ثري منوفي
ميلفاوي مميز
مستر ميلفاوي
عضو
ناشر صور
ميلفاوي متميز
ميلفاوي نشيط
ناشر محتوي
نجم ميلفات
ملك الصور
مضى أكثر من 25 عامًا منذ وقعت 179 دولة "إعلان القاهرة" خلال المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في مصر (برنامج الأمم المتحدة للسكان، 1994). وقام الإعلان بتحويل المقاربة العالمية للصحة الإنجابية والحياة الجنسية من مجرد تقييمات اقتصادية بحتة للنمو السكاني إلى نُهجٍ قائمة على حقوق الإنسان مع التركيز على الحقوق الإنجابية والكرامة والحرية. وكان من أحد أهداف الإعلان توفير معلومات وتثقيف شاملين بشأن الصحة الإنجابية لتحسين إتاحة الخدمات وحماية الفئات الضعيفة وتحقيق مستوى أفضل من الصحة والرفاه (صندوق الأمم المتحدة للسكان، 1994). وعليه، تسلط هذه المقالة الضوء على إمكانية تنفيذ برامج التربية الجنسية الشاملة في مصر لكي يتم تحقيق أهداف المؤتمر الدولي للسكان والتنمية المتمثلة في تزويد الشباب بالمعرفة حول الصحة الجنسية والإنجابية لتحسين جودة حياتهم.
تواجه مصر تحديات تتعلق بالصحة الإنجابية. حيث تنتشر عمليات ختان الإناث في أوساط النساء المتزوجات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15-49 سنة حتى وصلت إلى 92% بحسب آخر مسح سكاني صحي في مصر (وزارة الصحة والسكان وآخرون، 2015). علاوة على ذلك، فإن التحرش الجنسي منتشر على نطاق واسع في مصر، حيث أفادت 99.3% من النساء بتعرضهن لشكل واحد على الأقل من أشكال التحرش الجنسي مرة واحدة على الأقل في حياتهن (هيئة الأمم المتحدة للمرأة، 2013). كما ازدادت مستويات العنف القائم على النوع الاجتماعي، إن كان من ناحية حدوثه أو من حيث شدته، خاصة في أوساط الفئات الاجتماعية الهشة، مثل الفتيات الصغيرات والنساء المحرومات، في ظل جائحة كوفيد-19 الحالية (صندوق الأمم المتحدة للسكان، 2020أ). وفي بدايات 2020، تم تداول العديد من التقارير التي أوردت بالتفصيل وقوع حوادث عديدة من الاعتداءات الجنسية والاغتصاب والتحرش الجنسي ضد فتيات قاصرات ونساء (Egyptian Streets, 2020a; Hosam, 2020; Egyptian Streets, 2020b). إضافة إلى ذلك، احتلت مصر المركز 101 من أصل 189 فدولة ي مؤشر عدم المساواة بين الجنسين في 2017، مما يعكس استمرار الفجوة بين الجنسين على الرغم من الجهود والتدخلات العديدة (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2017).
وتشهد مصر معدلات عالية من الزواج المبكر، حيث تتزوج حوالي 17% من الفتيات قبل سن الثامنة عشر فيما يبلغ متوسط السن عند الزواج الأول 20,8 سنة، ويبلغ معدل الولادة لدى المراهقات 56 ولادة حية لكل 1000 فتاة في سن 15-19 سنة (وزارة الصحة والسكان وآخرون، 2015؛ صندوق الأمم المتحدة للسكان، 2020ب). وفي حقيقة الأمر، قد يكون زواج الأطفال أحد أسباب زيادة معدل الخصوبة الإجمالي من 3.0 ولادات لكل امرأة في 2008 إلى 3.5 ولادة في 2014. وشهدت الفترة نفسها انحسار استخدام وسائل تنظيم الأسرة من 60% إلى 58.5 % (وزارة الصحة والسكان وآخرون، 2015).
