اختطاف مراهقة : قصة زواج بالسرقة
حللت مع أسرتي بتلك المدينة الشرقية الواقعة عند الحدود مع الجزائر.. كنا خمسة اشخاص، أبي وأمي، وأخي الأكبر وزوجته الكندية، ثم أنا.. جئنا عبر خط مباشر من كندا..
اسمي "أسماء". ولدت بمدينة "مونتريال" التي هاجرت إليها الأسرة بعد حصول والدي فيها على عمل تقني لدى مقاولة كبيرة للبناء.. أبي فنان مختص في الفسيفساء المغربية والزليج، والجبس والمعمار الأندلسي، وقد احتاجت الشركة لهذه المميزات لتزيين كثير من قصور الأعيان ورجال الأعمال المولعين بالنمط الأندلسي.. كنت سعيدة بعد حصولي على شهادة التخرج من الثانوي، فأقنعتني أمي وأخي بضرورة زيارة البلد الأصلي للأسرة، لمكافأتي.. أو هكذا اعتقدت في تلك الساعة..
أخي مهندس فلاحي مرموق، يطل عمره على الأربعين سنة.. ولد في هذه المدينة الحدودية، ودرس فيها حتى مستوى الثانوي ثم انتقل مع الأسرة المهاجرة لإتمام دراسته بكندا.. إلى حدود اليوم، ظل على صلة مستمرة ببعض أصدقائه القدماء الذين شاطروه شقاوة الطفولة وأحلامها..
طريق العودة شاقة متعبة.. حلت بنا الطائرة عند العاشرة صباحا في مطار الدار البيضاء. أخذنا بعدها قطارا نقلنا إلى محطة البيضاء المركزية، حيث غيرناه لنركب القطار القادم من مراكش والمتجه نحو مدينة فاس.. هناك قضينا ساعتين ننتظر موعد انطلاق القطار الذي نقلنا لمدينة وجدة....
استغرقت رحلتنا من كندا مدة أربع وعشرين ساعة بالضبط.. تركنا بيتنا في "مونتريال" عند الخامسة من مساء أمس.. ولم نبلغ غايتنا إلا بعد السابعة من مساء اليوم.. كنا مجبرين على حمل البضائع من الطائرة للقطار، ومنه عبر قطارين آخرين صعودا أو نزولا ثم وقوفا داخل العربة، ريثما تتوفر لنا مقاعد للجلوس لكثرة الزحام.. كان الوقت صيفا ترتفع فيه نسبة المسافرين بسبب العطلة. لم يكن بالقطار مكيفات.. دون نسيان قلة النوم، وندرة الطعام، وطول الانتظار هنا أو هناك..
طيلة الرحلة كنت سعيدة بالمناسبة رغم كل شئ.. أبديت دائما شوقي لزيارة الوطن والمدينة التي عاشت فيها أسرتي، أبي وأمي وأخي علاء وأختي علياء، لفترة طويلة، قبل أن ينقل الوالد الأسرة بكاملها إلى بلد المهجر..
حين رحل أبي أول مرة، كان له ولدان وابنة واحدة، ثم ولدت أنا هناك، ثم أخي الأصغر وهو آخر العنقود.. خلال العقدين، كان أبي يزور كل عامين مدينته الأصلية "وجدة" ترافقه أمي وحدها.. مرة واحدة رافقه أخي الأكبر "علاء"، أما بقية الصغار فإن ارتفاع سعر الطائرة حرمهم من الزيارة.. كان عجز والدي عن الأداء، يتسبب له في عذاب نفسي، ويحسسه بالذنب وتأنيب الضمير لأنه يحرمه من واجب تربيتي أنا وأخي على حب الوطن.. لم يكن يخفي أنه يتمنى لو يستطيع حملنا بين حقائب سفره لنرى بأم العين تراث وثقافة البلد والأجداد.. أثناء عودته من الوطن كان يحمل لنا هدايا كتعويض.. تمثل إلى حد ما صناعة البلد وأغانيه وألبسته وطعامه.. مثلما كانت الأم تجتهد لتربيتنا على ذكرياتها وما تتقنه من الطبخ والأقوال والأمثال، وتعلمنا ما تعرفه من دينها وتقاليدها..
بعد حوالي عشر سنوات من استقراره هناك، تزوجت أختي الكبرى، "علياء" من شاب مراكشي كان يدرس بكندا. تخرج هناك وتزوج أختي بسرعة ليطير بها عائدا لبلده.. استقر بالدار البيضاء مهندسا في تكنولوجيا المعلوميات والحواسيب.. لهذا اغتنمت أختي فرصة زيارتنا لتلحق بنا بمدينة وجدة كي تستمتع معنا باللقاء العائلي، في البيت الذي اكتراه أخي "علاء" لقضاء عطلة تمتد طيلة شهر كامل.. كانت فرصة لمزيد من التعرف والاقتراب من أختي التي افتقدتها منذ تزوجت، وأتعرف بالمناسبة على ابنتها البكر التي لم يسبق لي رؤيتها إلا عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قبل.. لم يكن بيننا في الحقيقة صلة وثيقة، بحكم أن سني عند زواجها لم يكن يتعدى سبعة أعوام.. مما يعني أن علياء تزوجت في سن السادسة عشر وانتقلت منذئذ إلى المغرب رفقة زوجها..
لم تمض سوى أيام قليلة، حتى ظهرت الأسباب الحقيقية للزيارة المفاجئة.. لم يقطع أخي "علاء" صلته القديمة مع بعض أصدقائه. فقد كان عمره ستة عشر سنة حين رحل صحبة العائلة للمهجر. وكان من أقرب صدقائه قبل رحيله، شخص يدعى "عمر".
أكمل عمر هذا دراسته بفرنسا وعاد ليشتغل بوزارة المالية مفتشا في القسم التجاري مكلفا بمراقبة سجلات الضرائب. حدث من خلال التواصل الدائم بين الصديقين، أن علم أخي برغبة زميله في التزوج من فتاة مغربية تحمل نفس ثقافته. فعرض عليه الزواج بي دون استشارتي، وقبلني بلا تردد حتى قبل أن يراني..
كنت أعتقد، كما أوحت لي أمي وأفراد عائلتي، أنهم اصطحبوني معهم كي أتعرف على جذوري وعادات أهلي، وإحياء الصلة مع أختي وابنتها.. كنت سعيدة بالفكرة، متفتحة أتشرب كل ما أراه وأعيشه خلال زيارتي الأولى لبلد العائلة. لكني صدمت عندما اقترحت علي أمي، ذات صباح، أن أرافقها لزيارة أسرة عمر بحجة أنها تريد إحياء صلة صداقة قديمة مع أمه.. غير أن الصدفة الصادمة خدمتني.. حيث سمعت المرأتين تتحدثان بلغة عامية لم أكن أتقنها. ظنا منهما أني لن أفهم ما يطبخ لي بينهما.. خلال الحديث وردت كلمات حول مشروع زواجي من ابن صديقة الأم، الذي يسمى "عمر" صديق أخي.. صمتت ولم أعقب بكلمة على ما سمعت.. أردت أن أتأكد، وقررت ترك أسئلتي إلى حين مغادرة أمي لبيت صديقتها.. أثناء العودة، أخبرتني بدون تردد أو حرج، أن أخي "علاء" اتفق مع صديقه ليتزوجني.. وأن الأسرة كلها كانت على علم مسبق بالموضوع، بما في ذلك أختي....
لم أرد مناقشة أمي.. أعرف ألا جدوى من الاحتجاج.. لأنها مثلي لا حول لها ولا قوة.. لهذا فالكلام معها لن يؤتي بأي نتيجة، لأن الكلمة هنا تكون للرجال فقط، أولا وأخيرا.. قررت أن أواجه أخي وأحتج عليه عندما أعود للبيت.
أول ما وقعت عيني عليه، اقتربت منه وسألته بالفرنسية صارخة في وجهه:
= كيف قررت تزويجي من صديقك دون أن تطلب رأيي؟
= قررت ذلك لأنك لا تعرفين مصلحتك، الزواج بالمغرب أفضل لك من التسكع في بلد غريب.
= كيف تكون كندا بلدا غريبا وهي بلدي، فيه ولدت وبه أعيش.. من قال لك أني راغبة في الزواج؟ ما ذا أصنع في تعليمي ومستقبلي؟
= يكفيك شهادة التعليم الثانوي، لن تحتاجي للعمل. دراستك لن تجعلك طبيبة أو محامية أو مهندسة كما تظنين.. ثم إنك لن تحتاجي إلى العمل هنا.. زوجك سيتكلف بكل مصروفات البيت والأسرة وحده. لا يمكن أن نترك لك الحبل على الغارب حتى نتفاجأ بك تتزوجين من أجنبي.. بناتنا لا يتزوجن الأجانب أبدا.
صغيت إليه وأنا أبكي.. حاولت مسح دموعي المنهمرة على خدي قبل أن أرد عليه:
= لا أفهم كيف يفكر مهندس مختص مثلك بهذه الطريقة.. لم أبلغ بعد سن الزواج، فأنا قاصر.
= لا يهمني سنك، أمك تزوجت في سن أصغر منك بكثير، وأختك علياء كذلك، أنت لا تعرفين مصلحتك، ثم انتبهي إلى لسانك. لا تخاطبيني بهذه الطريقة التي تقدم عنك صورة سيئة.. ماذا سيقول الناس عنك؟ قليلة التربية؟ هل تعجبك هذه الصفة؟
= أنت هو قليل التربية.. سأحاسبك عندما نعود وأشتكيك في سفارة كندا. لدي حقوق يجب عليك احترامها.. لا تنس أني كندية. ضحك علاء ضحكة عالية ونظر إلي بعينين جاحظتين ثم قال:
= من قال إنك ستعودين؟ لن تعودي معنا، ستبقين هنا مع زوجك.
= هذا يسمى غدر.. كيف تبني لي فخا لتزوجني دون رغبتي؟
= قلت لك قضي الأمر.. انتهى وقت الكلام.. أبي أيضا موافق وسعيد بزواجك. عليك أن تتقبلي القرار بصمت.
انسحبت ونظرت لأمي أتوسل تدخلها لعلها تنصفني.. لكنها ظلت صامتة بلا حراك، أما أبي، فلم يكن ساعتها بالبيت.. عندما حضر سارعت أحتمي به، لكنه ردد علي نفس ما سمعته من "علاء".. بهدوء وعطف مبالغ فيه. فكرت في الهروب.. لكن جواز سفري كان في حوزة أخي، الذي يتكلف دائما بكل ما يتعلق بالسفر.. لم أجد بعد تفكير وهيجان بدا من الانسحاب نحو الغرفة المخصصة لي باكية أرتعش من السخط، غاضبة لا أدري ما أفعل بنفسي.. لحقت بي علياء راجية أن تهدئني وتواسيني وتخفف عني.. أغلقت الباب خلفها.. انتظرتني حتى خف اهتزازي وهدأت قليلا من النشيج والبكاء. مسحت عيني وضمتني لصدرها ثم أخذت تمسح على شعري المنساب وتسحبه وراء ظهري.. همست في أذني بصوت بارد:
= اسمعي نصيحتي، لن تضري سوى نفسك بالبكاء.. سوف تتعودين بسرعة.. عمر شاب لطيف وعاقل.. وعلاء لن يتخلى عنك بدون أن يضمن لك شروط زواج سعيد.. لقد حدث لي مثلك لكني تعودت بسرعة ولم أندم..
شهقت قبل أن أرد عليها دون أن أبتعد عن حضنها:
= لا أبكي من الخوف أو عدم الرغبة في الزواج، أبكي لأني كنت أحلم أني سأحقق طموحي، أريد أن أصبح طبيبة أو محامية أو مهندسة.. لكن علاء ذبحني وأحرق طموحي..
= ما فائدة العمل للمرأة إذا كان زوجها قادرا على نفقات البيت، وفوق هذا يحبها ويضحي بنفسه من أجلها
= لا يمكنك أن تفهميني لأنك بدون أحلام، تقبلت حياة الروتين بسهولة..
= لم أتقبلها في البداية.. كنت مثلك مترددة رغم أني أحببت زوجي حين كان يدرس بكندا.
= لكنك ولدت هنا، وقضيت فترة من طفولتك بهذا البلد، وتعرفين لغة التفاهم مع الناس، إضافة لكونك بلا طموح لأنك غادرت الدراسة مبكرة.. أما أنا...
= هنا أيضا يمكنك متابعة دروسك لو تشترطين على الزوج هذا الشرط..
= لكن هنا لا توجد كلية الطب، علي الانتقال إلى مدينة فاس وهي بعيدة بأكثر من 300 كلم عن وجدة، فكيف أشترط؟
= لا أدري.. يمكنك تسجيل نفسك بأية كلية أخرى هنا.. كل شيء ممكن بالتفاهم..
= شكرا على نصائحك الرائعة.. كيف أدخل كلية لم أفكر بها من قبل؟ هل هذا تفكير أم...؟
= لا يهمك.. سوف تنسين وتنسجمين مع زوجك وستعجبك الحياة هنا.. حاولي فقط أن تقومي بواجباتك وسترين.
في نهاية المطاف، لم أجد بدا من الاستسلام والقبول صاغرة مغلوبة بالمصير.. أحسست أني مجرد لعبة بيد أخي، وعلي أن أتقبل الأوامر بصمت وخنوع..
ذات صباح أخذتني أختي وأمي للحمام التركي.. من هناك للحلاق، ثم عرجت بي على خياط ليعد لي قفاطين العرس.. في نفس المساء، حلت أسرة عمر ضيفة بالبيت.. أمه وأبوه وأخته وخاله وزوجة خاله.. أغلقت على نفسي باب الغرفة التي أنام بها، أبكي حظي ومصيري التعس.. بينما كانت الأسرتان في قاعة الجلوس تتفاوضان على أساسيات الزواج بحضور المعني بالأمر، زوج المستقبل. عبثا حاولت الأم والأخ إخراجي لمقابلة الأسرة والزوج بدون نتيجة. قاطعت الطعام بعد ذلك كأني مضربة.. أخرج من الغرفة لقضاء حاجتي أحمل قطعة سكر وقنينة مياه ثم أعود مسرعة كسارقة إلى الغرفة.. كان واجبا علي فعل شيء ما لرد اعتباري لذاتي..
حتى عندما حضر العدلان لكتابة عقد النكاح لم أوافق على الحضور.. لكن عمر كلم أحد العدلين ومكنه من بعض الأوراق المالية، حسب ما حكته لي أختي فيما بعد، ثم وقع وحده في الدفتر، دون أن ينسى التوقيع نيابة عني بعد إبراز جواز سفري. ساعدني تصرف عمر هذا، بعد أن علمت به، لأقتنع أن العرس كله مبني على الغش، وأن أي تصرف انتقامي من طرفي سيكون مقبولا.. ربما لكي أهدئ من روعي وأبقي على أمل في خلاص ممكن..
بعد يومين، أحضر "علاء" نجارا ليفتح الباب المغلق من داخل الغرفة. تم إخراجي بالقوة رغم أنفي.. كنت جد متعبة واهنة القوى، شبه غائبة عن الوعي من قلة التغذية.. استسلمت لهم طائعة لما عرضوني على طبيب.. بعد يومين أقيمت الحفلة. زينت كما تزين العرائس.. احتفل القوم كعادتهم حتى صباح الغد. فرحوا وهم يغنون ويرقصون.. بعد ذلك بأسبوعين انتهت العطلة، فحمل الجميع حقائبهم ورحلوا عائدين إلى كندا..
