𝙷𝚄𝙻𝙺 𝙼𝙸𝙻𝙵𝙰𝚃
HULK MILFAT THE LEGND OF KILLER
مستر ميلفاوي
عضو
ناشر قصص
ناشر صور
ناشر أفلام
ميلفاوي متميز
ناشر موسيقي
ميلفاوي سينماوي
ناشر قصص مصورة
ناشر محتوي
مترجم قصص
ناقد قصصي
«الغُرَّة»
﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء: ۸]
1
نعيش اليوم في عالم مشبع بالماديات التي تُغشي أبصارنا عن عالم آخر ..
عالم موازٍ وأكثر ظلمة ..
عالم يختفي خلف العمى ..
عمى أصاب معظمنا بسبب المنطق المطلق ..
شئنا أم أبينا فهم يعيشون بيننا وحولنا ..
يروننا من حيث لا نراهم..
وهم أذكى مما نظن ..
وأخبث مما نعتقد» ..
16
خوف
*******
لو كان لروحك ثمن ..
فهل تبيعها ؟! ..
أم تشتريها ؟! ..
25
........
كيف تضع مقدمة لرحلة بدأت ولم تنتهِ بعد؟ . .
هل سنخوض ذلك السجال القديم مرة أخرى عما إذا كانت الأحرف المسطرة في هذه المدونة كتاباً أو رواية أو شيئاً آخر؟
لم نبدأ بعد وقد طرحت سؤالين . .
التدوين كان وما زال وسيبقى جزءاً من حياتي . .
3
لكن ما الذي يستحق التدوين؟ . .
التاريخ؟ . .
الخواطر ؟ . .
4
العلم المثبت؟ . .
هل كل من دون حرفاً انتظر إذناً أو مشورة من أحد بأن يفعل أو لا يفعل؟
أي نص يكتب يستمد قوته من قرائه وتزداد تلك القوة عندما يرون أنفسهم فيه . .
2
نحن كبشر جبلنا على التعاطف مع من عانوا مثلنا فلو كتبت نصاً عن ألم الفراق سيرى الكثير أنفسهم في تلك الكلمات ولن أحتاج لبراهين أقدمها كي أقنعهم بتلك المشاعر ومدى قوتها وتأثيرها علينا لأنهم عاشوها بأنفسم وأنا لم أقم سوى بنسجها أمامهم كي يشعروا بها مرة أخرى.
2
لا تلقِ بالاً فهذه طبيعة عقلي المتسائل الذي لا يتوقف ويوقعني في المشكلات دائماً.
لذا فليس من المنطقي أن أحاول شرح حقيقة تلك المشاعر لمن لم يجربها قط.
كان الناس في السابق يواجهون مشكلة مع من يأتي بفكر جديد أما اليوم فقد تطور الأمر لمحاربة حتى من يملك مجرد رأي.
1
مصادرة الأفكار مصيبة لكن مصادرة الآراء كارثة بكل المقاييس تنقلنا من مسوخ رافضة للتغيير أو التغير إلى وحوش تفترس كل من يفكر حتى في ذلك.
1
في الواقع نحن لسنا ملزمين باحترام الرأي إذا كان صاحب الرأي لا يحترم نفسه فأجمل النقاشات هي التي تخلو من محاولة الإقناع لكن ذلك نادر جداً في زمن المسوخ الفكرية.
هناك فرق بين من يكره «الحرية» وبين من يكره «الأحرار» والخلط بينهما مهلكة.
5
لك كل الحق أن تكره أفكاري لكن أن تحول ذلك الكره لشخصي أنا فهذا كفيل بوضعك في دائرة من التجاهل لن تخرج منها أبداً.
15
بالرغم من حديثي الكثير عن النقاشات العقيمة ومقتها إلا أني أقل الناس نقاشاً مع الغير فنفس الأحمق العنيد أطول بكثير من نفس العاقل المنطقي لذا تجده ينطح برأسه كل من يختلف معه بالرأي فلا عقل في ذلك الرأس ليخاف عليه من التلف.
4
الجنون أمر نسبي..
وكلنا مجانين بنسب متفاوتة وبعضنا يجيد إخفاء جنونه والبعض الآخر يمارسه بكل حرية دون الخوف من العواقب..
9
العواقب هو صمام الأمان..
هو القيد الذي يقود عقولنا ويوجه بوصلة سلوكياتنا وتصرفاتنا..
عندما أشاهد رسالة معنونة بـ«المشهد الذي أبكى الملايين »أعلم سلفاً أني لن أكون من ضمنهم وأنا سعيد لذلك.
29
لقد تركت القطيع منذ زمن طويل واكتفيت بمراقبتهم من بعيد في عزلتي.
3
تلك العزلة قدمت لي أجوبة كثيرة انبثق منها أسئلة أكثر ..
4
شاركت بعضها مع من كانوا حولي لأحذرهم لكنهم بقوا سائرين مسيرين في حياتهم وبعضهم خرج عن صمته فقط ليلقبني بـ «المجنون» أو «الكاذب» والمفضلة عندي بالطبع «هل تصلي؟».
12
العبارة الأخيرة قيلت لي كثيراً ولا أعرف لماذا؟
5
كان معه حق عندما قال لي:
«لا تخبر نفساً بما حدث معك فلن يصدقك أحد لكن لن نمنعك من ذكر ذلك لأننا واثقون من تجاهل الناس لما سوف تقوله...»
16
صدق وهو كذوب بقوله لن يصدقك أحد لكنه أغفل من مرو بعالمهم ولو مرور الكرام فهم بين مصدق ومشكك يأكله التسأول.
بعض ما سأكتب في الصفحات التالية قطعة فاسدة مني لكني اكتشفت أنها يمكن أن تكون دواء لغيري.
أنا لن أتكلم عن فراق الأم لكني سأكتب عن شيء آخر ..
2
شيء كتبت وما زلت أكتب عنه اليوم وسأكتب عنه غداً حتى لو كان في مذكراتي الخاصة.
الفرق الآن أني بعد الكتاب الأول لم أعد وحيداً فالكثير شاهد نفسه في بعض أو كل ما كتبت عن نفسي.
14
هذه ليست رواية أو كتاباً هي مجرد جزء من مذكرات شخص وصف بالمجنون معظم حياته دونها وما زال يدونها ليرسم خريطة لمراحل موته التي بدأت يوم مولده ولم تنتهِ بعد.
.....
«أنتهى»
«نقطة الصفر»
بعد الأحداث التي مررت بها وانتهت بعودتي من جبال الأطلس كان من المتوقع أني سأعاني من أمراض نفسية وأصبح معتلاً بدنياً وعقليّاً وأقوم بمراجعة الأطباء وأعيش في دوامة كبيرة من الجنون والعته، لكن هذا ببساطة لم يحدث فبعد عودتي لغرفتي ذلك اليوم عشت حياة طبيعية جداً واستأنفت عملي السابق وكنت وقتها قد ناهزت الثلاثين عاماً تقريباً.
10
الحياة الطبيعية لم تكن بذلك السوء بل على العكس تماماً فقد منحتني الكثير من الوقت لبث الروح في اهتمامات سابقة كنت قد هجرتها.
تخليت عن أشياء عدة لكن زيارتي الدورية لأصدقائي لم تنقطع منذ عودتي وكان جل اهتمامي في تلك الفترة هو رضا أمي وأبي فقط لأني كنت أدرك بركته بعد **** وكونه أحد أسباب نجاتي من أي مأزق وقعت فيه في الماضي أو قد أقع فيه في المستقبل.
تمسح أمي على جبيني خلال مزاولتي لإحدى هواياتي المفضلة وهي وضع رأسي بحجرها والإنصات لأخبار العائلة وتقول:
لم لا تخبرني ما الذي يشغل بالك؟
- ما يشغل بالي الآن هو بقية القصة التي كنت تروينها قبل قليل وهي هل عادت ابنة خالتي لزوجها أم أنها لا تزال على خصام معه؟
6
(أمي) تشد غرة رأسي مبتسمة وتقول: أنت تعرف ما أقصد...
- حقيقة لا أعرف يا أمي .. أخبريني ..
(أمي): الموضوع الذي حدثتك عنه بالأمس .. وقبل الأمس .. ذهابك مع أخيك للشيخ
بطبعي لست شخصاً سهل الانقياد حتى وإن اقتنعت بأني على خطأ..
إحدى الصفات العديدة السيئة بي لكن الشخص الوحيد الذي لا أستطيع رفض طلبه أو أمره كانت أمي ..
وأبي بالطبع لكنها هي من أعادت لحياتي بقلقها علي عدواً لم أره منذ سنين..
«متمشيخ» قيل إنه يعالج بالقرآن بعضكم بالطبع قرأ في الجملة السابقة أني أقول بأن «الإسلام» أو «القرآن» عدوي..
25
راجع العبارة جيداً ثم أكمل القراءة.
3
- لماذا تريدين أن أذهب له يا أمي؟..
قلتها ورأسي لا يزال في حجرها وكفها مستمر بالمسح على جبيني..
(أمي): أريد الاطمئنان عليك...
- وممَّ أشكو ؟
(أمي): هذا ما سيخبرنا به الشيخ
ضحكت..
قهراً وحسرة..
9
أمي تعود لخوفها السابق وأنا أعود معها لذلك اليوم الذي أخذتني فيه للمتمشيخ في المنزل الطيني...
- أخبريني ما الذي يضايقك مني؟
(أمي) وهي تقبل جبيني: مهما بدر منك فلن أتضايق منك أبداً
- دعيني أعد صياغة السؤال إذاً..
هل لاحظت على شيئاً يثير قلقك هذا ؟
(أمي): نعم...
- ماذا؟
(أمي): أنت لم تأكل منذ ثلاثة أيام
3
- أخبرتك بأني صائم
1
(أمي): كيف تكون صائماً وأنا أراك تشرب الماء في النهار
- نعم فأنا صائم عن الطعام فقط
1
(أمي) : وأي نوع من الصيام هذا؟..
هل رأيت الآن سبب قلقي عليك؟
- لا بصراحة لم أره بعد...
(أمي): ستذهب للشيخ شئت أم أبيت وسوف يعرف ما بك؟
ابتسمت..
ماذا عساي أن أفعل أو أقول غير الابتسام للشخص الوحيد في حياتي الذي يقلق على بهذا الشكل؟
5
- دعيني أخمن.. لقد أتى بتوصية من خالتي
2
(أمي) مبتسمة: نعم.. هل لديك اعتراض؟
- لا أبداً فخالتي قارئ جيد لمؤهلات أصحاب البركة..
أليست هي من أوصى ب**** شيخ العماني، عندما كنت صغيراً؟
1
(أمي) وهي تصفع خدي برفق وتهز وجهي:
لا دخل لك بهذه الأمور!
- أليس من حقي معرفة مؤهلات الاستشاري الذي سيفحصني ؟
(أمي): لا تستهزئ بالدين يا بني...
- منذ متى أصبح الدين رجلاً يا أمي ؟
7
(أمي): أستغفر **** وأعوذ به من كلامك
5
مهما قلت أو فعلت فأمي لم تكن مقتنعة أو مرتاحة وقلقة علي دائماً ومهما حاولت الابتسام لها وإقناعها بعكس ذلك إلا أن قلبها أو «دليلها» كان يخبرها بشيء آخر وبصراحة لم ألمها على هذا الاحساس كثيراً فقد اكتسبت بعض العادات الغريبة خلال الفترة التي قضيتها مع (عمار) وكتبه وكنت أمارس بعض الطقوس التي قد تبدو غير مألوفة ومثيرة للريبة لكنها كانت مفيدة في خاصة مع هالتي المفعلة والتي تستلزم عناية من نوع خاص.
فمثلاً اكتشفت أن الظلام الدامس يمكنني من تجاوز حالة الأرق الشديدة التي تسببها لي هالتي المفعلة وأن الضوء يحفز يقظتي لذا قمت بطلاء جدران غرفتي بالكامل باللون الأسود بالإضافة للسقف أيضاً بعد طمس جميع النوافذ الأرضية كذلك جعلتها من الرخام الأسود للسبب نفسه ولأسباب روحانية أخرى.
194
هذا بالطبع أثار تساؤل من حولي لدرجة أن العامل الذي استعنت به لطلاء الغرفة باللون الأسود تردد في البداية وقال بأن هذا طلب غريب لم يطلبه أحد من قبل.
4
استغربت حقاً من تطفله ووصفه للغرفة بـ «التابوت» بعد الانتهاء من عمله.
5
(أمي): هيا انهض وعد لغرفتك السوداء وسوف أناديك لتناول الغداء بعد قليل
- أخبرتك يا أمي بأني صائم
(أمي) وهي ترفع رأسي من حجرها وتهم بالنهوض:
ستأكل رغماً عنك...
- حاضر .. ساكل .. لكن لا ترغميني على التحلية
(أمي): حسناً اتركها لأخيك
عاداتي الغذائية تأثرت أيضاً فكنت أتجنب الخبز ومشتقات القمح والسكر خاصة في السنين الأولى بعد تفعيل هالتي قد يتساءل البعض لم حرصت على الحفاظ عليها ؟ ..
الهالة المفعلة سلاح ذو حدين فهي تقدم لك إيجابيات كثيرة لكنها يجب أن تكون متوازنة فلو خرجت عن السيطرة بالمحفزات الخارجية فقد تدخلك في حالة أشبه بالجنون والهلوسة ولو ضيقت عليها بقوة يمكن أن تضمر ويأتي أيضاً مع هذا الضمور علل أغلبها صحية.
أدركت هذه الحقيقة عندما أهملت بعض التعليمات التي علمني إياها (عمار) بخصوص الهالة وأصبت بمرض يصيب الأعصاب لأسباب مجهولة ويتطور مع المريض حتى يصاب بالشلل التام في بعض الحالات المتقدمة.
انتابتني نوبة هلع عندما تلقيت الخبر من الطبيب بعد أن أجرى لي سلسلة طويلة من الفحوصات والتحاليل أحدها كان أخذ عينة من سائل العمود الفقري حيث حسم الأمر بإصابتي بهذا المرض الذي لا علاج له سوى بعض حقن الهرمونات التي قد تؤخر تطوره وتقدمه في جسدي لكنها لن تعالجه بعد أن تجاوزت مرحلة النكران المرحلة القبول بدأت أخذ العلاج الذي وصف لي وتعلمت كيف أحقن نفسي بتلك المنشطات الهرمونية التي تسبب لي ألماً مبرحاً في كامل جسدي في كل مرة أتعاطاها.
11
حاولت أن أشرح للطبيب أن هذا الأمر لا يحتمل وأن الألم يعيق حياتي فقال كلمة لن أنساها:
«العلاج يهدمك لكي يبنيك»..
كلام لم أتقبله ولم أقتنع به مطلقاً مما دفعني لاتخاذ قرار بالتوقف عن العلاج بالرغم من تحذير الطبيب لي وقررت أن ألجأ لشيء آخر ..
علاج نفسي بنفسي...
5
الكتب التي قرأتها في مكتبة (عمار ) لم تكن كلها عن السحر فقد تضمنت كتباً تحدثت عن علوم لا يمكن تصنيفها كطب أو *** أو شيء مألوف لدينا لكنها حوت علوماً أسميها أنا شخصياً علم الأولين، وهي علوم مندثرة مارستها أمم وحضارات سابقة ومن ضمن تلك العلوم كان هناك علوم لعلاج علل البدن وأغلبها بسيط وغير معقد أو مكلف ولا يستلزم طلاسم أو أي شيء محرم شرعاً فعل سبيل المثال عندما بدأت أسترجع بعض تلك العلوم وجدت أن أغلبها ينصح بالامتناع عن تناول نوع معين من الغذاء لفترة والمداومة على تناول غذاء آخر لمدة معينة العلاج علة مثل علتى الحالية.
قد يقول البعض وهل مرضك كان معروفاً ذلك الوقت؟
الإجابة هي أن تلك العلوم لا تعالج أمراضاً بعينها بقدر تصحيح الأبدان بالمجمل وإعادة توازنها وترك الجسد يصحح نفسه بنفسه، مثل القيام بعملية فرمتة الجهاز الحاسوب عندما تجهل العلة المتسببة في قصور عمله.
1
هناك منغصات كثيرة حولنا نزاولها ونتناولها كل يوم غير مدركين الضرر الذي تلحقه بنا.
كانت إصابتي بالمرض في عصب عيني اليسرى وكانت رؤيتي تتشوش مع الجهد والحرارة فلو أخذت حماماً ساخناً أو سرت في الشمس لمدة طويلة تصبح الرؤية من تلك العين شبه معدومة لكن وبعد أن طبقت تلك الحمية لشهر كامل توقف تطور المرض وأحست بفارق كبير جداً وبدأت أرى بشكل أفضل وقتها وبعد مضي سنوات على الإصابة لم أعد أعاني من شيء و**** الحمد.
1
علمت بعدها أن العلاج أو الحقن التي وصفت لي سحبت من الأسواق وثبت أن لها أضراراً كبيرة والعلاجات الحديثة لمرضى قد أُدخل فيها أنظمة غذائية قريبة جداً من النظام الذي اتبعته ما معنى هذا؟..
هل هذا يعني أن الطب الحديث فاشل ؟
لا أبداً..
لكنه بالتأكيد ليس «قمة» الإنجاز البشري فيما يختص بعلاج هذا المرض تحديداً وأمراض عديدة غيره..
وهذا رأي خاص بي ولا ألزم به أحداً.
نظرة بسيطة لحضارة الفراعنة وسنعرف أنهم حققوا الكثير من الإنجازات العلمية التي نقف عندها اليوم عاجزين وأقرب مثال على ذلك علم التحنيط فنحن في العصر الحاضر لا نستطيع إبقاء الجثث محنطة لفترة طويلة مثل ما قام به الفراعنة في الماضي.
هناك علوم مندثرة..
علوم فاقت ما وصلنا إليه في وقتنا الحاضر وبعضها قد لا نصل إليه أبداً، قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْم إلا قليلاً) [الإسراء: 85].
علم الروح أو ما يتعلق بها من روحانيات علم تعرض للتشويه والإقصاء ونُسب في كثير من المناسبات للسحر والشعوذة وهو منها براء.
1
الجهل هو عدونا الأول لأننا أعداء ما نجهل..
أعتقد أنني نلت شيئاً من ذلك العلم أو علم الأولين خلال بحثي بين كتب (عمار) دون قصد و خلطت بينه وبين علوم السحر والطلاسم الفاسدة التي هجرتها.
.....
«أنتهى»
«علمٌ لا ينتفع بهِ»
يجب أن أتحدث عن مرحلة هامة مررت بها بعد عودتي من جبال أطلس، وتحديداً خلال الفترة التي أسميتها بـ«الحياة الطبيعية» هي بالفعل كانت طبيعية لكن تخللتها بعض المواقف مع من احتكوا بي وتواصلوا معي تلك الفترة وهم فقط أهلي وأصدقائي..
1
غالباً أصدقائي..
كما أسلفت أن جزءاً كبيراً من يومي كنت أقضيه معهم وكنا نجتمع في مزرعة يملكها أحدهم وهذا بلا شك عرضني للكثير من المواقف المربكة خاصة مع عقلي وعلمي ونفسيتي الجديدة.
بعد أن عقدت العزم أن لا أعود للطلاسم بدأت الأحداث المادية حولي من أصوات ومشاهدات تنخفض بشكل كبير لكنها لم تزل تماماً.
انتابني الشك بين الحين والآخر في حقيقة ما رأيته في الماضي وما كنت أراه بين الحين والآخر فهالتي كانت لا تزال مفعلة..
لكن من يعلم؟
ربما عانيت من خلل في النوم..
أو مرض نفسي أو عصبي لهذه الدرجة كنت أشك في نفسي وفي السنوات التي قضيتها مع الشياطين بعد مقتل ( عمار ) .
بالرغم من أن العودة للحياة الطبيعية كانت سهلة جسديّاً إلا أنها كانت أصعب مما ظننت نفسياً فقد كان لزاماً علي تجاهل وإنكار جزء كبير من الماضي كي أعيش بسلام في الحاضر والمستقبل لكن بالطبع أكثر ما يجيده الماضي هو مطاردتنا مهما حاولنا الهرب منه.
8
بدأت بزيارة المزرعة بعد أسبوعين من عودتي الأخيرة من «الأطلس» وآخر مرة زرتهم فيها كانت قبل أقل من عام تقريباً لذا لم تكن الملامة كبيرة فقد غبت أكثر من ذلك في الماضي وهم قد اعتادوا على غيابي نوعاً ما.
لم يتغير شيء..
أصدقائي كانوا كما هم..
1
تغيرت أجسادهم قليلاً وأغلبهم اكتسب وزناً وجميعهم تزوج وأنجبوا عدا ذلك فقد كانوا الأشخاص أنفسهم الذين عرفتهم لسنوات.
لن أدخل أكثر في التفاصيل عنهم لكني سأذكر بعض المواقف التي مررت بها معهم بعد عودتي الأخيرة بشكل عشوائي وبدون مقدمات لأني لو ذكرتها جميعاً فسيتطلب ذلك كتاباً آخر.
موضوعات شتى كانت تطرح للنقاش في مزرعتنا الصغيرة..
موضوعات شملت كل شيء..
الرياضة السياسة، الزواج والطلاق الطبخ والطعام الفن والفنانين..
كل شيء يدور في أي استراحة.
الأمر الذي لم يكن طبيعياً هو مساهمتي في تلك النقاشات والتي كان يُنظر إليها أحياناً كمزاح من طرفي بالرغم من أني لم أكن أمزح.
أذكر أول مرة ساهمت فيها برأيي الخاص بعد عودتي الأخيرة، وتلك المساهمة هي التي كسرت حاجزاً كنت أحافظ عليه قدر الإمكان مع أصدقائي فهم الوحيدون الذين بقوا يتعاملون معي كشخصي قبل (خوف) وكان ذلك الإحساس مريحاً لي وأشبه بالعودة للماضي الجميل.
على أي حال..
كان أحد أصدقائي يشتكي من مشكلة النمل في منزله وقال بأنه حاول كل شيء للتخلص منهم باستخدام المبيدات وشركات المكافحة لكنهم في ازدياد يوماً بعد يوم وزوجته متضايقة جداً الموضوع ووصل بها الحال أنها طلبت منه بيع المنزل وشراء منزل آخر كحل أخير للتخلص من تلك المشكلة.
أصبح هذا الموضوع محل نقاش الاستراحة لعدة أيام بين ناصح ومتهكم ساخر و الجميع أفتوا بحلول جربها صاحبنا بلا فائدة.
أنا الوحيد الذي لم يقترح عليه شيئاً لأن الحل الذي كنت سأقدمه له لم يكن ليقبله أو يتقبله أحد من الحاضرين لذا لزمت الصمت حتى وجه في السؤال بشكل مباشر من أحدهم وقال:
ما رأيك؟
- رأيي في ماذا؟
- في مشكلة (أحمد) مع النمل ؟
- صدقني لا تريد أن تعرف رأيي...
(أحمد): الجميع أدلوا بدلوهم ولم أستفد شيئاً..
أخبرنا أنت عن رأيك
- أنا لا أملك رأياً.. أنا أملك حلاً..
(أحمد) بشيء من التفاؤل: حسناً أخبرني ...
لقد تعبت كثيراً من هذه المشكلة
- حلي لن يعجبك
(أحمد): قله ولا شأن لك بما يعجبني أنا يائس وسأجرب أي شيء!
- تحدث معهم..
(أحمد): التحدث مع من ؟
- مع النمل..
24
انفجر المجلس بالضحكات هذا (أحمد) الذي تجهم في وجهية قائلاً:
هل تسخر مني ؟؟
- أخبرتك بأن الحل أن يعجبك لكن هذه هي الطريقة المثلى للتخلص منهم..