تعتبر مصر، التي تجاوز إجمالي تعداد سكانها 100 مليون نسمة، أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان. والأهم من ذلك، أن الشباب تحت سن 29 سنة يمثلون 62% من السكان، وهي أكبر كتلة من الشباب في تاريخ البلاد (صندوق الأمم المتحدة للسكان، 2020أ). وعليه، هؤلاء الشباب بحاجة إلى معلومات وخدمات بشأن الصحة الإنجابية والجنسية، ولا سيما بالنظر إلى الافتقار واسع النطاق إلى المعرفة الكافية بشأن صحتهم وحقوقهم الإنجابية. فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسات حديثة في مصر أن الشباب يفتقرون نسبيًا إلى المعلومات الخاصة بالصحة الإنجابية والجنسية، مثل التطور البشري ووظائف الأعضاء التناسلية والبلوغ والأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي والحماية من فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز (Roushdy & Sieverding, 2015؛ وزارة الصحة والسكان وآخرون، 2015). والأهم من ذلك، أن الآباء لا يجرون نقاشات مع أبنائهم حول الصحة الجنسية والإنجابية؛ وأفاد 34% فقط من المراهقين بأنهم تواصلوا مع والديهم بشأن البلوغ، فيما لم يسمع سوى نصفهم فقط بالأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي (Roushdy & Sieverding, 2015).
ولا تقتصر فائدة التربية الجنسية الشاملة على تحسين الصحة الإنجابية فحسب؛ بل أنها تعالج الاحتياجات غير الملباة للشباب. ومؤخرًا، أظهر مسح تم إجراؤه عبر الإنترنت وشارك فيه 2,000 شاب (18-30 سنة) من خلال موقع الحب ثقافةhttps://aps.aucegypt.edu/ar/article...prehensive-sexuality-education-in-egypt#_edn1 أن 82% من المشاركين في المسح يعتقدون أنه يجب تطبيق برامج التربية الجنسية الشاملة في المدارس من خلال أخصائيين اجتماعيين (68%) أو من خلال المدرسين (14%) (الحب ثقافة، 2019). وعندما تم سؤالهم عن مصادر معلوماتهم بشأن الصحة الجنسية والإنجابية، ذكر 54% أن مصدر معلوماتهم هو الأصدقاء، بينما يستقي 57% منهم معلوماته من الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، فيما يعتمد 37% منهم على المعلومات المدرسية (الحب ثقافة، 2019). وتتسق هذه النتائج مع نتائج مسح الشباب في مصر، التي أظهرت أن الشباب تلقوا معظم معلوماتهم عن البلوغ من الأصدقاء والجيران و/أو الأقارب (41.1%)، وتلا ذلك الأسرة (26.5%) (Roushdy & Sieverding, 2015). وعندما تم سؤالهم عما إذا كانوا مرتاحين لسؤال معلميهم عن معلومات عن الصحة الإنجابية، أجاب 60% من الشباب بالنفي (الحب ثقافة، 2019). ويشير ذلك إلى أن مصادر معلوماتهم قد لا تكون موثوقة أو دقيقة (Abdel-Tawab et al., 2013). كما يوجد توافق في الآراء على أن الأساليب التقليدية للتربية الجنسية والإنجابية هي ذات فاعلية محدودة بسبب جمودها واعتمادها على نُهج المخاطر الصحية وتجاهلها للأطفال والمراهقين الأصغر سنًا (Bonjour & Vlug, 2018).
ووفقًا لليونسكو، فإن برامج التربية الجنسية الشاملة تعد الأسلوب الأمثل لتقديم المعلومات الصحيحة بشأن حقوق الصحة الجنسية والإنجابية، وتصحيح المعلومات المضللة، وتمكين الشباب من اتخاذ قرارات مستنيرة (اليونسكو، 2018). حيث تقدم التربية الجنسية الشاملة المعارف الجنسية والإنجابية وتعرفهم بالمهارات بشكل دقيق يتناسب مع السن للمراهقين والشباب بينما تغير تصوراتهم بشأن الأعراف الاجتماعية السلبية المتعلقة بالنوع الاجتماعي (UNESCO, 2018; Haberland & Rogow, 2015). وخلص استعراض للدراسات إلى أن برامج التربية الجنسية التي تستهدف الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية والأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي أو الحمل غير المقصود يمكن أن تكون خمس مرات أكثر نجاحًا في حال تضمنت مكونات قائمة على النوع الاجتماعي (Schneider & Hirsch, 2020). وتركز التربية الجنسية الشاملة على خمسة جوانب رئيسية: وظائف الأعضاء الجنسية والإنجابية؛ ووسائل منع الحمل والحمل غير المرغوب فيه؛ والوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز؛ والحقوق الجنسانية والجنسية والإنجابية؛ والقيم والمهارات الشخصية. وبشكل مثالي، سيتم تقديم برامج التربية الجنسية الشاملة من خلال معلمين مدربين بشكل جيد في إطار المدرسة باستخدام منهج دراسي تتم مواءمته مع السياق المحلي ويتناسب مع أولويات الدولة وقضايا الصحة الإنجابية. ومؤخرًا، أدخلت تونس برنامجًا للتربية الجنسية الشاملة إلى المدارس مع التركيز على العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، خاصة بين الأطفال (Beachum, 2019).