من حسن حظي، أن عمر كان رجلا هادئا في غاية اللطف، صاحب تربية محترمة.. له خبرة بالحياة في دول الغرب.. فقد عاش فترة من حياته ما بين فرنسا وانجلترا وكندا، إما للدراسة أو لاكتساب خبرات عملية قبل ممارسة الشغل.. كان يكبرني بأكثر من عشرين سنة.. ثلاثة وعشرين بالضبط.. حاول بجميع الطرق مسايرتي حتى هدأت ولانت أعصابي.. كرهت كل ما يتعلق بأهلي.. مكالماتهم بالهاتف الثابت رفضت الرد عليها.. لم أغفر لهم تخليهم عني بهذه السهولة.. اعتبرت عائلتي مقتصرة على عمر وأسرة أختي. كنت أتحدث طويلا مع أختي "علياء" المقيمة بعيدا عني بمدينة مراكش.. فوجدت نفسي أمام واقع لا خلاص منه.. مثل وحش شرس تم تدجينه في قفص.. لم يبق أمامي إلا الانسجام والتسليم بالمصير. كان من حسن حظي أن عمر أحبني، وساير طلباتي، فقبل تسجيلي في كلية الحقوق لدراسة القانون. وأدخلني إحدى القاعات الرياضية للهروب من الروتين وكسب بعض الصديقات.. حتى في الفراش لم يكن ملحاحا أو أنانيا.. باختصار قام بكل جهوده ليعيدني إلى واقعي.. وقدري.
كان هدفي في الواقع من الدراسة الجامعية أن أجد فرصة للخروج، والهروب من الروتين الذي يخنق حريتي ويحشرني في خانة ضيقة مجهولة لا أعرف دروبها. بدأت التعرف على ثقافة المجتمع الذي نقلت للعيش فيه رغم إرادتي.. لكني اضطرت للعودة في نهاية المطاف للبيت قبل أن أحصل على الإجازة.. أصبت بصدمة مباغتة غيرت طموحي وألزمتني بالانعزال من جديد بعيدا عن العالم كله.. لا أحد استطاع إقناعي بتكرار السنة الثالثة لأحصل على الإجازة، لأني صممت على التوقف بحجة أني لا أرى فائدة من ذلك، خصوصا بعد أن صرح لي زوجي أنه يفضل احترام العادات التي قلما تسمح للمرأة بالعمل هنا.. وأنه لم يكن ينوي السماح لي بدخول سلك التوظيف.. فهو مثل شباب البلد الأصلاء، يعتبر خروجي للشغل تنقيصا من قيمته واحتقارا لكرامته كرجل في نظر أهله وأصدقائه.. عبر لي مرارا أنه لن يوافق على انخراطي في أية وظيفة حكومية فضلا عن مهنة المحاماة التي تعطي للمرأة حرية السفر بعيدا خارج المدينة والإقليم.. ويبدو، بسبب إصراري المباغت على توقيف الدراسة، أني تعرضت لهزة لم أخبر أحدا بأسبابها وظروفها.. انكفأت على نفسي داخل البيت مكتئبة مدة طويلة.. لم أعد أغادره إلا صحبة زوجي.. ونظرا لسوء حالتي النفسية أخذني عمر إلى مراكش وتركني هناك صحبة أختي طلبا للراحة، عسى أن أستعيد حيويتي ونشاطي وأنسى ما لحقني من اكتئاب..
كنت دخلت في صداقة خفيفة مع شاب لطيف يدرس معي في نفس القسم.. وجدته عاقلا شبه معزول عن بقية الطلاب.. يبدو خجولا وكأنه خائف على الدوام من شيء مجهول.. لكنه وسيم وخلوق، ساعدني مرار دون أن أطلب منه أية خدمة.. يسجل لي الدروس إن تغيبت.. يرافقني عند حضوري، متنقلا معي في مقهى الكلية أو بحديقتها الغناء، أو بالمكتبة بحثا عن مراجع، بل يستنسخ لي بعض الوثائق على حسابه.. ذات صباح عرض علي الخروج للتنزه في المدينة فوافقت بفرح.. أدخلني إلى مقهى وأدى ثمن قهوتي.. استمرت العلاقة بيننا حتى ألفته وتعودت عليه.. عبرت له عن حالتي ومصيري المظلم.. شعرت أنه الشخص الوحيد الذي أحس بي، وقام بمواساتي بصدق.. بالغت في الاتصال به ومرافقته.. ربما شعر بأني بدأت أميل إليه فاقترح علي مرة بخجله المعهود، أن أعتذر لزوجي في موعد الغذاء، لأنه كان دائما ينتظرني بسيارته خارج الكلية.. قبلت دعوته بحجة أني ملزمة بإتمام أحد الدروس في المكتبة... بدلا من ذلك دعاني للغذاء معه في بيت أهله القريب من الكلية.. لم أفكر كثيرا، شعرت بسعادة لا توصف لأن شابا ليس من أسرتي يعزمني للغذاء، فوافقت فورا..
دخلنا البيت، فوجدته فارغا.. كان أهله مسافرين في عطلة قصيرة.. لم أر مانعا في دخول المطبخ لإعداد الطعام، بصفتنا أصدقاء في غاية التفاهم والمودة.. لكني فوجئت به يقف خلفي.. يركز بصره فوق عنقي وشفتاه مفتوحتان كأنه يريد أن يعانقني أو يقبلني.. أسقطني في ورطة.. ربما كنت داخليا أنتظر مثل هذه المبادرة بدوري. بل تخيلت مرارا أن شيئا من هذا ستحصل بيننا بالضرورة.. لهذا لم أنصدم من المحاولة.. أحاط عنقي بذراعه وضمني لصدره وقبلني.. شعرت لأول مرة بمعنى أن تكون القبلة صادرة من قلب مماثل يخفق بسرعة بدقات مسموعة، ذات قوة خارقة مماثلة لقوة جسد محروم من الراحة والأمل والحرية.. أغمضت عيني وأحسست برعشة تنتشر كالدبيب في كل جسدي. كدت أنهار لأن ركبتاي تخوناني.. ضمني بقوة مرتبكة لصدره فأحسست رجولته تنتفخ بين فخذيه.. زادت حرارتي وانحبست أنفاسي وزاد ارتعاشي وعجزت عن القيام بأي شئ.. وقفت متمايلة شبه مترددة بين حالتين.. أوقف مسلسل انهياري أو أرفع من سرعته.. لم أنتبه لنفسي حتى وجدته يحملني ويقطع بي مسافة كي يضعني فوق فراش وثير.. بدأ ينزع ملابسه.. عاودتني رغبة التوقف والرفض لكن هيهات.. كنت منهكة ولساني ثقيل وجسدي مرتخ وكل خلاياه متوقفة على ما يصدر عن صديقي من حركات.. حائرة بين مشاعر مضطربة وأخرى غريبة، لا هي رافضة ولا هي راغبة.. تركزت نظراتي على جسده المنتصب كهرم أمامي بكل استقامة، وعضوه يتراقص مزهوا مثل ملاك سماوي جاء يهنئ عروسا في ليلة عرسها.. أغمضت عيني راجية أن يحملني الملاك معه في رحلة عودته لأبعد النجوم..
خطر لي لحظة أني أنتقم من مصيري وقسوة أهلي وسوء حظي.. لم أتصور نفسي بين يدي شاب غريب، بقدر ما أحسست باستعادة روحي الضائعة وانتعاش معنوياتي.. كلما أوغل داخلي وزادت قبلاته كنت أحس أني فزت بحقي واسترجعت أمرا سبق أن ضاع مني.. قلت لنفسي هذا هو الحب الذي سمعت وقرأت عنه وشاهدته مرارا في الأفلام.. هذا ما كان أخي يخاف أن أعرفه وأسقط فيه هناك بكندا، لكن السماء أنصفتني وأرسلته لي رغم إرادته. استمرت لعبة الهروب لبيت أهل الرفيق بيننا مدة شهر تقريبا.. ثم صحوت.. كان لا بد أن يستيقظ ضميري فجأة بعد أن استرجعت أعصابي وتخلصت من ركام توتراتي وكبتي..
ما هو ذنب زوجي المسكين كي أفعل به ما فعلت؟ من شدة تأنيب الضمير بدأت أجد العذر لأخي وعائلتي.. أصبحت مقتنعة بأني فعلا من طينة مختلفة عن أهلي.. طينة رومية معجونة بهواء وتراب بارد لا يعرف الشمس.. فكيف أراعي مشاعر رجل تزوجني دون معرفة سابقة، ودون حتى أن يراني؟ كيف أفكر مثلهم حسب مفاهيم لم أرضعها في بلد الجليد مثل الشرف أو السمعة أو الكرامة أو الخنوع والطاعة غير المشروطة؟ كيف أسلم جسدي وإرادتي لرجل يريد أن يتملكني ويتحكم في مصيري؟ حاولت إيجاد سبب معقول يبرر خيانتي لزوجي فلم أجده.. لم يسبق له أن ظلمني أو ضربني أو أساء معاملتي أو رفض طلباتي، أو خانني، لكني فشلت في إيجاد أي حجة تبرر خيانتي.. حزنت وعنفت نفسي وقسوت عليها.. استيقظ ضميري فقررت مغادرة الدراسة رغم حرصي على نيل الشهادة ولم أخبر أحدا لا عن سبب هجراني المباغت للدراسة ولا عن الذي حصل مع زميلي.. ظل صديقي المسكين يحاول الاتصال بي مرارا.. بلغت به المغامرة أن رأيته يطاردني حتى عندما أخرج ممسكة بذراع زوجي.. في النهاية تفهم الأمر واختفى عن نظري إلى الأبد..
رغم أني لم أخبر أحدا بما وقع، إلا أن الطائر عندما يخرج من القفص لا يعود إليه بنفس تصرفاته السابقة.. انفتحت عيناي على الحياة.. حدث تحول خفيف في سلوكي.. كانت الأيام اللذيذة التي عشتها خلال مغامرتي كافية لأشعر أن أمورا كثيرة تنقصني.. أصبحت أكثر شجاعة.. تمر بذهني أحيانا فكرة إعادتها، لكني أطردها بسرعة وتشنج مخافة أن أضعف أمام إغرائها.. لاحظ زوجي مستوى الحيوية الجديدة التي جنيتها من التجربة ففرح.. اعتقد المسكين أني أخيرا تعقلت وانسجمت وتلاءمت عقليتي مع طبيعة ونمط الحياة التي فرضت علي.. بداخلي أقنعت نفسي أن الذي حدث لي كان سببه الاضطهاد العائلي.. انتفاضة ضد كل من عمل على إلغاء وجودي وحريتي وإنسانيتي.. تعجبت واستغربت طيف انفجرت في لحظة ضعف مشاعر عميقة وقوية من طرفي.. لم تكن حبا ولا تعلقا بل هي فقط ألفة.. لكن ما حملته من غضب وكبت فجرني وأسقطني لقمة سهلة في حضن صديق لا تربطني به سوى حجرة الدراسة.. لهذا هجرت الجامعة وقررت ألا أعود لنفس الغلطة مهما وقع.. الأسباب تغيرت، والنهر الأصيل القوي لا يغير مسار حقيقته أبدا..
بعد حوالي سبع سنوات من زواجي، حل بالعائلة حدث يستدعي تجمع الأسرة كلها من جديد.. ذلك أن بنت أختي تزوجت في مراكش.. لم يكن فارق السن بيني وبينها كبيرا.. اسمها "خديجة".. سنها لا يتعدى السابعة عشر.. كنت أحبها كثيرا وأتفاهم معها، حتى أننا عندما نلتقي، نسهر معا طيلة الليل ضاحكتين، كما يفعل الأطفال.. نلعب ونتحدث عن كل شيء، بما في ذلك حكايات الحب والغرام.. أكاد أندفع أحيانا لأحكي لها ما وقع لي بالكلية.. إلا أني أمسك لساني بعد أن أتبين أن المغامرة ليست مناسبة ولا مضمونة، خصوصا باعتباري خالتها المتزوجة التي يفترض فيها أن تكون قدوة في الصبر والاستقامة والإخلاص.. خالتها التي يستحيل أن تخطئ وتلطخ سمعة الأسرة.. كنت أحدثها فقط عن بعض الطرائف التي تقع لي مع زوجي.. كان القاسم المشترك بيننا هو التشكي من سوء الحظ الذي حرمنا من تجربة الحب في جو تغمره الحرية والطمأنينة قبل الزواج... فحتى خديجة هذه، طلبها أحد معارف والدتها، وهو مهندس معلوميات تخرج حديثا وسارع لعقد زواجه من البنت التي اختارتها أمه.. مع أن الخالة وابنتها والمهندس نفسه كانوا بعيدين عن مقر إقامتي، بحيث أنهم يعيشون في مراكش.. كان سن الزوج الجديد يعادل تقريبا عمري أنا، خالة زوجته خديجة.. وكم أسعده أن تكون الخالة أقرب صديقة مفضلة من طرف زوجته.. فلما جرى نقله للعمل إلى الرباط، أصبح من السهل على أسرتينا أن تلتقيا في مناسبات متقاربة سواء في الرباط أو في وجدة. علمت فيما بعد أنه حصل على تكوينه العالي في إحدى الجامعات الكندية بدوره، مما جعل التفاهم والتقارب بيننا أسهل..
مضت عشر سنوات ولم تظهر على علامات الحمل.. بدأت سمات الضيق تلوح على زوجي وعلى عائلته بعض الشئ.. خصوصا بعد أن رزقت "خديجة" في السنة الأولى لزواجها بولد.. أصابته لوثة عارمة شبيهة بالحسد وبدأ يضعف تحت تساؤلات أهله وخاصة أمه. انطلقت زياراتنا لأطباء بالمدينة أولا ثم في مدن أخرى.. أحدهم نصحه بالتريث بعد أن حدثه عن حكاية زواجنا.. فقال له:
= أجرينا كل الفحوصات الممكنة.. لم نجد شيئا يعوق الإنجاب، لا من جهتك ولا من ناحية المدام.. ربما يكون لديها ردة فعل نفسية تؤثر على الخصوبة، يعني ربما أصبحت مسألة أعصاب أو ما يمكن تسميته الاستعداد الفطري للأمومة.. يبدو أنها نفسيا ترفض الزواج خاصة لأنه تم بدون إرادتها.. عليك بزيارة طبيب نفسي مختص يفهم في هذه الأمور.. ربما يدلكم على وسيلة لتجاوز الإعاقة النفسية..
في أحد أيام العطلة.. أيقظني عمر من النوم صباحا ليخبرني بأنه قرر السفر لزيارة طبيب مشهور بفرنسا.. كان قد أعد كل الترتيبات، وحدد الموعد واقتنى تذاكر السفر ولم يبق سوى إعداد الحقائب.. لم ينس أن يتقمص هيئة الزوج المتفائل.. لأنه لم يفتأ طول الطريق يكرر على مسمعي هامسا.. خيرا إن شاء ****.. ستحل المشكلة بإذن ****.. لكن لا شيء تبدل بعد مرور سنة ونصف على زيارتنا لهذا الطبيب..