10
بدأ بقية من كانوا في المجلس بالسخرية من (أحمد) ومحاولة إقناعه بتهكم بأن يجرب حلي المضحك من وجهة نظرهم فغضب منهم ونهرهم ومع ذلك تحدثت معه بنبرة جادة وقلت له :
صدقني أنا لا أسخر منك.. جرب.. في الغالب سيستجيبون لك
(أحمد) وهو يصرخ بي: أجرب ماذا؟!
تراجعت عن محاولة إقناعه خاصة مع الجو العام الساخر منه وقلت له:
- لا تجرب شيئاً ..
بصراحة لم أجرب تلك الطريقة من قبل لكني قرأت في أحد الكتب بمكتبة (عمار) أن النمل من الكائنات التي تفهم كلام البشر وتستوعبه بشكل كامل عندما يتم مخاطبتها بشكل مباشر وهنا يجب أن أؤكد مرة أخرى أن الكتب التي قرأتها في تلك المكتبة لم تكن كلها عن السحر والطلاسم فقد كان هناك علم أو علوم لم تكن من السحر ولم تكن من الدين.
4
«علم الأولين» الذي تحدثت عنه ألفاً..
أعترف بأني ظننت في بادئ الأمر أنها تندرج تحت علوم الشعوذه لكن ومع مرور الأيام لم أرَ فيها ضرراً..
لم أرَ غير المنفعة..
بالطبع هذا الكلام لا يمكن أن يُقال في العلن وأمام الناس وإلا لوجدت نفسي على أقل تقدير مصلوباً.
كما أسلفت سابقاً فتلك العلوم التي نهلت جزءاً منها لم تكن سحراً ولم تتضمن أي استعانة أو تقرب من شيطان أو غيره. كانت مجرد إرث كبير وضخم من العلم والمعلومات غير المعلنة وغير المثبتة أو المطروقة.
حتى أنا لم أكن متيقناً من صحتها لأني قرأتها فقط ولم أجربها من قبل فقد كنت مشغولاً بذلك الطلاسم ولم أمر ذلك العلم الثانوي أي انتباه لكن وبعد خروجي من ذلك العالم بنية اللاعودة طفا هذا العلم على سطح عقلي وبدأت أمعن النظر فيه وأجربه شيئاً فشيئاً مع من هم حولي وكانت من أوائل التجارب تجربتي مع صاحبي (أحمد) وقبيلة النمل التي غزت منزله.
2
مضت الأيام على حادثة نقاش والنمل، ولم يفتح أحد منا الموضوع المدة طويلة إلى أن أثاره أحد أصدقائي ونحن مجتمعون في المزرعة وهو يلعب الورق مع ثلاثة آخرين وقال لـ (أحمد) المندمج في مشاهدة مباراة لكرة القدم : على فكرة يا (أحمد).. كيف حال النمل؟
صمت (أحمد) ولم يرد ولم يلتفت حتى وبقي يشاهد المباراة بصمت..
عاود صاحبي السؤال عليه وأنا أراقبهما باهتمام...
(أحمد) ببرود دون أن يلتفت عليه: انتهت المشكلة..
ضحك صاحبي وهو يضرب بورقة اللعب على الأرض:
حقاً... كيف ؟!
التفت (أحمد) علي خلال مراقبتي له والتقت أعينا وعلمت وقتها بأنه جرب طريقتي التي اقترحتها عليه ونجحت لكنه لم يصرح بذلك وقال: المهم أن المشكلة انتهت...
12
نهاية ذلك اليوم وبعد خروجي من بوابة المزرعة وتوجهي للسيارة لحق بي (أحمد) ونوعاً ما توقعت ماذا سيقول...
(أحمد): كنت تمزح أليس كذلك؟
- أمزح في ماذا؟
(أحمد): طريقتك الغبية في التخلص من النمل..
لقد رحلوا لأن أحد المبيدات أثر بها وقضى عليها.. أليس كذلك؟
- هل تحدثت معهم ؟
(أحمد): لا لم اتحدث معهم ؟ هل تظن أني مجنون ؟!
- لا يوجد مشكلة إذاً وسؤالك لا معنى له..
قلتها وأنا أفتح باب السيارة...
1
ركبت السيارة وعدت للمنزل ذلك اليوم وأنا أفكر بعمق في ذلك العلم الجديد الذي لم أستخدمه من قبل ولم أنتبه إليه في الواقع..
3
أريد إيضاح شيء قبل أن أستأنف الحديث عما جرى بعد تلك الليلة وتحديداً من الصراع الذي دار داخلي..
ما أنا متيقن منه هو أني قضيت ثلاث سنوات في مكتبة (عمار) وقرأت كماً هائلاً من الكتب هذا لا جدال فيه لكن عندما استرجعت المرة الأولى التي قرأت فيها طلسماً بصوت مسموع كان لإنقاذ أخي من (يعرم) بتحرير قريني والمرة الثانية من كتاب ) ( العهد ) عندما قيدت (جسار) وكل ما سبق ذلك ابتداء من الكتاب الذي أعطاني إياه قريبي لم يكن طلاسم بمعنى الطلاسم بل سطوراً وكلمات مبعثرة وجملاً مبتورة حضرت (دجن) وقادتني لـ ( عمار).
22
ماذا لو كان كل ما حدث لي في الماضي هو خيالاً وأوهاماً بسبب الطلسم الذي قرأته لتخليص أخي؟ خاصة وأنه لا يتذكر شيئاً من ذلك اليوم عندما فتحت الموضوع معه في أحد المرات.
3
لا أحد ممن عاصروا تلك الأحداث موجود على قيد الحياة يمكنه تأكيد ما رأيت..
أنا أملك علماً من تلك المكتبة وهالتي تم تفعيلها لا أشك في هذا لكن عدا ذلك..
لا أعرف..
في تلك الفترة من حياتي كنت أميل للشك بقوة فيها رأيت من صراعات بين قبائل الشياطين وكل كينونة رأيتها من ذلك العالم...
(جند)..
18
(دجن)..
36
(جسار) ..
4
جميعهم..
هل يعقل أنهم كانوا من نسج خيالي؟..
10
لم لا؟ فلم يرهم أحد غيري، حتى ابن (سالم) لم أره بعد تلك الأحداث وكان من الممكن أن يكون مجرد مجنون وأنا صدقته.
2
على أي حال لنترك هذه النقطة في الوقت الحالي لأني أحبت مشاركتكم الحالة النفسية التي مررت بها تلك الفترة..
عدت للمنزل وقررت محاولة استرجاع بعض تلك العلوم وتدوينها لكني واجهت صعوبة في ذلك بالرغم من أنها تطرأ على عقلي بشكل تلقائي حسب الموقف غالباً واستحضارها يكون مباشراً وحاضراً بسهولة عندما يتم سؤالي أو يستلزم مني الموقف ردة فعل سريعة، وقد أدركت ذلك عندما تكلمت مع أمي خلال شرب الشاي في مساء أحد الأيام بعد حادثة النمل بأيام وكانت تتحدث عن أحوال أفراد أسرتنا كعادتها ومن منهم تزوج ومن منهم أنجب وكنت أنصت إليها باستمتاع لأن صوتها في أي موضوع تتحدث فيه يشعرني بالراحة والطمأنينة.
(أمي) :تحدثت مع عمتك اليوم بالهاتف
- حقا؟.. كيف حالها ؟
(أمي): حزينة ومستامة جداً كان **** في عونها
- لماذا؟ .. ما الذي حدث؟
(أمي): ابنها كان يشتكي من ألم في صدره منذ فترة وبعد مراجعته للطبيب أخبره بأنه يعاني من مرض خطير لا يرجى شفاؤه
- لا حول ولا قوة إلا ب****.. ما هو مرضه؟
لن أذكر ما هو المرض لكن يمكنني القول بأن علاجه مكلف وطويل ومؤلم لكن المهم هو ما طرأ في بالي تلك اللحظة وهو علاج قرأته في أحد كتب ( عمار) عن ذلك المرض والذي كان حشرة..
8
نعم حشرة..
1
وتحديداً نوع محدد أصفر اللون منها..
1
لكن كيف أخبر أمي بذلك والأهم كيف أقنع ابن عمتي بتناولها..
5
حاولت تجاهل الموضوع لكني أحسست بقليل من تأنيب الضمير مع أني لست متيقناً من نجاح العلاج لكني متيقن من أنه لن يضره.
قررت بعد تفكير بسيط أن أرفع السماعة وأتصل على ابن عمتي الذي كان يصغرني بعدة سنوات وقلت له بكل بساطة إن علاجه يكمن في تناول سبع من تلك الحشرات دون طبخ ويستحسن أن تكون لا تزال على قيد الحياة.
3
بالطبع لم يتقبل كلامي في بادئ الأمر لكن ولسبب ما قال:
حسناً.. سأجرب..
16
اليأس إذا دخل قلب إنسان رفع علم الاستسلام الأبيض والتسليم دون جدال..
2
إذا كنتم تتساءلون فالإجابة هي نعم..
لقد تماثل للشفاء بعد أن حصل على بعض تلك الحشرات وتناولها..
عجيب أمر المريض..
أي درجة من اليأس يمكن للإنسان أن يصل إليها ليقوم بشيء كهذا بحثاً عن العلاج وصحة البدن؟..
الحمد *** الذي عافانا في أبداننا مما ابتلَ به كثيراً من خلقه..
1
كنت سعيداً له وحزيناً على نفسي..
هل أنا أمارس الشعوذة؟
5
هل ما قمت به أمر يندرج تحت الدجل ؟
الرجل تماثل للشفاء..
هل هذا هو ما يعرف بالطب الشعبي؟
1
لكن هناك أموراً أخرى لا تندرج تحت هذا المسمى..
تريدون مثالاً آخر ؟
2
لنعد للمزرعة إذا وتحديداً في اليوم الذي دخل علينا (يوسف) بصينية كبيرة من الحلوى بمناسبة قدوم مولودته الثانية وبعد أن أخذ كل واحد منا قطعة منها وقدم التبريكات عبر البعض عن غبطته وحسده لـ(يوسف) لأنه سيكون حراً خلال فترة نفاس زوجته في بيت أهلها..
زوجته كانت طيبة القلب لكنها لم تكن طبيبة المعشر بالمناسبة ..
لم يبد حماساً لغبطتنا له فقد تذمر من مراجعته اليومية للطبيب مع ابنته الحديثة الولادة وعندما سألناه عن السبب قال بأنها تبكي بشكل مستمر ولا تنام أبداً إلا لدقائق معدودة وقد أصيبت بالجفاف الشديد لأنها تستفرغ كل ما تتناوله بسبب البكاء غير المنقطع وقد أبقوها في المستشفى تحت العناية المركزة كي يتم تغذيتها بالأمصال ريثما يجدون العلة التي تعاني منها.
3
أخذ الجميع يواسونه ويقدمون له نصائح كانت في الغالب من خيالهم لأني كنت أشك بأمر ما وشكي كان بمحله ..
سألته: هل أسميتها؟
(يوسف): نعم.. أسميناها (وله)...
24
حسم الأمر بالنسبة لي بعد ما قاله والحل ظهر جلياً أمامي يكل وضوح وقررت أن لا أجامل وأن أخبره بالحقيقة وقلت له:
غير اسمها وستتعافى بإذن **** ..
4
(يوسف) مستنكراً كلامي: أغير اسمها؟..
ما علاقة اسمها بالموضوع؟
كيف أقنع هذا الأب المحدق بي باستغراب بأن الاسم الذي اختاره لابنته الرضيعة هو سبب معاناتها ؟
6
كيف أخبره بأن مشكلتها ليست مرضاً أو علة طبية؟..
كيف؟
والأهم من ذلك كيف أثبت ذلك لنفسي مرة أخرى؟
العلم أمام ناصيتي..
لا أعرف أحداً جربه في السابق..
لكن ما الضير في التجربة؟..
أليست التجربة من وسائل الحصول على العلم أو التحقق منه ؟ ..
4
لكن..
هل يجوز أن أجرب على الناس؟..
وخصوصاً **** صغيرة..
ما الذي يجعل العلم والمعلومة شيئاً مؤكداً وموثوقاً منه؟..
الغرب؟...
تجاربهم؟..
أبحائهم؟..
هل هم فقط المصدر الوحيد لليقين الدنيوي المعلم؟
الصيام فرض ديني اتبعناه لسنين بيقين دون أبحاث علمية ومؤخراً فقط أعطاه الغرب علامة الجودة وزكوه كـ اعادة مفيدة للجسم..
هل كنا جهلة عندما صمنا تطبيقاً لفريضتنا دون الاهتمام لفوائدها الدنيوية؟..
قطعاً لا..
أم لأنها جزء من ديننا قبلناها دون سؤال؟..
ماذا عن علومنا الأخرى ..
علوم الأولين، التي طمرها الزمن ؟
هل يعقل أن تكون كلها كاذبة وغير صحيحة ؟
كيف كنا منارة العالم يوماً إذا؟..
بأي علوم قدنا العالم؟
هناك حلقة مفقودة فالحياة أعقد بكثير من الاعتقاد بأننا رأينا واكتشفنا كل شيء
غير (يوسف) اسم ابنته وانتهت مشكلتها على الفور وبدأت مشكلة أخرى عانيت منها لأيام وهي هل أكتم هذا العلم أم أشاركه مع غيري ؟..
هل هو العلم الذي يقال عنه علم لا ينتفع به ؟
أم هو علم آخر غفل عنه الناس أو تغافلوا عنه ؟ ..
وقتها لم أعرف..
حقيقة لم أعرف..
أصدقائي في بادئ الأمر لم يكونوا يأخذون كلامي وتعليقاتي العابرة على بعض الموضوعات بجدية دائماً خاصة عندما تكون مختلفة ومتعارضة مع مفاهيم آمنوا بها لسنوات طويلة لكن ومع تكرار مثل هذه الأمثلة التي ذكرتها سابقاً نما عندهم نوع من «الإيمان» بما كنت أتحدث عنه من وقت لآخر وبدؤوا إذا صح التعبير يضعون ذلك العلم تحت الاختبار والتجربة في بعض الأحيان.
لذلك كانت نصيحتي لنفسي وما زالت هي أن لا أنصت لأحد بل أستخدم عقلي من وقت لآخر ولا أخشى النتائج حتى وإن تصادمت مع قناعات أمليت علي منذ الصغر وأذكرها دائماً بأنها ليست ملزمة بشيء شريطة أن لا تجعل خوفها من أفكاري يميت عقلي.
.....
«أنتهى»
«رآني من حيث لا ارَه»
هناك وسيلة دفاعية عقلية طبيعية لدى كل إنسان تشبه في عملها جهاز مناعة الجسم ضد الأمراض والفيروسات التي تغزوه وهي أن كل شيء لا بد وأن يكون له تفسير منطقي وإذا غاب التفسير المنطقي اختلقت تلك الوسيلة الدفاعية تبريراً مؤقتاً ليحل محله ريثما يأتي ذلك التفسير الذي يمكن لعقله تقبله وقبوله.
دخل علينا أحد أصدقائنا استراحتنا في ساعة متأخرة..
2
لم يكن بطبعي البقاء لوقت متأخر لكن تلك الليلة كنت مندمجاً مع برنامج على التلفاز وأنتظر حتى أفرغ منه لأرحل.
جلس (صالح) وعلى وجهه علامات التوتر والفزع فسأله أحد الموجودين قائلاً: ما بك؟ تبدو متوتراً
(صالح) بقلق ونبرة فزع: لا أعرف ماذا أقول..
لكني رأيت أو توهمت أني رأيت شيئاً خلال دخولي قبل قليل
اعتدل السائل في جلسته وأدار بقية الحاضرين رؤوسهم ومسامعهم بإهتمام نحو (صالح) الذي استأنف حديثه بقول: رأيت أو ظننت أني
رأيت.. لا أعرف.. قطاً أسود..
رد أحد الحاضرين بتهكم :هل كل هذا بسبب قط أسود؟ ..
(صالح): لا .. افهمني.. القط كان يقف على قوائمه الخلفية فقط وكأنه بشر ويلوح لي.. وأظنه كان يبتسم
21
ضحك معظم المتواجدين وسخر بعضهم من (صالح) الذي بدت عليه معالم الندم والتحرج الشديد لكن ليس أنا لعلمي السابق بإمكانية حدوث مثل هذه الأمور وبشكل متكرر وأكثر مما نتصور فتشكل الجن حقيقة ويحدث لأسباب كثيرة لم أكن بصدد شرحها لصاحبي المرعوب أو للبقية المتهكمين الساخرين الذين اقنعوه بأنه توهم ما رآه.
كان يمكن أن أصمت لكن ذلك سيكون ضد أهم مبادئي وهي تقديم الحقيقة مهما كانت مزعجة لأن درجة الإيمان بالغيبيات تختلف من شخص لآخر والبعض يحصرها بما ذكر له من المصادر العلمية والدينية فقط ويرفض ما سواها وهذا لا بأس به ويندرج تحت مظلة حرية التفكير والاعتقاد لكنها ليست سبباً للامتناع عن تقديم رأيك وهذا أمر طبيعي.
لكن ما هو ليس بطبيعي محاولة فرض تلك الاعتقادات بالقوة على الغير أياً كانت سواءً دينية أو علمية أو غيرهما.
حتى الثوابت العلمية من حق الإنسان الحر التشكيك بها لكن لا يحق له تهميش واستنقاص غيره ممن يؤمنون بها لأنه وقتها سيفقد الأهلية وسيصبح معتدياً جاهلاً.
1
ما زال هناك أناس يؤمنون بأن الأرض مسطحة إلى يومنا هذا ..
16
هل يجب محاربتهم ؟..
2
لا ..
2
هل يجب مقاومتهم عندما يحاولون نشر هذا المعتقد بالحديث عنه ؟ ..
لا..
هل يجب منعهم عندما يتحول كلامهم إلى أفعال ويبدؤون بمهاجمة
من لا يؤمنون بمعتقدهم..
بالتأكيد نعم..
11
هذا هو الخط الرفيع الفاصل بين العاقل والجاهل الحق لا يحتاج أحداً ليدافع عنه أو أن يهاجم ويدمر نقيضه في سبيل نشره.
الحق حق والباطل باطل ونحن بممارساتنا نحدد أيهما سيسود و سيزدهر وأيهما يندثر ويزول.
3
أخطأ صاحبي عندما روى قصته لبقية المجموعة لأنه تعرض لسخرية كبيرة جعلته نادماً على مشاركة عقله معهم..
كان ضحية تخلف..
2
تخلف عن مبادئ التفكير وأبسط أساسيات الفهم..
تخلف جمعي حاصره ودفن رأيه عنوة..
بعد رحيل معظم من كانوا بالاستراحة تلك الليلة دنوت من (صالح) الذي اقتنع بأن ما رآه كان مجرد خيال من صنع عقله وقلت له:
لا ترحل ... ابقَ معي حتى يرحل الجميع
2
(صالح) باستغراب: لماذا؟
- أريدك في موضوع ما ...
(صالح): حسناً
عندما خلت الاستراحة بعد منتصف الليل بساعة تقريباً طلبت من (صالح) أخذي للمكان الذي شاهد فيه ذلك القط وبالرغم من ممانعته بحجة أن ما رأه كان وهماً كما افتتح إلا أني أصررت عليه بالخروج معي.
سرنا خارج الاستراحة لمسافة قصيرة حتى وصلنا لمجموعة من النخيل فأشار بأصبعه لإحداها وقال : هناك.. رأيته يقف بجانب تلك النخلة... أو توهمت أني رأيته
مشيت بضع خطوات تجاه تلك النخلة حتى وقفت بجانبها ووضعت راحة يدي اليسرى على جذعها ووجهت نظري لـ (صالح) قائلاً: هنا؟
(صالح) والتوتر باد على وجهه: نعم...
- لم أنت متوتر ؟
(صالح): لا أبداً لا شيء
- أنت لست مقتنعاً بأنك توهمت ما رأيته أليس كذلك؟
(صالح): لا أبداً لقد اقتنعت بكلام الشباب
- لماذا؟ .. ما الحجة القوية التي قدموها لك كي تكذب عينيك ؟
(صالح): بربك فكر بالأمر .. هل يعقل أن ما رأيته كان حقيقياً
- ولمَ لا ؟.. الجن يمكنه التشكل
(صالح) بقلق : أرجوك لا تتحدث عن هذا الموضوع في هذا المكان.. لم أتينا هنا من الأساس؟
2
- أنا هنا لأقدم لك خيارًا.. أن تبقى في عتمة الغيب مطمئناً أو أن ترى بنفسك وتتيقن من أنك لم تكن واهماً
(صالح): أرى ماذا؟
- القط الذي رأيته في الغالب جن متشكل ويمكننا البحث في هذه الأرجاء عنه وإذا كان لا يزال موجوداً فسنجده أو نجد غيره وسأرغمه على التشكل مرة أخرى .. أستطيع القيام بذلك بطريقة معينة ..
(صالح) بخوف شديد : لا ! لا! لا أريد رؤيته مرة أخرى
- لا تقلق لن يؤذيك .. ستراه فقط ومن بعيد لو أحببت
(صالح) باستغراب: عن ماذا تتحدث؟..
كيف ستفعل ذلك ؟
- فقط أخبرني بأنك تريد التحقق مما رأيته واترك الباقي لي
(صالح): لا أريد.. أنا مكتفِ ومرتاح لفكرة أنني كنت واهماً أكثر من فكرة أن ما رأيته كان حقيقة .. أنا لا أعرف ماذا تنوي أن تفعل لكن أياً كان لست راغباً في المشاركة
عاد (صالح) بعد تلك الكلمات نحو الاستراحة وركب سيارته ورحل ..
3
لا ألومه فالجهل في بعض الأحيان نعمة..
بل غالباً في الواقع عندما يتعلق الأمر بالعالم الآخر..
2
......
«أنتهى»
«وحيد.. مكتئب.. حزين»
تتكرر علي بعض الأسئلة الغريبة عندما أمارس «عزلتي»..
أبرزها:
«لم أنت مكتئب؟»... «لم أنت حزين؟» ... «لم أنت وحيد؟»..
هناك فرق كبير بين «العزلة» و«الوحدة» فالأولى حالة من السمو بالنفس دون الناس والأخرى حالة من الضياع حتى لو كنت بين الناس.
أنا مؤمن بأن علاقتك بنفسك لا تحتمل طرفاً ثالثاً لذلك أجد في العزلة عن الناس ما لا أجده بينهم.
ممارسة العزلة لا تكون فقط بالجسد فالتواصل الهاتفي بشتى أنواعه المسموعة أو المكتوبة يكسر حاجز العزلة الحميدة.
بعض الناس لا يستطيع الانعزال عن الأشخاص لأنه عندها سيضطر للتعامل مع نفسه والتي إذا لم يكن متصالحاً معها فسيواجه مشكلات عديدة في التأقلم فالذين يصنفون أنفسهم بـ « الاجتماعيين» كحجة لرغبتهم الدائمة في الخروج والاختلاط بالناس وحضور الفعاليات المكتظة بالأنفس الأخرى هم «غالباً» (وأقول) «غالباً» كي لا أقع في (التعميم) لا يستطيعون تحمل أنفسهم إذا بقوا معها لأنها ببساطة لا تطاق.
13
أتهم في مناسبات كثيرة بأني أحادي الرأي ولا أقبل وجهات النظر الأخرى أو أتقبلها وأفرض قناعاتي فرضاً على الغير.