ولبرامج التربية الجنسية الشاملة العديد من الفوائد في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، إذ تؤدي إلى تحسين المعارف الخاصة بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز والأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي ووسائل منع الحمل، وتعزز الأعراف الجنسانية الإيجابية التي تساعد الشباب على اتخاذ خيارات مأمونة ومستنيرة بشأن صحتهم الإنجابية (اليونسكو، 2018). وبينما تحتفظ اليونسكو بالمبادئ التوجيهية للتربية الجنسية الشاملة، فإن التطبيق يختلف من بلد إلى آخر. حيث ثبت أن تطبيق التربية الجنسية الشاملة يحد من السلوك الجنسي غير الآمن بنسبة تصل إلى 33% مما يعني معرفة أفضل، واستخدام وسائل تنظيم الأسرة، ونسبة أقل من الأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي والحمل غير المرغوب فيه (DeJong et al., 2007; Jejeebhoy et al., 2013). وعلى الرغم من عدم وجود برامج للرصد والتقييم ودراسات جيدة لتقييم الجودة لتقدير مخرجات وأثر التربية الجنسية الشاملة في سياقات محددة، فإن الأدلة الواردة من أوغندا وتايلند وإندونيسيا تظهر أن التربية الجنسية الشاملة حسنت من فهم الشباب للحمل ونتج عنها مواقف إيجابية تجاه وسائل تنظيم الأسرة (Vanwesenbeeck et al., 2016). كما حققت التربية الجنسية الشاملة تحسينات متوسطة وأحسن بكثير من النهج التقليدية لبرامج التوعية بالصحة الإنجابية. وكانت هذه التحسينات متسقة مع الدراسات التي تم إجراؤها على فوائد تطبيق التربية الجنسية الشاملة (WHO, 2017; Vanwesenbeeck et al., 2016)
وتم تطبيق التربية الجنسية الشاملة بدرجات مختلفة من النجاح في البلدان النامية والأماكن فقيرة الموارد والسياقات الاجتماعية-الثقافية المتشابهة، مثل كينيا وأوغندا وغانا، إضافة إلى بنغلاديش وتايلاند وإندونيسيا (Panchaud et al., 2019; Keogh et al., 2018; Vanwesenbeeck et al., 2016). وأثبتت الأبحاث أنه بالإمكان زيادة فائدة برامج التربية الجنسية الشاملة إلى الحد الأقصى من خلال: (أولًا) توعية المجتمعات والأطراف المعنية والمعلمين والآباء لتهيئة بيئة مواتية لبرامج التربية الجنسية الشاملة الخاصة بالمدارس؛ (ثانيًا) إشراك الشباب في تصميم وتنفيذ وتقييم البرامج؛ (ثالثًا) تكييف الأهداف والمضمون بحيث تتواءم مع السياق المحلي الاجتماعي-الثقافي؛ (رابعًا) برامج مصممة خصيصًا لتتناسب مع احتياجات الشباب وتفضيلاتهم؛ (خامسًا) الاختيار الدقيق والتدريب المكثف للمُربين ومنسقي البرنامج؛ (سادسًا) ربط برامج التربية الجنسية الشاملة بخدمات ذات جودة وملائمة للشباب لسد الفجوة بين ما يتم تعليمه في المدارس وما يتم تطبيقه خارجها (Panchaud et al., 2019; Keogh et al., 2018; Vanwesenbeeck et al., 2016). وبينما تحظى هذه الاعتبارات وغيرها بفهم واسع النطاق في معظم البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، فإن التربية الجنسية الشاملة لا تزال بعيدة جدًا عن الإطار المؤسسي، ولا تزال توجد العديد من العقبات التي تعترض توسيع نطاقها أو الحفاظ على آثارها (Vanwesenbeeck, 2020)
