حفنة ثلج
مدينة الفاروق- الساعة الثانية صباحا :
كنت عائدا الى المنزل و البرد قد نشر جنوده حول المكان و طوق الحصار ع مدينتي الجميلة و لحبي لها جعلت اعظم شخصية كتبت عنها تسكنها ، انا و جلال السماني نسكن في نفس المدينة وربما التقيت به كثيرا.
النسمات الباردة بدات تداعب اناملي و شعري كطفل يريد اخذ والده لبائع الحلوى فيدغدغه لعله ينالها و كلما توغلت في المدينة ازدادت البرودة اضعافا و بت ارى الزفير يخرج من انفي و فمي كأنني مدخن ماهر ، لا احد في الجوار الا من نباح بعض الكللابب، كان نباح احدهم ينم عن الأسى و رايت في نباحه الالم و الحزن النبيل، نباح خلفه قصة حب عميقة انتهت لتوها، كان جالسا خلف القطيع منعزلا ينبح قائلا: و منذ فراقك الاخير تبعثرت السعادة واصبح القلب منبعه النواح
غيوم الفراق سدت عين الشمس فصرت لا اعلم الليل من الصباح
اشتقت لفروك الدافئ في الفجر حين يقول المؤذن حي على الفلاح
لا توجد كلبة بعدك تسكن القلب و في غيابكم انعدم الجماح
فصرت كلبا اضناه الهوى و كسر قلبه الفراق فلا سبيل الا النباح
كنت استرق السمع، فهجمت علي الكللابب و كان في مقدمتهم ذلك الكلب العاشق، ردت فعلي كانت غريبة جدا توقفت و بدات انظر و اتأملهم كانت المسافة التي تفصل بيننا متران فقط او اكبر بقليل، علت اصواتهم و انا متسمر اشاهدهم و بعد مرور دقيقتين انخفضت اصواتهم مع الاستمرار في النباح و عندما اكتملت خمس دقائق توقفوا جميعهم عن النباح و فر كل منهم هاربا و كأنهم شاهدوا شيئا مفزعا ، إلتفت يمينا ويسارا لا احد في المكان غيري او ربما كان هذا ظني.
ازدادت البرودة و بدات اطرافي ترقص على انغام النسيم البارد تحركت متثاقلا نحو المنزل، شعرت و كأن احدهم يتحرك معي، اشعر بوجود كتلته بالقرب مني لكني لا اراها ابدا.
بدات اسمع صفير الرياح كعامل نظافة غارقا في عمله متناسيا الدنيا و ما بها.
ودون اي سابق انذار بدأ الثلج بالتساقط كانت حبات الثلج المتساقطة بحجم الليمون هشة تذوب عندما تلامس سطح الارض نظرت الى السماء و انا انظر لكرات الثلج المتساقطة لطالما شاهدت هذا المنظر في الافلام.
الان انظر اليه بعين الحقيقة، ياسادة لقد كسر هذا الثلج كل تكهنات علماء الارصاد الجوي و الجغرافية، بطبيعة المنطقة من المستحيل حدوث ذلك و لكنه حدث فعلا.
بدأ الثلج يتساقط بغزارة و اصبح اكثر تماسكا بحيث بدا يظهر ع الارض و قمة الجدران الخارجي للمنازل .
روعة المشهد جعلتني لا اشعر بالبرودة الزائدة في المكان و سرعان ما صارت الارض بيضاء ، غطى الثلج الابيض المكان باكمله.
جلت بناظري في المكان، الثلج على قمة منزل حاج احمد و في الجدران الخارجية و في الارض و صل مستواه الى نصف الجدران كان لدى الحاج احمد سورا خارج المنزل "درابزين" مصنوع من الخشب اصبح ابيضا بعد ان دهن بالثلج و لم تبرز الا بعض الخشبات لتعلن عن وجودها، بالقرب منه كان هنالك اطار سيارة قديم من ناقلات الديزل مطمورا في الارض يظهر نصفه الاعلى اعتاد ان يجلس عليه الحاج احمد و هو يسقي الشجيراته، ذلك الاطار زين بالابيض كالعروس لحظة دخولها لصالة العرس جمال الابيض يجعل الكل ينظر اليها مع لمعة في العين و كذلك الاطار، حتى الاشجار غطاها الثلج و صارت اشجار النيم في المدينة كعجوز دخل عليها الخرف فكشفت راسها و بان الشيب الكثير في راسها، وقع ناظري امام دكان الامين و كانت لديه مظلة غطائها من الزنك الامريكي من الاعلى فقط ، لم تسلم من سقوط الثلج عليها، كان على شكل كتل تشبه الدم المتخنصر في الشكل، ملمسها يذكرني بذلك الثلج الناعم الذي ينشأ بين جنبات الثلاجة " فيرزار" بالداخل، فقط ما يفرقهما ان هذا الثلج اكثر تماسكا.
