواب تانية، أبواب مش كنت متخيل إني هقدر أواجهها. لكن أنا في النهاية شخص مغامر، لسه بضحك في وسط الدوامة دي كلها.
وصلت للمطعم، وكان نفس المشهد، الباب اللي شوية مفتوح، والموسيقى الهادئة اللي مش عارف هل هي تهديني ولا بتزيدني توتر. دخلت، والجو كان زي ما هو. نفس الراجل الكبير قاعد وراء الكاونتر. كان مبتسم، بس ابتسامته كانت مليانة غموض.
قال لي: "أهلاً بيك يا عمر، أنت مش هتخاف تاني؟"
ضحكت وأجبته: "هو إنت مش هتكتفي بالكلام ده؟ لو فضلت تردد فيه، هنسى ليه جيت في الأساس."
هو قال: "ما فيش مشكلة لو نسيت، بس المرة دي هتكتشف إن كل حاجة مش زي ما أنت فاكرها."
نظرت للمنيو اللي كان قدامي، وهو كان مش زي المرة الأولى. المرة دي كانت أكثر تعقيدًا. كأنني كنت داخل في مغامرة حياة. كنت عايز أضحك على نفسي، لكن في نفس الوقت كنت خائف.
المنيو كتب عليه:
"هل أنت مستعد لفتح أبواب الماضي؟"
"هل لديك الشجاعة لمواجهة قرارك الأكبر؟"
"ماذا لو اخترت أن تعيش في الماضي؟"
طبعًا، أنا كنت قاعد أفكر إذا كان ده كله مجرد نصب. يعني إيه "فتح أبواب الماضي" و"الشجاعة لمواجهة القرار الأكبر"؟ ده مش زي أي منيو شفته في حياتي.
ضحكت وأنا مش قادر أتمالك نفسي، وقلت: "المرة دي هختار 'هل لديك الشجاعة لمواجهة قرارك الأكبر؟' عشان أكيد في حاجة غلط."
جاب لي طبق صغير، وكان فيه شوية فواكه غريبة مش عارف أتعرف عليها. لما بدأت آكل، حسيت إن المذاق كان غريب. فاجأتني المرة دي. مش بسبب الطعم، لكن بسبب الفكرة اللي بدأت تلمع في دماغي. كنت حاسس إني مش لوحدي هنا، وكأن في حد بيشوفني. كان فيه حاجة غريبة في الجو، حاجة مش مرئية لكن حاضرة.
الطبق خلص، وحسيت إن جسمي بيدور. رحت قاعد على الكرسي بسرعة، وكان ضوء المكان بدأ يضيع قدامي. بعد لحظات، حسيت إن أنا في مكان تاني، مش مطعم ولا مكان عادي. حسيت إنني انتقلت لمرحلة تانية، مرحلة فيها كل شيء ممكن. بدأت أفتكر حاجات مش فاكرها من قبل.
الرجل الكبير نظر لي وقال: "أنت الآن شفت القرار، القرار اللي خلتك هنا."
قلت له: "ماذا يعني الكلام ده؟ أنا مش فاهم."
هو ابتسم وقال: "القرار الأكبر هو الخيار اللي تأخذ فيه، واللي سيغير كل شيء في حياتك."
في اللحظة دي، بدأت أتساءل عن كل شيء في حياتي. عن أمي، عن نادين، عن كل شيء كان في الماضي. لكن، أكثر شيء كان بيفكرني هو المطعم ده. المكان اللي كان بيدعيني علشان أنسى، لكن كمان كان بيخليني أواجه كل حاجة كنت عايز أهرب منها.
بعد شوية، قررت أخرج، مش قادر أتحمل أكتر من كده. على الطريق، وأنا ماشي، كنت حاسس إن في حاجة غريبة بقى عندي. وكأني مش بس داخل في لعبة من الماضي، لكن في لعبة مع الزمن نفسه.