على الرغم من بعض الجهود في هذا المجال، لا تطبق مصر برنامج التربية الجنسية الشاملة في المدارس. ويغطي المنهج الدراسي الموحد في المدارس الحكومية المصرية مواضيع مثل تكوين ووظائف الأعضاء التناسلية وعملية الإخصاب والحمل، وبعد 2011، بعض المعلومات عن وسائل تنظيم الأسرة (Roushdy, 2013; Wahba & Roudi-Fahimi, 2012). غير أنه عادة ما يتجاهل المعلمون هذه الإضافات حيث يتم تدريسها بسرعة وبصيغ مختصرة بسبب الإحراج الذي يشعر به المعلمون، مما يؤثر على جودة عملية التعلم
(Roushdy, 2013؛ الحب ثقافة، 2019). علاوة على ذلك، لا يوجد قانون أو سياسة عامة في مصر مرتبطان بشكل محدد بالتربية الجنسية الشاملة؛ حيث يبادر كل من المجتمع المدني والمنظمات الشبابية إلى بذل كل الجهود دون وجود إطار واضح أو توافق في الآراء بشأن كيفية تنظيم وتعبئة هذه الجهود (Roushdy, 2013; UNFPA, 2014).
تمثل المقاومة الاجتماعية والمحرمات الثقافية العوائق الرئيسية التي تقف في وجه تطبيق التربية الجنسية الشاملة في العديد من البلدان العربية (DeJong et al., 2007). وفي حقيقة الأمر، كان هناك العديد من المقترحات المتكررة لإزالة الإشارات إلى "الجنس" أو "الحياة الجنسية" وتغيير اسم المنهج الدراسي إلى برنامج "الشباب" أو "الصحة" (Roushdy, 2013)، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى الخوف والقلق من أن التربية الجنسية قد تؤدي إلى الممارسة المبكرة للنشاط الجنسي. غير أن العديد من الدراسات أثبتت أن برامج التربية الجنسية الشاملة لا تشجع على بدء النشاط الجنسي مبكرًا بل أنها تؤخره (DeJong et al., 2007; Jejeebhoy et al., 2013).
لقد تم بالفعل وضع الأساس للتربية الجنسية الشاملة في مصر من خلال المشاركة المجتمعية والتحالفات مع الجماعات الدينية ووفرة الموارد والدروس المستفادة من البرامج المدرسية السابقة التي تم تنفيذها في المناطق الحضرية والريفية لمعالجة العديد من مواضيع الصحة الجنسية والإنجابية. ففي حال تنفيذ برامج التربية الجنسية الشاملة بشكل صحيح، قد يكون بالإمكان إدماجها بشكل جيد بحيث تؤثر تأثيرًا إيجابيًا على وعي الأجيال القادمة بحقوق الصحة الجنسية والإنجابية، والعنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الجنسي، والوسائل الصحية لتنظيم الأسرة. وتعالج التربية الجنسية الشاملة القضايا الجنسانية، بما فيها العنف القائم على النوع الاجتماعي، من الطفولة المبكرة لتصحيح المفاهيم الخاطئة وتمكين الأجيال القادمة من سد الفجوة بين الجنسين. والحقيقة القائلة بأن مصر تتمتع بمعدلات عالية للتسجيل في المدارس – 97% في المرحلة الابتدائية و83% في التعليم الثانوي (البنك الدولي، 2020) – تعني أن التطبيق الكامل للتربية الجنسية الشاملة في المدارس سوف يكون فعالًا من حيث التكلفة وذو فائدة واسعة النطاق. ولجميع الأسباب المذكورة سابقًا، تعتبر التربية الجنسية الشاملة ضرورية لدعم انتقال الشباب من مرحلة الطفولة والمراهقة إلى مرحلة البلوغ، وتمكينهم من خلال المهارات الاجتماعية والسلوكية الإيجابية وتعزيز برامج الصحة الإنجابية المستدامة في مصر.