كانت حياتي تمضي رتيبة باستثناء يوم الأحد. استثنيت هذا اليوم، لأن زوجي تغيرت طباعه وبدأ يكتئب بدوره.. أصابته هلوسات من شدة النصائح والخزعبلات التي يستمع إليها من أصدقائه هنا وهناك.. أصبحت له عادة غريبة.. كنا نستبضع اللوازم يوم السبت صباحا، ونغلق باب البيت خلفنا عند الظهر لا نغادره حتى صباح يوم الاثنين.. يقوم ليعد ما لذ وطاب من أشكال الطعام.. سمك وجبن ومملحات، ومقشرات.. يخرج من الثلاجة زجاجة الويسكي التي اقتناها أمس.. يعريني ويحممني ويستحم، يلبس فوقية خفيفة ويتركني نصف عارية أمامه.. يسقيني كأسا، ويبدأ في ابتلاع بقية القنينة حتى وقت متأخر.. بين حين وآخر يدعوني للفراش.. كان معتقدا أن عليه أولا أن يحرثني جيدا لعل لبذوره أن تثمر أخيرا.. غير حتى طريقة ممارسته.. لم يعد يستلقي فوق صدري ليأخذنني مواجهة.. بل يديرني في وضع كلبة ويطعنني حتى أعماق الرحم من الخلف.. مقنعا نفسه أن ماءه لا يصل إلى الهدف... كان مثل غريق يتمسك بأي قشة عساها تنقده.. صار مهووسا إلى درجة البكاء عندما يسكر.. غير أن سلوكه الأسبوعي هذا لم يكن يمنعه من مواصلة صلاته وأدعيته في باقي أيام الأسبوع..
في باقي الأيام، أقضي وقتي أستمع للراديو أو أقرأ روايات غرامية يشتريها زوجي رغما عنه لإرضائي.. أسافر كل شهر لرؤية بنت أختي بالرباط.. وحدي أو برفقة زوجي.. أو نشد الرحال معا إلى مراكش لنزور أختي. نقضي معها أسبوعا أو أقل، ثم أرجع لوحدتي وعاداتي وبيتي.. أحيانا أرافق زوجي للقيام بزيارات خفيفة لبيت والدته.. أو أستقبل زيارة من الأخت بعد شهور من الغياب.. كان يضطر للتظاهر بالتسامح والانفتاح، فسمح لي أن أصادق بعض الجارات أو أصاحب صاحبة صالون الحلاقة الذي أتردد عليه بين حين وحين.. مع إبقاء المراقبة المتشددة طبعا.. مرة واحدة اضطررت للسفر من جديد إلى كندا عندما توفى أبي بغتة بسكتة قلبية.. رافقني زوجي بالطبع ليضمن عودتي.
رغم طقوس الموت والدفن والعزاء، شعرت بسعادة داخلية.. تنفست الهواء الذي أعرفه، وتفتحت وانشرح صدري فجأة. مثل حيوان أعيد إلى بيئته التي تربى وترعرع فيها.. أخذت زوجي في زيارات لمدارسي القديمة.. سألت عن بعض الصديقات وترصدت أخبارهن. منهن من اشتغلت بعيدا، ومنهن من هاجرن إلى أمريكا وقليلات تزوجن.. بعد عشرة أيام عدت خائبة مكتئبة إلى بيتي بالمغرب مصحوبة بوالدتي لأخفف عنها قليلا ألم الفراق والموت..
كان عمر رجلا من النوع الذي يطلق عليه صفة "بيتوتي".. طبيعة المدينة نفسها لم تكن تسمح له بالكثير من النشاط أو الفسحة بحكم طبيعة عمله.. المقاهي عددها محدود، ومستواها متواضع. لم تكن هناك لا مسرح ولا صالات سينمائية كثيرة. ما هو متوفر منها يعرض أفلاما قديمة معظمها هندية.. صباح كل سبت أرافق زوجي إلى السوق المركزي للتسوق.. نتناول طعام الغذاء خارج البيت ونعود إليه مباشرة.. المدينة صغيرة وعمله من الحساسية بحيث يجعله معروفا من طرف أغلبية السكان، خاصة في وسط المدينة حيث يكثر الزحام.. فالمركز هو المكان الوحيد الذي يهرب إليه الجميع.. يغريهم التجول ومشاهدة بعض المآثر والأسواق، أو يملؤون بعض المقاهي الحديثة.. كنت أحرص على زيارة الحديقة كلما سنحت لي الفرصة، خاصة عند زيارة أختي، آخذها لنتفرج معا على أفواج العشاق والمحبين.. يتعانقون أو يختبئون خلف الأحراج وتحت الأشجأر. أسلي نفسي بالعشق المفقود من حياتي وأهرب من توتري وقدري.. الحديقة تذكرني، مع وجود الفارق، بالغابات الكثيفة في موطني الذي حرمت منه. كان بوسعي أن أمضي وسط أشجاره العالية مسافات لا حصر لها حتى أمل أو أتعب. غابات رمادية يغطيها السحاب والضباب من كل الجهات.. بين حين وحين أجد نفسي أمام برك مائية عريضة وممتدة حتى الأفق البعيد كأنها بحر بلا حدود..
إلى أن جاء يوم ربيعي مشرق.. عاد زوجي من عمله قبل موعده المعتاد.. أعددت له كأس الشاي الذي يحب.. وجلست أتفرج في أحد المسلسلات التركية كالعادة.. كان هو يحتسي كأسه ويعيناه تحملقان في الفضاء بدون هدف.. بين فينة وأخرى يحول بصره نحوي.. بدا أنه يفكر في أمر يحيره ولا يجد له مخرجا.. فجأة طلب مني أن أجلس قريبا منه.. حين اقتربت، خيل لي أنه يبكي.. استغربت لكنه سألني بصوت خافت:
= لا أدري كيف أشرح لك ما أفكر فيه.. باختصار.. قررت الزواج من امرأة أخرى.. امي وأهلي يرغبون في الخلفة... إن شئت..
لكني قاطعته بصرخة قوية أفزعته:
= كيف.. ماذا تقول؟ كيف تريد أن تتزوج؟ وأنا؟ ما هو مصيري؟
= أرجوك.. لا تصرخي في وجهي هكذا.. لا بد لي من الخلفة.. ستكونين أنت سيدة البيت وكل شيء بيدك.و..
= لا أقبل ضرة معي في بيتي.. إما أنا أو عليك أن تطلقني..
= من فضلك.. لا تذكري هذه الكلمة.. أخوك وأهلك لا يستحقون مني هذه المعاملة..
= تفكر في أخي وأهلي ولا تفكر بي أنا؟ يا للعجب.. أي تفكير هذا؟
= أرجوك، خذي الوقت الكافي وفكري في اقتراحي..
= لا ينفعني التفكير بعد الذي تقول.. إما أنا أو الضرة.. هذه كلمتي الأخيرة..
اتصلت في تلك الليلة بأمي وأختي.. وأخي.. أسفرت الاتصال عن ضرورة الانتظار قليلا.. حين سألت عن الداعي، أخبرت أن أخي يشتغل ومن الضرورة انتظار موعد عطلته الصيفية.. لأنه الشخص الوحيد الذي سيرافقني خلال السفر.. غير أني راهنت على السفر وحيدة.. لأول مرة ساندتني أمي بقوة.. بدا لي أنها استعادت جزءا من شخصيتها التي ضيعتها فترة الزواج وجعلتها مجرد ظل تابع لوالدي.. استماتت كي تستعجل عودتي للبيت.. ربما اكتشفت بحسها الأنثوي أنها أخطأت في حقي.. كانت هي التي اقترحت أن تقوم أختي بموافقتي.. تطلب الأمر زهاء أسبوع كي يرسو الاختيار على زوج "خديجة" بحكم تعودي عليه ونظرا لمعرفته الكبيرة بالبلد الذي نتجه إليه..
أمضيت الأسبوع في جو خانق. عبثا حاول عمر زوجي السابق أن يشرح لي الوضع.. أو يعبر عن تأسفه، لكني كنت مصرة على البكاء والصمت والانعزال وحيدة في غرفة بعيدة عن فراش زوجي.. اتصلت بخديجة لمعرفة تفاصيل السفر.. تكلف أخي بأداء ثمن التذكرتين وبعث نسخة منهما عبر البريد الالكتروني للمهندس زوج خديجة.. كان طريق العودة هذه المرة عبر فرنسا، لأن مقاعد الطائرة المغربية كانت ممتلئة في اليوم المحدد.. ثم ظهر أمامي مشكل جديد.. كيف سأنتقل من مدينة وجدة إلى الرباط، حيث ينتظرني حضرة المهندس، وحيث من المقرر أن نحل بمطار العاصمة باكرا لنركب الطائرة المتوجهة إلى باريس على الساعة السابعة..
شعرت كأن الجميع يعاملونني مثل فتاة في الرابعة.. الطلاق جعلني أحس كما لو أنهم حذفوا من عمري عشرين سنة دفعة واحدة.. تحملت الإهانة ساكتة رغم أن التنقل عبر القطار لن يعرضني لأي خطر محتمل، اللهم إلا إذا اعتبروني ساذجة أو عاهرة تعرض نفسها لأول من يتحرش بها.. في النهاية تكفلت والدة عمر بمرافقتي إلى العاصمة متحججة بقضاء بعض المصالح في الإدارة المركزية لمكتب التقاعد حيث كانت بحاجة لدفع شهادة الحياة لضمان الحصول على أجرة التقاعد..
في بيت "خديجة" تغيرت.. مشاعري حائرة بين الفرح والألم.. بين لذة الحرية وألم الفراق.. ليس سهلا على أي كان أن يدعي السعادة لمغادرة شخص تعود على رفقته كل يوم لمدة تقارب عشر سنوات.. عرفته منذ السادسة عشر وفارقته وقد بلغت الرابعة والعشرين.. لم أستطع النوم تلك الليلة.. فقد عاملتني ابنة أختي كما لو أن أحدا من أعز أقاربي قد توفي.. بدأنا السهرة بالبكاء وسرعان ما حولناها إلى ضحك بسب قفشات زوجها الذي شاركنا السهرة.. في الرابعة صباحا غادرنا البيت.. أوصلتنا "خديجة" بسيارة المهندس إلى المطار.. ودعتنا فوجدت نفسي وجها لوجه مع زوجها.. أعترف أني صدمت قليلا.. غير أن شخصيته لم تترك لي أي فرصة للشعور بالضيق أو الخوف أو الخجل.. بمجرد العبور إلى الجانب الدولي من المطار شعرت بانشراح خلصني من بقايا التحرج والتردد.. كأني أستعيد طرفا مني غادرته زمنا طويلا.. كان علينا أن ننتظر الطائرة المتجهة إلى كندا من الساعة العاشرة صباحا حتى الرابعة ظهرا.. هي فترة تمتد قرابة ست ساعات دون أن نغادر المطار.. كانت مدة كافية لأكتشف أن زوج خديجة الذي أعرفه ليس هو هذا الرجل الذي يرافقني.. بدا لي أكثر جرأة وشجاعة.. أخذ يحدثني عن أشياء لم تخطر لي أبدا على البال. سألني إن كنت أفكر في المستقبل.. لم أفهم غرضه من السؤال.. فهمت منه مباشرة كما لو أنه يريد معرفة ما إذا كنت أفكر في زواج آخر.. بينما اتضح بعد قليل أنه يسألني عن مواصلة التعليم الجامعي بما أن شهادة البكالوريوس لا تتقادم بكندا، ويمكنني حسب قوله أن أسجل نفسي بأي جامعة أو شعبة هناك..
شيئا فشيئا، طال الجلوس فأخذنا نتحدث في أشياء مختلفة.. نحكي لبعضنا عن تجارب ومغامرات وحكايات لا نتحدث فيها عادة بحضور بقية أفراد الأسرة، ولا سيما نساؤها.. بدا أن ضحكي ورغبتي في مواصلة الحديث شجعته على تخطي حدود المسموح به.. أول مرة أقتنع أن عمره مثل عمري.. وأنه رجل منفتح إلى أبعد الحدود.. شعور حسسني ببعض الحسد لابنة أختي.. ما أجمل أن يكون الزوج مرحا ضاحكا وهادئ الطبع، شجاعا، قابلا للتضحية، متعلقا بعائلة زوجته إلى هذا الحد..
بدأت أنتبه لشكله أيضا.. كان مربوع القامة واثقا بنفسه إلى حد كبير.. مثقفا يحسن التحدث بثلاث لغات.. أسمر قليلا كسائر أهل مراكش.. رياضيا خفيف الحركة وصاحب نظرات ثاقبة وعينين بلون العسل.. حجم أنفه يشكل بضخامته نشازا بالنسبة لشفتيه وعينيه.. كان ضخما بارز الأرنبة.. غير متناسق مع وجهه المستدير مثل كرة، وفوقه شعر خشن قصير مثل حبات الشاي أو بقايا القهوة.. لكن جسمه معتدل بدون كرش متدلية.. تذكرت زوجي فشعرت برغبة في الضحك.. سألته كيف لا يحرجه حجم أنفه فأجابني بسؤال يبعث على السخرية.. قال: "لا تسألي عن أشياء إن شرحتها لك ستغضبك"
فلما طلبت منه أن يشرح قال: "ألم تسمعي بالمثل القائل، الأنف هو مقياس عضو الرجل؟" ثم ضحك فقلدته.. تذكرت بطن زوجي فابتسمت.. سألني عن سبب الابتسامة.. اضطررت أن أضحك بطلاقة بكل طاقتي حتى دمعت عيناي.. أخبرته عن كرش زوجي التي تغطي ما تحت الصرة، مما يجعله يقف أمام المرآة حين يرغب في رؤية متاعه، لأنه لا يقدر على رؤيته بدون مرآة.. ضحك معي ولم يقف عند هذا القدر.. سألني: "ولماذا يضطر للوقوف أمام المرآة؟ هل كان متاعه من الضمور والقصر لدرجة الاختفاء؟".. أجبته ضاحكة: "يقول المثل إن توضيح الواضحات من المفضحات"
لم نشعر معا أن طول الانتظار يدفعنا بسرعة إلى عالم لم نتخيله.. من كان يتصور أنني سأكون مرتاحة مع هذا الرجل بالذات إلى درجة التحدث عن نكت إباحية أو وصف حميمية كانت منذ أسبوع فقط مقدسة؟؟
لم نشعر أن الوقت يمضي بسرعة.. فجأة سمعنا مكبرات الصوت تطلب منا الانتباه.. ثم تخبرنا بأن الطائرة بها عطب يستدعي تأخير السفر إلى ساعة متأخرة بالليل. مما يعني أن زمن الانتظار سيتضاعف.. ليس هذا في حد ذاته مشكلا.. لأن شركة الطيران تكفلت بتقديم وجبة العشاء لكافة الركاب..
انطلقنا نتجول بين محلات بيع العطور وأنواع الخمور والسجائر ومتطلبات السفر عبر الطائرات.. دخلنا عدة محلات صغيرة تبيع أنواع الساندويتشات والطبخات السريعة.. مع ذلك صار الوقت يمضي الهوينى أثقل من الحجر.. جلسنا لاحتساء كأس من قهوة نيسبريسو السريعة.. وعدنا لحديثنا نتسلي به عن تمطط وكسل عقارب الساعة.. لاحظت أن موضوعه المفضل هو النميمة والسخرية من العابرين، لا سيما الإناث.. عاد لقفشاته.. يصف هذه بدقة، واصفا جمال وجهها وقامتها وشكل مؤخرتها.. يسخر من حجم الأخرى.. يعلق متنهدا حين يرى بعض العشاق يقبلان بعضهما.. فجأة قال:
= يبدو لي أن الطائرة لن تقلع الليلة نحو الهدف
= كيف تقول هذا وقد أخبرونا أنها تأخرت للمساء
= يحدث مرارا مثل هذه الأعطاب، وفي الغالب لن يسمح للطائرة بالإقلاع في نفس اليوم..