وصلت البيت، وكنت مش عارف أقول لأمي إيه. كنت عايز أقول لها إن المكان ده مش مجرد مطعم، لكن كان شيئًا أكبر من كده. كان تجربة، وكأن المطعم نفسه هو اختبار. ابتسمت وأنا دخلت الأوضة، وقلت لها: "أنا رجعت، وأعتقد إني لقيت إجابة على سؤالي."
هي بس بصلتني وقالت: "أنت مش عارف نفسك، يا عمر. بس خلي بالك، الزمن مش هيرحمك."
لكن في داخل قلبي، كنت عارف إن المطعم ده هو التحدي اللي كنت محتاجه. المكان ده كان بيعلمني إزاي أواجه ماضيّ وأعيش معاه. وكل مرة كنت بروح فيها، كنت بحس إني هكمل اكتشاف شيء جديد عن نفسي. ماكنتش عارف إيه هو بالضبط، لكن أنا كنت على وشك اكتشافه.
لكن في النهاية، المطعم ده مش مكان عادي. دي كانت لعبة الزمن، اللعبة اللي هتخليني أختار بين النسيان أو المواجهة. ومع كل خطوة، كنت عارف إن كل مرة هروح، هتغير حياتي للأبد.
نظرت في المرايا في أوضتي، وحسيت إن الشخص اللي كنت أعرفه اختفى. أنا دلوقتي مش عمر اللي دخلت المطعم من أول مرة، أنا واحد تاني، واحد بيكتشف نفسه في عالم مليء بالأسرار. لكن السؤال اللي ظل في عقلي كان: هل المطعم ده فعلاً عايز يساعدني ولا فيه حاجة أكبر بيخبيها عني؟
---
نهاية الجزء الثالث
اتمنى تقول رايك لانه بيشجعني اكمل ولا لاء
---
الجزء الرابع:
المطر كان بيضرب على زجاج العربية بإيقاع منتظم، زي دقات قلب واحد قلقان. أنا راكن قدام المطعم، وباصص من بعيد للشباك المضبب. أنوار المطعم كانت خافتة، بس تقدر تميز الحركة جوه، زي خيالات بتتحرك بين الدخان والضباب. الليل كان مختلف المرة دي، كأن السما مطفيّة لونها. كل حاجة حواليّ ساكتة بشكل مزعج، إلا المطر.
أخدت نفس طويل وقررت أنزل. المطر بللني في ثواني، بس كان دافي بشكل غريب. لما فتحت باب المطعم، الرائحة اللي ضربتني كانت مختلفة عن أول مرة. كان فيه ريحة قوية، مزيج من حاجة محروقة وحاجة معفنة. المكان كان شبه فاضي، إلا من زبونين قاعدين بعيد، ووجههُم مستخبي في الظل. حسيت بإحساس غريب؛ كأن فيه عينين بتراقبني، بس مفيش حد باين.
-"مساء الخير." صوتي طلع متردد وأنا واقف عند المدخل.
خرجت من المطبخ نفس الست اللي قابلتني قبل كده، لكن المرة دي ملامحها كان عليها حاجة غريبة، كأن وشّها ملبس قناع مش حقيقي. ابتسمت لي، بس الابتسامة كانت باردة.
-"أهلا بيك تاني، عمر."
الطريقة اللي قالت بيها اسمي خلت شعر جسمي يقف. أنا ما قلتلهاش اسمي المرة اللي فاتت... صح؟ حاولت أهدي نفسي، يمكن أنا قلتلها ونسيت.
-"كنت عايز أشوف المنيو." قلت الجملة دي عشان أهرب من اللحظة دي.
-"أكيد. تفضل، اقعد على نفس الترابيزة بتاعتك."
مشيت للترابيزة اللي كنت قاعد عليها قبل كده، بس حسيت كأن الأرضية مبلولة، كأني ماشي على حاجة لزجة. لما بصيت تحت، شفت بقعة سودة كأنها زيت، لكن فيها لمعة حمرا خفيفة.
-"مش مشكلة." قلت لنفسي وأنا بحاول ما أفكرش كتير.
جت الست حطت المنيو على الترابيزة، وبصتلي. عينيها كانت أوسع من الطبيعي، والنظرة بتاعتها كأنها بتغوص جوايا.
