الفصل الأول
(عيادة طبيب. مكتب الدكتور. حجرة لها بابان. الدكتور سامي يخلع على عجل المِعطف الأبيض، ويرتِّب هندامه الخارجي بعناية بعد أن ينظر في ساعة ذهبية في معصمه. ويتأهَّب للخروج … جرس التليفون يدقُّ فوق المكتب.)سامي (يجري على صوت جرس التليفون) : ألو … أنا الدكتور سامي نفسه، مين؟ … أهلًا وسهلًا … حاضر يا فندم … عنوان البيت شارع القصر العيني … بعد ساعة أكون عندكم … قبل كده مشغول … بس خلِّيه ياخد مسهِّل. (يفتح أحد البابين ليخرج وهو يصفِّر بفمه مبتهجًا؛ فيصطدم بشخص حسن الهندام، داخلًا في هياج واضطراب) بسم **** الرحمن الرحيم! … جرى إيه؟ … ما لك يا نجيب؟
نجيب (وهو يلهث، يرتمي على أقرب مقعد) : اسكت … أنا تُوفِّيت!
سامي : حد قابلك من ايَّاهم … قلت لك ألف مرة اقصِر الشر وابعد عن الشوارع اللي بيطلعوا لك فيها أصحاب الدِّيون بالنهار!
نجيب (في صوتٍ مُتداعٍ وهو مُغمِض العينين) : مش ديون.
سامي : أمَّال إيه الحكاية … ما لك؟ ما تضيَّعش وقتي … أنا لازم أقابل خطيبتي حالًا … (ينظر في ساعته).
نجيب : ابعت حالًا هات لي واحد حكيم.
سامي : وأنا يعني أمَّال هنا طرطور؟
نجيب (ممدَّدًا على المقعد) : آه ياني … رحت خلاص مأسوفًا على شبابي!
سامي : اسمع يا نجيب … إن كان غرضك تتسلبط علشان عايز لك ريال أو نص ريال قل لي بلاش ضياع وقت.
نجيب : مش مسألة فلوس … بقول لحضرتك أنا ميِّت … هوَّ يعني علشان ما اكون ميِّت لازم يدفنوني في قرافة المجاورين؟
سامي : والكلام المفيد دلوقت إيه بقا؟
نجيب : الكلام المفيد، انِّي دلوقت مضروب بالرصاص.
سامي (في استغراب) : رصاص؟
نجيب : انضربت بالرصاص قدَّام «جروبي»
سامي : يا خبر! … بتقول إيه؟ … جَد يا نجيب؟ … وساكت ليه من الصبح؟ … فين؟ … (ينادي) يا عوضين! … التمرجي مش هنا … انت لازم لك إسعاف حالًا.
نجيب : أيوه اسعفني.
سامي (يدنو منه ويخلع ملابسه) : اكشف الجرح بسرعة … دخلت فين الرصاصة؟
نجيب (يشير إلى قلبه) : هنا!
سامي (في دهشة) : مش ممكن!
نجيب (يشير إلى قلبه بشدة) : بقول لك هنا.
سامي : مش معقول … انت يظهر ما عندكش فكرة عن الطب بالمرة.
نجيب : ما ليش دعوة بالطب … أنا بصفتي مضروب رصاصة أقول لك انها واقفة هنا … وانت حر، تصدَّق والَّا ما تصدَّقش.
سامي : دا القلب يا مغفَّل … رصاصة في القلب ولسه عايش؟ … انت عايز تطيَّر من عقلي حبة الطب اللي باكل بهم عيش!
نجيب : ومين قال لك اني لسه عايش؟
سامي : بتقول إيه؟
نجيب : بلغ عن وفاتي حالًا بصفتك حكيم!
سامي : لازم الرصاصة دخلت في عقلك!
نجيب : الرصاصة هنا في القلب.
سامي (يجس نبض نجيب) : مفيش حاجة أبدًا عندك … نقطة دم مفيش … النبض طبيعي … القلب سليم.
نجيب : القلب سليم … سليم يا جاهل … افحصني كويس … انت شايفني نجيب بتاع الصبح؟ … أنا شخص آخر يا سامي، من مدة ٧ دقائق … أنا في عالم آخر من مدة ٧ دقائق.
سامي (ينظر إلى نجيب لحظة) : انت بتحب!
نجيب : لأول مرة في حياتي.
سامي : كل نوبة تقول دي أول مرة في حياتك.
نجيب : أبدًا … المرة دي بس … لأن الرصاصة هنا.
سامي : رصاصة إيه!
نجيب : عينيها يا سامي! … نظره واحدة مافيش غيرها! … عينينا تقابلت عفوًا! خلاص … شعرت في الحال بحاجة دخلت هنا … (يشير إلى قلبه) ولا طلعتش … لسه موجودة … هات إيدك (يمسك يد سامي) شوف … جس.
سامي (يجذب يده) : مين دي؟ … ما عرفتهاش؟
نجيب : أبدًا … كانت راكبة أتوموبيل طول الأودة دي مرة ونص … وواقفة قدَّام جروبي تاكل «جلاس».
سامي : وانت كنت فين؟
نجيب : كنت باخد واحد ويسكي على البار … واحد بس «أبيرتيف» مفيش غيره … وأنا خارج، لقيت عينيها في عيني، راح قلبي عامل كده … (يقبض يده) وراح ساقط تحت رجليَّ، واتدحرج في الشارع على الأسفلت.
سامي : لغاية ما وقع في بلَّاعة! عامل كده … (يقبض يده) وراح.
نجيب : ما أعرفش راح فين.
سامي : وبعدين؟
نجيب : وبعدين شفتها نزلت، ومشيت في شارع المناخ، في اتجاه الأوبرا.
سامي : مشيت وراها طبعًا.
نجيب : انت مجنون! وأنا أقدر امشي في شارع المناح؟ عايز يقفشوني قدَّامها، وأبات الليلة في القسم؟
سامي : أيوه صحيح … دا من الشوارع الممنوعة … مش واخد بالي … لك فيه على الأقل زباين من ايَّاهم … كوستا الترزي، وشالوم الجزمجي، وماريو الحلَّاق.
نجيب (في حنق) : مسألة الشوارع دي بقت حاجة تجنِّن … أروح فين يا ناس؟ مفيش شوارع كفاية في مصر … إن ما كنش مصلحة التنظيم تفتح حالًا شوارع جديدة، والَّا يعملوا مترو تحت الأرض، أو ترمواي في السما … اللهم أنا خلاص، ما ليش عيش في البلد.
سامي (باسمًا) : أنت ممنوع من المرور في كام شارع؟
نجيب (ناظرًا في أجندته) : أقول لك يا سيدي: خد عندك، المدابغ لغاية النص، وقصر النيل بعد سليمان باشا، والمناخ جزء منه، وبعض شارع فؤاد، وشارع كوبري قصر النيل … وأمَّا الضواحي، فصاحب المُلك ساكن في الزيتون.
سامي : وأخيرًا عملت إيه في حكايتك؟ طارت منَّك.
نجيب : طبعًا.
سامي : والنتيجة؟
نجيب : النتيجة؟ مفيش نتيجة، غير اني دلوقت محسوب في عداد الأموات، وشوف لي طريقة؛ لأن المسألة جد مش لعب.
سامي : أشوف لك طريقة ازَّاي؟ ما سألتش مين دي؟ بنت مين؟
نجيب : أبدًا … أبدًا.
سامي : ما شفتش نمرة الأوتوموبيل كام؟
نجيب : أبدًا … أبدًا.
سامي : طيب تعرف ماركته إيه الأوتوموبيل، على الأقل؟
نجيب : أبدًا … أبدًا … ما أخدتش بالي … هو أنا كنت فاضي أشوف ماركة الأوتوموبيل، والَّا ماركة وِشها.
سامي : وما خدتش تاكسي ورحت وراها تشوف ساكنة فين؟
نجيب : أبدًا … أبدًا.
سامي : اديني عقلك! عايزني أعمل لك إيه بقا بذمتك؟ كل حاجة أبدًا … شارلوك هولمز أنا والَّا شمهورش؟ والَّا عايزني أضرب لك الرمل!
نجيب : انت مستحيل تعرف الحب … آدي كل اللي أقدر أقوله بالاختصار لواحد مغفَّل زيَّك.
سامي : أشكرك … أورفوار … (يتحرَّك للخروج).
نجيب : اسمع … أنا لأول مرة في حياتي اتلخمت … وبقيت واقف تايه مش حاسس بالدنيا … وفجأة طلعت أجري حاطط إيدي هنا … (يشير إلى قلبه) زي واحد مضروب عيار ناري … لغاية وما وصلت عيادتك … تسمِّي ده إيه؟
سامي : أسمِّيه مرستان!
نجيب : الحب الحقيقي … اللي ما يحصلش إلا مرة واحدة في الحياة!
سامي : عندها أتومبيل طول الأوده دي مرة ونص تمام … أهو ده الحب الحقيقي … هسبانو … ريزوتا … فراسكيني … باكار … ماركة من دول تفتح لك جميع الشوارع الممنوعة، ولا تحتاجش لمصلحة التنظيم.
نجيب (يبصق في الأرض ازدراء) : أنت رجل مادِّي!
سامي : اسمع يا نجيب نصيحة: أنا أشجَّعك انك تغوى العربيات اللي طول الأوده دي مرة ونص … ماليِّتك تنتظم، وتعيش مرتاح.
نجيب : أنا أحتقر الكلام اللي بتقوله ده.
سامي : انت حر.
نجيب : وأحتقر الفلوس.
سامي : طيِّب … أورفوار … (يتحرَّك).
نجيب : رايح فين؟
سامي : رايح لخطيبتي في أمر مهم … وراجع بعد ربع ساعة … لأن عندي عيَّانين.
نجيب (يتمدد كالمريض) : أنا عيان.
سامي : انت قاعد هنا … أنا رايح بقى … (يتَّجه إلى الباب).
نجيب : رايح فين؟
سامي : مش ضروري أقول لك ألف مرة أنا رايح فين؛ لأن عقل حضرتك تايه النهارده!
نجيب : عندي هبوط في القلب.
سامي : أحسن … نهارك سعيد … (يحاول الخروج).
نجيب (ينهض على قدميه بسرعة ويصيح به) : اقف عندك … رايح فين؟ أنا باقول لك عندي هبوط في القلب يا ابن الكلب … ومضروب بالرصاص، وحالتي خطرة.
سامي : برده حانرجع للرصاص؟!
نجيب (في صوت قاصف) : شوف لي دوا في الحال لهبوط القلب، وإلَّا وشرفك أطربأ العيادة عليك وعلى العيَّانين.
سامي : بقا دا صوت واحد عنده هبوط في القلب؟!
نجيب (ينزل صوته بسرعة إلى طبقة منخفضة) : انت يا سامي يا خويه، عندك دوا عجيب ضد هبوط القلب.
سامي : إيه هوَّ؟
نجيب (يترنَّم) : ورقة بجنيه يا عزيزي، جنيه مصري، والَّا إنجليزي، ينحط كده في الجيب، يجمِّد القلب ويطيَّب.
سامي (ينظر إليه شزرًا لحظةً) : بقا اسمع … يعني يصح تضيَّع من وقتي ربع ساعة، في اختراع الحكاية الطويلة العريضة دي، علشان كده؟!
نجيب (يمدُّ يده) : لا أبدًا … مسألة الحب حقيقية، ولا شك فيها، وبكره تشوف … أما الجنيه، فده من زمان موصوف لي في الحالات الخطرة اللي زي دي!
سامي (يخرج محفظة نقوده) : وشرفك أنا لازم أعزِّل حالًا من شقتي اللي في قصر النيل … دا مين يسكن في عمارة ساكن فيها انت.
نجيب (يخطف ورقة بجنيه من يد سامي) : هات **** لا يحرمك منِّي … ابق ضيف على الحساب!
سامي (في تهكُّم) : حساب؟ نهارك سعيد … (يخرج).
نجيب (يضع الورقة في جيبه بعناية) : سعيد مبارك يا افندم … (ثم يرتِّب هندامه) دلوقت بقا، حيث إننا اطمأنينا على مستقبلنا الباهر، لمدة ٢٤ ساعة … يجب البحث عن صاحبتنا اللي عنيها ماركة (بروننج) … (يخرج علبة سجاير ويتناول سيجارة).
(الباب الآخر للحجرة يطرق.)
نجيب : مين؟ (الطرق يعود فيشتد) اسكت يا عيان، الدكتور جاي حالًا …
(الطرق يشتد.)
سيدة (من الخارج تصيح) : أدخل والَّا لأ.
نجيب (في غير اكتراث) : لأ.
السيدة (من الخارج) : ليه ما أدخلش؟
نجيب : كده
السيدة (صائحة) : لازم ادخل!
نجيب (وهو يشعل سيجارته) : ادخلي …
(الباب الأيمن يفتح وتظهر (فيفي) غادة مصرية أرستقراطية، رشيقة جميلة، ذات أعين فتاكة، وبمجرَّد أن يراها نجيب يبغت ويبهت، وتسقط منه سيجارته من فمه.)
فيفي : فين الدكتور؟ (تبحث بعينيها في أنحاء القاعة).
(نجيب بلا حراك.)
فيفي (تتأمَّل جموده في دهشة) : الدكتور فين؟
نجيب : …
فيفي : الدكتور مش هنا من فضلك؟
نجيب (كأنما كان يخاطب نفسه) : مش ممكن … (ثم يصحو لنفسه ويلتفت بسرعة إلى فيفي) أفندم.
فيفي : فين هوَّ؟
نجيب : هوَّ مين؟
فيفي (في شيء من الصبر النافد والحدَّة) : الدكتور سامي طبعًا!
نجيب : آه … طبعًا … ما تأخذنيش … أنا …
فيفي (صائحة في ضيق عصبي فجائي) : الدكتور سامي.
نجيب (في الحال وقد خاف من صيحتها العصبية الفجائية) : ما اعرفوش.
فيفي (صائحة في ضيق عصبي كذلك كالمرة السابقة) : انت في عيادته هنا، ما تعرفوش ازَّاي؟
نجيب (في خوف كذلك كالمرة السابقة) : طيِّب أعرفه!
فيفي (تتأمَّله لحظة من رأسه لقدمه، كمن حسِبته مخبولًا) : يعني حضرتك ما تقدرش تقول لي، إذا كان الدكتور موجود والَّا مش موجود؟
نجيب : أقدر أقول لحضرتك.
فيفي (في تهكُّم) : امتى ان شاء ****؟
نجيب : حالًا إن شاء **** … بسِّ …
فيفي : بسِّ إيه؟
نجيب : حلم حضرتك عليَّ شويَّة.
فيفي (تنظر إليه في استغراب وضيق) : أنا منتظرة.
نجيب (يتمالك) : أيوه يا افندم … حضرتك منتظرة … مين؟
فيفي (تنظر إليه نظرة نافد الصبر، الذي يحلم لآخر مرة) : منتظرة أعرف الدكتور سامي هنا والَّا لأ؟
نجيب (كمن يُفيق) : آه. الدكتور سامي … آه … يعني الدكتور سامي؟ أيوه يا افندم أقدر أقول لحضرتك …
فيفي : أظن المسألة مش محتاجة للوقت ده كلُّه، علشان تقول لي هنا والَّا مش هنا.
نجيب : تحبِّي أكون صريح شويَّة؟
فيفي : تفضَّل.
نجيب : أنا محتاج خمس دقايق علشان أرجع لحالتي الطبيعية.
فيفي (تنظر إليه لحظة) : يعني دلوقت بأي حال، ما تقدرش تجاوبني؟
نجيب : مستحيل أقدر أجاوب حضرتك على أي سؤال بالشكل ده.
فيفي : بالشكل ده ازَّاي؟
نجيب : ولو فيها رزالة، غمَّضي عينيك شويَّة.
فيفي (تنظر إليه شزرًا) : يعني إيه؟
نجيب : يعني اعملي كده. (يغمض عينيه).
فيفي : مش فاهمة.
نجيب : لأ؛ لازم تفهمي من فضلك.
فيفي : أفهم إيه؟
نجيب : تفهمي إن البروننج فيه ست رصاصات بس … وانطلقوا كلُّهم خلاص، أكتر من كده يبقى متروليوز … وروحي راحت من أوِّل رصاصة … وإذا كنت سيادتك فاهمة انِّي بسبع أرواح، أو انِّي معجون بالأسمنت المسلَّح، يبقى ظلم … وانت ما يخلَّصكيش … والَّا أنا غلطان في الكلام ده؟
(لحظة صمت.)
فيفي (تنظر إليه من رأسه لقدمه كالمرتاب في عقله). : أنا كنت فاكرة الدكتور سامي حكيم باطني بس!
نجيب (فاهمًا قصدها) : قصد حضرتك إيه بقا؟
فيفي : ولا حاجة … أنا ما قلتش حاجة زيادة عن كده.
نجيب : أولًا أنا مش عيَّان.
فيفي : طبعًا مش ببطنك.