بدات اتحرك و انا اسمع صوت تكسر الثلج مع وقع اقدامي عليه، هو نفس الاحساس و الصوت عندما تتقشر الارض بعد مرور ايام من ارتوائها و تظهر تلك الطبقات المقرمشة عليها.
اثار حذائي كانت واضحة جدا راودني ذلك الشعور مرة اخرى هنالك كتلة تتحرك معي و بجانبي لكن لا اراها.
سمعت صوت حركة اقدام قادمة من الخلف.
التفت لاجد خلفي "الرشأ" يقف و هو يشاهدني كان صغيرا في عمره لم ينبت له اي قرن، حوافره صغيرة، تعلم المشي للتو، حرك بحوافره الثلج من على الارض باحثا عن العشب و مع ذلك كان مستمر في التحديق بي،كان بنيا اللون، لديه اذنان طويلتان قليلا يحركهما في كل لحظة. ثم ظهرت بعد ذلك امه اظنها كانت تبحث عنه،لم ارى ظبية في روعتها لديها قرنان طويلان يشبهان النيل و روافده او كشتلة بها عدة فروع، لم تقع عيناها علي و كأنها لا تشاهدني، لم تمكث طويلا تحركت و قد تبعها صغيرها و لكن كانت تفعل شيئا غريبا عندما تنزل حوافرها في الارض و حين ترفعها يصبح اثر حوافرها، ذو لونا وريدا يستمر لبضعة ثواني ثم يختفي و كذلك صغيرها، يتحركان في تناغم تام، ورويدا رويدا تلاشت اجسادهما مع الافق البعيد.
سقطت على ظهري في الثلج و بت اضحك مقهقها قائلا: اين انا؟؟
اصبح نظري مقابلا للسماء فتوقف الثلج عن النزول و اصبحت ارى ذلك البخار الذي ينتج عن البرودة الشديدة كان كثيفا فصنع ضبابا في الفضاء لا تستطيع رؤية السحاب او اي شيئا اخر..
سمعت صوت اقدام التفت لاجد شابا في نفس عمري، صاحب عينين متوسطتي الحجم مشدودتين قليلا الى الوراء لديه لحية ليست بالكثيفة، تغطي فكه ع شكل الحرف الانجليزي إل "L" تتقابل مع شاربه شعره ليس كثيفا " جوردن" نظر الي و لما تعرف علي قال: ماذا تفعل يا سيدي في مثل هذا الوقت و المناخ؟ .
ابتسمت ثم قلت: تعال يا جلال اجلس بالقرب مني،
و كأنه كان ينتظر هذه اللحظة سقط على ظهره ثم التفت الي قائلا: عن ماذا تبحث؟
اجبته بسرعة: عنك؟
رمقني بنظرة فيها الكثير من الاسئلة فسترسلت قائلا: جلال، انت تمثل رغباتي الضائعة التي لم احققها ، شرطي ناجح، كل من في الداخلية يعرفك و تلقب بالثعلب، لديك منزل و زوجة جميلة تعشقك حد الجنون و ابن يحمل اسمك و جيناتك فريق تحري يساعدك لبلوغ اهدافك كل شي لديك الجاه، المال، السلطة، الشهرة و الحب.
نظر الى الضباب ثم قال : هل هذه كانت رغباتك و طموحاتك؟؟
كانت، الان لا تشغل حيزا في قلبي ابدا صارت رغبات قديمة حبيسة مخازن عقلي الباطن فخرجت و شكلت شخصيتك لذلك كلما راودني الحنين لها، ابحث عنك و اكتب قصصا عنك لانك انعكاسها.
استقام جلال من جلسته ثم اخذ حفنة من ثلج و وضعها في جيبي ثم قال: اسمعني جيدا ايها الكاتب كمية الثلج التي في جيبك مع مرور الوقت سوف تختفي و تتلاشى و كذلك الرغبات، اما ان تجلس في مكان بارد للمحافظة عليها كما هي او تدعها تتلاشى و تجلب اخرى يمكنك تحقيقها قبل ان تتلاشي و عليك ان تعلم ان الجلوس في مكان بارد لفترة طويلة سيجعلك تمرض.
استيقظت من نومي على كلمات جلال السماني الثمينة، و ما ان تحركت شعرت ببعض البلل على جيبي ادخلت يدي لاخرج حفنة الثلج و هي في حالة ذوبان.
