صباح الفل او مساء الفل
حسب وقت قرايتك للقصه
بصوا أنا مش اول مرة أكتب قصة
بس اول مره اخد خطوه اني اشاركها معاكم
فحاسس بحماس كده مع شوية توتر (خير خير شعور اول قصه)
حابب اقول ان القصة دي كانت تجربة ممتعة جدًا، وخصوصًا إن كتابتها حصلت بالتعاون مع الأخت الغالية جدا عليا @L A I L ، اللي بصراحة كان وجودها عامل أساسي في إن القصة تشوف النور.
بصراحة، انا مستعد أسمع أي نقد، سواء كان سلبي أو إيجابي، عشان أتعلم وأتحسن.
كفايه رغي كده واسيبكم مع القصه
ومستني رايكم في الكومنتات!
في الليالي الهادئة، حيث تنبض المستشفى بصمت ثقيل، كان أحمد يجلس وحيدًا في غرفة الطوارئ، يحاول مقاومة الإرهاق الذي بدأ يتسلل إلى جسده بعد مناوبة طويلة. الضوء الخافت للمصابيح المتذبذبة يزيد من وطأة الوحدة، بينما تصدر الأجهزة الطبية أصواتًا رتيبة، وكأنها تحاول أن تذكره بأن الحياة والموت هنا مجرد نبضة.
في تلك اللحظة، لمح زميله يمر مسرعًا، وجهه شاحب ويداه ترتجفان. "لا تقترب من الغرفة 404،" قالها بصوت متقطع، قبل أن يختفي خلف أحد الأبواب.
لم يهتم أحمد بالبداية، ظنها مجرد خرافة أخرى يرويها العاملون في المستشفى لتسلية أنفسهم. لكنه لم يكن يعلم أن تلك الغرفة لم تكن مجرد خرافة... بل كانت لعنة تنتظر من يجرؤ على الاقتراب.
"قبل ما أحكيلك عن اللي حصل في المستشفى وعن الغرفة 404،
لازم أرجع بيك لورا....لورا جدًا. كل حاجة بدأت وأنا *** صغير، *** كان أكبر همه في الدنيا هو إنه يعيش في حضن أمه، اللي كانت بالنسبة له الدنيا كلها. يمكن لو عرفت أحمد الصغير، هتفهم أحمد اللي قدامك دلوقتي."
"كل لحظة كانت معاها مختلفة. أمي ما كانتش بس أمي... كانت عالمي كله. كنت أحس إن الدنيا كلها بتتسع لما أكون في حضنها. صوتها كان له طعم مختلف، كأنه موسيقى بتطمن قلبي مهما حصل.
فاكر أول مرة حسيت بالخوف كنت صغير، يمكن خمس سنين، والدنيا كانت مقلوبة بعاصفة كبيرة. والريح كانت بتخبط في الشباك، وصوت الرعد كان كأنه وحش بيصرخ برا. جريت عليها وأنا بعيط. ما قلتش حاجة، بس حضنتني، ولقيتها بتهمس في ودني:
'مش مهم الدنيا برا شكلها إيه، طول ما أنا معاك، ما تخافش.'
وفي ليلة تانية، كنت سخن جدًا، وكنت بتقلب في السرير مش قادر أنام. كل اللي فاكره إن إيديها كانت على جبيني، وبتقول لي:
'أنت قوي يا أحمد، وإحنا هنعدي ده مع بعض.'
كانت تقعد جنبي طول الليل، تمسك كتاب وتقرأ لي بصوت هادي. مرة كانت بتحكي لي عن النجوم، وإزاي كل نجمة عندها قصة، وإزاي الناس زمان كانوا يستخدموها عشان ما يتوهوش.
'شوف يا أحمد، لو يوم حسيت إنك تايه، افتكر إنك زي النجوم. حتى لو الدنيا ضلمة، دايمًا في ضوء جواك.'
أمي كانت مختلفة عن أي حد أعرفه. كانت دايمًا تلاقي طريقة تخلي كل حاجة ممتعة. مرة كنت قاعد في البيت زهقان، وطلبت منها نلعب مع بعض. لقيتها جايبة كرتونة كبيرة من المخزن، وقعدنا نلونها ونقلبها مركبة فضائية.
'إحنا دلوقتي في الفضاء يا أحمد! شايف الكوكب اللي هناك؟'
أنا ضحكت وقلت لها:
'أيوة شايفه! ده شكلو كبير أوي!'
كنا نقضي ساعات نلعب، نرسم، نحكي حكايات. حتى لما كان عندي واجب مدرسي صعب، كانت تقعد معايا وتقول:
'ما تخافش، إحنا فريق. هتحله وهتبقى أحسن واحد.'
كان عندنا عادة ما تفوتش. كل يوم بعد المغرب، كنا نقعد في البلكونة نشرب شاي. هي بشايها الداكن اللي كان له ريحة مميزة، وأنا بشاي اللبن بتاعي. كنا نراقب الشمس وهي بتغيب، وتقول لي:
'كل نهاية هي بداية لحاجة جديدة. زي الشمس لما تغيب، بكرة ترجع تشرق.'
في يوم، وأنا ***، سألتها:
'إنتي بتحبيني قد إيه؟'
هي ابتسمت ومسكت إيدي وقالت:
'بحبك قد البحر وسمكاته، لا لا قد الهوا وذراته، لا لا قد التراب وحباته، لا لا قد السما ونجومها.'
وقتها قعدت اضحك والفرحه كانت ماليه قلبي
انا فاكر كويس اول وعد قطعته ليها والي غير حياتي كتير
في مره كنت واقع في مشكلة كبيرة في المدرسة. كنت صغير، وواحد من صحابي ضحك عليا قدام الفصل كله. رجعت البيت وأنا زعلان جدًا، عيني فيها دموع، وحاسس إن الكل بيتريق عليا.
أمي خدتني في حضنها وقالت:
'اسمعني يا أحمد. الناس ممكن يضحكوا عليك، ممكن يجرحوك، بس اللي أهم من ده إنك ما تخليش حد يغير اللي جواك. إنت أحسن من أي حاجة ممكن يقولها حد.'
الكلام ده ما كانش مجرد كلمات. كان زي عهد بيني وبينها. من اللحظة دي، كنت دايمًا أرجع لها مهما حصل. كنت عارف إن حضنها هو المكان الوحيد اللي يقدر يطمني.
حتى الحاجات العادية في حياتنا كانت بتتحول لذكريات جميلة. فاكر يوم لما خدتني السوق معاها لأول مرة. كنت ماسك إيدها، وهي بتختار الخضار بكل حماس.
'أحمد، تعرف إن البسله دي ليها فوائد كتير؟'
أنا كنت أبص لها مستغرب:
'يعني إيه فوائد؟'
ضحكت وقالت:
'يعني بتخليني أعمل ليك أكلك بحب أكتر.'
كانت تطبخ لي أكلتي المفضلة ، وتقول:
'الأكل اللي يتعمل بحب بيبقى له طعم تاني. عشان كده أنا بحط كل الحب اللي عندي هنا.'
تعرف ي عزيزي القارئ الجميل علاقتي بأمي ما كانتش مجرد علاقة بين أم وابنها. كانت أكتر من كده بكتير.
كنت حاسس إنها صديقتي، معلمتي، وحياتي كلها. كل لحظة معاها كانت درس، وكل كلمة منها كانت وعد إن مهما حصل، هي موجودة.
كانت دايمًا تشجعني أكون أفضل نسخة من نفسي.
'أحمد، أوعى تخاف من الفشل. لو وقعت، قوم تاني. ولو مفيش حد يساعدك، اعتمد على نفسك. أنا عارفه إنك تقدر.'
الحاجات دي فضلت معايا طول حياتي. كلماتها كانت زي وشم محفور جوايا، وكل لحظة كنت أقضيها معاها كانت زي كنز مستحيل يتعوض.
"كنت بحب أيام الاجازه جدا، مش عشان ما فيش مدرسة، لكن عشان كنت أقضيها كلها مع أمي. كل جمعة كانت تصحيني على ريحة الفطير اللي بتعمله. تدخل أوضتي وهي ماسكة صينية صغيرة وعليها كباية لبن ساخنة وطبق صغير فيه حتت فطير لسة طالعة من الفرن.
'صباح الخير يا بطلي ي صغنن. قوم نفطر، عندنا يوم طويل!'
وبعد الفطار، كانت تقول لي:
'إيه رأيك نخرج شوية؟'
ناخد المواصلات لحد أقرب جنينة صغيرة، ونقعد على النجيلة. هي تفرد غطا صغير وتطلع كيس فيه تفاح متقطع أو شوية سندوتشات.
'الهدوء ده يا أحمد زي البحر. لما تسمعه، بتحس إنك عايش.'
وأنا كنت فعلاً بحس بكده. كنت أتفرج عليها وهي بتقرأ كتاب صغير، ولما تخلص، تحكي لي القصة كأنها بتاخدني لعالم جديد."
"وقت النوم كان دايمًا مميز. بعد العشا، كانت تاخدني وأقعد جنبها على الكنبة. كنا نعمل جلسة 'أسرار'. كل ليلة أقول لها حاجة حصلت لي في المدرسة، أو حاجة مخبيها جوايا.
'مفيش حاجة تستاهل إنك تخبيها عني يا أحمد. أنا دايمًا هنا.'
كنت أحكي لها عن كل حاجة: خوفي، أحلامي، حتى الحاجات اللي ما كنتش فاهمها. وهي كانت دايمًا تطمني بكلمة أو حضن. كانت تخليني أحس إن مفيش مشكلة أكبر من إنها تتحل."
"مرة كنا بنجهز البيت للعيد. قعدنا نزين الأوضة بشرايط ملونة وبلالين. فجأة، لقيتها ماسكة بلونة وضربتني بيها على راسي.
'ها يا أحمد، مستعد للحرب؟'
أنا طبعًا ما سكتش. مسكت بلونة وضربتها. فضلنا نضحك ونلعب لحد ما تعبنا وقعدنا على الأرض. بصت لي وقالت:
'ضحكتك هي أهم حاجة عندي، يا أحمد. ما تخليش حاجة في الدنيا تخدها منك.'
الكلام ده لسة بيرن في وداني، لحد النهارده
"مرة كنا في ليلة صافية، والنجوم مليا السما. كنت واقف جنبها في البلكونة، وأشاور على النجوم.
'يا ترى يا ماما، في إيه ورا النجوم دي؟'
هي بصت لي وقالت:
'في عالم مليان سحر وجمال. كل نجمة هناك بتحكي قصة، ودي النجمة بتاعتك.'
أنا استغربت وقلت لها:
'إزاي يعني دي نجمتي؟'
ردت بابتسامة:
'كل واحد فينا ليه نجمة. لما تبقى تايه أو محتاج حد، بص للنجمة دي. هتلاقيها بتقول لك إنك مش لوحدك.'
ومن يومها، النجمة دي كانت دايمًا بتطمني. حتى لما الدنيا بتضيق عليا، كنت أبص للسما وألاقيها هناك."
"فاكر يوم ما كانت قاعدة على السرير، بتخيط حاجة بسيطة. قعدت جنبها وسألتها:
'إيه أكتر حاجة نفسك فيها يا ماما؟'
هي بصت لي بحنان وقالت:
'أكتر حاجة نفسي فيها؟ إني أشوفك سعيد. أيا كان اللي هيحصل في حياتك، أوعى تنسى إنك أهم حاجة بالنسبة لي.'
الكلام ده فضل محفور في قلبي. وده اللي خلاني أتمسك بيها أكتر، وأحس إن كل لحظة معاها هي كنز مش ممكن يتكرر."
لحد مجهه اليوم الي غير كل حاجه
كان يوم جمعة، يوم كله ريحة البركة والراحة. أمي صحّتني بدري كالعادة، وهي مبتسمة ابتسامتها اللي تقدر تنور حتى أغمق الأماكن.
"يلا يا أحمد، البس بسرعة. هنسافر نزور خالك وجدّتك. ما ينفعش نسيبهم من غير ما نطمن عليهم."
كنت فرحان. دايمًا كنت أحب زيارة بيت خالي. البيت كان قديم شوية، بس فيه حاجة بتخليه دافي، يمكن عشان الضحك اللي ما كانش بيخلص فيه. جهزت شنطة صغيرة فيها لعبتي المفضلة وكتاب، وحطت أمي شوية حاجات في شنطة تانية، كانت دايمًا تحب تودي لهم هدايا أو أكل تحضّره بنفسها.
وصلنا عند بيتهم مع الظهر. البيت كان في منطقة هادية، مليانة شجر كأنه بيحكي قصص الزمن القديم. جدّتي كانت واقفة عند الباب لما شافتنا، ووشها نور بمجرد ما لمحت أمي.
"تعالي يا بنتي، تعالي يا نور البيت."
كانوا بيحبوا أمي جدًا. كانوا يشوفوها زي الرابط اللي بيجمع الكل، ودايمًا يقولوا إنها أطيب حد في العيلة.
"وأحمد فين؟ أحمد حبيب تيتا!" جدّتي قالتها وهي بتفتح إيديها عشان تحضني.
قضينا اليوم كله وسط الدفا ده. أمي كانت قاعدة في المطبخ مع خالي ومراته وجدتي، يحكوا ذكريات قديمة ويضحكوا. وأنا كنت بلعب مع أولاد خالي في الجنينة، نعمل مركب من ورق الشجر ونرميه في الميه اللي بتتجمع تحت الحنفية المكسورة.
في وسط اللعب، شفت أمي وهي خارجة من المطبخ، شايلة صينية فيها شاي وشويه حلويات صغيرة. وقفت تبص عليا، وضحكت وهي تقول:
"يا أحمد، ما تهدّى شوية، هتتعب نفسك كده!"
جريت ناحيتها وقلت:
"لازم ألعب عشان أبقي قوي ونشيط، مش إنتي دايمًا بتقولي كده؟"
ابتسمت ومسحت على شعري وقالت:
"آه يا حبيبي، بس خلي بالك من نفسك. أنت أهم حاجة عندي."
حسيت بالكلام ده بيدفي قلبي. كانت دايمًا تهتم بي بطريقة ما حدش يقدر يعملها. كانت تشوفني زي كنز صغير، وأنا كنت أشوفها الدنيا كلها.
بعد ما خلصنا زيارتنا، ودّعنا أهل أمي، وكانوا بيطلبوا منا نطوّل في المرة الجاية. ركبت العربية جنبها، وأنا ماسك إيدها الصغيرة.
"استمتعت يا بطلي؟" سألتني وهي بتبتسم.
"أيوه جدًا. أنا بحب أروح عند خالي وجدتي."
"خلاص ي صغنن، هنوعدهم إننا نيجي أكتر الفترة الجاية."
الدنيا كانت هادية في الطريق. الشمس بدأت تغيب، والسماء اتلونت بلون برتقالي جميل. أنا كنت نايم على كتف أمي، وهي بتسوق بهدوء. فجأة، صوت فرامل العربية قطّع هدوء المشهد.
كنت فايق بس مش قادر أتحرك. شفت نور قوي جاي ناحيتنا. أمي حاولت تنحرف بالعربية، بس الوقت كان أقصر من أي قرار.
صوت الاصطدام كان زي الانفجار في وداني. حسيت بجسمي بيتحرك بقوة ناحية الزجاج، وكل حاجة حواليا بقت ضباب. آخر حاجة شفتها كانت أمي، وهي بتحاول تحميني بدراعها، وكأنها بتواجه العالم كله عشاني.
كان كل حاجه حواليّا ضبابيه. أصوات الإسعاف في الخلفية، وصراخ ناس ما كنتش قادر أميز وجوههم. الوقت كأنه وقف عند لحظة الاصطدام، لكن عقلي كان مشغول بحاجه واحدة: "أمي فين؟"
حاولت أفتح عيني، شفت الدنيا مشوشة. الزجاج المكسور كان حوالينا زي أشواك، وريحة الدخان مليّة العربية. بصيت ناحيتها. أمي كانت ساكنة، دراعها كان لسه ممتد ناحيتي كأنها بتحميني حتى في غياب وعيها.
"أمي! قومي... قومي!" صرخت ، لكن صوتي كان أضعف من أي وقت فات. حاولت أفك الحزام اللي كان رابطني، بس إيدي كانت بترتعش. لمست كتفها بهدوء، زي اللي خايف يكتشف الحقيقة.
صوت خطوات ناس بدأت تقرب. حد بيحاول يفتح باب العربية، واحد تاني بيصرخ:
"في *** جوه!"
كنت سامع كلامهم، لكن عقلي كان لسه مركز على أمي. كل حاجة حواليّا كانت بطيئة، وكأن الزمن بيختبرني.
فتحوا الباب، وشالوني بحذر. حسيت بأيدين قوية بتسحبني بعيد عن الكرسي. "سيبوني، أمي جوه!" صرخت وأنا بحاول أفلت منهم، لكن ما كانش عندي قوة. بصيت ورايا، شفتهم بيشيلوها من العربية، مغطّية بالدم، ووشها ما زال محتفظ بهدوئه اللي دايمًا كنت بشوفه عليها.
وصلنا المستشفى، الإضاءة القوية خلتني أغمض عيني، لكن عقلي كان صاحي لكل حاجه. حطوني على سرير، وسمعت الدكتور بيقول:
"الولد عنده كدمات، بس حالته مستقرة."
لكن ما حدش كان بيتكلم عن أمي.
بصيت ناحية باب غرفة العمليات اللي دخلوها فيها. كان مقفول وعليه علامة "ممنوع الدخول". كنت قاعد على السرير، وفيه ممرضة بتحاول تطمّني، لكن كلامها ما كانش واصل لوداني اصلا. كل اللي كنت سامعه هو صوت قلبي اللي بينبض بسرعة، وصورة أمي وهي ساكنة في العربية قدامي.
بعد ساعات ما أعرفش عدّت إزاي، خرج الدكتور. كنت شايف التعب على وشه، كأنه كان بيحارب حاجة ما قدرش يغلبها. قرب من أبويا اللي كان لسه واصل، وقال بصوت واضح ومؤلم:
"البقاء ***. حاولنا بكل الطرق، بس الإصابات كانت شديدة جدًا."
حسيت إن العالم كله بيقع فوق راسي. صوتي خرج منّي تلقائي:
"لااااااااااااااااااااااااااااا!"
جريت ناحية الغرفة، وما حدش قدر يوقفني. شفتها ممددة على السرير، جسمها هادي، ووشها ما زال جميل، لكن البرودة كانت واضحة. مسكت إيدها، كانت باردة زي التلج. دموعي نزلت زي الشلالات وأنا بقول:
"أمي، ما تسيبينيش... لو سمحتي، اصحي."
