لا تلوموا أحدا.. الإنسان فارغ بطبعه
كثيرا ما أقرأ في وسائل التواصل الاجتماعي، وأسمع في الحياة اليومية أشخاصا يلومون الآخرين، ويعتبرونهم مصدرا لتعاستهم (تعاسة لحظية حينا وأبدية أحيانا). لكن ما يجهله الكثيرون أن الاقتراب أكثر من الناس يجعلنا نرى حقيقتهم والتي تكون في الغالب الأعم جيدة وإنسانية، وحتى إذا ما كانت هناك شوائب سرعان ما يمكن إزالتها. قوة الخير في كل إنسان هي الأقوى. هذا عن الطبيعة، أما تمظهر السلوك، فإننا صرنا نرى الناس أكثر عنفا.
الإنسان كائن فارغ بطبعه! وهذا موضوع فلسفي عميق ومثير للجدل، وقد تناوله العديد من الفلاسفة عبر العصور. ينطوي هذا المفهوم على أن الإنسان يولد بلا محتوى داخلي، وأن شخصيته وقيمه وأفكاره تتشكل من خلال التجارب الحياتية والتفاعل مع البيئة المحيطة.
أحد الفلاسفة الذين تحدثوا عن فكرة الفراغ الطبيعي للإنسان هو الفيلسوف الإنجليزي جون لوك. في كتابه "مقالة في الفهم البشري" (1753)، يشير لوك إلى أن العقل عند الولادة يشبه "لوحًا فارغًا" (Tabula Rasa). يعتقد لوك أن جميع الأفكار والمعارف تأتي من التجربة الحسية والعقلية، قائلاً: "ليس هناك شيء في العقل لم يكن موجودًا أولاً في الحواس". هذا التصور يعكس فكرة أن الإنسان ليس له طبيعة محددة أو محتوى داخلي عند الولادة، بل يتشكل عبر الزمن من خلال التفاعل مع العالم الخارجي. يُمكن القول إن لوك يرى الإنسان ككائن مفتوح على التأثيرات والتجارب، مما يجعله مرنًا وقابلًا للتطور.
أما جان جاك روسو، فيشدد على أن الإنسان يولد بطبيعة خيرة ونقية، ولكن المجتمع والبيئة هما ما يفسدان هذه الطبيعة. ويرى روسو أن الإنسان في حالته الطبيعية بريء وخير، ولكن المؤسسات الاجتماعية هي ما تملأ هذا الفراغ الطبيعي بالأفكار والعادات التي قد تكون فاسدة (كتاب "إميل أو التربية"، 1762). ويقول روسو، إن "الإنسان يولد حرًا، ولكنه في كل مكان مقيد بالأغلال". يعكس هذا القول الاعتقاد بأن الإنسان في جوهره ليس فارغًا بل مليئًا بالخير، إلا أن الفراغ الذي يتركه المجتمع يُملأ بأفكار وسلوكيات مقيدة.
ويقول سارتر إن "الوجود يسبق الماهية"، بمعنى أن الإنسان يوجد أولا ثم يُعرف بذاته من خلال أفعاله وخياراته.
تتعدد أقوال الفلاسفة في الموضوع، لكن أليس "الإنسان الفارغ" أفضل من الإنسان المليء بالشر خلافا لما نتداوله في لغتنا اليومية من اعتبار الفراغ قدحا؟
وهذا الفارغ، من المسؤول عن "ملئه" (أو تأطيره) في ظل تراجع أدوات التأثير البناء أمام الأمواج العاتية للتأثير الهدام، حتى لا يستسلم ما هو جيد أمام ما هو سيئ!
بقلم الأستاذ أحمد الجزولي كاتب وخبير في الحمامة الديمقراطية
كثيرا ما أقرأ في وسائل التواصل الاجتماعي، وأسمع في الحياة اليومية أشخاصا يلومون الآخرين، ويعتبرونهم مصدرا لتعاستهم (تعاسة لحظية حينا وأبدية أحيانا). لكن ما يجهله الكثيرون أن الاقتراب أكثر من الناس يجعلنا نرى حقيقتهم والتي تكون في الغالب الأعم جيدة وإنسانية، وحتى إذا ما كانت هناك شوائب سرعان ما يمكن إزالتها. قوة الخير في كل إنسان هي الأقوى. هذا عن الطبيعة، أما تمظهر السلوك، فإننا صرنا نرى الناس أكثر عنفا.
الإنسان كائن فارغ بطبعه! وهذا موضوع فلسفي عميق ومثير للجدل، وقد تناوله العديد من الفلاسفة عبر العصور. ينطوي هذا المفهوم على أن الإنسان يولد بلا محتوى داخلي، وأن شخصيته وقيمه وأفكاره تتشكل من خلال التجارب الحياتية والتفاعل مع البيئة المحيطة.
أحد الفلاسفة الذين تحدثوا عن فكرة الفراغ الطبيعي للإنسان هو الفيلسوف الإنجليزي جون لوك. في كتابه "مقالة في الفهم البشري" (1753)، يشير لوك إلى أن العقل عند الولادة يشبه "لوحًا فارغًا" (Tabula Rasa). يعتقد لوك أن جميع الأفكار والمعارف تأتي من التجربة الحسية والعقلية، قائلاً: "ليس هناك شيء في العقل لم يكن موجودًا أولاً في الحواس". هذا التصور يعكس فكرة أن الإنسان ليس له طبيعة محددة أو محتوى داخلي عند الولادة، بل يتشكل عبر الزمن من خلال التفاعل مع العالم الخارجي. يُمكن القول إن لوك يرى الإنسان ككائن مفتوح على التأثيرات والتجارب، مما يجعله مرنًا وقابلًا للتطور.
أما جان جاك روسو، فيشدد على أن الإنسان يولد بطبيعة خيرة ونقية، ولكن المجتمع والبيئة هما ما يفسدان هذه الطبيعة. ويرى روسو أن الإنسان في حالته الطبيعية بريء وخير، ولكن المؤسسات الاجتماعية هي ما تملأ هذا الفراغ الطبيعي بالأفكار والعادات التي قد تكون فاسدة (كتاب "إميل أو التربية"، 1762). ويقول روسو، إن "الإنسان يولد حرًا، ولكنه في كل مكان مقيد بالأغلال". يعكس هذا القول الاعتقاد بأن الإنسان في جوهره ليس فارغًا بل مليئًا بالخير، إلا أن الفراغ الذي يتركه المجتمع يُملأ بأفكار وسلوكيات مقيدة.
ويقول سارتر إن "الوجود يسبق الماهية"، بمعنى أن الإنسان يوجد أولا ثم يُعرف بذاته من خلال أفعاله وخياراته.
تتعدد أقوال الفلاسفة في الموضوع، لكن أليس "الإنسان الفارغ" أفضل من الإنسان المليء بالشر خلافا لما نتداوله في لغتنا اليومية من اعتبار الفراغ قدحا؟
وهذا الفارغ، من المسؤول عن "ملئه" (أو تأطيره) في ظل تراجع أدوات التأثير البناء أمام الأمواج العاتية للتأثير الهدام، حتى لا يستسلم ما هو جيد أمام ما هو سيئ!
بقلم الأستاذ أحمد الجزولي كاتب وخبير في الحمامة الديمقراطية