-"عندنا حاجات جديدة النهارده. تحب تجرب؟"
-"آه... ممكن."
-"ممتاز. استنى شوية، الأكل هيكون جاهز."
ومشيت. الحركة بتاعتها كانت غريبة؛ كأن رجلها ما بتلمسش الأرض. حاولت أقنع نفسي إن كل ده بسبب التوتر أو الإضاءة الضعيفة.
بعد خمس دقايق، رجعت ومعاها طبق مش فاهم هو إيه. كان فيه حاجة زي لحم، لكن شكله مش مألوف، عليه صوص بني غامق. الريحة كانت قوية لدرجة خلتني أحس بدوخة.
-"إحنا بنحب نقدم أكلات مش تقليدية هنا. دي وصفة قديمة جدًا."
حاولت أتكلم، بس لساني كان تقيل. خدت شوكة وبدأت أكل، رغم إن كل حتة في دماغي كانت بتقولي أقوم وأهرب. الطعم كان... غريب. مش سيئ، بس كأن فيه حاجة غلط. فجأة حسيت بحرارة في معدتي، وبدأت أحس بصوت في وداني، زي همس بعيد.
-"طعمها كويس، مش كده؟" سألتني وهي واقفة وبتتفرج عليا.
-"آه... كويس."
بس الحقيقة، كنت حاسس إن جسمي كله بيتقل، وكأن في حاجة بتتسحب مني. لما بصيت حواليّ، المكان كان شكله بيتغير. الأرضية بقت مليانة نفس البقع السودة الحمرا، والحيطان كان عليها تشققات بتخرج منها دخان.
قمت بسرعة، الكرسي وقع ورايا. الست بصتلي بنفس الابتسامة الباردة.
-"مش عايز تكمّل؟ لسه عندنا حاجات أحلى."
-"أنا همشي."
-"مش هتقدر."
الجملة طلعت من بقها زي أمر. لما حاولت أمشي ناحية الباب، حسيت الأرض بتتشبك في رجلي. كأن الأرضية مسكتني، أو... أو كأنها بتشدني لتحت.
-"إنت جيت هنا مش صدفة، عمر. إحنا اخترناك."
صوتها بقى غليظ، كأنه جاي من أكتر من شخص في نفس الوقت. حاولت أصرخ، لكن صوتي ما طلعش. فجأة، الزبونين اللي كانوا قاعدين بعيد وقفوا. لما بصيت عليهم، شفت وشوش مش طبيعية، كأنها مفرودة زيادة، وعنيهم مكانها كان فاضي.
الزبونين قربوا مني بخطوات بطيئة. حسيت إنهم مش ماشيين على الأرض، لكن بيتزحلقوا كأن في حاجة غير مرئية بتحركهم. وشوشهم بتقرب أكتر، وتفاصيلها بتظهر بوضوح. الجلد كان شفاف بطريقة غريبة، والعروق تحت بتتحرك زي ما تكون كائنات صغيرة بتمشي جواهم.
رجعت لورا، بس رجلي كانت لازقة في الأرضية اللزجة اللي تحت مني. حاولت أشد نفسي، لكن كل ما أحرك رجلي، حسيت كأن الأرض بتتمسك بي أكتر.
-"إيه اللي بيحصل هنا؟! إنتو عايزين مني إيه؟!" صوتي أخيرًا طلع، لكنه كان متقطع ومليان خوف.
الست اللي كانت واقفة قدامي ابتسمت. المرة دي ابتسامتها وسعت لدرجة مش طبيعية، وكأن فكها بينشق. صوتها خرج كأنه ريح قوية:
-"إحنا مش بنختار أي حد، عمر. إنت مختلف... روحك فيها حاجة إحنا محتاجينها."
-"روح؟! إنتو بتتكلموا عن إيه؟!"
-"اللي شوفته النهارده مش كل حاجة. دي كانت البداية بس. لازم تكمّل الرحلة، لأنك لو ما كملتهاش... هنكملها إحنا."