اصحي ي ماما عشان خاطري عشان خاطر الصغنن بتاعك
لو سمحتي اصحيييييييييييييي
فضلت قاعد جنبها، وعيوني عامله زي الشلال مش قادر ابطل عياط وامنع دموعي
فضلت ماسك إيدها ومش قادر أصدق اللي حصل. كل لحظة قضيناها سوا بدأت ترجع لعقلي زي شريط فيلم بطيء. ضحكتها وهي بتلعب معايا، صوتها وهي بتحكي لي قصص قبل النوم، وابتسامتها وهي بتصحيني للمدرسة كل يوم.
لكن كل ده اتحوّل لواقع جديد، واقع مظلم مليان فراغ كبير.
من اللحظة دي، حسيت إني ما عدتش نفس الشخص. أمي كانت كل حاجة بالنسبة لي، كانت السند والدفا، ولما راحت، جزء كبير مني راح معاها. ده ان مكنش كل حاجه راحت معاها
حياتي بدأت تتحول. بقيت أقضي وقتي في صمت، بغرق في ذكرياتها. كل كتاب كنت أفتحه كنت أحس إنها جنبي، بتشجعني. وكل مرة كنت أبص للسماء وقت المطر، كنت أسمع صوتها وهي بتقول:
"الدنيا لسه بخير."
لما خسرت أمي، الدنيا كلها بقت رمادية. الصبح ما بقاش ليه معنى، الليل بقى أطول من المعتاد، والهدوء بقى زي صوت صراخ ما بيسكتش. البيت اللي كان مليان ضحك ودفا، بقى صامت بشكل مخيف. كنت بصحى على سريري وأمد إيدي على أمل ألاقيها لسه جنبي، زي ما كانت دايمًا. لكن الحقيقة كانت أقسى من أي كابوس.
بعد ما دفناها، حسيت إن الدنيا دفنتني معاها. ما كنتش عايز أشوف حد، ولا أسمع حد. بقيت أقعد لوحدي في الأوضة، والكتاب اللي كانت بتقراه ليا قبل ما أنام بقى صاحبي الوحيد. كنت أقرا كل حرف وكأني بحاول أسمع صوتها من تاني.
مرة كنت ماسك فستانها اللي كان لسه ريحته موجودة، وعيوني غرقانة في دموع مش عارف أوقفها. سألت نفسي:
"ليه؟ ليه راحت؟ ليه سابتني لوحدي؟"
ليه اتخليتي عني ي ماما؟ ليه خلفتي بوعدك ليا؟
عشان خاطري ارجعي ي ماما، وحشتيييينيييي
لكن ما كانش فيه إجابة، وكان كل اللي حواليا بيقول لي إن العالم ماشي، حتى لو أنا وقفت.
في أول شهرين، النوم كان أكبر عدو. كل ما أنام، أشوفها. مرة بشوفها بتضحك وتمد إيدها لي، ومرة بشوفها وهي بتبعد عني وسط ضباب كتير بتفضل تختفي فيه. كنت بصحى على صراخ مكتوم، وقلبي بيتخبط كأني لسه عايش لحظة الحادثة.
مرة صحيت في نص الليل، والدنيا ظالمه خالص. كنت حاسس بوجودها في الأوضة، مش زي شبح... لا، زي ما تكون واقفة جنبي، بتحاول تطمني. حاولت أقوم، بس كنت متكتف، زي ما يكون الحزن نفسه بيحاصرني.
أبويا حاول يقرب مني، بس كانت المسافة اللي بينّا كبيرة. هو كان بيعاني بطريقته، وأنا كنت غرقان في طريقتي. بعد فترة قصيرة، قرر يتجوز عشان "يحاول يلاقي استقرار"، حسب كلامه. كنت واقف جنب الباب وهو بيكلمني عن قراره، بس ما كنتش سامع ولا كلمة. اللي فهمته هو إن أمي فعلاً راحت، والفراغ اللي سابته بدأ يتعبه.
مرات أبويا دخلت حياتنا زي إعصار. من أول يوم، كنت حاسس إنها مش حابة وجودي. دايمًا بتبص لي نظرة باردة، وكأني عبء على حياتها الجديدة.
بداية المعاناة كانت صغيرة، لكن مع الوقت الأمور بقت أسوأ. كانت تتعمد تضايقني، سواء بكلمة جارحة أو بإهانة قدام أبويا. مرة، كسرت لعبتي الوحيدة اللي أمي كانت جايباها لي، ولما واجهتها، قالت:
"أنت كبير دلوقتي. ما ينفعش تفضل ماسك في حاجات تافهة زي دي."
وفي مرة تانية، كنت قاعد أذاكر، ودخلت الأوضة وقلبت الكتب على الأرض. "ما تتعبش نفسك، عمرك ما هتوصل لحاجة!"
كنت بحاول أشتكي لأبويا، لكن كل مرة كان يقولي:
"هي اكيد مش قصدها. حاول تفهم، ده ضغط الحياة."
لكني كنت عارف إنها بتعمل كل ده عن عمد.
الكتب بقت ملاذي الوحيد. بدأت أقرا عن كل حاجة، الكتب بقت هي العالم الي صنعته لنفسي العالم الي بقيت اهرب ليه
وبالأخص الكتب الي امي سابتها ليا كنت بحس انها جمبي وانا بقرأ الكتب دي
كنت بقعد بالساعات فالمكتبه بقرأ او يمكن كنت بنفصل عن العالم
جدي من ناحية أبويا كان الوحيد اللي حسيت إنه شايفني بجد. في مرة لما زارنا، لقاني قاعد لوحدي في الجنينة، ماسك كتابي القديم. قرب مني وقال:
"مالك يا أحمد؟ إيه اللي مضايقك؟"
ما قدرتش أتحمل أكتر. حكيت له كل حاجة: الحادثة، أمي، مرات أبويا، وازاي إن الحياة بقت سجن كبير. شاف الدموع في عيني، وقالي:
"قوم، تعالى معايا. أنا مش هسيبك هنا."
لما جدي قرر ياخدني أعيش معاه، ما كانتش الدنيا هادية ولا سهلة. أبويا رفض الموضوع بشكل قاطع، كأنه كان بيواجه كابوس. الليلة اللي جدي جيه فيها يتكلم معاه كانت زي حرب بينهم:
"عبد الرحمن، الولد حالته كل يوم بتسوء. مراتك ما بتريحهوش، وده ظاهر قدام الكل."
أبويا رد عليه بصوت عالي:
"يعني إيه؟! أحمد ابني، وأنا المسؤول عنه. ما حدش هيبعده عني، لا إنت ولا غيرك."
لكن جدي ما تراجعش، قال كلام هز المكان:
"شايف حال الولد؟ شايف الخوف في عيونه لما مراتك تقرب منه؟ عبد الرحمن، أحمد محتاج أمان. أنا مش هقعد أتفرج عليه بيتكسر قدامي."
الصوت ارتفع أكتر، والنقاش بقى شبه معركة كلامية. أبويا كان بيضرب على الترابيزة بإيده، وجدي كان بيحاول يسيطر على غضبه.
وأنا كنت قاعد في الركن، خايف حتى أرفع راسي، ماسك الكتاب اللي أمي كانت بتقرأهولي زمان.وحضنه جامد والخوف وقتها كان مسيطر عليا
لغايه ما مره واحده حسيت بضباب قدام عيني كأن حد فصل نور الدنيا الاضاءه بقت تضعف شويه شويه لغايه مالنور راح خالص
واخر حاجه سمعتها هو صراخ ابويا وهو بيقول ابني
وجدي الي بيزعق ويقول احماااااااااااااااااد!!!!!
يتبع................................................!!!!!!!!!!!!
الشد والجذب استمر أيام، وأبويا كان كل مرة يتكلم عن الموضوع ينتهي بنفس الجملة:
"مش هسمح لحد ياخد ابني مني."
لكن جدي ما استسلمش. وبعد فترة، أبويا بدأ يحس إنه مش قادر يواجه الحقيقة. في النهاية، وافق على مضض، لكن عيونه كانت مليانة حزن ووجع. يوم ما خرجت من البيت، كان واقف على الباب، بيحاول يخبي دموعه، وقال لي:
"أحمد... خلي بالك من نفسك. أنا بحبك، حتى لو مش باين."
كانت آخر مرة شوفته فيها بنفس القوه دي.
أول ما بدأت أعيش مع جدي وجدتي، كنت حاسس إن كل حاجة حواليا غريبة، مش زي البيت اللي كنت فيه مع أمي. البيت كان هادي، بس مش هدوء يريح القلب، هدوء يخليك تسمع صوت الفراغ اللي جواك. كنت أهرب من كل حاجة، أقفل على نفسي في الأوضة، وأمسك الكتب اللي أمي كانت بتقراها. ما كنتش أقرأها عشان أتعلم، كنت بفتحها وأقلب صفحاتها كأني بدوّر على ريحتها جواها. كنت بقول لنفسي:
"يمكن تسيب لي رسالة... يمكن أسمع صوتها بين السطور."
أبويا كان بيجي يزورني كل يوم تقريبًا، بس كنت حاسس إن زيارته روتينية أكتر من كونها مليانة مشاعر. كان يدخل الأوضة، يبص عليّا وأنا ماسك كتاب، ويحاول يكسر الحاجز اللي بيننا:
"عامل إيه النهارده يا أحمد؟ بتقرأ إيه؟"
وأنا أرده بصوت خافت:
"حاجة أمي كانت بتحبها."
كان يهز راسه ويخرج من غير ما يقول حاجة. كنت عارف إنه موجوع، بس كل واحد فينا كان غرقان في وجعه الخاص.
أما جدي وجدتي، فكانوا دايمًا بيحاولوا يقربوا مني بطريقتهم. جدتي كانت بتحكي لي عن أمي لما كانت صغيرة، عن ذكرياتهم مع بعض:
"أمك كانت دايمًا تقول إنها عايزة تشوفك دكتور ناجح. إنت ما تعرفش قد إيه كانت فخورة بيك وانت صغير!"
وجدي كان يدخل الأوضة بابتسامة خفيفة، ويحاول يخفف عليّ بطريقته:
"أحمد، لو الدنيا ضاقت بيك، افتكر دايمًا إن في ناس بتحبك. أمك دلوقتي شايفاك، ومش عايزاك تكون زعلان."
بس الكلام ده كان بيخليني أتوجع أكتر. كل مرة كانوا يتكلموا عن أمي، كنت أحس كأن في حاجة بتضغط على صدري، حاجة بتفكرني إنها مش هنا.
وفي يوم من الأيام،كان يوم التحول بالنسبالي اليوم الي اتبنت عليه حياتي بعد كده
وأنا في عز إحساسي بالوحدة، حلمت حلم مستحيل انساه أبدًا،
حلم ي عزيزي القارئ الجميل لسه فاكر تفاصيل تفاصيلة لحد دلوقتي. كنت في مكان واسع جدًا، مكان شبه الجنينة، لكن كأنه أكبر من الدنيا كلها. كان المكان مليان شجر، والزهور حواليّا ألوانها مشرقة بطريقة مش طبيعية. الجو كان هادي، والهواء كان بارد بس دافئ في نفس الوقت، ريحته ريحة ندى الفجر.
وفجأة شفاتها، شفت أمي. كانت واقفة بعيد، لابسة فستان أبيض بسيط، وشعرها طويل زي ما كنت دايمًا فاكرها
وابتسامتها الهاديه الي تقدر تنور اشد بقاع الارض ظلام. كنت واقف مكاني، مش مصدق. فجأة، لقيت نفسي بجري بكل طاقتي، وكل خطوة كنت بحس كأني بقرب لحلم مستحيل يتحقق. لما وصلت ليها، حضنتها بكل قوتي.
فضلت أعيط في حضنها زي الطفل اللي ضايع ولقى أمه
"إنتِ فين يا ماما؟ وحشتيني! أنا مش قادر أعيش من غيرك. كل حاجة بقت صعبة أوي!"
كانت تمسح على شعري بهدوء، وابتسامتها مليانة حنية:
"البطل الصغنن بتاعي، ليه زعلان كده؟ أنا هنا معاك، دايمًا معاك."
قعدتني على الأرض ونيمتني على رجلها، زي ما كانت بتعمل وأنا صغير. بدأت تلعب في شعري، وصوتها كان زي نسمة هواء بتهوّن عليّ كل حاجة:
"اسمع يا أحمد... أنا مش بعيدة، أنا معاك. إنت لازم تكون قوي، لازم تحقق حلمنا. فاكر لما كنت أقولك نفسي أشوفك دكتور؟ أوعدني إنك هتعمل كده عشانّي."
صحيت من النوم، وكنت لسه حاسس بحرارة حضنها وصوتها في وداني. لكن لما لقيت نفسي لوحدي في الأوضة، الدموع نزلت من غير توقف. الحلم كان حقيقي لدرجه متتوصفش كان حقيقي لدرجة إني فضلت أدور عليها في كل ركن علي امل اني الاقيها. بس وسط دموعي الي كانت شبهه الشلالات كنت حاسس بأحساس غريب احساس مختلف، احساس كأنها واقفه جمبي وبتقولي انسي الي فات ابدأ حياتك من دلوقتي ي بطلي،
ومن هنا بالفعل ي عزيزي قررت أبدأ حياتي من جديد.
من يوم الحلم، بقى عندي هدف واحد أحقق حلم أمي. كنت بأقفل على نفسي في الأوضة بالساعات، أذاكر وأكتب ملاحظات على كل كلمة. الكتب بقت مش مجرد أوراق، بقت سلاح. كنت أحس إن كل مرة أذاكر فيها، أمي بتبص عليا من النجمة اللي في السماء. كنت أخرج كل ليلة، أبص للسماء وأكلم النجمة:
"إنتِ شايفاني يا ماما؟ أنا بحاول عشانك، أوعدك إني مش هخيّب ظنك."
في أيام الامتحانات، كنت أعيش على القهوة وسهر الليالي. كنت أخرج الصبح قبل الامتحان، أبص للسماء وأطلب من النجمة تدعي لي. كل مرة كنت أحس إن النجمة بتلمع أكتر، كأنها بتقول لي: "أنا معاك يا أحمد."
يوم إعلان النتيجة، كان البيت كله متوتر. جدي كان قاعد قدام الكمبيوتر، وجدتي كانت ماسكة السبحه وبتدعي. أما أنا، كنت واقف في ركن الأوضة، حاسس إن رجلي مش قادرة تشيلني. لما جدي فتح النت وبدأ يدور على النتيجة، كل ثانية كانت كأنها سنة. فجأة، رفع صوته وقال:
"91.54%! أحمد، أنت عملتها!"
بعد ما جدي نطق النتيجة بصوته العالي، البيت كله انفجر بالفرحة. جدتي أول واحدة قامت بسرعة وحضنتني بقوة، ودموعها ما كانتش بتقف:
"أنا قلت لك إنك قدها، يا حبيبي! أمك لو كانت هنا كانت هتبقى أسعد واحدة في الدنيا!" انا متأكده انها شايفانا دلوقتي وفخورة بيك ي نور عيني.
جدي وقف، ورفع إيده لفوق وهو بيقول:
"الحمد ***! أحمد حقق حلم أمه... وحلمنا كلنا. شوف يا أحمد، الدنيا مهما كانت صعبة، مفيش حاجة توقفك طالما عندك هدف."
أما أبويا، كان واقف بعيد شوية. أنا بصيت له، وشفته بيحاول يخبي دموعه، لكنه ما قدرش. قرب مني، وحط إيده على كتفي، وقال:
"أنا فخور بيك يا أحمد، فخور بجد. أمك كانت دايمًا بتقول إنك هتبقى حاجة كبيرة، وأنا دلوقتي شايف ده بعيني. **** يخليك لنا، يا ابني."
بعد الفرحه العائلية دي جدي قرر إن اليوم ده لازم يكون يوم احتفال مش عادي. خرجنا كلنا من البيت لأول مرة من شهور، وقررنا نروح مكان كنا بنحب نروحه أيام ما أمي كانت موجودة. كان مطعم صغير على البحر، المكان اللي دايمًا كان بيجمعنا في المناسبات.
جدتي كانت لابسة فستانها اللي بتحبه، وجدي لبس البدلة اللي كان دايمًا بيحضرها للأيام المهمة. حتى أبويا كان شكله مختلف، حاسس إن الحزن اللي كان بيغطي ملامحه خف شوية.
وأول ما قعدنا على الترابيزة، جدي رفع كوباية العصير وقال بصوت عالي:
"ده يوم تاريخي، أحمد. إحنا مش بنحتفل بس بنجاحك، إحنا بنحتفل بقدرتك إنك تتحدى كل حاجة وتكمل الطريق."
جدتي بصت لي وقالت بابتسامة:
"أنت مش بس نجحت، يا أحمد. أنت رجّعت لنا الأمل."
وأنا في اللحظة دي، حسيت بشعور جديد. لأول مرة من شهور، كنت حاسس إن الحزن اللي جوايا بيخف. كنت حاسس إن أمي واقفة معانا في اللحظة دي، بتبتسم وبتقول:
"كنت عارفة إنك قدها يا بطلي."
وأنا راجع البيت مع جدي وجدتي وأبويا، كانوا كلهم متحمسين، بس ما كنتش عارف ليه. أول ما وصلنا البيت، جدتي خدتني على أوضتي وقالت:
"افتح الباب وشوف بنفسك."
فتحت الباب، ولقيت مكتبة جديدة مليانة كتب كتب كتير اووي، وفي نصها مكتوب:
"للبطل الصغير اللي حقق حلم أمه."
أنا وقفت مكاني، ودموعي بدأت تنزل. جدتي قالت وهي بتحضني:
"أمك كانت دايمًا بتحلم يكون عندك مكتبة زي دي، وده أقل حاجة ممكن نعملها عشان نكمل حلمها."
جدي قال بابتسامة فخر:
"دي البداية، يا أحمد. خليها دايمًا قدامك، عشان تفتكر إن النجاح ده مجرد أول خطوة."
بالليل، وأنا واقف في البلكونة، بصيت للسماء كالعادة، وكنت بدور على النجمة بتاعتي. أول ما شفتها، كانت بتلمع أكتر من أي وقت. حسيت إن أمي بتبص لي من فوق، وبتقول لي بصوتها اللي ما بنسهوش:
"البطل الصغنن بتاعي، فخورة بيك."
في اللحظة دي، ابتسمت لأول مرة من قلبي، وقلت بصوت واطي:
"أنا مش هخيّب ظنك أبدًا، ماما. وعد."