الحكاية هي فقط أفند ما أسمعه من الآراء أمام أصحابها وأستعرض فكري المناهض لها دون إجبار أحد على قبوله أو حتى تقبله لكن ولضعف حجة غيري غالباً وليس قوة في حجتي يرى من يناقشني أني أفرض آرائي عليه غير مدرك أن من يصرخ فيه لقبولها ليس أنا بل عقله المخدر بالمفاهيم المغلوطة.
2
لم أتجرأ يوماً على فرض رأيي على أحد لكني أطرحه من وقت لآخر بدون مجاملة وأكثر خصومي ضراوة هي نفسي وأدرك أني أتحدث عن أمور لا يقبلها عقل وأول المشككين بما أقوله هو أنا لكن الفيصل دائماً بالنسبة لي هي التجربة وما يترتب بعدها من نتائج.
العلم الذي حصلت عليه من مكتبة (عمار) ولا أعني هنا علوم السحر والشعوذة بل العلوم الأخرى التي لم أجد لها تصنيفاً هي علوم لا أملك عليها ذرة من الإثبات سوى بعض التجارب العملية التي لم تخب معي غالباً ضربت عدة أمثلة في حديثي السابق مثل حادثة «النمل» التي عانى منها (أحمد)..
2
هل كنت أعرف بأن تلك الطريقة ستنجح؟..
لا..
هل أعرف الآن أنها ستنجح مع غيره..
أيضاً لا..
لكن ما أعرفه هو أنها نجحت معه وقد تكون مجرد مصادفة.
كذلك نصحي لـ (يوسف) بتغيير اسم ابنته..
العلم الذي اكتسبته وجهني لتلك النصيحة..
هل يعني ذلك أن كل فتاة تُسمى باسم (وله) سوف يحدث لها ما حدث مع ابنته..
9
بالتأكيد لا..
لذلك فالأمر بالنسبة لي لا يحتمل مشاركة هذا العلم مع الكثير من الناس سأذكر مثالاً آخر تذكرته الآن وهذا المثال قد يوضح مشكلتي مع تلك العلوم الغريبة التي اكتسبتها.
شخص مقرب لي وخارج دائرة أصحابي في المزرعة ألتقي به من وقت الآخر في مقهى أو في منزل أحدنا ..
زميل دراسة سابق وأكن له الكثير من الود والاحترام لكنه لا يعرف شيئاً عن ما تعرضت له في الماضي لذا أحب الحديث معه..
حدثني في أحد لقاءاتنا عن مشكلات بدأ يعاني منها مع زوجته ولم تكن تلك المشكلات بسبب شيء ظاهر ومعلوم له بل كانت بسبب شكه في أنها تخفي عنه شيئاً ولا تريد الإفصاح مهما كرر عليها السؤال فقلت له: هناك احتمال أنك واهم ولا يوجد شيء يا (مازن).
(مازن): صدقني أن هناك شيئاً يعكر مزاجها ويشغل تفكيرها
- ربما الأمر لا يخصك وهذا سبب عدم مشاركتها الموضوع معك
(مازن): الأمر عكر صفو حياتي لذا فهو يخصني !
- وماذا ستفعل لو عرفت السبب واتضح أنه لا يخصك.. هل سترتاح؟
(مازن): نعم.. ما يهمني هو أنني لست السبب في الموضوع
- ألم تقل بأنها أخبرتك بأن لا علاقة لك بالموضوع؟
(مازن): لا.. أخبرتني بأنه لا يوجد موضوع من الأساس وهذا شيء
مستفز.. لم تخفي علي أمراً إن كان لا يعنيني ؟!
- تفكير النساء مختلف.. لا تُحمل الموضوع أكبر من حجمه
6
(مازن): لنغير الموضوع فلا فائدة من الحديث فيه...
تغير الموضوع بالفعل ودخلنا في عدة موضوعات جانبية أخرى لنصف ساعة تقريباً لكن عقلي لم يتوقف عن الإلحاح والإصرار علي بتقديم اقتراح ناجم عن ذلك العلم الذي لا ينتفع به والذي يضج به رأسي.
بعد صراع مرير مع نفسي قلت له:
- اسمع.. لدي اقتراح بشأن موضوع زوجتك
(مازن): ما الذي ذكرك بالموضوع ؟..
قالها صاحبي مستغرباً من إثارة الموضوع مرة أخرى
- لا شيء لكن أعتقد أنه يمكنني مساعدتك..
(مازن): كيف؟
- لست واثقاً من الطريقة لكن جرب لن تخسر شيئاً
(مازن): وما هي تلك الطريقة؟.. قالها بتوجس
- لكن تذكر أنه لا يعرف ما تخفي الصدور إلا **** والطريقة التي سأدلك عليها مجرد نافذة صغيرة
(مازن): نافذة صغيرة على ماذا؟
- فقط تذكر كلامي هذا جيداً
(مازن): هل ستكثر الكلام أم أنك ستخبرني ؟
- حسناً.. جرب النوم في مضجعها لعدة ليال ..
15
(مازن): ماذا ؟ .. ماذا تقصد؟
3
- النوم في فراش شخص ما يساعدك على الولوج في هواجسه وما يشغل باله وسوف تأتيك تلك الهواجس على شكل أحلام أو كوابيس
(مازن) عن ماذا تتحدث؟.. ما هذا الاقتراح الغريب؟
- جرب وقد تصل الإجابة لما يؤرقك
(مازن): دعني أستوضح ما تطلبه مني.. أن أنام في فراش زوجتي لعدة ليالٍ.. أليس كذلك؟
- بل.. في الجانب الذي اعتادت هي أن تنام فيه..
(مازن): قد يثير ذلك شكوكها
- تصرف وقدم أي عذر لهذا التغيير المؤقت
(مازن): حسناً سأحاول.. لكن ماذا سأرى؟
- في الغالب سترى رؤيا تدلك على الإجابة وإذا واجهت مشكلة في تعبيرها فرقم هاتفي معك ويمكنك الاتصال بي
2
الطريقة التي زودت صاحبي بها من الأساليب المشهورة التي يتبعها المعالجون الروحانيون وكذلك بعض السحرة بالرغم من أن هذه الطريقة لا علاقة لها بالسحر من قريب أو بعيد لكنها أحد أسرار المهنة التي لا يفشونها لأحد ولا يعرفها إلا من وصل مراحل متقدمة من هذا العلم الغريب وقد تعلمتها من ( عمار) بشكل مباشر عندما كان ينام في فراشي بالمكتبة إذا أخفيت عليه شيئاً وأراد معرفته وأخبرني لاحقاً بسرها.
8
تلقيت اتصالاً من صديقي بعد أسبوع تقريباً وطلب مقابلتي وبالفعل قابلته في المكان نفسه الذي التقينا فيه آخر مرة وشرح لي أنه جرب الطريقة ونام في جانب زوجته من الفراش لعدة أيام فسألته:
هل استفدت؟
(مازن): رأيت أحلاماً وكوابيس مثلما قلت.. كلها تتمحور حول الموضوع نفسه شجار ومشاحنات مع أهل زوجتي مرة مع أخيها الأكبر ومرة أخرى مع والدتها وآخر حلم رأيته بالأمس وفيه تعاركت مع أبيها بالأيدي .. كان كابوساً مزعجاً .. ما معنى هذه الكوابيس؟..
علاقتي معهم في الواقع جيدة ولم أختلف معهم يوماً
- لقد عشت هم زوجتك وهواجسها ..
(مازن): هل تقصد أنها تتشاجر معهم في الواقع وهذا ما يعكر مزاجها هذه الفترة ؟
- لا ليس بالضرورة لكن الرؤيا تشير بوضوح إلى أن سبب تغير مزاجها هو أمور تحدث بسبب أهلها ولا يشترط أن يكون خلافاً وقد كتمت ذلك في صدرها ولم تخبرك
(مازن): ماذا يكون إذاً؟
- كي تحصل على التفاصيل لا بد أن تسألها لكن ما أردته تحقق وهو معرفة مصدر القلق.. أليس كذلك؟
(مازن): بلى.. أشكرك.. لكن...
- لكن ماذا؟
(مازن): كل ما قلته لي حتى الآن تكهنات ولم أتثبت منها ...
- ستتثبت منها بعد سؤالك زوجتك..
(مازن): لم أكن أعرف بأن زوجتي تعاني من الكآبة
- لا تخلط بين الحزن والكآبة فالحزن ضيق في النفس يولد كبيراً لسبب ويزول بنسيانه أما الكآبة فهي ضيق يولد صغيراً بلا سبب وينمو بلا توقف حتى تختنق.. زوجتك تعاني من الحزن وليس الكآبة...
13
صديقي هذا أخذ بنصيحتي دون سؤال أو تشكيك لذا وجدت أريحية في نقلها وتوجيهها له لكن الإنسان فطرياً لا يكون متقبلاً لفكرة تجربة أمور جديدة لا يعرف مصدرها.
أحد مصادر المعلومة «الموثوقة» عند البشر بشكل عام محصورة في فئات محددة وأبرزها هي العلم (المثبت) و التشريعات «السماوية» أو بمعنى آخر «الدين».
ومن الصعب جداً على الكثير تقبل علم لا ينبثق من تلك المصادر خشية الوقوع في الخطأ أو الحرام.
مصطلحات مثل «البدعة » أو «الخرافات» أو «الدجل» تشكل عائقاً كبيراً أمام الكثير لقبول أو استيعاب أي علم جديد فهو يقع في خانة المجهول ونحن أعداء ما نجهل بالرغم من أن كل العلوم المثبتة بدأت بمجهول وانتهت بيقين مروراً بالتجربة والبحث.
.......
«أنتهى»
«حدثني ثقة»
سأقدم مثالاً بسيطاً على كيف أن معلومة أنا شبه متيقن من صحتها يكون نقلها وإيصالها للطرف الآخر صعباً جداً بشكل مباشر ويتطلب وضعها في قالب ملائم ليستطيع هضمها وتقبلها بأريحية.
ابنة خالتي والتي كانت أمي من وقت لآخر تحكي لي عن مشكلاتها وخصامها المتكرر مع زوجها بدأت تلفت انتباهي فمشكلاتها معه تبدأ وتبلغ قمتها في منزلهما وبمجرد أن تخرج غاضبة لبيت أهلها تهدأ فجأة وتستغرب من الأسباب التي دفعتها للخصام معه منذ البداية وهو أيضاً ما أن يخرج من منزله بعد رحيلها حتى تهدأ سريرته ويبدأ أحدهما بالاتصال بالآخر يبدي أسفه وشوقه وتعود المياه لمجاريها وما أن يجتمعا تحت سقف واحد حتى يعود للخصام بحدة ويفترقا وهكذا دواليك أصبح مسلسل خصام ابنة خالتي مع زوجها بحلقاته الممتدة على عدة مواسم مملاً لي ولأمي المتحسرة على حالهما ولو سألت مختصاً في «علم النفس» عن سبب المشكلة فسوف يقوم بطرح نظريات لا حصر لها في أساليب التفاهم وقبول الآخر واحترام الطرفين.. إلخ.
1
ولو وجه السؤال نفسه لشخص آخر لن أذكر توجهه فسيقول بأنه ضعف إيمان وقلة صلاة وتقصير في الواجبات.. إلخ.
جميع الآراء السابقة جميلة عندما نسمعها ونهز لها رؤوسنا بكل خضوع وخشوع لكن هل هي مجدية في جميع أو معظم الحالات؟ ..
4
لن أجيب وسأترك الإجابة لكم.
12
بما أن الجميع في عائلتنا ساهموا في هذا الموضوع برأيهم بمن فيهم العاملة المنزلية التي تعمل عند ابنة خالتي بقولها:
«بابا ما في كويس»
28
فلمَ لا أساهم بما أنا شبه متيقن أنه سبب الخلاف المستمر تحت سقف ذلك المنزل؟..
لكن كيف؟
أتحدث مع ابنة خالتي أم زوجها؟
الحل معي لكنه بالنسبة لهم سيكون بلا شك غريباً وصياغته كحل ستجعله أكثر غرابة.
هل أتحدث مع أمي أو خالتي؟
المعلومة تخص الملح وفوائده الروحانية إن صح التعبير، فلو قلت لهم إن رش الملح في المنزل وزواياه تحديداً وغسل أرضياته بماء به ملح مذاب مفيد جداً لنفسيات أهل البيت لأن منزلهم مشحون بطاقة سلبية قوية تجعل قاطنيه في حالة متوترة على الدوام وهذا هو السبب الحقيقي لخلافاتهما المستمرة فسوف ينظرون لي بنظرة هل أنت مجنون؟..
21
وهذا من باب التفاؤل لردة فعلهم المتوقعة.
نسبة قبولهم لكلامي ونصيحتي سوف تعتمد على عدة عوامل أولها ثقتهم بمصدر المعلومة..
لكن..
ما هو المصدر الموثوق للبشر عموماً؟
إذا كانت المعلومة مذكورة في القرآن أو السنة فالأمر محسوم للمسلمين ولو كانت مذكورة في الإنجيل فهي محسومة عند المسيحيين وتحسم عند اليهود إذا كانت مذكورة في التوراة وعدا ذلك سيكون عند بدعة.
ماذا إذا كان الشخص ملحداً ولا يؤمن بأي من الأديان السماوية؟
ستجد أن المصدر الموثوق عنده غالباً هو العلم الحديث وهذا المصدر معظم الوقت مقبول عند معتنقي الأديان فالعلم في مسائل كثيرة لا يتعارض مع الدين لكن المشكلة هي عندما يكون المصدر غير علمي وغير ديني.
أعني بذلك أنه لم يخضع للتجارب العلمية المختبرية والأبحاث المطولة ولم يرد فيه نص سماوي صريح ليقع في المنتصف بينهما ويصبح مرفوضاً من الطرفين.
1
بهذا المنهج حصرنا مصادر المعلومة وحجبنا علماً كثيراً عنا فالملحد يتعامل مع العلم المثبت مثلما يتعامل المتدين مع الكتب السماوية وأعني بذلك أنه يرى فيه مصدراً موثوقاً لا يقبل النقاش مع أن العلم يراجع نفسه دائماً ويأتي بنظريات تناقض ما سبقها بشكل مستمر ومع ذلك يبقى الملحد واثقاً بأن كل ما يأتيه من هذا المصدر حق مطلق لا يقبل النقاش.
3
لذلك عندما اقترحت حل غسل منزل ابنة خالتي بـ«الملح» على خالتي ضحكت في البداية ثم قالت:
لا يجوز يا بني ...
لم أعارض أو أناقش لأن حائط المعتقد لديها كان أكبر من أن أتسلقه حتى وإن كان مبنياً على أساس لم يرد في الدين أصلاً أو اجتهاد لفقيه بدون دليل وغير ملزم لأحد.
العامل الثاني الذي قد يجعل معلومة ما مقبولة هي بوضعها تحت مجهر التجربة والخروج بنتائج تلائم معتقداتنا وما نؤمن به سابقاً.
هذه النقطة حساسة جداً وتتسبب بصراعات نفسية كبيرة لكثير من الناس الذين حسموا موقفهم مع العالم وطريقة عمله وفهمهم لما يدور حرهم فتقبل معلومة جديدة بدون شرط أو قيد يستلزم ، عقلاً منفتحاً على ما هو جديد ولا أعني هنا المتدينين فقط فحتى أصحاب «المنطق» والعلم تجد بينهم تزمتاً لما هو مختلف وجديد يفوق أحياناً ما نراه عند معتنقي الأديان السماوية وأقرب مثال على ذلك سنة استخدام غصن شجرة الأراك لتنظيف الأسنان عند المسلمين أو ما يعرف به السواك فتاريخ هذه العادة يعود لما قبل الإسلام بما يقارب الـ ٧٠٠٠ سنة وقد مارستها حضارات وشعوب كثيرة مثل البابليين مروراً بالإغريق والفراعنة وأصبح سنة دينية عند المسلمين اقتداء بالرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم والذي مارسها وحث عليها.
17
لم يعرف أو بمعنى أصح لم يتقبل الغرب في العصر الحديث عادة السواك بشكل واسع النطاق حتى ذكرت تلك العادة جنباً لجنب مع مصطلحات مثل «أثبت العلم الحديث» أو «أثبتت الدراسات » وبدؤوا يتحدثون عن فوائده الجمة للأسنان واللثة وكيف أنه أفضل وأنفع بكثير من استخدام المعجون المعزز بالفلورايد الضار وفرشاة الأسنان التقليدية فانتشر كالنار في الهشيم عندهم وأصبح عادة «حميدة» بعد ما كان مجهولاً مشكوكاً في منفعته.
2
كثير من المسلمين مارس سنة السواك اقتداء بالرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم وسنته فقط وليقينه التام بأن المصطفى عليه الصلاة والسلام لن يسن شيئاً إلا وله منفعة سواء في الدنيا أو الآخرة ولم يكن أغلبهم يعي الفوائد الكثيرة التي توصل إليها الغرب بأبحاثه الحديثة اليوم ومع ذلك مارسها لقرون طويلة.
هل كان العرب والمسلمون ليمارسوا عادة السواك لو لم تكتسب تلك الصيغة الدينية؟
على الأرجح سينخفض معدل ممارستها كثيراً..
هل كان الغرب سيتبنى هذه العادة لو أنه لم يكسبها مصداقية بأبحاثه العلمية؟..
غالباً لا ..
ماذا عن الحضارات السابقة للإسلام والعصر الحديث والتي مارستها القرون طويلة؟
على أي أساس مارستها؟..
أساس ديني؟
معظم تلك الحضارات لم ترَ أياً من الأديان السماوية الثلاثة المعروفة ولم تؤمن بها ...
على أساس علمي؟..
ربما فتلك الحضارات وصلت إلى مراحل متقدمة من العلم اندثر معظمها وفقدنا الكثير منها.
ما أريد أن أصل إليه هو أن هناك الكثير والكثير من العلوم التي لا تعرف عنها شيئاً والعلم الحديث لم يطرق بابها ولم يكشف النقاب عنها بعد.
جربت هذا المدخل مع خالتى وقلت لها:
العلم الحديث أثبت أن الملح مفيد لنفسيات الناس وغسل المنزل به سيكون له أثر إيجابي جداً على ابنتك وزوجها بالطبع هذا الكلام لا أعرف مدى صحته «علمياً» فأنا لم أقرأ بحثاً علمياً خاض في هذا الأمر بشكل مفصل وخرج بنتائج حاسمة و مصدر ثقتي بالمعلومة كان من علم الكتب التي قرأنها فقط
(خالتي): هذه أمور دخيلة ولا أصل لها
- وما الأصل الذي تبحثين عنه ؟.. ديني ؟
(خالتي): لقد عادت ابنتي لزوجها بالأمس وأمورهما مستقرة و**** الحمد ولا داعي لذلك
- ستعود لك في وقت قريب صدقيني
1
(عالتي): ما هذا الفال السيء ؟.. ادعِ لها بالاستقرار
لم يكن هناك جدوى من إقناع خالتى أو غيرها فهم لن يتقبلوا شيئاً جديداً يجهلونه مهما حاولت..
4
أنا لا أدعي أني أملك حقيقة مطلقة لكني أملك علماً حصلت عليه وأقف حائراً أمامه.
3
وأقرب تفسير لتلك العلوم والمعلومات التي يضج بها عقل هو أنها من تلك العلوم المندثرة.
الأمثلة كثيرة ولا تحصى على التجارب التي جربت فيها تلك العلوم على من هم حولي، أطبق المعلومة وأرى الأثر ولا أعرف التفسير.
مثال آخر يمكنني طرحه وتعريضه للمجهر نفسه وهو أوضاع النوم فالعلم ينصحنا بأوضاع معينة وينهانا عن أخرى على مبدأ صحي بحث السلامة العمود الفقري والتنفس بشكل أفضل خلال النوم.. إلخ والدين كذلك يحثنا على النوم على الشق الأيمن ويستكرهه على البطن.
ماذا لو تعارض العلم مع الدين في هذه النقطة؟
ماذا لو حذر العلم من النوم على الشق الأيمن وحث على النوم على البطن؟
30
الكل سيتبع ما يؤمن به لكن هل هذا دليل على كفره بالآخر؟
1
سؤال مرهق عند محاولة الإجابة عليه..
1
لكن ماذا لو كان هناك منطلق ثالث غير الدين والعلم..؟
أنا أعرف بأن دفن الإنسان في الرمل وخصوصاً في نوع معين من الرمال مفيد جداً للكثير من الأمراض والعلل خاصة النفسية والروحانية ..
6
لماذا؟..
لا أعرف..
أعرف بأن خلع ضرس العقل علاج مرض لن أذكر اسمه لأني لا أملك دليلاً علمياً أو دينياً على ذلك..
2
لماذا هو مفيد ؟ ..
لا أعرف أيضاً ؟ ...
هل ذكر تلك العلوم أو التعامل بها محرم ؟..
8
لا أعرف..
لا أعتقد..
1
أنا أعيش دوامة..
أريد أن أصمت لكن معظم الأحيان لا أستطيع خاصة عندما أرى من يعاني أمامي.
8
قد تكون العلوم التي وصل إليها البشر اليوم «حديثة» بالنسبة لزمنهم لكن الكثير منها بلا شك ليس متقدماً على علوم كثيرة سالفة انذكرت منذ زمن بعيد.
غرور الإنسان يمنعه أحياناً من الاعتراف بأن هناك من سبقه لأمر ما ويحاول عن قصد أو لا شعورياً طمس أو عدم ذكر احتمالية أن ما جاء به ليس بالعلم الجديد وأنه قد يكون اكتشف من قبل بل وتفوق من سبقه فيه.
7
مع مرور الأيام بدأت أحس بنوع من الارتياح تجاه هذا العلم المندثر أو علم الأولين الذي لا أعلم عن أصله شيئاً عندما رأيت بعض مدلولاته مذكورة في القرآن والسنة وبعضها أيضاً توصل إليه العلم الحديث مؤخراً وبذلك كسب مصداقية أكبر عندي وعند الناس الذين جربوه بنصح مني، لكن ماذا عن بقية العلوم التي تعشش برأسي؟..
2
هل أنتظر حتى يثبتها العلم؟
هل أكتمها كما كتمها الكثير قبلي لتندثر مرة أخرى؟
هل يعقل أن ( عمار ) فقط هو من كان يملك كتباً تتحدث عن تلك العلوم؟
بدأت أعرف لمَ لم يحرص الكثير ممن حصلوا على هذا العلم على تدوينه أو نشره فقد تملكهم الشك أيضاً وخشوا أن يورطوا أنفسهم والناس معهم بعلم ليس فقط لا ينتفع به كما يتهم بل قد يكون خطراً عليهم كذلك.
......
«أنتهى»
«علقم الحقيقة»
مضت أشهر بعد عودتي لحياتي «الطبيعية» وصلت خلالها لقناعة بأني لم أمر بشيء مما مررت به سابقاً من تحضير للشياطين والتحدث معهم وقد أكون تعرضت فقط لفرط في التفكير مثلما يتعرض الطفل لفرط في الحركة وتحول ذلك لهلوسات عانيت منها لسنوات بعد مكوثي في مكتبة (عمار) تلك السنوات الثلاث وأن كل ما قرأته لم يكن سوى خليط من الحق والباطل وأن كل تلك المعلومات عن الشياطين والأسياد عبثت بعقلي وجعلتني أراهم أمامي وأتفاعل معهم والمسألة كانت بكل بساطة يقال إن المجنون لا يدرك أنه مجنون حتى يُشفى وفي لحظة يأس سلمت وأقررت بما قيل لي في أكثر من مناسبة وهو أني فقدت عقلي وهذا سبب ما كنت أراه تلك السنوات التي عقبت خروجي من المكتبة وعودتي لوطني.
2
كان يمكن أن أجرب قراءة تلك الطلاسم التي تعلمتها ورؤية ما سيحدث امامي ام أني أصبت بالجنون.