= وماذا يجب علينا القيام به في مثل هذه الحالة؟
= لا شيء.. ننتظر. أما بالنسبة للمبيت فلا تخافي.. الشركة ستحجز لركاب الطائرة في أقرب فندق ريثما يتم التأكد من سلامة السفر
هكذا حدث فعلا ما قاله حضرة المهندس.. سمعنا بعد حوالي ساعتين أن الطائرة ألغيت، وأن السفر سيتم غدا عبر طائرة أخرى في الصباح الباكر.. التمس المتحدث من الركاب أن يتوجهوا لمكتب يمثل الشركة للحصول على بطاقات تمكنهم من الحصول على غرف في أحد الفنادق.. ركبنا الميترو داخل المكار ليوصلنا لفندق غير بعيد.. حجزنا غرفتين وعدنا إلى المطار نتجول في المحلات، ونتناول طعام العشاء..
حين رجعنا للفندق دعاني المهندس لمرافقته لغرفته لنسهر قليلا حتى يحين وقت النوم.. أخرج زجاجة نبيذ اشتراها أثناء تجولنا من أحد المحلات.. كان معه كؤوسا ورقية وبعض المكسرات.. وضع الزجاجة وما معها على طاولة صغيرة.. شربت معه كأسين واكتفيت.. وأكملنا الحديث في كل شيء وفي لا شيء.. انتقل الحديث كما كنت أتوقع لبعض الحكايات الحميمية.. بدأ يكلمني عن مغامراته القديمة في فرنسا وكندا، وحتى بالمغرب أثناء الدراسة.. وسألني صراحة عن مخزوني من التجارب فضحكت قائلة: "صفر في صفر"
ضحك معي وقال: "هذا غير معقول" وانطلق يمدح جمالي وعقلي ويستغرب كيف لا تكون لي ولو تجربة واحدة.. لم أشعر إلا وأنا أندلق كسطل مملوء بالماء.. بدأت أروي قصتي مع الطالب الزميل بدون خوف أو تحفظ.. علق على حكايتي قائلا:
= كنت شبه متأكد من هذا، لأنه لا يعقل في مثل حالتك أن تصبري لما وقع لك.
= لم أتعمد فعل ما حدث.. وجدته يحدث وأنا أفرج مستسلمة بدون قصد مسبق..
= قلت لك هذا أمر طبيعي.. وأنت في الحقيقة لست مخطئة.. كان لا بد لك من الانتقام لتستردي توازنك وثقتك بنفسك.. ولذلك شعرت بتأنيب الضمير..
= كانت تجربة قاسية ومؤثرة وسببت لي اختلالا كبيرا.
= طبيعي.. لكن مع ذلك أعتبر أن من حقك أن تنفسي عن الغضب، وتردي الدين لمن أرغمك على الزواج من شخص لا تعرفينه
= هو كذلك فعلا.. الحمد *** أني الآن أستعيد حريتي، خصوصا بالنسبة للدراسة
= أظن أنك تخطئين مرة ثانية
= كيف؟
= هل تظنين، أنك بعد الطلاق ستقدرين ولو بكندا أن تتمتعي بحريتك كاملة.. أقصد ترجعين للدراسة وتعقدين علاقات مع زملاء وزميلات.. وتعودين لما يعرفه الطلاب في بلد مثل كندا؟
= ولم لا؟ كندا بلد حريات وأسرتي لن تمارس علي نفس السلطة كما فعلوا في المغرب
ابتسم ونظر إلي مستغربا:
= أعتقد أن حياتك بالمغرب جعلتك ساذجة وسطحية إلى حد كبير.. أمك نفسها ستراقبك.. نحن كمغاربة لا نقبل تحرير بناتنا خصوصا بعد الطلاق.. في الغالب ولهذا السبب لن يسمحوا لك حتى بتسجيل نفسك بالجامعة.. ما عدا إن كنت تحرصين على فك العلاقة نهائيا مع الأسرة.. ولا أظن أنك ستتحملين ذلك
= سأحاول على الأقل وسنرى ما يحدث بعد ذلك..
= المهم، أنبهك منذ اللحظة حتى لا تطلقي العنان لأحلامك.. ربما ستندمين حتى على حياة الزوجية رغم قسوتها.. أنت الآن امرأة ناضجة، فاتنة ومثيرة في عز قوتك وشبابك.. لن يظهر لأسرتك سوى الشكل المثير الذي يهدد شرفهم.. على الأقل، خلال زواجك سمح لك زوجك وساعدك لتدرسي بالجامعة.. ولولا هذا ما كنت ستجدين فرصتك المعلومة لتفجري الكبت والغضب.. في كندا لن تتوفر لك حتى مثل هذه الفرصة.. ستعودين للسجن بالتأكيد..
شعرت بالانقباض وأنا أسمع رأي مرافقي.. بدت لي وجهة نظره معقولة ومقنعة.. عادت لذهني مواقف كل من والدتي وأخي.. في الغالب أنهم سيكررون معي نفس السلوك.. والمعنى النهائي أني تخلصت من سجن نسبي لأعود إلى سجن أكثر قساوة.. ودعت المهندس وأنا في حالة سيئة أقرب للبكاء، ورغبت في الاختلاء بنفسي لعلني أجد مخرجا أو طريقة تغير معادلة عودتي، التي تهددني بفقدان حريتي بسبب العقلية المتحجرة لأهلي.
أحسست أن رأسي يدور.. ليس بفعل الكأسين فقط بل حتى بما سمعت من زوج ابنة أختي.. بدأت أفكر وأحلل وأتصور هل بإمكاني قطع الصلة العائلية لأتمتع بحريتي.. ولو قمت بهذا من سيصرف علي ويأويني؟ وكيف أستطيع مواصلة دراستي بدون مساعدة من أحد؟ العمل خلال العطل وحده لن يفيد شيئا.. لا بد لي من قبول الوضع القائم رغم أنفي..
تمددت على السرير الفردي وجعلت أتمعن في الفراغ.. كانت هناك نافذة صغيرة خلفها ظلام كثيف.. بين حين وحين يعلو صوت زمجرة محركات الطائرات العائدة والمغادرة.. لم أشعر بالنوم حين بسط رداءه على جفوني.. بعد حوالي ساعتين سمعت طرقا قويا على الباب.. عندما فتحته وقف أمامي المهندس ساخرا، وسألني كيف استغرقت في النوم إلى درجة أني لم أسمع دقاته القوية على الباب.. قال إنه خاف وكاد يطلب المساعدة لأنه توقع شرا.. دخل وأغلق الباب خلفه.. كان يحمل في يده زجاجة نبيذ جديدة، وفي يده اليسرى نفس الكاسين.
وضع الزجاجة على الطاولة وجلس أمامها وصب لنفسه كأسا.. بدا أنه أفرغ الزجاجة السابقة وحده.. ذهبت للحمام لأغسل وجهي وحين عدت وجدته قد صب لي كأسا ثالثة.. لم أتماسك نفسي فتناولتها دفعة واحدة بلا تفكير.. أملت أن تختفي من ذهني تلك الأفكار السوداوية التي زرعها المهندس في عقلي قبل أن أغادر غرفته.. شرب كأسه ونظر لي بعين واحدة وقد لوى عنقه، ثم سألني:
= هييه.. هل فكرت فيما قلته؟ كنت أتوقع أنك لن تتمكني من النوم. أعتذر لأني صحيتك.. على أية حال يجب أن نغادر الغرفتين بعد حوالي ساعتين من الآن..
= فكرت فعلا.. وفضلت النوم للهروب..
كنت أجلس قبالته فوق الفراش واضعة قدمي على الأرض..
= لقد نبهتك لتأخذي قرارا في الوقت المناسب.. يعني اغتنمي الفرص المتاحة قبل ضياعها جميعا..
أكمل حديثه وترك المقعد ليقف لحظة.. ألقى نظرة من النافذة وعاد يتحدث:
= على أي حتى لو ألقيت نظرة على مستقبلك لن تجدي سوى الظلام.. ثم استدار وجاء يقعد بجانبي. انتابتني قشعريرة خفيفة، وتخيلت أنه سيفقد صوابه تماما بعد قليل.. تراه افتتح موضوع عائلتي ليجد سبيلا ليكسر ما تبقى بيننا من جدار؟
مد لي كأسا أخرى فتناولتها من يده لأفرغها مباشرة وأعيدها فارغة..
= تمهلي فما قلناه مجرد احتمال وارد.. قد نكون مخطئين
= حيرتني يا هذا.. يبدو لي ما تقوله أقرب للصواب.. أنا أعرف أخي وأمي لن تخالفه الرأي.
أحاط كتفي بذراعه وقرب وجهه من وجهي..
= لهذا عليك أن تغتنمي كل الفرص.. كل الفرص.. هل تفهمين؟ ربما لن تتاح لك فرصة أخرى بعد اليوم..
أفرغ كأسه في جوفه وقبل خدي.. وجدت نفسي أعيش نفس الوضع الذي عشته مع الزميل الطالب.. خطفت شفتي المهندس في حركة خاطفة.. قبلة حارة كأني أختبئ فيه من خوفي وسوء حظي.. تراجع وجهه قليلا وحقق بصره في وجهي.. ثم سحبني وقبلني بنفس الحرارة.. أبعدته عني واستأذنته بأدب للذهاب للحمام.. هناك وقفت أمام المرآة أراقب حالتي.. عدلت الخصلات المتناثرة حول وجهي.. بذلت جهدي كي أستعيد هدوئي.. فكرت بسرعة أنني حرة ولن أخسر شيئا حتى لو كان كلام المهندس كاذبا.. قلت سأعتبر هذه التجربة آخر فرص لتحرري.. نسيت أني سأخون ابنة أختي.. عندما عدت نبهته أننا سنخون أختي وابنتها، فرد علي بسرعة:
= كأني بك تنسين أن أغلب الخيانات تتحقق مع الأقارب.. ابنة أختك رائعة ومكانتها محفوظة وأنت عابرة.. اعتبريني فاتحة خير وكفى.. لا تعقدي الأمور أكثر مما هي معقدة..
= ماذا سيكون موقفي حين أراها، أو حين نلتقي معا مرة قادمة.
= لا شيء، سنجد فرصة أخرى وثالثة إن شئت لنحيي تجربتنا العابرة هذه.. لسنا وحدنا من يفعل ذلك.. ثم ضحك وأجلسني مباشرة على فخذه..
اعترتني حرارة مباغتة.. كنت أكثر رغبة منه في خوض معركة صاخبة.. ما كاد يقبلني حتى شعرت برجولته تكافح تحت سرواله.. ظهر لي طيف عضوه منتصبا فانتفض جسمي وتصاعدت حرارتي.. كدت أمزق قميصه وأنا أزيله بعصبية فائقة.. وقفت ونزعت كل ملابسي.. السروال والجاكيت وحتى الكلسون.. لم تكن على نهدي حمالة لأزيلها.. ما تزال لم تغادر صلابتها بعد.. الحلمتان متصلبتان نافرتان.. دفعته حتى صار على ظهره.. تناولت العضو المنتصب كالحديد وبدأت ألعقه وأقبل رأسه.. بسرعة باعدت ما بين الفخذين ونزلت فوقه بكل ثقلي.. دخلني بسلاسة حتى بلغت الخصيتين.. لهفة فرجي الجائع ابتلعته بخفة.. جعلت أهتز كما لم أفعل منذ أوقفت علاقتي مع الزميل.. همس في وجهي متأوها لاهثا:
= دعيني أركبك كي أتمكن منك... ثم قلبني تحته.. رفعت فخذي وقدمي إلى أعلى حتى ظهر بينهما راسي.. كنت جائعة فانفتحت له كي يبلغ عمق رحمي.. كان هو هادئا عارفا وشاعرا بعذابي ومحنتي.. لم يهجم علي بل قبلني وأخذ يتلاعب بحلمتي ونزل يلعق كسي وما بعد الكس بين الردفين بلسانه.. شعرت به يلحس وردة دبري.. تراجع واضعا رأس بنانه فوق مدخل الشرج.. إحساس غريب لذييييييييذ لم أعرفه من قبل.. تنهدت ورأسي يتلوى.. بدأ يمسح بعضوه ما بين الردفين نازلا صاعدا.. مدده بطوله بينهما.. راسه في اتجاه غمازة ظهري وبيضتاه تلامس فرجي.. شعرت أن جسدي كله مفتوح يرحب بحرارته وشموخه.. وقفت رأس القضيب عند مدخل الشرج تحاول فتحه بدون عنف.. تلاعبه وتدغدغ عروقه وتثير أعصابه.. لم يكن معنا مرطبات فاستعمل ريقه ليسهل عليه ان يطل بعينه الوحيدة إلى الداخل.. حركته كانت بطيئة وهادئة.. كدت أجن وأنا أتلوى منتظرة طعنة قوية تريحني.. شعر بحرقتي فسحب القضيب ليمرره بين الشفرين ويضغط برأسه على البظر النافر..
= أرحني من فضلك، عليك اللعنة.. أدخله كله.. أي ي ي ي
لكنه تراجع من جديد ليزيدني عذابا كأنه يعاقبني.. تركت فخذي وتمسكت برأسه أسحبه نحوي.. حاولت أن أرسم بأسناني علامة على عنقه من حرارة مشاعري.. لولا أنه أدرك غايتي فأغرق قضيبه دفعة واحدة بداخلي.. صرخت وكدت أفقد سيطرتي على جسمي.. مع تكرار الطعن انفلتت مني أعضائي وراحت عضلات فخذي تهتز وترتعش بدون إرادتي.. انحبست أنفاسي فحاولت الانفلات من قبضته لكنه تمسك بي وجثم بكامل ثقله فوقي.. ظل قضيبه بداخلي.. خامدا بلا حركة قبل أن تصدر عني شهقة قوية.. فعاد يكمل هجومه العنيف حتى أرعشني عدة مرات..
بعد حوالي ساعة افترقنا.. تحممت وخرج هو شبه عار ليغتسل بدوره.. في الموعد المحدد كنا نسير كزوجين مرتاحين نحو المطار.. في الطائرة نام هو قليلا بينما كنت أحملق في وجهه الهادئ.. لم أسأل نفسي عن سبب ما حدث، ولا كيف استسلمت.. تماما كما حدث لي عندما التصق بي الطالب من الخلف ليوقظ غرائزي التي دفنت مع الزواج.. كنت ما أزال مستمتعة بتجربتي.. بدت لي أنها ربما قد تكون المصدر الوحيد لمتعتي في المستقبل لو تكررت.. هذا لو تمسك أخي وأمي بأفكارهما البالية.. فهل سيكون المهندس زوج ابنة أختي عاشقي ووسيلتي الوحيدة للتخلص من توتري في الأيام والسنوات القادمة؟ وهل فرصة لقائي به ستكون الفرصة الوحيدة والمضمونة أم ستتاح لي فرص أخرى للزواج؟
حللت مع أسرتي بتلك المدينة الشرقية الواقعة عند الحدود مع الجزائر.. كنا خمسة اشخاص، أبي وأمي، وأخي الأكبر وزوجته الكندية، ثم أنا.. جئنا عبر خط مباشر من كندا..