عدت الايام وفاتت ومع أول يوم دخلت فيه كلية الطب، كان عندي إحساس إني داخل معركة جديدة. ممرات الكلية، صوت الطلبة، والدكاترة اللي صوتهم كان دايمًا عالي في المدرجات، كل حاجة كانت بتشدني ناحية حلمي.
في سنة أولى، كان يومي يبدأ من الفجر. كنت أصحى، أفطر الفطار اللي جدتي بتجهزه بعناية، وأروح الكلية وأدخل المحاضرات. ساعات كنت أضيع في المحاضرات من كتر المعلومات اللي بتنزل علينا مرة واحدة. كنت أرجع البيت وأحس بتعب رهيب، لكن كل ما أفتكر كلام أمي عن حلمها، التعب كان بيختفي كأنه ما كانش موجود أصلاً.
في مرة، كنت بذاكر مادة "علم التشريح"، ودي كانت من أصعب المواد اللي درستها. قعدت ليلة كاملة أحاول أحفظ شكل الأعضاء ووظائفها، لكن حسيت إن دماغي مش مستوعبة. في الوقت ده، جدتي دخلت عليا بكوباية شاي وقالت:
"إنت فاكر لما أمك كانت تقعد تذاكرلك طول الليل عشان تنجح؟ كانت دايمًا تقول لي: 'كل تعب بييجي معاه نجاح.' إنت مش أقل منها، يا أحمد."
الكلام ده فضل في دماغي، وكل ما كنت أتعب كنت أفتكره، أفتكر كلام امي، افتكر حلمنا
في سنة تالتة، لما بدأت أدرس حالات الطوارئ، حسيت بشعور غريب، كأن المكان بيناديني. قسم الطوارئ مش مجرد مكان لإنقاذ الناس؛ ده مكان مليان قرارات سريعة وحالات ملهاش حلول واضحة. أول مرة دخلت القسم كنت مرعوب. الدكتور اللي كنت معاه شاور على حالة وقال لي:
"إنت يا دكتور! ساعدني هنا."
كانت حالة خطيرة، نزيف داخلي، وأنا كنت لازم أساعده بإيدي.
قلبي كان بيدق بسرعة رهيبة، لكن صوت داخلي قال لي:
"إنت تقدر. افتكر إن ده حلمك."
بعد ما خلصنا، الدكتور بص لي وقال:
"شاطر يا أحمد، عندك تركيز كويس."
الكلام ده كان كفاية علشان يخليني أكمل وأدفع نفسي أكتر.
بيت جدي وجدتي كان المكان الوحيد اللي كنت أحس فيه بالأمان وسط الضغط ده كله. جدي كان شخص حكيم جدًا، عمره ما رفع صوته ولا انفعل. كان دايمًا يقعد معايا بالليل في البلكونة، ونقعد نتكلم عن حياتي في الكلية. مرة سألني:
"أحمد، فاكر ليه بدأت المشوار ده؟"
رديت عليه في أجزاء من الثانية : "علشان أحقق حلم أمي."
رد عليّ بابتسامة: "وعلشان كده هتنجح، لأن هدفك نابع من الحب الحقيقي."
جدتي، على الجانب الآخر، كانت دايمًا تطبطب عليا بطريقة مختلفة. كانت تحرص على تحضير الأكل اللي بحبه وتقول لي:
"ما ينفعش دكتور زيك يذاكر على معدة فاضية!"
وكانت تجيب لي كوباية لبن سخنة كل ليلة، تقول لي: "ده علشان مخك يشتغل بكفاءة."
في مرة، لما شافوني متعب جدًا بعد يوم شاق، قرروا يجهزوا لي مفاجأة. رجعت البيت لقيت جدي وجدتني محضرين أكل كتير جدًا، وأبويا جاي ومعاه تورتة مكتوب عليها:
"لأحمد البطل، اللي بيحقق حلمنا."
كانوا بيحاولوا يفرحوني بأي طريقة، وده خلاني أحس إنني محظوظ رغم كل حاجة.
أبويا ما تخلاش عني لحظة. كان بييجي دايمًا، حتى لو مشغول. مرة سألته:
"إنت ليه مهتم تيجي كل يوم؟"
رد عليا: "لأنك ابني، ولأن ده واجبي، ولأن أمك لو كانت هنا كانت هتعمل نفس الشيء."
كان دايمًا يجيب لي هدايا صغيرة تحسسني إنه فخور بيا. مرة جاب لي قلم وقال لي:
"ده قلم مميز، أكتب بيه ملاحظاتك ودايمًا افتكر إنك بتكتب صفحة جديدة في حياتك."
الكلام ده كان بسيط، لكنه أثر فيا بشكل كبير.
أيام الامتحانات كانت مختلفة تمامًا. كنت أروح الكلية الصبح، أخلص امتحاني، وأرجع البيت أبدأ أذاكر للمادة اللي بعدها. كنت دايمًا أحس إنني في سباق مع الزمن.
في ليلة امتحان مهم جدًا، قررت أخرج البلكونة وأبص للنجمة اللي أمي كانت بتتكلم عنها. لقيتها بتلمع في السما بشكل غير طبيعي. ابتسمت وقلت:
"إنتي شايفاني، مش كده؟"
كنت بأحس إن النجمة دي بتديني قوة. كنت أكلمها وأقول:
"أنا بحاول، عشانك، وعشان حلمك. مش هخذلك ابدا."
لما خلصت الكلية وتخرجت، كان يوم مليان فرحة. جدي لبس بدلته القديمة، وجدتي جابت لي وردة، وأبويا جاب كاميرا جديدة علشان يصور اللحظة. لما دخلت عليهم، لقيتهم عاملين حفلة صغيرة في البيت. جدتي حضنتني وقالت:
"كنت عارفة إنك هتنجح."
وجدي قال:
"إحنا فخورين بيك جدًا، يا أحمد."
أما أبويا، فكان واقف بعيد شوية، وعينيه مليانة دموع. قرب مني وحضني وقال لي:
"أمك لو كانت هنا، كانت هتكون أكتر واحدة فخورة بيك. بس أنا واثق إنها شايفانا دلوقتي."
أول يوم شغل كان مزيج من القلق والحماس.
قسم الطوارئ كان زي ما تخيلته وأكتر. كل دقيقة كان فيها قرار مهم. شفت قد إيه الناس محتاجة دعم، وكنت فخور إني في المكان ده.
مرة جات لي حالة صعبة جدًا، شاب صغير عمل حادثه، وحالته كانت خطيرة. وأنا بأشتغل، كنت أفتكر كل اللي تعلمته، وكل مرة أقول لنفسي:
"ده مكاني، دي رسالتي."
لما خلصت اليوم، رجعت البيت، وكنت مرهق جدًا. لكن وسط التعب، كان فيه شعور بالإنجاز. عرفت إنني مشيت الطريق الطويل، وحققت حلم أمي، وحققت كمان حلمي الشخصي.
عدت وفاتت الايام والشهور والسنين، واسمي بقى اسم كبير في عالم الطوارئ. أي حالة حرجة تدخل المستشفى، الكل يعرف إن "الدكتور أحمد" هو اللي هيلاقي الحل. كنت بتعامل مع أصعب المواقف بثبات، كأني اتولدت عشان اكون هنا. زملائي كانوا بيحكوا عن سرعتي في اتخاذ القرارات، وعن قلبي الكبير اللي كان بيشوف المريض قبل الحالة.
رغم انشغالي، مكنتش بنسى أبداً عيلتي. جدي وجدتي كانوا بالنسبالي أكتر من أهل، كانوا الدعم اللي خلاني اوصل للمرحلة دي. كل يوم كنت ادخل عليهم بعد الشغل، اقعد معاهم على السفرة، اسمع حكايات جدتي عن أيام زمان، واضحك على تعليقات جدي الطريفة. جدتي كانت دايما تقولي:
"إنت النور اللي منور بيتنا يا أحمد."
وجدي يضيف:
"أنا دايمًا عارف إنك هتبقى حاجة كبيرة. أمك كانت شايفاها فيك من زمان."
أما أبويا، فكان فخور جدًا. كل ما يشوفني، يقولي:
"يا أحمد، أنا كنت دايمًا مؤمن إنك هتحقق حلمها. **** يرحمها، أكيد فرحانة بيك أوي دلوقتي."
وانا كنت ببتسم بحب، بحس إن كل لحظة تعب عدت عليا كانت تستاهل.
في يوم عادي في المستشفى، اتفاجئت بخبر غيّر كل حاجة. المدير طلبني في مكتبه وقال لي:
"يا دكتور أحمد، وزارة الصحة قررت تنقل فريق من أكفأ الدكاترة عندنا لمستشفى في منطقة نائية. الوضع هناك صعب جدًا، والناس محتاجة خدمات طبية عاجلة. اسمك كان أول اسم في القايمة."
اتسمرت في مكاني للحظة، وبعدين قولت بثقة:
"أنا جاهز يا فندم. أهم حاجة أقدر أساعد الناس هناك."
القرار ما كانش سهل. المستشفى الجديدة كانت في منطقة بعيدة جدًا، وحديثة الإنشاء. الإمكانيات محدودة، والحالات هناك غالباً معقدة بسبب تأخر العلاج.
لما رجعت البيت، قعدت مع جدي وجدتي وحكيت ليهم الخبر. جدتي كانت قاعدة على الكرسي الهزاز بتاعها، ونزلت دمعة صغيرة من عينها، بس مسحتها بسرعة وقالت بحب:
"يا أحمد، إنت بطل. أمك أكيد هتكون فخورة بيك فوق. عارفة إنك هتعمل كل اللي تقدر عليه عشان تساعد الناس."
وجدي قعد جنبي وربّت على كتفي وقال لي:
"دي خطوة كبيرة يا أحمد، بس إحنا عارفين إنك قدها. إنت مش بس دكتور شاطر، إنت كمان إنسان قلبه كبير."
أما أبويا، لما عرف، بعت لي رسالة قصيرة:
"أنا فخور بيك يا أحمد. زي ما قلت لك، أمك كانت شايفة ده فيك. لو محتاج أي حاجة، أنا معاك."
الكلام ده حفّزني أكتر، خلاني احس إني مش لوحدي، وإنه دايمًا عندي سند.
أول ما وصلت انا والفريق للمستشفى، المكان كان غريب. مبنى قديم، بسيط جدًا، والإمكانيات الطبية كانت ضعيفة. السكان كانوا منتظرين بفارغ الصبر، وقتها حسيت بمسؤولية ضخمة على كتفي لما شوفت الوجوه المتعبة للأطفاال والناس الكبار.
في أول جولة ليا في المستشفى، لاحظت حاجة غريبة... "غرفة 404".
الاوضة كانت مقفولة بأقفال ضخمة، وعليها لوحة مكتوب عليها بخط واضح:
"ممنوع الدخول."
وقتها قربت من الباب، وحسيت كأن الهواء حواليه بقى تقيل. سأل ممرضة شابة كانت معدية:
"إيه قصة الاوضة دي؟ ليه مقفولة بالشكل ده؟"
الممرضة وشها شحب وقالت بتوتر:
"الاوضة دي... مفيش حد بيدخلها. بلاش تسأل عنها يا دكتور."
استغربت من التحول الي حصلها لما سألت، بس قرر اسيب الموضوع مؤقتًا واركز على شغلي.
و بدأت رحلتي في المستشفى الجديدة، من يوم ما جيت المستشفى دي وأنا مركز جدًا في شغلي. الحالات هنا كانت صعبة، الإمكانيات محدودة، لكن كان عندي إيمان إن وجودي هنا له هدف أكبر. كل يوم كنت أقابل ناس بعيون مليانة أمل وألم في نفس الوقت. الناس هنا ملهومش حد، وكل ابتسامة كنت بشوفها على وش مريض بعد علاجه كانت كأنها شهادة نجاح جديدة ليا.
لكن في وسط كل الشغل ده، كان في حاجة غريبة جدًا بتدور حوالين...."الغرفة 404".
في مره كنت بلف مع واحد من الممرضين القدام في المستشفي دي
وسألته:
"الاوضة دي إيه حكايتها؟ ليه مقفولة كده؟"
بص لي نظرة غريبة وقال:
"يا دكتور، دي مش اوضة عادية. بلاش تسأل عنها."
افتكرت إنه بيبالغ زيه زي الممرضه الي سالتها قبل كده،
لكن مع مرور الأيام، بدأت ألاحظ إن كل اللي شغالين هنا بيتجنبوا الكلام عنها. لو حد فتح الموضوع، كانوا يغيروا الكلام بسرعة أو يسيبوا المكان.
مرة سألت ممرضة كبيرة في السن، كانت دايمًا بتتعامل معايا بحب واحترام.
قولت لها:"مش هينفع، لازم أعرف. إيه حكاية الاوضة دي؟"
وشها اتغير، وكأنها رجعت بذاكرتها لذكريات مخيفة. قالت بصوت هادي، لكنها خايفة:
"الاوضة دي كان فيها مريضة زمان... ماتت هنا. لكن موتها كان مختلف. الناس بتقول إن روحها سكنت الاوضة، وإن كل اللي يقرب منها بيحصله حاجات غريبة."
رديت عليها وأنا بحاول أخبي ضحكتي:
"يعني أشباح؟ إحنا في مستشفى، مش فيلم رعب."
قالت لي بحدة:
"يا دكتور، أنا هنا بقالى سنين. بلاش تتعامل مع الموضوع ده باستخفاف."
مع الوقت، الكلام عن الغرفة بقى أكتر. كل يوم أسمع حكاية جديدة. واحد يقول إنه شاف ظلال بتتحرك جوه الاوضة، واحدة تقول إنها سمعت أصوات عياط.
لكن أكتر قصة لفتت انتباهي كانت من ممرض شغال هنا بقاله 10 سنين. قال لي بصوت منخفض:
"أنا مرة حاولت أفتح الباب. كنت فاكر إن مفيش حاجة فعلاً. لكن أول ما دخلت... حسيت بحاجة غريبة جدًا. الجو كان بارد بطريقة مش طبيعية، والإضاءة كانت كأنها جاية من مكان تاني. ومن يومها وأنا بحلم بكوابيس."
الكلام ده كان غريب، لكن بالنسبة لي ما كانش مقنع. كنت شايف إن كل ده مجرد تخاريف ناس عايشة في عزلة، بتحاول تسلي نفسها بحكايات مخيفة.
رغم كل حاجة حوالين الاوضة وتعب الشغل، كنت بحاول أحافظ على التواصل مع عيلتي. كل يوم، بعد ما أخلص شغلي، أطلع اوضتي وأتصل بجدي وجدتي. كان أهم حاجة عندي إني أطمن عليهم.
جدتي كانت دايمًا تسألني:
"إنت كويس؟ شكلك مرهق أوي."
كنت أرد بابتسامة:
"أنا بخير يا تيتا، شغلي كتير بس كله تمام."
جدي كان يقول لي بحماس:
"**** يقويك يا بطل. إحنا فخورين بيك جدًا. أمك لو كانت هنا، كانت هتبقى فخورة أكتر."
أما أبويا، فكان زيارته ليا مستمرة، حتى في البعد. في كل مرة يكلمني، كنت أسمع في صوته الفخر اللي دايمًا بيديني دفعة قدام.
وأنا صغير، النجمة اللي أمي كانت اديتها ليا كانت بالنسبة لي أكتر من مجرد شكل في السما. كانت رابط بيني وبينها. كل ليلة، كنت أطلع سطح المستشفى، وأدور عليها. لما كنت ألاقيها، كنت أحس براحة ما تتوصفش. كنت أحكي لها عن يومي، وكأنها بتسمعني:
"ماما، النهارده شفت حالة صعبة أوي، بس عديناها. إنتِ فخورة بيا، مش كده؟"
في ليلة معينة، وأنا قاعد على السطح، لاحظت حاجة غريبة. النجمة دي كانت بتلمع أكتر من المعتاد. حسيت إن فيها رسالة، لكن ما كنتش عارف معناها.
وفي يوم، كانت المستشفى كلها ساكتة بشكل يخوف، كنت قاعد لوحدي في أوضة الطوارئ، بحاول اقاوم التعب اللي بدأ يسيطر عليا بعد شيفت طويل مرهق. النور الضعيف اللي طالع من اللمبات اللي بتنور وتطفي كان كأنه بيزود إحساسي بالوحدة، وصوت الأجهزة الطبية اللي شغال بنفس النغمة الرتيبة كان كأنه بيقولي إن الحياة والموت هنا مجرد نبضة بسيطة.
فجأة لمحت زميل ليا معدي بسرعة، وشه كان أصفر ومرعوب، وإيديه بتترعش. قرب مني وقالي بصوت متقطع:
"بلاش تقرب من أوضة 404..."
وبعدها اختفى ورا باب من الأبواب، كأنه مكنش موجود اصلا
في الأول ما اهتمتش بالكلام، وقولت في نفسي: "أكيد دي خرافة تانية من اللي بيحبوا يسلوا بيها نفسهم هنا في المستشفى."
لحد مبدات احس بنسمات هوا
وان الجو بدأ يبقي برد شويه مع اننا في فصل الصيف، وقتها قررت اتأكد من الكلام ده واشوفه صادق ولا كداب
وأنا معدي قدام الاوضة، سمعت حاجة لأول مرة. كان صوت ضعيف جدًا، لكنه واضح... كأنه بينادي باسمي:
"أحمـ... مد."
وقفت مكاني، قلبي كان بيدق بسرعة رهيبة. حاولت أقنع نفسي إن ده مجرد وهم مش اكتر بسبب الارهاق والتعب بتاع اليوم الطويل ده،
لكن الصوت كان حقيقي، الصوت في الاول كان ضعيف اوي ومع الوقت كان كأنة بيقرب اكتر
قررت أقرب للباب. أول ما قربت، حسيت بحاجة غريبة جدًا... الجو حوالين الغرفة كان بارد بطريقة مش طبيعية، وكأن المكان ده مش جزء من العالم اللي حوالينا.
وقفت للحظة، وبعدين رجعت خطوة لورا. قلت لنفسي:
"لازم أفهم الموضوع ده، انا مش هسكت اكتر من كده
ولكن فجأة حصل............................يتبع!