لقد طردت الشياطين التي كانت حولي ولم يبقَ سوى الشياطين داخل رأسي..
لكن ذلك قد لا يغير من الأمر شيئاً فكل ما مررت به ورأيته في السابق قضى الشهود عليه نخبهم ولم ينجِ أحد منهم سوى أخي الذي كما قلت سابقاً لا يتذكر شيئاً مما حدث.
لا يذكر ربما لأن لا شيء حدث من الأساس..
زارني أخي يوماً في غرفتي بناءً على طلب أمي التي كانت لا تزال تُصر على أن أزور متمشيخاً ليقرأ علي لأنه وكما قالت لي في أكثر من حوار معها فيك شيء ولتطمئن علي أكثر وتتحقق من أنني عدت «طبيعياً» كانت تريد أن تحصل على اعتماد وشهادة متمشيخ ممتهن للدين بذلك.
كنت أتجاهل طلباتها المتكررة لي بالذهاب لأحد مدعي المشيخة الذين ذاع صيتهم ذلك الوقت قدر الإمكان..
أعتقد أن اسمه كان «أبو البراع» لكن مقاومتي انتهت وتبددت بعد دخول أخي غرفتي وجلوسه أمامي مبتسماً وقوله :
سأطلب منك طلباً أرجو أن لا ترده..
2
فأجبته وأنا أبادله الابتسام «لن أرده إذا كنت أستطيع».
(أخي): تستطيع لكنك قد لا توافق ولكن اعلم أن الطلب من أمي وليس مني ...
اعتدلت في جلستي وقلت بقلق: ما بها أمي؟.. ولم لم تطلب مني ما
تريد مباشرة؟
(أخي): لأنني أنا من سيأخذك...
نظرت له مستغرباً ومتسائلاً: تأخذني إلى أين؟
قال بتردد: شيخ.. أمي تريد مني أخذك لشيخ للقراءة عليك
- ألم ننتهِ من هذا الموضوع؟.. لم لا تزال مصرة عليه؟
(أخي): لا أعرف لكنها أن تطمئن إلا إذا ذهبت معي للشيخ
- هل تعتقد أنت أني أعاني من شيء؟
(أخي): يجب أن لا تنكر أنك تتصرف بغرابة بعد عودتك من تلك الرحلة التي غبت فيها لثلاث سنوات.. قالها بحزن وتردد..
- بما أنك ذكرت تلك الفترة.. أريد أن أسألك عن أمر ما؟
(أخي): ما هو ؟
- هل تذكر عندما دخلت علي وقلت لي بأنك تعاني من كوابيس بسبب الكتاب الذي قرأته في غرفتي خلال غيابي ؟
(أخي): نعم أذكر ...
- وهل تذكر ما حدث بعدها؟
(أخي): ماذا تقصد ؟
- دخلت عليك غرفتك وكنت مغطى بالدماء وتبكي وأخبرتني بأني طلبت منك إغماض عينيك قبلها بدقائق وفتحتها لتجد نفسك بتلك الحالة
(أخي): صحيح.. لكن...
- لكن ماذا ؟
(أخي): أنا لم أكن مغطى بالدماء ولم أقل ذلك.. ولم أكن أبكي من الأساس.. أنت من دخل علي وعانقني وبدأ بالبكاء.. لقد كنت مشوشاً جداً ولم أشأ استفزازك بالحديث معك وقتها ..
3
كانت صدمة..
9
صدمة كبيرة فهذه أول مرة أناقش فيها أخي في ما حدث ذلك اليوم ولم أكن مستعداً لما سمعت ..
لقد كنت كما خشيت..
مجرد مجنون توهم كل ما حدث..
ابتسمت ..
لم يكن هناك (دجن) ولم يكن هناك (جند) ولم يكن هناك أي شيء..
45
مجرد هلوسات مجنون..
1
أعراض تقليدية لأي شخص مصاب بمرض الفصام..
3
شيء قرأت عنه وأعرفه تمام المعرفة لكن لم أظن يوماً أني مصاب به..
هذا لا ينفي أني نلت بعض العلم من تلك المكتبة لكن يبدو أن عقلِ لم يتحملها أو يتحمل العزلة التي عانيتها مع (عمار) فلجأ للهروب كنوع من التكيف مع الظروف القاسية التي فرضت عليه ولم يعد من حينها وهذا أمر وارد جداً مع مرض الفصام.
3
لاحظ أخي الصدمة التي كنت فيها حين أدركت أن علم الطلاسم وذكرياتي الماضية مع الشياطين والأسياد والقبائل كلها كانت سراباً وقال لي بقلق: ما بك؟
انقطع سرحاني المؤقت في حطام عالمى المهشم و نهضت وبدأت أغير ملابسي وقلت بهدوء:
لن أذهب معك...
أخي وهو ينهض ويهم بالخروج: أخبر أمي أنت بذلك إذاً ...
قال لي تلك العبارة لأنه كان يعرف سلفاً بأني لا أستطيع مضايقة أمي أو أبي ولو حتى في أمر أمقته مثل هذا لذلك لم اتحدث معها محاولاً إقناعها بعدم جدوى الذهاب لشخص كرس حياته لبيع بصاقه على الناس وقررت الذهاب والانتهاء من الأمر جبرًا لخاطرها فقط خاصة بعد معرفتي الحقيقة جنوني.
13
بعد قبلتين وعناق من أمي أتبعتها بدعاء سريع **** بأن يحفظنا أنا وأخي توجهنا عصر ذلك اليوم بالسيارة لمنزل ذلك الشيء الذي أتت عليه توصيات عالية من بعض أفراد أسرتنا لأمي كالعادة وبأن سره باتع كما قيل لها وأنه عالج الكثير من الناس ببركة قراءته.
مع أول إشارة مرورية توقفنا عندها سألت أخي:
كم سيتقاضى هذا المبارك ؟
(أخي): لا أعرف لكن التسعيرة المعتادة هي ٥٠٠ ريال
قلت ضاحكاً: هل أصبح هناك بورصة وتعرفة لهذه الأمور الآن؟...
شيوخ القراءة في السابق كانوا يأخذون ما يمد لهم والتعرفة الثابتة للماء والزيوت فقط
(أخي): أعرف أنك لا تريد الذهاب لكن أرجوك لا تحرجنا أمام الشيخ...
قلت بسخرية: وماذا تظن أن سأفعل لأحرجك؟.. أن لا أتعافى
3
(أخي): المهم أن تلتزم الصمت قدر الإمكان حتى تنتهي..
ابتسمت وأنا أحدق بالطريق أمامي :
أنت لا تؤمن بفائدته مثلي أليس كذلك؟
فتحت إشارة المرور وتحرك أخي قائلاً: القرآن مفيد...
- القرآن وليس البشر..
(أخي): هو رجل حافظ ومتمكن وقد استفاد منه الكثير
قلت وأنا أنظر من النافذة:
سنرى مدى تلك الإمكانيات في علاج الجنون.
10
(أخي): أنت لست بمجنون أنت متعب نفسياً فقط ...
- لا تقلق فالجنون ليس بمذمة هذه الأيام....
(أخي): سيشخص حالتك وسيعرف إن كان بك علة وسيصف لك العلاج المناسب بإذن ****
قلت بتهكم: طبيب ومختبر وصيدلية في رجل واحد؟
8
ابتسم أخي وهو يوقف السيارة على جانب الطريق قائلاً:
كف عن الاستهزاء بالدين لقد وصلنا...
2
صمت ونظرت بتعجب لأخي ..
أوقفنا السيارة بجوار منزل كبير..
أبوابه مشرعة وجماهير الناس من جميع الأعمار والأجناس متجمهرة داخله وخارجه.
كان أشبه بالعزومة الكبيرة أو صالون عزاء في يومه الأول.
دخلنا لنجد أن المنزل قسم إلى نصفين بستار قماشي..
1
مدخل للنساء ومدخل للرجال، توجهنا للقسم المخصص للرجال وجلسنا في صالة الانتظار التي اكتظت بالرجال والأطفال والشيوخ.
تحدث أخي مع شخص بدا أنه المنسق العام الزوار «المتمشيخ».
2
عاد سيراً نحوي بعد ما مد مبلغاً لم أستطع تحديد مقداره في يد ذلك الرجل وجلس بجانبي وقال: سندخل على الشيخ بعد قليل..
1
ابتسمت وأنا أسترجع بعض ذكريات الطفولة وقلت: لم يتغير شيء.
(أخي): ماذا تقصد؟
- ذكرتني بأمي عندما كانت تأخذني للقراءة علي في صغري..
لم أتوقع يوماً أني سأعود لهذا الأمر وأخوض التجربة نفسها مرة أخرى
(أخي): لأجل أمي فقط...
نظرت المجاميع الناس الجالسة والواقفة وقلت: نعم لأجلها فقط...
نادى الرجل علينا ودخلنا على المتمشيخ وجلسنا معه.
على عكس ما حدث معي أنا وأمي عندما كنت صغيراً لم يكن مستعجلاً للبدء في القراءة بالرغم من الأعداد الكبيرة التي كانت تنتظره في الخارج وكأنه يتعمد إبقاء هذا الزحام المتجمهر لشيء في نفسه فقد كان يتجاذب أطراف الحديث مع أخي ويمازحه وأنا أراقبهما منتظراً جلسة التشخيص.
لم يقل أخي شيئاً مفيداً له سوى أنني متعب وأحتاج قراءة فقال وهو يقبض الحيله ويحدق بي:
لا يأس الأمر هين بإذن **** ...
بدأ بالقراءة ولم يضع يده علي كما حدث معي عندما كنت صغيراً فقلت في نفسي: يبدو أن طرق القراءة تغيرت أو أنها تختلف من شخص الأخرة
نظر أخي لي بنظرة تجهم وعبوس عندما قاطعته خلال قراءته لأصحح له خطأ في التجويد وقع فيه من أول آية نطقها وتحول عبوسه لغضب عندما تكررت مقاطعتي له أكثر من ثلاث مرات للسبب نفسه حتى قال بنبرة ساخطة : لا تقاطعني
15
فقلت بحدة: كيف لا أقاطعك وأنت تقرأ بشكل خاطئ ؟!
قال بصيغة استجوابية أظنها كانت مصطنعة بعض الشيء: من أنت ؟!
ابتسمت قائلاً: لا أعرف أخبرني..
قال بعبوس: لمَ تقاطع كلام **** ؟! لمَ لا تريد سماعه ؟!
قلت بهدوء يخالطه شيء من الاستهزاء: لأنك تعبث بكلام ****.. اقرأ بشكل صحيح ولن أقاطعك..
تجهم وقال بغضب موجهاً كلامه لأخي :
أخوك ملبوس لذلك يرفض سماع القرآن ويقاطعني!
14
ضحكت وقلت: أقاطعك لأنك لم تجتز مادة التجويد فقط !.. ثم أنه لا يوجد شيء اسمه تلبس فهو خرافة
4
لم يلتفت علي واستمر في محاولة إقناع أخي بأني ملبوس حتى اكتفيت من خزعبلاته ونهضت قائلاً لأخي: أنا بالخارج أنتظرك حتى تنتهي..
خرجت من المكان وأنا أشق طريقي بين الجماهير البائسة التي تنتظر شيئاً من وقت ذلك «المتمشيخ» المبارك حتى وصلت للخارج واتكأت على سيارتنا أحدق في أفواج الناس التي تدخل وتخرج من المكان.
خرج أخي بعد دقائق وفي يده كيس وقال: ماذا فعلت؟!
- ماذا ؟
(أخي): لم تحدثت مع الشيخ بهذا الأسلوب؟
- عن أي شيخ تتحدث؟!.. عن ذلك المحتال الذي لم يتجاوز في تعليمه المرحلة الابتدائية؟
(أخي) بحزن: ماذا أخبر أمي الآن؟
قلت بصرامة: لا تخبرها بشيء!..
هل صدقت كلام ذلك الجاهل بأني ملبوس ؟!
1
(أخي): لا .. لا أعرف...
- ما هذا الذي في يدك ؟
توجه أخي نحو السيارة ليركبها وقال: لا شيء..
لحقت به وأخذت الكيس عنوة من يده وفتحته لأجد قاروة من الزيت وقارورتين من الماء فتبسمت وقلت: بكم اشتريتها؟
لم يرد أخي علي..
قلت له وأنا أمازحه: هيا أخبرني بكم؟
(أخي): الزيت بـ ٢٠٠ والماء بـ ٥٠..
ضحكت قائلاً: لماذا لم تطلب تخفيضاً؟!
(أخي) بحزن: أرجوك لا تستهزئ بالدين
صرخت فيه بلا شعور : هذا ليس ديناً !!.. لم لا تفهم؟!
1
لم يرد علي وتوجهت لأقرب قمامة ورميت الكيس بما فيه..
10
ركب أخي السيارة بصمت وأدار محركها وجلس بداخلها وأنا واقف بالقرب من المنزل أراقب الناس المتجمهرين.
خرج أخي من صمته بعد ما أنزل نافذته وقال: ألن نرحل؟
قلت وأنا أحدق بالمنزل :
ما يحدث هنا أمر خاطئ...
(أخي): لا علاقة لنا بذلك هيا لنرحل..
- ماذا ستخبر أمي؟
(أخي): لن أخبرها بشيء سوى أن الشيخ قال إنك بخير..
التفت إليه وقلت:
أمي ستصدق كلام شخص لم تره من قبل وتكذب كلام ابنها ؟
(أخي): هل يمكننا الرحيل الآن؟.. المغرب أوشك على الحلول..
خلال حديثنا خرج رجل من منزل «المتمشيخ»ومعه فتاة تئن وتبكي والرجل ممسك بأكتافها وفي يده كيس مشابه للكيس الذي رميته في القمامة للتو.
كانت الفتاة تبكي في البداية لكنها وعندما وصلت لمنتصف الشارع بدأت تصرخ وتحاول التفلت من يد الرجل الذي كان فيما يبدو أنه أبوها أو أحد محارمها.
تمكنت الفتاة من الهرب من قبضته وما أن فعلت حتى رمت بعباءتها وبدأت تشد شعرها وتصرخ بقوة أمام الناس، لم يزعجني المنظر لكني انزعجت عندما رأيت علامة على جبيتها ..
علامة لم أرها من قبل إلا في أحد كتب (عمار)..
وسم ملكية..
وسم الملكية للشياطين العاشقة..
8
لم أشاهده من قبل على جسد أحد..
لم أره إلا رسماً في الكتب.
كان الوسم واضحاً بالرغم من بعد المسافة التي كانت بيننا.
سيطر الرجل على الفتاة بالقوة وأركبها السيارة وانطلق بها مبتعداً عن المكان جريت لا شعورياً نحو سيارتنا وركبت وصرخت في أخي:
اتبعهما؟
(أخي): أتبع من ؟!
قلت بصوت مرتفع :اتبع تلك السيارة بسرعة قبل أن تبتعد!
تحرك أخي على عجالة واستطاع اللحاق بهما لأن إشارة مرورية استوقفتهما وخلال وقوفنا خلفهما التفت علي وقال بعصبية: ما بك؟!.. لماذا تلحق بها ؟؟
قلت وعيني على السيارة :تلك الفتاة..
(أخي): ما بها ؟
- ممسوسة..
(أخي): هل أصبحت تؤمن بالمس الآن؟..
ألم تقل للشيخ إن المسرخرافة؟
قلت وأنا ألتفت عليه : أنا لم أقل ذلك..
التلبس هو الخرافة لكن المس موجود
(أخي): وما الفرق؟
فتحت الإشارة وتحركت السيارة التي كنا نتعقبها فقلت لأخي بنبرة حازمة يخالطها بعض التوتر: بأن يتبعها ولا يفقدها
فقال: اهدأ.. اهدأ.. سأتبعهما
استمرت متابعتنا للسيارة لربع ساعة تقريباً حتى توقفت أمام أحد المنازل في حي من الأحياء القديمة فطلبت من أخي التوقف قبل أن يلاحظانا فقال: لم تبعنا تلك السيارة؟
قلت وأنا أراقب الرجل وهو ينزل الفتاة ويدخلها للمنزل: أريد التحقق من شيء...
(أخي): التحقق من ماذا ؟
أجبته بعد ما دخل الرجل والفتاة للمنزل وقلت: ما حدث معي...
أقصد السنوات التي غبت فيها.. تلك الكتب التي قرأتها أنت في غيابي وتسببت لك في تلك الكوابيس..
أخي وعلى وجهه ارتسم القلق: نعم.. ما بها...
- أنت اكتسبت الكوابيس لكن أنا اكتسبت علماً...
(أخي): علماً؟.. أي علم؟
- علم لم أطلبه ولم أسعَ للحصول عليه لكني تشربته وتعلمته..
علم مدون وغير مطبوع.. موجود وغير مثبت...
1
أخي باستغراب: عن ماذا تتحدث؟
قلت له وأنا أدير وجهي نحو منزل تلك الفتاة: اسمع ..
سأعقد معك اتفاقاً
(أخي): اتفاقاً من أي نوع؟
قلت وأنا أحدق بالمنزل: ما حدث معي قد يكون هلوسات.. جنوناً... ربما توهمت كل ذلك وأنا بالفعل بدأت أصل لتلك القناعة وأصدقها...
(أخي): وما الذي حدث معك؟.. أنت لم تخبرني قط بأي شيء كنت تخفي فقط وتعود بحال مختلف بعد كل مرة تختفي فيها
- إذا كان ما مررت به مجرد هلوسات اخترعها عقلي المجنون فسوف تعرف الآن
(أخي): أنا لا أفهم شيئاً؟
1
التفت عليه وقلت :
تلك الفتاة تحمل وسم شيطان علوي عاشق على جبينها..
1
(أخي): شيطان ماذا؟
- دعك من التفاصيل المهم ما سيحدث الآن مع غروب الشمس لو صدق حدسي
(أخي): وما الذي سيحدث؟
قلت وأنا أعيد نظري نحو المنزل:
إذا كان ما حدث معي حقيقة وليس هلوسات فمع غروب الشمس ذلك المنزل سيغطى بالطيور.. حمام على الأرجح
(أخي): حمام؟
- نعم.. الأسياد لا يسيرون دون أتباع عند زيارتهم لمنازل المعشوقين وذلك يكون مع الغروب وغالباً تصاحبه جحافل من الطيور أغلبها شياطين متشكلة ترافقه
أخي واضعاً يده على كتفي بحزن: لا بأس.. سنفعل ما تريد...
قلت وأنا ابتسم: أعرف أنك لا تصدقني.. لا ألومك.. هناك جزء مني يتمنى أن ما أقوله مجرد خيالات صنعتها في عقلي.. المغرب شارف على الحلول وفي كل الأحوال سنعرف الحقيقة..
(أخي): حقيقة ماذا؟
2
قلت وأنا مستمر بالتحديق للمنزل: إما أن أكون بالفعل مجنوناً أو لا...
بعد مضي دقائق رُفع أذان المغرب وكنا أنا وأخي نحدق بالمنزل والمنازل المجاورة له من سيارتنا وبعد انقضاء الأذان قال بصوت حذر وكأنه لا يريد مضايقتي: ما رأيك أن ننزل من السيارة ونذهب للصلاة في ذلك المسجد القريب؟
قبل أن أجيبه سمعت صراخاً من بعد لتلك الفتاة قادماً من المنزل فقلت: هل سمعت الصراخ القادم من المنزل؟
أجاب أخي بنبرة مواسية: أسف لم أسمع شيئاً..
حدقت به بصمت وحدثت نفسي قائلاً: هل هذا ما يشعر به
المجانين ؟.. ربما سمعي أقوى من سمعه بسبب هالتي المفعلة؟.. لا... لن أبرر لنفسي بعد اليوم.. الحقيقة تجلت أمامي وأنا أحاول إنكارها ... أنا لست سويّاً.. عقلي يخدعني لأنه مريض يجب أن أتقبل هذه الحقيقة
وأكف عن محاولة إثباتها.
نظرت نظرة أخيرة للمنزل ثم قلت بعد ما تيقنت أني على خطأ وأن كل ما عشته وآمنت به في الماضي كان وهماً من صنع عقل المعطوبة: حسناً.. لنذهب لنصلي..
نزلنا من السيارة وتوجهنا للمسجد وصلينا المغرب وخلال الصلاة شاهدت الرجل الذي كان مع الفتاة وهو يصلي بين الجموع ففكرت بالاقتراب منه والتحدث معه لكني لم أفعل لأني كنت أملك الرغبة ولا أملك السبب.
أردت أن أنصحه بشأن مراجعة ذلك الدجال لكن في وقتها كانت ثقتي بنفسي قد اهتزت بقوة خاصة بعد أن اكتشفت أن كل ما كنت أعرفه كان مجرد وهم.
خرجنا من المسجد وتوجهنا للسيارة لكن وقبل أن نفتح أبوابها وقفنا أنا وأخي مبهورين ومصدومين من المنظر الذي تجلى أمامنا، رأينا أسراب الحمام وقد غطت سطح المنزل..
13
كانت بالعشرات بل المئات ولم يكن هناك منزل آخر في الحي تقف فوقه حمامة واحدة على جيران المنزل كانت اسطحهم خالية تماماً بالرغم من أن الحمام يزاحم بعضه بعضاً للوقوف فوق السطح وكأنهم غفير نحل اجتمعوا على ملكتهم.
وقفت مذهولاً بالمنظر لكن ذهولي لم يكن كذهول أخي الذي بقي يراقب المنزل بفم مفتوح حتى خرج عن صمته وقال: كيف عرفت؟
2
قلت وأنا أحدق بسطح المنزل : أنت ترى ما أراه أليس كذلك؟
(أخي): بلَ
ابتسمت..
3
كدت أبكي لكني اكتفيت بالنظر للأرض أمامي مبتسماً وأنا أقول: أنا لست مجنوناً إذاً...
(أخي): ماذا نفعل الآن هل تصطادها؟..
قالها أخي وهو لا يزال مشوشاً ومصدوماً
- لا لن نصطاد شيئاً.. سنطرق الباب...
(أخي) بتوتر : ماذا ؟!.. لماذا؟!
قلت وأنا أتوجه لباب المنزل:
هذه الفتاة لن تعيش طويلاً وأنا أعرف كيف أساعدها...
شدني أخي من ذراعي قائلاً: ماذا تنوي أن تفعل ؟؟
- لقد عاهدت نفسي أن لا أقرأ طلسماً مرة أخرى ولن أعود لذلك العالم مهما حدث لكن هناك طرقاً أخرى يمكنني مساعدتها بها دون أن أفقد نفسي في ذلك الظلام مرة أخرى
(أخي) وتوتره يزداد :أي ظلام؟.. لنرحل من هنا أرجوك!
قرعت جرس الباب وأنا أقول: فقط ابقَ معي ولا تتحدث...
فتح الباب لنا ذلك الرجل الذي رأيناه مع الفتاة وكان على وجهه حزن كبير وعيناه كانتا شاحبتين وكأنها لم تذوقا طعم النوم منذ أيام وقال: نعم؟
لا أعرف لماذا لكني لم أقوَ على الكلام في بادئ الأمر..
لم أعرف ماذا يمكنني أن أقول لذلك الرجل وكيف أشرح له ما يحدث مع تلك الفتاة دون أن يسيء فهمي وخلال صمتي تحدث أخي في لحظة ارتباك وقال:
هل تسمح لنا بالدخول ؟
(الرجل) باستغراب: لماذا ؟ .. من أنتما ؟ .. وماذا تريدان؟
(أخي) بابتسامة مغلفة بالقلق: نريد التحدث معك بأمر خاص إذا سمحت
(الرجل) وعلى وجهه ريبة: تفضلا
استغربت من إقدام أخي وشجاعته في تلك اللحظة المربكة لكن ما قام به شجعني قليلاً وخفف من توتري ..