في اللحظة دي حسيت بحاجة بتتحرك ورايا. حاولت أبص، لكن كأن رقبتي مش قادرة تتحرك. فجأة، صوت خطوات تقيلة جاي من اتجاه المطبخ. كان فيه حاجة كبيرة جاية ناحيتنا. لما ظهرت من الظل، عيني ما كانتش مصدقة.
حاجة شبه الإنسان، لكن طويلة جدًا، حوالي 3 متر، وأطرافها نحيفة بطريقة مش طبيعية. الجلد كان رمادي، وعليه شقوق زي جلد متشقق. راسها كانت عبارة عن فجوة سودة، زي حفرة بتبلع النور حواليها. الحركة بتاعتها كانت بطيئة، لكن كل خطوة بتعمل صوت زي طقطقة عظام.
الزبونين اللي كانوا قربوا مني وقفوا فجأة، وركعوا قدام الكائن ده، زي ما يكونوا بيعبدوه. الست وقفت مكانها، وابتسامتها بقت أهدى.
-"ده سيد المكان. وهو اللي هيقرر مصيرك."
-"أنا مش عايز أكون جزء من ده!" صرخت، وحاولت أتحرك بكل قوتي.
لكن رجلي كانت غارقة أكتر في المادة السودة اللي على الأرض. فجأة، الكائن مد إيده النحيفة ناحيتي. لما لمسني، حسيت كأن نار بتجري في جسمي. كل ذكرى عندي بدأت تظهر قدام عيني بسرعة، كأن حياتي كلها بتتعرض في ثواني.
لكني شفت حاجة كمان... شفت حاجات مش فاكرها، أو يمكن حاجات مش ليا أصلاً. شفت وجوه غريبة، أماكن مظلمة، وأصوات بتصرخ، كأنها مستنياه أنضم ليهم. في اللحظة دي، فهمت إن المكان ده مش مجرد مطعم، وإن اللي بيحصل مش طبيعي.
---
حاولت أقاوم. كل عضلة في جسمي كانت بتصرخ، لكن حسيت بحاجة جوة عقلي بتقولي: "مفيش مفر، إلا لو استغليت ده." ما فهمتش المقصود، بس ركزت في الفكرة. إيدي كانت أقرب حاجة حرة. مسكت طبق على الترابيزة ورميته ناحيتهم. الطبق ما عملش أي حاجة، لكنه أصدر صوت عالي كفاية ليلفت انتباه الكائن.
اللحظة دي كانت فرصتي. شدت نفسي بكل قوتي. رجلي اتحررت من المادة السودة، لكن الأرض بدأت تهتز تحت مني. الكائن بص ناحيتي، وكأنه ما كانش متوقع إني أحاول أهرب.
جريت ناحية الباب. كل خطوة كانت كأنها على أرضية بتنهار. لما وصلت للباب، حسيته أثقل من أي باب في حياتي. شددته بكل قوتي، وفتح أخيرًا. خرجت برا، المطر كان لسه نازل، لكن الجو بقى أهدى.
جريت للعربية، وشغلتها بسرعة. المراية الخلفية أظهرت المطعم ورايا، لكنه كان مختلف. الأنوار كانت مطفية، والمبنى كأنه أقدم بكتير، زي خرابة. كائن الظل كان واقف عند الباب، لكنه ما خرجش. حسيت إنه بيبصلي رغم إنه ملهوش عينين.
---
وصلت البيت، وأنا مبلول ومش قادر أتنفس. كل حاجة حواليّ كانت عادية، لكنها حسيت بغربة. دخلت الحمام وغسلت وشي، لكن لما بصيت في المراية شفت حاجة خلفية. انعكاس المطعم كان ظاهر ورايا في المراية، رغم إني في البيت.
-"لازم أفهم إيه اللي حصل ده." قلت لنفسي وأنا بحاول أستجمع شجاعتي.
لكن لما خرجت من الحمام، لقيت ورقة على الترابيزة. الورقة كان مكتوب عليها بخط غريب:
"ما ينفعش تهرب، يا عمر. الرحلة لسه ما بدأتش."