مكنش قادر اسيطر علي فضولي تجاه الاوضه بذات بعد اللي حسيته وانا واقف علي بابها وقررت ادخلها واكتشف سرها لكن فجاه
الممرضه: الحق يا دكتور
احمد: في ايه؟
الممرضه: في شاب جه حالته خطيره بين الحياه والموت
احمد: جاي حالا
طلعت اجري مع الممرضه كل لحظه بتفرق في شغلنا كان لازم الحق المريض اما الاوضه اكيد هرجعلها تاني لكل حاجه وقتها وهي لسه مجاش وقتها
الشاب كان حالته خطيره لكن قدرت انقذه كل مره بقدر انقذ روح بحس ان امي فخوره بيا
كنت هلكان جدا وطلعت اوضتي وزي كل يوم كلمت ابويا وجدي وجدتي واطمنت عليهم بعدها اترميت علي السرير من التعب وغمضت عيني حسيت ببروده مش طبيعيه واكن اوضتي اتنقلت فجاه للقطب الشمالي برد خلاني احس ان عضمي بيتنفض جوه جسمي مش فاهم ازاي واحنا في عز الصيف
فتحت عيني لكن...
ايه ده؟!! دي مش اوضتي انا فين وازاي جيت هنا حاولت اقوم من علي السرير لكن انا متكتف في حبال مأيده ايدي ورجلي الاوضه ضلمه مش منوره غير من شمعه علي الكمدينو الحيطان متقشره وعليها كتابات بلون الاسود كتابه مش مفهومه لكن اسمي كان واضح بنهم فضلت اعافر عشان افك نفسي لكن مش قادر ولقيت امي واقفه قدامي
احمد: ماما ساعديني
قربت مني براحه وابتسامتها المعهوده علي وشها وفجاه جلدها بقي شاحب واكنها جثه محفوظه في التلاجه من شهور وعينها بقت بيضه وممسوحه مكنتش عارف استوعب منظرها وبقيت اصرخ انا خايف بس مش خايف منها انا خايف عليها
فجاه خدت نفسي بشهيق اكني كنت بغرق واخيرا لقيت هوا وفتحت عيني لقتني في اوضتي معقول انا كنت نايم معقول ده كان حلم قمت جريت ابص من الشباك علي النجمه كنت مستني اشوفها بتلمع عشان اطمن علي امي لكن السما مكنش فيها نجوم قلبي اتقبض وحسيت بايد علي كتفي بصيت ورايا ولقيت امي قدامي بنفس شكلها المخيف وبتبتسم ابتسامه تخلي الدم يقف في عروقك من منظرها كنت بحاول اكلم لكن مش قادر احرك لساني وفجاه سمعت صوت المنبه وصحيت من النوم مكنتش عارف انا صحيت بجد ولا انا لسه بحلم قومت وخرجت من اوضتي من غير مفكر لقيت رجلي وخداني لغرفه 404 وقفت قصاد الباب حسيت بنفس الاحساس واكني انفصلت علي العالم سمعت نفس الصوت بيناديلي ده صوت بنت بتقول بصوت ضعيف احمد انقذني بصيت للقفل علي الباب مفهمتش ازاي القفل اتفتح لوحده شلته من الباب ودخلت الاوضه ثواني دي نفس الاوضه في حلمي بس كان في مرايه كبيره علي الحيطه السرير كان فاضي قدامي لكن في المرايه كان انعكاس السرير عليه بنت وكانت متكتفه في السرير زي ماكنت انا متكتف في حلمي وشفت دكتور بيقرب منها وبيلمس وشها والبنت بتصرخ من لمسته مكنتش قادر افهم ايه اللي بيحصل او ايه اللي انا بشوفو ده لقتني بزعق ابعد عنها
الغريب انه سمع كلامي وبعد وبقي يمشي خطوات ناحيتي واكن جوه المرايه في طريق بيني وبينه لحد ما بقي قدامي الفرق بنا هو ازاز المرايه رفع وشه وبصلي مستحيل ده كان انا بس مكنش عندي عيون كان مكان عيني فاضي وتحت عيني سواد مخيف وبقي يخبط المرايه من جوه اكنه عايز يخرج منها المرايه اتهزت من الخوف وقعت علي الارض وجريت علي باب الاوضه وخرجت منها لكن مكنتش اعرف ان دلوقتي بدات لعنتي
صحيت من النوم كنت شاكك في نفسي ياتري المره دي صحيت بجد ولا لسه بحلم افتكرت مقوله بتقول لو عايز تفرق بين الحلم والحقيقه بص في الساعه لان عالم الاحلام مفيهوش توقيت كانت الساعه 6 الصبح دلوقتي اتاكدت اني صاحي وان اخيرا الكابوس خلص بس ياتري هو فعلا خلص ولا كدا بدأ!!!
فضلت طول الوقت افكر ف اخر جمله في الحلم دلوقتي بدات لعنتي ياتري ايه اللعنه دي
ثواني بس انا بفكر في ايه اصلا ده كله تخريف
قومت غسلت وشي وشربت قهوتي لحد ما الساعه وصلت 7 بدات شغلي ومر اليوم عادي زي كل يوم الحالات الطارئه بقت عاديه بنسبالي واكني كل يوم بدخل في صراع مع الموت وجه الليل التعب اللي كنت حاسه خلاني دخلت نمت علي طول حتي مقدرتش اكلم اهلي زي كل يوم
كنت فارد جسمي علي السرير الدنيا هدوء لكن تحس ان الليل لي صوت واكنه بيتنفس وصوت الساعه مالي المكان تك توك تك توك لحد ما الساعه دقت 12 لكن اخر دقه مكنش صوت الساعه ده كان صوت صرخه
صرخه بشعه واكن حد بيتعذب فتحت عيني لكن عيني ثابته علي السقف شايف خيال اسود فوقيا مغطي كل جسمي وفتح بقه واكنه بيصرخ لكن كان بيخرج دخان اسود من بقه وبقيت حاسس ان الدخان بيخترق جسمي وانا مش قادر اعمل حاجه غير اني مفتح عيني وباصصله ومش قادر اتحرك وفجاه حسيت اني بلف في دوامه لكن مش دوامه عاديه دي دوامه من الدخان الاسود بتاعه
قمت مفزوع من النوم ومعرفتش انام تاني ده تاني يوم علي التوالي احلم بكوابيس
حاولت اقنع نفسي ان ده ضغط اعصاب من الارهاق لكن احساسي كان بيقولي ان كل ده وراه حاجه اكبر من كده مش عارف ليه وقتها جت علي بالي الغرفه وقررت ادخلها لازم اكشف سرها خرجت براحه من اوضتي عشان محدش يحس بيا ورحت للارشيف كنت حاسس هلاقي مفتاح الاوضه فيه وبالفعل لقيته ورحت الاوضه ايدي اترعشت اول ما ممسكت القفل وبقيت حاسس ان في نفس شخص حواليا لكن مفيش في حد
دخلت الاوضه ومجرد ما دخلتها الباب اتقفل لوحده مهتمتش اكيد دا الهوا
بقيت ابص حواليا ايوه هي نفس الاوضه في حلمي رحت عند السرير ولقيت الحبال عليه وكان لسه موجود تقرير حاله المريض مسكته وقريته
كان لبنت عمرها 19 سنه ومتصنف مرضها ان عندها صرع وتشنجات مستمره سبت التقرير مكانه ولفيت ورايا لقيت نفس المرايه بس دي مش زي اي مرايه شفتها انا كنت حاسس ان انعكاسي هو اللي بيبصلي وكان عندي رغبه غريبه اني المس المرايه واكن في حاجه بتجبرني اعمل كده قربت للمرايه بخطوات بطيئه حاسس اني بجر رجلي ورفعت ايدي وقبل ما المس المرايه بخطوه فجاه
.................
يتبع
طب ايه رايكو لو رجعنا لورا وشوفنا اللي حصل لكن بعين تانيه العين اللي هتكشف الاسرار وتشوف اللي محدش قدر يشوفو بس ياتري نرجع منين من يوم الحادثه مثلا!! لا لا انا هقولكم الحكايه من اولها من لما بدأت مش كل الاسرار ينفع تكشف بس انا هكشف اللي هيفتح عينيكم
فجأه بيسمع أحمد صوت
....: اقف يا أحمد اوعي تلمس المرايه
بيبعد أحمد ايده عن المرايه ويبص لمصدر الصوت بيشوف بنت في العشرين من عمرها واقفه قدامه
أحمد: أنتي مين؟ وازاي دخلتي هنا؟
الصوت: قبل اي حاجه وقبل ما أقولك انا مين ارجوك ابعد عن المرايه
بيبعد أحمد عن المرايه مش عارف ليه سمع كلامها بس حس انه مفروض يعمل كدا يمكن عشان النفضه اللي حسها في روحه لما سمع صوتها او يمكن لسبب تاني مجهول
طبعا انتو عيزين تعرفوا مين دي وليه بعدت احمد عن المرايه وازاي هي دخلت الاوضه واهم سؤال عندكو ليه في مرايه من الاساس
انا هجاوبك علي كل ده بس تعالوا معايا
نرجع حبه سنين لورا بس المره دي مش لما كان احمد صغير لا لما كانت مامته هي اللي صغيره
بصو انا مش هحكي انا هشيل لكم الستاره واسيبكو تشوفوا بنفسكوا
(فلاش باك)
ياسمين (مامه احمد) في عمر ال 16
بتصحي ياسمين تصرخ من النوم زي عادتها كل ليله مبقاش صريخها يفاجئ حد خلاص كلهم اتعودوا علي كده لكن المره دي كانت الصرخه مختلفه
جريت مامتها علي الاوضه حضنتها عشان تطمنها وتشربها ميه كالعاده لكن المره دي ياسمين كانت مرعوبه مقدرتش تبطل عياط
رحمه (مامه ياسمين) بتطبطب عليها وهي حضناها اهدي يا حبيبتي مفيش حاجه
ياسمين بعياط: لا في انا ليه بيحصلي كده يا ماما انا تعبت ليه بشوف حاجات محدش غيري بيشوفها ليه الخيالات دي ليه بحس بمعاناتهم انا ليه مش بنت طبيعيه زي كل اللي في سني
بتعيط ياسمين من قلبها ودموعها بتكوي قلب مامتها مين مننا يستحمل يشوف ابنه او بنته اللي هو حته من روحه بيعاني وهو عاجز عن مساعدته
الام بدموع: في حاجات مش بيكون لينا اختيار فيها دا قدرك يا بنتي اقبليه اقبلي عشان ترتاحي
ياسمين: طب انا عملت ايه عشان استاهل يحصلي كده
الام: معملتيش يا نور عيني القدر اللي عمل كان قدرك تروحي المقابر وتدوسي علي السحر ده وصدقيني يابنتي قضي اهون من قضي يلا نامي ومتخفيش انتي قويه وهتقدري علي ده انا واثقه فيكي يا حبيبتي
بتفضل رحمه تطبطب علي ياسمين لحد ما بتهدي وبتنام وبتمسح الدمعه اللي نازله من عنيها وتغطيها وتخرج من الاوضه وبتقعد علي الكنبه وتفتكر اللي حصل
(فلاش باك)
رحمه كان اصلها من الارياف ولما اتجوزت جت عاشت في المدينه مع جوزها لكن متقطعش رجلهم عن بلدهم مين اصلا يقدر يبعد عن مكانه اللي كبر واتربي فيه وعن اهله وميرجعلهمش كانت زيارتهم بمواعيد ثابته وفي يوم من الايام وياسمين بنت ال 15 سنه معاهم في الزياره لكن مكنتش قادره تنام وقامت تبص من الشباك شافت ست بتمشي بسرعه وبتحاول ان محدش يشوفها شكلها المريب حرك فضولها ونزلت جري ولحقتها متعرفش ليه عملت كده وهي الفضول مش طبعها لكن قدرها كان بيحركها ناحيه مصيرها
قدرت تخلي الست متحسش بيها وشافتها وهي واقفه عند قبر وبترش حاجه من ازازه في ايديها وبتمتم كلمات مش مفهومه مع كل رشه بترشها لحد ما خلصت كل حاجه ومشيت
مكنتش ياسمين فاهمه ايه اللي بيحصل وراحت وقفت مكان الست لما مشيت وبصت علي اللي كانت بترشه وشافت ميه ملونه لمستها وشمتها وهي مش فاهمه ده ايه واكنها مش واعيه للي بتعمله ولما اخيرا فاقت انها لوحدها وسط كل الاموات دول جريت علي البيت وقررت تحكي لمامتها لما تصحي من النوم لانها عمرها ما خبت عليها حاجه ومكنتش تعرف ان قبل الصبح ميطلع هتكون بدأت لعنتها
عارفين لعنه ايه!!
(حصد الارواح)
طبعا مش فاهمين يعني اي بس هتفهموا لما تعرفوا اللي حصل لياسمين بعدين
لما ياسمين نامت شافت حلم غريب لا بعتذر دا مش حلم دا كابوس مرعب بلنسبه لبنت في عمرها
شافت نفسها واقفه فوق القبر اللي كانت عنده وعلي راسها تاج وحواليها ارواح لناس ميته لكن مش ناس زي باقي البشر العادين لا دول اشر الناس اللي ماتوا ملعونين وهي بقت البوابه اللي من خلالها هتنتقل للعالم الاخر
قامت من النوم بتصرخ ومرعوبه وحكت لمامتها عن اللي حصل وعن حلمها ورحمه قلبها اتقبض لانها فهمت ان الست دي كانت بتسحر لكن السحر اتحقق في بنتها
من كتر الكوابيس اللي ياسمين بتشوفها امها لفت بيها كتير علي شيوخ وعرافين لحد ما حد ما العرافين فهمها ان الست دي كان سحرها ان يكون في ايدها بوابه العالم الاخر لكن حظ ياسمين ان هي اللي بقت معاها البوابه وبقت حاصده الارواح ولاخر لحظه في عمرها هتشوف الاشباح وتفتحلهم باب المرور وللاسف مفيش حاجه ممكن تغير ده دا القدر اللي مفيش هروب منه والافضل ليها تقبله وتتعامل معاه عشان متفضلش تعبانه باقي عمرها
(عوده من الفلاش باك)
بتمسح رحمه دموعها علي حال بنتها وبتسلم امرها *** وتدخل تنام
ننزل الستاره هنا
بيقولوا كل شخص في الدنيا عنده سر بيخبيه عن اقرب الناس لي دلوقتي عرفتوا سر ياسمين السر اللي عمرها ما كانت هتحكي ل احمد عنه لو مكنتش ماتت
طب فاكرين هي ماتت ازاي؟!!
اه قولتولي حادثه عربيه مش كده طب لو دي حادثه عاديه ازاي احمد لسه عايش ومحصلوش حاجه غير كدمات بسيطه انا حاسه ان في حاجه مش منطقيه طب انتو حاسين زيي؟!!
اي رايكو نرجع نشوف الحادثه تاني بس المره دي نشوفها بشكلها الحقيقي اللي كان ورا الستاره او اقولكوا لالا استنوا تعالوا الاول اقولكم سر غرفه 404 وبعدها هقولكم سر الحادثه
غرفه 404 الرعب اللي في المستشفى اللي الكل خايف منها بيني وبنكم ليهم حق يخافوا
في يوم من الايام كانت مجرد اوضه عاديه لحد ما راحت فيها مريضه قالوا ان عندها صرع دا كان التفسير الطبي لحالتها لكن مكنش ده حقيقه مرضها دا اللي اهل المريضه صدقوه لما كانت بنتهم بتروح من ايديهم
لما شخص بيبدا يشتكي انه بيحس بحاجات خارجه عن الطبيعه مش بيتصدق بيفتكروا مجنون مع السحر والجن والمس حقيقه منقدرش ننكرها حتي لو مقتنعناش بحدوثها لكن ده مش هيغير انها حقيقه
نورا كانت بنت جميله جمالها يخطف القلب قبل العين مش بس جمال الشكل كمان كانت روحها جميله وبتحب تساعد كل اللي حوليها كان الكل بيحبها
ثواني كدا الكل!! لا مستحيل كان في واحده نفسها مريضه الحقد والحسد عموا قلبها وسحرت لنورا كانت فاكره انه حب الناس ل نورا هيخلي بنتها تعنس جنبها وسحرتها عشان تدمر حياتها ولما اهل نورا اخيرا اكتشفوا السحر وان بنتهم مش مريضه وجابوا شيخ يعالجها الشيخ طلب مرايه تتعلق في الاوضه عشان يخرج الجن منها ويحبسوه في المرايه وبعدها يحطمها ويقتله
عالم الجن مجهول وغامض والتعامل معاه بجهل بيجيب الدمار الشيخ مكنش عنده علم كفايه انه يعرف بيتعامل مع ايه وان ده مش جني عادي دا جان من اخبث الجن كان فاكر انه هيقدر يموته لكن نورا هي اللي ماتت والشيخ مات معاها وهو فاكر انه باذيته للجني وحبسه في المرايه كدا الشر خلص
هو نجح انه ياذي الجني وكان التمن حياته
الجني كان محتاج مساعده عشان ميموتش ويجي وقت ويتحرر من المرايه ومكنش في غير طريقه واحده انه يقسم روحه علي 3 اجزاء عشان في يوم التلاته يتجمعوا في جسم واحد وياخد حريته من تاني
جزء من روحه فضل في المرايه والجزء التاني اتحط في روح نورا وده خلاها متقدرش تنتقل للعالم الاخر اما التالت فده كان محتاج (حاصده الارواح) طبعا عارفين هي مين وكان جزء الروح ده بيدور عليها ولما لقاها وظهر قدامها بشكله البشع الفزع خلاها عملت الحادثه وماتت فيها واصابه احمد مكنتش هينه ابدا وكان بيطلع فالروح لكن الجني شاف اللي ياسمين مقدرتش تشوفو ان هيجي يوم واحمد يورثها ويبقي حاصد ارواح الجني كان عارف ان احمد هيفيده في يوم من الايام وحطت الجزء التالت من روحه جواه واحمد بعد ماكان بيطلع في الروح نجي من الحادثه مصبوش الا كدمات بسيطه
مش قولتلكم مش كل اللي بنشوفو حقيقه وما خفي كان اعظم
نرجع بقي لوقتنا الحالي بقالنا كتير في الماضي
بيبعد احمد عن المرايه ويبصلها
احمد: انا حاسس اني شوفتك قبل كدا
البنت: ايوه شوفتني في حلمك
احمد: في حلمي!!
البنت: ايوه يا احمد
احمد: انتي مين؟
البنت: انا نورا البنت اللي ماتت في الاوضه دي انا روح مخطلطه
..............................