دخلنا وجلسنا في المجلس وجلس الرجل أمامنا وقال: ما الأمر؟
نظر أخي لي بنظرة: «قل ما عندك»
استجمعت قواي وقلت :الفتاة ..
الفتاة التي كنت معها عند الشيخ عصر اليوم..
(الرجل): ما بها؟
- تصرخ خلال نومها تصحو بكدمات وجروح على جسدها.. تبكي بلا سبب ... تغضب فجأة وخاصة في الليل .. تنتابها نوبات غضب تمكنها من مقاومة ومهاجمة من هم أكبر منها حجماً وقوة بالرغم من هزال جسدها... لا تأكل إلا الأشياء ذات المذاق الحلو... تكره الماء والاستحمام..
قاطعني الرجل وعلى وجهه خليط من الغضب والاستغراب وقال: بحق من أنت؟؟ وكيف عرفت كل هذه المعلومات عن زوجتي ؟؟
(أخي) بتوتر : نحن نعمل عند الشيخ ولحقنا بك بعد رحيلك لأنه نسي أن يخبرك بأمر هام
(الرجل) بغضب: يخبرني بماذا ؟؟
- سأصف لك خليطاً يمكنك أن تعده في المنزل بنفسك..
اسقِ زوجتك منه مرة واحدة في اليوم لثلاثة أيام فقط وسوف تتحسن بإذن ****
(الرجل) :هل هذه الوصفة من الشيخ؟
قلت على مضض: نعم نعم من الشيخ..
وارمِ ما أعطاك إياه من ماء وزيوت
(الرجل) : أرميها ؟!.. وماذا عن الثمن الباهظ الذي دفعت مقابلها ؟!.. هل هذه حيلة كي تحصلوا بها على المزيد من المال؟!
- العلاج الذي قدمته لك للتو بلا مقابل
(الرجل): وماذا عن الأموال التي دفعتها في السابق؟!
التفت على أخي في إشارة مني له بأن يدفع للرجل قيمة الماء والزيوت التي أخذها من المتمشيخ، ففعل وبعد ما أخذ الرجل المال قال بتجهم:
أنا أراجع الشيخ منذ أسابيع ولم أركما من قبل عنده!
2
(أخي) بتوتر : ربما لم تنتبه
نظر الرجل لنا بنظرة شك وريبة قائلاً:
هل أنتما واثقان من هذا العلاج؟
- لا شيء سيحدث دون إذن ****..
(الرجل): ونعم ب****
نهض أخي وقال بتوتر :هيا لنذهب
(الرجل): إلى أين؟
قلت وأنا أنهض: سنرحل وبإذن **** لن تحتاج غير هذا العلاج
صافحت الرجل وخرجت تاركاً أخي معه ليودعه..
وصلت للسيارة ولحق بي أخي بعدها بدقائق وركبت معه وتوجهنا للمنزل وخلال الطريق قال بتوتر : لدي إحساس أننا ارتكبنا جريمة...
قلت :لمَ تقول هذا الكلام؟
(أخي): لقد وصفنا علاجاً دون علم وقد تموت تلك المرأة وندخل السجن بسببك
قلت وأنا مبتسم: بإذن **** ستتعافى..
تناول هذا الخليط له تأثير قوي على الشياطين العاشقة فهم لا يطيقون الرائحة التي ستنبعث من جسدها جراء تناوله وسوف يهجرها بلا عودة
(أخي): وما أدراك أنت؟ من أخبرك عن تلك الوصفة؟.. وعن أي شياطين تتحدث ؟!
لم أجيبه ..
كنت مشغولاً بنفسي ومنتشياً لأني رأيت بصيص أمل بأني لم أكن مجنوناً..
7
كان بالي مشغولاً بالبحث عن المزيد من الدلائل والقرائن كي أثبت أني على حق وأن الماضي الذي مررت به لم يكن من صنع خيالي..
لكن كيف؟..
كيف وأنا قد عاهدت نفسي أن لا أعود لقراءة الطلاسم أو أي شيء يختص بذلك العالم..؟
قاطع أخي تفكيري المحموم وأنا أقضم أظافري سارحاً وقال: ألن تجيبني ؟!
- قرأتها في كتاب...
(أخي): كتاب؟.. أي كتاب؟!.. وكيف تعرف أن ما قرأته صحيح وليس مجرد خرافات مكتوبة ؟!
ابتسمت وقلت وأنا أحدق في الطريق أمامي:
سترى.
(أخي): لا تتحدث هكذا أمام أمي كي لا تجبرنا على العودة للشيخ مرة أخرى...
ضحكت..
6
لم أضحك منذ مدة..
كنت سعيداً..
2
شعرت بالارتياح..
أنا لست مجنوناً..
عدنا للمنزل ذلك اليوم وتوجه كل منا لغرفته بعد ما مررنا بأمنا وقبلنا رأسها وطمأناها أن «المتمشيخ» أخبرنا بأنني لا أعاني من شيء سوى تعب عارض.
مرت الأيام وخلالها كانت الحياة طبيعية جداً..
أزاول عملي صباحاً يتبعه زيارة منتظمة لأصحابي ليلاً..
قراءة وكتابة حتى الفجر..
في تلك الفترة كان ما زال تأثير تفعيل هالتي علي قوياً ولم أكن أنام كثيراً.
كنت أكمن بضع ساعات بعد صلاة الفجر فقط حتى يحين موعد عملي.
الكمون هو حالة من الاسترخاء التام مثل اليوغا دون الدخول في نوم عميق..
تعلمت لاحقاً السيطرة أكثر على يقظتي وأصبحت قادراً على سرقة ساعة أو أقل من النوم العميق خاصة في رمضان حيث إن هالتي تستقر بشكل كبير في الشهر الفضيل.
كان ذلك هو مختصر حياتي..
روتين ممل وجميل في الوقت نفسه..
لكن ما حدث بعد أسبوعين تقريبا من ذهابنا للـ متمشيخ غير ذلك المسار قليلاً حيث تلقيت اتصالاً على هاتفي النقال من رقم غريب صباح أحد الأيام قبل توجهي للعمل فظننت أنه اتصال خاطئ لأن لا أحد يعرف
رقمي سوى المقربين مني وهم محدودون جداً ويعرفون بأني لا أحب الحديث عبر الهاتف ويتواصلون معى بالرسائل النصية لأنها الطريقة المضمونة كي أرد في الحال.
2
كنت سأتجاهل ذلك الاتصال لكني أجبت وبعد إجابتي فوجئت بأنه شخص يقول: السلام عليكم يا شيخ...
- عفواً.. يبدو أنك مخطئ في الاتصال..
(المتصل): ألست أنت من زارني قبل أسبوعين وقام بعلاج زوجتي ؟
توقفت قليلاً لاسترجع ذاكرتي فتذكرت أنه ذلك الرجل الذي قمنا أنا وأخي باللحاق به بعد خروجنا من منزل المتمشيخ، فقلت له: عذراً أنا لست بشيخ.. ثم من أين حصلت على رقمي؟
- لقد أخذته من صاحبك الذي كان معك قبل رحيله والآن وبعد أن تماثلت زوجتي بفضلك للشفاء بعد شهور من المعاناة مع المرض أحببت الاتصال بك لأشكرك
- كان ذلك بفضل **** وليس بفضلي..
(المتصل): ونعم ب**** .. مع ذلك من لا يشكر الناس لا يشكر **** ...
- العفو وأرجو لها دوام الصحة والعافية
أغلقت الخط وتوجهت بعدها إلى غرفة أخي مباشرة ودخلت عليه الاجده نائباً فجلست بجانبه على طرف السرير وأيقظته قائلاً:
أنهض.. أريد الحديث معك
(أخي): ماذا؟.. ما الأمر؟.. قالها وهو يمسح النعاس من عينيه...
- لقد تعافت زوجة الرجل..
قال باستغراب: أي رجل؟.. عن ماذا تتحدث؟
- الرجل الذي وصفت له الخليط لعلاج زوجته قبل أسبوعين...
(أخي) وهو يعانق مخدته ويغمض عينيه: آه نعم تذكرت..
الحمد **** لن ندخل السجن إذاً
23
ابتسمت وقلت: لم أعطيته رقمي؟
(أخي) يفتح عينيه ورأسه لا يزال على المخدة:
هل أنت غاضب لأني أعطيته رقم هاتفك؟..
كنت مجبراً على ذلك لأنه قال بأنه سجل رقم لوحات سيارتي وسوف يبلغ الشرطة إذا حدث مكروه لزوجته بعد تناول وصفتك لو لم أعطهِ الرقم...
- لا لست غاضباً .. على العكس تماماً أشعر بالسعادة...
(أخي): لأنها تعافت؟
- لا .. لأني أنا تعافيت...
(أخي): مم كنت تشكو لتقول ذلك؟
- كنت أشكو من الشك.. الشك في نفسي وفقدان الثقة بها لكني الآن استعدت ذلك.. أو جزءاً منها على الأقل...
مساء ذلك اليوم خرجت كعادتي للتوجه لأصحابي في المزرعة ورأيت رجلاً ينتظرني عند الباب..
ينتظر فقط..
لم يطرق الباب وكأنه يريد مقابلتي دون أن يعلن عن وصوله لبقية أفراد المنزل..
1
لا أعرف..
لكن وقوفه أمام الباب بتلك الطريقة لم يكن مريحاً في بادئ الأمر.
هيئة الرجل الخارجية كانت من النوع الذي لا أفضل الحديث معه ليس انتقاصاً ولكن تاريخي مع هذه الفئة لم يكن لامعاً وبراقاً.
8
كان قصير الثوب يلبس شماغاً أحمر بلا عقال لحيته سوداء كثيفة..
2
حليق الشنب...
رأس سواك مبتل يطل من جيبه الأمامي..
مكتحل العينين..
1
أطراف أصابع قدمه تشير إلى أنه يقوم بتحنية قاع أقدامه من وقت لآخر..
اتضح لي ذلك من درجات الحناء المختلفة بين أصابعه..
نحيل الجسد أبيض البشرة أنفه مسئل وجبينه عريض.
16
خلال هذا التقويم السريع المظهره الخارجي أخذ الرجل خطوة نحوي وهو يقول مبتسماً: السلام عليكم..
- وعليكم السلام.. نعم ماذا تريد؟
(الرجل الملتحي): أريد الحديث معك
- اعتذر... أنا في عجلة من أمري..
قلتها وأنا أهم بركوب سيارتي..
(الرجل الملتحي): هل يمكنني الركوب معك إذاً والحديث خلال الطريق حتى تصل لوجهتك ؟
- من أنت؟
(الرجل الملتحي): شخص يريد الحديث معك في موضوع لا أكثر...
- أنت تتحدث معي الآن
3
(الرجل الملتحي): لا.. أقصد في مكان تستطيع الحديث فيه بأريحية
ليس من طبعي أن أوافق على مثل هذا الطلب الغريب وخاصة من شخص ظاهره لم يكن من فئة الأشخاص الذين أفضل الحديث معهم لكني وافقت وبالفعل ركب معي السيارة وتحركت متجهاً للمزرعة.
5
توقعت أن يدخل الرجل مباشرة في الموضوع ويبدأ بالحديث معي بمجرد إغلاقه للباب لكنه أخرج سواكه وبدأ يفرك أسنانه برأس فرشاته محدقاً أمامه بصمت.
انقضى نصف الطريق وتجاوزنا إشارتين مروريتين توقفنا عندهما لدقائق كافية ليتحدث فيها لكنه بقي على حاله صامتاً ولم يتحدث لم أكن سأجاريه في الاعبيه النفسية المكشوفة ولم أكن أيضاً سأبادر بالحديث قبله.
قبل وصولنا للمزرعة بمسافة قصيرة تحدث الرجل أخيراً وقال دون أن يلتفت علي: الخليط الذي وصفته لزوجة (عبد العزيز).. من أين حصلت عليه ؟ .. أقصد ما أدراك أنه كان سيفيدها؟
6
بالطبع لم يكن من الضروري أن أسأل من هو (عبد العزيز) فمن الواضح أنه كان يقصد الرجل الذي اتصل بي ليشكرني صباح ذلك اليوم فقلت ونظري على الطريق أمامي ويداي قابضتان على المقود:
2
لمَ لا تتوقف عن المراوغة وتخبرني بغرضك من الحديث معي ؟ .. لقد اقتربنا من المكان ولن أتحدث معك أكثر بعد وصولنا لذا لا تضيع الوقت على نفسك
(الرجل الملتحي): أنا كنت أحد الرقاة الذين لجأ إليهم (عبد العزيز) للقراءة على زوجته خلال مرضها
قلت بسخرية: وهل استفادت من بركتك؟
(الرجل الملتحي): سخريتك لن تستفزني وأنا لست هنا لمقارنة علمي بعلمك
- عن أي علم تتحدث؟.. علم البصاق والزيوت؟
9
(الرجل الملتحي) : لا .. أنا لا أبيع زيوتاً ولا أطلب أجراً مقابل مساعدي الناس أخذ ما يمدونه لي فقط
- لأنك لا تساعدهم من الأساس..
3
(الرجل الملتحي): ماذا عنك أنت؟.. منذ متى وأنت تمارس عملك في العلاج؟
- أنا لا أمارس شيئاً وما حدث مع زبونك كان مصادفة فقط
(الرجل الملاحي): هل تنظر للمرضى على أنهم زبائن؟
أوقفت السيارة على جانب الطريق والتفت على الرجل الذي كان لا يزال يفرك أسنانه بالسواك وينظر لي ببرود وقلت بسخط: ماذا تريد؟!
(الرجل الملتحي): أريد أن أفيد المسلمين وأكسب أجر مساعدتهم فقط لا غير.. شاركني الأجر..
- وما شأني بمسعاك النبيل.. قلتها بتهكم...
(الرجل الملتحي): أريدك أن تكون معي في هذا المسعى.. أريد أن
تشاركني الأجر
قلت ضاحكاً: لا ، شكراً
(الرجل الملتحي): حسناً سأكون صريحاً معك...
- الآن يمكن أن أنصت لك بجدية .. تفضل...
(الرجل الملتحي): ليس من العيب أن تكون معالجاً كالطبيب أو مواسياً لآلام المرضى حتى وإن تقاضيت مقابلاً لذلك ...
- لا أبداً لكن من العيب والحرام أيضاً أن تكون محتالاً وتتاجر باسم الدين وتبيع الوهم لهم
(الرجل الملتحي): أنت لا تبيع الوهم.. وانا أريد أن أشتري الحقيقة منك..
- أنا اتحدث عنك أنت يا مخادع وأنا لا أبيع شيئاً لأحد...
(الرجل الملتحي): مهما كان المبلغ المعروض؟
- اسمع.. أنا ممتن لصراحتك واعترافك ضمناً بأنك محتال لكن لا تظن أن المال سيكون سبباً كي أخدع الناس وأحتال عليهم مثلك
(الرجل الملتحي) : إذا كانت علاجاتك نافعة فأين الخداع في ذلك؟
بدأت أشعر بالضيق والضجر من ذلك الحوار فلا يوجد أسوأ من الحديث مع «متمشيخ» إلا الحديث مع محتال بلا «ضمير» فقلت له بتجهم في محاولة لإنهاء النقاش:
شكراً لعرضك المغري لكني لا أنوي امتهان هذه المهنة..
لا للمال أو لغيره... لن أتحول للشيء الذي حاربته طيلة حياتي مهما حدث !
وبكل برود قال: لدي حالة مستعصية أقرأ عليها منذ عدة أشهر.. فتى أصيب بالشلل فجأة والأطباء يؤكدون أنه سليم ولا يعاني من أي علة جسدية ..
- ألم تسمع ما قلته لك للتو؟
استمر الرجل بتجاهل كلامي وقال:
والده رجل غني جداً ومهما حاولت رقيته لا يتحسن..
- المشكلة ليست بما تقرأ بل من القارئ..
أنت إنسان استغلالي وهدفك الأول والأخير هو المال لذلك فقراءتك لا نفع منها
(الرجل الملتحي): أعرف، لذلك أحتاجك في علاج هذا الشاب... يمكننا أن نقتسم المبلغ بيننا
ذهلت من وضاعة ذلك الرجل وفي الوقت نفسه شعرت برغبة الغريبة في الخوض أكثر في أسبار عقله المريض لذا قلت: حسناً.. سأوافق بشرط..
وضع الرجل سواكه المبتل بلعابه في جيبه وقال مبتسماً:
أنا موافق دون أن أسمع شرطك
- أن نقوم بذلك دون أخذ مقابل..
5
(الرجل الملتحي): ماذا ؟ .. دون مقابل ؟!.. ما الغرض من ذلك إذاً؟!
- الأجر والثواب بالطبع .. ألم يكن هذا كلامك قبل قليل؟
(الرجل الملتحي): حسناً موافق..
- موافق؟
(الرجل الملتحي): نعم موافق.. سأتصل بالرجل الآن
- لا ، انتظر ليس الآن!
لم أستطع منع الرجل المتحمس من إخراج هاتفه والاتصال بشخص لم يتحدث معه كثيراً ولم يقل له سوى بضع كلمات استأذن من خلالها بزيارته في تلك الساعة المتأخرة ومما فهمت أن المتحدث على الطرف الآخر وافق دون اعتراض أغلق هاتفه وأشار لي بالتحرك فقلت له: إلى أين؟
(الرجل الملتحي): لمنزل الرجل بالطبع
- أي رجل ؟
(الرجل الملتحي) :والد المريض الذي سنعالجه .. هل نسيت؟
- أنا حتى لا أعرف اسمك وتريد مني الذهاب معك لمكان مجهول في هذه الساعة من الليل؟
(الرجل الملتحي): أنا (عواد) .. هل يمكننا الذهاب الآن؟.. قالها مبتسماً ..
2
- نعم.. أين يقع المنزل؟.. قلتها متوجساً...
......
«صاحب التعاسة»
خلال سيرنا بالسيارة نحو العنوان الذي زودني به (عواد) لم أكن في الواقع متحمساً لذلك اللقاء وكنت أرجو **** في قرارة نفسي أن يطرأ شيء ما يُعطلنا أو يلغي الموعد بطريقة أو بأخرى لكن ذلك لم يحدث ووصلنا عند منزل كبير.
أوقفنا السيارة وترجلنا منها وكان في استقبالنا رجل بدت عليه علامات الثراء بالرغم من أنه لم يكن متكلفاً في لباسه.
رحب بنا ودعانا للدخول وكان من الواضح أنه يعرف (عواد) سابقاً فحديثه الجانبي معه يشير لعلاقة قديمة تبعتهما بصمت للداخل وما أن خطوت داخل المنزل حتى شعرت بضيق في صدري لم أشعر به منذ زمن طويل وقد لاحظ (عواد) ذلك علي وقال :
هل أنت بخير؟
أجبته بـ «نعم» لكني لم أكن بخير كنت كمن أصيب بنوبة ربو وأصبحت أنفاسي أضيق ولم أستعد بعض عافيتي إلا بعد جلوسي في المجلس وشربي بعض الماء الذي وضع أمامنا.
الحديث الذي دار بين صاحب المنزل و (عواد) كان مباشراً فقد أخبره بأنه أحضرني معه كي أفحص ابنه وتحدث عني بأمور غير صحيحة ورفع من شأني كثيراً أمام ذلك الرجل لكني لم أتدخل لأن الأمر برمته لم يعجبني منذ البداية لكني أردت أن أرى إلى أين سينتهي المطاف معه.
بينما لا أنكر أن الفضول كان سبباً رئيساً لموافقتي على القدوم مع (عواد)، لقد أمضيت سنين طويلة أحارب أمثاله ووجدت إثارة جديدة وجميلة نوعاً ما في رؤية عمل هؤلاء النصابين عن قرب، خلال حديث (عواد) مع صاحب المنزل التفت علي الرجل فجأة وقال:
شكراً يا شيخ على حضورك..
2
- أنا لست بشيخ.. هل ترى معالم المشيخة علي؟
2
(عواد) بشيء من الارتباك:
هو يفضل لقب معالج ..
- معالج؟.. أنا لست بمعالج أيضاً
1
(الرجل): ما أنت إذاً ؟.. أعرف أن المعالجين الروحانيين يخشون الملاحقة الأمنية خلال ممارستهم مهنتهم لا تقلق أنت بمأمن هنا
وجهت نظري لـ ( عواد) وعبرت بنظرة متجهمة عن عدم ارتياحي للحوار ...
(عواد) لـ(الرجل) بتوتر : نحن لا نملك الكثير من الوقت هل يمكن أن ترى لنا الطريق كي يستطيع صاحبي فحص ابنك؟
وقف الرجل وهو يقول: بالطبع...
قادنا للطابق العلوي وتحديداً لإحدى الغرف التي انتشرت فيه
وخلال صعودنا زاد الضيق الذي كنت أحس به في صدري حتى توقفنا أمام الغرفة وفتح بابها قائلاً: تفضلا...
أشار (عواد) لي بالتقدم قبله فتقدمت بخطوات حذرة لداخل الغرفة وما أن دخلتها حتى تحول الضيق في صدري لصداع خفيف وأنا أرى شاباً في أوائل العشرين من عمره مستلقياً على سرير بوجه شاحب وكانت علامات المرض متجلية عليه.
خلال تحديقي به تحدث الرجل من خلفي وقال:
ابني على هذه الحالة منذ أكثر من عام.. لا يتحرك ولا يتحدث ولم أستطع معرفة العلة التي يشكو منها ولم أجد له علاجاً في أي مكان.
- شفاه **** وعافاه..
قلتها وأنا أقف بين المدخل والسرير أنظر لذلك الشاب الذابل...
(عواد): اجلس بجانبه یا شیخ
بالرغم من انزعاجي من استخدامه لكلمة «شيخ» لوصفي إلا أني لم أعلق وبقيت أنظر لذلك الشاب..
كان به شيء غريب..
طاقة سلبية قوية حکرت مزاجي وأخلت بتوازني..
دخل والده للغرفة وسحب كرسياً ووضعه بجانب سرير ابنه وأشار لي بالجلوس أمامه.
لا أعرف ما الذي حدث بعد جلوسي أمامه لكني رأيت..
رأيت العلة وسببها في عقلي..
رأيت في الغرفة أموراً قد تبدو طبيعية للكثير لكنها بالنسبة لي كانت خارجة عن المألوف وذات دلالة ومعنى آخر.
عقلي حلل وفسر دون أمر مني ووجدت نفسي لا شعورياً أسأل الرجل: هل لديكم خادمة ؟
(الرجل): نعم.. هل ترغب مني استدعاءها؟
وجهت نظري للأرض أسفل مني والتي كانت من السراميك ثم رفعت رأسي للستارة خلف السرير وأصبح الأمر جلياً لي..
استأذنت الرجل وقلت:
- هل تسمح لي برفع مرتبة السرير قليلاً والبحث أسفلها؟
أجاب الرجل بتردد: نعم لا مانع ..
هل تريد مني أن أحمل ابني لمكان آخر؟
مددت يدي تحت مرتبة السرير وأنا أقول: لا داعي لذلك..
بعد بحث قصير بيدي تحت المرتبة أخرجت عقدة من القماش معقودة بعدة عقد وبدأت أحل عقدها ومع كل عقدة كان الشاب يصرخ حتى فككت الحرقة وأخرجت محتواها..
مجموعة من المسامير وقطع السراميك وبعض الشعر.
كان الرجل خلال فكي للعقد يتحدث معي بقلق وهو يرى ابنه يصرخ ويتلوى من الألم لكني لم أعره أي انتباه حتى انتهيت نهضت من مكاني ومددت الخرقة بمحتواها لـ ( عواد) وقلت له:
ضعها في وعاء من الماء والملح ثم يمكنك رميها بعد ذلك...