النهوض بالصحة الإنجابية
تواجه مصر تحديات تتعلق بالصحة الإنجابية. حيث تنتشر عمليات ختان الإناث في أوساط النساء المتزوجات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15-49 سنة حتى وصلت إلى 92% بحسب آخر مسح سكاني صحي في مصر (وزارة الصحة والسكان وآخرون، 2015). علاوة على ذلك، فإن التحرش الجنسي منتشر على نطاق واسع في مصر، حيث أفادت 99.3% من النساء بتعرضهن لشكل واحد على الأقل من أشكال التحرش الجنسي مرة واحدة على الأقل في حياتهن (هيئة الأمم المتحدة للمرأة، 2013). كما ازدادت مستويات العنف القائم على النوع الاجتماعي، إن كان من ناحية حدوثه أو من حيث شدته، خاصة في أوساط الفئات الاجتماعية الهشة، مثل الفتيات الصغيرات والنساء المحرومات، في ظل جائحة كوفيد-19 الحالية (صندوق الأمم المتحدة للسكان، 2020أ). وفي بدايات 2020، تم تداول العديد من التقارير التي أوردت بالتفصيل وقوع حوادث عديدة من الاعتداءات الجنسية والاغتصاب والتحرش الجنسي ضد فتيات قاصرات ونساء (Egyptian Streets, 2020a; Hosam, 2020; Egyptian Streets, 2020b). إضافة إلى ذلك، احتلت مصر المركز 101 من أصل 189 فدولة ي مؤشر عدم المساواة بين الجنسين في 2017، مما يعكس استمرار الفجوة بين الجنسين على الرغم من الجهود والتدخلات العديدة (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2017).
وتشهد مصر معدلات عالية من الزواج المبكر، حيث تتزوج حوالي 17% من الفتيات قبل سن الثامنة عشر فيما يبلغ متوسط السن عند الزواج الأول 20,8 سنة، ويبلغ معدل الولادة لدى المراهقات 56 ولادة حية لكل 1000 فتاة في سن 15-19 سنة (وزارة الصحة والسكان وآخرون، 2015؛ صندوق الأمم المتحدة للسكان، 2020ب). وفي حقيقة الأمر، قد يكون زواج الأطفال أحد أسباب زيادة معدل الخصوبة الإجمالي من 3.0 ولادات لكل امرأة في 2008 إلى 3.5 ولادة في 2014. وشهدت الفترة نفسها انحسار استخدام وسائل تنظيم الأسرة من 60% إلى 58.5 % (وزارة الصحة والسكان وآخرون، 2015).
التربية الجنسية الشاملة لحياة أفضل
تعتبر مصر، التي تجاوز إجمالي تعداد سكانها 100 مليون نسمة، أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان. والأهم من ذلك، أن الشباب تحت سن 29 سنة يمثلون 62% من السكان، وهي أكبر كتلة من الشباب في تاريخ البلاد (صندوق الأمم المتحدة للسكان، 2020أ). وعليه، هؤلاء الشباب بحاجة إلى معلومات وخدمات بشأن الصحة الإنجابية والجنسية، ولا سيما بالنظر إلى الافتقار واسع النطاق إلى المعرفة الكافية بشأن صحتهم وحقوقهم الإنجابية. فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسات حديثة في مصر أن الشباب يفتقرون نسبيًا إلى المعلومات الخاصة بالصحة الإنجابية والجنسية، مثل التطور البشري ووظائف الأعضاء التناسلية والبلوغ والأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي والحماية من فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز (Roushdy & Sieverding, 2015؛ وزارة الصحة والسكان وآخرون، 2015). والأهم من ذلك، أن الآباء لا يجرون نقاشات مع أبنائهم حول الصحة الجنسية والإنجابية؛ وأفاد 34% فقط من المراهقين بأنهم تواصلوا مع والديهم بشأن البلوغ، فيما لم يسمع سوى نصفهم فقط بالأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي (Roushdy & Sieverding, 2015).