يتبع
حسب وقت قرايتك للقصه
بصوا أنا مش اول مرة أكتب قصة
بس اول مره اخد خطوه اني اشاركها معاكم
فحاسس بحماس كده مع شوية توتر (خير خير شعور اول قصه)
حابب اقول ان القصة دي كانت تجربة ممتعة جدًا، وخصوصًا إن كتابتها حصلت بالتعاون مع الأخت الغالية جدا عليا @L A I L ، اللي بصراحة كان وجودها عامل أساسي في إن القصة تشوف النور.
بصراحة، انا مستعد أسمع أي نقد، سواء كان سلبي أو إيجابي، عشان أتعلم وأتحسن.
كفايه رغي كده واسيبكم مع القصه
ومستني رايكم في الكومنتات!
في الليالي الهادئة، حيث تنبض المستشفى بصمت ثقيل، كان أحمد يجلس وحيدًا في غرفة الطوارئ، يحاول مقاومة الإرهاق الذي بدأ يتسلل إلى جسده بعد مناوبة طويلة. الضوء الخافت للمصابيح المتذبذبة يزيد من وطأة الوحدة، بينما تصدر الأجهزة الطبية أصواتًا رتيبة، وكأنها تحاول أن تذكره بأن الحياة والموت هنا مجرد نبضة.
في تلك اللحظة، لمح زميله يمر مسرعًا، وجهه شاحب ويداه ترتجفان. "لا تقترب من الغرفة 404،" قالها بصوت متقطع، قبل أن يختفي خلف أحد الأبواب.
لم يهتم أحمد بالبداية، ظنها مجرد خرافة أخرى يرويها العاملون في المستشفى لتسلية أنفسهم. لكنه لم يكن يعلم أن تلك الغرفة لم تكن مجرد خرافة... بل كانت لعنة تنتظر من يجرؤ على الاقتراب.
"قبل ما أحكيلك عن اللي حصل في المستشفى وعن الغرفة 404،
لازم أرجع بيك لورا....لورا جدًا. كل حاجة بدأت وأنا *** صغير، *** كان أكبر همه في الدنيا هو إنه يعيش في حضن أمه، اللي كانت بالنسبة له الدنيا كلها. يمكن لو عرفت أحمد الصغير، هتفهم أحمد اللي قدامك دلوقتي."
"كل لحظة كانت معاها مختلفة. أمي ما كانتش بس أمي... كانت عالمي كله. كنت أحس إن الدنيا كلها بتتسع لما أكون في حضنها. صوتها كان له طعم مختلف، كأنه موسيقى بتطمن قلبي مهما حصل.
فاكر أول مرة حسيت بالخوف كنت صغير، يمكن خمس سنين، والدنيا كانت مقلوبة بعاصفة كبيرة. والريح كانت بتخبط في الشباك، وصوت الرعد كان كأنه وحش بيصرخ برا. جريت عليها وأنا بعيط. ما قلتش حاجة، بس حضنتني، ولقيتها بتهمس في ودني:
'مش مهم الدنيا برا شكلها إيه، طول ما أنا معاك، ما تخافش.'
وفي ليلة تانية، كنت سخن جدًا، وكنت بتقلب في السرير مش قادر أنام. كل اللي فاكره إن إيديها كانت على جبيني، وبتقول لي:
'أنت قوي يا أحمد، وإحنا هنعدي ده مع بعض.'
كانت تقعد جنبي طول الليل، تمسك كتاب وتقرأ لي بصوت هادي. مرة كانت بتحكي لي عن النجوم، وإزاي كل نجمة عندها قصة، وإزاي الناس زمان كانوا يستخدموها عشان ما يتوهوش.
'شوف يا أحمد، لو يوم حسيت إنك تايه، افتكر إنك زي النجوم. حتى لو الدنيا ضلمة، دايمًا في ضوء جواك.'
أمي كانت مختلفة عن أي حد أعرفه. كانت دايمًا تلاقي طريقة تخلي كل حاجة ممتعة. مرة كنت قاعد في البيت زهقان، وطلبت منها نلعب مع بعض. لقيتها جايبة كرتونة كبيرة من المخزن، وقعدنا نلونها ونقلبها مركبة فضائية.
'إحنا دلوقتي في الفضاء يا أحمد! شايف الكوكب اللي هناك؟'
أنا ضحكت وقلت لها:
'أيوة شايفه! ده شكلو كبير أوي!'
كنا نقضي ساعات نلعب، نرسم، نحكي حكايات. حتى لما كان عندي واجب مدرسي صعب، كانت تقعد معايا وتقول:
'ما تخافش، إحنا فريق. هتحله وهتبقى أحسن واحد.'
كان عندنا عادة ما تفوتش. كل يوم بعد المغرب، كنا نقعد في البلكونة نشرب شاي. هي بشايها الداكن اللي كان له ريحة مميزة، وأنا بشاي اللبن بتاعي. كنا نراقب الشمس وهي بتغيب، وتقول لي:
'كل نهاية هي بداية لحاجة جديدة. زي الشمس لما تغيب، بكرة ترجع تشرق.'
في يوم، وأنا ***، سألتها:
'إنتي بتحبيني قد إيه؟'
هي ابتسمت ومسكت إيدي وقالت:
'بحبك قد البحر وسمكاته، لا لا قد الهوا وذراته، لا لا قد التراب وحباته، لا لا قد السما ونجومها.'
وقتها قعدت اضحك والفرحه كانت ماليه قلبي
انا فاكر كويس اول وعد قطعته ليها والي غير حياتي كتير
في مره كنت واقع في مشكلة كبيرة في المدرسة. كنت صغير، وواحد من صحابي ضحك عليا قدام الفصل كله. رجعت البيت وأنا زعلان جدًا، عيني فيها دموع، وحاسس إن الكل بيتريق عليا.
أمي خدتني في حضنها وقالت:
'اسمعني يا أحمد. الناس ممكن يضحكوا عليك، ممكن يجرحوك، بس اللي أهم من ده إنك ما تخليش حد يغير اللي جواك. إنت أحسن من أي حاجة ممكن يقولها حد.'
الكلام ده ما كانش مجرد كلمات. كان زي عهد بيني وبينها. من اللحظة دي، كنت دايمًا أرجع لها مهما حصل. كنت عارف إن حضنها هو المكان الوحيد اللي يقدر يطمني.
حتى الحاجات العادية في حياتنا كانت بتتحول لذكريات جميلة. فاكر يوم لما خدتني السوق معاها لأول مرة. كنت ماسك إيدها، وهي بتختار الخضار بكل حماس.
'أحمد، تعرف إن البسله دي ليها فوائد كتير؟'
أنا كنت أبص لها مستغرب:
'يعني إيه فوائد؟'
ضحكت وقالت:
'يعني بتخليني أعمل ليك أكلك بحب أكتر.'
كانت تطبخ لي أكلتي المفضلة ، وتقول:
'الأكل اللي يتعمل بحب بيبقى له طعم تاني. عشان كده أنا بحط كل الحب اللي عندي هنا.'
تعرف ي عزيزي القارئ الجميل علاقتي بأمي ما كانتش مجرد علاقة بين أم وابنها. كانت أكتر من كده بكتير.
كنت حاسس إنها صديقتي، معلمتي، وحياتي كلها. كل لحظة معاها كانت درس، وكل كلمة منها كانت وعد إن مهما حصل، هي موجودة.
كانت دايمًا تشجعني أكون أفضل نسخة من نفسي.
'أحمد، أوعى تخاف من الفشل. لو وقعت، قوم تاني. ولو مفيش حد يساعدك، اعتمد على نفسك. أنا عارفه إنك تقدر.'
الحاجات دي فضلت معايا طول حياتي. كلماتها كانت زي وشم محفور جوايا، وكل لحظة كنت أقضيها معاها كانت زي كنز مستحيل يتعوض.
"كنت بحب أيام الاجازه جدا، مش عشان ما فيش مدرسة، لكن عشان كنت أقضيها كلها مع أمي. كل جمعة كانت تصحيني على ريحة الفطير اللي بتعمله. تدخل أوضتي وهي ماسكة صينية صغيرة وعليها كباية لبن ساخنة وطبق صغير فيه حتت فطير لسة طالعة من الفرن.
'صباح الخير يا بطلي ي صغنن. قوم نفطر، عندنا يوم طويل!'
وبعد الفطار، كانت تقول لي:
'إيه رأيك نخرج شوية؟'
ناخد المواصلات لحد أقرب جنينة صغيرة، ونقعد على النجيلة. هي تفرد غطا صغير وتطلع كيس فيه تفاح متقطع أو شوية سندوتشات.
'الهدوء ده يا أحمد زي البحر. لما تسمعه، بتحس إنك عايش.'
وأنا كنت فعلاً بحس بكده. كنت أتفرج عليها وهي بتقرأ كتاب صغير، ولما تخلص، تحكي لي القصة كأنها بتاخدني لعالم جديد."
"وقت النوم كان دايمًا مميز. بعد العشا، كانت تاخدني وأقعد جنبها على الكنبة. كنا نعمل جلسة 'أسرار'. كل ليلة أقول لها حاجة حصلت لي في المدرسة، أو حاجة مخبيها جوايا.
'مفيش حاجة تستاهل إنك تخبيها عني يا أحمد. أنا دايمًا هنا.'
كنت أحكي لها عن كل حاجة: خوفي، أحلامي، حتى الحاجات اللي ما كنتش فاهمها. وهي كانت دايمًا تطمني بكلمة أو حضن. كانت تخليني أحس إن مفيش مشكلة أكبر من إنها تتحل."
"مرة كنا بنجهز البيت للعيد. قعدنا نزين الأوضة بشرايط ملونة وبلالين. فجأة، لقيتها ماسكة بلونة وضربتني بيها على راسي.
'ها يا أحمد، مستعد للحرب؟'
أنا طبعًا ما سكتش. مسكت بلونة وضربتها. فضلنا نضحك ونلعب لحد ما تعبنا وقعدنا على الأرض. بصت لي وقالت:
'ضحكتك هي أهم حاجة عندي، يا أحمد. ما تخليش حاجة في الدنيا تخدها منك.'
الكلام ده لسة بيرن في وداني، لحد النهارده
"مرة كنا في ليلة صافية، والنجوم مليا السما. كنت واقف جنبها في البلكونة، وأشاور على النجوم.
'يا ترى يا ماما، في إيه ورا النجوم دي؟'
هي بصت لي وقالت:
'في عالم مليان سحر وجمال. كل نجمة هناك بتحكي قصة، ودي النجمة بتاعتك.'
أنا استغربت وقلت لها:
'إزاي يعني دي نجمتي؟'
ردت بابتسامة:
'كل واحد فينا ليه نجمة. لما تبقى تايه أو محتاج حد، بص للنجمة دي. هتلاقيها بتقول لك إنك مش لوحدك.'
ومن يومها، النجمة دي كانت دايمًا بتطمني. حتى لما الدنيا بتضيق عليا، كنت أبص للسما وألاقيها هناك."
"فاكر يوم ما كانت قاعدة على السرير، بتخيط حاجة بسيطة. قعدت جنبها وسألتها:
'إيه أكتر حاجة نفسك فيها يا ماما؟'
هي بصت لي بحنان وقالت:
'أكتر حاجة نفسي فيها؟ إني أشوفك سعيد. أيا كان اللي هيحصل في حياتك، أوعى تنسى إنك أهم حاجة بالنسبة لي.'
الكلام ده فضل محفور في قلبي. وده اللي خلاني أتمسك بيها أكتر، وأحس إن كل لحظة معاها هي كنز مش ممكن يتكرر."
لحد مجهه اليوم الي غير كل حاجه
كان يوم جمعة، يوم كله ريحة البركة والراحة. أمي صحّتني بدري كالعادة، وهي مبتسمة ابتسامتها اللي تقدر تنور حتى أغمق الأماكن.
"يلا يا أحمد، البس بسرعة. هنسافر نزور خالك وجدّتك. ما ينفعش نسيبهم من غير ما نطمن عليهم."
كنت فرحان. دايمًا كنت أحب زيارة بيت خالي. البيت كان قديم شوية، بس فيه حاجة بتخليه دافي، يمكن عشان الضحك اللي ما كانش بيخلص فيه. جهزت شنطة صغيرة فيها لعبتي المفضلة وكتاب، وحطت أمي شوية حاجات في شنطة تانية، كانت دايمًا تحب تودي لهم هدايا أو أكل تحضّره بنفسها.
وصلنا عند بيتهم مع الظهر. البيت كان في منطقة هادية، مليانة شجر كأنه بيحكي قصص الزمن القديم. جدّتي كانت واقفة عند الباب لما شافتنا، ووشها نور بمجرد ما لمحت أمي.
"تعالي يا بنتي، تعالي يا نور البيت."
كانوا بيحبوا أمي جدًا. كانوا يشوفوها زي الرابط اللي بيجمع الكل، ودايمًا يقولوا إنها أطيب حد في العيلة.
"وأحمد فين؟ أحمد حبيب تيتا!" جدّتي قالتها وهي بتفتح إيديها عشان تحضني.
قضينا اليوم كله وسط الدفا ده. أمي كانت قاعدة في المطبخ مع خالي ومراته وجدتي، يحكوا ذكريات قديمة ويضحكوا. وأنا كنت بلعب مع أولاد خالي في الجنينة، نعمل مركب من ورق الشجر ونرميه في الميه اللي بتتجمع تحت الحنفية المكسورة.
في وسط اللعب، شفت أمي وهي خارجة من المطبخ، شايلة صينية فيها شاي وشويه حلويات صغيرة. وقفت تبص عليا، وضحكت وهي تقول:
"يا أحمد، ما تهدّى شوية، هتتعب نفسك كده!"
جريت ناحيتها وقلت:
"لازم ألعب عشان أبقي قوي ونشيط، مش إنتي دايمًا بتقولي كده؟"
ابتسمت ومسحت على شعري وقالت:
"آه يا حبيبي، بس خلي بالك من نفسك. أنت أهم حاجة عندي."
حسيت بالكلام ده بيدفي قلبي. كانت دايمًا تهتم بي بطريقة ما حدش يقدر يعملها. كانت تشوفني زي كنز صغير، وأنا كنت أشوفها الدنيا كلها.
بعد ما خلصنا زيارتنا، ودّعنا أهل أمي، وكانوا بيطلبوا منا نطوّل في المرة الجاية. ركبت العربية جنبها، وأنا ماسك إيدها الصغيرة.
"استمتعت يا بطلي؟" سألتني وهي بتبتسم.
"أيوه جدًا. أنا بحب أروح عند خالي وجدتي."
"خلاص ي صغنن، هنوعدهم إننا نيجي أكتر الفترة الجاية."
الدنيا كانت هادية في الطريق. الشمس بدأت تغيب، والسماء اتلونت بلون برتقالي جميل. أنا كنت نايم على كتف أمي، وهي بتسوق بهدوء. فجأة، صوت فرامل العربية قطّع هدوء المشهد.
كنت فايق بس مش قادر أتحرك. شفت نور قوي جاي ناحيتنا. أمي حاولت تنحرف بالعربية، بس الوقت كان أقصر من أي قرار.
صوت الاصطدام كان زي الانفجار في وداني. حسيت بجسمي بيتحرك بقوة ناحية الزجاج، وكل حاجة حواليا بقت ضباب. آخر حاجة شفتها كانت أمي، وهي بتحاول تحميني بدراعها، وكأنها بتواجه العالم كله عشاني.
كان كل حاجه حواليّا ضبابيه. أصوات الإسعاف في الخلفية، وصراخ ناس ما كنتش قادر أميز وجوههم. الوقت كأنه وقف عند لحظة الاصطدام، لكن عقلي كان مشغول بحاجه واحدة: "أمي فين؟"
حاولت أفتح عيني، شفت الدنيا مشوشة. الزجاج المكسور كان حوالينا زي أشواك، وريحة الدخان مليّة العربية. بصيت ناحيتها. أمي كانت ساكنة، دراعها كان لسه ممتد ناحيتي كأنها بتحميني حتى في غياب وعيها.
"أمي! قومي... قومي!" صرخت ، لكن صوتي كان أضعف من أي وقت فات. حاولت أفك الحزام اللي كان رابطني، بس إيدي كانت بترتعش. لمست كتفها بهدوء، زي اللي خايف يكتشف الحقيقة.
صوت خطوات ناس بدأت تقرب. حد بيحاول يفتح باب العربية، واحد تاني بيصرخ:
"في *** جوه!"
كنت سامع كلامهم، لكن عقلي كان لسه مركز على أمي. كل حاجة حواليّا كانت بطيئة، وكأن الزمن بيختبرني.
فتحوا الباب، وشالوني بحذر. حسيت بأيدين قوية بتسحبني بعيد عن الكرسي. "سيبوني، أمي جوه!" صرخت وأنا بحاول أفلت منهم، لكن ما كانش عندي قوة. بصيت ورايا، شفتهم بيشيلوها من العربية، مغطّية بالدم، ووشها ما زال محتفظ بهدوئه اللي دايمًا كنت بشوفه عليها.
وصلنا المستشفى، الإضاءة القوية خلتني أغمض عيني، لكن عقلي كان صاحي لكل حاجه. حطوني على سرير، وسمعت الدكتور بيقول:
"الولد عنده كدمات، بس حالته مستقرة."
لكن ما حدش كان بيتكلم عن أمي.
بصيت ناحية باب غرفة العمليات اللي دخلوها فيها. كان مقفول وعليه علامة "ممنوع الدخول". كنت قاعد على السرير، وفيه ممرضة بتحاول تطمّني، لكن كلامها ما كانش واصل لوداني اصلا. كل اللي كنت سامعه هو صوت قلبي اللي بينبض بسرعة، وصورة أمي وهي ساكنة في العربية قدامي.
بعد ساعات ما أعرفش عدّت إزاي، خرج الدكتور. كنت شايف التعب على وشه، كأنه كان بيحارب حاجة ما قدرش يغلبها. قرب من أبويا اللي كان لسه واصل، وقال بصوت واضح ومؤلم:
"البقاء ***. حاولنا بكل الطرق، بس الإصابات كانت شديدة جدًا."
حسيت إن العالم كله بيقع فوق راسي. صوتي خرج منّي تلقائي:
"لااااااااااااااااااااااااااااا!"
جريت ناحية الغرفة، وما حدش قدر يوقفني. شفتها ممددة على السرير، جسمها هادي، ووشها ما زال جميل، لكن البرودة كانت واضحة. مسكت إيدها، كانت باردة زي التلج. دموعي نزلت زي الشلالات وأنا بقول:
"أمي، ما تسيبينيش... لو سمحتي، اصحي."