اسمي "أسماء". ولدت بمدينة "مونتريال" التي هاجرت إليها الأسرة بعد حصول والدي فيها على عمل تقني لدى مقاولة كبيرة للبناء.. أبي فنان مختص في الفسيفساء المغربية والزليج، والجبس والمعمار الأندلسي، وقد احتاجت الشركة لهذه المميزات لتزيين كثير من قصور الأعيان ورجال الأعمال المولعين بالنمط الأندلسي.. كنت سعيدة بعد حصولي على شهادة التخرج من الثانوي، فأقنعتني أمي وأخي بضرورة زيارة البلد الأصلي للأسرة، لمكافأتي.. أو هكذا اعتقدت في تلك الساعة..
أخي مهندس فلاحي مرموق، يطل عمره على الأربعين سنة.. ولد في هذه المدينة الحدودية، ودرس فيها حتى مستوى الثانوي ثم انتقل مع الأسرة المهاجرة لإتمام دراسته بكندا.. إلى حدود اليوم، ظل على صلة مستمرة ببعض أصدقائه القدماء الذين شاطروه شقاوة الطفولة وأحلامها..
طريق العودة شاقة متعبة.. حلت بنا الطائرة عند العاشرة صباحا في مطار الدار البيضاء. أخذنا بعدها قطارا نقلنا إلى محطة البيضاء المركزية، حيث غيرناه لنركب القطار القادم من مراكش والمتجه نحو مدينة فاس.. هناك قضينا ساعتين ننتظر موعد انطلاق القطار الذي نقلنا لمدينة وجدة....
استغرقت رحلتنا من كندا مدة أربع وعشرين ساعة بالضبط.. تركنا بيتنا في "مونتريال" عند الخامسة من مساء أمس.. ولم نبلغ غايتنا إلا بعد السابعة من مساء اليوم.. كنا مجبرين على حمل البضائع من الطائرة للقطار، ومنه عبر قطارين آخرين صعودا أو نزولا ثم وقوفا داخل العربة، ريثما تتوفر لنا مقاعد للجلوس لكثرة الزحام.. كان الوقت صيفا ترتفع فيه نسبة المسافرين بسبب العطلة. لم يكن بالقطار مكيفات.. دون نسيان قلة النوم، وندرة الطعام، وطول الانتظار هنا أو هناك..
طيلة الرحلة كنت سعيدة بالمناسبة رغم كل شئ.. أبديت دائما شوقي لزيارة الوطن والمدينة التي عاشت فيها أسرتي، أبي وأمي وأخي علاء وأختي علياء، لفترة طويلة، قبل أن ينقل الوالد الأسرة بكاملها إلى بلد المهجر..
حين رحل أبي أول مرة، كان له ولدان وابنة واحدة، ثم ولدت أنا هناك، ثم أخي الأصغر وهو آخر العنقود.. خلال العقدين، كان أبي يزور كل عامين مدينته الأصلية "وجدة" ترافقه أمي وحدها.. مرة واحدة رافقه أخي الأكبر "علاء"، أما بقية الصغار فإن ارتفاع سعر الطائرة حرمهم من الزيارة.. كان عجز والدي عن الأداء، يتسبب له في عذاب نفسي، ويحسسه بالذنب وتأنيب الضمير لأنه يحرمه من واجب تربيتي أنا وأخي على حب الوطن.. لم يكن يخفي أنه يتمنى لو يستطيع حملنا بين حقائب سفره لنرى بأم العين تراث وثقافة البلد والأجداد.. أثناء عودته من الوطن كان يحمل لنا هدايا كتعويض.. تمثل إلى حد ما صناعة البلد وأغانيه وألبسته وطعامه.. مثلما كانت الأم تجتهد لتربيتنا على ذكرياتها وما تتقنه من الطبخ والأقوال والأمثال، وتعلمنا ما تعرفه من دينها وتقاليدها..
بعد حوالي عشر سنوات من استقراره هناك، تزوجت أختي الكبرى، "علياء" من شاب مراكشي كان يدرس بكندا. تخرج هناك وتزوج أختي بسرعة ليطير بها عائدا لبلده.. استقر بالدار البيضاء مهندسا في تكنولوجيا المعلوميات والحواسيب.. لهذا اغتنمت أختي فرصة زيارتنا لتلحق بنا بمدينة وجدة كي تستمتع معنا باللقاء العائلي، في البيت الذي اكتراه أخي "علاء" لقضاء عطلة تمتد طيلة شهر كامل.. كانت فرصة لمزيد من التعرف والاقتراب من أختي التي افتقدتها منذ تزوجت، وأتعرف بالمناسبة على ابنتها البكر التي لم يسبق لي رؤيتها إلا عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قبل.. لم يكن بيننا في الحقيقة صلة وثيقة، بحكم أن سني عند زواجها لم يكن يتعدى سبعة أعوام.. مما يعني أن علياء تزوجت في سن السادسة عشر وانتقلت منذئذ إلى المغرب رفقة زوجها..
لم تمض سوى أيام قليلة، حتى ظهرت الأسباب الحقيقية للزيارة المفاجئة.. لم يقطع أخي "علاء" صلته القديمة مع بعض أصدقائه. فقد كان عمره ستة عشر سنة حين رحل صحبة العائلة للمهجر. وكان من أقرب صدقائه قبل رحيله، شخص يدعى "عمر".
أكمل عمر هذا دراسته بفرنسا وعاد ليشتغل بوزارة المالية مفتشا في القسم التجاري مكلفا بمراقبة سجلات الضرائب. حدث من خلال التواصل الدائم بين الصديقين، أن علم أخي برغبة زميله في التزوج من فتاة مغربية تحمل نفس ثقافته. فعرض عليه الزواج بي دون استشارتي، وقبلني بلا تردد حتى قبل أن يراني..
كنت أعتقد، كما أوحت لي أمي وأفراد عائلتي، أنهم اصطحبوني معهم كي أتعرف على جذوري وعادات أهلي، وإحياء الصلة مع أختي وابنتها.. كنت سعيدة بالفكرة، متفتحة أتشرب كل ما أراه وأعيشه خلال زيارتي الأولى لبلد العائلة. لكني صدمت عندما اقترحت علي أمي، ذات صباح، أن أرافقها لزيارة أسرة عمر بحجة أنها تريد إحياء صلة صداقة قديمة مع أمه.. غير أن الصدفة الصادمة خدمتني.. حيث سمعت المرأتين تتحدثان بلغة عامية لم أكن أتقنها. ظنا منهما أني لن أفهم ما يطبخ لي بينهما.. خلال الحديث وردت كلمات حول مشروع زواجي من ابن صديقة الأم، الذي يسمى "عمر" صديق أخي.. صمتت ولم أعقب بكلمة على ما سمعت.. أردت أن أتأكد، وقررت ترك أسئلتي إلى حين مغادرة أمي لبيت صديقتها.. أثناء العودة، أخبرتني بدون تردد أو حرج، أن أخي "علاء" اتفق مع صديقه ليتزوجني.. وأن الأسرة كلها كانت على علم مسبق بالموضوع، بما في ذلك أختي....
لم أرد مناقشة أمي.. أعرف ألا جدوى من الاحتجاج.. لأنها مثلي لا حول لها ولا قوة.. لهذا فالكلام معها لن يؤتي بأي نتيجة، لأن الكلمة هنا تكون للرجال فقط، أولا وأخيرا.. قررت أن أواجه أخي وأحتج عليه عندما أعود للبيت.
أول ما وقعت عيني عليه، اقتربت منه وسألته بالفرنسية صارخة في وجهه:
= كيف قررت تزويجي من صديقك دون أن تطلب رأيي؟
= قررت ذلك لأنك لا تعرفين مصلحتك، الزواج بالمغرب أفضل لك من التسكع في بلد غريب.
= كيف تكون كندا بلدا غريبا وهي بلدي، فيه ولدت وبه أعيش.. من قال لك أني راغبة في الزواج؟ ما ذا أصنع في تعليمي ومستقبلي؟
= يكفيك شهادة التعليم الثانوي، لن تحتاجي للعمل. دراستك لن تجعلك طبيبة أو محامية أو مهندسة كما تظنين.. ثم إنك لن تحتاجي إلى العمل هنا.. زوجك سيتكلف بكل مصروفات البيت والأسرة وحده. لا يمكن أن نترك لك الحبل على الغارب حتى نتفاجأ بك تتزوجين من أجنبي.. بناتنا لا يتزوجن الأجانب أبدا.
صغيت إليه وأنا أبكي.. حاولت مسح دموعي المنهمرة على خدي قبل أن أرد عليه:
= لا أفهم كيف يفكر مهندس مختص مثلك بهذه الطريقة.. لم أبلغ بعد سن الزواج، فأنا قاصر.
= لا يهمني سنك، أمك تزوجت في سن أصغر منك بكثير، وأختك علياء كذلك، أنت لا تعرفين مصلحتك، ثم انتبهي إلى لسانك. لا تخاطبيني بهذه الطريقة التي تقدم عنك صورة سيئة.. ماذا سيقول الناس عنك؟ قليلة التربية؟ هل تعجبك هذه الصفة؟
= أنت هو قليل التربية.. سأحاسبك عندما نعود وأشتكيك في سفارة كندا. لدي حقوق يجب عليك احترامها.. لا تنس أني كندية. ضحك علاء ضحكة عالية ونظر إلي بعينين جاحظتين ثم قال:
= من قال إنك ستعودين؟ لن تعودي معنا، ستبقين هنا مع زوجك.
= هذا يسمى غدر.. كيف تبني لي فخا لتزوجني دون رغبتي؟
= قلت لك قضي الأمر.. انتهى وقت الكلام.. أبي أيضا موافق وسعيد بزواجك. عليك أن تتقبلي القرار بصمت.
انسحبت ونظرت لأمي أتوسل تدخلها لعلها تنصفني.. لكنها ظلت صامتة بلا حراك، أما أبي، فلم يكن ساعتها بالبيت.. عندما حضر سارعت أحتمي به، لكنه ردد علي نفس ما سمعته من "علاء".. بهدوء وعطف مبالغ فيه. فكرت في الهروب.. لكن جواز سفري كان في حوزة أخي، الذي يتكلف دائما بكل ما يتعلق بالسفر.. لم أجد بعد تفكير وهيجان بدا من الانسحاب نحو الغرفة المخصصة لي باكية أرتعش من السخط، غاضبة لا أدري ما أفعل بنفسي.. لحقت بي علياء راجية أن تهدئني وتواسيني وتخفف عني.. أغلقت الباب خلفها.. انتظرتني حتى خف اهتزازي وهدأت قليلا من النشيج والبكاء. مسحت عيني وضمتني لصدرها ثم أخذت تمسح على شعري المنساب وتسحبه وراء ظهري.. همست في أذني بصوت بارد:
= اسمعي نصيحتي، لن تضري سوى نفسك بالبكاء.. سوف تتعودين بسرعة.. عمر شاب لطيف وعاقل.. وعلاء لن يتخلى عنك بدون أن يضمن لك شروط زواج سعيد.. لقد حدث لي مثلك لكني تعودت بسرعة ولم أندم..
شهقت قبل أن أرد عليها دون أن أبتعد عن حضنها:
= لا أبكي من الخوف أو عدم الرغبة في الزواج، أبكي لأني كنت أحلم أني سأحقق طموحي، أريد أن أصبح طبيبة أو محامية أو مهندسة.. لكن علاء ذبحني وأحرق طموحي..
= ما فائدة العمل للمرأة إذا كان زوجها قادرا على نفقات البيت، وفوق هذا يحبها ويضحي بنفسه من أجلها
= لا يمكنك أن تفهميني لأنك بدون أحلام، تقبلت حياة الروتين بسهولة..
= لم أتقبلها في البداية.. كنت مثلك مترددة رغم أني أحببت زوجي حين كان يدرس بكندا.
= لكنك ولدت هنا، وقضيت فترة من طفولتك بهذا البلد، وتعرفين لغة التفاهم مع الناس، إضافة لكونك بلا طموح لأنك غادرت الدراسة مبكرة.. أما أنا...
= هنا أيضا يمكنك متابعة دروسك لو تشترطين على الزوج هذا الشرط..
= لكن هنا لا توجد كلية الطب، علي الانتقال إلى مدينة فاس وهي بعيدة بأكثر من 300 كلم عن وجدة، فكيف أشترط؟
= لا أدري.. يمكنك تسجيل نفسك بأية كلية أخرى هنا.. كل شيء ممكن بالتفاهم..
= شكرا على نصائحك الرائعة.. كيف أدخل كلية لم أفكر بها من قبل؟ هل هذا تفكير أم...؟
= لا يهمك.. سوف تنسين وتنسجمين مع زوجك وستعجبك الحياة هنا.. حاولي فقط أن تقومي بواجباتك وسترين.
في نهاية المطاف، لم أجد بدا من الاستسلام والقبول صاغرة مغلوبة بالمصير.. أحسست أني مجرد لعبة بيد أخي، وعلي أن أتقبل الأوامر بصمت وخنوع..
ذات صباح أخذتني أختي وأمي للحمام التركي.. من هناك للحلاق، ثم عرجت بي على خياط ليعد لي قفاطين العرس.. في نفس المساء، حلت أسرة عمر ضيفة بالبيت.. أمه وأبوه وأخته وخاله وزوجة خاله.. أغلقت على نفسي باب الغرفة التي أنام بها، أبكي حظي ومصيري التعس.. بينما كانت الأسرتان في قاعة الجلوس تتفاوضان على أساسيات الزواج بحضور المعني بالأمر، زوج المستقبل. عبثا حاولت الأم والأخ إخراجي لمقابلة الأسرة والزوج بدون نتيجة. قاطعت الطعام بعد ذلك كأني مضربة.. أخرج من الغرفة لقضاء حاجتي أحمل قطعة سكر وقنينة مياه ثم أعود مسرعة كسارقة إلى الغرفة.. كان واجبا علي فعل شيء ما لرد اعتباري لذاتي..
حتى عندما حضر العدلان لكتابة عقد النكاح لم أوافق على الحضور.. لكن عمر كلم أحد العدلين ومكنه من بعض الأوراق المالية، حسب ما حكته لي أختي فيما بعد، ثم وقع وحده في الدفتر، دون أن ينسى التوقيع نيابة عني بعد إبراز جواز سفري. ساعدني تصرف عمر هذا، بعد أن علمت به، لأقتنع أن العرس كله مبني على الغش، وأن أي تصرف انتقامي من طرفي سيكون مقبولا.. ربما لكي أهدئ من روعي وأبقي على أمل في خلاص ممكن..
بعد يومين، أحضر "علاء" نجارا ليفتح الباب المغلق من داخل الغرفة. تم إخراجي بالقوة رغم أنفي.. كنت جد متعبة واهنة القوى، شبه غائبة عن الوعي من قلة التغذية.. استسلمت لهم طائعة لما عرضوني على طبيب.. بعد يومين أقيمت الحفلة. زينت كما تزين العرائس.. احتفل القوم كعادتهم حتى صباح الغد. فرحوا وهم يغنون ويرقصون.. بعد ذلك بأسبوعين انتهت العطلة، فحمل الجميع حقائبهم ورحلوا عائدين إلى كندا..