نجيب : يعني سيادتك عايزة تقولي عيَّان بحاجة تانية؟
فيفي : أنا مش عايزة أقول حاجة أبدًا … ولا فيش داعي لكده بالمرة، لأنِّي مش جاية هنا دلوقت، علشان أقول لك انت عيَّان بإيه.
نجيب : أمَّال حضرتك جاية هنا علشان إيه؟
فيفي : جاية بالطبع لشيء تاني … أقابل الدكتور سامي.
نجيب : لأسباب صحية طبعًا؟
فيفي : أيوه … وكمان علشان … أولًا … اسمح لي أعرف … حضرتك مين هنا؟
نجيب : حضرتي مين هنا؟
فيفي : أيوه لو تسمح لي أعرف.
نجيب : حاضر … أقول لحضرتك حالًا.
فيفي : تفضَّل … منتظر إيه؟
نجيب (يخرج علبة سجايره ويقدِّمها إلى فيفي) : سيجارة؟
فيفي (بلا حراك) : مرسي … ما ادخَّنش.
نجيب : برافو … عملتِ طيِّب قوي … أنا ما أحبِّش السِّت اللي تدخَّن.
(يتناول سيجارة ويضعها في فمه.)
فيفي : أنا كمان ما احبِّش الراجل اللي يدخَّن.
(نجيب في حركة غريزية ينزع في الحال السيجارة من فمه ويلقي بها في الأرض.)
فيفي (في تهكُّم خفي) : لأ مفيش لزوم … اشرب سيجارتك أحسن!
نجيب (في قوة) : لأ … مش ممكن … أنا مجنون؟! خلاص من اللحظة دي بطَّلت السجاير … أنا مستعد أتعهِّد لك وأقسم لك بشرفي وحياة …
فيفي (في برود) : وإيه الدَّاعي؟ دا شيء ما يهمِّنيش.
نجيب (مصدومًا) : ما يهمِّكيش انِّي أبطَّل السجاير؟
فيفي : بالتأكيد لأ … يهمِّني في إيه؟
نجيب : مش لمَّا ابطَّل السجاير صحتي تتحسِّن؟
فيفي : وأنا ما لي؟ دا شيء يهمَّك انت.
نجيب : يهمِّني أنا بس؟ ما يهمِّش حد تاني أبدًا؟
فيفي : ما اعرفش … انت بالطبع أدرى بظروفك.
نجيب : إن كان على ظرفي، تأكَّدي انَّها ألعن ظروف خلقها ربِّنا. أولًا أنا مقطوع من شجرة ولا فيش حد يهتم إن كنت أدخَّن والَّا انحرق … ثانيًا، أنا ساكن لوحدي في (أبَّارتمان) في شارع قصر النيل … ومحمد السُّفرجي سابني امبارح وطفش … والدي **** يرحمه ويحسن إليه، وكذلك والدتي **** يرحمها ويحسن إليها، كانوا الاثنين من خيار الناس، كان عندهم …
فيفي (تقاطعه وتلتفت جهة الباب) : مع الأسف: عوضين التمرجي مش هنا علشان أسأله عن الدكتور سامي!
نجيب (مصدومًا) : حضرتك متضايقة للدرجة دي من كلامي؟
فيفي (في تردُّد) : لأ … إنَّما بس انا شايفة الوقت غير مناسب علشان تحكي لي تاريخ حياتك.
نجيب : وإمتى امَّال تشوفي الوقت مناسب، علشان أبقى أحكي لك تاريخ حياتي بالتفصيل؟
فيفي : وإيه الضَّرورة انَّك تحكي لي تاريخ حياتك، بتفصيل أو من غير تفصيل؟
نجيب : مفيش ضرورة أبدًا؟
فيفي : بالتأكيد مفيش أبدًا.
نجيب : إيه السبب؟
فيفي : طبعًا … أولًا أنا … ما تأخذنيش … ما اعرفكش.
نجيب (مصدومًا) : أشكرك.
فيفي : لأ … ما تشكرنيش … دي الحقيقة.
نجيب : صحيح دي الحقيقة … لكن …
فيفي : لكن إيه؟
نجيب : لكن برده ما كنتش أحب انك انت اللي تذكَّريني بها.
فيفي : أنا مضطرَّة.
نجيب (يطرق في شبه إذعان وألم) : طيِّب.
فيفي (تنظر إليه في صمت ثم تقول) : انت مع ذلك لغاية دلوقت ما فهِّمتنيش حضرتك مين هنا؟
نجيب (في كآبة) : وإيه الفايدة؟!
فيفي : بس أحب أعرف أنا بكلِّم مين.
نجيب : بتكلِّمي مين؟ بتكلِّمي شخص مخلوق جديد لنج، من مدة ١٠ دقايق … ما لوش مستقبل … مالوش غير حاضر جميل، يدوم كمان بالكتير ٥ دقايق.
فيفي : مش فاهمة كلامك.
نجيب : أحسن.
فيفي : بدِّي أعرف بس انت صفتك إيه في العيادة؟
نجيب : ما ليش صفة.
فيفي : انت لك صلة بالدكتور سامي؟
نجيب : صاحبي.
فيفي : حكيم زيُّه طبعًا؟
نجيب (شاردًا) : طبعًا.
فيفي (باسمة) : الطيور على أشكالها تقع.
نجيب (كمن يخاطب نفسه) : صحيح أنا وقعت.
فيفي : بالتأكيد.
نجيب (يرفع رأسه ويلتفت إليها فجأةً) : إيش عرَّفك؟
فيفي : أنا أعرف انَّك ما وقعتش على الدكتور سامي هنا، إلَّا النهارده، لأني سبق جيت له كتير في الوقت ده.
نجيب : سبق جيتي كتير هنا قبل النهارده؟ وأنا كنت ساعتها في انهي داهية؟
فيفي : ما اعرفش.
نجيب (صائحًا) : اسمحي لي أقول لك انِّي أنا إنسان يستحق الضرب بعشرين أو خمسة وعشرين صرمة نضيفة!
فيفي : ما اقدرش اقول لك بالضبط انت تستحق كام … لكن كل اللي أقدر أقوله انك بتضيَّع وقتي بشكل غريب … المهم في كل اللي فات، الدكتور سامي هنا والَّا مش هنا؟
نجيب (مصدوم منفعل) : الدكتور سامي مش موجود … دا كل اللي أقدر أقوله … وعشان ما اضيَّعش وقت حضرتك بشكل غريب، أقول لك أورفوار، أو … آديو (يتحرَّك).
فيفي : فيه عيَّانين برة منتظرين الدكتور … مين رايح يشوفهم؟
نجيب : ما اعرفش.
فيفي : الدكتور سامي ما قالش مين يشوف العيَّانين؟
نجيب : مفيش هنا عيَّانين.
فيفي : فيه.
نجيب : مفيش.
فيفي : فيه.
نجيب : مفيش.
فيفي : بقول لك فيه برَّة في الصالة، وفي أودة الانتظار.
نجيب : بقول لك مفيش هنا عيَّانين.
فيفي : طيِّب روح شوف بعينك برة!
نجيب : أنا ما أكدِّبش نفسي وأصدَّق عيني … مفيش في العيادة، بل في العالم كلُّه، دلوقت، غير شخص واحد بس اقدر أعترف بصحيح انه عيَّان.
فيفي : مين هوَّ؟
نجيب : المخلوق اللي واقف قدَّامك.
فيفي : انت بتقول انك حكيم مش عيَّان.
نجيب : عيان.
فيفي : مش باين عليك.
نجيب : هوَّ يعني علشان ما اكون عيَّان لازم يشيلوني على نقَّالة!
فيفي : وعيَّان بإيه؟
نجيب : وأنا مجنون اقول لك أنا عيَّان بإيه، وحاسس بإيه؟ مستحيل أقول، ولو شنقوني.
فيفي : ليه بقا؟
نجيب : كده … ما أقولش أبدًا.
(لحظة صمت.)
فيفي (تنظر إليه قليلًا) : أحسن … برده ما تقولش.
نجيب : أنا نفسي ما يمكنش أقول.
فيفي : أيوه ما تقولش.
نجيب : ما أقولش أبدًا.
فيفي : أيوه كده.
نجيب : أيوه.
فيفي : نرجع للموضوع … الدكتور سامي ما قالش حايرجع هنا إمتى؟
نجيب : أؤكِّد لك لو قلت لك أنا عيَّان بإيه، مستحيل تصدَّقي.
فيفي : قلت لك خلاص ما تقولش … انتهينا.
نجيب : علشان كده ما يمكنش أقول.
فيفي : ما تقولش.
نجيب : أيوه ما أقولش.
فيفي : أيوه كده.
نجيب : أيوه.
فيفي : إذا كان الدكتور سامي مش راجع دلوقت، أقدر أسيب له كلمة (فجأة تضع يدها على ضرسها متألِّمة) آه.
نجيب (في لهفة) : ما لك؟
فيفي (تخرج منديلها وتضعه على فمها) : سنِّتي.
نجيب (في اهتمام وقلق) : بتوجعك؟
فيفي : قوي.
نجيب (يهرول في الحجرة كأنَّه يبحث عن شيء) : فين؟ فين؟!
فيفي : بتبحث عن إيه هناك؟ سنِّتي هنا (تشير إلى فمها).
نجيب : أيوه فاهم … أنا ببحث عن الدَّوا … فين الدَّوا … أولًا إيه هوَّ الدوا بالضبط؟ على كل حال أنا لازم أشوف لك طريقة … لأني مقدرش أشوفك متألمة من أي شيء … فين التمرجي؟ فين الدكتور؟ انت لازم لك واحد دكتور حالًا.
فيفي : انت مش بتقول انَّك دكتور؟
نجيب : آه … أيوه برضه … لكن حتى على فرض انِّي دكتور، ما اقدرش أعالجك انت.
فيفي : ليه؟
نجيب : مقدرش أقول لك ليه … المهم دلوقت، إيه اللي في إمكاني أعمله علشانك؟! سنِّتك بتوجعك قوي؟
فيفي : أيوه … دلوقت بس وجعتني مش عارفة ليه؟
نجيب : ورِّيني، افتحي بقِّك … فين السِّنة دي؟ (تفتح فمها فتظهر أسنانها) أوًّا ده ضرس مش سِنة … علشان تصدَّقي انِّي دكتور … ثانيًا فين هيَّ الأسنان؟ أنا مش شايف غير صفِّين لولي من الغالي! انت يلزمك واحد جواهرجي، مش واحد حكيم.
فيفي : لأ … أرجوك … ضرسي بيوجعني … شوف لي أي علاج حالًا.
نجيب : علاج زي إيه؟
فيفي : مش أنا طبعًا اللي أقول لك.
نجيب : أصل أنا بس مش حكيم أسنان.
فيفي : أمَّال حكيم إيه؟
نجيب (في تردد) : حكيم … (ينظر إلى عينيها الساحرتين) عيون … أيوه أنا حكيم عيون … لأنِّي أفهم في العيون … ودرست العيون … وقاسيت من العيون.
فيفي : لكن احنا دلوقت في الأسنان … واللي بيوجعني ضرسي.
نجيب : تأكَّدي ان ضرسك عزيز عليَّ قوي … لكن بقى مع الأسف.
فيفي : اسمع يا دكتور … أنا أعرف ان الألم دايمًا جاي من عصب الضِّرس؛ لمَّا الواحد ياكل حاجة مثلجة … ولذلك أي مسكِّن بسيط.
نجيب (بسرعة) : أيوه مسكِّن … عليك نور … أهو ده الدَّوا اللازم، بس كان تايه عن بالي … إنَّما بقى المسكِّن ده، يعني الواحد يتعاطاه سفوف، والَّا معلقة شوربة قبل الأكل، والَّا إيه؟
فيفي (تنظر إليه مليًّا) : يظهر انَّك مش دكتور أبدًا.
نجيب : دكتور في العيون بس يا افندم.
فيفي : ولا حتَّى في العيون.
نجيب : **** يسامحك … المهم عندي ان ألمك يزول بأي طريقة … أنا مصرَّح لك: اشتميني … اضربيني … أنا أفتكر ان أحسن مسكِّن هو انك تشغلي نفسك عن الألم ببهدلتي ولعن أبو خاشمي … أظن دي أحسن طريقة.
فيفي : لكن ده مش علاج طبِّي.
نجيب : مش ضروري العلاج يكون طبِّي … مش أنا حكيم … لكن أؤكِّد لك ان البلاوي التقيلة، ما تجيش الَّا من تحت راس الحكما.
فيفي (في سخرية) : انت حكيم مدهش!
نجيب : جايز … إنَّما الأصح انِّي بني آدم متألِّم دلوقت بشكل مدهش.
فيفي : مش باين عليك أبدًا.
نجيب : ما هو برده، ده من سوء حظِّي.
فيفي : ومع ذلك كونك انت كمان متألِّم، دا شيء ما يهمِّنيش.
نجيب : وانت إيه اللي بيهمِّك؟!
فيفي : المهم عندي حاجة تسكِّن ضرسي.
نجيب : ضرسك لسَّه بيوجعك؟
فيفي : أيوه.
نجيب : خالص؟
فيفي : خالص.
نجيب : أحسن.
فيفي : ازَّاي أحسن؟
نجيب : علشان تاني مرة تحرَّمي الوقوف قدَّام جروبي تاكلي (جلاس) … توجعي ضرسك وتموِّتي الناس!
فيفي (في دهشة) : وعرفت ازَّاي انِّي أكلت جلاس قدَّام جروبي؟
نجيب : حاجة بسيطة.
فيفي : لازم شفتني قبل دلوقت بشويَّة.
نجيب : لأ.
فيفي : أمَّال عرفت ازَّاي؟
نجيب : ما تعرفيش انِّي أقدر اقرا كل شيء في فكرك، وفي ضميرك، وفي قلبك؟
فيفي : حكيم روحاني حضرتك؟
نجيب : بالضبط!
فيفي (في تهكُّم) : أظن زي ما انت حكيم عيون؟
نجيب : أحسن شويَّة.
فيفي : طيِّب اقرا اللي في ضميري.
نجيب (يقف وقفة صناعية وينظر إليها مليًّا ثم يتنحنح) : في ضميرك إنِّي شخص ضيَّع وقتك بشكل غريب.
فيفي : كدَّاب.
نجيب (في فرح) : صحيح؟
فيفي : ما تسألنيش. العالِم الرُّوحاني الحقيقي، ما يسألش الزبون.
نجيب : بدِّي أطمئن.
فيفي : مش من وظيفتك انك انت اللي تطمئن، يا حضرة الساحر العجيب؟
نجيب : أؤكِّد لك إنك ألطف إنسانة شفتها.
فيفي : أنا مش عاوزة تقرا اللي في ضميرك انت!
نجيب : عندك حق … اللي في ضميري أنا مفهوم طبعًا … وسحرك انت بس اللي قدر يكشف ضميري.
فيفي : احنا في سحرك انت!
نجيب (فرحًا) : وأنا لي سحر؟!
فيفي : انت اللي بتقول.
نجيب (متذكِّرًا) : آه.
فيفي : قريت إيه كمان في فكري؟
نجيب (ناظرًا إليها مليًّا) : انت مدهشة!
فيفي : دا شيء مش في فكري طبعًا.
نجيب : انت مش بسيطة أبدًا.
فيفي : ومين بسيط في الزمن ده؟
نجيب : أنا بقرا في قلبك كلام يخوِّف.
فيفي : يخوِّف ليه؟ ويخوِّف مين؟
نجيب : يخوِّفني.
فيفي : يخوِّفك انت؟ انت كل حاجة تحشر نفسك فيها؛ حتَّى قلبي؟
نجيب : يا ريت أقدر أنحشر في قلبك.
فيفي (تبتسم) : إيه بقى اللي خوِّفك؟
نجيب : أولًا بصِّيت في قلبك لقيته فاضي، أفضى من جيب نجيب من قبل عشر دقايق!
فيفي : كدَّاب.
نجيب : ازَّاي؟! قلبك مش فاضي؟
فيفي : لأ.
نجيب : مشغول؟
فيفي : طبعًا.
نجيب (في فرح) : كويِّس … تسمحي لي بقا أسألك سؤال واحد؟
فيفي (في تقطيب) : أنا عارفة السؤال الواحد ده، وما أسمحش به أبدًا.
نجيب : لأ … اعملي معروف، أنا محسوبك، متجيش لغاية النقطة الحساسة وتعاكسيني … كلمة واحدة يتوقَّف عليها مستقبل حياتي.
فيفي : كلمة إيه؟
نجيب : مين هوَّ؟ … مين هوَّ السعيد اللي …؟
فيفي : مستحيل … يظهر اني تساهلت معك في الكلام أكتر من اللازم … عاوز كمان تعرف أسراري الخصوصيَّة؟!
نجيب : وما له؟ انت أولًا أجمل وأذكى وأشجع آنسة مصرية عرفتها.
فيفي : مش عاوزة تقريظ من فضلك.