اصحي ي ماما عشان خاطري عشان خاطر الصغنن بتاعك
لو سمحتي اصحيييييييييييييي
فضلت قاعد جنبها، وعيوني عامله زي الشلال مش قادر ابطل عياط وامنع دموعي
فضلت ماسك إيدها ومش قادر أصدق اللي حصل. كل لحظة قضيناها سوا بدأت ترجع لعقلي زي شريط فيلم بطيء. ضحكتها وهي بتلعب معايا، صوتها وهي بتحكي لي قصص قبل النوم، وابتسامتها وهي بتصحيني للمدرسة كل يوم.
لكن كل ده اتحوّل لواقع جديد، واقع مظلم مليان فراغ كبير.
من اللحظة دي، حسيت إني ما عدتش نفس الشخص. أمي كانت كل حاجة بالنسبة لي، كانت السند والدفا، ولما راحت، جزء كبير مني راح معاها. ده ان مكنش كل حاجه راحت معاها
حياتي بدأت تتحول. بقيت أقضي وقتي في صمت، بغرق في ذكرياتها. كل كتاب كنت أفتحه كنت أحس إنها جنبي، بتشجعني. وكل مرة كنت أبص للسماء وقت المطر، كنت أسمع صوتها وهي بتقول:
"الدنيا لسه بخير."
لما خسرت أمي، الدنيا كلها بقت رمادية. الصبح ما بقاش ليه معنى، الليل بقى أطول من المعتاد، والهدوء بقى زي صوت صراخ ما بيسكتش. البيت اللي كان مليان ضحك ودفا، بقى صامت بشكل مخيف. كنت بصحى على سريري وأمد إيدي على أمل ألاقيها لسه جنبي، زي ما كانت دايمًا. لكن الحقيقة كانت أقسى من أي كابوس.
بعد ما دفناها، حسيت إن الدنيا دفنتني معاها. ما كنتش عايز أشوف حد، ولا أسمع حد. بقيت أقعد لوحدي في الأوضة، والكتاب اللي كانت بتقراه ليا قبل ما أنام بقى صاحبي الوحيد. كنت أقرا كل حرف وكأني بحاول أسمع صوتها من تاني.
مرة كنت ماسك فستانها اللي كان لسه ريحته موجودة، وعيوني غرقانة في دموع مش عارف أوقفها. سألت نفسي:
"ليه؟ ليه راحت؟ ليه سابتني لوحدي؟"
ليه اتخليتي عني ي ماما؟ ليه خلفتي بوعدك ليا؟
عشان خاطري ارجعي ي ماما، وحشتيييينيييي
لكن ما كانش فيه إجابة، وكان كل اللي حواليا بيقول لي إن العالم ماشي، حتى لو أنا وقفت.
في أول شهرين، النوم كان أكبر عدو. كل ما أنام، أشوفها. مرة بشوفها بتضحك وتمد إيدها لي، ومرة بشوفها وهي بتبعد عني وسط ضباب كتير بتفضل تختفي فيه. كنت بصحى على صراخ مكتوم، وقلبي بيتخبط كأني لسه عايش لحظة الحادثة.
مرة صحيت في نص الليل، والدنيا ظالمه خالص. كنت حاسس بوجودها في الأوضة، مش زي شبح... لا، زي ما تكون واقفة جنبي، بتحاول تطمني. حاولت أقوم، بس كنت متكتف، زي ما يكون الحزن نفسه بيحاصرني.
أبويا حاول يقرب مني، بس كانت المسافة اللي بينّا كبيرة. هو كان بيعاني بطريقته، وأنا كنت غرقان في طريقتي. بعد فترة قصيرة، قرر يتجوز عشان "يحاول يلاقي استقرار"، حسب كلامه. كنت واقف جنب الباب وهو بيكلمني عن قراره، بس ما كنتش سامع ولا كلمة. اللي فهمته هو إن أمي فعلاً راحت، والفراغ اللي سابته بدأ يتعبه.
مرات أبويا دخلت حياتنا زي إعصار. من أول يوم، كنت حاسس إنها مش حابة وجودي. دايمًا بتبص لي نظرة باردة، وكأني عبء على حياتها الجديدة.
بداية المعاناة كانت صغيرة، لكن مع الوقت الأمور بقت أسوأ. كانت تتعمد تضايقني، سواء بكلمة جارحة أو بإهانة قدام أبويا. مرة، كسرت لعبتي الوحيدة اللي أمي كانت جايباها لي، ولما واجهتها، قالت:
"أنت كبير دلوقتي. ما ينفعش تفضل ماسك في حاجات تافهة زي دي."
وفي مرة تانية، كنت قاعد أذاكر، ودخلت الأوضة وقلبت الكتب على الأرض. "ما تتعبش نفسك، عمرك ما هتوصل لحاجة!"
كنت بحاول أشتكي لأبويا، لكن كل مرة كان يقولي:
"هي اكيد مش قصدها. حاول تفهم، ده ضغط الحياة."
لكني كنت عارف إنها بتعمل كل ده عن عمد.
الكتب بقت ملاذي الوحيد. بدأت أقرا عن كل حاجة، الكتب بقت هي العالم الي صنعته لنفسي العالم الي بقيت اهرب ليه
وبالأخص الكتب الي امي سابتها ليا كنت بحس انها جمبي وانا بقرأ الكتب دي
كنت بقعد بالساعات فالمكتبه بقرأ او يمكن كنت بنفصل عن العالم
جدي من ناحية أبويا كان الوحيد اللي حسيت إنه شايفني بجد. في مرة لما زارنا، لقاني قاعد لوحدي في الجنينة، ماسك كتابي القديم. قرب مني وقال:
"مالك يا أحمد؟ إيه اللي مضايقك؟"
ما قدرتش أتحمل أكتر. حكيت له كل حاجة: الحادثة، أمي، مرات أبويا، وازاي إن الحياة بقت سجن كبير. شاف الدموع في عيني، وقالي:
"قوم، تعالى معايا. أنا مش هسيبك هنا."
لما جدي قرر ياخدني أعيش معاه، ما كانتش الدنيا هادية ولا سهلة. أبويا رفض الموضوع بشكل قاطع، كأنه كان بيواجه كابوس. الليلة اللي جدي جيه فيها يتكلم معاه كانت زي حرب بينهم:
"عبد الرحمن، الولد حالته كل يوم بتسوء. مراتك ما بتريحهوش، وده ظاهر قدام الكل."
أبويا رد عليه بصوت عالي:
"يعني إيه؟! أحمد ابني، وأنا المسؤول عنه. ما حدش هيبعده عني، لا إنت ولا غيرك."
لكن جدي ما تراجعش، قال كلام هز المكان:
"شايف حال الولد؟ شايف الخوف في عيونه لما مراتك تقرب منه؟ عبد الرحمن، أحمد محتاج أمان. أنا مش هقعد أتفرج عليه بيتكسر قدامي."
الصوت ارتفع أكتر، والنقاش بقى شبه معركة كلامية. أبويا كان بيضرب على الترابيزة بإيده، وجدي كان بيحاول يسيطر على غضبه.
وأنا كنت قاعد في الركن، خايف حتى أرفع راسي، ماسك الكتاب اللي أمي كانت بتقرأهولي زمان.وحضنه جامد والخوف وقتها كان مسيطر عليا
لغايه ما مره واحده حسيت بضباب قدام عيني كأن حد فصل نور الدنيا الاضاءه بقت تضعف شويه شويه لغايه مالنور راح خالص
واخر حاجه سمعتها هو صراخ ابويا وهو بيقول ابني
وجدي الي بيزعق ويقول احماااااااااااااااااد!!!!!
يتبع................................................!!!!!!!!!!!!
(الجزء الثاني)
الشد والجذب استمر أيام، وأبويا كان كل مرة يتكلم عن الموضوع ينتهي بنفس الجملة:
"مش هسمح لحد ياخد ابني مني."
لكن جدي ما استسلمش. وبعد فترة، أبويا بدأ يحس إنه مش قادر يواجه الحقيقة. في النهاية، وافق على مضض، لكن عيونه كانت مليانة حزن ووجع. يوم ما خرجت من البيت، كان واقف على الباب، بيحاول يخبي دموعه، وقال لي:
"أحمد... خلي بالك من نفسك. أنا بحبك، حتى لو مش باين."
كانت آخر مرة شوفته فيها بنفس القوه دي.
أول ما بدأت أعيش مع جدي وجدتي، كنت حاسس إن كل حاجة حواليا غريبة، مش زي البيت اللي كنت فيه مع أمي. البيت كان هادي، بس مش هدوء يريح القلب، هدوء يخليك تسمع صوت الفراغ اللي جواك. كنت أهرب من كل حاجة، أقفل على نفسي في الأوضة، وأمسك الكتب اللي أمي كانت بتقراها. ما كنتش أقرأها عشان أتعلم، كنت بفتحها وأقلب صفحاتها كأني بدوّر على ريحتها جواها. كنت بقول لنفسي:
"يمكن تسيب لي رسالة... يمكن أسمع صوتها بين السطور."
أبويا كان بيجي يزورني كل يوم تقريبًا، بس كنت حاسس إن زيارته روتينية أكتر من كونها مليانة مشاعر. كان يدخل الأوضة، يبص عليّا وأنا ماسك كتاب، ويحاول يكسر الحاجز اللي بيننا:
"عامل إيه النهارده يا أحمد؟ بتقرأ إيه؟"
وأنا أرده بصوت خافت:
"حاجة أمي كانت بتحبها."
كان يهز راسه ويخرج من غير ما يقول حاجة. كنت عارف إنه موجوع، بس كل واحد فينا كان غرقان في وجعه الخاص.
أما جدي وجدتي، فكانوا دايمًا بيحاولوا يقربوا مني بطريقتهم. جدتي كانت بتحكي لي عن أمي لما كانت صغيرة، عن ذكرياتهم مع بعض:
"أمك كانت دايمًا تقول إنها عايزة تشوفك دكتور ناجح. إنت ما تعرفش قد إيه كانت فخورة بيك وانت صغير!"
وجدي كان يدخل الأوضة بابتسامة خفيفة، ويحاول يخفف عليّ بطريقته:
"أحمد، لو الدنيا ضاقت بيك، افتكر دايمًا إن في ناس بتحبك. أمك دلوقتي شايفاك، ومش عايزاك تكون زعلان."
بس الكلام ده كان بيخليني أتوجع أكتر. كل مرة كانوا يتكلموا عن أمي، كنت أحس كأن في حاجة بتضغط على صدري، حاجة بتفكرني إنها مش هنا.
وفي يوم من الأيام،كان يوم التحول بالنسبالي اليوم الي اتبنت عليه حياتي بعد كده
وأنا في عز إحساسي بالوحدة، حلمت حلم مستحيل انساه أبدًا،
حلم ي عزيزي القارئ الجميل لسه فاكر تفاصيل تفاصيلة لحد دلوقتي. كنت في مكان واسع جدًا، مكان شبه الجنينة، لكن كأنه أكبر من الدنيا كلها. كان المكان مليان شجر، والزهور حواليّا ألوانها مشرقة بطريقة مش طبيعية. الجو كان هادي، والهواء كان بارد بس دافئ في نفس الوقت، ريحته ريحة ندى الفجر.
وفجأة شفاتها، شفت أمي. كانت واقفة بعيد، لابسة فستان أبيض بسيط، وشعرها طويل زي ما كنت دايمًا فاكرها
وابتسامتها الهاديه الي تقدر تنور اشد بقاع الارض ظلام. كنت واقف مكاني، مش مصدق. فجأة، لقيت نفسي بجري بكل طاقتي، وكل خطوة كنت بحس كأني بقرب لحلم مستحيل يتحقق. لما وصلت ليها، حضنتها بكل قوتي.
فضلت أعيط في حضنها زي الطفل اللي ضايع ولقى أمه
"إنتِ فين يا ماما؟ وحشتيني! أنا مش قادر أعيش من غيرك. كل حاجة بقت صعبة أوي!"
كانت تمسح على شعري بهدوء، وابتسامتها مليانة حنية:
"البطل الصغنن بتاعي، ليه زعلان كده؟ أنا هنا معاك، دايمًا معاك."
قعدتني على الأرض ونيمتني على رجلها، زي ما كانت بتعمل وأنا صغير. بدأت تلعب في شعري، وصوتها كان زي نسمة هواء بتهوّن عليّ كل حاجة:
"اسمع يا أحمد... أنا مش بعيدة، أنا معاك. إنت لازم تكون قوي، لازم تحقق حلمنا. فاكر لما كنت أقولك نفسي أشوفك دكتور؟ أوعدني إنك هتعمل كده عشانّي."
صحيت من النوم، وكنت لسه حاسس بحرارة حضنها وصوتها في وداني. لكن لما لقيت نفسي لوحدي في الأوضة، الدموع نزلت من غير توقف. الحلم كان حقيقي لدرجه متتوصفش كان حقيقي لدرجة إني فضلت أدور عليها في كل ركن علي امل اني الاقيها. بس وسط دموعي الي كانت شبهه الشلالات كنت حاسس بأحساس غريب احساس مختلف، احساس كأنها واقفه جمبي وبتقولي انسي الي فات ابدأ حياتك من دلوقتي ي بطلي،
ومن هنا بالفعل ي عزيزي قررت أبدأ حياتي من جديد.
من يوم الحلم، بقى عندي هدف واحد أحقق حلم أمي. كنت بأقفل على نفسي في الأوضة بالساعات، أذاكر وأكتب ملاحظات على كل كلمة. الكتب بقت مش مجرد أوراق، بقت سلاح. كنت أحس إن كل مرة أذاكر فيها، أمي بتبص عليا من النجمة اللي في السماء. كنت أخرج كل ليلة، أبص للسماء وأكلم النجمة:
"إنتِ شايفاني يا ماما؟ أنا بحاول عشانك، أوعدك إني مش هخيّب ظنك."
في أيام الامتحانات، كنت أعيش على القهوة وسهر الليالي. كنت أخرج الصبح قبل الامتحان، أبص للسماء وأطلب من النجمة تدعي لي. كل مرة كنت أحس إن النجمة بتلمع أكتر، كأنها بتقول لي: "أنا معاك يا أحمد."
يوم إعلان النتيجة، كان البيت كله متوتر. جدي كان قاعد قدام الكمبيوتر، وجدتي كانت ماسكة السبحه وبتدعي. أما أنا، كنت واقف في ركن الأوضة، حاسس إن رجلي مش قادرة تشيلني. لما جدي فتح النت وبدأ يدور على النتيجة، كل ثانية كانت كأنها سنة. فجأة، رفع صوته وقال:
"91.54%! أحمد، أنت عملتها!"
بعد ما جدي نطق النتيجة بصوته العالي، البيت كله انفجر بالفرحة. جدتي أول واحدة قامت بسرعة وحضنتني بقوة، ودموعها ما كانتش بتقف:
"أنا قلت لك إنك قدها، يا حبيبي! أمك لو كانت هنا كانت هتبقى أسعد واحدة في الدنيا!" انا متأكده انها شايفانا دلوقتي وفخورة بيك ي نور عيني.
جدي وقف، ورفع إيده لفوق وهو بيقول:
"الحمد ***! أحمد حقق حلم أمه... وحلمنا كلنا. شوف يا أحمد، الدنيا مهما كانت صعبة، مفيش حاجة توقفك طالما عندك هدف."
أما أبويا، كان واقف بعيد شوية. أنا بصيت له، وشفته بيحاول يخبي دموعه، لكنه ما قدرش. قرب مني، وحط إيده على كتفي، وقال:
"أنا فخور بيك يا أحمد، فخور بجد. أمك كانت دايمًا بتقول إنك هتبقى حاجة كبيرة، وأنا دلوقتي شايف ده بعيني. **** يخليك لنا، يا ابني."
بعد الفرحه العائلية دي جدي قرر إن اليوم ده لازم يكون يوم احتفال مش عادي. خرجنا كلنا من البيت لأول مرة من شهور، وقررنا نروح مكان كنا بنحب نروحه أيام ما أمي كانت موجودة. كان مطعم صغير على البحر، المكان اللي دايمًا كان بيجمعنا في المناسبات.
جدتي كانت لابسة فستانها اللي بتحبه، وجدي لبس البدلة اللي كان دايمًا بيحضرها للأيام المهمة. حتى أبويا كان شكله مختلف، حاسس إن الحزن اللي كان بيغطي ملامحه خف شوية.
وأول ما قعدنا على الترابيزة، جدي رفع كوباية العصير وقال بصوت عالي:
"ده يوم تاريخي، أحمد. إحنا مش بنحتفل بس بنجاحك، إحنا بنحتفل بقدرتك إنك تتحدى كل حاجة وتكمل الطريق."
جدتي بصت لي وقالت بابتسامة:
"أنت مش بس نجحت، يا أحمد. أنت رجّعت لنا الأمل."
وأنا في اللحظة دي، حسيت بشعور جديد. لأول مرة من شهور، كنت حاسس إن الحزن اللي جوايا بيخف. كنت حاسس إن أمي واقفة معانا في اللحظة دي، بتبتسم وبتقول:
"كنت عارفة إنك قدها يا بطلي."
وأنا راجع البيت مع جدي وجدتي وأبويا، كانوا كلهم متحمسين، بس ما كنتش عارف ليه. أول ما وصلنا البيت، جدتي خدتني على أوضتي وقالت:
"افتح الباب وشوف بنفسك."
فتحت الباب، ولقيت مكتبة جديدة مليانة كتب كتب كتير اووي، وفي نصها مكتوب:
"للبطل الصغير اللي حقق حلم أمه."
أنا وقفت مكاني، ودموعي بدأت تنزل. جدتي قالت وهي بتحضني:
"أمك كانت دايمًا بتحلم يكون عندك مكتبة زي دي، وده أقل حاجة ممكن نعملها عشان نكمل حلمها."
جدي قال بابتسامة فخر:
"دي البداية، يا أحمد. خليها دايمًا قدامك، عشان تفتكر إن النجاح ده مجرد أول خطوة."
بالليل، وأنا واقف في البلكونة، بصيت للسماء كالعادة، وكنت بدور على النجمة بتاعتي. أول ما شفتها، كانت بتلمع أكتر من أي وقت. حسيت إن أمي بتبص لي من فوق، وبتقول لي بصوتها اللي ما بنسهوش:
"البطل الصغنن بتاعي، فخورة بيك."
في اللحظة دي، ابتسمت لأول مرة من قلبي، وقلت بصوت واطي:
"أنا مش هخيّب ظنك أبدًا، ماما. وعد."