ولا تقتصر فائدة التربية الجنسية الشاملة على تحسين الصحة الإنجابية فحسب؛ بل أنها تعالج الاحتياجات غير الملباة للشباب. ومؤخرًا، أظهر مسح تم إجراؤه عبر الإنترنت وشارك فيه 2,000 شاب (18-30 سنة) من خلال موقع الحب ثقافةhttps://aps.aucegypt.edu/ar/article...prehensive-sexuality-education-in-egypt#_edn1 أن 82% من المشاركين في المسح يعتقدون أنه يجب تطبيق برامج التربية الجنسية الشاملة في المدارس من خلال أخصائيين اجتماعيين (68%) أو من خلال المدرسين (14%) (الحب ثقافة، 2019). وعندما تم سؤالهم عن مصادر معلوماتهم بشأن الصحة الجنسية والإنجابية، ذكر 54% أن مصدر معلوماتهم هو الأصدقاء، بينما يستقي 57% منهم معلوماته من الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، فيما يعتمد 37% منهم على المعلومات المدرسية (الحب ثقافة، 2019). وتتسق هذه النتائج مع نتائج مسح الشباب في مصر، التي أظهرت أن الشباب تلقوا معظم معلوماتهم عن البلوغ من الأصدقاء والجيران و/أو الأقارب (41.1%)، وتلا ذلك الأسرة (26.5%) (Roushdy & Sieverding, 2015). وعندما تم سؤالهم عما إذا كانوا مرتاحين لسؤال معلميهم عن معلومات عن الصحة الإنجابية، أجاب 60% من الشباب بالنفي (الحب ثقافة، 2019). ويشير ذلك إلى أن مصادر معلوماتهم قد لا تكون موثوقة أو دقيقة (Abdel-Tawab et al., 2013). كما يوجد توافق في الآراء على أن الأساليب التقليدية للتربية الجنسية والإنجابية هي ذات فاعلية محدودة بسبب جمودها واعتمادها على نُهج المخاطر الصحية وتجاهلها للأطفال والمراهقين الأصغر سنًا (Bonjour & Vlug, 2018).
ووفقًا لليونسكو، فإن برامج التربية الجنسية الشاملة تعد الأسلوب الأمثل لتقديم المعلومات الصحيحة بشأن حقوق الصحة الجنسية والإنجابية، وتصحيح المعلومات المضللة، وتمكين الشباب من اتخاذ قرارات مستنيرة (اليونسكو، 2018). حيث تقدم التربية الجنسية الشاملة المعارف الجنسية والإنجابية وتعرفهم بالمهارات بشكل دقيق يتناسب مع السن للمراهقين والشباب بينما تغير تصوراتهم بشأن الأعراف الاجتماعية السلبية المتعلقة بالنوع الاجتماعي (UNESCO, 2018; Haberland & Rogow, 2015). وخلص استعراض للدراسات إلى أن برامج التربية الجنسية التي تستهدف الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية والأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي أو الحمل غير المقصود يمكن أن تكون خمس مرات أكثر نجاحًا في حال تضمنت مكونات قائمة على النوع الاجتماعي (Schneider & Hirsch, 2020). وتركز التربية الجنسية الشاملة على خمسة جوانب رئيسية: وظائف الأعضاء الجنسية والإنجابية؛ ووسائل منع الحمل والحمل غير المرغوب فيه؛ والوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز؛ والحقوق الجنسانية والجنسية والإنجابية؛ والقيم والمهارات الشخصية. وبشكل مثالي، سيتم تقديم برامج التربية الجنسية الشاملة من خلال معلمين مدربين بشكل جيد في إطار المدرسة باستخدام منهج دراسي تتم مواءمته مع السياق المحلي ويتناسب مع أولويات الدولة وقضايا الصحة الإنجابية. ومؤخرًا، أدخلت تونس برنامجًا للتربية الجنسية الشاملة إلى المدارس مع التركيز على العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، خاصة بين الأطفال (Beachum, 2019).