--ــتكملة الجزء الرابع – النهاية:
قاومت رعشة الخوف اللي سيطرت عليَّ وأنا ماسك الورقة اللي كان مكتوب عليها الكلام ده. الورقة نفسها كانت غريبة، ملمسها أشبه بجلد جاف، ريحتها زي الحاجات القديمة اللي بتتقلب في مكتبات مهجورة.
المكان حواليا كان هادي، هادي لدرجة تخوف. في العادي، كنت أسمع صوت التلفزيون اللي أمي بتتفرج عليه في الصالة أو صوت خطواتها وهي بتتحرك في المطبخ. لكن دلوقتي، البيت كله صمت.
-"يا ماما؟"
صوتي خرج ضعيف، لكن مفيش رد.
الجملة المكتوبة في الورقة بتدور في دماغي زي شريط مش عايز يقف: "ما ينفعش تهرب، يا عمر. الرحلة لسه ما بدأتش."
رحلة إيه؟! وأساسًا ليه أنا؟ الحكاية دي ليها علاقة بأي حاجة أنا عملتها؟ حاولت أفتكر، لكن مفيش حاجة توضح. كل حاجة كانت ضبابية، مليانة أسئلة من غير إجابات.
---
وأنا واقف في نص الصالة، النور بدأ يومض. المراتب بتاعة النور كأنها بتتقلّب بين العادي وبين شعاع أصفر زي اللي شوفته في المطعم. بعد كده، الصوت بدأ يظهر، نفس الصوت اللي سمعته قبل كده، صوت أنين بطيء، كأنه طالع من بُعد تاني.
-"إيه اللي بيحصل هنا؟!" صرخت.
الأرض تحت رجلي بدأت تبرد. لما بصيت، لقيت المادة السودة اللي كانت في المطعم بدأت تظهر تاني. المرة دي كانت أسرع، وكأنها بتتحرك ناحيتي. قفزت على الكنبة، لكن المادة السودة كانت بتنتشر بشكل مرعب. كل ما تحاول تلمس أي حاجة، الحاجة دي تتحول لنسخة قديمة ومهملة. الكنبة بقت خشب مكسر، الحيطة بقت مشققة، كأن البيت بيتحوّل لمشهد من كابوس.
-"سيبوني فحالي!"
فجأة، الباب اللي بين الصالة والمطبخ فتح. كان مظلم من جواه، لكن كان فيه صوت جاي من جوه: صوت خطوات صغيرة بتمشي بسرعة. الصوت قرب أكتر، وكل خطوة كانت تقيلة زي صدى في دماغي.
بعد ثواني، ظهر... *** صغير، شكله عادي جدًا في البداية، لكن كل ما قرب، التفاصيل بقت أوضح. وشه كان باهت، مش شبه الناس الطبيعيين، وعينيه ما كانش فيها أي لون، مجرد فراغ أبيض. وقف قدامي، وبعدين فتح بقه وقال بصوت أعمق بكتير من أي صوت ممكن يطلع من ***:
-"العرض اتقدّم. ماترفضش."
-"عرض؟! عرض إيه؟!"
-"اختيارك هيحدد. يا تكمّل الرحلة... يا تنضم لينا."
كنت لسه واقف مش فاهم، لكن قبل ما أجاوب، الطفل مد إيده ناحية وشي. في اللحظة دي، حسيت الدنيا كلها بتدوّر. البيت، الصالة، المادة السودة... كل حاجة اختفت.
---
لما فتحت عيني، لقيت نفسي في غرفة ضيقة. الجدران كانت بلون أحمر غريب، زي لون الدم بعد ما يجف. مفيش مصدر نور واضح، لكن الغرفة كانت مضيئة بطريقة مش مفهومة.
كان فيه ترابيزة في النص، وعليها كرسيين. واحد من الكراسي كان فاضي، لكن الكرسي التاني كان قاعد عليه واحد... نفس الكائن الطويل اللي شوفته في المطعم.
بصيت حوالي، مفيش باب ولا شباك، مفيش أي طريقة للخروج.
-"إيه ده؟ أنا فين؟!"