عدت الايام وفاتت ومع أول يوم دخلت فيه كلية الطب، كان عندي إحساس إني داخل معركة جديدة. ممرات الكلية، صوت الطلبة، والدكاترة اللي صوتهم كان دايمًا عالي في المدرجات، كل حاجة كانت بتشدني ناحية حلمي.
في سنة أولى، كان يومي يبدأ من الفجر. كنت أصحى، أفطر الفطار اللي جدتي بتجهزه بعناية، وأروح الكلية وأدخل المحاضرات. ساعات كنت أضيع في المحاضرات من كتر المعلومات اللي بتنزل علينا مرة واحدة. كنت أرجع البيت وأحس بتعب رهيب، لكن كل ما أفتكر كلام أمي عن حلمها، التعب كان بيختفي كأنه ما كانش موجود أصلاً.
في مرة، كنت بذاكر مادة "علم التشريح"، ودي كانت من أصعب المواد اللي درستها. قعدت ليلة كاملة أحاول أحفظ شكل الأعضاء ووظائفها، لكن حسيت إن دماغي مش مستوعبة. في الوقت ده، جدتي دخلت عليا بكوباية شاي وقالت:
"إنت فاكر لما أمك كانت تقعد تذاكرلك طول الليل عشان تنجح؟ كانت دايمًا تقول لي: 'كل تعب بييجي معاه نجاح.' إنت مش أقل منها، يا أحمد."
الكلام ده فضل في دماغي، وكل ما كنت أتعب كنت أفتكره، أفتكر كلام امي، افتكر حلمنا
في سنة تالتة، لما بدأت أدرس حالات الطوارئ، حسيت بشعور غريب، كأن المكان بيناديني. قسم الطوارئ مش مجرد مكان لإنقاذ الناس؛ ده مكان مليان قرارات سريعة وحالات ملهاش حلول واضحة. أول مرة دخلت القسم كنت مرعوب. الدكتور اللي كنت معاه شاور على حالة وقال لي:
"إنت يا دكتور! ساعدني هنا."
كانت حالة خطيرة، نزيف داخلي، وأنا كنت لازم أساعده بإيدي.
قلبي كان بيدق بسرعة رهيبة، لكن صوت داخلي قال لي:
"إنت تقدر. افتكر إن ده حلمك."
بعد ما خلصنا، الدكتور بص لي وقال:
"شاطر يا أحمد، عندك تركيز كويس."
الكلام ده كان كفاية علشان يخليني أكمل وأدفع نفسي أكتر.
بيت جدي وجدتي كان المكان الوحيد اللي كنت أحس فيه بالأمان وسط الضغط ده كله. جدي كان شخص حكيم جدًا، عمره ما رفع صوته ولا انفعل. كان دايمًا يقعد معايا بالليل في البلكونة، ونقعد نتكلم عن حياتي في الكلية. مرة سألني:
"أحمد، فاكر ليه بدأت المشوار ده؟"
رديت عليه في أجزاء من الثانية : "علشان أحقق حلم أمي."
رد عليّ بابتسامة: "وعلشان كده هتنجح، لأن هدفك نابع من الحب الحقيقي."
جدتي، على الجانب الآخر، كانت دايمًا تطبطب عليا بطريقة مختلفة. كانت تحرص على تحضير الأكل اللي بحبه وتقول لي:
"ما ينفعش دكتور زيك يذاكر على معدة فاضية!"
وكانت تجيب لي كوباية لبن سخنة كل ليلة، تقول لي: "ده علشان مخك يشتغل بكفاءة."
في مرة، لما شافوني متعب جدًا بعد يوم شاق، قرروا يجهزوا لي مفاجأة. رجعت البيت لقيت جدي وجدتني محضرين أكل كتير جدًا، وأبويا جاي ومعاه تورتة مكتوب عليها:
"لأحمد البطل، اللي بيحقق حلمنا."
كانوا بيحاولوا يفرحوني بأي طريقة، وده خلاني أحس إنني محظوظ رغم كل حاجة.
أبويا ما تخلاش عني لحظة. كان بييجي دايمًا، حتى لو مشغول. مرة سألته:
"إنت ليه مهتم تيجي كل يوم؟"
رد عليا: "لأنك ابني، ولأن ده واجبي، ولأن أمك لو كانت هنا كانت هتعمل نفس الشيء."
كان دايمًا يجيب لي هدايا صغيرة تحسسني إنه فخور بيا. مرة جاب لي قلم وقال لي:
"ده قلم مميز، أكتب بيه ملاحظاتك ودايمًا افتكر إنك بتكتب صفحة جديدة في حياتك."
الكلام ده كان بسيط، لكنه أثر فيا بشكل كبير.
أيام الامتحانات كانت مختلفة تمامًا. كنت أروح الكلية الصبح، أخلص امتحاني، وأرجع البيت أبدأ أذاكر للمادة اللي بعدها. كنت دايمًا أحس إنني في سباق مع الزمن.
في ليلة امتحان مهم جدًا، قررت أخرج البلكونة وأبص للنجمة اللي أمي كانت بتتكلم عنها. لقيتها بتلمع في السما بشكل غير طبيعي. ابتسمت وقلت:
"إنتي شايفاني، مش كده؟"
كنت بأحس إن النجمة دي بتديني قوة. كنت أكلمها وأقول:
"أنا بحاول، عشانك، وعشان حلمك. مش هخذلك ابدا."
لما خلصت الكلية وتخرجت، كان يوم مليان فرحة. جدي لبس بدلته القديمة، وجدتي جابت لي وردة، وأبويا جاب كاميرا جديدة علشان يصور اللحظة. لما دخلت عليهم، لقيتهم عاملين حفلة صغيرة في البيت. جدتي حضنتني وقالت:
"كنت عارفة إنك هتنجح."
وجدي قال:
"إحنا فخورين بيك جدًا، يا أحمد."
أما أبويا، فكان واقف بعيد شوية، وعينيه مليانة دموع. قرب مني وحضني وقال لي:
"أمك لو كانت هنا، كانت هتكون أكتر واحدة فخورة بيك. بس أنا واثق إنها شايفانا دلوقتي."
أول يوم شغل كان مزيج من القلق والحماس.
قسم الطوارئ كان زي ما تخيلته وأكتر. كل دقيقة كان فيها قرار مهم. شفت قد إيه الناس محتاجة دعم، وكنت فخور إني في المكان ده.
مرة جات لي حالة صعبة جدًا، شاب صغير عمل حادثه، وحالته كانت خطيرة. وأنا بأشتغل، كنت أفتكر كل اللي تعلمته، وكل مرة أقول لنفسي:
"ده مكاني، دي رسالتي."
لما خلصت اليوم، رجعت البيت، وكنت مرهق جدًا. لكن وسط التعب، كان فيه شعور بالإنجاز. عرفت إنني مشيت الطريق الطويل، وحققت حلم أمي، وحققت كمان حلمي الشخصي.
عدت وفاتت الايام والشهور والسنين، واسمي بقى اسم كبير في عالم الطوارئ. أي حالة حرجة تدخل المستشفى، الكل يعرف إن "الدكتور أحمد" هو اللي هيلاقي الحل. كنت بتعامل مع أصعب المواقف بثبات، كأني اتولدت عشان اكون هنا. زملائي كانوا بيحكوا عن سرعتي في اتخاذ القرارات، وعن قلبي الكبير اللي كان بيشوف المريض قبل الحالة.
رغم انشغالي، مكنتش بنسى أبداً عيلتي. جدي وجدتي كانوا بالنسبالي أكتر من أهل، كانوا الدعم اللي خلاني اوصل للمرحلة دي. كل يوم كنت ادخل عليهم بعد الشغل، اقعد معاهم على السفرة، اسمع حكايات جدتي عن أيام زمان، واضحك على تعليقات جدي الطريفة. جدتي كانت دايما تقولي:
"إنت النور اللي منور بيتنا يا أحمد."
وجدي يضيف:
"أنا دايمًا عارف إنك هتبقى حاجة كبيرة. أمك كانت شايفاها فيك من زمان."
أما أبويا، فكان فخور جدًا. كل ما يشوفني، يقولي:
"يا أحمد، أنا كنت دايمًا مؤمن إنك هتحقق حلمها. **** يرحمها، أكيد فرحانة بيك أوي دلوقتي."
وانا كنت ببتسم بحب، بحس إن كل لحظة تعب عدت عليا كانت تستاهل.
في يوم عادي في المستشفى، اتفاجئت بخبر غيّر كل حاجة. المدير طلبني في مكتبه وقال لي:
"يا دكتور أحمد، وزارة الصحة قررت تنقل فريق من أكفأ الدكاترة عندنا لمستشفى في منطقة نائية. الوضع هناك صعب جدًا، والناس محتاجة خدمات طبية عاجلة. اسمك كان أول اسم في القايمة."
اتسمرت في مكاني للحظة، وبعدين قولت بثقة:
"أنا جاهز يا فندم. أهم حاجة أقدر أساعد الناس هناك."
القرار ما كانش سهل. المستشفى الجديدة كانت في منطقة بعيدة جدًا، وحديثة الإنشاء. الإمكانيات محدودة، والحالات هناك غالباً معقدة بسبب تأخر العلاج.
لما رجعت البيت، قعدت مع جدي وجدتي وحكيت ليهم الخبر. جدتي كانت قاعدة على الكرسي الهزاز بتاعها، ونزلت دمعة صغيرة من عينها، بس مسحتها بسرعة وقالت بحب:
"يا أحمد، إنت بطل. أمك أكيد هتكون فخورة بيك فوق. عارفة إنك هتعمل كل اللي تقدر عليه عشان تساعد الناس."
وجدي قعد جنبي وربّت على كتفي وقال لي:
"دي خطوة كبيرة يا أحمد، بس إحنا عارفين إنك قدها. إنت مش بس دكتور شاطر، إنت كمان إنسان قلبه كبير."
أما أبويا، لما عرف، بعت لي رسالة قصيرة:
"أنا فخور بيك يا أحمد. زي ما قلت لك، أمك كانت شايفة ده فيك. لو محتاج أي حاجة، أنا معاك."
الكلام ده حفّزني أكتر، خلاني احس إني مش لوحدي، وإنه دايمًا عندي سند.
أول ما وصلت انا والفريق للمستشفى، المكان كان غريب. مبنى قديم، بسيط جدًا، والإمكانيات الطبية كانت ضعيفة. السكان كانوا منتظرين بفارغ الصبر، وقتها حسيت بمسؤولية ضخمة على كتفي لما شوفت الوجوه المتعبة للأطفاال والناس الكبار.
في أول جولة ليا في المستشفى، لاحظت حاجة غريبة... "غرفة 404".
الاوضة كانت مقفولة بأقفال ضخمة، وعليها لوحة مكتوب عليها بخط واضح:
"ممنوع الدخول."
وقتها قربت من الباب، وحسيت كأن الهواء حواليه بقى تقيل. سأل ممرضة شابة كانت معدية:
"إيه قصة الاوضة دي؟ ليه مقفولة بالشكل ده؟"
الممرضة وشها شحب وقالت بتوتر:
"الاوضة دي... مفيش حد بيدخلها. بلاش تسأل عنها يا دكتور."
استغربت من التحول الي حصلها لما سألت، بس قرر اسيب الموضوع مؤقتًا واركز على شغلي.
و بدأت رحلتي في المستشفى الجديدة، من يوم ما جيت المستشفى دي وأنا مركز جدًا في شغلي. الحالات هنا كانت صعبة، الإمكانيات محدودة، لكن كان عندي إيمان إن وجودي هنا له هدف أكبر. كل يوم كنت أقابل ناس بعيون مليانة أمل وألم في نفس الوقت. الناس هنا ملهومش حد، وكل ابتسامة كنت بشوفها على وش مريض بعد علاجه كانت كأنها شهادة نجاح جديدة ليا.
لكن في وسط كل الشغل ده، كان في حاجة غريبة جدًا بتدور حوالين...."الغرفة 404".
في مره كنت بلف مع واحد من الممرضين القدام في المستشفي دي
وسألته:
"الاوضة دي إيه حكايتها؟ ليه مقفولة كده؟"
بص لي نظرة غريبة وقال:
"يا دكتور، دي مش اوضة عادية. بلاش تسأل عنها."
افتكرت إنه بيبالغ زيه زي الممرضه الي سالتها قبل كده،
لكن مع مرور الأيام، بدأت ألاحظ إن كل اللي شغالين هنا بيتجنبوا الكلام عنها. لو حد فتح الموضوع، كانوا يغيروا الكلام بسرعة أو يسيبوا المكان.
مرة سألت ممرضة كبيرة في السن، كانت دايمًا بتتعامل معايا بحب واحترام.
قولت لها:"مش هينفع، لازم أعرف. إيه حكاية الاوضة دي؟"
وشها اتغير، وكأنها رجعت بذاكرتها لذكريات مخيفة. قالت بصوت هادي، لكنها خايفة:
"الاوضة دي كان فيها مريضة زمان... ماتت هنا. لكن موتها كان مختلف. الناس بتقول إن روحها سكنت الاوضة، وإن كل اللي يقرب منها بيحصله حاجات غريبة."
رديت عليها وأنا بحاول أخبي ضحكتي:
"يعني أشباح؟ إحنا في مستشفى، مش فيلم رعب."
قالت لي بحدة:
"يا دكتور، أنا هنا بقالى سنين. بلاش تتعامل مع الموضوع ده باستخفاف."
مع الوقت، الكلام عن الغرفة بقى أكتر. كل يوم أسمع حكاية جديدة. واحد يقول إنه شاف ظلال بتتحرك جوه الاوضة، واحدة تقول إنها سمعت أصوات عياط.
لكن أكتر قصة لفتت انتباهي كانت من ممرض شغال هنا بقاله 10 سنين. قال لي بصوت منخفض:
"أنا مرة حاولت أفتح الباب. كنت فاكر إن مفيش حاجة فعلاً. لكن أول ما دخلت... حسيت بحاجة غريبة جدًا. الجو كان بارد بطريقة مش طبيعية، والإضاءة كانت كأنها جاية من مكان تاني. ومن يومها وأنا بحلم بكوابيس."
الكلام ده كان غريب، لكن بالنسبة لي ما كانش مقنع. كنت شايف إن كل ده مجرد تخاريف ناس عايشة في عزلة، بتحاول تسلي نفسها بحكايات مخيفة.
رغم كل حاجة حوالين الاوضة وتعب الشغل، كنت بحاول أحافظ على التواصل مع عيلتي. كل يوم، بعد ما أخلص شغلي، أطلع اوضتي وأتصل بجدي وجدتي. كان أهم حاجة عندي إني أطمن عليهم.
جدتي كانت دايمًا تسألني:
"إنت كويس؟ شكلك مرهق أوي."
كنت أرد بابتسامة:
"أنا بخير يا تيتا، شغلي كتير بس كله تمام."
جدي كان يقول لي بحماس:
"**** يقويك يا بطل. إحنا فخورين بيك جدًا. أمك لو كانت هنا، كانت هتبقى فخورة أكتر."
أما أبويا، فكان زيارته ليا مستمرة، حتى في البعد. في كل مرة يكلمني، كنت أسمع في صوته الفخر اللي دايمًا بيديني دفعة قدام.
وأنا صغير، النجمة اللي أمي كانت اديتها ليا كانت بالنسبة لي أكتر من مجرد شكل في السما. كانت رابط بيني وبينها. كل ليلة، كنت أطلع سطح المستشفى، وأدور عليها. لما كنت ألاقيها، كنت أحس براحة ما تتوصفش. كنت أحكي لها عن يومي، وكأنها بتسمعني:
"ماما، النهارده شفت حالة صعبة أوي، بس عديناها. إنتِ فخورة بيا، مش كده؟"
في ليلة معينة، وأنا قاعد على السطح، لاحظت حاجة غريبة. النجمة دي كانت بتلمع أكتر من المعتاد. حسيت إن فيها رسالة، لكن ما كنتش عارف معناها.
وفي يوم، كانت المستشفى كلها ساكتة بشكل يخوف، كنت قاعد لوحدي في أوضة الطوارئ، بحاول اقاوم التعب اللي بدأ يسيطر عليا بعد شيفت طويل مرهق. النور الضعيف اللي طالع من اللمبات اللي بتنور وتطفي كان كأنه بيزود إحساسي بالوحدة، وصوت الأجهزة الطبية اللي شغال بنفس النغمة الرتيبة كان كأنه بيقولي إن الحياة والموت هنا مجرد نبضة بسيطة.
فجأة لمحت زميل ليا معدي بسرعة، وشه كان أصفر ومرعوب، وإيديه بتترعش. قرب مني وقالي بصوت متقطع:
"بلاش تقرب من أوضة 404..."
وبعدها اختفى ورا باب من الأبواب، كأنه مكنش موجود اصلا
في الأول ما اهتمتش بالكلام، وقولت في نفسي: "أكيد دي خرافة تانية من اللي بيحبوا يسلوا بيها نفسهم هنا في المستشفى."
لحد مبدات احس بنسمات هوا
وان الجو بدأ يبقي برد شويه مع اننا في فصل الصيف، وقتها قررت اتأكد من الكلام ده واشوفه صادق ولا كداب
وأنا معدي قدام الاوضة، سمعت حاجة لأول مرة. كان صوت ضعيف جدًا، لكنه واضح... كأنه بينادي باسمي:
"أحمـ... مد."
وقفت مكاني، قلبي كان بيدق بسرعة رهيبة. حاولت أقنع نفسي إن ده مجرد وهم مش اكتر بسبب الارهاق والتعب بتاع اليوم الطويل ده،
لكن الصوت كان حقيقي، الصوت في الاول كان ضعيف اوي ومع الوقت كان كأنة بيقرب اكتر
قررت أقرب للباب. أول ما قربت، حسيت بحاجة غريبة جدًا... الجو حوالين الغرفة كان بارد بطريقة مش طبيعية، وكأن المكان ده مش جزء من العالم اللي حوالينا.
وقفت للحظة، وبعدين رجعت خطوة لورا. قلت لنفسي:
"لازم أفهم الموضوع ده، انا مش هسكت اكتر من كده
ولكن فجأة حصل............................يتبع!