ولبرامج التربية الجنسية الشاملة العديد من الفوائد في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، إذ تؤدي إلى تحسين المعارف الخاصة بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز والأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي ووسائل منع الحمل، وتعزز الأعراف الجنسانية الإيجابية التي تساعد الشباب على اتخاذ خيارات مأمونة ومستنيرة بشأن صحتهم الإنجابية (اليونسكو، 2018). وبينما تحتفظ اليونسكو بالمبادئ التوجيهية للتربية الجنسية الشاملة، فإن التطبيق يختلف من بلد إلى آخر. حيث ثبت أن تطبيق التربية الجنسية الشاملة يحد من السلوك الجنسي غير الآمن بنسبة تصل إلى 33% مما يعني معرفة أفضل، واستخدام وسائل تنظيم الأسرة، ونسبة أقل من الأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي والحمل غير المرغوب فيه (DeJong et al., 2007; Jejeebhoy et al., 2013). وعلى الرغم من عدم وجود برامج للرصد والتقييم ودراسات جيدة لتقييم الجودة لتقدير مخرجات وأثر التربية الجنسية الشاملة في سياقات محددة، فإن الأدلة الواردة من أوغندا وتايلند وإندونيسيا تظهر أن التربية الجنسية الشاملة حسنت من فهم الشباب للحمل ونتج عنها مواقف إيجابية تجاه وسائل تنظيم الأسرة (Vanwesenbeeck et al., 2016). كما حققت التربية الجنسية الشاملة تحسينات متوسطة وأحسن بكثير من النهج التقليدية لبرامج التوعية بالصحة الإنجابية. وكانت هذه التحسينات متسقة مع الدراسات التي تم إجراؤها على فوائد تطبيق التربية الجنسية الشاملة (WHO, 2017; Vanwesenbeeck et al., 2016)
وتم تطبيق التربية الجنسية الشاملة بدرجات مختلفة من النجاح في البلدان النامية والأماكن فقيرة الموارد والسياقات الاجتماعية-الثقافية المتشابهة، مثل كينيا وأوغندا وغانا، إضافة إلى بنغلاديش وتايلاند وإندونيسيا (Panchaud et al., 2019; Keogh et al., 2018; Vanwesenbeeck et al., 2016). وأثبتت الأبحاث أنه بالإمكان زيادة فائدة برامج التربية الجنسية الشاملة إلى الحد الأقصى من خلال: (أولًا) توعية المجتمعات والأطراف المعنية والمعلمين والآباء لتهيئة بيئة مواتية لبرامج التربية الجنسية الشاملة الخاصة بالمدارس؛ (ثانيًا) إشراك الشباب في تصميم وتنفيذ وتقييم البرامج؛ (ثالثًا) تكييف الأهداف والمضمون بحيث تتواءم مع السياق المحلي الاجتماعي-الثقافي؛ (رابعًا) برامج مصممة خصيصًا لتتناسب مع احتياجات الشباب وتفضيلاتهم؛ (خامسًا) الاختيار الدقيق والتدريب المكثف للمُربين ومنسقي البرنامج؛ (سادسًا) ربط برامج التربية الجنسية الشاملة بخدمات ذات جودة وملائمة للشباب لسد الفجوة بين ما يتم تعليمه في المدارس وما يتم تطبيقه خارجها (Panchaud et al., 2019; Keogh et al., 2018; Vanwesenbeeck et al., 2016). وبينما تحظى هذه الاعتبارات وغيرها بفهم واسع النطاق في معظم البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، فإن التربية الجنسية الشاملة لا تزال بعيدة جدًا عن الإطار المؤسسي، ولا تزال توجد العديد من العقبات التي تعترض توسيع نطاقها أو الحفاظ على آثارها (Vanwesenbeeck, 2020)
إمكانات وفرص التربية الجنسية الشاملة في مصر
على الرغم من بعض الجهود في هذا المجال، لا تطبق مصر برنامج التربية الجنسية الشاملة في المدارس. ويغطي المنهج الدراسي الموحد في المدارس الحكومية المصرية مواضيع مثل تكوين ووظائف الأعضاء التناسلية وعملية الإخصاب والحمل، وبعد 2011، بعض المعلومات عن وسائل تنظيم الأسرة (Roushdy, 2013; Wahba & Roudi-Fahimi, 2012). غير أنه عادة ما يتجاهل المعلمون هذه الإضافات حيث يتم تدريسها بسرعة وبصيغ مختصرة بسبب الإحراج الذي يشعر به المعلمون، مما يؤثر على جودة عملية التعلم
(Roushdy, 2013؛ الحب ثقافة، 2019). علاوة على ذلك، لا يوجد قانون أو سياسة عامة في مصر مرتبطان بشكل محدد بالتربية الجنسية الشاملة؛ حيث يبادر كل من المجتمع المدني والمنظمات الشبابية إلى بذل كل الجهود دون وجود إطار واضح أو توافق في الآراء بشأن كيفية تنظيم وتعبئة هذه الجهود (Roushdy, 2013; UNFPA, 2014).