الكائن رفع إيده وأشار للكرسي الفاضي. صوته جه في دماغي مباشرة، من غير ما يحرك شفايفه، كأنه بيتكلم جوا دماغي:
"اجلس."
-"أنا مش عايز أقعد! أنا عايز أرجع بيتي!"
"بيتك؟ ده مش بيتك. ده مجرد محطة في رحلتك. اجلس!"
ما كانش فيه أي خيار. الكرسي اللي أنا عليه بدأ يتحرك لوحده لحد ما قرب من الترابيزة. لما قعدت، الترابيزة قدامي بدأت تتغيّر. بقت مراية كبيرة، وكل لما بصيت فيها، شفت مشاهد غريبة.
المشهد الأول كان لناس بتجري في شارع مظلم. كان فيه صوت زي صفارات إنذار، لكن الناس ما كانوا مش بيتحركوا ناحية الصوت، بالعكس، كانوا بيهربوا منه.
المشهد التاني كان لطفل صغير واقف في وسط أرض فاضية. حواليه كانوا فيه جثث... جثث لناس كتير. الطفل ده كان هو نفسه اللي شوفته في البيت.
المشهد الأخير كان صورتي أنا... لكن مش أنا اللي أعرفه. كنت واقف في مكان مظلم، ماسك حاجة في إيدي. لما ركزت أكتر، لقيت إن الحاجة دي عبارة عن وجه إنسان... مش فاهم إيه اللي بيحصل.
---
الكائن مد إيده، وكان ماسك حاجة. حاجة شبه قلب، لكنها بتتحرك.
"ده مش اختيارك بس يا عمر. ده اختيار الجميع. هل هتكمّل؟"
-"تكمل إيه؟! أنا مش فاهم حاجة!"
"اللي مش فاهمه النهارده، هتفهمه بكرة. الرحلة دي مش بتنتهي بسهولة. لكن لو رفضتها... مش هتعرف تعيش معاها."
-"مش هعرف أعيش مع إيه؟!"
في اللحظة دي، الكائن بصلي بعينه السودة، وكل حاجة حواليا بدأت تختفي تاني. حسيت كأن دماغي بيتسحب لبُعد تاني. صوت الكائن فضل يتكرر:
"اختيارك هيقرر مصيرك... لكن محدش يهرب."
---
صحيت فجأة، وأنا متكوم على الأرض. كنت في الصالة بتاعة البيت، لكن كل حاجة كانت طبيعية. النور شغال، التليفزيون مفتوح على برنامج عادي، وصوت أمي جاي من المطبخ وهي بتحضر الأكل.
قمت بصعوبة، وجريت عليها:
-"يا ماما! إنتي كويسة؟"
-"آه، مالك؟ شكلك تعبان!"
حاولت أشرح اللي حصل، لكن حسيت إن الكلام كان بيتوه مني. كل حاجة كانت زي الحلم، لكن الحلم ده كان حقيقي. بصيت حواليا، مفيش أي أثر للمادة السودة أو الورقة الغريبة.
لكن قبل ما أهدأ، صوت أمي جالي من المطبخ:
-"على فكرة، مفيش فايدة من الهروب."
لما بصيت، أمي كانت واقفة، لكنها مش هي. عينيها كانت نفس الفراغ الأبيض اللي شوفته عند الطفل.
قفلت عيني وحاولت أركز، هل ده حقيقي؟ أمي فعلاً بتتكلم كده؟ لما فتحت عيني تاني، أمي كانت طبيعية. وشها اللي أعرفه، الابتسامة المعتادة:
-"مالك يا عمر؟ شكلك مرعوب. حصل حاجة؟"
-"لأ... لأ، مفيش. بس... كنت أحلم بحاجة غريبة."
ابتسمت بهدوء وقالت وهي بتقلب الملعقة في الحلة:
-"الأحلام ساعات بتكون رسائل... بس مش كل رسالة تستاهل الرد."
الكلام ده سمعته قبل كده. مش منها... لكن فين؟ حسيت برعشة برد بتمر في ضهري، لكن تجاهلتها.