أخذ (عواد) الخرقة وما حوته وضمها بين يديه وخرج من الغرفة بعد ما استأذن الرجل للذهاب للمطبخ...
بدأ الشاب بالحديث بثقل وهو يبكي ومد ذراعيه لأبيه الذي عانقه وهو يقول موجهاً كلامه لي: ما هذا؟.. هل هذا سحر ؟؟
لم أجب على سؤاله لكني طلبت منه ترحيل العاملة على الفور وطمأنته بأن ابنه سيتعافى بإذن **** ارضية السراميك كانت مكسرة وهذا دليل على جمع أثر والعقدة على الستارة هي لتثبيت المستهدف بالسحر في السرير ومعنى ذلك أن العمل موجود بالقرب من تلك العقدة والمريض أيضاً وأسفل السرير هو أنسب مكان لوضعه.
استأذنت بالرحيل لكن الرجل أصر على معرفة أجري الذي أتقاضاه، حاولت أن أشرح له أني لا أمتهن هذه المهنة لكنه رفض أن ينصت لي وأصر علي بأن أطلب مالاً، كان النقاش متعباً معه وكنت في ذلك الوقت أريد الخروج بأسرع وقت من المنزل فرؤية تلك العقد ومحتواها سبب لي ضيقاً شديداً ولم يعتقني ذلك الرجل من إصراره حتى عاد (عواد) وهو يقول: لقد انتهيت..
و جهت نظري له وقلت له بصرامة:
يجب أن نرحل الآن!
لم أنتظر وخرجت تاركاً (عواد) مع الرجل وتوجهت مباشرة لخارج المنزل وركبت السيارة في انتظاره...
لم يطل (عواد) البقاء وخرج بعدي بعدة دقائق وهو يقول بتعجب:
لم خرجت هكذا ؟.. الرجل كان يريد أن يشكرك
- اركب السيارة ولنرحل فوراً!
(عواد) وهو يركب بجانبي باستغراب: أمرك عجيب..
لقد حققت للتو معجزة ولا تبدو سعيداً بذلك
قدت السيارة مبتعداً عن المكان بصمت دون أن أرد عليه.
استأنف (مواد) حديثه مبتهجاً وقال:
لدي الكثير من الحالات المستعصية وأنا واثق من قدرتك على مساعدتها!
- كم أخذت من الرجل؟
(عواد) بتوتر : ماذا؟ .. لم أخذ منه شيئاً
- إذا فهذه آخر مرة أخرج فيها معك.. وقد يكون ذلك أفضل
(عواد): لا لا ، سوف أعيد له المال أعدك بذلك لكن ما الفائدة من قيامنا بما نقوم به إذا كنا لن تتقاضى أجراً على ذلك؟
- سوف تتقاضى شيئاً أهم من المال
(عواد): عن ماذا تتحدث؟
وقتها اتخذت قرار توريث جزء من علمي لشخص أكثر حماساً مني لمزاولته كي ينتفع به الناس لكن وجب علي أن أتيقن من أنه لن يستخدمه لاستغلال الضعفاء وابتزازهم بترويض جموحه وإعادة تشكيله من جديد..
كان مشروعي الصغير الذي أسسته وتبنيته وندمت لاحقاً أني فعلت.
- سوف أعلمك جزءاً من علمي كي تمارسه وحدك..
هل ترغب بذلك؟
(عواد) بحماس شديد: نعم أرغب بذلك بشدة!
- قد لا تطيق معي صبراً..
11
(عواد): سأنفذ كل ما تطلبه مني ولن أعترض على شيء!
- ستنفذ دون سؤال.. ولن تسأل عن شيء..
أنا من سيختار ما يجب أن تتعلمه في الوقت المناسب...
3
(عواد): موافق.
- ولن نتقاضي مالاً من أحد...
(عواد) بتردد : لكن...
- هل ستبدأ بالاعتراض من الآن؟
(عواد): لا أبداً لكن نحتاج بعض المصاريف البسيطة فأنا عاطل عن العمل ولا أملك مصدراً للدخل حتى أني لا أملك مالاً لملء سيارتي الواقفة أمام منزلك بالوقود بعد ما تعيدني
- كنت تقول إنك تريد شراء علمي بأي ثمن من أين كنت ستأتي بالمال لو أني وافقت؟
1
(عواد): كنت سأتدبر الأمر بطريقة ما...
- هذا يعطيني انطباعاً بأنك رجل متهور ولا تفكر قبل الكلام
(عواد): أنا صريح معك فقط وأقول لك الآن إني لا أملك شيئاً..
- ماذا عن المال الذي أخذته من الرجل قبل قليل؟
(عواد): ألم تطلب مني أن أعيده له؟
ابتسمت وأنا أحدق بالطريق أمامي وقلت:
يمكنك الاحتفاظ بالمال هذه المرة وعندما تحتاج لأي شيء أخبرني فقط وأنا سوف أتصرف...
(عواد) وأنا أوقف السيارة أمام منزلي: حسناً موافق..
ما هي الخطوة الأولى؟
- احلق لحيتك بالكامل ..
قلتها دون أن ألتفت عليه ...
(عواد) يضع يده على لحيته الكثيفة وهو سارح أمامه: لحيتي؟
8
- نعم وتخلص من ملابسك هذه التي تخدع بها الناس
(عواد): حسناً سأفعل .. ماذا أيضاً؟
- كم حالة لديك ؟
(عواد) مبتسماً: العشرات..
- رتب لقاء مع أحدها غداً عصراً وسوف أكون بانتظارك
(عواد): حسناً سأفعل
ومنذ ذلك اليوم أصبح (عواد) تلميذي الأول..
1
ولم يكن الأخير..
33
في اليوم التالي حضر على الموعد كما كان الاتفاق وركبت معه سيارته وما أن رأيته بشكله الجديد حتى تبسمت وقلت:
شكلك أصبح أكثر ملاءمة ...
(عواد) وهو يتحسس ذقنه الناعمة:
لا أعرف ما الهدف من حلق لحيتي لقد كانت تمنح الناس ثقة أكبر عند التعامل معي
2
- احصل على الثقة بعملك لا بشكلك...
(عواد): هل أحكي لك عن الحالة التي ستزورها اليوم؟
- احكِ لي عنها خلال الطريق
احرك (عواد) بالسيارة وقادها لدقائق بصمت ثم قال:
هذه الحالة هي لفتاة في السابعة عشرة من عمرها..
وحيدة أمها وتسكن معها بعد وفاة أبيها وحسب ما أخبرتني أنها كانت متفوقة في دراستها إلى أن وصلت للسنة الأخيرة من المرحلة الإعدادية ثم تغيرت
- تغيرت كيف؟
(عواد) :بدأت ترفض الذهاب للمدرسة وتصيبها نوبات غضب شديدة إذا حاول أحد إقناعها بالذهاب لدرجة أنها حطمت أثاث غرفتها بالكامل في آخر زيارة لي لمنزلهم عندما تحدثت معها بهدوء عن هذا الموضوع
2
- ما طريقة العلاج التي كنت تتبعها معها؟
(عواد): الرقية ومغلي نبتة «الحرمل»
- علاجك مفيد للاكتتاب والضيق الخفيف في النفس لكن ليس لحالتها
(عواد): وما هي حالتها؟
أشرت لـ ( عواد) بالتوقف على جانب الطريق...
(عواد) بعد أن أوقف السيارة: لم توقفنا؟
- هل ترى تلك القرطاسية؟
(عواد) موجهاً نظره لقرطاسية عبر الشارع: نعم؟
- اذهب وابتع لك قلم رصاص ومدونة
3
(عواد): لماذا؟
- لا تجادل يا (عواد) نفذ فقط
(عواد) وهو يترجل من السيارة: حاضر
بعد وقت قصير عاد ومعه كيس به مدونة وقلم رصاص وركب السيارة وهم بإدارة المحرك لكني استوقفته وقلت : انظر ..
افتح الصفحة الأولى واكتب بقلم الرصاص ما سأقوله لك.
أخرج (عواد) المدونة وأمسك بالقلم وهو ينظر إلي بصمت وأنا
سارح أمامي..
(مواد): هل سأكتب الصمت؟
12
- لا .. هذه المدونة أريدك أن تدون فيها الحالات التي سنعالجها مع التشخيص وعلامات الإصابة وطرق العلاج
(عواد): لأي غرض ؟.. ذاكرتي قوية ويمكنني أن أحفظ كل شيء تقوله
- التدوين مهم لكن احذر أن تكتب اسمك على المدونة
3
(عواد): لماذا؟
- أنت تسأل أكثر مما تنصت يا (عواد).
(عواد): حسناً أعتذر.. تفضل لن أقاطعك
- اكتب في رأس الصفحة « نفس الزهون»
(عواد): كتبتها...
- لنذهب الآن للمريضة وخلال تشخيصي لها دون كل ما سأقوله لك
(عواد) يخلق المدونة ويدير المحرك: حسناً
وصلنا لمنزل الحالة وبعد أن استقبلتنا أمها في مجلس المنزل حضرت الفتاة وجلست معنا وكانت هادئة بوجه مكتئب.
تحدثت معها في أمور بعيدة عن حالتها وأسبابها لأن حالتها كانت واضحة منذ أن وصفها لي (عواد) وكنت فقط أريد التثبت من صدق حدسي برؤيتها فقد كانت تعاني من حالة «عين» .
3
أعرف أن الكثير لا يؤمن بالعين وتأثيرها على الناس لكننا لسنا بصدد مناقشة قناعاتي ضد قناعات غيري الآن...
8
ودعت الشابة مع أمها وأخبرتها بأن (عواد) سيعود لاحقاً بالعلاج المناسب.
خرجنا من المنزل و (عواد) يتبعني وكنت أرى في وجهه الرغبة الجامحة في السؤال وما أن ركبنا السيارة حتى قلت له:
يمكنك أن تسأل...
(عواد): لمَ لم تعالجها ؟
- تشخيص الحالة أهم من العلاج
(عواد): وما هي العلة التي تشكو منها ؟
- أخرج المدونة واكتب...
بقينا في السيارة مدة ليست بالقصيرة أمليت فيها على (عواد) كل علامات الإصابة بالعين وطرق علاجها المختلفة حسب تطور الحالة ومصدر الإصابة وبعد الانتهاء قال:
بعض الأعراض التي ذكرتها كانت ظاهرة على الفتاة...
2
- وما العلاج الذي تقترحه لحالتها من بين الطرق التي أخبرتك بها؟
(عواد) وهو ينظر لما خطه بيمينه في المدونة :
بما أن العائن غير معروف والفتاة لا تعاني من كوابيس فأعتقد أن العلاج المناسب لها هو الطريقة الثانية
ابتسمت وأنا أشعر بالرضا قائلاً: نعم بالضبط..
جهز العلاج وأحضره لها غداً وستتعافى بإذن **** وأخبر أمها بأن تجعلها تغتسل مع أول أمطار تهطل علينا حتى بعد انتهاء علاجها بفترة وتماثلها للشفاء.
(عواد): ومن سيدفع قيمة مواد العلاج؟..
لا تقل بأننا ستحملها أيضاً
- لا .. خذ منها قيمة المواد فقط دون أي مبالغ إضافية
(عواد): حسناً.. متى تريد أن نزور الحالة التالية؟
- كم حالة عندك ؟
(عواد) مبتسماً: أخبرتك سابقاً أنها بالعشرات
- مع مرور الوقت وامتلاء مدونتك لن تحتاجني كثيراً
(عواد): هناك حالة قريبة من هنا إذا رغبت أن نعرج عليها قبل أن اعيدك للمنزل
- لقد غابت الشمس ...
5
(عواد): هل هذا له علاقة بطرق العلاج؟
ابتسمت قائلاً: لا ...
(عواد): إذاً ما المانع من زيارة حالة أخرى؟
- حسناً لا بأس...
أخذني (عواد) لمنزل سيدة كانت تعاني من ألم مستمر في بطنها وتستفرغ كل ما تأكله وكانت تعاني من كوابيس مستمرة وبعد تشخيص سريع لها في حضرة أخيها اتضحت لي الحالة ووجهت (عواد) بإحضار علاجها فوراً قبل أن ترحل لأن حالتها كانت في مراحلها الأخيرة وكانت على وشك الهلاك.
خلال انتظاري لعودة (مواد) بالمواد اللازمة لإعداد العلاج بقيت مع أخيها تتحدث وقال لي: الشيخ (عواد) متغير..
لقد حلق ذقته ولباسه مختلف ..
(عواد) ليس بشيخ.. منذ متى وهو يزور أختك لعلاجها ؟
(الرجل): منذ شهر تقريباً
- وكم كان يتقاضي؟
(الرجل): هو لا يطلب مبلغاً محدداً لكني لا أعطيه أقل من ٥٠٠ ريال في كل زيارة
- صفقة مربحة مريض لا يشفى ومعالج يستمر بصرف العلاج..
(الرجل): ماذا تقصد؟
- لا شي
(الرجل): هل يمكنني أن أسألك ممَّ تعاني أختي ؟
- سحر مأكول..
2
(الرجل): سحر ؟
- نعم وأثره قد استفحل في جسدها..
(الرجل): ومن قام بهذا العمل؟
- المهم أن تتعافى أختك وحساب الفاعل بيد ****
بعد عودة (عواد) بالمواد قمت بإعداد الخليط اللازم لعلاج السحر المأكول وأشرفت على تناول الحالة للمجرعة الأولى منه وشرحت لأخيها الأوقات الأخرى التي يجب عليها تناول الخليط فيها حتى ينتهي.
- كم كلفت المواد يا (عواد)؟
(عواد): ٦٠ ريالاً تقريباً
- حاسب الرجل وأنا سأنتظرك بالخارج
بعد خروجنا وسيرنا بالسيارة سألني (عواد) عن الحالة ليقوم بتدوينها في مدونته فأدركت أنه بدأ يتغير وبدأت رغبة التعلم تنمو بداخله فقلت له: لقد حل المساء ألا تشعر بالجوع ؟
(عواد): بلى.. أعرف مطعماً ممتازاً قريباً من هنا
- لا .. خذنا لمنزلي وسوف نتناول وجبة العشاء هناك من يد أمي وسأقوم خلالها بشرح كل التفاصيل التي تحتاج معرفتها عن السحر المأكول لكن بعد أن نأكل نحن
خلال الأشهر التي تبعت ذلك زرنا حالات كثيرة ومتنوعة خاصة بعد أن بدأ الناس يتناقلون خبر ذلك المعالج الذي يعالج بالمجان.
أحببت التغير الذي طرأ على (عواد) فقد تحول نهمه للمال إلى نهم للعلم وامتلات مدونته واضطر لشراء مدونة أخرى حتى أن قلم الرصاص الذي کتب به بات صغير الحجم ولم يهتم لشراء غيره.
مع زيادة علم (عواد) بدأت مرات خروجي معه تقل فقد كنت لا أصاحبه في الحالات ذات الأعراض المتكررة وأتركه كي يعالجها بنفسه ولو حدث أي شيء خارج المألوف يتصل بي هاتفياً ليستشيرني وفي حالات نادرة جداً يستلزم الأمر حضوري فمعظم الحالات التي عالجها (عواد) كانت سحراً وعيناً ولم يكن هناك شيء خارج المألوف في الغالب.
انتقلت علاقتي مع (عواد) من علاقة التلميذ بمعلمه للصديق بصديقه فهو لم يكن رجلاً سيئاً في داخله بل على العكس تماماً كان طيب القلب ومرحاً وعلاقته امتدت لعائلتي كذلك فبعد صلاة كل جمعة كنا أنا وأبي وأخي نجتمع على الغداء في منزلنا ومنذ أن تعرفت على (عواد) شاركنا ذلك الاجتماع وأصبح جزءاً من العائلة لدرجة أن أمي كانت تسأل عنه عندما يغيب لفترة تزيد على أسبوع..
26
يبدو أن امتداحه لطبخها كان مصدر سعادة لها.
...
يتبع
«أثر عبيد»
(مواد): صدقني لو أنك سمعت نواحها وأنا أقرأ عليها لفهمت السبب..
8
حدقت أمامي وأنا أراقب مجموعة من الصبية يلعبون الكرة في وسط الشارع وقلت: الفقد مر ولا أحد يريد دفن ذريته...
(عواد): متى سترد علي؟
ترجلت من السيارة وأنا أقول:
لا تغلق هاتفك وتوقع مني اتصالاً .. خلال ساعة ..
أغلقت الباب خلفي وارتسمت على وجه (عواد) ابتسامة لم أرها من قبل «علم القص» الذي ذكره (عواد) علم معروف بين الروحانيين والسحرة ويعتمد على الجن في إيجاد المفقودين وهو علم مندثر ولا يجيده إلا القليل بالرغم من أنه لا يزال يستخدم إلى اليوم على كافة الأصعدة وأعلى المستويات هذا العلم منقول وليس مستحدثاً ويعرف بأسماء كثيرة من ضمنها علم الأثره أو علم التابع، وأسماء كثيرة للمضمون نفسه، تاريخ هذا العلم يعود لآلاف السنين ولم يتم تدوينه إلا في المتني سنة الأخيرة وحتى الكتب التي دونته نادرة جداً ولا يمكن إيجادها بسهولة.
27
لحسن أو لسوء حظي..
لا أعرف..
كان (عمار ) يملك ثلاثة من تلك الكتب العتيقة وقد قرأتها جميعاً لكني لم أذكر الكثير من تفاصيلها الدقيقة فالبحث بالأثر أنواع ودرجات وإيجاد ذلك الطفل لم يستلزم سوى إحدى تلك الطرائق البسيطة منها وكنت على دراية بها لكن لم أجربها من قبل.
2
عدت لغرفتي وأخرجت قطعة القماش من جيبي والتي كانت فيما يبدو كيس المخدة الذي كان ينام عليها (عبيد)..
أثر جيد وقوي جداً.
بالطبع دخلت في جدال وصراع مع نفسي فأنا قد عقدت العزم على عدم قراءة الطلاسم مرة أخرى أو التعامل مع ذلك العالم لكن كون علم القصر لا يعتمد على طلاسم والتعامل به يكون مع لجنة مسلمين وليس شياطين وجدت أن المسألة على أقل تقدير الخلافية، وقد حسمتها المصلحة عودة (عبيد) لأمه.
لن أدخل في تفاصيل الطريقة لكن سأتحدث عن النتيجة الناجمة عن تطبيقها وهي أن يُهمس في أذني عن مكان وجود صاحب الأثر وعن ما إذا كان حياً أم ميتاً.
1
حصلت على المعلومة بدقة وعن مكان المدينة والمنزل الذي كان (عبيد) موجوداً فيه والحمد **** كان ما زال على قيد الحياة.
قدمت ما طلبه ناقل المعلومة له وهذا أيضاً أمر مألوف وهي كالأجرة مقابل العمل لهم وليس قرباناً كما يعتقد البعض.
1
اتصلت بـ ( عواد) وأخبرته بأن (عبيد) موجود في مدينة بعيدة عنا في غرب البلاد وزودته بالعنوان وصفاً وليس بالأرقام فأخبرني بأنه سيتواصل مع الشرطة فوراً..
قاطعت حديثه قبل أن يغلق الخط وقلت:
هل حددت كيف ستبرر معرفتك بمكان الطفل؟
(عواد): لا يهم المهم أن يعود لأمه...
مضت أيام بعد حوارنا هذا ولم أتلقَ أي اتصال من (عواد) لا بشأن الموضوع أو غيره ولا أنكر أني كنت قلقاً قليلاً عليه فما قمنا به لن يُنظر له كفعل خير بنية حسنة بل سيحاسب (عواد) كساحر ومشعوذ.
3
قبل مرور أسبوع كامل على ذلك رأيت اسم ورقم (عواد) يُنير على شاشة هاتفي بعد منتصف الليل فأجبته وقال بصوت مرتاح: لقد عاد (عبيد) لأمه.. شكراً لك
لم أدخل معه في أي تفاصيل عن من كانوا يحتجزون الطفل أو سبب خطفهم له أو ما المبرر الذي قدمه (عواد) للشرطة لتبرير معرفته بمكان (عبيد).
كل ما عرفته أن الأمور سارت على ما يرام ولم يصب أحد بضرر وعاود (عواد) ممارسة عمله في العلاج وعدت أنا لروتيني السابق.
6
......
«العالة في حالة الهالة»
هذا الموضوع لا أتحدث فيه أو عنه كثيراً لكني أعيش معه كل يوم ومع كل شخص أقابله أو أتواصل معه بطريقة أو بأخرى وتجنبي الحديث فيه هو لأني لا أعرف الكثير عنه فبالرغم من تأثيره الكبير على حياتي وفيما يبدو حياة (عمار ) من قبلي إلا أني لم أقرأ سطراً عنه في كتبه وكل ما أعرف عنه هو ما أخبرني عن طرق تفعيلها وأنواعها وما حصلت عليه من خلال الملاحظة والتجربة اليومية التي لا تزال مستمرة حتى اليوم.
منذ أن فعّل (عمار ) هالتي وأنا إنسان مختلف لكن لا أستطيع تحديد كيف..
1
أشاهد وأسمع الأمور بطريق مختلفة..
أرى الناس حولي من خلال منظار مغاير للسابق..
أعرف عنهم أموراً لا أدري إذا كانت حقيقية أم لا حتى أخبرهم أو أسألهم وأكتشف أني أصيب غالباً.
موضوع هالتي المفعلة كبير ومتشعب وحقيقة لا أعرف من أين أبدأ بالحديث عنه لذا قد تجد السطور التالية مشوشة ومربكة وغير مترابطة فلا تستغرب فهذه أفكار رأسي لا أكثر وهي بهذا الشكل دائماً.
تلقيت اتصالاً من (عواد) مساء أحد الأيام يطلب فيه حضوري لتشخيص حالة واجه معها بعض المشكلات وكما قلت سابقاً فهذا ليس بالأمر الخارج عن المألوف بل يتكرر من وقت لآخر خاصة مع حالات السحر المأكول والموروث.
3
طلبت منه تأجيل الأمر لليوم التالي لكنه أصر على حضوري لأن الحالة في حالة هيجان وهو محرج من أهلها.
ركبت سيارتي وتوجهت للمنزل الذي زودني ( عواد) بعنوانه ودخلت بعد ما استقبلني عند المدخل وهو في حالة متوترة جداً.
- ما الأمر؟ .. لمَ استدعيتني
(عواد): هذه الحالة غريبة ولم أستطع السيطرة عليها؟
- ما هو تشخيصك المبدئي؟
(عواد): سحر تفريق لكنها عزباء وغير متزوجة لذلك لم أفهم العلة
كانت الحالة لسيدة تجاوزت الأربعين من العمر ..
عزباء ..
تعمل في قطاع التعليم ..
طبيعية جداً خلال النهار لكن في الليل تنتابها من وقت لآخر حالات أشبه بالصرع والجنون ولا يتم السيطرة عليها إلا بربطها حتى الصباح حيث تهدأ وتعود لطبيعتها.
1
كنت أستطيع سماع صراخها من مدخل المنزل وأنا أتحدث مع (عواد) المرتبك.
وضعت يدي على كتفه وقلت له وأنا أبتسم:
- ما بك؟.. لم أرَك مرتبكاً هكذا من قبل ؟
(عواد) وهو يمسح عرق جبينه: لقد وترتني بصراخها..