من حسن حظي، أن عمر كان رجلا هادئا في غاية اللطف، صاحب تربية محترمة.. له خبرة بالحياة في دول الغرب.. فقد عاش فترة من حياته ما بين فرنسا وانجلترا وكندا، إما للدراسة أو لاكتساب خبرات عملية قبل ممارسة الشغل.. كان يكبرني بأكثر من عشرين سنة.. ثلاثة وعشرين بالضبط.. حاول بجميع الطرق مسايرتي حتى هدأت ولانت أعصابي.. كرهت كل ما يتعلق بأهلي.. مكالماتهم بالهاتف الثابت رفضت الرد عليها.. لم أغفر لهم تخليهم عني بهذه السهولة.. اعتبرت عائلتي مقتصرة على عمر وأسرة أختي. كنت أتحدث طويلا مع أختي "علياء" المقيمة بعيدا عني بمدينة مراكش.. فوجدت نفسي أمام واقع لا خلاص منه.. مثل وحش شرس تم تدجينه في قفص.. لم يبق أمامي إلا الانسجام والتسليم بالمصير. كان من حسن حظي أن عمر أحبني، وساير طلباتي، فقبل تسجيلي في كلية الحقوق لدراسة القانون. وأدخلني إحدى القاعات الرياضية للهروب من الروتين وكسب بعض الصديقات.. حتى في الفراش لم يكن ملحاحا أو أنانيا.. باختصار قام بكل جهوده ليعيدني إلى واقعي.. وقدري.
كان هدفي في الواقع من الدراسة الجامعية أن أجد فرصة للخروج، والهروب من الروتين الذي يخنق حريتي ويحشرني في خانة ضيقة مجهولة لا أعرف دروبها. بدأت التعرف على ثقافة المجتمع الذي نقلت للعيش فيه رغم إرادتي.. لكني اضطرت للعودة في نهاية المطاف للبيت قبل أن أحصل على الإجازة.. أصبت بصدمة مباغتة غيرت طموحي وألزمتني بالانعزال من جديد بعيدا عن العالم كله.. لا أحد استطاع إقناعي بتكرار السنة الثالثة لأحصل على الإجازة، لأني صممت على التوقف بحجة أني لا أرى فائدة من ذلك، خصوصا بعد أن صرح لي زوجي أنه يفضل احترام العادات التي قلما تسمح للمرأة بالعمل هنا.. وأنه لم يكن ينوي السماح لي بدخول سلك التوظيف.. فهو مثل شباب البلد الأصلاء، يعتبر خروجي للشغل تنقيصا من قيمته واحتقارا لكرامته كرجل في نظر أهله وأصدقائه.. عبر لي مرارا أنه لن يوافق على انخراطي في أية وظيفة حكومية فضلا عن مهنة المحاماة التي تعطي للمرأة حرية السفر بعيدا خارج المدينة والإقليم.. ويبدو، بسبب إصراري المباغت على توقيف الدراسة، أني تعرضت لهزة لم أخبر أحدا بأسبابها وظروفها.. انكفأت على نفسي داخل البيت مكتئبة مدة طويلة.. لم أعد أغادره إلا صحبة زوجي.. ونظرا لسوء حالتي النفسية أخذني عمر إلى مراكش وتركني هناك صحبة أختي طلبا للراحة، عسى أن أستعيد حيويتي ونشاطي وأنسى ما لحقني من اكتئاب..
كنت دخلت في صداقة خفيفة مع شاب لطيف يدرس معي في نفس القسم.. وجدته عاقلا شبه معزول عن بقية الطلاب.. يبدو خجولا وكأنه خائف على الدوام من شيء مجهول.. لكنه وسيم وخلوق، ساعدني مرار دون أن أطلب منه أية خدمة.. يسجل لي الدروس إن تغيبت.. يرافقني عند حضوري، متنقلا معي في مقهى الكلية أو بحديقتها الغناء، أو بالمكتبة بحثا عن مراجع، بل يستنسخ لي بعض الوثائق على حسابه.. ذات صباح عرض علي الخروج للتنزه في المدينة فوافقت بفرح.. أدخلني إلى مقهى وأدى ثمن قهوتي.. استمرت العلاقة بيننا حتى ألفته وتعودت عليه.. عبرت له عن حالتي ومصيري المظلم.. شعرت أنه الشخص الوحيد الذي أحس بي، وقام بمواساتي بصدق.. بالغت في الاتصال به ومرافقته.. ربما شعر بأني بدأت أميل إليه فاقترح علي مرة بخجله المعهود، أن أعتذر لزوجي في موعد الغذاء، لأنه كان دائما ينتظرني بسيارته خارج الكلية.. قبلت دعوته بحجة أني ملزمة بإتمام أحد الدروس في المكتبة... بدلا من ذلك دعاني للغذاء معه في بيت أهله القريب من الكلية.. لم أفكر كثيرا، شعرت بسعادة لا توصف لأن شابا ليس من أسرتي يعزمني للغذاء، فوافقت فورا..
دخلنا البيت، فوجدته فارغا.. كان أهله مسافرين في عطلة قصيرة.. لم أر مانعا في دخول المطبخ لإعداد الطعام، بصفتنا أصدقاء في غاية التفاهم والمودة.. لكني فوجئت به يقف خلفي.. يركز بصره فوق عنقي وشفتاه مفتوحتان كأنه يريد أن يعانقني أو يقبلني.. أسقطني في ورطة.. ربما كنت داخليا أنتظر مثل هذه المبادرة بدوري. بل تخيلت مرارا أن شيئا من هذا ستحصل بيننا بالضرورة.. لهذا لم أنصدم من المحاولة.. أحاط عنقي بذراعه وضمني لصدره وقبلني.. شعرت لأول مرة بمعنى أن تكون القبلة صادرة من قلب مماثل يخفق بسرعة بدقات مسموعة، ذات قوة خارقة مماثلة لقوة جسد محروم من الراحة والأمل والحرية.. أغمضت عيني وأحسست برعشة تنتشر كالدبيب في كل جسدي. كدت أنهار لأن ركبتاي تخوناني.. ضمني بقوة مرتبكة لصدره فأحسست رجولته تنتفخ بين فخذيه.. زادت حرارتي وانحبست أنفاسي وزاد ارتعاشي وعجزت عن القيام بأي شئ.. وقفت متمايلة شبه مترددة بين حالتين.. أوقف مسلسل انهياري أو أرفع من سرعته.. لم أنتبه لنفسي حتى وجدته يحملني ويقطع بي مسافة كي يضعني فوق فراش وثير.. بدأ ينزع ملابسه.. عاودتني رغبة التوقف والرفض لكن هيهات.. كنت منهكة ولساني ثقيل وجسدي مرتخ وكل خلاياه متوقفة على ما يصدر عن صديقي من حركات.. حائرة بين مشاعر مضطربة وأخرى غريبة، لا هي رافضة ولا هي راغبة.. تركزت نظراتي على جسده المنتصب كهرم أمامي بكل استقامة، وعضوه يتراقص مزهوا مثل ملاك سماوي جاء يهنئ عروسا في ليلة عرسها.. أغمضت عيني راجية أن يحملني الملاك معه في رحلة عودته لأبعد النجوم..
خطر لي لحظة أني أنتقم من مصيري وقسوة أهلي وسوء حظي.. لم أتصور نفسي بين يدي شاب غريب، بقدر ما أحسست باستعادة روحي الضائعة وانتعاش معنوياتي.. كلما أوغل داخلي وزادت قبلاته كنت أحس أني فزت بحقي واسترجعت أمرا سبق أن ضاع مني.. قلت لنفسي هذا هو الحب الذي سمعت وقرأت عنه وشاهدته مرارا في الأفلام.. هذا ما كان أخي يخاف أن أعرفه وأسقط فيه هناك بكندا، لكن السماء أنصفتني وأرسلته لي رغم إرادته. استمرت لعبة الهروب لبيت أهل الرفيق بيننا مدة شهر تقريبا.. ثم صحوت.. كان لا بد أن يستيقظ ضميري فجأة بعد أن استرجعت أعصابي وتخلصت من ركام توتراتي وكبتي..
ما هو ذنب زوجي المسكين كي أفعل به ما فعلت؟ من شدة تأنيب الضمير بدأت أجد العذر لأخي وعائلتي.. أصبحت مقتنعة بأني فعلا من طينة مختلفة عن أهلي.. طينة رومية معجونة بهواء وتراب بارد لا يعرف الشمس.. فكيف أراعي مشاعر رجل تزوجني دون معرفة سابقة، ودون حتى أن يراني؟ كيف أفكر مثلهم حسب مفاهيم لم أرضعها في بلد الجليد مثل الشرف أو السمعة أو الكرامة أو الخنوع والطاعة غير المشروطة؟ كيف أسلم جسدي وإرادتي لرجل يريد أن يتملكني ويتحكم في مصيري؟ حاولت إيجاد سبب معقول يبرر خيانتي لزوجي فلم أجده.. لم يسبق له أن ظلمني أو ضربني أو أساء معاملتي أو رفض طلباتي، أو خانني، لكني فشلت في إيجاد أي حجة تبرر خيانتي.. حزنت وعنفت نفسي وقسوت عليها.. استيقظ ضميري فقررت مغادرة الدراسة رغم حرصي على نيل الشهادة ولم أخبر أحدا لا عن سبب هجراني المباغت للدراسة ولا عن الذي حصل مع زميلي.. ظل صديقي المسكين يحاول الاتصال بي مرارا.. بلغت به المغامرة أن رأيته يطاردني حتى عندما أخرج ممسكة بذراع زوجي.. في النهاية تفهم الأمر واختفى عن نظري إلى الأبد..
رغم أني لم أخبر أحدا بما وقع، إلا أن الطائر عندما يخرج من القفص لا يعود إليه بنفس تصرفاته السابقة.. انفتحت عيناي على الحياة.. حدث تحول خفيف في سلوكي.. كانت الأيام اللذيذة التي عشتها خلال مغامرتي كافية لأشعر أن أمورا كثيرة تنقصني.. أصبحت أكثر شجاعة.. تمر بذهني أحيانا فكرة إعادتها، لكني أطردها بسرعة وتشنج مخافة أن أضعف أمام إغرائها.. لاحظ زوجي مستوى الحيوية الجديدة التي جنيتها من التجربة ففرح.. اعتقد المسكين أني أخيرا تعقلت وانسجمت وتلاءمت عقليتي مع طبيعة ونمط الحياة التي فرضت علي.. بداخلي أقنعت نفسي أن الذي حدث لي كان سببه الاضطهاد العائلي.. انتفاضة ضد كل من عمل على إلغاء وجودي وحريتي وإنسانيتي.. تعجبت واستغربت طيف انفجرت في لحظة ضعف مشاعر عميقة وقوية من طرفي.. لم تكن حبا ولا تعلقا بل هي فقط ألفة.. لكن ما حملته من غضب وكبت فجرني وأسقطني لقمة سهلة في حضن صديق لا تربطني به سوى حجرة الدراسة.. لهذا هجرت الجامعة وقررت ألا أعود لنفس الغلطة مهما وقع.. الأسباب تغيرت، والنهر الأصيل القوي لا يغير مسار حقيقته أبدا..
بعد حوالي سبع سنوات من زواجي، حل بالعائلة حدث يستدعي تجمع الأسرة كلها من جديد.. ذلك أن بنت أختي تزوجت في مراكش.. لم يكن فارق السن بيني وبينها كبيرا.. اسمها "خديجة".. سنها لا يتعدى السابعة عشر.. كنت أحبها كثيرا وأتفاهم معها، حتى أننا عندما نلتقي، نسهر معا طيلة الليل ضاحكتين، كما يفعل الأطفال.. نلعب ونتحدث عن كل شيء، بما في ذلك حكايات الحب والغرام.. أكاد أندفع أحيانا لأحكي لها ما وقع لي بالكلية.. إلا أني أمسك لساني بعد أن أتبين أن المغامرة ليست مناسبة ولا مضمونة، خصوصا باعتباري خالتها المتزوجة التي يفترض فيها أن تكون قدوة في الصبر والاستقامة والإخلاص.. خالتها التي يستحيل أن تخطئ وتلطخ سمعة الأسرة.. كنت أحدثها فقط عن بعض الطرائف التي تقع لي مع زوجي.. كان القاسم المشترك بيننا هو التشكي من سوء الحظ الذي حرمنا من تجربة الحب في جو تغمره الحرية والطمأنينة قبل الزواج... فحتى خديجة هذه، طلبها أحد معارف والدتها، وهو مهندس معلوميات تخرج حديثا وسارع لعقد زواجه من البنت التي اختارتها أمه.. مع أن الخالة وابنتها والمهندس نفسه كانوا بعيدين عن مقر إقامتي، بحيث أنهم يعيشون في مراكش.. كان سن الزوج الجديد يعادل تقريبا عمري أنا، خالة زوجته خديجة.. وكم أسعده أن تكون الخالة أقرب صديقة مفضلة من طرف زوجته.. فلما جرى نقله للعمل إلى الرباط، أصبح من السهل على أسرتينا أن تلتقيا في مناسبات متقاربة سواء في الرباط أو في وجدة. علمت فيما بعد أنه حصل على تكوينه العالي في إحدى الجامعات الكندية بدوره، مما جعل التفاهم والتقارب بيننا أسهل..
مضت عشر سنوات ولم تظهر على علامات الحمل.. بدأت سمات الضيق تلوح على زوجي وعلى عائلته بعض الشئ.. خصوصا بعد أن رزقت "خديجة" في السنة الأولى لزواجها بولد.. أصابته لوثة عارمة شبيهة بالحسد وبدأ يضعف تحت تساؤلات أهله وخاصة أمه. انطلقت زياراتنا لأطباء بالمدينة أولا ثم في مدن أخرى.. أحدهم نصحه بالتريث بعد أن حدثه عن حكاية زواجنا.. فقال له:
= أجرينا كل الفحوصات الممكنة.. لم نجد شيئا يعوق الإنجاب، لا من جهتك ولا من ناحية المدام.. ربما يكون لديها ردة فعل نفسية تؤثر على الخصوبة، يعني ربما أصبحت مسألة أعصاب أو ما يمكن تسميته الاستعداد الفطري للأمومة.. يبدو أنها نفسيا ترفض الزواج خاصة لأنه تم بدون إرادتها.. عليك بزيارة طبيب نفسي مختص يفهم في هذه الأمور.. ربما يدلكم على وسيلة لتجاوز الإعاقة النفسية..
في أحد أيام العطلة.. أيقظني عمر من النوم صباحا ليخبرني بأنه قرر السفر لزيارة طبيب مشهور بفرنسا.. كان قد أعد كل الترتيبات، وحدد الموعد واقتنى تذاكر السفر ولم يبق سوى إعداد الحقائب.. لم ينس أن يتقمص هيئة الزوج المتفائل.. لأنه لم يفتأ طول الطريق يكرر على مسمعي هامسا.. خيرا إن شاء ****.. ستحل المشكلة بإذن ****.. لكن لا شيء تبدل بعد مرور سنة ونصف على زيارتنا لهذا الطبيب..