نجيب : تقريظ؟ دي حقائق، أنا عاوز أقول لك انك زي ما ظهر لي، واحدة مش بسيطة من بتوع زمان … انت واحدة فاهمة كل شيء في الدنيا … تعليم، وتهذيب، وذكاء … بالطبع دي أكبر قوَّة وأعظم سلاح في يد السِّت، تقدر تعيش به في وسط العفاريت … إيه اللي يهم واحدة زيِّك دلوقت، انها تكون صريحة مع واحد زيِّي؟!
فيفي : ما تبلفنيش من فضلك.
نجيب : مش بلف أبدًا و****.
فيفي : عاوزني أكون صريحةً في إيه؟
نجيب : أولًا، أنا مش عاوز أعرف إنت مين … ولا ماركة أتوموبيلك إيه، ولا ساكنة فين!
فيفي : أمَّال عاوز إيه؟
نجيب : عاوز أعرف بكل صراحة … فاهمة؟ بكل صراحة، مين هوَّ المخلوق اللي شاغل قلبك؟
فيفي : واحد من الناس.
نجيب : مفهوم، قصدي مين هوَّ يعني؟
فيفي : وإيه يهمَّك إن كان زيد والَّا عمرو؟
نجيب (في تردُّد) : هوَّ موجود؟
فيفي : طبعًا على قيد الحياة.
نجيب (متردِّدًا) : لأ … قصدي موجود … هنا؟
فيفي : أيوه … موجود في مصر.
نجيب (خائفًا) : قصدي، كمان، يعني … بس جاوبيني بالصَّراحة … فاهمة؟ بكل صراحة هوَّ موجود هنا في الأودة دي، والَّا لأ؟
فيفي (مندهشة) : سؤال غريب؟
نجيب : عاوز الصراحة … هوَّ موجود قدَّامك دلوقت، والَّا لأ؟!
فيفي : طبعًا لأ.
نجيب (يحاول الهدوء) : آه.
فيفي (تلاحظ تغيُّره) : ما لك؟
نجيب : لأ … مفيش حاجة أبدًا … يعني قصدك انُّه واحد تاني … مش موجود هنا؟
فيفي : طبعا.
نجيب (يُطرق) : آه.
فيفي (تنظر إليه) : زعلت؟
نجيب (يرفع رأسه) : لأ … ما فيش زعل أبدًا.
فيفي : أظن أنا جاوبتك بصراحة، زي انت ما طلبت تمام؟
نجيب (في إطراق) : أيوه … تمام … مِرسي.
فيفي : أقدر أقول لك كمان، إذا كنت عاوز إيضاح أكثر من كده، إنُّه خطيبي.
نجيب : مش مهم.
فيفي : وإنُّه حكيم زيَّك، لكن يمكن يعرف صنعته أحسن منَّك شويَّة.
نجيب : طبعًا.
فيفي : أقدر أقول لك، إنَّك يمكن تعرفه.
نجيب : جايز.
فيفي : وإنه ربَّما يكون صاحبك.
نجيب : زي بعضه.
فيفي : تستعلم عن حاجة تانية كمان؟
نجيب : لأ … خلاص متشكِّر … ده كل اللي أنا كنت عاوز أعرفه … نهارك سعيد.
(يًنحني ويتناول سيجارته التي ألقاها على الأرض، ويمسحها في كمِّه، ويضعها في فمه … صمت طويل.)
نجيب : نهارك سعيد. (يتَّجه إلى الباب ليخرج).
فيفي (تنظر إليه باسمة، وعندئذ تتحرَّكَ نحو الباب الآخر) : يا عوضين! (تخرج).
(نجيب لا يزال يفكِّر.)
سامي (داخلًا من الباب الواقف أمامه نجيب) : انت لسَّه هنا … لسَّه هنا ومعاك جنيه؟! مارحتش ليه تبحث عن صاحبتك.
(نجيب ينظر إليه ولا يجيب.)
سامي (يترك نجيب ويُهرع باحثًا) : فيفي … (لنجيب) فيفي خطيبتي هنا. ما شفتهاش؟
فيفي (تدخل) : سامي!
سامي : أنا يظهر رحت لك من هنا، وانت جيتي من هنا … تعالي أولًا، لمَّا أقدِّم لك نجيب صاحبي وصديقي وجاري في السَّكن (يقدِّم أحدهما للآخر).
فيفي (بتهكُّم) : تشرَّفنا.
نجيب (لا يجسُر على النظر إليها) : تشرَّفنا يا افندم.
فيفي : حضرته طبعًا حكيم زيَّك يا سامي.
سامي : أبدًا … ده موظف مهم.
فيفي (لنجيب في تهكُّم) : كده؟!
سامي : وفضلًا عن ذلك، معروف في كل مكان، انه من أظرف شخصيات البلد، ما يغرِّكيش إنه واقف كده مبلِّم، زي اللي خطفوا محفظته … ده بس علشان حصلت له حادثة من مدة نصف ساعة.
فيفي : حادثة إيه لا سمح ****؟
سامي : شاف واحدة في أتومبيل قدَّام جروبي بتاكل جلاس …
نجيب (بسرعة) : قصدي حادثة أتوموبيل … كان حايحصل تصادم.
سامي : بلاش كدب يا نجيب.
فيفي : وجرى إيه؟
سامي : ما فيش تصادم ولا حاجة … الحكاية كلَّها إنه بيحب.
نجيب (في حيرة) : كلام إيه ده يا سامي؟
سامي : فيفي «سبور» ما تخفش … هو الحب عيب؟ مش كده يا فيفي؟ بدليل اننا حبِّينا بعض.
فيفي : طبعًا يا سامي.
نجيب (يدير وجهه ويتحرَّك) : نهاركم سعيد!
سامي : **** … انتظر … قل لنا نويت على إيه … احنا لازم نساعدك ونشوف لك طريقة … ما دمت أوِّل ما شفتها اتلخمت، وغرقت في شبر ميَّه، ولا عرفتش هيَّ مين ولا ساكنة فين؟ فأظن مش لطيفة إنَّا نسيبك كده وحلان لشوشتك.
نجيب : أرجوك يا سامي تريَّح نفسك من جهتي!
سامي : إنت مكسوف تقول انك بتحب؟
نجيب : وبعدين معاك؟!
سامي : انت مش قايل لي أبلَّغ عن وفاتك؛ لأن عينيها قتلتك ومُت خلاص، وانضربت بالرصاص، ولا تقدرش تعيش من غيرها … حصل والَّا ماحصلش؟
فيفي : للدرجة دي؟
نجيب : كلام.
فيفي : طبعًا كلام!
نجيب : والدَّليل على كده، إني عايش أهوه كويِّس، بصحة جيدة أربعة وعشرين قيراط.
فيفي : دا من حسن الحظ.
سامي (وهو يخلع جاكتِّته ويرتدي معطف العمل) : ما تصدَّقيش! شوفي وشُّه أصفر ازَّاي؟ أنا أراهن إن ما كان وزنه نزل النُّص.
نجيب (صائحًا) : يا سيدي ما لكش دعوى بوزني اعمل معروف! انت حد مسلَّطك عليَّ النهارده؟!
سامي : شوف انت بقيت عصبي ازَّاي؟ ما يصحِّش توصل حالتك للدرجة دي وأسيبك.
نجيب : وعاوز منِّي إيه بقا انت دلوقت؟
سامي : أشوف لك طريقة حالًا … أنا كنت الأول مستعجل، ودلوقت فضيت لك … اسمع: أحسن حل انك تروح (جروبي) وتسأل …
نجيب : أسأل عن إيه؟
سامي : عن الست صاحبة الأتومبيل الفخم اللي كانت بتاكل جلاس، يمكن تكون معروفة هناك.
نجيب : طيِّب وان عرفتها يجرى إيه في الدنيا؟ إيه اللي راح يتغيَّر في حياتي؟
سامي : إيه التغفيل ده؟ إن عرفتها تبقى خلاص المسألة انحلِّت، تبقى نجحت يا عزيزي واهنِّيك، واستحق منك الحلاوة. مش كده والَّا إيه يا فيفي؟
فيفي (باسمة) : بالتأكيد!
نجيب (خافتًا وهو ينظر إليها) : شيء غريب!
سامي : يلَّله طيران على جروبي … ما تضيَّعش دقيقة واحدة!
نجيب (يتحرَّك) : حاضر … نهاركم سعيد.
سامي (بسرعة) : انتظر يا نجيب (يدنو منه ويهمس إليه) … اسمع … انت مش لازم لك كمان فلوس؟
نجيب : لأ.
سامي : عجيبة! لأول مرة في حياتك، الفلوس مش لازماك!
نجيب (يخرج الجنيه من جيبه) : خد … ده كمان مش لازمني.
سامي (في دهشة) : مش ممكن!
نجيب (يعطيه الجنيه) : لأول مرة في حياتي أسلِّف فلوس!
سامي : قصدك … ترد السَّلف.
نجيب : الاثنين واحد، نهارك سعيد.
سامي : اسمع … ورايح تقابلها ازَّاي، وانت ما معكش فلوس.
نجيب (صائحًا) : أقابل مين؟ مين هيَّ اللي أقابلها؟ ما تقولش الكلام ده بقا، أحسن ما يحصلَّكش طيِّب … أنا مش مقابل حد أبدًا … سبني اعمل معروف بقا، خلِّيني أروح لأشغالي … أنا واحد عندي شغل في الوزارة … وانت النهارده ضيَّعت وقتي النفيس!
سامي : وقتك النفيس (يلتفت إلى فيفي) بقول لك أصبح عصبي … ما كانش كده أبدًا.
فيفي (لنجيب في تهكُّم خفي) : اشرب فنجان ينسون دافي يا نجيب بك!
نجيب (ينحني) : أشكرك!
سامي : صحيح … الينسون الدافي ده مدهش.
نجيب : حاضر! حاشرب ينسون دافي.
فيفي : وحمَّام سخن قبل النوم.
نجيب : حاضر.
سامي : صحيح الحمَّام السُّخن قبل النوم مدهش.
نجيب : آخذ حمَّام سخن!
فيفي : وخد بعد كده …
نجيب : إيه تاني … دُش بارد كمان؟! اعملوا معروف كفاية … اسمحوا لي أروح لحالي.
فيفي : «الباكار» بتاعتي تحت، تقدر توصَّلك.
نجيب : ممنون … أنا ما اركبش لا باكار ولا دوكار.
سامي : سيبيه يمشي على رجليه … ودا وِش نعمة؟
فيفي : علشان أظن البك مستعجل … احنا يظهر ضيَّعنا وقتك النفيس يا نجيب بك؟!
نجيب : بشكل غريب!
سامي (يلتفت إليه مقطِّبًا) : ازَّاي؟
نجيب (صائحًا منفجرًا) : أقسم ب**** العظيم، لو تكلَّمت كلمة زيادة، لأطربأ عليك العيادة، وزي ما ترسى … أنا لا قابلت ست في جروبي بتاكل جلاس، ولا سِم هاري … والحكاية ملفَّقة من أولها لآخرها، علشان ألطش منَّك جنيه … ولو أسمعك تجيب لي سيرة الست دي مرة تانية، أنا أضربك بالرصاص!
سامي : الرصاص إيَّاه اللي انضربت به النهارده؟!
نجيب : أنا باكلِّمك جد … وانت الجاني على نفسك.
سامي : انت جرى لك إيه يا نجيب؟
نجيب : أنا متأسِّف أكلِّمك باللهجة دي قدَّام الست … لكن أنا مضطر (لفيفي) ما تأخذنيش!
فيفي (باسمة) : خد راحتك في الكلام.
سامي : معذور! أنا مش قادر أفهم يا نجيب، ازَّاي تيئس للدرجة دي؟ احنا نبحث لك عنها يا سيدي من تحت الأرض … بس اهدأ وروَّق دمَّك، وكن مطمئن … دي مسألة في غاية البساطة … أنا أتعهَّد لك وأكون مسئول.
نجيب : أصل المصيبة انك ما بتفهمش عربي أبدًا … دماغك متركِّبة شمال … أعمل لك إيه؟ الأمر وما فيه يا سيدنا الأفندي، ان حكاية ما لهاش أساس بالمرة. فهمت كلامي؟ يعني لا كان فيه ست، ولا جلاس، ولا أتوموبيل.
سامي : مفهوم … لأنك ضيَّعت ده كلُّه بلخمتك.
نجيب : ما فيش فايدة!
سامي : لأنك انت لما تحب.
نجيب (مقاطعًا) : قلت لحضرتك ما فيش حب!
سامي : كده؟!
نجيب : تصدَّق ما تصدَّق انت حر … أولًا، أنا ما أقدرش أدخل جروبي، لأن مرسيل اللي واقف على البار، له في ذمِّتي ٢٠ جنيه، من حساب وغيره.
سامي : حتَّى البارمان اللي واقف على البار؟ و**** انت لو دخَّلوك الجنة، برده تستلف من سيِّدنا رضوان، اللي واقف على الباب!
نجيب : ما حدِّش له بيَّ شأن.
فيفي : طبعًا ما لناش شأن أبدًا.
نجيب : على كل حال … يكون في معلومكم، اني ما أحبِّش الست اللي كانت بتاكل جلاس قدَّام جروبي … ما احبِّهاش … أنا حر … ما احبِّهاش أبدًا … حد شريكي؟ بالعكس … أنا أكرهها دلوقت، زي ما اكره فاتورة الحساب! فاهمين … ما احبِّهاش … ما احبِّهاش.
سامي : أقطع دراعي ان ما كان ده هوَّ الحب.
فيفي (ضاحكة وتقول بصوت خافت) : مسكين يا نجيب!
الفصل الثاني
(الشقَّة التي يسكنها نجيب بشارع قصر النيل: صالون بسيط حسن الذوق … باب في الصدر، وباب في الجهة اليمنى صغيرٌ، وباب بَلكون في الجهة اليسرى … منضدة كبيرة على شكل صندوق، في وسط الصالون … وعليها غطاء؛ فلا يدرك الرائي لأول وهلة أنَّها صندوق … تليفون على منضدة أخرى صغيرة، وجراموفون على منضدة ثالثة، كذلك مرآة في الحائط.)(نجيب أمام المرآة، بالقميص والبنطلون، يربط الكرافتة … يدق جرس باب الشقَّة … فينتفض نجيب، ويسرع إلى وسط الصالون … جرس الخطر! يتَّجه إلى المنضدة التي كالصندوق، ويرفع غطاءها؛ فيفتح الصندوق فيدخل فيه ويتمدَّد، ويغلق عليه الغطاء … وعندئذ يدخل عبد **** من باب الصدر.)
عبد **** (في يده ورقة) : سي نجيب بك! يا سي نجيب بك … اظهر جنابك وبان وعليك الأمان! مفيش حد من ايَّاهم … دا أنا عبد **** البوَّاب.
نجيب (يرفع الغطاء ويظهر من الصندوق، ويظل لحظة يرمي عبد **** بنظرات شزراء، ثم ينفجر) : انت مش عبد **** البوَّاب، انت عبد **** الجحش … حضرتك مش ناوي تبطَّل اللعب في جرس الخطر؟
عبد **** : نسيت.
نجيب : يعجبك كده تخلِّي دمي يهرب من غير مناسبة؟
عبد **** : حصل خير.
نجيب (يرتمي على المقعد) : إجري بقى شوف لي كبَّاية لمون بالثَّلج.
عبد **** : وفين هوَّ اللمون والثلج؟
نجيب : تصرَّف يا أخي … بس شاطر تعكِّر مزاجي … شيء يجنِّن.
عبد **** : هات جنابك قرش نشتري به.
نجيب : بتقول إيه؟
عبد **** : قرش.
نجيب : اسحب كلمتك بسرعة.
عبد **** : ما فيش حد دلوقت راضي يبيع لنا شُكك.
نجيب : طيِّب خلاص اسكت … صرفنا نظر … لكن الحق مش عليك، الحق عليَّ أنا اللي أسكن في عمارة، فيها بوَّاب نتن زي حضرتك … طول عمر البوَّابين تسلِّف السكان، وانت مش راضي تطلَّع من جيبك قرش واحد، نجيب به ثلج.
عبد **** : تصدَّق ب**** يا سي نجيب بك؟
نجيب : مصدَّق ب**** انك بارد.
عبد **** : أبدًا … وشرفك لو تعرف العذر … دا أنا مخصوص طالع لجنابك علشان أطلب.
نجيب : لأ … إقصر الشَّر … تطلب إيه؟ انت انهبلت؟ اسكت بقا خلاص … لا تطلب منِّي ولا أطلب منَّك … خلِّينا كده حافظين مراكزنا.
عبد **** : أنا على كل حال ما أنساش فضلك عليَّ.
نجيب : أيوه كده اتصلَّح اعمل معروف.
(يتناول الجاكتَّة من على مقعد ويلبسها.)
عبد **** : بس …
نجيب (يقاطعه) : لأ … في عرضك، مافيش بس! ما تبقاش زي القطط، تاكل وتنكر … انت لسَّه امبارح، واصلك منِّي نُص ريال.
عبد **** : خلِّيهم النهارده ريال.
نجيب : وأجيب لك منين؟ هو انت ربِّنا مشيَّعك دلوقت؛ علشان تتسبِّب في نكدي؟
عبد **** : دا أنا يا بيه، حايش عنَّك بلاوي كتير.