---
يوم جديد؟
حاولت أقنع نفسي إن كل اللي شوفته كان مجرد حلم، مجرد تخيل من عقلي بسبب الضغط، أو يمكن حاجة أكلتها أثرت عليا. قررت أنسى كل ده. يومي بدأ عادي جدًا: قهوة على الترابيزة، كتاب صغير بقرأ فيه، وأمي بتتنقل بين المطبخ والصالة.
لكن بعد الضهر، وأنا بفتح الكمبيوتر، لقيت رسالة على الشاشة، رسالة ماكتبتهاش أنا:
"الرحلة ما بتنتهيش. عمر، الاختيار ليك."
قفلت اللاب بسرعة. ضربات قلبي كانت سريعة جدًا، حسيت إن الهواء نفسه اتقل حواليَّ. جريت ناحية أمي في المطبخ، وكنت لسه هتكلم لما سمعت صوت الباب بيخبط.
بصيت ناحية الباب، ولقيت إن الصوت ما كانش طبيعي. مش مجرد خبط عادي، كان كأنه حد بيخبط بكل قوة، بإصرار غريب.
-"مين؟" سألت بصوت عالي.
مفيش رد. بس الخبط استمر، أقوى وأسرع. أمي كانت واقفة وبتبص ناحيتي كأنها مستنية مني أفتح الباب.
-"ماتفتحش يا عمر."
ده مش صوت أمي... ده الصوت اللي جه من الكائن الطويل. بصيت عليها، لقيت إن وشها بدأ يتغير تاني، وشها بقى مشوش، وعينيها بقت بيضا زي الأول.
-"إنتي مش أمي!"
-"أنا أكتر من مجرد أم. أنا صوت الرحلة... أنا اللي هخليك تختار."
الخبط على الباب وقف فجأة. البيت كله بقى هادي بطريقة تخوف. لما بصيت ناحية الباب، لقيت الظل بتاع *** صغير واقف.
---
الطفل ده فتح الباب من غير ما يلمسه. لما قرب أكتر، كل حاجة في البيت بدأت تتغير: الألوان اتبدلت، الريحة بقت زي رائحة الشجر المحروق، وصوت صفير ريح عالية غطى على أي صوت.
-"عمر، لو فتحت الباب ده، مفيش رجوع. لو قفلته، مش هتعرف تهرب من العواقب."
بصيت حوالي، حاسس إن الأرض تحت رجلي بتختفي. حسيت بالدوخة، حسيت إن كل حاجة بتنهار حوالي.
لكن السؤال فضل يتكرر في دماغي: أفتح الباب... ولا لأ؟
لحظة التردد دي كانت كأنها أبدية. لكن قبل ما أقرر، الطفل بصلي بابتسامة غريبة وقال:
-"هنا دايمًا عندنا طريقة تانية..."
واختفى.
---
داخل غرفة صغيرة جدرانها مطلية بلون رمادي شاحب، جلس عمر على كرسي معدني متهالك. أمامه مكتب خشبي قديم عليه مجموعة من الأوراق ومصباح صغير. الغرفة كانت فارغة إلا من رجل في منتصف العمر يرتدي نظارات طبية وينظر إليه بنظرة حانية.
"عمر... النهاردة هنكمل كلامنا عن اللي كنت بتحسه وقت الحادثة."
رفع عمر عينيه ببطء، وكأن الكلمات خرجت من أعماق ذاكرته المدفونة. "كنت شايف الدنيا كلها بتتحول لظلام. كل حاجة حواليّ بقت مرعبة... وكنت سامع أصوات... زي حد بيصرخ جوا دماغي."
الرجل الذي جلس أمامه هو الدكتور سامح، طبيبه النفسي. منذ سنتين، بدأ عمر جلسات العلاج بعد انهياره الكامل إثر الحادثة التي أودت بحياة والديه. حادثة مروعة تركته وحيدًا، يعيش في عالم من الخوف والهلاوس.
"طب والأصوات دي؟ كنت بتسمعها إمتى؟"
"لما كنت لوحدي... لما كنت بحاول أنام... كان في صوت واحد مميز، صوت *** صغير بيصرخ ويناديني."