كانت حياتي تمضي رتيبة باستثناء يوم الأحد. استثنيت هذا اليوم، لأن زوجي تغيرت طباعه وبدأ يكتئب بدوره.. أصابته هلوسات من شدة النصائح والخزعبلات التي يستمع إليها من أصدقائه هنا وهناك.. أصبحت له عادة غريبة.. كنا نستبضع اللوازم يوم السبت صباحا، ونغلق باب البيت خلفنا عند الظهر لا نغادره حتى صباح يوم الاثنين.. يقوم ليعد ما لذ وطاب من أشكال الطعام.. سمك وجبن ومملحات، ومقشرات.. يخرج من الثلاجة زجاجة الويسكي التي اقتناها أمس.. يعريني ويحممني ويستحم، يلبس فوقية خفيفة ويتركني نصف عارية أمامه.. يسقيني كأسا، ويبدأ في ابتلاع بقية القنينة حتى وقت متأخر.. بين حين وآخر يدعوني للفراش.. كان معتقدا أن عليه أولا أن يحرثني جيدا لعل لبذوره أن تثمر أخيرا.. غير حتى طريقة ممارسته.. لم يعد يستلقي فوق صدري ليأخذنني مواجهة.. بل يديرني في وضع كلبة ويطعنني حتى أعماق الرحم من الخلف.. مقنعا نفسه أن ماءه لا يصل إلى الهدف... كان مثل غريق يتمسك بأي قشة عساها تنقده.. صار مهووسا إلى درجة البكاء عندما يسكر.. غير أن سلوكه الأسبوعي هذا لم يكن يمنعه من مواصلة صلاته وأدعيته في باقي أيام الأسبوع..
في باقي الأيام، أقضي وقتي أستمع للراديو أو أقرأ روايات غرامية يشتريها زوجي رغما عنه لإرضائي.. أسافر كل شهر لرؤية بنت أختي بالرباط.. وحدي أو برفقة زوجي.. أو نشد الرحال معا إلى مراكش لنزور أختي. نقضي معها أسبوعا أو أقل، ثم أرجع لوحدتي وعاداتي وبيتي.. أحيانا أرافق زوجي للقيام بزيارات خفيفة لبيت والدته.. أو أستقبل زيارة من الأخت بعد شهور من الغياب.. كان يضطر للتظاهر بالتسامح والانفتاح، فسمح لي أن أصادق بعض الجارات أو أصاحب صاحبة صالون الحلاقة الذي أتردد عليه بين حين وحين.. مع إبقاء المراقبة المتشددة طبعا.. مرة واحدة اضطررت للسفر من جديد إلى كندا عندما توفى أبي بغتة بسكتة قلبية.. رافقني زوجي بالطبع ليضمن عودتي.
رغم طقوس الموت والدفن والعزاء، شعرت بسعادة داخلية.. تنفست الهواء الذي أعرفه، وتفتحت وانشرح صدري فجأة. مثل حيوان أعيد إلى بيئته التي تربى وترعرع فيها.. أخذت زوجي في زيارات لمدارسي القديمة.. سألت عن بعض الصديقات وترصدت أخبارهن. منهن من اشتغلت بعيدا، ومنهن من هاجرن إلى أمريكا وقليلات تزوجن.. بعد عشرة أيام عدت خائبة مكتئبة إلى بيتي بالمغرب مصحوبة بوالدتي لأخفف عنها قليلا ألم الفراق والموت..
كان عمر رجلا من النوع الذي يطلق عليه صفة "بيتوتي".. طبيعة المدينة نفسها لم تكن تسمح له بالكثير من النشاط أو الفسحة بحكم طبيعة عمله.. المقاهي عددها محدود، ومستواها متواضع. لم تكن هناك لا مسرح ولا صالات سينمائية كثيرة. ما هو متوفر منها يعرض أفلاما قديمة معظمها هندية.. صباح كل سبت أرافق زوجي إلى السوق المركزي للتسوق.. نتناول طعام الغذاء خارج البيت ونعود إليه مباشرة.. المدينة صغيرة وعمله من الحساسية بحيث يجعله معروفا من طرف أغلبية السكان، خاصة في وسط المدينة حيث يكثر الزحام.. فالمركز هو المكان الوحيد الذي يهرب إليه الجميع.. يغريهم التجول ومشاهدة بعض المآثر والأسواق، أو يملؤون بعض المقاهي الحديثة.. كنت أحرص على زيارة الحديقة كلما سنحت لي الفرصة، خاصة عند زيارة أختي، آخذها لنتفرج معا على أفواج العشاق والمحبين.. يتعانقون أو يختبئون خلف الأحراج وتحت الأشجأر. أسلي نفسي بالعشق المفقود من حياتي وأهرب من توتري وقدري.. الحديقة تذكرني، مع وجود الفارق، بالغابات الكثيفة في موطني الذي حرمت منه. كان بوسعي أن أمضي وسط أشجاره العالية مسافات لا حصر لها حتى أمل أو أتعب. غابات رمادية يغطيها السحاب والضباب من كل الجهات.. بين حين وحين أجد نفسي أمام برك مائية عريضة وممتدة حتى الأفق البعيد كأنها بحر بلا حدود..
إلى أن جاء يوم ربيعي مشرق.. عاد زوجي من عمله قبل موعده المعتاد.. أعددت له كأس الشاي الذي يحب.. وجلست أتفرج في أحد المسلسلات التركية كالعادة.. كان هو يحتسي كأسه ويعيناه تحملقان في الفضاء بدون هدف.. بين فينة وأخرى يحول بصره نحوي.. بدا أنه يفكر في أمر يحيره ولا يجد له مخرجا.. فجأة طلب مني أن أجلس قريبا منه.. حين اقتربت، خيل لي أنه يبكي.. استغربت لكنه سألني بصوت خافت:
= لا أدري كيف أشرح لك ما أفكر فيه.. باختصار.. قررت الزواج من امرأة أخرى.. امي وأهلي يرغبون في الخلفة... إن شئت..
لكني قاطعته بصرخة قوية أفزعته:
= كيف.. ماذا تقول؟ كيف تريد أن تتزوج؟ وأنا؟ ما هو مصيري؟
= أرجوك.. لا تصرخي في وجهي هكذا.. لا بد لي من الخلفة.. ستكونين أنت سيدة البيت وكل شيء بيدك.و..
= لا أقبل ضرة معي في بيتي.. إما أنا أو عليك أن تطلقني..
= من فضلك.. لا تذكري هذه الكلمة.. أخوك وأهلك لا يستحقون مني هذه المعاملة..
= تفكر في أخي وأهلي ولا تفكر بي أنا؟ يا للعجب.. أي تفكير هذا؟
= أرجوك، خذي الوقت الكافي وفكري في اقتراحي..
= لا ينفعني التفكير بعد الذي تقول.. إما أنا أو الضرة.. هذه كلمتي الأخيرة..
اتصلت في تلك الليلة بأمي وأختي.. وأخي.. أسفرت الاتصال عن ضرورة الانتظار قليلا.. حين سألت عن الداعي، أخبرت أن أخي يشتغل ومن الضرورة انتظار موعد عطلته الصيفية.. لأنه الشخص الوحيد الذي سيرافقني خلال السفر.. غير أني راهنت على السفر وحيدة.. لأول مرة ساندتني أمي بقوة.. بدا لي أنها استعادت جزءا من شخصيتها التي ضيعتها فترة الزواج وجعلتها مجرد ظل تابع لوالدي.. استماتت كي تستعجل عودتي للبيت.. ربما اكتشفت بحسها الأنثوي أنها أخطأت في حقي.. كانت هي التي اقترحت أن تقوم أختي بموافقتي.. تطلب الأمر زهاء أسبوع كي يرسو الاختيار على زوج "خديجة" بحكم تعودي عليه ونظرا لمعرفته الكبيرة بالبلد الذي نتجه إليه..
أمضيت الأسبوع في جو خانق. عبثا حاول عمر زوجي السابق أن يشرح لي الوضع.. أو يعبر عن تأسفه، لكني كنت مصرة على البكاء والصمت والانعزال وحيدة في غرفة بعيدة عن فراش زوجي.. اتصلت بخديجة لمعرفة تفاصيل السفر.. تكلف أخي بأداء ثمن التذكرتين وبعث نسخة منهما عبر البريد الالكتروني للمهندس زوج خديجة.. كان طريق العودة هذه المرة عبر فرنسا، لأن مقاعد الطائرة المغربية كانت ممتلئة في اليوم المحدد.. ثم ظهر أمامي مشكل جديد.. كيف سأنتقل من مدينة وجدة إلى الرباط، حيث ينتظرني حضرة المهندس، وحيث من المقرر أن نحل بمطار العاصمة باكرا لنركب الطائرة المتوجهة إلى باريس على الساعة السابعة..
شعرت كأن الجميع يعاملونني مثل فتاة في الرابعة.. الطلاق جعلني أحس كما لو أنهم حذفوا من عمري عشرين سنة دفعة واحدة.. تحملت الإهانة ساكتة رغم أن التنقل عبر القطار لن يعرضني لأي خطر محتمل، اللهم إلا إذا اعتبروني ساذجة أو عاهرة تعرض نفسها لأول من يتحرش بها.. في النهاية تكفلت والدة عمر بمرافقتي إلى العاصمة متحججة بقضاء بعض المصالح في الإدارة المركزية لمكتب التقاعد حيث كانت بحاجة لدفع شهادة الحياة لضمان الحصول على أجرة التقاعد..
في بيت "خديجة" تغيرت.. مشاعري حائرة بين الفرح والألم.. بين لذة الحرية وألم الفراق.. ليس سهلا على أي كان أن يدعي السعادة لمغادرة شخص تعود على رفقته كل يوم لمدة تقارب عشر سنوات.. عرفته منذ السادسة عشر وفارقته وقد بلغت الرابعة والعشرين.. لم أستطع النوم تلك الليلة.. فقد عاملتني ابنة أختي كما لو أن أحدا من أعز أقاربي قد توفي.. بدأنا السهرة بالبكاء وسرعان ما حولناها إلى ضحك بسب قفشات زوجها الذي شاركنا السهرة.. في الرابعة صباحا غادرنا البيت.. أوصلتنا "خديجة" بسيارة المهندس إلى المطار.. ودعتنا فوجدت نفسي وجها لوجه مع زوجها.. أعترف أني صدمت قليلا.. غير أن شخصيته لم تترك لي أي فرصة للشعور بالضيق أو الخوف أو الخجل.. بمجرد العبور إلى الجانب الدولي من المطار شعرت بانشراح خلصني من بقايا التحرج والتردد.. كأني أستعيد طرفا مني غادرته زمنا طويلا.. كان علينا أن ننتظر الطائرة المتجهة إلى كندا من الساعة العاشرة صباحا حتى الرابعة ظهرا.. هي فترة تمتد قرابة ست ساعات دون أن نغادر المطار.. كانت مدة كافية لأكتشف أن زوج خديجة الذي أعرفه ليس هو هذا الرجل الذي يرافقني.. بدا لي أكثر جرأة وشجاعة.. أخذ يحدثني عن أشياء لم تخطر لي أبدا على البال. سألني إن كنت أفكر في المستقبل.. لم أفهم غرضه من السؤال.. فهمت منه مباشرة كما لو أنه يريد معرفة ما إذا كنت أفكر في زواج آخر.. بينما اتضح بعد قليل أنه يسألني عن مواصلة التعليم الجامعي بما أن شهادة البكالوريوس لا تتقادم بكندا، ويمكنني حسب قوله أن أسجل نفسي بأي جامعة أو شعبة هناك..
شيئا فشيئا، طال الجلوس فأخذنا نتحدث في أشياء مختلفة.. نحكي لبعضنا عن تجارب ومغامرات وحكايات لا نتحدث فيها عادة بحضور بقية أفراد الأسرة، ولا سيما نساؤها.. بدا أن ضحكي ورغبتي في مواصلة الحديث شجعته على تخطي حدود المسموح به.. أول مرة أقتنع أن عمره مثل عمري.. وأنه رجل منفتح إلى أبعد الحدود.. شعور حسسني ببعض الحسد لابنة أختي.. ما أجمل أن يكون الزوج مرحا ضاحكا وهادئ الطبع، شجاعا، قابلا للتضحية، متعلقا بعائلة زوجته إلى هذا الحد..
بدأت أنتبه لشكله أيضا.. كان مربوع القامة واثقا بنفسه إلى حد كبير.. مثقفا يحسن التحدث بثلاث لغات.. أسمر قليلا كسائر أهل مراكش.. رياضيا خفيف الحركة وصاحب نظرات ثاقبة وعينين بلون العسل.. حجم أنفه يشكل بضخامته نشازا بالنسبة لشفتيه وعينيه.. كان ضخما بارز الأرنبة.. غير متناسق مع وجهه المستدير مثل كرة، وفوقه شعر خشن قصير مثل حبات الشاي أو بقايا القهوة.. لكن جسمه معتدل بدون كرش متدلية.. تذكرت زوجي فشعرت برغبة في الضحك.. سألته كيف لا يحرجه حجم أنفه فأجابني بسؤال يبعث على السخرية.. قال: "لا تسألي عن أشياء إن شرحتها لك ستغضبك"
فلما طلبت منه أن يشرح قال: "ألم تسمعي بالمثل القائل، الأنف هو مقياس عضو الرجل؟" ثم ضحك فقلدته.. تذكرت بطن زوجي فابتسمت.. سألني عن سبب الابتسامة.. اضطررت أن أضحك بطلاقة بكل طاقتي حتى دمعت عيناي.. أخبرته عن كرش زوجي التي تغطي ما تحت الصرة، مما يجعله يقف أمام المرآة حين يرغب في رؤية متاعه، لأنه لا يقدر على رؤيته بدون مرآة.. ضحك معي ولم يقف عند هذا القدر.. سألني: "ولماذا يضطر للوقوف أمام المرآة؟ هل كان متاعه من الضمور والقصر لدرجة الاختفاء؟".. أجبته ضاحكة: "يقول المثل إن توضيح الواضحات من المفضحات"
لم نشعر معا أن طول الانتظار يدفعنا بسرعة إلى عالم لم نتخيله.. من كان يتصور أنني سأكون مرتاحة مع هذا الرجل بالذات إلى درجة التحدث عن نكت إباحية أو وصف حميمية كانت منذ أسبوع فقط مقدسة؟؟
لم نشعر أن الوقت يمضي بسرعة.. فجأة سمعنا مكبرات الصوت تطلب منا الانتباه.. ثم تخبرنا بأن الطائرة بها عطب يستدعي تأخير السفر إلى ساعة متأخرة بالليل. مما يعني أن زمن الانتظار سيتضاعف.. ليس هذا في حد ذاته مشكلا.. لأن شركة الطيران تكفلت بتقديم وجبة العشاء لكافة الركاب..
انطلقنا نتجول بين محلات بيع العطور وأنواع الخمور والسجائر ومتطلبات السفر عبر الطائرات.. دخلنا عدة محلات صغيرة تبيع أنواع الساندويتشات والطبخات السريعة.. مع ذلك صار الوقت يمضي الهوينى أثقل من الحجر.. جلسنا لاحتساء كأس من قهوة نيسبريسو السريعة.. وعدنا لحديثنا نتسلي به عن تمطط وكسل عقارب الساعة.. لاحظت أن موضوعه المفضل هو النميمة والسخرية من العابرين، لا سيما الإناث.. عاد لقفشاته.. يصف هذه بدقة، واصفا جمال وجهها وقامتها وشكل مؤخرتها.. يسخر من حجم الأخرى.. يعلق متنهدا حين يرى بعض العشاق يقبلان بعضهما.. فجأة قال:
= يبدو لي أن الطائرة لن تقلع الليلة نحو الهدف
= كيف تقول هذا وقد أخبرونا أنها تأخرت للمساء
= يحدث مرارا مثل هذه الأعطاب، وفي الغالب لن يسمح للطائرة بالإقلاع في نفس اليوم..