نجيب : طيِّب، ما تحوش نفسك عنِّي شوية دلوقت.
عبد **** : و****، إن ما كنت أنا موجود تحت، لكان أصحاب الديون طلعوا هربِدوا البيت … ولا كان نفع فيهم جرس خطر، ولا صندوق، ولا أي حيلة من حيلنا دي! دا وكيل صاحب الملك، كل يوم والتاني عايز يقابلك؛ علشان أجرة الشقَّة المتأخَّرة، وأنا أوزَّعه وأقل له انك مسافر … وكل ما حد غريب يسأل عن حضرتك، أقول له مش موجود … أمَّال فِكر جنابك، أنا قاعد تحت أقشَّر بصل؟
نجيب : كل ده كويس … لكن بقا.
عبد **** : لكن كُله من قلِّة البخت.
نجيب : انت لاخر قليل البخت؟
عبد **** : **** أعلم بحالي.
نجيب : علشان عاوز نص ريال؟
عبد **** : نص ريال … ربع ريال … اللي يطلع من ذِمتك.
نجيب : انت فاهم ذمتي دي جراب، أطلَّع منه انصاص ريالات، وأرباع ريالات؟
عبد **** : بقى ما فيش النهارده جبر خاطر؟
نجيب : **** أعلم بحالي.
عبد **** : النهارده أول الشهر.
نجيب : أول الشهر كان الصبح.
عبد **** : ودلوقت؟
نجيب : دلوقت اسمه آخر الشهر.
عبد **** : كده بالعجَل؟
نجيب : النتيجة الرسمية بتاعتي كده … أول الشهر يبتدي من الساعة ٩ صباحًا لغاية ١١ والدقيقة ٤٥ … يعني على ما يضرب مدفع الظهر، أكون شطَّبت طبعًا … إنت فاكر إيه؟ احنا ما عندناش فلوس تبات لتاني يوم.
عبد **** : على كده، جنابك رايح تعمل إيه في دي؟ (يقدِّم الورقة التي معه)
نجيب : إيه دي؟
عبد **** : فاتورة حساب.
نجيب : هس! ما تسمَّعنيش كلمة حساب … إيَّاك تنطق بالكلمة دي في بيتي … أنا مؤمِّن على حياتي ضد الكلمة دي.
عبد **** : دا خريستو البقَّال.
نجيب : ما اعرفوش.
عبد **** : عاوز يقبض.
نجيب : قل له بلاش عبط.
عبد **** : له ٦٥٠ قرش استجرار الشهر اللي فات … منهم ٣٠٠ قرش سلفه نقدية، و٢٠٠ قرش باقي الشهر اللي قبله، و١٥٠ قرش.
نجيب : اسكت اعمل معروف … ما فيش فايدة … **** خلق ليَّ طبل ودان، ما يلقطش الحساب.
عبد **** : الخواجة حلف ما يشكِّك حضرتك.
نجيب : حلف بإيه؟
عبد **** : حلف بدينه قدَّام بوَّابين الحتَّة.
نجيب : إنه ما يشكِّكنيش؟
عبد **** : أبدًا.
نجيب (يغنِّي) : قال إيه حلف ما يشكِّكنيش … قال إيه حلف … (فجأة ينفجر في غضب) أقسم ب**** الذي خلق السَّلف نعمة للناس، اني لا أتعامل مع الوغد خرستو ده، لا شُكك ولا نقدية … خلاص … مبسوط؟
عبد **** : ونجيب لوازمنا منين؟
نجيب : شوف بقَّال تاني … هوَّ بقى ما فيش في مصر غير خريستو؟
عبد **** : مافيش غيره … كافة بقَّالين الحتَّة عرفتنا … بقى لنا سنة، كل شهرين نغيَّر بقَّال.
نجيب : بقى احنا خلَّصنا بقَّالين قصر النيل كلُّهم؟
عبد **** : خلَّصناهم كلُّهم. ودوِّبناهم في عرق العافية.
نجيب : ما فيش بقَّال فتح جديد؟
عبد **** : أبدًا … أنا واخد بالي طيِّب، من كل دكَّان يفتح جديد.
نجيب : شيء يجنِّن! والعمل بقى دلوقت؟
عبد **** : أحسن طريقة تدفع لخرستو قرشين من أصل المطلوب، ونرجع له.
نجيب : نرجع له … مش ممكن … أنا حلفت خلاص … ما يمكنش.
عبد **** : خرستو برده مهاود، ابن حلال، أحسن من غيره.
نجيب : انت مجنون … مستحيل … وقع منِّي يمين.
عبد **** : إنَّ **** غفور رحيم.
نجيب : حتَّى اليمين نقعد نبعزق فيه؟
عبد **** : معلهش … برده أحسن من البهدلة، نراضيه ونرجع له.
نجيب : إنَّا *** وإنَّا لخريستو راجعون.
عبد **** : ندفع له النهارده ٢٠٠ قرش.
نجيب : ٢٠٠ إيه؟
عبد **** : إن ما كانش النهارده، يكون بكرة؟
نجيب : وان ماكانش بكرة؟
عبد **** : يكون بعده.
نجيب : دا كلام جميل … لمَّا انت تعرف تسمَّعني الكلام الحلو ده، ساكت ليه من الصبح؟ سبحان ****! انزل بقى، خلِّيني آخد خمس دقايق استراحة.
عبد **** (في تردُّد) : فيه موضوع تاني.
نجيب : موضوع مفرح من فضلك؟
عبد **** : مفرح قوي.
نجيب : خير … قل بسرعة.
عبد **** : الرُّبع ريال لازمني ضروري.
نجيب (ناظرًا شزرًا) : دا الموضوع المفرح قوي؟
عبد **** : ما هو أصل أنا كنت الأول، طالب من جنابك نص ريال، لكن بقى …
نجيب : لكن بقى مراعاة للحالة الحاضرة، وعملت لي تنزيل ٥٠ في الميَّة … مفهوم.
عبد **** : أنا قلبي دايمًا على جنابك.
نجيب : أشكرك على إحساساتك.
عبد **** (يشير إلى جاكتَّة نجيب) : اهرش جنابك في جيب الجاكتَّة.
نجيب (ينهض ويخلع جاكتَّته، ويقذف بها إليه) : خد اهرش فيها بمعرفتك.
عبد **** (يتلقَّاها ويبحث في جيوبها جميعها) : اللي ما فيها برغوت نقدية!
نجيب (جالسًا) : علشان تصدَّق.
عبد **** (ينظر إليه في ارتياب) : أمَّال جنابك نازل برَّه دلوقت ازَّاي؟
نجيب : ومين قال لك انِّي نازل؟
عبد **** : جنابك مش نازل النهارده؟
نجيب : أنزل ازَّاي؟ عينيك كلَّها نظر.
عبد **** : يعني جنابك حاتفضل محبوس هنا؟
نجيب : قسمتي.
عبد **** : لحد إمتى؟
نجيب : لحد ما تسلِّفني انت ربع ريال.
عبد **** : كويِّس! لأ مش ضروري بقى نزول جنابك … اقعد لحد ما يفرجها الكريم من ناحية تانية (جرس التليفون يدق) إيَّاك ده الفرج.
نجيب (بلا حراك) : عشم إبليس في الجنَّة.
عبد **** : مين عارف؟
نجيب : مش منظور ان مدير البنك الأهلي يطلبني في التليفون؛ علشان يقول لي أمرنا لك بخمسين جنيه! على كل حال، روح انت شوف مين.
عبد **** (يتَّجه إلى التليفون) : يا سيِّدنا الحسين.
نجيب : إن كان واحد من ايَّاهم، ارمي السمَّاعة على طول!
عبد ****
نجيب (يرفع السمَّاعة) : آلو … آلو … مين؟ نجيب بك … حاضر (يلتفت إلى نجيب) دي واحدة ست عاوزة حاضرتك.
نجيب (ينتفض) : ست … (ينهض ويهرع إلى التليفون) آلو … أفندم … آه … هوَّ انت يا سوسو؟ … نعم … عاوزة إيه؟ ما بظهرش؟ طبعًا فيه سبب مهم … لأ مش زعلان منِّك … أنا زعلان من نفسي … لأ مش نازل النهارده … لأنِّي منحاش … منحاش في البيت … اللي حايشني؟ سبب مهم … (يبعد فمه عن البوق، ويخاطب عبد ****) أقول لها على السبب يا سي عبد **** (يعود إلى التليفون) لأ ما أقدرش النهارده … متأسِّف … أورفوار … (يضع السمَّاعة، ويجلس وهو يقول لعبد ****) صدَّقت؟ قلت لك ده مش مدير البنك الأهلي، تقول لي لأ … ما فيش فايدة.
عبد **** (بعد لحظة صمت) : بقى مافيش مع حضرتك ربع ريال؟
نجيب (في صبر عجيب) : إن كان مع حضرتي٣ صاغ كنت نزلت … عاوز افهِّمك أكثر من كده؟
عبد **** (في لحظة تفكير) : جنابك برده تقدر تجبر بخاطري.
نجيب (في اهتمام) : ازَّاي بقا يا شاطر؟
عبد **** : المطبخ فيه كروانة نحاس، تساوي لها نصف ريال.
نجيب : بس كده؟
عبد **** : وفيه كمان لحوق كويِّس، يجيب له ٧ قروش صاغ.
نجيب : كويِّس … وانا آكل في إيه؟
عبد **** : في اللُّوكانده.
نجيب : يا سيدي … يا سيدي!
عبد **** : محمد السفرجي طفش … ومين اللي رايح يطبخ لجنابك؟ مفيش غير اللُّوكانده.
نجيب (في تهكُّم خفيٍّ) : الكونتننتال!
عبد **** : اللي تستحسنها.
نجيب : تعجبني!
عبد **** : وأكل اللُّوكانده على كل حال أحسن من تَلكلِيك محمد السفرجي، اللي يقرف الكلب.
نجيب : طبعًا … لكن بقى يا فصيح، اللُّوكانده دي بلاش، والَّا بفلوس؟
عبد **** : شُكك لحد أول الشهر.
نجيب : يا مسكين يا أول الشهر … أول الشهر ده لو كان جمل، كان زمانه وقع من طوله مغشيًّا عليه!
عبد **** : وإيه الرأي بقى، يا سي نجيب بك؟
نجيب : اللي تشوفه جنابك … (جرس التليفون يدق).
عبد **** : التليفون!
نجيب : تعال شوف مين.
عبد **** (يمسك السمَّاعة) : آلو؟ واحدة ست برده.
نجيب : عاوزة إيه دي كمان؟ هات ورِّيني (يأخذ السمَّاعة) آلو … مين … حسنيَّة؟ أفندم … عاوزاني ضروري؟ مش ممكن … ما اقدرش أنزل النهارده … سبب مهم … منحاش … أيوه منحاش … برده لازم أجيلك حالًا في تاكسي؟ طيِّب انتظري على التليفون لحظة (يلتفت إلى عبد ****) نصف ريال سلف يا عبد **** بك!
عبد **** : منين؟
نجيب : ابحث في أي حتَّة … لازمني ضروري … اعمل معروف.
عبد **** : تعمل به إيه جنابك؟
نجيب : أجرة تاكسي يا مغفَّل.
عبد **** : أنا ورايا شغل مش فاضي … (يتحرَّك للانصراف).
نجيب (يبصق نحوه) : ما أنا برده عارفك ندل خسع! (وفي الحال يتَّجه إلى البلكون في الجهة اليسرى، ويقف ببابه، ويرفع رأسه إلى أعلى ويصفر) يا مصطفى … يا مصطفى … سيدك سامي لسَّه مارجعش من العيادة؟ لسَّه؟ طيِّب احدف لي حالًا نُص ريال وحياة أبوك … ما فيش ازاي؟ نُص ريال واحد لا غير يا دون … ما تعطَّلنيش … إخص على اللي عملكم خدَّامين … (يدخل يائسًا) شيء يجنِّن (يمسك السمَّاعة) آلو … اسمعي يا حسنيَّة … مافيش فايدة أبدًا، تعالي انت بتاكسي … مستحيل؟ طيِّب يا عزيزتي أورفوار … (يضع السمَّاعة في الحال).
عبد **** : خلِّيك جنابك في بيتك … برده أحسن!
نجيب (في نظرة شزراء) : أحسن في إيه؟
عبد **** : جنابك كنت حاتدفع للتاكسي النُّص ريال، اللي احنا لسَّه مش عارفين نعتر عليه!
نجيب : طيِّب اسكت … مش عاوز منَّك كلام! قسمًا ب**** العظيم ماتنطق كلمة واحدة زيادة، إلَّا أقوم أأكِّلك علقة تساوي ٣٠ قرش!
عبد **** : ٣٠ قرش! دي ولا أكلة الحاتي الكبابجي! طيِّب قابل، بس ادفعهم.
نجيب : تفضَّل انزل … وخدها من قصيرها … الَّا انا دلوقت العفاريت بتلعب قدَّامي.
عبد **** : لأ … **** يستر … (يشير بالسلام ويخرج).
نجيب (يرتمي على المقعد) : ما فيش نزول خلاص … أنا لازم أعوِّد نفسي على الوحدة، وأعمل زي غاندي، وأحتقر العالم كلُّه، اللي ماشي بالفلوس … سوسو تحبِّني علشان الفلوس، حسنيَّة عاوزاني بالفلوس … آدي الحياة كلها … فيها إيه غير كده؟ وكدَّاب اللي يقول فيه حاجة اسمها عواطف، عند مخاليق **** المصنوعين من وحل وطين.
سامي (يدخل في اندفاع واهتمام) : نجيب؟
نجيب : نعم … ما لك عاوز إيه انت لاخر؟
سامي : أنا … أنا.
نجيب : انطق امَّال.
سامي : أنا وقعت من السما وانت تلقَّفتني.
نجيب : امتى ده؟
سامي : دلوقت.
نجيب : أبدًا … انت لو كنت وقعت دلوقت من السما، كنت سبتك تنكسر رقبتك.
سامي : ما ترضاش … أنا عارف قلبك وأخلاقك.
نجيب : الغرض … بالاختصار، انت عاوز إيه دلوقت؟
سامي : ما تكلِّمنيش باللَّهجة دي يا نجيب، شجَّعني شوية.
نجيب : أشجَّعك يعني إيه؟ شجَّع نفسك، وتكلَّم انت، وقول اللي عاوز تقوله.
سامي : أنا … انت عارف انِّي خاطب فيفي.
نجيب : عارف.
سامي : طبعًا … لسَّه مش خطوبة رسمية لغاية دلوقت … إنَّما …
نجيب : زي بعضه.
سامي : لأ … مش زي بعضه.
نجيب : المهم انكم بتحبُّوا بعض.
سامي : مش كفاية … الخطوة المهمَّة والعقبة الصَّعبة أهلها … فيفي أولًا، وارثة النهارده، ومتوفِّر لها في المجلس الحسبي أكتر من ١٢ ألف جنيه … وعائلتها كبيرة معروفة، وما اقدرش أقول لك ان كانوا يرضوا بواحد زيِّي والَّا لأ … خصوصًا أنا سمعت ان أهلها مشترطين مهر لا يقل عن ٨٠٠ جنيه، وشبكة ٣٠٠ جنيه … يعني واحدة زي دي تتكلِّف لها حوالي ١١٠٠ جنيه.
نجيب : وما له … انت لك في البنك مبلغ وقدره.
سامي : كل رصيدي ألف جنيه لا غير.
نجيب : نعمة من ****! فيه غيرك رصيده النهارده ما حصَّلش ٣ قروش صاغ.
سامي : لاحظ ان ألف جنيه ما يعملوش حاجة يا نجيب.
نجيب (في تهكم) : أبدًا.
سامي : أنا باكلِّمك جد … انت أولًا، شفت فيفي … بنت شيك صحيح … اللي زي دي لازم تعيش عيشة (لوكس)، انت شفتها والَّا لأ، فيفي؟
نجيب (مطرقًا) : أيوه.
سامي : إيه رأيك فيها بذمتك؟
نجيب (مطرقًا) : كويِّسة.
سامي (في تحمُّس) : مش كويَّسة بس … جنان.
نجيب (في صوت خافت) : صحيح.
سامي : بشرفك لو كنت انت في مركزي، مش تعبدها؟
نجيب (يرفع رأسه) : إيه لزوم السؤال ده؟
سامي : تعبدها والَّا لأ؟
نجيب : ما أجاوبش.
سامي : انت حر … لكن أنا أقسم لك، ان فيفي مفيش زيها اتنين في مصر.
نجيب (مطرقًا) : ماحدِّش قال انك كدَّاب.
سامي : بنت (سبور)، مدهشة يا نجيب … ساعات تسوق عربيِّتها بنفسها … عربية (باكار) فخمة … تصوَّر امبارح بالليل، في شارع الهرم، كانت ماسكة الدركسيون بيد واحدة، وإيدها التانية على كتفي … وماشيين على ٨٠ كيلو.
نجيب (في مرارة) : وتدوس الغلابة المساكين!
سامي : دي شاطرة … ما تخافش عليها.