هل تصدق أنها حاولت أن تعضني؟
25
- لا تقلق الأمر هين بإذن ****.. تقدم وأرشدني إليها
الحالة لم تكن صعبة لكنها بالنسبة لـ ( عواد) كانت كذلك لأنها أول مرة يواجه فيها نوعاً من السحر يسمى بـ«الأنشوطة» أو «العقدة» وهو سحر مكلف جداً ولا يجيده أي ساحر ومن ربط تلك المرأة المسكينة به كان حقاً يكرهها بالطبع أسرع طريقة لفك ذلك الربط هو بفك العمل نفسه لكن ولسوء الحظ سحر «الأنشوطة» يمكن دفنه في أي مكان بعيد عن المربوط ويبقى أثره قوياً لذا كان لا بد من التعامل مع المريض مباشرة.
بعد جلسة سريعة مع المريضة بحضور أخيها وإحدى أخواتها زودت (عواد) بالعلاج اللازم وقمت بتهدئة المرأة مؤقتاً بطريقة لن أذكرها.
16
قبل رحيلي أخبرني (عواد) بأن والد المرأة ينتظرني فقلت له مستغرباً: ماذا يريد مني ؟
(عواد): لا أعرف لكنه طلب مني إخبارك بأنه يريد مقابلتك
- أنت تعرف بأني لا أحب الاختلاط كثيراً بأهل المرضى..
(عواد): مقابلة سريعة وأنا سأكون معك وأعدك بأنه لو أطال الحديث فسوف أختلق عذراً كي نرحل
1
- حسناً.. عشر دقائق كحد أقصى بعدها يمكنك الاعتذار منه
طلب أهل المريض اللقاء بالمعالج أمر طبيعي جداً فبعضهم يريد شكره شخصياً والبعض الآخر يريد أن يُعبر عن امتنانه بالمال الذي أرفضه دائماً بالرغم من أن عيني (عواد) لا تزالان تكادان تخرجان من مكانها عند رؤيته.
9
كان والد المرأة ينتظرني في المجلس وبالرغم من أن الوقت قد قارب منتصف الليل إلا أن الرجل أعد القهوة والشاي ومن الواضح أنه يخطط لحديث مطول لم أكن أنوي المشاركة فيه لكن ما حدث هو أن الوقت سرقنا فالرجل كان ودوداً وحديثه جميل وبالرغم من محاولات (عواد) لإنهاء الحديث حسب اتفاقي معه إلا أني أنا من كان يطيل الحديث أكثر مع ذلك المسن.
3
من النادر أن تجد قلوباً جميلة تتحدث معها وذلك الرجل كان من أجمل الناس الذين تحدثت معهم.
من ضمن الموضوعات التي تحدث فيها معي هو تفوق جميع أبنائه وبناته دراسياً وأنهم ورثوا عنه حرصه على التعليم ونيل الشهادات العليا وأصر على أن أقابل أحد أبنائه الذي تخرج مؤخراً من الثانوية العامة بتفوق.
- يشرفني ذلك لكن أليس الوقت متأخراً؟
(الرجل المسن): لا أبداً هو في الطريق الآن عائد من اجتماع مع أصحابه
- متفوق ويحب السهر.. هذا أمر لا أستطيع فهمه
(الرجل المسن) ضاحكاً هو الآن يستمتع بإجازة وإلا لما سمحت له بذلك!
(عواد) هامساً في أذني: ماذا حدث للرحيل مبكراً..
لقد أمضينا ساعة كاملة مع هذا الرجل؟
3
- حسناً سنرحل بمجرد أن يأتي ابنه وتسلم عليه..
قلتها بصوت مسموع لـ (عواد) فقط...
بعد عشر دقائق حضر ابن الرجل وما أن حط بقدمه داخل المجلس حتى أصبت بحالة أقرب تشبيه لها هو الهبوط الحاد في ضغط الدم.
14
كنت على وشك الإغراء..
16
أحست بالاختناق ولم أكن أجد النفس وكان لزاماً علي أن أخرج فوراً من المكان وأن أبتعد عن ذلك الفتى بسرعة.
بالطبع جهل (عواد) بالحالة التي كنت أمر بها لم يساعدني فقد وقف حائراً مع الرجل وهم يحاولون إسعافي ولم يكونوا يعلمون أن قرب ذلك الفتى مني هو سبب الحالة التي انتابتني فجأة.
نزلت رحمة **** وأمر ذلك الرجل ابنه باحضار كأس من الماء لي مما اضطره للخروج من المجلس على عجالة وهذا ما أعطاني نافذة صغيرة للنهوض بثقل والخروج فوراً من المكان وأنا أبحث عن النفس وجبيني الماً وكاني ضربت بألف عصا من الخيزران ركبت سيارتي وحاولت جاهداً إخراج المفتاح ووضعه في فتحة التشغيل لأني كنت منهكاً جداً وكأن صاعقة قد ضربتني للتو وعضلات جسدي التي تنبض لم تساعدني كذلك.
ركب (عواد) بجانبي وهو يقول بتوتر شديد:
«ما بك؟!.. ماذا حدث ؟!».
استطعت إخراج بضع كلمات من فمي مفادها أني أريد العودة للمنزل بسرعة.
سحبني (عواد) لمكانه وخرج وحل محلي في القيادة وأدار المحرك ومع ابتعادنا من المكان بدأت حالتي تتحسن قليلاً وأخبرته بأني أحتاج ماء فتوقف عند محل بقالة وابتاع قارورة كبيرة من الماء البارد شربت بعضها وسكبت قليلاً منها على رأسي.
(عواد) بنبرة عالية ومرتبكة :ما الذي حدث لك؟..
هل تأثرت بسحر تلك المرأة ؟!..
كنت أعرف أن ذلك سيحدث يوماً ما !!
أشرت له بيدي بأن يتحرك ويعود بي للمنزل لكنه رفض وقال بصرامة: يجب أن أعرف ما حدث لك!
1
- هذا ليس وقت الحديث بالموضوع يا (عواد)..
قلتها وأنا منهك...
(عواد) وهو يسحب المفاتيح ويطفى محرك السيارة:
لن أتحرك قبل أن أعرف فقد أصاب أنا بالعلة نفسها !
4
- هالتك غير مفعلة كي يحدث لك ما حدث لي..
(عواد) باستنكار: ماذا؟!.. هالة؟!.. أي هالة؟!
- هل يمكننا على الأقل الذهاب لمكان آخر للحديث؟
(عواد): مكان مثل أين؟
- مكان يكون الضوء فيه قليلاً ..
(عواد) يتعجب: لا يخطر ببالِ مکان ليس به ضوء
- نحن في الليل يا (عواد) تصرف اركن السيارة في أي مكان يخلو من إضاءة الشارع
1
(عواد) وهو يدير محرك السيارة: أمرك غريب!
بعد مسافة من السير بالسيارة على طريق يقود الخارج المدينة توقف (عواد) وركن السيارة على قارعة الطريق وقال بتهكم بعد ما أغلق أضواء السيارة بالكامل: هل تريد أن أغطيك أيضاً؟
7
ابتسمت واعتدلت في جلستي وأكملت شرب ما تبقى في قارورة الماء وقلت: لا.. هذا المكان مناسب لأستعيد توازن هالتي
(مواد): أنت تدرك أني لا أفهم شيئاً مما تقوله الآن أليس كذلك؟
4
- حسناً اسمع ..
(عواد) وهو يمد يده ويخرج مدونته من أسفل مقعده:
انتظر سأدون ما ستقول
سحبت المدونة من يده وألقيت بها في المقعد الخلفي وأنا أقول له:
لن تدون شيئاً مما سأقوله لك...
(عواد): لماذا؟
- أنصت فحسب..
(عواد): حسناً
- كل إنسان يولد بهالة تحيط به .. طاقة من نوع ما ..
تختلف درجاتها من شخص لآخر لأسباب كثيرة وحديث الولادة غالباً تكون هالتهم في قمتها ولا أعني بذلك قوتها بل أقصى ما يمكنها أن تصل إليه .. هي درجات .. من المتهالكة شبه المعدومة مروراً بالضعيفة والمتوسطة إلى ما فوق المتوسطة والقوية وفي حالات نادرة تصل إلى ما أسميه بالهالة النجمية، لقوتها والفتى الذي قابلناه للتو هالته «نجمية» خاملة وغير مفعلة
17
(عواد) بفم مفتوح: حسناً..
ابتسمت لبلاهة شكل (عواد) وضياعه لكن لمَ الكذب فقد كنت مثله عندما حدثني (عمار) عن الموضوع نفسه أول مرة..
استأنفت حديثي وقلت:
لو وضعنا المسألة بالأرقام فـ ۸۹٪ من الناس يولدون بهالات متوسطة وأقل من متوسطة ونصفهم يدمرها مع مرور الوقت واتباع بعض العادات والسلوكيات لتصل للحالة الضعيفة أو المتهالكة لأسباب عديدة أغلبها سلوكية.
(عواد): ماذا عن النسب الأخرى؟
- ماذا تقصد؟
(عواد): قلت إن ۸۹٪ منهم أصحاب هالات متوسطة وأقل فماذا عن النسبة المتبقية؟
- أنت منصت بانتباه إذاً؟..
قلت باسماً
(عواد): نعم ماذا كنت تظن؟
- لا أبداً.. النسبة المتبقية توزع كالتالي تقريباً.. ٢.٥٪ يولدون بهالة متهالكة أو ضعيفة من الأساس و ٦٪ فوق المتوسطة و ٢٪ قوية والـ ٠,٥٪ المتبقية تكون للهالات المفعلة والنجمية.
(عواد): وأنا ما هي قوة هالتي؟
- سأجيبك عندما أنتهي من الحديث
(عواد): كيف تستطيع تحديد قوة هالتي ؟
- نظرة واحدة لعينيك تكفيني لأحدد ذلك
(عواد): ماذا كنت تعني بالهالة المشتعلة؟
- تقصد المفعلة ...
(عواد): نعم نعم .. لم أفهم تلك الجزئية
15
- تفعيل الهالة في أي مرحلة يضاعف قونها تقريباً ويجعلها أقل تأثراً بالمنغصات التي تسحب طاقتها فمثلاً لو تم تفعيل شخص بهالة متوسطة فإنها ستصبح قوية أغلب الوقت لكن لو تم تفعيل شخص بهالة فوق متوسطة أو قوية فتصبح هالته نجمية على الفور.
(عواد): مثل ذلك الفتى...
- لا .. ذلك الفتى هالته خاملة ولو تم تفعيلها فسيكون أمراً خارقاً للطبيعة
1
(عواد) : وكيف يمكن تفعيل هالة نجمية إذا كنت لا تستطيع
الاقتراب منها هكذا؟
- لم أرَ من قبل هالة نجمية في حالتها المفعلة ولا يمكنني تصور الطاقة الناجمة عن تفعيلها لكن نظرياً يمكن لأصحاب الهالات المفعلة الاقتراب منهم ومحاولة تفعيلها لو قاموا بشيطها مؤقتاً...
لا أعرف لم أجرب من قبل
(عواد): هل فعلت هالة من قبل من بعد تفعيل هالتك؟
- نعم..
1
(عواد): من ؟.. وكيف يتم تفعيل الهالة؟ وهل أصحاب الهالات المفعلة هم فقط من يستطيعون تفعيل الهالات ؟ ومن يحتاجها؟ ومن...
4
- لا تحول الموضوع لتحقيق يا (عواد).. أنصت كي تستفيد
(عواد): حسناً.
- أصحاب الهالات الضعيفة وبالرغم من أنهم الأحوج للتفعيل إلا أن تفعيل هالاتهم يستلزم جهداً وطرقاً متعبة لا يصبر عليها الكثير سهولة تفعيل الهالة تعتمد على قوتها وهي في الحالة الخاملة لذلك كان تفعيل هالتي أمراً لم يتطلب الكثير من الجهد فقد كانت قوية في حالتها الخاملة منذ البداية.
(عواد): ومن فعل هالتك؟
- .. (عمار)..
4
(عواد) : (عمار) من؟
- .. (عواد).. لا تقاطعني...
(عواد): أريد أن أفهم ..
كلامك بدل أن يقدم لي إجابات يثير تساؤلات أكثر
- ماذا تريد أن تعرف؟
(عواد): هل لهذا التفعيل فوائد ؟.. أقصد .. هل كان له أثر ايجابي على حياتك؟.. أم أنك فقط تصاب بالأغماء فقط من وقت لآخر وتختبي في الظلام بعدها؟
- معظم الوقت نعم...
(عواد): ستفعل هالتي إذاً؟
1
- لا بالطبع
(عواد): لماذا؟
- الأمر لا يأتي بلا مقابل ومقابل غالٍ جداً ناهيك عن النكسات النفسية والجسدية التي قد تصيب الشخص بعد تفعيل هالته سأذكر لك بعض وليس كل المزايا والعيوب التي تأتي مع الأخذ بالعلم أن الهالة الحاملة بأنها تقدم مع المزايا دون العيوب وهي هبة من **** لا يمتاز بها إلا القليل .
(عواد): جيد أريد معرفة ذلك كي أفهم ولو جزء يسير من غرابة تصرفاتك...
- أصحاب الهالات القوية أو النجمية سواء الخاملة أو المفعلة يحظون بالكثير من المزايا النفسية والجسدية وأبرزها قراءة الناس إما من خلال أعينهم أو أحاديثهم أو حركاتهم وسكناتهم ويستطيعون شعورياً أو لا شعورياً الإحساس بغيرهم بدرجة عالية من الدقة قد تصل لمرحلة التقمص الحسي من مسألة معرفة وتوقع الأمور عن الأشخاص والأحدث
24
(عواد) : لكن لا يعلم الغيب إلا **** وقراءته أمر مستحيل..
- هم لا يقرؤون الغيب لكنهم يستشعرون النوايا والأفكار دون قراءتها بصراحة ونسبة إصابتهم مرتفعة جداً ومع الممارسة تصبح تلك النسبة شبه كاملة ومن ضمن هؤلاء الفئات من يجيدون تعبير الأحلام والرؤى دون معرفتهم السبب وبعضهم يصل إلى مرحلة من التماس مع الغير لدرجة أنه يرى رؤيا عن غيره ويفسرها مع نفسه ليجد أنها الحققت لاحقاً نوع من الفراسة الروحانية إن صح التعبير
1
(عواد) وهل أنت ممن وصلوا لتلك المرحلة المتقدمة من الفراسة الروحانية كما أسميتها؟
- ما رأيك؟
(عواد): هالتك مفعلة لذا فالإجابة غالباً نعم .. لكن كم عددكم؟
- تتحدث عنا وكأننا غرباء من الفضاء
2
(عواد): في الوقت الحالي هذا ما أشعر به نحوكم
- نظرياً جميع الناس يمكنهم الوصول لهذه الحالة بالتفعيل لكن المشكلة تكمن في السلبيات اللاحقة لعملية التفعيل
(عواد): وما هي تلك السلبيات؟
- تذكر أن هذه السلبيات لا يعاني منها من هم أصحاب هالة قوية أو نجمية من الأساس في حالة الخمول..
(عواد): نعم نعم فهمت هذه النقطة لكن أخبرني مالسلبيات التي
تلحق بعملية تفعيل الهالة؟.. أرجو أن لا يكون أحداها فقدان أحد حواسك الرئيسية
- لا.. أبرز السلبيات هي قلة أو انعدام النوم وكذلك الضيق عندما تحتك أو تقترب من هالة قوية أو مفعلة أخرى وإذا كانت نجمية تصاب هالتك المفعلة بانهيار كامل
(عواد): مثل ما حدث لك للتو...
- بالضبط .. لذا تجد أن أصحاب الهالات القوية أو المفعلة لا يرتاحون في التجمعات الكبيرة ويتجنبونها قدر الإمكان وأغلبهم لا يعرفون السبب.
(عراد): هل تعرضت لمثل ما تعرضت له الليلة من قبل؟
- نعم أكثر من مرة...
(عواد): وفي كل مرة تمر بنفس ما حدث لك الليلة؟.. نفس الانهيار ؟
- لا.. أحياناً تكون أسوأ إذا لم يبتعد عني صاحب الهالة النجمية بسرعة
(عواد): هل تذكر أسوأ حالة تعرضت لها؟
- لماذا تريد الخروج عن الموضوع؟
(عواد): حسناً لا تخبرني كنت أريد فقط معرفة أقصى ضرر يمكن أن يصل إليه صاحب الهالة المفعلة
- سأخبرك.. أسوأ حالة مررت بها واستشعرتها بقوة في حضرة هالة أخرى أقوى مني هي عندما كنت ذاهباً للسوق لابتياع أقراط ذهبية لأمي كهدية لها لمناسبة ما.
الذهب الأصفر له تأثير على الهالة لكني لن اتحدث عن ذلك الآن ولن اتحدث عن ما إذا كان ذلك التأثير سلبياً أم إيجابياً.
8
المهم في الموضوع هو ما حدث لي عندما كنت واقفاً أنتظر الصائغ وهو يقوم بتعليب قرطين من الذهب الأصفر اخترتهما عن بعد بإشارة من أصبعي فقد أصبت بحالة الهبوط حتى أني أذكر تماماً أني انحنيت قليلاً على ركبي من شدة الوهن الذي شعرت به وقتها، تراجعت قليلاً لكرسي كان خلفي وقريباً مني وجلست عليه وأنا أتصبب عرقاً بالرغم من أن المكان مكيف
(عواد): هالة الصائغ هي السبب.. أليس كذلك؟
- لا كنت سأشعر بها فور دخولي للمحل لكن الشعور ظهر فجأة وأنا أتحدث معه
(عواد): غريب.. ماذا كان السبب إذاً؟
- لم أعرف وقتها في الحال وكنت على وشك الإغماء لكن وبعد ثوانٍ من جلوسي رأيت السبب يدخل المحل أمامي .. **** صغيرة لم تتجاوز السادسة من العمر تصاحب أمها التي أتت لشراء شيء من محل الذهب.
(عواد) باستغراب: كيف أثرت عليك قبل دخولها المحل؟.. أليس من المفترض أن تكون بجانبك أو قريبة منك على الأقل؟
- هالة تلك الفتاة كانت طاغية وغير طبيعية بالرغم من أنها خاملة وغير مفعلة كانت أول مرة أشاهد فيها هالة «نجمية» بتلك القوة وتكون قريبة مني بهذا الشكل لم أستطع الوقوف لفترة واكتفيت بمراقبة تلك الفتاة وهي تلعب في المحل ومع حركتها هالتي تسحب وتنهار.
9
(عواد): موقف لا تحسد عليه.. وكيف نجوت؟
1
- مد الصائغ لي من خلف المنضدة علبة الأقراط وهو يقول تفضل ...
لم أستطع الوقوف وأشرت له بأني متعب قليلاً وأريد الراحة والحمد *** أن الرجل تفهم وقام بخدمة تلك السيدة مما عجل برحيلها مع ابنتها وفور خروجهما من المكان بدأت أستعيد عافيتي وقدرتي وبعد أن طلبت بعض الماء من الرجل استطعت النهوض وأخذت غرضي ورحلت وأنا أترنح كالمخمور.
(عواد): أمر عجيب.. لا يمكنني تصور أن مثل هذه الأمور موجودة وتحدث
- ما حدث لي في ذلك المحل أمر ليس خارجاً عن المألوف فالهالات المفعلة تكون هالات مكسورة الحصانة وتأثرها بالهالات الأخرى محسوس جداً خاصة الهالات الخاملة الأقوى منها.
(عواد): نعم لاحظت أنك تتجنب التجمعات كثيراً..
كنت أظنك انطوائياً وغريب الأطوار فقط...
3
- عندما يكون صاحب الهالة المفعلة في محل أو مكان يجتمع فيه عدد كبير من الناس ثق تمام الثقة أنه يعاني ويتألم أحياناً لأن من بين تلك الجموع سيكون هناك شخص بهالة أقوى منه وخاملة وستؤثر عليه وستجده يتصبب عرقاً ولو كان الجو بارداً ويرمش كثيراً وقد يصل الأمر به إلى أن تدمع عيناه من الألم وغالباً لن يطيل البقاء وسيرحل واستعادة توازنه تدريجياً تكون بتناول كمية كبيرة من الماء.
4
(عواد): ما سر الماء وما علاقته بالحالة ؟..
لدي شعور بأنه عنصر مهم في هذا المجال
- سأخبرك بعد قليل..
(عواد): تعرف.. لقد قرأت عن هذا الموضوع وسمعت عنه من قبل لكني لم أعره أي انتباه ظناً مني أنها مجرد خرافات
- في الغالب كل ما سمعته غير صحيح واجتهادات خاطئة
(عواد): كيف؟.. أنت بنفسك الأن تؤكدها
- الحديث عن الهالات أصبح موضة مؤخراً وقد انتشرت الكثير من الكتب والمقالات والمحاضرات المرئية والمسموعة التي خاضت في تفاصيل دقيقة وغير صحيحة مثل درجات الهالة وألوانها وطرق تقويتها ونظريات في التأمل و«الشكارا» و«العين»
18
(عواد): وما رأيك أنت بهذا الكلام؟..
خاصة وأن ما تقوله عن الهالة لا يختلف كثيراً عن تلك الأقاويل
- رأيي الشخصي ؟.. كلها خزعبلات وهذا العلم من أكثر العلوم غير المطروقة أو المدونة وعلمنا فيه محدود جداً جداً وقد تحول لمصدر رزق لبعض «النصابين» هذه الأيام حتى كلامي الذي قلته ولم أقله لك عن الهاله لا أدعي أنه علم مثبت لكنها مجرد ملاحظات شخصية ولا يمكنني أن أعطيها لقب «علم».
(عواد): هل يوجد كتب معينة يمكنك أن تدلني عليها لاستزيد من هذا العلم ؟
- الموضوع كبير ومتشعب كما قلت لك يا (عواد) ولا يوجد كتب سهلة المنال كي تحصل عليها وتقرأها لكن سأخبرك عن بعض النقاط الأخرى التي تخص الهالة وهي ملاحظاتي الخاصة من مدوناتي الشخصية وليست شيئاً قرأته في كتاب أو علماً نقل لي .. بعضها سأتحدث عنه بالتفصيل والبعض الآخر لن اتحدث عنه مطلقاً ولا تسألني لماذا .. اتفقنا؟
(عواد) موافق.. لكن.. الا تثق بي كي لا تخبرني؟
- لا علاقة للثقة بعدم افصاحي عن بعض الأمور لك حاول أن تفهم ذلك جيداً.. لنبدأ بسؤالك عن علاقة الهالة بالماء.. منذ صغري وأنا أحب السباحة وأعشق البحر وغرقي فيه مرتين لم يزدني له إلا حباً وولعاً لكن ومنذ أن فعل (عمار) هالتي اهتزت علاقتي بالبحر وبالماء عموماً، شيء ما تغير.. من فعل هالتي كان رجلاً قليل الاستحمام وقد لاحظت ذلك لكن لم أعرف السبب إلا عندما استحممت أول مرة بعد تفعيل هالتي.. صاعقة.. هذا ما يمكنني أن أصف به ما حدث لي وأحسست به.. كان اصطدام الماء بي كتيار كهربائي نفض جسدي وأوقعني أرضاً
(عواد) لهذه الدرجة ؟.. لكن لماذا؟
- لماذا ؟ .. لم أعرف وقتها لكن بعد زيارتي الثانية لمن فعل هالتي تحدثت معه عن الموضوع وأخبرني أن الهالة الحديثة التفعيل لا تتفق مع الماء العذب لفترة طويلة ويجب أن أستبدل بها ماء البحر حتى تستقر وأعود للاستحمام بالماء العذب مرة أخرى.
توقعت أن المسألة لن تأخذ وقتاً طويلاً لكن حساسية هالتي للماء العذب تجاوزت العام كنت خلالها لا أستحم إلا بالماء المالح المذاب في حوض الاستحمام والغريب في الأمر أن الماء العذب يصبح بعدها أهم عنصر لإعادة توازن هالتك إذا تعرضت لخلل ما.