= وماذا يجب علينا القيام به في مثل هذه الحالة؟
= لا شيء.. ننتظر. أما بالنسبة للمبيت فلا تخافي.. الشركة ستحجز لركاب الطائرة في أقرب فندق ريثما يتم التأكد من سلامة السفر
هكذا حدث فعلا ما قاله حضرة المهندس.. سمعنا بعد حوالي ساعتين أن الطائرة ألغيت، وأن السفر سيتم غدا عبر طائرة أخرى في الصباح الباكر.. التمس المتحدث من الركاب أن يتوجهوا لمكتب يمثل الشركة للحصول على بطاقات تمكنهم من الحصول على غرف في أحد الفنادق.. ركبنا الميترو داخل المكار ليوصلنا لفندق غير بعيد.. حجزنا غرفتين وعدنا إلى المطار نتجول في المحلات، ونتناول طعام العشاء..
حين رجعنا للفندق دعاني المهندس لمرافقته لغرفته لنسهر قليلا حتى يحين وقت النوم.. أخرج زجاجة نبيذ اشتراها أثناء تجولنا من أحد المحلات.. كان معه كؤوسا ورقية وبعض المكسرات.. وضع الزجاجة وما معها على طاولة صغيرة.. شربت معه كأسين واكتفيت.. وأكملنا الحديث في كل شيء وفي لا شيء.. انتقل الحديث كما كنت أتوقع لبعض الحكايات الحميمية.. بدأ يكلمني عن مغامراته القديمة في فرنسا وكندا، وحتى بالمغرب أثناء الدراسة.. وسألني صراحة عن مخزوني من التجارب فضحكت قائلة: "صفر في صفر"
ضحك معي وقال: "هذا غير معقول" وانطلق يمدح جمالي وعقلي ويستغرب كيف لا تكون لي ولو تجربة واحدة.. لم أشعر إلا وأنا أندلق كسطل مملوء بالماء.. بدأت أروي قصتي مع الطالب الزميل بدون خوف أو تحفظ.. علق على حكايتي قائلا:
= كنت شبه متأكد من هذا، لأنه لا يعقل في مثل حالتك أن تصبري لما وقع لك.
= لم أتعمد فعل ما حدث.. وجدته يحدث وأنا أفرج مستسلمة بدون قصد مسبق..
= قلت لك هذا أمر طبيعي.. وأنت في الحقيقة لست مخطئة.. كان لا بد لك من الانتقام لتستردي توازنك وثقتك بنفسك.. ولذلك شعرت بتأنيب الضمير..
= كانت تجربة قاسية ومؤثرة وسببت لي اختلالا كبيرا.
= طبيعي.. لكن مع ذلك أعتبر أن من حقك أن تنفسي عن الغضب، وتردي الدين لمن أرغمك على الزواج من شخص لا تعرفينه
= هو كذلك فعلا.. الحمد *** أني الآن أستعيد حريتي، خصوصا بالنسبة للدراسة
= أظن أنك تخطئين مرة ثانية
= كيف؟
= هل تظنين، أنك بعد الطلاق ستقدرين ولو بكندا أن تتمتعي بحريتك كاملة.. أقصد ترجعين للدراسة وتعقدين علاقات مع زملاء وزميلات.. وتعودين لما يعرفه الطلاب في بلد مثل كندا؟
= ولم لا؟ كندا بلد حريات وأسرتي لن تمارس علي نفس السلطة كما فعلوا في المغرب
ابتسم ونظر إلي مستغربا:
= أعتقد أن حياتك بالمغرب جعلتك ساذجة وسطحية إلى حد كبير.. أمك نفسها ستراقبك.. نحن كمغاربة لا نقبل تحرير بناتنا خصوصا بعد الطلاق.. في الغالب ولهذا السبب لن يسمحوا لك حتى بتسجيل نفسك بالجامعة.. ما عدا إن كنت تحرصين على فك العلاقة نهائيا مع الأسرة.. ولا أظن أنك ستتحملين ذلك
= سأحاول على الأقل وسنرى ما يحدث بعد ذلك..
= المهم، أنبهك منذ اللحظة حتى لا تطلقي العنان لأحلامك.. ربما ستندمين حتى على حياة الزوجية رغم قسوتها.. أنت الآن امرأة ناضجة، فاتنة ومثيرة في عز قوتك وشبابك.. لن يظهر لأسرتك سوى الشكل المثير الذي يهدد شرفهم.. على الأقل، خلال زواجك سمح لك زوجك وساعدك لتدرسي بالجامعة.. ولولا هذا ما كنت ستجدين فرصتك المعلومة لتفجري الكبت والغضب.. في كندا لن تتوفر لك حتى مثل هذه الفرصة.. ستعودين للسجن بالتأكيد..
شعرت بالانقباض وأنا أسمع رأي مرافقي.. بدت لي وجهة نظره معقولة ومقنعة.. عادت لذهني مواقف كل من والدتي وأخي.. في الغالب أنهم سيكررون معي نفس السلوك.. والمعنى النهائي أني تخلصت من سجن نسبي لأعود إلى سجن أكثر قساوة.. ودعت المهندس وأنا في حالة سيئة أقرب للبكاء، ورغبت في الاختلاء بنفسي لعلني أجد مخرجا أو طريقة تغير معادلة عودتي، التي تهددني بفقدان حريتي بسبب العقلية المتحجرة لأهلي.
أحسست أن رأسي يدور.. ليس بفعل الكأسين فقط بل حتى بما سمعت من زوج ابنة أختي.. بدأت أفكر وأحلل وأتصور هل بإمكاني قطع الصلة العائلية لأتمتع بحريتي.. ولو قمت بهذا من سيصرف علي ويأويني؟ وكيف أستطيع مواصلة دراستي بدون مساعدة من أحد؟ العمل خلال العطل وحده لن يفيد شيئا.. لا بد لي من قبول الوضع القائم رغم أنفي..
تمددت على السرير الفردي وجعلت أتمعن في الفراغ.. كانت هناك نافذة صغيرة خلفها ظلام كثيف.. بين حين وحين يعلو صوت زمجرة محركات الطائرات العائدة والمغادرة.. لم أشعر بالنوم حين بسط رداءه على جفوني.. بعد حوالي ساعتين سمعت طرقا قويا على الباب.. عندما فتحته وقف أمامي المهندس ساخرا، وسألني كيف استغرقت في النوم إلى درجة أني لم أسمع دقاته القوية على الباب.. قال إنه خاف وكاد يطلب المساعدة لأنه توقع شرا.. دخل وأغلق الباب خلفه.. كان يحمل في يده زجاجة نبيذ جديدة، وفي يده اليسرى نفس الكاسين.
وضع الزجاجة على الطاولة وجلس أمامها وصب لنفسه كأسا.. بدا أنه أفرغ الزجاجة السابقة وحده.. ذهبت للحمام لأغسل وجهي وحين عدت وجدته قد صب لي كأسا ثالثة.. لم أتماسك نفسي فتناولتها دفعة واحدة بلا تفكير.. أملت أن تختفي من ذهني تلك الأفكار السوداوية التي زرعها المهندس في عقلي قبل أن أغادر غرفته.. شرب كأسه ونظر لي بعين واحدة وقد لوى عنقه، ثم سألني:
= هييه.. هل فكرت فيما قلته؟ كنت أتوقع أنك لن تتمكني من النوم. أعتذر لأني صحيتك.. على أية حال يجب أن نغادر الغرفتين بعد حوالي ساعتين من الآن..
= فكرت فعلا.. وفضلت النوم للهروب..
كنت أجلس قبالته فوق الفراش واضعة قدمي على الأرض..
= لقد نبهتك لتأخذي قرارا في الوقت المناسب.. يعني اغتنمي الفرص المتاحة قبل ضياعها جميعا..
أكمل حديثه وترك المقعد ليقف لحظة.. ألقى نظرة من النافذة وعاد يتحدث:
= على أي حتى لو ألقيت نظرة على مستقبلك لن تجدي سوى الظلام.. ثم استدار وجاء يقعد بجانبي. انتابتني قشعريرة خفيفة، وتخيلت أنه سيفقد صوابه تماما بعد قليل.. تراه افتتح موضوع عائلتي ليجد سبيلا ليكسر ما تبقى بيننا من جدار؟
مد لي كأسا أخرى فتناولتها من يده لأفرغها مباشرة وأعيدها فارغة..
= تمهلي فما قلناه مجرد احتمال وارد.. قد نكون مخطئين
= حيرتني يا هذا.. يبدو لي ما تقوله أقرب للصواب.. أنا أعرف أخي وأمي لن تخالفه الرأي.
أحاط كتفي بذراعه وقرب وجهه من وجهي..
= لهذا عليك أن تغتنمي كل الفرص.. كل الفرص.. هل تفهمين؟ ربما لن تتاح لك فرصة أخرى بعد اليوم..
أفرغ كأسه في جوفه وقبل خدي.. وجدت نفسي أعيش نفس الوضع الذي عشته مع الزميل الطالب.. خطفت شفتي المهندس في حركة خاطفة.. قبلة حارة كأني أختبئ فيه من خوفي وسوء حظي.. تراجع وجهه قليلا وحقق بصره في وجهي.. ثم سحبني وقبلني بنفس الحرارة.. أبعدته عني واستأذنته بأدب للذهاب للحمام.. هناك وقفت أمام المرآة أراقب حالتي.. عدلت الخصلات المتناثرة حول وجهي.. بذلت جهدي كي أستعيد هدوئي.. فكرت بسرعة أنني حرة ولن أخسر شيئا حتى لو كان كلام المهندس كاذبا.. قلت سأعتبر هذه التجربة آخر فرص لتحرري.. نسيت أني سأخون ابنة أختي.. عندما عدت نبهته أننا سنخون أختي وابنتها، فرد علي بسرعة:
= كأني بك تنسين أن أغلب الخيانات تتحقق مع الأقارب.. ابنة أختك رائعة ومكانتها محفوظة وأنت عابرة.. اعتبريني فاتحة خير وكفى.. لا تعقدي الأمور أكثر مما هي معقدة..
= ماذا سيكون موقفي حين أراها، أو حين نلتقي معا مرة قادمة.
= لا شيء، سنجد فرصة أخرى وثالثة إن شئت لنحيي تجربتنا العابرة هذه.. لسنا وحدنا من يفعل ذلك.. ثم ضحك وأجلسني مباشرة على فخذه..
اعترتني حرارة مباغتة.. كنت أكثر رغبة منه في خوض معركة صاخبة.. ما كاد يقبلني حتى شعرت برجولته تكافح تحت سرواله.. ظهر لي طيف عضوه منتصبا فانتفض جسمي وتصاعدت حرارتي.. كدت أمزق قميصه وأنا أزيله بعصبية فائقة.. وقفت ونزعت كل ملابسي.. السروال والجاكيت وحتى الكلسون.. لم تكن على نهدي حمالة لأزيلها.. ما تزال لم تغادر صلابتها بعد.. الحلمتان متصلبتان نافرتان.. دفعته حتى صار على ظهره.. تناولت العضو المنتصب كالحديد وبدأت ألعقه وأقبل رأسه.. بسرعة باعدت ما بين الفخذين ونزلت فوقه بكل ثقلي.. دخلني بسلاسة حتى بلغت الخصيتين.. لهفة فرجي الجائع ابتلعته بخفة.. جعلت أهتز كما لم أفعل منذ أوقفت علاقتي مع الزميل.. همس في وجهي متأوها لاهثا:
= دعيني أركبك كي أتمكن منك... ثم قلبني تحته.. رفعت فخذي وقدمي إلى أعلى حتى ظهر بينهما راسي.. كنت جائعة فانفتحت له كي يبلغ عمق رحمي.. كان هو هادئا عارفا وشاعرا بعذابي ومحنتي.. لم يهجم علي بل قبلني وأخذ يتلاعب بحلمتي ونزل يلعق كسي وما بعد الكس بين الردفين بلسانه.. شعرت به يلحس وردة دبري.. تراجع واضعا رأس بنانه فوق مدخل الشرج.. إحساس غريب لذييييييييذ لم أعرفه من قبل.. تنهدت ورأسي يتلوى.. بدأ يمسح بعضوه ما بين الردفين نازلا صاعدا.. مدده بطوله بينهما.. راسه في اتجاه غمازة ظهري وبيضتاه تلامس فرجي.. شعرت أن جسدي كله مفتوح يرحب بحرارته وشموخه.. وقفت رأس القضيب عند مدخل الشرج تحاول فتحه بدون عنف.. تلاعبه وتدغدغ عروقه وتثير أعصابه.. لم يكن معنا مرطبات فاستعمل ريقه ليسهل عليه ان يطل بعينه الوحيدة إلى الداخل.. حركته كانت بطيئة وهادئة.. كدت أجن وأنا أتلوى منتظرة طعنة قوية تريحني.. شعر بحرقتي فسحب القضيب ليمرره بين الشفرين ويضغط برأسه على البظر النافر..
= أرحني من فضلك، عليك اللعنة.. أدخله كله.. أي ي ي ي
لكنه تراجع من جديد ليزيدني عذابا كأنه يعاقبني.. تركت فخذي وتمسكت برأسه أسحبه نحوي.. حاولت أن أرسم بأسناني علامة على عنقه من حرارة مشاعري.. لولا أنه أدرك غايتي فأغرق قضيبه دفعة واحدة بداخلي.. صرخت وكدت أفقد سيطرتي على جسمي.. مع تكرار الطعن انفلتت مني أعضائي وراحت عضلات فخذي تهتز وترتعش بدون إرادتي.. انحبست أنفاسي فحاولت الانفلات من قبضته لكنه تمسك بي وجثم بكامل ثقله فوقي.. ظل قضيبه بداخلي.. خامدا بلا حركة قبل أن تصدر عني شهقة قوية.. فعاد يكمل هجومه العنيف حتى أرعشني عدة مرات..
بعد حوالي ساعة افترقنا.. تحممت وخرج هو شبه عار ليغتسل بدوره.. في الموعد المحدد كنا نسير كزوجين مرتاحين نحو المطار.. في الطائرة نام هو قليلا بينما كنت أحملق في وجهه الهادئ.. لم أسأل نفسي عن سبب ما حدث، ولا كيف استسلمت.. تماما كما حدث لي عندما التصق بي الطالب من الخلف ليوقظ غرائزي التي دفنت مع الزواج.. كنت ما أزال مستمتعة بتجربتي.. بدت لي أنها ربما قد تكون المصدر الوحيد لمتعتي في المستقبل لو تكررت.. هذا لو تمسك أخي وأمي بأفكارهما البالية.. فهل سيكون المهندس زوج ابنة أختي عاشقي ووسيلتي الوحيدة للتخلص من توتري في الأيام والسنوات القادمة؟ وهل فرصة لقائي به ستكون الفرصة الوحيدة والمضمونة أم ستتاح لي فرص أخرى للزواج؟