تمثل المقاومة الاجتماعية والمحرمات الثقافية العوائق الرئيسية التي تقف في وجه تطبيق التربية الجنسية الشاملة في العديد من البلدان العربية (DeJong et al., 2007). وفي حقيقة الأمر، كان هناك العديد من المقترحات المتكررة لإزالة الإشارات إلى "الجنس" أو "الحياة الجنسية" وتغيير اسم المنهج الدراسي إلى برنامج "الشباب" أو "الصحة" (Roushdy, 2013)، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى الخوف والقلق من أن التربية الجنسية قد تؤدي إلى الممارسة المبكرة للنشاط الجنسي. غير أن العديد من الدراسات أثبتت أن برامج التربية الجنسية الشاملة لا تشجع على بدء النشاط الجنسي مبكرًا بل أنها تؤخره (DeJong et al., 2007; Jejeebhoy et al., 2013).
لقد تم بالفعل وضع الأساس للتربية الجنسية الشاملة في مصر من خلال المشاركة المجتمعية والتحالفات مع الجماعات الدينية ووفرة الموارد والدروس المستفادة من البرامج المدرسية السابقة التي تم تنفيذها في المناطق الحضرية والريفية لمعالجة العديد من مواضيع الصحة الجنسية والإنجابية. ففي حال تنفيذ برامج التربية الجنسية الشاملة بشكل صحيح، قد يكون بالإمكان إدماجها بشكل جيد بحيث تؤثر تأثيرًا إيجابيًا على وعي الأجيال القادمة بحقوق الصحة الجنسية والإنجابية، والعنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف الجنسي، والوسائل الصحية لتنظيم الأسرة. وتعالج التربية الجنسية الشاملة القضايا الجنسانية، بما فيها العنف القائم على النوع الاجتماعي، من الطفولة المبكرة لتصحيح المفاهيم الخاطئة وتمكين الأجيال القادمة من سد الفجوة بين الجنسين. والحقيقة القائلة بأن مصر تتمتع بمعدلات عالية للتسجيل في المدارس – 97% في المرحلة الابتدائية و83% في التعليم الثانوي (البنك الدولي، 2020) – تعني أن التطبيق الكامل للتربية الجنسية الشاملة في المدارس سوف يكون فعالًا من حيث التكلفة وذو فائدة واسعة النطاق. ولجميع الأسباب المذكورة سابقًا، تعتبر التربية الجنسية الشاملة ضرورية لدعم انتقال الشباب من مرحلة الطفولة والمراهقة إلى مرحلة البلوغ، وتمكينهم من خلال المهارات الاجتماعية والسلوكية الإيجابية وتعزيز برامج الصحة الإنجابية المستدامة في مصر.
توصيات لتنفيذ التربية الجنسية الشاملة في مصر:
- إقامة حوار بين الأطراف المعنية الرئيسية، بمن فيهم الشباب والمعلمين/الأخصائيين الاجتماعيين، والقيادات الدينية، وأولياء الأمور بشأن احتياجات وفوائد تطبيق التربية الجنسية الشاملة كوسيلة رئيسية لمعالجة المفاهيم المغلوطة عن الصحة الجنسية والإنجابية.
- إشراك الأطراف المعنية الرئيسية والمجتمع المدني والوزارات ذات الصلة عند صياغة السياسات والاستراتيجية لتصميم وتنفيذ ورصد وتقييم برامج التربية الجنسية الشاملة.
- استخدام تقييم الاحتياجات الوطنية لاحتياجات وسلوكيات ومعارف الشباب بشأن الصحة الإنجابية والجنسية لرفد برنامج التصميم بالمعلومات.
- وضع إطار عمل لمطابقة الطلاب مع خدمات الصحة الإنجابية الملائمة للشباب التي تحترم خصوصيتهم وحقوقهم الإنجابية كلما احتاجوا للحصول على الخدمات الطبية.