نجيب (في نفس المرارة) : طبعًا … الخوف على اللي يمشي في سكِّتها …
(صمت.)
سامي (بعد لحظة صمت وتأمُّل) : أنا أحبَّها قوي يا نجيب.
نجيب : وأنا كمان.
سامي (ينظر إليه) : وانت كمان؟
نجيب : أيوه … أنا كمان أشجَّعك على ذلك.
سامي (في فرح) : صحيح؟
نجيب : وهي تحبَّك قوي يا سامي!
سامي : جدًّا.
نجيب : أنا … أشجَّعها على ذلك.
سامي : انت بتتكلَّم جد؟
نجيب : مافيش داعي اني أهزَّر.
سامي : تفتكر اني كُفء لها.
نجيب : بالتأكيد.
سامي : ما تنساش ان كل ثروتي، عبارة عن الألف جنيه الموضوعة في البنك.
نجيب : من ساعة هيَّ ما حبتك، ارتفعت قيمتك، وبقيت تساوي تقلك دهب.
سامي : إزَّاي الكلام ده؟
نجيب : من يوم أنا ما عرفت انها بتحبَّك، وانت متمتَّع بكامل احترامي! لأول مرة أشعر نحوك باحترام عميق!
سامي (في دهشة) : للدرجة دي؟
نجيب : أمَّال إيه؟ انت نايم؟ فوق لنفسك كده، وافهم انك دلوقت حاجة تانية، يا ستِّين مغفَّل.
سامي : لأ ما تخفش … أنا برضه فاهم، لو تكون من قسمتي، حانقلب حاجة تانية صحيح، وألعب بالدَّهب لعب؛ ١٠٠٠٠ جنيه نقدية في الزمن ده حاجة توهم … غير العقارات … علشان كده أنا بقول دي فرصة … خايف تطير من يدي.
نجيب (يبصق) : إخص! صحيح انك منحط! انت مش عارف أبدًا تخلِّيني احترمك خمس دقايق على بعض!
سامي : ليه؟ حصل منِّي إيه؟
نجيب : انت مش فاهم وبس … مش ممكن واحد زيَّك يفهم.
سامي : إيه بس اللي حصل؟
نجيب : حصل انك فاكرها بيعة وشروة وأوكازيون، خايف يضيع منَّك … برضه انت حكيم سوقي تجاري.
سامي : بقى اسمع يا نجيب، أنا مش جاي لك دلوقت علشان تهزَّأني.
نجيب : أمَّال جاي لي علشان إيه؟
سامي : جاي لك علشان تساعدني.
نجيب : أساعدك في إيه؟
سامي : تساعدني بكل قوتك … وتنقذني بأي وسيلة؛ لأني رايح اقع من السما وانت …
نجيب : انتظر شوية من فضلك، قبل ما تقع من السما … وضَّح لي المسألة، علشان أشوف إن كنت أقدر استلقَّاك والَّا ما اقدرش.
سامي : طبعًا المسألة واضحة … أهلها يستحيل يتنازلوا عن أقل من ألف و٢٠٠ …
نجيب : وبعدين؟
سامي : وأنا مش عاوز أظهر بمظهر الضَّعف والفقر والاحتياج … يعني لازم أدفع فورًا اللي يقولوا عليه، من غير تردُّد أو مماطلة.
نجيب : كويِّس.
سامي : وانت عارف ان اللي معاي ألف بس … يعني لازمني ٢٠٠ قول ١٠٠ علشان أهوِّن عليك … وأنا أبقى أتدبَّر في ال ١٠٠ التانية.
نجيب : أنا مش فاهم.
سامي : بالاختصار أنا أرجوك تسلِّفني ١٠٠ جنيه دلوقت حالًا.
نجيب : دلوقت حالًا؟!
سامي : أيوه … لأني ناوي أقدِّم الشبكة والمهر وكل حاجة، بكرة قبل ما حد يعطَّل الشغلة.
نجيب : بقى انت جاي لي علشان أسلِّفك؟
سامي : حالًا.
نجيب : آه.
سامي : سكتِّ ليه؟ بتبص لي كدا ليه؟
نجيب : أنا قاعد افكَّر مش لاقي.
سامي : الفلوس؟
نجيب : مش لاقي رد كافي شافي ينرَد به عليك.
سامي : ليه؟
نجيب : عاوز تستلف منِّي ١٠٠ قرش؟
سامي : ١٠٠ جنيه.
(نجيب يضحك ثم يضحك.)
سامي : أنا مستعد اكتب لك بالمبلغ كمبيالة.
(نجيب يضحك ثم يضحك.)
سامي : بتضحك ليه بس؟ هو دا وقت ضحك يا نجيب؟
نجيب : أمَّال امتى وقت الضحك؟ (ينهض ويصيح) أيتها السموات اضحكي … أيتها الغرفة اضحكي … أيها الصندوق اضحك … أيها البوَّاب عبد **** اطلع حالًا واضحك. (لسامي) واحد من أمرين، إمَّا إنك تعبان شوية، ويستحسن اني أطلب لك إسعاف بالتليفون، ينقلك إلى مستشفى الأمراض العقلية، وإمَّا اني أنا اللي تعبان شوية؛ لأني أحتكم على ١٠٠ جنيه نقدًا وعدًّا بدون علمي، وقاعد منحاش في البيت مع إني باسلِّف الناس بكمبيالات.
سامي (يجذب نجيب من جاكتته) : أرجوك تقعد.
نجيب : سيبني أتكلِّم وأقنع نفسي أولًا.
سامي : اقعد يا نجيب اعمل معروف.
نجيب : قعدت.
(يجلس.)
سامي : يظهر انك مش فاهم الموضوع.
نجيب : ده مؤكَّد … اني فهمت غلط خالص.
سامي : المسألة مسالة مستقبل … ولذلك أنا أتوسَّل إليك يا نجيب … فاهم؟ أنا أتوسَّل إليك.
نجيب : العفو … علشان إيه بس؟
سامي : تشوف لي ١٠٠ جنيه.
نجيب : برده … (صائحًا) يا راجل اعقل … اعقل والَّا أقسم ب**** العظيم، أتكلَّم بالتليفون ينقلوك في الحال! دا أنا لسَّه يا بارد مافيش خمس دقايق، مصفَّر لك في البلكون علشان تحدف لي نُص ريال … تقوم تجيني دلوقت تطلب منِّي ١٠٠ جنيه؟
سامي : انت يا نجيب شخصية معروفة، في جميع الأوساط والنَّوادي الكبيرة.
نجيب (يلتفت إليه بسرعة) : يعني إيه؟
سامي : يعني إنك شخص ما حدِّش يرفض لك طلب.
نجيب : دا صحيح … لكن قبل كل شيء، أنا شخص معروف عند النَّاس كلَّها، ان ليَّ كرامة.
سامي : انت سالف من مارسيل البارمان ٢٠ جنيه.
نجيب : مارسيل وأمثاله عارفين، طيَّب، إن اﻟ٢٠ جنيه يقبضوها منِّي ٤٠، لمَّا تيجي الفرص المناسبة … ومن هنا لغاية ما تيجي الفرص المناسبة، ما أقدرش أظهر نفسي لجنس مخلوق.
سامي : يعني ما تقدرش تساعدني يا نجيب بأي طريقة؟
نجيب : في الحالة الراهنة لأ.
سامي : ما تقدرش تستلف لي من تحت الأرض؟
نجيب : لو كان تحت الأرض فيه ناس بتسلِّف، ماكنتش انتظرت لمَّا تفكَّرني حضرتك.
سامي : أنا كنت أعتقد انك تقدر.
(ينظر في الصالون)
نجيب : أرجوك ما تبصُّش كتير لطقم الصالون ده؛ لأنه لسَّه مش مدفوع تمنه، ومنظور يتحجز عليه من يوم للتاني.
سامي : يعني مافيش فايدة منَّك؟
نجيب : عينك كلَّها نظر.
سامي (في يأس) : يا خسارة يا فيفي.
نجيب (بعد لحظة إطراق) : طبعًا حاتزعل هيَّ كمان؛ لو حصل مانع.
سامي : بالطبع.
نجيب : أيوه … من غير شك.
سامي : أيوه.
نجيب : أيوه (لحظة) وانت ماتقدرش تصارحها بالمبلغ اللي ممكن تدفعه؟
سامي : مستحيل … أنا لازم أفهِّمها اني عريس كفء متيسَّر.
نجيب : وليه تغشِّهم؟
سامي : الزواج كله كده دلوقت.
نجيب : أيوه (لحظة صمت وهو مطرق) المهم هو الحب.
سامي : علشان كده زواجنا لازم يتم؛ لأننا بنحب بعض.
نجيب (في صوت منخفض غريب) : إن شاء **** يتم.
سامي (في أمل) : ازَّاي؟ لقيت فكرة؟ الحقني اعمل معروف، أنا أبوس رجلك، انقذني.
نجيب : عندي فكرة واحدة … (يفكِّر).
سامي : قول أنا في عرضك.
نجيب (يفكِّر) : ما فيش غير …
سامي (مهتمًّا) : غير إيه؟
نجيب : خاتم الملك.
سامي (ناهضًا) : ونلقاه فين ده؟
نجيب : موجود … (يفتح درجًا ويخرج خاتمًا من الماس) خد.
سامي (يتناول الخاتم بتردد) : لكن …
نجيب : إيه؟ ما ينفعش؟
سامي : إدِّيني عقلك … ماينفعش ازَّاي؟ دي حاجة فخمة قوي … **** يرحمها السِّت صاحبة العصمة والدتك … انت يظهر كنت ابن ناس طيِّبين في زمانك.
نجيب : هات بقى سيجارة وروح ارهنه، أو شوف لك فيه طريقة.
سامي (في تردُّد وهو يتأمَّل الخاتم) : لكن لأ يا نجيب … ما اقدرش! أنا بأي حق اسمح لنفسي بالتصرُّف في تذكار عائلي زي ده؟
نجيب : مش مهم!
سامي : أنا أعتقد ان ده تهجُّم منِّي عليك، زيادة عن اللزوم، ولا أجرؤش اني أقبل كرمك الغريزي المدهش ده.
نجيب : تجرَّأ واقبل، وروح بسرعة رتِّب أمورك.
سامي : على كل حال يا نجيب أنا ماقدرش أشكرك … لأن عملك مش من الأعمال اللي تشكر عليها بكلمة أو كلمتين … وإن قلت لك مرسي أو متشكِّر؛ لعمل زي ده أبقى باري … انت بالتأكيد أنبل وأكرم وأظرف وأشرف شخصية خلقها ****.
نجيب : رح بقى ما تبقاش ابن كلب رزل … دوشتني.
سامي : طيِّب أنا طالع بقى يا نجيب، أغسل وشي وأغيَّر؛ لأنها جاية دلوقت، لأول مرة تتفرَّج على الشقَّة … أرفوار مؤقَّتًا!
نجيب : أورفوار.
سامي : بكرة أشوفك ضروري؛ علشان أقول لك انا عملت إيه … (خارجًا).
نجيب (يصيح به) : اسمع.
سامي (يلتفت إليه) : نعم.
نجيب : معاك نُص ريال سلف؟
سامي (في حركة حماسية يخرج محفظته) : يا سلام يا نجيب … خد المبلع اللي انت عاوزه … جنيه … خمسة … عشرة.
نجيب : باقول لك نص ريال.
سامي : بس كده … (يعطيه نص ريال).
نجيب : أيوه بس نص ريال … افهم عربي … مش طالب غيره … هات كمان سيجارة … ولَّع لي … بس روح بقى ابعد عنِّي … نهارك سعيد.
(سامي يخرج … نجيب يظلُّ وحده على مقعد مفكِّرًا يدخِّن.)
(جرس الباب يرن.)
(نجيب ينهض بسرعة … ثم يسرع إلى الطاولة ويدخل الصندوق.)
(فيفي تنقر على باب الصالون، وإذ تجده خاليًا تتقدَّم في تردُّد.)
(وتجلس على مقعد ثم تتململ وتنادي.)
فيفي : مافيش حد هنا … سامي.
(نجيب يرفع غطاء الصندوق أي المنضدة ويظهر رأسه.)
فيفي (تراه في الصندوق خارجًا فتصرخ في رعب) : آه!
نجيب (خارجًا من الطاولة) : لا مؤاخذة … باردون.
فيفي : نجيب بك.
نجيب : أيوه … أنا نجيب.
فيفي (ضاحكةً ومشيرةً إلى الصندوق) : وعامل في نفسك كده ليه؟
نجيب : مش مهم … أولًا أنا أحب أعرف سبب تشريفك هنا.
فيفي : وأنا أحب أعرف صفتك إيه هنا؟
نجيب : بقى حضرتك كل ما تقابليني في حتَّة، تقولي لي صفتك إيه؟
فيفي : طبعًا … أسألك عن صفتك هنا بالحالة دي.
نجيب : صفتي اني في محل سكني.
فيفي (في دهشة) : دا محل سكنك … أمَّال سامي فين؟
نجيب : شقَّة سامي فوق … حضرتك غلطِّي في الدُّور.
فيفي : آه … صحيح … باردون … طيِّب أمَّا أقوم اطلع بقى … قبل كده مش تحب تقول لي انت كنت مستخبِّي ليه كدا؟
نجيب : احتياطيًّا بس … علشان ما أقابلش بعض الناس غير المرغوب فيهم.
فيفي : زي مين؟
نجيب : ناس كتير يطول شرحهم.
فيفي : أنا منهم؟
نجيب : انت؟
فيفي : قول بصراحة.
نجيب : ما اقدرش أقول لك … (فيفي تمتعض قليلًا لهذا الجواب).
فيفي : مِرسي … وعرفت ازَّاي اني جيت؟
نجيب : علشان ضربتي جرس الخطر.
فيفي : جرس الخطر دا إيه؟
نجيب : جرس الباب … لأن كل واحد يضرب الجرس، معناه عندنا انه غريب عن البيت، أقوم أنا في الحالة دي أدخل الغوَّاصة … (يشير إلى المنضدة).
فيفي (تنظر إلى المنضدة التي على شكل الصندوق) : الغواصة! (تضحك).
نجيب : أمَّال … احنا دلوقت في حالة حرب … ودخول الغوَّاصة ضروريٌّ؛ علشان لو دخل حد من الأعداء، يلاقي الشقَّة ما فيهاش مخلوق، يقوم يتقهقر بانتظام.
فيفي (باسمةً) : والمعارف … دول الحلفاء، طبعًا يدخلوا على طول، من غير ضرب الجرس.
نجيب : طبعًا … ولذلك، الباب دايمًا مفتوح … والحلفاء عندهم تنبيه بعدم ضرب الجرس.
فيفي : أنا متأسِّفة اللي أزعجتك، ودخَّلتك الغوَّاصة من غير سبب … ماكنتش أعرف … على كل حال اعتبر انك كنت بتعمل مناورة … انَّما اسمح لي أقول لك، ان دي طريقة غريبة! تفتكر ان فيه ناس كتير عاملين صناديق وغوَّاصات زي دي؛ علشان ما يقابلوش حد؟
نجيب : ما أظنُّش.
فيفي : اشمعنى بقى انت اللي عجيب في أطوارك؟
نجيب : علشان **** خلقني كدا.
فيفي : أنا ملاحظة ان أعصابك النهارده مرتاحة.
نجيب : الحمد ***.
فيفي : إنَّما دا ما يمنعش انك تكره السِّت اللي كانت بتاكل جلاس عند جروبي، زي ما تكره فاتورة الحساب تمام … مش كدا؟
نجيب : أرجوك ما تفكِّرنيش بفواتير الحساب.
فيفي : ولا بالست اللي انت تكرهها؟
نجيب : لاحظي سيادتك إن سامي منتظر فوق.
فيفي : أنا طالعة حالًا … انت متضايق من وجودي؟
نجيب : أنا ما قلتش كدا.
فيفي : باين في عنيك انك متضايق.
نجيب : وهو كذلك.
فيفي : علشان كده أسيبك … أورفوار.
نجيب : أورفوار.
فيفي (تتحرَّك إلى الباب فترى الجرامفون في طريقها فتقف) : دا الجرامفون بتاعك؟ عندك أسطوانات جديدة طبعًا … على فكرة … أمَّا امبارح سمعنا في ميناهوس دور جديد في الجازباند، بديع قوي … اسمه … نسيت … دلوقت أسأل لك سامي عن اسمه … أنا امبارح سقت الباكار بنفسي.
نجيب : عارف … في شارع الهرم … الدركسيون بيد واحدة، سرعة ٨٠ كيلو.
فيفي : سامي قال لك.
نجيب : طبعًا.
فيفي : بقى سامي لازم يقول لك كده على كل شيء؟
نجيب : صاحبي.
فيفي : على فكرة … إيه رأيك في سامي؟
نجيب : رأيي في سامي انه شاب مدهش.
فيفي : أنا مش شايفاه مدهشش في حاجة أبدًا.