مدينة الفاروق- الساعة الثانية صباحا :
كنت عائدا الى المنزل و البرد قد نشر جنوده حول المكان و طوق الحصار ع مدينتي الجميلة و لحبي لها جعلت اعظم شخصية كتبت عنها تسكنها ، انا و جلال السماني نسكن في نفس المدينة وربما التقيت به كثيرا.
النسمات الباردة بدات تداعب اناملي و شعري كطفل يريد اخذ والده لبائع الحلوى فيدغدغه لعله ينالها و كلما توغلت في المدينة ازدادت البرودة اضعافا و بت ارى الزفير يخرج من انفي و فمي كأنني مدخن ماهر ، لا احد في الجوار الا من نباح بعض الكللابب، كان نباح احدهم ينم عن الأسى و رايت في نباحه الالم و الحزن النبيل، نباح خلفه قصة حب عميقة انتهت لتوها، كان جالسا خلف القطيع منعزلا ينبح قائلا: و منذ فراقك الاخير تبعثرت السعادة واصبح القلب منبعه النواح
غيوم الفراق سدت عين الشمس فصرت لا اعلم الليل من الصباح
اشتقت لفروك الدافئ في الفجر حين يقول المؤذن حي على الفلاح
لا توجد كلبة بعدك تسكن القلب و في غيابكم انعدم الجماح
فصرت كلبا اضناه الهوى و كسر قلبه الفراق فلا سبيل الا النباح
كنت استرق السمع، فهجمت علي الكللابب و كان في مقدمتهم ذلك الكلب العاشق، ردت فعلي كانت غريبة جدا توقفت و بدات انظر و اتأملهم كانت المسافة التي تفصل بيننا متران فقط او اكبر بقليل، علت اصواتهم و انا متسمر اشاهدهم و بعد مرور دقيقتين انخفضت اصواتهم مع الاستمرار في النباح و عندما اكتملت خمس دقائق توقفوا جميعهم عن النباح و فر كل منهم هاربا و كأنهم شاهدوا شيئا مفزعا ، إلتفت يمينا ويسارا لا احد في المكان غيري او ربما كان هذا ظني.
ازدادت البرودة و بدات اطرافي ترقص على انغام النسيم البارد تحركت متثاقلا نحو المنزل، شعرت و كأن احدهم يتحرك معي، اشعر بوجود كتلته بالقرب مني لكني لا اراها ابدا.
بدات اسمع صفير الرياح كعامل نظافة غارقا في عمله متناسيا الدنيا و ما بها.
ودون اي سابق انذار بدأ الثلج بالتساقط كانت حبات الثلج المتساقطة بحجم الليمون هشة تذوب عندما تلامس سطح الارض نظرت الى السماء و انا انظر لكرات الثلج المتساقطة لطالما شاهدت هذا المنظر في الافلام.
الان انظر اليه بعين الحقيقة، ياسادة لقد كسر هذا الثلج كل تكهنات علماء الارصاد الجوي و الجغرافية، بطبيعة المنطقة من المستحيل حدوث ذلك و لكنه حدث فعلا.
بدأ الثلج يتساقط بغزارة و اصبح اكثر تماسكا بحيث بدا يظهر ع الارض و قمة الجدران الخارجي للمنازل .
روعة المشهد جعلتني لا اشعر بالبرودة الزائدة في المكان و سرعان ما صارت الارض بيضاء ، غطى الثلج الابيض المكان باكمله.
جلت بناظري في المكان، الثلج على قمة منزل حاج احمد و في الجدران الخارجية و في الارض و صل مستواه الى نصف الجدران كان لدى الحاج احمد سورا خارج المنزل "درابزين" مصنوع من الخشب اصبح ابيضا بعد ان دهن بالثلج و لم تبرز الا بعض الخشبات لتعلن عن وجودها، بالقرب منه كان هنالك اطار سيارة قديم من ناقلات الديزل مطمورا في الارض يظهر نصفه الاعلى اعتاد ان يجلس عليه الحاج احمد و هو يسقي الشجيراته، ذلك الاطار زين بالابيض كالعروس لحظة دخولها لصالة العرس جمال الابيض يجعل الكل ينظر اليها مع لمعة في العين و كذلك الاطار، حتى الاشجار غطاها الثلج و صارت اشجار النيم في المدينة كعجوز دخل عليها الخرف فكشفت راسها و بان الشيب الكثير في راسها، وقع ناظري امام دكان الامين و كانت لديه مظلة غطائها من الزنك الامريكي من الاعلى فقط ، لم تسلم من سقوط الثلج عليها، كان على شكل كتل تشبه الدم المتخنصر في الشكل، ملمسها يذكرني بذلك الثلج الناعم الذي ينشأ بين جنبات الثلاجة " فيرزار" بالداخل، فقط ما يفرقهما ان هذا الثلج اكثر تماسكا.