توقف عمر للحظة، ثم أضاف: "وبعدين بدأت أشوفه... الطفل ده. كان في كل مكان. في الشقة، في الشارع، حتى في المرايا."
سامح كتب بعض الملاحظات على الورق أمامه. "وعايزك تفتكر، الطفل ده... كنت بتحس إنه بيمثّل إيه بالنسبة لك؟"
"كان... كان الخوف اللي جوايا. كنت حاسس إنه انعكاس للي أنا حاسس بيه. بس ساعتها مكنتش فاهم ده."
تذكر عمر التفاصيل كأنها تحدث الآن. العالم من حوله كان يتفكك، يصبح غير مفهوم. الكائنات الغريبة، الطفل الذي يظهر ويختفي، الباب الغامض الذي كان يقف أمامه في أحلامه المتكررة... كل شيء كان جزءًا من عالمه النفسي المضطرب.
---
في الليلة التي فقد فيها والديه، كان عمر جالسًا في المقعد الخلفي للسيارة. صوت الفرامل الحاد، الضوء الساطع القادم من الشاحنة، ثم الصمت المطبق. استيقظ بعدها في المستشفى ليكتشف أنه الناجي الوحيد. ومنذ ذلك الحين، بدأ يشعر بالعزلة والذنب. لماذا هو الذي نجا؟ لماذا لم يكن قادرًا على إنقاذهم؟
---
مع الوقت، أصبح الشعور بالذنب يتحول إلى هلاوس. بدأ يسمع أصواتًا ويشعر بأشياء غريبة حوله. الباب الذي كان يظهر في أحلامه كان يرمز إلى اختياراته: هل سيظل عالقًا في ماضيه، أم سيواجه مستقبله؟ الطفل الذي يطارده كان جزءًا منه، يمثل خوفه وانعزاله.
---
في جلسة العلاج الأخيرة، طلب منه الدكتور سامح أن يغلق عينيه ويتخيل نفسه يقف أمام الباب الذي يظهر دائمًا في أحلامه. "الباب ده بيمثل حاجات كتير يا عمر. لو فتحته، بتفتح لنفسك فرصة تبدأ من جديد. لكن القرار ليك."
في خياله، وقف عمر أمام الباب. كان مترددًا، لكنه شعر أن الوقت قد حان. وضع يده على المقبض، فتح الباب، ورأى نورًا قويًا يغمره بالكامل.
"أنا فتحت الباب، دكتور سامح." فتح عمر عينيه وقال بابتسامة صغيرة.
الدكتور سامح ابتسم. "ممتاز، عمر. دي خطوة كبيرة جدًا."
من تلك اللحظة، بدأ عمر في تقبل ما حدث. لم يكن الأمر سهلًا، لكنه تعلم أن الماضي لا يمكن تغييره، وأنه يستطيع أن يعيش ويصنع حياة جديدة.
---
العِبرة من القصة:
القصة أصبحت تدور حول مواجهة الأحزان والضغوط النفسية، والتعامل مع مشاعر الفقد والذنب. الرسالة هي أن الشفاء ممكن، حتى لو بدا الألم لا يُحتمل في البداية. الماضي قد يكون ثقيلًا، لكنه لا يجب أن يمنعك من التقدم إلى الأمام.
في كتير جدا مش هيعجبه القصه وده طبيعي جدا لاني اول مره اكتب واسف لو انت شايف القصه مش مشوقه واسف لو كنت مستني نهاية احسن او حسيت ببعض الملل في القرائةولكني كتبت القصه دي عشان كل واحد بيقف عند حاجه معينه سواء حبيبته سابته او حد من اهله مات صحيح الفراق صعب لكن دي سنة الحياة محدش باقي
وبشكر جدا اي حد كان بيشجعني علي القصه وبيقول رايه بكل مصداقيه وبتاسف للنبطشي باشا علي اللفظ اللي قولته واللي قولته بغير قصد و**** لوحده يعلم..................
آلَکْآتٌبً آلَمًتٌوٌآضعٌ ŴĮĎỖŴ ϺÃЌẸŘ