نجيب : أستغفر **** … اسمحي لي أقول لك انك غلطانة قوي … انت عاوزة أحسن من كده إيه في الدنيا؟ شاب لطيف … حكيم كويِّس … فلوس عنده في البنك … ما لوش داين بطالبه بقرش أو يزعجه بفاتورة حساب … وفضلًا عن كده … بيحبِّك.
فيفي : بيحبِّني؟
نجيب : يعبدك.
فيفي : مين كمان غيره بيحبِّني؟
نجيب : ما فيش غيره.
فيفي : انت كدَّاب.
نجيب : مش عاوزة تصدِّقي … انت حرَّة.
فيفي : طيِّب بص في وشِّي … حط عينك في عيني.
نجيب : لا لا لا … اعملي معروف، ما فيش داعي أبدًا اني أبص في وش حضرتك، ولا أحط عيني في عينك.
فيفي : شوف انت خفت من عيني ازَّاي؟
نجيب : ما علهش.
فيفي : قل لي يا نجيب …
نجيب : ما شاء ****.
فيفي : إيه؟
نجيب : نجيب كدا حاف! لا نجيب أفندي … ولا نجيب بك … ولا حتى سي نجيب … حضرتك واخده راحتك معاية في الكلام زيادة عن اللزوم.
فيفي (في امتعاض) : كدا؟
نجيب : انت مش ملاحظة؟
فيفي : كنت أفتكر انك (سبور).
نجيب : اللي قال لك كدا غشك.
فيفي : كنت أفتكر ان لي الحق اعاملك من غير تكليف، بصفتك صاحب سامي الحميم … ومع ذلك أنا حاخسر إيه؟ تحب أقول لك يا نجيب باشا؟
نجيب : أحب تقولي لي (جود باي) … بس، وتسيبيني في حالي!
فيفي : إنت النهارده وحش صحيح.
نجيب : طول عمري كده … (يتناول سمَّاعة التليفون بسرعة) آلو … مين … سوسو … اسمعي … أنا لازم أقابلك النهارده … وهو كذلك … بعد عشر دقايق أكون عندك … نروح فين؟ زيّ ما يعجبك انت، أورفوار مؤقَّتًا … (يضع السمَّاعة).
فيفي (في مرارة) : دي واحدة ست.
نجيب : أظن كدا.
فيفي : أنا دلوقت فهمت.
نجيب : فهمت إيه؟
فيفي : فهمت انك نسيت بالعجل السِّت بتاعة جروبي.
نجيب : الحمد *** اللي فهمت كدا.
فيفي (تنصرف) : نهارك سعيد.
نجيب (بلا حراك) : نهارك سعيد …
(فيفي تخرج … ويبقى نجيب لحظة جامدًا، ثم يرتمي على مقعد، ويضع رأسه بين يديه).
الفصل الثالث
(عين منظر الفصل الثاني … أي شقَّة نجيب … نحيب واقف بقُرب الجراموفون يسمع أسطوانة (La petite Tonkinoise) لجوزفين بيكر وهو يتحرك كأنه يرقص على أنغامها … ولا تكاد الأسطوانة تصل إلى رُبعها حتى يدخل سامي.)سامي (في اهتمام واندفاع) : نجيب!
نجيب (يشير إلى الأسطوانة) : هس! اسمع النَّغمة دي!
سامي : المسألة مهمَّة قوي … فُضك من البتاع ده دلوقت.
نجيب (يوقف الفونوغراف في تبرُّم) : هه! ما لك بقى يا سيدي … ادَّوشت وقل مزاجي!
سامي : شوف يا نجيب … المسألة اني أنا وقعت من السما.
نجيب : وانا تلقَّفتك … ماعندكش شغل أبدًا غير انك تقع من السما؟
سامي : الحقيقة انهم مسألتين، مش مسألة!
نجيب : كمان؟!
سامي : أولًا، الخاتم الألماس بتاعك.
نجيب : ما له؟
سامي : راح.
نجيب : راح ازَّاي؟ يخرب بيتك.
سامي : راح من إيدك … من إيدينا … لأني خلاص قدَّمته شبكة لفيفي! وانت إذا كنت تحب، أكتب لك به كمبيالة، بأي مبلغ يعجبك، يدفع على أربع سنين، كان بها … وإذا كنت تحب تشنقني، اشنقني … أنا بين إيديك، واللي تعمله اعمله!
نجيب : تذكار أمِّي يا جدع انت!
سامي : أنا غلطت وورِّيته لفيفي مسكت فيه … اضطرِّيت أقول لها انه الشبكة! ونسيت ساعتها انه تذكار أمَّك … (يستدرك) والدتك! الحقيقة انه خاتم مدهش يا نجيب … كلّ من شافه يستعجب! مافيش بضاعة زي دي دلوقت عند الجواهرجيَّة!
نجيب : وأهلها قالوا إيه؟
سامي : فرحوا طبعًا … وبقوا يورُّوه لمعارفهم … أنا قلت لهم تمنه ٦٠٠ جنيه.
نجيب : ده اللي ينتظر منَّك.
سامي : أبدًا … الواقع انه يساوي كده برده … عند نجيب الجواهرجي خاتم ما يجيش ربعه، مكتوب عليه ٣٠٠ جنيه!
نجيب : انت لو كنت رهنته على ١٠٠ أو ٢٠٠ جنيه، ماكنتش حاتقدر تقدِّم شبكة بالعظمة دي!
سامي : ما هو ده نفس اللي أنا شفته برده!
نجيب : احترموك طبعًا … ورقبتك بقت أطول من الباب ده.
سامي : طبعًا.
نجيب : وخطيبتك مبسوطة بالتأكيد.
سامي : فيفي حاتطير به طيران … لابساه في اصبعها، ودايره تفرجه للناس!
نجيب (في صوت خافت) : دا المهم!
سامي (بعد لحظة في تردُّد) : لكن بس …
نجيب (يرفع رأسه نحوه) : إيه بقى؟
سامي (في تردُّد) : انت مش زعلان يا نجيب!
نجيب : علشان إيه؟
سامي : علشان الخاتم ضاع … لأنه لو كان اترهن على أي مبلغ، كان برده على الأقل، فيه أمل انه يرجع لك في أي وقت! لكن دلوقت مافيش أمل أبدًا!
نجيب : طيِّب وعاوز منِّي إيه بقى دلوقت؟
سامي : ولا حاجة … انت اللي عاوز منِّي!
نجيب : عاوز منَّك إيه؟
سامي : من حقَّك انك تزدريني، على الأقل، وتحتقرني؛ لأني زوِّدتها خالص!
نجيب : مش فاضي انا دلوقت أحتقرك.
سامي : سكوتك يا نجيب بيخوِّفني.
نجيب : ما تخافش.
سامي : ضميري بيوبِّخني.
نجيب : وآخرتها معاك بقى؟ انت عارف أنا ما ليش تقل على الفلسفة … ضميرك يوبِّخك، يهزَّأك، يرقَّعك بالصَّرمة، أنا دخلي إيه؟!
سامي : طيِّب.
نجيب : آدي مسألة فاتت … إيه بقى المسألة التانية؟
سامي : المسألة التانية.
نجيب : انطق.
سامي : كتب الكتاب.
نجيب : ما له.
سامي : كان غرضي يتمُّ في أقرب فرصة.
نجيب : وجرى إيه؟
سامي : فيفي مصهينة شوية، وقاعدة تماطل وتمطوح.
نجيب : وإيه السَّبب؟
سامي : مش قادر أفهم.
نجيب : من امتى الكلام ده؟
سامي : أخيرًا.
نجيب : طيِّب، وانت مستعجل على إيه؟
سامي : ازَّاي … انت عبيط؟ لازم تنتهي بسرعة قبل ما يخلَّصوا منِّي القرشين (نجيب ينظر إليه شزرًا) بتبص لي كده ليه؟ مش عاجبك كلامي؟ أنا شايف اني باتكلِّم بعقل.
نجيب : بعقل زيادة عن اللزوم.
سامي : أصل الموضوع ده بالذات عايز كده!
نجيب : بالعكس.
سامي : انت مش فاهم مركزي يا نجيب … أنا أقل واحد تجرأ انه يخطب فيفي! دي تقدَّموا لها أكبر ناس في مصر، ورفضتهم … انت نايم؟ دي معروفة في البلد كلِّها، انها لقطة وحيدة، اللي ينولها كأنه نال.
نجيب (في تهكُّم) : البنك الأهلي؟
سامي : السعادة في الدارين!
نجيب : دا صحيح!
سامي : ولذلك أنا عايز أطمئن.
نجيب : طبعًا!
سامي : عايز أعمل كل جهدي، إن كتب الكتاب ينتهي في ظرف أسبوع.
نجيب : أسبوع؟! هوَّ الزواج سلق بيض يا حضرة الأفندي، والَّا هيَّ العبارة نهب! اهدأ وابرد وتعفُّف شوية! انتم ليه كده ناس بطَّالين شبَّاحين! الدنيا بخير ولله الحمد. ولا حدِّش بيموت من الجوع … وانت عندك ألف مدعوق مصري في البنك!
سامي : يعني تفضَّل اني أترك لهم حرية تحديد اليوم اللي يعجبهم؟
نجيب : بالتأكيد!
سامي : فكرة … برضه؛ علشان ما اظهرش قدَّامهم بمظهر اللَّحوح الملهوف!
نجيب : ما فيش عندك غير انك تظهر بالمظهر! … برضه تفكيرك مش عاجبني أبدًا!
سامي : ليه؟
نجيب : أنا و**** خايف انك ما تستحقِّش عروسة جميلة زي دي!
سامي (في قلق) : ازَّاي؟ لأ … ما تخوِّفنيش امَّال!
نجيب : ما عندكش عواطف أبدًا.
سامي (يتنفَّس الصُّعداء) : لأ … عندي … اطمئن … العواطف دي موجودة دايمًا فوق البيعة!
نجيب : البيعة؟ شوف برضه، ألفاظك مش عاجباني!
سامي (يصيح) : وبعدين بقى … انت حاتطيَّر لي برج من عقلي … جاتك البلا … سمج! أنا مش ضروري أعجبك انت … أنا ما دمت عاجب فيفي طظ في حضرتك، وفي الدُّنيا كلها!
نجيب (يطرق) : أنا كل قصدي انك تعجبها!
سامي : عاجبها غصب عنَّك!
نجيب : دا المهم … (صمت … ينهض ويتَّجه إلى الجرامفون ليدير الأسطوانة).
سامي : بلاش فونوغراف دلوقت … اعمل معروف، خلِّينا نتكلِّم شوية!
نجيب : عاوز منِّي إيه كمان؟
سامي : ولا حاجة!
نجيب : طيِّب خلاص بقى اعتق رقبتي!
سامي : ما تخافش … خلاص عتقتك … أنا كان غرضي أسألك عن أحوالك انت!
نجيب : أحوالي أنا عال قوي … كتَّر خيرك!
سامي : على فكرة … السِّت اللي كنت قابلتها في جروبي بتاكل جلاس، ووقعت في حبِّها! ما فيش خبر عنها أبدًا؟
نجيب : لأ!
سامي : أنا متأسِّف اني غرقان لشوشتي في مسألة فيفي، زي ما انت شايف … والَّا أنا كنت حالًا شفت لك طريقة!
نجيب : ممنون!
سامي : وأحوالك الماليَّة ماشية؟
نجيب : أحوالي الماليَّة فتحت بصعود ٥ بنط، وقفلت بنزول بنطين!
سامي : هيَّ إيه؟
نجيب : البورصة!
سامي : بورصة إيه؟
نجيب : أعمل لك إيه؟ حضرتك بتسألني إذا كانت أحوالي الماليَّة ماشية؟ أقول لك إيه بس؟ شيء يجنِّن! تاجر أقطان أنا في بورصة مينا البصل؟! من امتى كان لي أحوال ماليَّة، ماشية، والَّا قاعدة؟
سامي : أنا غرضي أسألك عن الحجز المتوقِّع على عفشك، لسَّه ماشي والَّا.
نجيب : طبعًا ده ماشي … امَّال حايروح فين؟
سامي : وامتى تحدِّد يوم البيع؟
نجيب : ما اعرفش … اسأل عبد **** البوَّاب … هوَّ اللي تعيِّن حارس!
سامي : على **** من هنا ليوم البيع، يجي لك قرشين.
نجيب : منين ييجوا القرشين … ما دام ما انفتحت لناش الجيوب، ولا القلوب!
سامي : طبعًا انت عارف ظروفي صعبة!
نجيب : جدًّا.
سامي : على كل حال **** يفرجها من فضله.
نجيب : و**** أنا في غاية الخجل من **** … لأنه سبق فرجها كتير من فضله!
سامي (ينهض للانصراف) : مش كتير عليه المرة دي كمان.
نجيب : انت قايم؟
سامي : أيوه … علشان ورايا ميعاد.
نجيب : مع خطيبتك طبعًا.
سامي : بالطَّبع مع فيفي!
نجيب : طيِّب … مع السَّلامة.
(سامي يخرج بعد أن يحيِّي بإشارة.)
(نجيب ساهم بلا حراك لحظةً.)
عبد **** (يدخل ومعه ورقة) : سيدي نجيب بك!
نجيب : أفندم.
عبد **** : النهارده كام في الشهر؟
نجيب (في ارتياع) : ليه بقى **** لا يسيئك!
عبد **** : لأ … ما فيش حاجة … ما تخافش.
نجيب : ما انتش جايب وراك مصيبة النهارده؟
عبد **** : لأ … ما فيش لا سمح **** مصايب … واحنا ما لنا وما لها … شر برَّه وبعيد!
نجيب : أمَّال الورقة اللي في إيدك دي إيه؟
عبد **** : لأ … دي لسَّه ما جاش وقتها!
نجيب : الحمد ***.
عبد **** : روَّق بال جنابك.
نجيب : أصل انت دايمًا تيجي تطلَّع على جتِّتي البلا، من غير مناسبة!
عبد **** : لأ … خلاص ان شاء ****، ما يجيش على قدومي إلَّا الخير.
نجيب : طيِّب يا سيدي … عشمنا كده برده.
عبد **** : الغرض وما فيه … أنا كنت عايز أقول لحضرتك!
نجيب : إيه … إيَّاك انت جاي طالب منِّي فلوس؟
عبد **** : برده ما أقدرش أكدِّب حضرتك في دي! لكن بقى!
نجيب : لكن بقى إيه؟ أنا كان أملي تطلَّعني مرة كدَّاب في دي.
عبد **** : على كلِّ حال دي مسألة مش مهمَّة دلوقت.
نجيب : أيوه كده اعمل معروف … فُضِّنا من المسائل اللي مش مهمَّة! انت كنت طالع ليه بالظبط؟
عبد **** : هو النهارده مش ١٢ في الشهر؟
نجيب : النهارده ١٤.
عبد **** (صائحًا) : ١٤ في الشهر؟ يا خبر اسود!
نجيب (في هلع) : اسود ازَّاي؟
عبد **** : النهارده مصيبة مستنظرانا، ولا احناش داريين!
نجيب : قلت لك كده، تقول لي ما فيش مصايب النهارده! إيه بقى يا سيدي قول … تكلَّم … موِّتني … هات خبري بالعجل!
عبد **** : المحضر، كان قال إن يوم البيع ١٤ الشهر ده!
نجيب : ١٤ أبريل!
عبد **** : جنابك مش عارف؟
نجيب : أعرف منين؟
عبد **** : أنا سلَّمت لجنابك صورة من ورقة الحجز زي دي … (يقدِّم الورقة).
نجيب : وانت فاهم اني لاقي نفسي، علشان اقرا محاضر حجز، وأفوَّر دمِّي، قبل الميعاد؟
عبد **** : طيِّب خد جنابك استقرا الورقة دي، وشوف، يمكن احنا غلطانين.
نجيب : هات يا سيدي ورِّيني … (يتناول الورقة وينشرها ويقرأ الآتي):
محضر حجز تنفيذي … إنَّه في يوم الأحد ٢ مارس سنة ١٩٣٢م الساعة ١٠:٤٥ افرنكي صباحًا … بناء على طلب الخواجات جبران سعد **** وإخوته، المتَّخذين لهم محلًّا مختارًا، مكتب حضرة فرغلي أفندي المحامي … والاطَّلاع على صورة محضر الحجز التحفُّظي، الرقيم ٧ فبراير سنة ١٩٣٢م، المحكوم بتثبيته، وعلى الحكم الصادر غيابيًّا، من محكمة مصر الأهلية، في القضيَّة المدنيَّة نمرة ٤٨١٦ سنة ١٩٣٢م، المشمول بصيغة التنفيذ والنَّفاذ، ومعلن قانونًا وموكَّل لنا بتنفيذه … أنا عبد الحميد قزمان، محضر محكمة مصر الأهلية، وصلت إلى شارع قصر النيل، وبمساعدة شيخ القسم، قد تواجدت بالمسكن استئجار المدَّعى عليه نجيب أفندي إحسان، فلم أجده، ونبَّهت على تابعه، بوَّاب العمارة عبد **** خميس، المقيم معه في معيشة واحدة، بدفع مبلغ ٥٦٨٠ قرشًا، قيمة المحكوم به، والمصاريف وأتعاب المحاماة … فأجاب أن المدَّعى عليه غائبٌ، ولعدم الدَّفع، دخلت العين المؤجَّرة، وأوقعت الحجز التنفيذي على الآتي: عدد ١ ترابيزة وسط خشب أبيض بأربعة أرجل مستعملة سليمة … عدد ١ كنصول خرزان وعليه رخامة بيضاوي سليمة … عدد ١ بساط قطيفة مبرِّد ٤ × ٥ … عدد ٣ براقع ستاير خشب مشجَّر بحلية قطيفة … عدد ١٢ كرسي خرزان ببويه بنِّي؛ عدد ١ سرير خشب بلدكان ببويه بيضة، وعليه ملَّة خشب بسلك، وثلاث مراتب نوم بوجه تيل مقلِّم حشو قطن، ومخدَّتين نوم بوِش ستانية أخضر، ولحاف ستنانيه بمبه … عدد ٤ حلل نحاس بغطاهم من فوق بعض وزن الجميع ١٥ رطل … عدد ١ أنجر نحاس أربعة أرطال … (نجيب يقطع القراءة ويلتفت إلى عبد **** في فرح) والصالون ده نسيوه؟
عبد **** : ازَّاي؟ محجوز عليه برده … استقرا جنابك ضهر الورقة، تلاقي بقيَّة القايمة.