(الجزء الثالث)
مكنش قادر اسيطر علي فضولي تجاه الاوضه بذات بعد اللي حسيته وانا واقف علي بابها وقررت ادخلها واكتشف سرها لكن فجاه
الممرضه: الحق يا دكتور
احمد: في ايه؟
الممرضه: في شاب جه حالته خطيره بين الحياه والموت
احمد: جاي حالا
طلعت اجري مع الممرضه كل لحظه بتفرق في شغلنا كان لازم الحق المريض اما الاوضه اكيد هرجعلها تاني لكل حاجه وقتها وهي لسه مجاش وقتها
الشاب كان حالته خطيره لكن قدرت انقذه كل مره بقدر انقذ روح بحس ان امي فخوره بيا
كنت هلكان جدا وطلعت اوضتي وزي كل يوم كلمت ابويا وجدي وجدتي واطمنت عليهم بعدها اترميت علي السرير من التعب وغمضت عيني حسيت ببروده مش طبيعيه واكن اوضتي اتنقلت فجاه للقطب الشمالي برد خلاني احس ان عضمي بيتنفض جوه جسمي مش فاهم ازاي واحنا في عز الصيف
فتحت عيني لكن...
ايه ده؟!! دي مش اوضتي انا فين وازاي جيت هنا حاولت اقوم من علي السرير لكن انا متكتف في حبال مأيده ايدي ورجلي الاوضه ضلمه مش منوره غير من شمعه علي الكمدينو الحيطان متقشره وعليها كتابات بلون الاسود كتابه مش مفهومه لكن اسمي كان واضح بنهم فضلت اعافر عشان افك نفسي لكن مش قادر ولقيت امي واقفه قدامي
احمد: ماما ساعديني
قربت مني براحه وابتسامتها المعهوده علي وشها وفجاه جلدها بقي شاحب واكنها جثه محفوظه في التلاجه من شهور وعينها بقت بيضه وممسوحه مكنتش عارف استوعب منظرها وبقيت اصرخ انا خايف بس مش خايف منها انا خايف عليها
فجاه خدت نفسي بشهيق اكني كنت بغرق واخيرا لقيت هوا وفتحت عيني لقتني في اوضتي معقول انا كنت نايم معقول ده كان حلم قمت جريت ابص من الشباك علي النجمه كنت مستني اشوفها بتلمع عشان اطمن علي امي لكن السما مكنش فيها نجوم قلبي اتقبض وحسيت بايد علي كتفي بصيت ورايا ولقيت امي قدامي بنفس شكلها المخيف وبتبتسم ابتسامه تخلي الدم يقف في عروقك من منظرها كنت بحاول اكلم لكن مش قادر احرك لساني وفجاه سمعت صوت المنبه وصحيت من النوم مكنتش عارف انا صحيت بجد ولا انا لسه بحلم قومت وخرجت من اوضتي من غير مفكر لقيت رجلي وخداني لغرفه 404 وقفت قصاد الباب حسيت بنفس الاحساس واكني انفصلت علي العالم سمعت نفس الصوت بيناديلي ده صوت بنت بتقول بصوت ضعيف احمد انقذني بصيت للقفل علي الباب مفهمتش ازاي القفل اتفتح لوحده شلته من الباب ودخلت الاوضه ثواني دي نفس الاوضه في حلمي بس كان في مرايه كبيره علي الحيطه السرير كان فاضي قدامي لكن في المرايه كان انعكاس السرير عليه بنت وكانت متكتفه في السرير زي ماكنت انا متكتف في حلمي وشفت دكتور بيقرب منها وبيلمس وشها والبنت بتصرخ من لمسته مكنتش قادر افهم ايه اللي بيحصل او ايه اللي انا بشوفو ده لقتني بزعق ابعد عنها
الغريب انه سمع كلامي وبعد وبقي يمشي خطوات ناحيتي واكن جوه المرايه في طريق بيني وبينه لحد ما بقي قدامي الفرق بنا هو ازاز المرايه رفع وشه وبصلي مستحيل ده كان انا بس مكنش عندي عيون كان مكان عيني فاضي وتحت عيني سواد مخيف وبقي يخبط المرايه من جوه اكنه عايز يخرج منها المرايه اتهزت من الخوف وقعت علي الارض وجريت علي باب الاوضه وخرجت منها لكن مكنتش اعرف ان دلوقتي بدات لعنتي
صحيت من النوم كنت شاكك في نفسي ياتري المره دي صحيت بجد ولا لسه بحلم افتكرت مقوله بتقول لو عايز تفرق بين الحلم والحقيقه بص في الساعه لان عالم الاحلام مفيهوش توقيت كانت الساعه 6 الصبح دلوقتي اتاكدت اني صاحي وان اخيرا الكابوس خلص بس ياتري هو فعلا خلص ولا كدا بدأ!!!
فضلت طول الوقت افكر ف اخر جمله في الحلم دلوقتي بدات لعنتي ياتري ايه اللعنه دي
ثواني بس انا بفكر في ايه اصلا ده كله تخريف
قومت غسلت وشي وشربت قهوتي لحد ما الساعه وصلت 7 بدات شغلي ومر اليوم عادي زي كل يوم الحالات الطارئه بقت عاديه بنسبالي واكني كل يوم بدخل في صراع مع الموت وجه الليل التعب اللي كنت حاسه خلاني دخلت نمت علي طول حتي مقدرتش اكلم اهلي زي كل يوم
كنت فارد جسمي علي السرير الدنيا هدوء لكن تحس ان الليل لي صوت واكنه بيتنفس وصوت الساعه مالي المكان تك توك تك توك لحد ما الساعه دقت 12 لكن اخر دقه مكنش صوت الساعه ده كان صوت صرخه
صرخه بشعه واكن حد بيتعذب فتحت عيني لكن عيني ثابته علي السقف شايف خيال اسود فوقيا مغطي كل جسمي وفتح بقه واكنه بيصرخ لكن كان بيخرج دخان اسود من بقه وبقيت حاسس ان الدخان بيخترق جسمي وانا مش قادر اعمل حاجه غير اني مفتح عيني وباصصله ومش قادر اتحرك وفجاه حسيت اني بلف في دوامه لكن مش دوامه عاديه دي دوامه من الدخان الاسود بتاعه
قمت مفزوع من النوم ومعرفتش انام تاني ده تاني يوم علي التوالي احلم بكوابيس
حاولت اقنع نفسي ان ده ضغط اعصاب من الارهاق لكن احساسي كان بيقولي ان كل ده وراه حاجه اكبر من كده مش عارف ليه وقتها جت علي بالي الغرفه وقررت ادخلها لازم اكشف سرها خرجت براحه من اوضتي عشان محدش يحس بيا ورحت للارشيف كنت حاسس هلاقي مفتاح الاوضه فيه وبالفعل لقيته ورحت الاوضه ايدي اترعشت اول ما ممسكت القفل وبقيت حاسس ان في نفس شخص حواليا لكن مفيش في حد
دخلت الاوضه ومجرد ما دخلتها الباب اتقفل لوحده مهتمتش اكيد دا الهوا
بقيت ابص حواليا ايوه هي نفس الاوضه في حلمي رحت عند السرير ولقيت الحبال عليه وكان لسه موجود تقرير حاله المريض مسكته وقريته
كان لبنت عمرها 19 سنه ومتصنف مرضها ان عندها صرع وتشنجات مستمره سبت التقرير مكانه ولفيت ورايا لقيت نفس المرايه بس دي مش زي اي مرايه شفتها انا كنت حاسس ان انعكاسي هو اللي بيبصلي وكان عندي رغبه غريبه اني المس المرايه واكن في حاجه بتجبرني اعمل كده قربت للمرايه بخطوات بطيئه حاسس اني بجر رجلي ورفعت ايدي وقبل ما المس المرايه بخطوه فجاه
.................
يتبع
(الجزء الرابع)
مين قال ان الصوره ديما بتكون زي ما بنشوفها او ان لكل حاجه تفسير واحد حاجات كتير بنفتكرها حقيقه لاننا مش شايفين اللي مستخبي ورا عنينا بس ياتري لو قدرنا نشوف هنصدق ان ما خفي كان اعظم ولا هنكدب عنينا لان عقلنا هيرفض يصدق!!طب ايه رايكو لو رجعنا لورا وشوفنا اللي حصل لكن بعين تانيه العين اللي هتكشف الاسرار وتشوف اللي محدش قدر يشوفو بس ياتري نرجع منين من يوم الحادثه مثلا!! لا لا انا هقولكم الحكايه من اولها من لما بدأت مش كل الاسرار ينفع تكشف بس انا هكشف اللي هيفتح عينيكم
فجأه بيسمع أحمد صوت
....: اقف يا أحمد اوعي تلمس المرايه
بيبعد أحمد ايده عن المرايه ويبص لمصدر الصوت بيشوف بنت في العشرين من عمرها واقفه قدامه
أحمد: أنتي مين؟ وازاي دخلتي هنا؟
الصوت: قبل اي حاجه وقبل ما أقولك انا مين ارجوك ابعد عن المرايه
بيبعد أحمد عن المرايه مش عارف ليه سمع كلامها بس حس انه مفروض يعمل كدا يمكن عشان النفضه اللي حسها في روحه لما سمع صوتها او يمكن لسبب تاني مجهول
طبعا انتو عيزين تعرفوا مين دي وليه بعدت احمد عن المرايه وازاي هي دخلت الاوضه واهم سؤال عندكو ليه في مرايه من الاساس
انا هجاوبك علي كل ده بس تعالوا معايا
نرجع حبه سنين لورا بس المره دي مش لما كان احمد صغير لا لما كانت مامته هي اللي صغيره
بصو انا مش هحكي انا هشيل لكم الستاره واسيبكو تشوفوا بنفسكوا
(فلاش باك)
ياسمين (مامه احمد) في عمر ال 16
بتصحي ياسمين تصرخ من النوم زي عادتها كل ليله مبقاش صريخها يفاجئ حد خلاص كلهم اتعودوا علي كده لكن المره دي كانت الصرخه مختلفه
جريت مامتها علي الاوضه حضنتها عشان تطمنها وتشربها ميه كالعاده لكن المره دي ياسمين كانت مرعوبه مقدرتش تبطل عياط
رحمه (مامه ياسمين) بتطبطب عليها وهي حضناها اهدي يا حبيبتي مفيش حاجه
ياسمين بعياط: لا في انا ليه بيحصلي كده يا ماما انا تعبت ليه بشوف حاجات محدش غيري بيشوفها ليه الخيالات دي ليه بحس بمعاناتهم انا ليه مش بنت طبيعيه زي كل اللي في سني
بتعيط ياسمين من قلبها ودموعها بتكوي قلب مامتها مين مننا يستحمل يشوف ابنه او بنته اللي هو حته من روحه بيعاني وهو عاجز عن مساعدته
الام بدموع: في حاجات مش بيكون لينا اختيار فيها دا قدرك يا بنتي اقبليه اقبلي عشان ترتاحي
ياسمين: طب انا عملت ايه عشان استاهل يحصلي كده
الام: معملتيش يا نور عيني القدر اللي عمل كان قدرك تروحي المقابر وتدوسي علي السحر ده وصدقيني يابنتي قضي اهون من قضي يلا نامي ومتخفيش انتي قويه وهتقدري علي ده انا واثقه فيكي يا حبيبتي
بتفضل رحمه تطبطب علي ياسمين لحد ما بتهدي وبتنام وبتمسح الدمعه اللي نازله من عنيها وتغطيها وتخرج من الاوضه وبتقعد علي الكنبه وتفتكر اللي حصل
(فلاش باك)
رحمه كان اصلها من الارياف ولما اتجوزت جت عاشت في المدينه مع جوزها لكن متقطعش رجلهم عن بلدهم مين اصلا يقدر يبعد عن مكانه اللي كبر واتربي فيه وعن اهله وميرجعلهمش كانت زيارتهم بمواعيد ثابته وفي يوم من الايام وياسمين بنت ال 15 سنه معاهم في الزياره لكن مكنتش قادره تنام وقامت تبص من الشباك شافت ست بتمشي بسرعه وبتحاول ان محدش يشوفها شكلها المريب حرك فضولها ونزلت جري ولحقتها متعرفش ليه عملت كده وهي الفضول مش طبعها لكن قدرها كان بيحركها ناحيه مصيرها
قدرت تخلي الست متحسش بيها وشافتها وهي واقفه عند قبر وبترش حاجه من ازازه في ايديها وبتمتم كلمات مش مفهومه مع كل رشه بترشها لحد ما خلصت كل حاجه ومشيت
مكنتش ياسمين فاهمه ايه اللي بيحصل وراحت وقفت مكان الست لما مشيت وبصت علي اللي كانت بترشه وشافت ميه ملونه لمستها وشمتها وهي مش فاهمه ده ايه واكنها مش واعيه للي بتعمله ولما اخيرا فاقت انها لوحدها وسط كل الاموات دول جريت علي البيت وقررت تحكي لمامتها لما تصحي من النوم لانها عمرها ما خبت عليها حاجه ومكنتش تعرف ان قبل الصبح ميطلع هتكون بدأت لعنتها
عارفين لعنه ايه!!
(حصد الارواح)
طبعا مش فاهمين يعني اي بس هتفهموا لما تعرفوا اللي حصل لياسمين بعدين
لما ياسمين نامت شافت حلم غريب لا بعتذر دا مش حلم دا كابوس مرعب بلنسبه لبنت في عمرها
شافت نفسها واقفه فوق القبر اللي كانت عنده وعلي راسها تاج وحواليها ارواح لناس ميته لكن مش ناس زي باقي البشر العادين لا دول اشر الناس اللي ماتوا ملعونين وهي بقت البوابه اللي من خلالها هتنتقل للعالم الاخر
قامت من النوم بتصرخ ومرعوبه وحكت لمامتها عن اللي حصل وعن حلمها ورحمه قلبها اتقبض لانها فهمت ان الست دي كانت بتسحر لكن السحر اتحقق في بنتها
من كتر الكوابيس اللي ياسمين بتشوفها امها لفت بيها كتير علي شيوخ وعرافين لحد ما حد ما العرافين فهمها ان الست دي كان سحرها ان يكون في ايدها بوابه العالم الاخر لكن حظ ياسمين ان هي اللي بقت معاها البوابه وبقت حاصده الارواح ولاخر لحظه في عمرها هتشوف الاشباح وتفتحلهم باب المرور وللاسف مفيش حاجه ممكن تغير ده دا القدر اللي مفيش هروب منه والافضل ليها تقبله وتتعامل معاه عشان متفضلش تعبانه باقي عمرها
(عوده من الفلاش باك)
بتمسح رحمه دموعها علي حال بنتها وبتسلم امرها *** وتدخل تنام
ننزل الستاره هنا
بيقولوا كل شخص في الدنيا عنده سر بيخبيه عن اقرب الناس لي دلوقتي عرفتوا سر ياسمين السر اللي عمرها ما كانت هتحكي ل احمد عنه لو مكنتش ماتت
طب فاكرين هي ماتت ازاي؟!!
اه قولتولي حادثه عربيه مش كده طب لو دي حادثه عاديه ازاي احمد لسه عايش ومحصلوش حاجه غير كدمات بسيطه انا حاسه ان في حاجه مش منطقيه طب انتو حاسين زيي؟!!
اي رايكو نرجع نشوف الحادثه تاني بس المره دي نشوفها بشكلها الحقيقي اللي كان ورا الستاره او اقولكوا لالا استنوا تعالوا الاول اقولكم سر غرفه 404 وبعدها هقولكم سر الحادثه
غرفه 404 الرعب اللي في المستشفى اللي الكل خايف منها بيني وبنكم ليهم حق يخافوا
في يوم من الايام كانت مجرد اوضه عاديه لحد ما راحت فيها مريضه قالوا ان عندها صرع دا كان التفسير الطبي لحالتها لكن مكنش ده حقيقه مرضها دا اللي اهل المريضه صدقوه لما كانت بنتهم بتروح من ايديهم
لما شخص بيبدا يشتكي انه بيحس بحاجات خارجه عن الطبيعه مش بيتصدق بيفتكروا مجنون مع السحر والجن والمس حقيقه منقدرش ننكرها حتي لو مقتنعناش بحدوثها لكن ده مش هيغير انها حقيقه
نورا كانت بنت جميله جمالها يخطف القلب قبل العين مش بس جمال الشكل كمان كانت روحها جميله وبتحب تساعد كل اللي حوليها كان الكل بيحبها
ثواني كدا الكل!! لا مستحيل كان في واحده نفسها مريضه الحقد والحسد عموا قلبها وسحرت لنورا كانت فاكره انه حب الناس ل نورا هيخلي بنتها تعنس جنبها وسحرتها عشان تدمر حياتها ولما اهل نورا اخيرا اكتشفوا السحر وان بنتهم مش مريضه وجابوا شيخ يعالجها الشيخ طلب مرايه تتعلق في الاوضه عشان يخرج الجن منها ويحبسوه في المرايه وبعدها يحطمها ويقتله
عالم الجن مجهول وغامض والتعامل معاه بجهل بيجيب الدمار الشيخ مكنش عنده علم كفايه انه يعرف بيتعامل مع ايه وان ده مش جني عادي دا جان من اخبث الجن كان فاكر انه هيقدر يموته لكن نورا هي اللي ماتت والشيخ مات معاها وهو فاكر انه باذيته للجني وحبسه في المرايه كدا الشر خلص
هو نجح انه ياذي الجني وكان التمن حياته
الجني كان محتاج مساعده عشان ميموتش ويجي وقت ويتحرر من المرايه ومكنش في غير طريقه واحده انه يقسم روحه علي 3 اجزاء عشان في يوم التلاته يتجمعوا في جسم واحد وياخد حريته من تاني
جزء من روحه فضل في المرايه والجزء التاني اتحط في روح نورا وده خلاها متقدرش تنتقل للعالم الاخر اما التالت فده كان محتاج (حاصده الارواح) طبعا عارفين هي مين وكان جزء الروح ده بيدور عليها ولما لقاها وظهر قدامها بشكله البشع الفزع خلاها عملت الحادثه وماتت فيها واصابه احمد مكنتش هينه ابدا وكان بيطلع فالروح لكن الجني شاف اللي ياسمين مقدرتش تشوفو ان هيجي يوم واحمد يورثها ويبقي حاصد ارواح الجني كان عارف ان احمد هيفيده في يوم من الايام وحطت الجزء التالت من روحه جواه واحمد بعد ماكان بيطلع في الروح نجي من الحادثه مصبوش الا كدمات بسيطه
مش قولتلكم مش كل اللي بنشوفو حقيقه وما خفي كان اعظم
نرجع بقي لوقتنا الحالي بقالنا كتير في الماضي
بيبعد احمد عن المرايه ويبصلها
احمد: انا حاسس اني شوفتك قبل كدا
البنت: ايوه شوفتني في حلمك
احمد: في حلمي!!
البنت: ايوه يا احمد
احمد: انتي مين؟
البنت: انا نورا البنت اللي ماتت في الاوضه دي انا روح مخطلطه
..............................
يتبع