بدات اتحرك و انا اسمع صوت تكسر الثلج مع وقع اقدامي عليه، هو نفس الاحساس و الصوت عندما تتقشر الارض بعد مرور ايام من ارتوائها و تظهر تلك الطبقات المقرمشة عليها.
اثار حذائي كانت واضحة جدا راودني ذلك الشعور مرة اخرى هنالك كتلة تتحرك معي و بجانبي لكن لا اراها.
سمعت صوت حركة اقدام قادمة من الخلف.
التفت لاجد خلفي "الرشأ" يقف و هو يشاهدني كان صغيرا في عمره لم ينبت له اي قرن، حوافره صغيرة، تعلم المشي للتو، حرك بحوافره الثلج من على الارض باحثا عن العشب و مع ذلك كان مستمر في التحديق بي،كان بنيا اللون، لديه اذنان طويلتان قليلا يحركهما في كل لحظة. ثم ظهرت بعد ذلك امه اظنها كانت تبحث عنه،لم ارى ظبية في روعتها لديها قرنان طويلان يشبهان النيل و روافده او كشتلة بها عدة فروع، لم تقع عيناها علي و كأنها لا تشاهدني، لم تمكث طويلا تحركت و قد تبعها صغيرها و لكن كانت تفعل شيئا غريبا عندما تنزل حوافرها في الارض و حين ترفعها يصبح اثر حوافرها، ذو لونا وريدا يستمر لبضعة ثواني ثم يختفي و كذلك صغيرها، يتحركان في تناغم تام، ورويدا رويدا تلاشت اجسادهما مع الافق البعيد.
سقطت على ظهري في الثلج و بت اضحك مقهقها قائلا: اين انا؟؟
اصبح نظري مقابلا للسماء فتوقف الثلج عن النزول و اصبحت ارى ذلك البخار الذي ينتج عن البرودة الشديدة كان كثيفا فصنع ضبابا في الفضاء لا تستطيع رؤية السحاب او اي شيئا اخر..
سمعت صوت اقدام التفت لاجد شابا في نفس عمري، صاحب عينين متوسطتي الحجم مشدودتين قليلا الى الوراء لديه لحية ليست بالكثيفة، تغطي فكه ع شكل الحرف الانجليزي إل "L" تتقابل مع شاربه شعره ليس كثيفا " جوردن" نظر الي و لما تعرف علي قال: ماذا تفعل يا سيدي في مثل هذا الوقت و المناخ؟ .
ابتسمت ثم قلت: تعال يا جلال اجلس بالقرب مني،
و كأنه كان ينتظر هذه اللحظة سقط على ظهره ثم التفت الي قائلا: عن ماذا تبحث؟
اجبته بسرعة: عنك؟
رمقني بنظرة فيها الكثير من الاسئلة فسترسلت قائلا: جلال، انت تمثل رغباتي الضائعة التي لم احققها ، شرطي ناجح، كل من في الداخلية يعرفك و تلقب بالثعلب، لديك منزل و زوجة جميلة تعشقك حد الجنون و ابن يحمل اسمك و جيناتك فريق تحري يساعدك لبلوغ اهدافك كل شي لديك الجاه، المال، السلطة، الشهرة و الحب.
نظر الى الضباب ثم قال : هل هذه كانت رغباتك و طموحاتك؟؟
كانت، الان لا تشغل حيزا في قلبي ابدا صارت رغبات قديمة حبيسة مخازن عقلي الباطن فخرجت و شكلت شخصيتك لذلك كلما راودني الحنين لها، ابحث عنك و اكتب قصصا عنك لانك انعكاسها.
استقام جلال من جلسته ثم اخذ حفنة من ثلج و وضعها في جيبي ثم قال: اسمعني جيدا ايها الكاتب كمية الثلج التي في جيبك مع مرور الوقت سوف تختفي و تتلاشى و كذلك الرغبات، اما ان تجلس في مكان بارد للمحافظة عليها كما هي او تدعها تتلاشى و تجلب اخرى يمكنك تحقيقها قبل ان تتلاشي و عليك ان تعلم ان الجلوس في مكان بارد لفترة طويلة سيجعلك تمرض.
استيقظت من نومي على كلمات جلال السماني الثمينة، و ما ان تحركت شعرت ببعض البلل على جيبي ادخلت يدي لاخرج حفنة الثلج و هي في حالة ذوبان.