نجيب (يقرأ) : عدد ٦ كنبة وفوتيل وكراسي صالون … عدد ٣ طاولة كبيرة وصغيرة … وعدد ١ فوتوغراف ماركة جرامفون وعشر أسطوانات أفرنجية وعربية مستعملة سليمة … (نجيب يقطع القراءة ويلتفت إلى عبد ****) حتَّى الجرامفون والأسطوانات يا عبد ****؟ دول قشَّطونا تمام … وجرَّدونا وخربوا بيتنا.
عبد **** : استقرا … استقرا … لسَّه كمان.
نجيب (يقرأ) : عدد ا دولاب ملابس بضلفتين وبمرآة مصقولة سليمة … عدد ٣٤ قطعةً فقط لا غير، ولم نجد خلاف ذلك، ولعدم وجود … (نجيب يلتفت لعبد ****) ازَّاي ما وجدوش خلاف ذلك؟ بقى ده كل العفش؟!
عبد **** (يغمز بعينيه) : أصل أنا، كلام في سرِّ جنابك، هرَّبت الباقي … التناتيش الخفيفة.
نجيب : كنت بالمرة هرَّب العفش كلُّه يا عبيط.
عبد **** : ازَّاي أهرَّبه؟ ده يبقى اسمه عزل … وانا صنعتي هنا بوَّاب العمارة … أقوم أعزل شقَّة بحالها، من غير علم صاحبها؟ وأعزل، حضرتك، فين؟
نجيب : النِّهاية … أهو المحضر هوَّ اللي عزلنا … (يعاود القراءة) … فقط لا غير، ولم نجد خلاف ذلك، ولعدم وجود من يقبل الحراسة؛ فقد عيَّنت عبد **** خميس، بوَّاب العمارة، حارسًا على جميع ما حجز عليه، وحذَّرته بالقانون، وقبل الحراسة، وحدَّدت لمبيع المحجوزات، يوم الاثنين ١٤ أبريل سنة ١٨٣٢م، من الساعة ٩ صباحًا لآخر النهار.
عبد **** : يعني النهارده.
نجيب (يستمرَّ في القراءة) : وحرَّرت هذا المحضر، وتركت للمدين صورة، مخاطبًا مع تابعه عبد **** خميس، لغيابه، وسلَّمت له صورة بصفته حارسًا.
عبد **** : وقال لي: إن ضاع جنس شيء، من اللي مكتوب في القايمة، أروح أنا في الحديد.
نجيب : طبعًا.
عبد **** : لكن أدحنا بقينا العصر، ولا فيش حد جه باع ولا اشترى! يكنوش نسيوا؟
نجيب : ينسوا ازَّاي؟ طوِّل بالك، دلوقت تتفرَّج على بهدلتنا قدَّام اللي يسوَا واللي ما يسوَاش!
عبد **** : وإيه العمل دلوقت؟
نجيب : مافيش عمل بالمرة.
عبد **** : بس لو كانش راح من بالي ان النهارده ١٤ في الشهر!
نجيب : يعني كنت حاتعمل إيه يا سي عبد ****؟ دا حتى أحسن اللي راح من بالك … على الأقل، علشان ما نزعلش قبل الهنا بسنة … فُضك بلا وجع دماغ … دا أنا لو كنت اكدَّر خاطري علشان مسائل زي دي؛ كان زماني توفِّيت بقالي ١٥ سنة، ومدفون النهارده في قرافة المجاورين (يتَّجه إلى الجرامفون) اسكت لمَّا اسمع الأسطوانة المدهشة، قبل ما ييجوا ياخدوا الفونوغراف!
عبد **** : لك حق … جنابك فرفش … ما حد واخد منها حاجة!
(يخرج عبد **** … نجيب يدير الأسطوانة التي أدارها في أول الفصل «لجوزفين بيكر»، ثم يتحرَّك راقصًا على أنغامها، في قوَّة وعدم اكتراث.)
(فيفي تدخل فجأة بعد لحظة؛ فترى نجيب يرقص وحده في الحجرة، على نغم الأسطوانة؛ فتقف باسمةً مشاهدةً … ويراها نجيب فلا يغيَّر ما هو فيه … ويظل يرقص، غير حافل بوجودها، وتسَرُّ فيفي من حركاته؛ فتجلس على مقعد أمامه تتفرَّج … ولا تتمالك أحيانًا من الضحك؛ لحركاته الفكاهية … إلى أن تنتهي الأسطوانة؛ فيرفع نجيب الإبرة، وهو يصفر بفمه.)
فيفي (في ابتهاج) : مدهش! أرجوك تعيد الأسطوانة دي كمان مرة.
نجيب (ينظر إليها من رأسها إلى حذائها ولا يجيب).
فيفي (في امتعاض) : بتبص لي كده ليه؟
نجيب : شيء جميل خالص!
فيفي : إيه هوَّ اللي جميل خالص؟
نجيب : أولًا، دخول حضرتك على طول كده، كأنها وكالة من غير بوَّاب!
فيفي : كنت عايزني أضرب جرس الخطر؟ كان زمانك دلوقت، جوَّا الغوَّاصة بقالك ٥ دقايق، في الحر ده!
نجيب : سيادتك مش غلطانة المرَّة دي في دور سامي؟
فيفي : لأ أبدًا … أنا عارفة إن دي الأبَّارتمان بتاعتك.
نجيب : طيِّب … بقى، أنا أحب أعرف بسرعة، سبب التشريف.
فيفي : اسمع أمَّا أقول لك، قبل كلِّ شيء، انت يجب تغيِّر بسرعة لهجتك دي، وتكلِّمني بسرعة بشكل ألطف من كده، والَّا، انا وحياة راس بابا، أجنَّنك وأورِّيك النجوم الضهر!
نجيب : وحياة راس ماما، أنا شايف النجوم الضهر والصبح والعصر وطول النهار … ومش منتظر سيادتك دلوقت؛ علشان تورِّيهم لي!
فيفي : ليه بقى؟ إيه اللي مزعَّلك؟
نجيب : فيه ألف سبب وسبب!
فيفي : ومع ذلك، أنا دخلت فجأة لقيتك مبسوط، بترقص على الجرامفون!
نجيب : الطير يرقص مذبوحًا.
فيفي (في اهتمام) : انت متألِّم من إيه؟ أرجوك تقول لي حالًا.
نجيب : أقول لك انت؟!
فيفي : إيه المانع؟
نجيب : مستحيل!
فيفي : مانتش واثق منِّي؟
نجيب : يا سيِّدتي العزيزة … أرجوك ترك الموضوع ده نهائيًّا، نتكلِّم في شيء مفيد؛ إن كان لا بد من الكلام.
فيفي : انت بتحب.
نجيب : شوفي انت ازَّاي حاتزعَّليني منِّك، وتخلِّيني ابقى مش لطيف، ودمِّي يفور، وأتكلِّم كلام فارغ كتير … وبعد كده تحلفي انَّ انا اللي محقوق.
فيفي : طيِّب خلاص … مش حأقول حاجة.
نجيب : انت كنت جاية علشان إيه؟
فيفي : كنت جاية علشان.
نجيب : أفندم؟
فيفي : علشان أورِّيك الشبكة، اللي قدَّمها لي سامي … خاتم عجيب! شوف … (تريه الخاتم وهو في إصبعها) فصِّ واحد برلنت سوليتير.
نجيب : عجبك؟
فيفي : قوي … قوي … حاجة حلوة صحيح … وذوق جميل صحيح.
نجيب : العفو يا فندم!
فيفي (تنظر إليه في دهشة)؟
نجيب (يستدرك) : قصدي يعني بالنيابة عن سامي.
فيفي (صمت … تتأمَّل الخاتم في أصبعها) : سامي غنيٌّ بالتأكيد.
نجيب : أيوه طبعًا.
فيفي : هوَّ كمان قال لي.
نجيب : قال لك إيه؟
فيفي : قال لي ان عنده ٦٠٠٠ جنيه في البنك، رايح يبني لي بهم فيلَّا، في مصر الجديدة.
نجيب (هازًّا رأسه في تًهكُّم خفيٍّ) : ضربهم في ٦ على طول!
فيفي : وقال لي ان عنده أطيان، ما اعرفش فين.
نجيب : كمان؟ طبعًا.
فيفي : ويحبِّني قوي، تعرف؟
نجيب : عارف، وانت بتحبِّيه … وكتب الكتاب، إمتى بقى؟
فيفي : ما اعرفش … سامي عايز يكتبه من بكرة.
نجيب : له حق.
فيفي : لكن أنا متردِّدة شوية.
نجيب : ما لكيش حق.
عبد **** (يدخل) : سيدي نجيب بك.
نجيب : خير.
عبد **** (ناظرًا إلى وجود فيفي) : دا … أقول؟
نجيب : قول … خد راحتك.
عبد **** : المكوجي طالب حسابه.
نجيب : وانت ما عندكش لسان ترد عليه؟
عبد **** : ما أمكنِّيش أبدًا … غلب حماري ويَّاه.
نجيب : وعايز ضروري تغلِّبني أنا كمان ويَّاكم؟ حسابه كتير؟
عبد **** : بقى له شهرين ما قبضش أبيض ولا اسود.
نجيب : أعوذ ب**** … وكان ساكت ليه لغاية دلوقت؟
عبد **** : إنسانية منه.
نجيب : وجرى لها إيه الإنسانية دي النهارده؟
عبد **** : لِقي ما فيش منها فايدة.
نجيب : وإيه اللي تشوفه انت دلوقت؟
عبد **** : يجي يحاسب جنابك.
نجيب (كالمرتاح) : يحاسبني؟
عبد **** : ما فيش غير كده.
نجيب : أنا عملت لك حاجة يا عبد ****؟ زعَّلتك النهارده في شيء؟ متأثَّر منِّي؟ بينك وبيني ضغائن؟ فهِّمني اعمل معروف.
عبد **** : أنا فاهم … جنابك تكره الحساب … لكن ما باليد حيلة.
نجيب : يا سلام وسلِّم … الحساب ده، نهرب منُّه ازَّاي؟
عبد **** : حساب المكوجي؟
نجيب : الحساب على وجه العموم … الأرض فيها حساب … ننزل القبر، نلقى فيه حساب … نطلع السَّما، نلاقي فيها حساب … ورانا في كل حتَّة … ما فيش فايدة أبدًا.
فيفي (تضحك ضحكة خفيفة).
نجيب : روح يا شيخ، قول للمكوجي دا يبرد شوية.
عبد **** : ما يرضاش يبرد إلَّا لو قبض.
نجيب (صائحًا) : قل له يجي يقبض روحي بقى، لأني لا أملك غيرها النهارده! وتفضَّل من غير مطرود، يا بوَّاب يا مغفَّل، قبل ما اعوِّج لك خلقتك بأسطوانة من دول، وزي ما ترسى … (نجيب يمسك أسطوانة … عبد **** يجري خائفًا).
(فيفي تكتم ضحكها.)
نجيب : شيء يقصَّر العمر … (يعود إلى قربها).
فيفي : هدِّي نفسك شوية.
نجيب : ما يمكنش … أهوَّ أنا، ما يمضيش عليَّ نصف ساعة على خير أبدًا … لا بُد من خبر مزعج.
فيفي : يظهر ان ماليِّتك مرتبكة شوية.
نجيب : شوية؟! انت متواضعة قوي!
فيفي : طيِّب ما تيجي نفكَّر في تنظيم ماليِّتك.
نجيب : ما تتعبيش نفسك.
فيفي : ليه؟
نجيب : لأن لو جميع وزراء مالية العالم اجتمعوا في لوزان، وعملوا مؤتمر لتنظيم ماليتي، وتسوية ديوني، زي مؤتمر نزع السلاح، وديون الحرب، أؤكِّد لك، انهم يمكن ينجحوا في نزع السلاح وديون الحرب، ولا ينجحوش في مسألتي … عاوزة إيه بقى أكتر من كده!
فيفي : للدرجة دي؟
نجيب : دي مسألة مش محتاجة لمناقشة.
فيفي : ليه؟ ماهيِّتك كام؟ ولو ان ده تطفُّل منِّي … لكن أنا مهتمَّة، وأحب أجرَّب، يمكن أنجح، أحسن من مؤتمر لوزان.
نجيب : ماهيتي خمسين جنيه في الشهر، اسمًا … لكن اللي بيوصل في يدي ٤٤ جنيه و٦٠٠ملِّيم، بعد الاحتياطي والمعاش ورسم الدمغة وخلافه، من تماحيك آخر الزمن!
فيفي : وبتصرف منهم كام في الشهر؟
نجيب : باصرف منهم حوالي ١٠٠ جنيه في الشهر!
فيفي (في دهشة) : ازَّاي ده؟ إيرادك خمسين وتصرف ١٠٠؟
نجيب : باستمرار، من نهار **** ما خلقني … علشان كده المسألة عويصة، ولا يمكنش حلها، إلَّا إذا اخترعوا حساب جديد، يمشي بالمقلوب، غير الحساب اللي أوجده فيثاغورث.
فيفي : وتصرف ال١٠٠ جنيه ازَّاي في الشهر؟
نجيب : ما أقدرش أقول لك … أنا لمَّا يكون في جيبي فلوس، ما احترمهاش … أصرفها بعقل ومن غير عقل … يمكن ألاقي شحَّات في السكة، أعطيه ورقة بجنيه؛ لأنه قال كلمة عجبتني.
فيفي : انت مدهش.
نجيب : أنا إنسان، مكتوب عليه انه يعيش بشكل مخصوص في الحياة، ويستحيل تتغيَّر حياته، يستحيل يعيش يوم في أمان ****، زي بقيِّة مخاليق **** الطيِّبين!
فيفي : حياة بوهمية غريبة!
نجيب : ارتباك مزمن، وعسر هضم اقتصادي، وفقر دم مالي، مالهش علاج.
فيفي : انت غلطان … أفتكر ان فيه علاج.
نجيب : إيه هوَّ من فضلك؟
فيفي : لو تتزوج واحدة تفهمك، ويكون عندها فلوس.
نجيب : ويكون عندها (باكار).
فيفي : تمام كده.
نجيب : علشان ينباع الباكار … ونغرق احنا الاتنين في نهار!
فيفي (باسمة) : وماله؟
نجيب : أظن واحد زيِّي، ما انخلقش علشان زواج.
فيفي : تفتكر كده؟
(جرس الباب يدقُّ بشدَّة.)
نجيب : جرس الخطر! (يتحرَّك، ويسرع إلى المنضدة، ويرفع غطاء الصندوق، ويلتفت إلى فيفي) عن إذنك دقيقة واحدة.
فيفي : حاتدخل الغوَّاصة؟ دي مش طريقة عملية أبدًا.
نجيب : دا اختراع ألماني! مستحيل أقدر أبص في سحنة مطالب … أورفوار مؤقَّتًا … (يغلق عل نفسه الصندوق).
عبد **** (من الخارج) : يا حضرة المحضر، باقول لك نجيب بيه مش موجود.
المحضر (يدخل وخلفه خواجة، وشيخ القسم، وعبد ****) : وجود المدين وعدم وجوده، ما يهمِّنيش … (لشيخ القسم) نادي الشيَّالين.
شيخ القسم (يتَّجه إلى الباب وينادي) : اطلع يا شيَّال انت وهوَّه!
المحضر : قبل مانشرع في التنفيذ، أنبِّه عليك يا عبد **** خميس، بصفتك تابع للمدين، ومقيم معه في معيشة واحدة، بأن تدفع لدينا حالًا، مبلغ ٥٦٨٠ قرشًا، واحنا نوقَّف الإجراءات … تدفع والَّا لأ؟
عبد **** : لأ … منين؟ هو احنا معانا خمسة ملِّيم.
الخواجة (وهو يتكلِّم بلغة واضحة سليمة، مع عجمة خفيفة) : أنا عندي تفويض من الدَّاين الخواجة جبران، لو تدفع أربعين جنيه، يصير التنازل عن الحجز والبيع.
عبد **** (ينظر إليه، ولا يعنى بالردِّ عليه، ويلتفت للشيَّالين) : شيل شيل يا شيَّال.
المحضر : تابع المدين أجاب بعدم السَّداد، وشرعنا في التنفيذ … تعال يا عبد **** خميس، بصفتك حارس للمنقولات، قدِّم لنا المحجوز عليه.
عبد **** : آهو عندك.
المحضر (محتدًّا) : آهو عندي ازَّاي، يا قليل الأدب، يا حمار! انت مش عارف أنا مين؟ فتَّح عينك كويِّس، وكلِّمني باحترام … أنا حامي القانون، وممثِّل سلطة الحكومة، انت فاهم إيه! وشرف مركزي، أعتبرك مبدِّد، وأحرَّر ضدَّك في الحال، محضر تبديد وتعدِّي، وأحط الحديد في إيدك، وأضيَّع مستقبلك.
عبد **** : لأ … مفيش لزوم … أنا غلطت، والشفاعة لشيخ التمن.
شيخ القسم : استسمح حضرة المحضر، وابقى خد بالك يا بني، الَّا تنضر. (للمحضر) أصله مش واخد على مقابلة الحكَّام.
المحضر (في عظمة) : الحق علينا اللي عيَّناه حارس … ضيَّع وقتنا، واحنا لسَّه ورانا بيوع وحجوزات وانتقالات.
عبد **** : يا جناب المحضر، العفش تمام، ما ضاعش منُّه قشَّاية.
المحضر (يعطي المحضر لشيخ القسم) : خد يا شيخ القسم، صورة محضر الحجز، واجرد وطابق القايمة. (يجلس على مقعد) الَّا احنا تعبانين من كثرة الأعمال … اتفضَّل استريَّح يا خواجة يوسف.
الخواجة يوسف (ينظر إلى فيفي الجالسة المتفرِّجة في ابتسام) : بردون يا مدام.
فيفي (للخواجة) : من فضلك، ما يمكنش تأجيل البيع لبكرة، واحنا ندفع كل الفلوس؟
المحضر : ما يمكنش يا هانم، تأجيل البيع يتكلِّف مصاريف، ويستدعي إعادة اللصق والنشر وكافة الإجراءات، ودي مماطلات احنا عارفينها.
فيفي : متأسِّفة، ما فيش في شنطتي ٤٠ جنيه دلوقت … إنَّما أقدر.
شيخ القسم (يقرأ ببطء في الورقة) : عدد ١ تربيزة وسط خشب أبيض بأربعة أرجل مستعملة سليمة … فين؟ (يلتفت حوله) مش موجودة.
عبد **** : دي في المطبخ … مش موجودة ازَّاي؟ أجرد الأوده دي، اللي انت فيها، الأول، تلاقي كل شيء تمام.
المحضر : أيوه، أجرد أوده أوده، والشيالين تنزِّل أول بأول، والنقص يتحرَّر به محضر.
شيخ القسم (يقرأ) : عدد ٦ فوتيل وكراسي وكنبة … عدد ٣ طولة وفنوغراف إلخ … (ينظر بعينيه مطابقًا) الأوده دي تمام، انزل بها يا شيَّال انت وهوَّه.
عبد **** (لشيخ القسم) : حاتاخد العفش على فين؟
الشيخ : على باب الشارع، بنرص حتَّة حتَّة، علشان الناس تجي على ضرب الجرس، تدخل المزاد.
عبد **** (يهزُّ رأسه آسفًا) : يا فضيحة جنابك يا سي نجيب بك!
(ينهمك الشيَّالون في زحزحة الكراسي، وتغيير نظام الصالون، ونهض المحضر والخواجة يوسف؛ ليدعا الشيَّالين تنقل مقعديهما، وتظل فيفي جالسةً، إلى أن يدنو منها شيَّال يريد نقل مقعدها.)
المحضر : تفضَّلي يا هانم الناحية دي … في الرَّواقة.
(وتقف بجوار المنضدة التي فيها نجيب … ولكن لا يلبث أن يأتي الشيَّالون لنقل المنضدة؛ فتصيح فيفي ممانعةً.)
فيفي (صائحة) : انتظر يا شيَّال … انت واخد الصندوق ده على فين؟
المحضر : دا من ضمن المحجوزات يا هانم.
فيفي : مستحيل! ده فيه جوَّه حاجات غير محجوز عليها طبعًا؟
المحضر : محجوز عليه يا هانم … من فضلك ماتعرقليش التنفيذ … شيل يا شيَّال.
فيفي (صائحةً) : مستحيلٌ … مش معقول … لازم تسيب الصندوق ده.
المحضر : ما يمكنش يا هانم.
فيفي : أنا مستحيل أسمح بنقله.
المحضر (في غلظة) : شيل شيل يا شيَّال … بلاش عطلة.
الخواجة : تقدري يا مدام تدفعي كام، من أصل المبلغ؟
فيفي : أنا متأسِّفة ما فيش معايا النهارده فلوس كفاية. (فجأةً) اسمع لمَّا أقول لك أنا أقدر أعطيك ده (تخلع الخاتم من إصبعها) إيه رأيك؟ تمنه بالتأكيد أكتر من مبلغك!
الخواجة (في دهشة يفحص الخاتم) : خاتم ألماس (يخرج من جيبه عوينه، ممَّا يستعملها الجواهرجيَّة للفحص، ويضعها على عينه، وينظر إلى الخاتم) طبعًا دا يساوي كتير.
نجيب فجأةً يرفع الغطاء، ويظهر صاخبًا، بين دهشة وارتياع الجميع : إنت مجنونة؟! هات الخاتم ده يا خواجة!
المحضر (بعد لحظة وجوم) : بسم **** الرحمن الرحيم … طلع منين ده؟
شيخ القسم : دا لازم المدين.
(المحضر والشيخ يستعلمان من عبد ****، الذي يشرح لهما همسًا.)
نجيب : الخاتم … هات الخاتم يا خواجة اعمل معروف.
الخواجة : بردون يا بيه!
(ينظر إلى فيفي، التي سلَّمت إليه الخاتم.)
نجيب : ما فيش بردون.
فيفي : اسكت يا نجيب، مالكش دعوى! خلِّي الخاتم معاك يا خواجة.
نجيب : ازَّاي الكلام ده؟ دا خاتم ألماس مش لعب.
فيفي : عارفة انه خاتم ألماس مش لعب … وعاوزة اتصرَّف فيه، أرميه البحر … الخاتم بتاعي أنا … انت شريكي!
نجيب : بتاعك ازَّاي؟!
فيفي : باقول لك اسكت يا نجيب … انت ما لكش دعوى!
نجيب : ما ليش دعوى ازَّاي؟ أمَّال مين اللي له دعوة؟ دا شيء يجنِّن! هات الخاتم يا خواجة.
فيفي : ما تسمعش كلامه يا خواجة … زي أنا ما قلت لك، خلِّي الخاتم معاك، وبكرة أجيب لك مبلغك، على شرط توقَّف البيع حالًا.
الخواجة : بكل ممنونيَّة يا هانم … يا حضرة المحضر، أنا طالب إيقاف البيع.
المحضر : انزل يا شيَّال انت وهوَّ (يتناول ورقة ويكتب) محضر إيقاف (ثمَّ يكتب في صمت ويقول) أوقفنا الإجراءات؛ كطلب وكيل الداين، تعال امضي يا خواجة يوسف.
الخواجة (يوقِّع على ورقة المحضر، ثم يخرج ورقة من جيبه، ويكتب إيصالًا يقدِّمه لفيفي) : مِرسي يا هانم … آدي وصل بخاتم الماس فص واحد برلنت سوليتير وزن ٨ قراريط.
نجيب (بسرعة) : تسعة ونصف … (فيفي تنظر إليه والجميع في استغراب؛ فيستدرك بسرعة) … أيوه … أنا عارف من سامي.
يوسف (وهو يكتب) : تسعة قراريط ونص … (يسلِّمها الورقة) أورفوار … أورفوار يا نجيب بك … (يخرج).
نجيب (يضرب أخماسًا لأسداس) : أمَّا يا ناس دي عجيبة!
المحضر : نهاركم سعيد يا حضرات … (يخرج خلف الخواجة يوسف، ومعه شيخ القسم).
عبد **** (خارجًا كذلك خلف المحضر) : اخلي طرفي يا جناب المحضر … الحكومة حرَّستني على العفش، وطلع *** الحمد سليم (يخرج مع الجميع).
فيفي (وحدها مع نجيب) : عجيبة ليه بقى؟! حاجة طبيعية خالص … كنت منتظر اني أسيبهم ياخدوك في الصندوق، ويبيعوا فيك ويشتروا، كأنك محجوز عليك انت كمان ضمن الموبيليا؟
نجيب : وما له؟! لكن الخاتم.
فيفي : في داهية الخاتم … إيه يعني الخاتم؟ أدفعه فدية، بصفتي من الحلفاء، أحسن ما كانوا يصادروا الغوَّاصة باللي فيها؟!
نجيب : غوَّاصة إيه؟! إحنا خسرنا الحرب!!
فيفي (ضاحكةً) : أبدًا … بالعكس.
نجيب : إيه اللي كسبناه؟
فيفي : كل حاجة … أنا مندهشة، ليه تهتم بالخاتم بالشكل دا؟!
نجيب : بس علشان ده … شبكة سامي.
فيفي : وإيه يعني؟
نجيب : طيِّب، ورايحة تقولي لسامي إيه؛ لو سألك النهارده على الخاتم؟
فيفي : أقول له على اللي حصل.
نجيب : ما يصدَّقش.
فيفي : جايز ما يصدَّقش … لأن سامي مش زيَّك أو زيِّي … دي عقليِّته ما تقدرش تفهم بسهولة التصرُّفات دي.
نجيب : لأنه رجل عاقل موزون.
فيفي : زيادة عن اللزوم … ولذلك، أنا رايحة أكلِّمه كلام شديد.
نجيب : حاتقولي له إيه؟
فيفي : حأقول له أنا مندهشة، ازَّاي واحد صاحبك، ساكن معاك في بيت واحد، ينحجز عليه وانت ساكت؟!
نجيب : حايعمل لي إيه؟ كل واحد عنده ظروفه.
فيفي : اسمع يا نجيب، انت إمَّا مغفَّل — ما تآخذنيش — وإمَّا عاوز تدافع قدَّامي عن سامي، دفاع ما يستحقُّوش … انت بالتأكيد، تفهم سامي أكتر منِّي … لأنِّي فهمت طبيعته كويِّس قوي من مدَّة بسيطة.
نجيب : أنا أشهد لك دايمًا بالذَّكاء … إيه بقى اللي فهمتيه؟
فيفي : فهمت انه رجل عاقل، زي ما قلت انت تمام، ويوزن كل حاجة في الدنيا، زي طبيعة كل شخص مادِّي شوية.
نجيب : إيه كمان؟!
فيفي : أنا أفهم كويِّس الناس المدهونين بوية. سامي مدهون بوية كويِّس قوي.
نجيب : كل الناس كدا.
فيفي : انت لأ.
نجيب : ليه بقى؟ أنا يعني اللي خشب أبيض، زي طرابيزة الوسط؟ المسألة ان ظروفي غير ظروف سامي … وأنا لو كنت لقيت فيه فايدة، كان زماني ضربت نفسي بوية بالزِّيت … تلات … اربع اوشاش.
فيفي : ما افتكرش.
نجيب : على كل حال … بعد الزَّواج، في إمكانك تخلقي سامي خلقة جديدة.
فيفي : أنا مش عاوزة أخلقه، ولا أسخطه.
نجيب : عاجبك زي ما هوَّ كده، ما فيش بأس.
فيفي : أرجوك … بس … كفاية … احنا تكلَّمنا عن سامي زيادة عن اللزوم … كلِّمني عن موضوع تاني … كلِّمني عن نفسك.
نجيب : أكلِّمك عن نفسي أقول إيه؟ (يشير إلى الصالون المبعثر) آدي انت على إيدك، شايفة كل حاجة.
فيفي : حقًّا … صحيح، انت الشخص الوحيد، اللي أقدر أقول انه ما حاولش لحظةً، انه يغشِّني.
نجيب : انت لطيفة قوي معاية النهارده، من غير مناسبة! بس ضيَّعت الخاتم، لكن بقى الأمر ***! الكلام دلوقت أصبح ما يجيش منُّه.
فيفي : ما لكش دعوى بالخاتم … اسمع يا نجيب! انت نسيت الطِّب الرُّوحاني والسحر العجيب؟
نجيب : مش فاهم غرضك.
فيفي : انت مش تعرف تقرا اللي في ضميري؟
نجيب : أبدًا.
فيفي : ازَّاي؟ مش فاكر لمَّا تقابلنا أول مرة في العيادة؟
نجيب : آه! لأ … أرجوك تنسي المقابلة دي، واللي حصل فيها.
فيفي : انت عبيط! أنساها ازاي؟ انت ما تقدرش تطلب منِّي طلب زي ده.
نجيب : انت حرة … لكن أنا أنسى زي ما يعجبني …
فيفي : لأ … ما تنساش يا نجيب … أرجوك!
نجيب : عجايب! انت كمان عاوزة تحجزي على ذاكرتي!
فيفي : أيوه عاوزة أحجز.
نجيب (بعد لحظة) : وإيه بقى اللي يهمَّك من كدا؟
فيفي : ما تعرفش إيه اللي يهمِّني؟
نجيب : أبدًا.
فيفي : ما تقدرش تقرالي اللي في قلبي وضميري دلوقت؟
نجيب : في ضميرك، انك قاعدة تمكُري عليَّ، وتلعبي بمهارة مخيفة.
فيفي (باسمة) : كدَّاب!
نجيب (مستمرًّا) : في ضميرك، انك عاوزة ترجَّعي في نفسي أمل بسيط، من غير لزوم، علشان في الآخر، أقع من سابع سما لسابع أرض، زي الدُّورق الفخَّار، اللي يقع من فوق السطح على الأسفلت.
فيفي : كدَّاب.
نجيب : في ضميرك، انك بتحبِّي شخص كويِّس قوي، وهو بيحبِّك كتير قوي.
فيفي : والشخص ده، موجود هنا، في الأوده دي، دلوقت؟
نجيب : بالطبع لأ.
فيفي : كدَّاب.
نجيب (في دهشة) : كدَّاب؟!
فيفي (في إخلاص) : من غير شك، كدَّاب، لو تفتكر ان الشخص ده، مش موجود هنا دلوقت قدَّامي!
(نجيب ينظر إليها في صمت، وكأنه يغالب نفسه، ثم يطرق مفكِّرًا.)
(فيفي تُطرق في انتظار جوابه بصبر نافذ، ثمَّ ترفع رأسها؛ كي تقول شيئًا؛ لإخراجه من صمته.)
نجيب (يرفع رأسه أخيرًا إليها) : متشكِّر على التصريح الخطير ده!
فيفي (في امتعاض) : بس كده؟!
نجيب (في عزم) : بس كده!
فيفي : دا كل اللي تقدر تقوله؟!
نجيب : كفاية.
فيفي (في يأس) : أنا كنت منتظرة، انت حتقول كلام كتير!
نجيب : متأسِّف قوي … أنا صحيح في شدَّة التأثُّر من تصريحك، لكن بقى.
فيفي : لكن بقى إيه؟
نجيب : لكن بقى … إيه قيمته دلوقت؟ تفتكري حيغيَّر إيه من الموقف كلُّه.
فيفي : فهمت قصدك … انت جنتلمان زيادة عن اللزوم.
نجيب : أرجوك تطلعي فوق لخطيبك، وتسحبي تصريحك.
فيفي : مش عاوز بأي حال من الأحوال تقبله منِّي؟
نجيب : فات الأوان!
فيفي (بعد لحظة) : ضميرك مش قادر يسمح لك، انك تاخد من صديقك خطيبته … مهما كانت الظروف، مش دي كل المشكلة، اللي قايمة في نفسك؟
نجيب (مطرقًا كالمخاطب لنفسه) : أيوه، مهما كانت الظروف.
فيفي (في تأثُّر) : نجيب.
نجيب (في عزم) : الوداع يا فيفي! (يتناول يديها، ويضغط عليهما في حرارة وإخلاص … ثم يشيِّعها إلى باب الشقَّة، ثم يعود وحيدًا وهو مطرقٌ، يمشي في بطء، ويقف في وسط القاعة بلا حراك لحظةً، ثم يرفع رأسه فجأةً ويقول): وانا وِش زواج؟ أنا رد حجوزات! (ثم يتَّجه إلى موضع الجرامفون، ويدير الأسطوانة، ويصغي إليها قليلًا شارد الفكر ساهمًا، ثم يتحرَّك فجأةً، راقصًا على أنغامها، كأنَّما يريد أن يقنع نفسه، بأن حياته هي دائمًا حياته … وأنه لم يتغيَّر في حياته شيءٌ).