(عواد): تفعيل الهالة لم يعد مغرياً بالنسبة لي ..
أعتقد أني سأكتفي بما أملك فقط من حواس
1
- لم أنتهِ .. قلتها مبتسماً
(عواد): كل ماذكرته كفيل بتغيير حياة أي شخص للأسوأ
- بقي أن أخبرك عن تأثير الهالة عندما تتعامل مع الناس..
(عواد): ماذا عنك؟.. هل ينفرون منك؟.. أنت تجيد ذلك ببراعة قابلت الكثير ممن يتمنون معرفة ما يدور في خلد من يتحدث إليهم ومدى صدق أحاديثهم وعباراتهم ونواياهم معهم..
- صدقني الأمر ليس بالجمال الذي نظن أصحاب الهالات المفعلة يملكون قدرة عالية في استشعار مع من يتحدثون معهم قولاً أو حتى كتابة وزد على ذلك همس الأقران إذا كان المتحدث صاحب هالة ضعيفة أو متهالكة ..
12
(عواد) بتوتر : همس الأقران؟
- تجاهل هذه العبارة لأنها من الأمور التي لن أتحدث عنها بالتفصيل ...
(عواد): يكون أفضل .. لكن أنا لا أرى السوء في كشف الكاذب ومعرفة نوايا المتحدث معك .. هذه تعتبر ميزة وليست عيباً .. لا تتصور كم عدد الناس الذين أرغب في معرفة ما يجول في خواطرهم وأولهم أنت
- مؤلم يا (عواد) أن تجامل من يهديك عبارات الود وأنت تعلم بأنه لا يكن لك سوى الكره ومؤلم أكثر عندما تضطر أن تهز رأسك لشخص يحاول استغفالك وهو لا يعلم بأن سجله في أذنك ستفاجاً من كم النفاق في العالم وندرة أصحاب القلوب النقية..
تلك الندرة التي تدفعني أحياناً لمعانقة أصحابها لا شعورياً عندما أقابلهم أو أتحدث معهم ويتحدثون معي أتهم بأني لا أبتسم كثيراً..
ابتسامتي لم تعد تجد طريقها إلا لهؤلاء الأنقياء فقط والحمد *** أنهم ما زالوا موجودين بالرغم من ندرتهم.
(عواد) وهل أنا من هؤلاء الأنقياء؟
- هل عانقتك من قبل؟
57
(عواد): كان يمكن أن تجيب بطريقة أقل قسوة من ذلك ...
22
- سأخبرك عن الهالة وعلاقتها بالأمراض
(عواد): هل تسبب الهالة أمراضاً لمن يفعلها؟..
تصورت أنها تزيد من مناعة الشخص أكثر
- ليس تماماً .. تفعيل هالتك لن يمنحك علماً بالأعمار فعلمها عند **** وبيده لكن إحساسك بالخلل الذي يصيب الناس سيرتفع حتى قبل أن ينتقل لأجسادهم وهذا أمر غير مريح .. أخبرتك قبل قليل عن التدليس الذي ذكر ولا يزال يُذكر بخصوص ألوان الهالات .. نعم هناك ألوان لها لكن ليس بالشكل المذكور والمطروح على الساحة والذي وصفه كألوان زاهية تحيط بالشخص كحفل من الطاقة .. لا أبداً .. الأمر مختلف وخلاصته أن هناك مؤشرات ملونة تنبثق بشكل غير منتظم من النفس البشرية تعطي بعض المؤشرات عن حالته الصحية والجسدية وتفسيراتها لا تزال محدودة بالنسبة لي لكن أعرف تمام المعرفة أن اللون الأسود هو أسوؤها.
(عواد): ماذا يعني اللون الأسود؟
- لننتقل لنقطة أخرى...
(عواد): كالعادة تتهرب من الاجابة على الأسئلة المهمة..
حسناً أكمل
- النهم..
(عواد): النهم؟.. كل الناس يصابون بالجوع.. هذا أمر طبيعي
- لا أقصد الطعام فقط.. هذا موضوع حساس ولا أعرف كيف اتحدث فيه بأريحية وتفصيل معك وعلى الأرجح لن أفعل أبداً في أي مناسبة لكن موجزه هو أنك بعد تفعيل هالتك ستصاب غالباً بحالة من «النهم» الشديد للأمور التي كنت تحبها سابقاً وهذا يشمل كل شيء..
وتغذية هذا النهم خطرة جداً وحرمانه أكثر خطورة لذا سيكون لزاماً عليك مراقبة نفسك دوماً وضبط معايير نهمك كي لا تقع في المشكلات.
5
(عواد): مشکلات مثل ماذا؟
- مشكلات لا تريد الوقوع بها صدقني...
(عواد): هل أنتهت السلبيات أم أن هناك علل أخرى أسوأ من ذلك؟
- النشاط الذهني الذي سيطرأ بعد تفعيل الهالة...
(عواد): لا يبدو الأمر سيئاً فمن منا لا يريد أن يكون أذكى؟؟
- هذه الحالة قريبة من حالة النهم لكنها تكون حسية وذهنية ولیست جسدية فعقلك بعد تفعيل الهالة سينفجر نشاطاً بمعنى الكلمة..
ستشعر بما يشبه العطش الذي لا يمكن لصاحبه أن يرتوي أبداً..
ظمأ غير حميد للتفكير في كل شيء وتحليل كل شيء والكتابة عن كل شي.. ستتحول لآلة يجب أن تعمل طيلة الأربع والعشرين ساعة بشكل متواصل ولن تكتفي بأي إنجاز تحققه ولن ترضى عنه أبداً..
شيء مرهق ومؤلم أحياناً.
5
(عواد)...
3
- نسيت أمراً ما عندما أخبرتك عن علاقة الهالة بالأمراض.. نعم ستصاب ببعض الأمراض..
(عواد): هل هي أمراض خطيرة؟
- البعض قد يعاني من حساسية جسدية تجاه أمور معينة مثل بعض الأطعمة أو المستحضرات أو الأدوية وغيرها من المواد التي تستهلك أو تلامس الجلد وأنا ومنذ ولادتي لم أعانِ شيئاً من هذا القبيل عدا حساسية شديدة لأحد المضادات الحيوية المشهورة واكتشف أهلي ذلك عندما وصفه لي أحد الأطباء بعد إصابتي بالتهاب بكتيري في صغري لكن وبعد تفعيل هالتي أضيف القائمة الأشياء التي تسبب الحساسية في أمور غير اعتيادية تعرضني لخليط من الصداع والغثيان وأحياناً طفح جلدي.
2
(عواد): أشياء مثل ماذا؟
1
- بعض المعادن ولن أحدد ما هي وكذلك بدأت اتحسس من الروائح النفاذة والقوية وبعض خامات الأقمشة والجلود.
(عواد): هل هناك شيء آخر تريد أن تضيفه للائحة الموت هذه؟
9
- لا يمكن أن أذكر لك كل شيء لكن سأخبرك بنقطة أساسية في هذا الموضوع وأعتقد أنك خضت هذا المجال عندما كنت تحتال على الناس
(عواد): قلبك أسود ولا ينسى الماضي أبداً
15
قوة الذاكرة أحد مزايا الهالة لسوء حظك..
قلتها مبتسماً..
(عواد): ومالذي كنت أمارسه؟..
- تظن أن ما مارسته في السابق تعبير الرؤى..
(عواد): هذا الموضوع يبدو كبيراً إذا لم يخب ظني...
- سأذكر لك فقط تجربتي الشخصية في الموضوع وأكرر هذه مجرد ملاحظات لاحظتها ودونتها في مذكراتي الخاصة ولا أدعي انها حقيقة أو علم يستند عليه
(عواد): حسناً أنا متفهم لذلك ولا تقلق لن أحكم عليك كما تفعل معي.. قالها متهكماً
1
- تختلف عن قبل تفعيل هالتي كانت علاقتي مع الأحلام أو الكوابيس لا علاقة أي شخص طبيعي بها .. كنت أحلم من وقت لآخر وأعاني من كابوس بين الفينة والأخرى ولا شيء خارج المألوف ولم أكن أبحث عن تفسيرات لها أو معنى الفحواها ورموزها.. كنت أعرف بأن بعض الناس لا يعلمون على الإطلاق وكنت مستغرباً من تلك المعلومة وأعلم أيضاً أن بعض الناس تكون أحلامهم ملونة والبعض الآخر بالأبيض والأسود فقط وهذه حقيقة علمية.
(عواد): أنا أحلم بالأبيض والأسود فعلاً ولم أكن أصدق أن هناك من يحلمون بالألوان
19
- أنا أحلامي كانت ملونة وكوابيسي كذلك وكانت علاقتي بها تنتهي بمجرد الاستيقاظ من النوم ولا ألقي لها بالاً أبداً لكن وبعد تفعيل هالتي وقراءة بعض الكتب من مكتبة من فعل هالتي والتي اختصت في هذا الموضوع تغيرت نظرتي تماماً لها وأدركت أنها «علم» بمعنى الكلمة.
(عواد): ماذا حدث بعد تفعيل هالتك؟
- تفعيل هالتي رفع نسبة رؤيتي للأحلام والكوابيس بحيث أصبحت شبه يومية لكن الاختلاف الحقيقي هو أني بدأت أستطيع ترجمة الرموز في تلك الأحلام ومعرفة مدلولاتها في الواقع ومتى يصبح الحلم رؤية ومتى يكون مجرد أضغات الكوابيس يمكن أن تكون رؤية فالبعض يخاف من أشياء لا تقع تحت تعريف «كابوس» فيختلط عليه الأمر ولا يدرك أنها رؤية.
(عواد): وكيف كنت تعبير الرؤى؟
- موضوع تعبير الرؤى حساس جداً ويخلط البعض بينه وبين معرفة علم الغيب والذي هو من علم **** وحده ولا يدركه أحد أبداً لكن للتفريق بينهما سوف أضرب لك مثالاً بسيطاً...
(عواد): أنا منصت...
- عندما تسير في طريق وترى حفرة أمامك وتقف قبل أن تقع فيها وتلتفت خلفك لترى شخصاً يجري بسرعة على الطريق نفسه فهذه هي الرؤية وتعبيرها هو أن احتمالية وقوع الشخص في تلك الحفرة عالٍ جداً ولم يصل لمرحلة اليقين لأنه لو وصل لليقين تحول «لعلم غيب» وهذا أمر مستحيل على البشر..تحذيرك للشخص من الوقوع في الحفرة ليس ادعاء علم غيب بل مبني على علم الضح لك وخفي عليه لا أكثر..
هل اتضح لك الفرق؟
4
(عواد): نعم.. فهمت.. أعتقد أن فهمت...
- بداية معرفتي بتلك القدرة على تعبير الرؤى لم تأتِ سريعاً واكتشفتها لاحقاً ومتأخراً جداً وكان أول من سمعت أحلامهم و فهمت رموزها هي أمي عندما حكت لي عن منام أثار استغرابها وبعد أن أنصت لتفاصيله خرجت بمدلولين رئيسين..
الحلم كان يتضمن تساقطاً للأسنان و به شخص ميت وهذا يقود لمعنى واحد لن أذكره لك لكنه تحقق بعد يومين للشخص الذي حلمت به أمي ومع تكرار تلك الأمثلة مع أشخاص آخرين لم يكن من السهل تجاهل قدرتي على تعبير الرؤى لذا قررت تجربة تفسيرها لشخص ما والتثبت أكثر لأني لم أكن سأعتمد على ملاحظات فقط
(عواد): وماذا كانت النتيجة؟
- نجحت في المرة الأولى في التفسير..
والمرة الثانية ومعظم الرؤى التي فسرتها بعد ذلك حتى أصبح الأمر مقلقاً لي ومخيفاً لمن حولي فتوقفت نهائياً عن تفسير الأحلام ولم أعد إليها
(عواد): لم تتخلى عن هبة مثل هذه؟
لو كنت أملك مثلها لجنيت أموالاً كثيرة
- لأن معظم التعبيرات لم تكن أخباراً تسر من يسمعها ولم أكن أقوى على نقلها إليهم ورؤية خيبة الأمل التي تعتريهم جراء سماعها .
(عواد): وكم من خيبة أهديت؟
- كثيراً يا (عواد).. كثيراً.. وأحمل هم كل واحدة منها..
(عواد): لقد أرهقتك بالحديث لكن لا أريد أن تصاب بأغمائة أخرى واضطر لحملك للمنزل
2
- دعني أختم لك بنقطة أخيرة
(عواد): خواتيمك دائماً ما تكون تعيسة.. تفضل..
27
- يجب أن أذكر لك الخلل الروحاني الذي يصيب هالة الإنسان سواء المفعلة أو غيرها وأسبابها العديدة.. ذلك الخلل يقود لعلل صحية كثيرة تتدرج من البسيط العابر للمعقد المنغص للحياة لا شك أن الحديث عن العلل الجسدية أمر حساس وشائك وربطها بعلل الروح والتوازن الروحي أمر مرفوض للكثير لكن هذا لم يمنعني ولن يمنعني يوماً من الحديث بما أنا مقتنع به دون فرضه على غيري.
(عواد): أنا لن أمنعك..
- كل إنسان يعيش حالة من التوازن الأثيري بغض النظر عن قوة هالته وأي خلل يصيب ذلك التوازن بسبب المنغصات ينعكس سلباً في الغالب على صحته الجسدية والنفسية بدرجات متفاوتة.
(عواد): منغصات مثل ماذا؟
- الصدمات النفسية مثل الغضب أو الحزن الشديد أو الفزع المفاجئ أو اجتماع بعضها في الوقت نفسه العمر له تأثير كذلك على نسبة ذلك الخلل ومدى تأثيرها علينا فالصدمات في الصغر تكون ذات تأثير مدمر أكبر وترميمها يكون أصعب.
6
(عواد): إذاً فالمنغصات نفسية فقط ..
- لا .. فنوع التغذية وما نتناوله وماهيته والوضعيات التي نأكل ونشرب لها تأثير سلبي أيضاً والتفصيل في ذلك متاهة لكن ما سأقوله لك هو أن الصيام بأنواعه مفيد جداً لترميم الهالات كذلك التواصل والاحتكاك بهالات أخرى قوية أو مفعلة إذا كانت هالتك خاملة لذا تجد أن معظم أصحاب الهالات المفعلة يملكون قدرات علاجية عالية وعلى رأس قائمة المعالجين بالطاقة الروحانية أصحاب الهالات «النجمية» فلمسة منهم تحدث الكثير من الترميم والتوازن الروحاني حتى وإن كانوا لا يدركون ذلك.
1
(عواد): معنى ذلك أن سلامي على ذلك الشاب نفعني لأني خامل وضرك لأنك مفعل
- تماماً.. هيا لنعد لقد تأخر الوقت كثيراً وسرقنا الحديث
(عواد): فعلاً لم ألحظ ذلك.. أشكرك لأنك أخبرتني بكل هذا لكن لمَ لم تسمح لي بتدوين هذا الكنز؟
- لأنه ليس كنزاً.. إنه لعنة..
(عواد): من حق الناس أن يعرفوا
- ومن حقي أن لا أتحمل مسؤولية الضرر الذي قد يتسبب به لغيري
(عواد): أفهمك.. أخبرني الآن.. ما مدى قوة هالتي؟
......
يتبع
«خلوة بالخليل»
أعادني (عواد) بعد ذلك الحديث المطول عن الهالة للمنزل وقبل أن أنزل من السيارة أخبرته بمدى قوة هالته ولم نفتح ذلك الموضوع مرة أخرى.
3
مضت أيام لم أخرج فيها من المنزل وهذا أمر طبيعي بالنسبة لي لكن ما لم يكن طبيعياً لـ (عواد) هو أني لم أرد على اتصالاته لفترة طويلة..
لا لشيء لكني كنت بحاجة ماسة لعزلة ممتدة أستعيد فيها توازني و (عواد) وقتها قد وصل لمرحلة معي يتفهم فيها ذلك لكن ما لم يتفهمه هي المدة فعزلتي تلك كانت الأطول منذ أن تعرفت عليه وهذا الذي أثار قلقه خاصة وأنه التقى بأخي وأبي جمعتين دون حضوري وأخبراه بأني في عزلة لكنه لم يقتنع واستأذن منهما أن يصعد لغرفتي بالرغم من نصحهما له بعدم القيام بذلك إلا أن إصراره دفع أخي للسماح له بالصعود وطرق الباب علي.
خلال عزلتي لا أحب التواصل مع أ أحد وأستاء جداً ممن يقاطعها دون سبب مقنع..
بالطبع أمي وأبي مستثنيان من هذا الاستياء لذلك وقبل كل عزلة مطولة أشرح لهما أهمية ما سأقوم به لنفسي وصحتي فيقتنعان أحياناً وأحياناً كثيرة لا .
طرق (عواد) الباب فلم أجبه في المرة الأولى..
طرقه مرة ثانية وهو يقول: هل أنت بالداخل؟
سمعت صوته..
سؤاله الأحمق مما دفعني للابتسام ولحسن حظه أن عزلتي كانت في أيامها الأخيرة وقد حققت الكثير من الغرض منها ولم أكن صائماً عن الكلام ففتحت له الباب وحدقت به دون أن أتحدث معه فقال بارتباك:
هل أزعجتك؟
13
أشرت له بالدخول وكانت هذه أول مرة يزورني فيها في غرفتي..
دخل وبدأ ينظر حوله بتعجب منها ومن عتمتها ولم أكن مستغرباً من ردة فعله تلك لكني استغربت ما قاله بعد أن استعاد تركيزه.
(عواد): غرفة جميلة..
- أنت أول شخص يصفها بذلك
(عواد) هل تستقبل الكثير فيها؟
- لم يدخلها أحد من قبل عدا قاطني المنزل..
1
(عواد) مبتسماً: هذه سابقة أعتز بها
- ماذا تريد يا (عواد)؟..
قلتها وأنا أجلس على طرف سريري...
(عواد): آه.. نعم.. كيف حالك؟
- بخير .. الآن.. ما الذي دفعك لاقتحام عزلتي؟
(عواد): هل أنت غاضب مني لأني فعلت؟
- لو كنت غاضباً منك لهذا السبب أو غيره لما كنا نتحدث الآن؟
(عواد): جيد.. أريدك أن تخرج معي
- حالة مستعصية؟
(عواد): لا لا أبداً ليس لدي حالات اليوم ولا غداً..
في الواقع لم أتلقَ طلباً منذ أيام
- هل تحتاج للمال؟
1
حالة ( عواد) المادية لم تكن جيدة ولم يملك وظيفة مع خريج جامعي لذا كنت أتفهم محاولته من وقت لآخر بإقناعي بأخذ بعض المال من الحالات التي كان يعالجها بالرغم من رفضي المستمر.
خشيت بعد فترة من أن يقع ضحية للإغراءت المادية التي كانت تأتيه خاصة من العائلات الغنية التي عالج بعض أفرادها فقررت أن أصرف له راتباً شهرياً استقطعته من راتبي الخاص ريثما أجد له عملاً يناسب شهادته وتخصصه.
10
(عواد) وهو يجلس بجانبي على السرير مبتسماً:
لا، الحمد **** ما تعطيني إياه يكفي
- ماذا تريد إذاً؟
(عواد): أن نخرج..
- لقد أوضحت لي ذلك.. لكن لماذا ؟ .. وإلى أين؟
(عواد): نحن لا نخرج معاً إلا لزيارة المرضى وأنا أرغب أن نخرج لسبب آخر أياً كان
- تقربك هذا يا (عواد) خارج عن المألوف ولم أعتده منك
(عواد) بخيبة أمل: حسناً كما تشاء
- أخبرني بالحقيقة دون تذاك وقد أفكر بالأمر
(عواد): في الحقيقة..
- نعم بالضبط .. الحقيقة.. هذا ما أريده...
(عواد) بتحرج غريب: أريد الزواج...
22
أنت مدرك بالطبع أن طلبك وفي هذا المكان بالذات وأنت على سريري غير لائق
38
(عواد) وهو ينهض عن طرف السرير بتوتر : لا لا أنت لم تفهمني !
- ما بك يا أحمق أنا أمازحك فقط !..
قلتها ضاحكاً ...
6
(عواد) بعبوس: لا تزدني توتراً أرجوك !
- حسناً.. حسناً.. ومن هي تعيسة الحظ ؟
19
(عواد): لمَ تقول ذلك؟
- هات ما عندك يا (عواد) ولا تمسك بكل كلمة تخرج من فمي
(عواد): هل ستتحدث بتلك الطريقة عندما نذهب إليهم ؟
- تذهب عند من؟
(عواد): عند أهل من سأخطبها
- وما شأني أنا كي تأخذني معك ؟ ..
خذ أمك أو أباك أو كليهما
(عواد) وهو يجلس بجانبي مرة أخرى ويبتسم بغياء:
سأفعل لكن بعد أن تفحصها
- .. (عواد)..
10
(عواد): لا لا .. افهمني..
- أفهم ماذا ؟!.. هل ستتزوج أم ستبتاع سيارة ؟؟
1
(عواد): أريدك أن تفحصها روحانياً وعن ما إذا كنا نليق بعضنا ببعض ؟
- ما هذا الكلام الفارغ ؟..
قلتها وأنا أدعك جبيني بأصابعي..
(عواد): لا تقل لي بأن التوافق الروحاني ليس مهماً في العلاقات الزوجية
- وماذا تريد أن أفحص بالضبط ؟.. قلتها منهكماً
(عواد): لا أعرف... ما الذي يفحص عادة في مثل هذه الأمور؟
- لا شيء لأنه لا توجد عادة من الأساس
(عواد): الكثير من الروحانيين يقومون بذلك
- هؤلاء نصابون محترفون لا أكثر
(عواد) بشيء من الخيبة معنى ذلك أنه لا يوجد فحص
- بل يوجد..
(عواد) منتشياً : حقاً؟!.. ما هو ؟!... وكيف أقوم به ؟!
- الفحص الطبي للمقبلين على الزواج ويمكنك أن تجده في أي مستشفى أو مستوصف وأنصحك أيضاً بأن تضيف إليه فحصاً عقلياً لك
35
(عواد): قل بأنك لا تريد مساعدتي لكن لا تسخر مني
- أساعدك في ماذا؟!..
قلتها وقد بدأت أتوتر من هذا الموضوع...
(عواد): في إجراء فحص لها يخبرني عن مدى صلاحيتها لي
2
- صلاحيتها ؟
(عواد): نعم.. لا أريد أن أرتبط بشخص غير مناسب لي
- صدقني أنها هي المخاطرة بهذا الارتباط..
ثم أخبرني كيف ستتزوج وأنت لا تعمل؟.. أم أنك تنوي الإنفاق على زوجتك من الراتب الذي أصرفه لك؟
1
(عواد): لا بالطبع .. بعد زواجي منها لن أحتاج للراتب الذي تصرفه
لي
- لمَ أحس أن زواجك هذا مشروع تجاري أكثر من كونه زواجاً؟
1
(عواد): وما المشكلة؟.. تنكح المرأة لأربع..
1
قاطعته وقلت :أعرف الحديث.. وأنت «استنكحها» لمالها؟
(عاد): نعم وما المشكلة؟
- وهي ستنكحك على ماذا؟
16
(عواد): ماذا تقصد؟
- لا شيء وعلى أي حال فهمك للحديث خاطئ...
(عواد) إلا هذه.. أنا آخذ منك أشياء كثيرة إلا علم الدين فلا تفتِ فيه أمامي
- سأقولها إبراء للذمة وأنت وشأنك فيما تفعله..
الحديث معناه أن عادة الناس أن يرغبوا في المرأة ويختاروها لصفات معينة متعارف عليها وهي الجمال والمال والحسب والدين، والأولى أن يكون الدين هدفهم الأول وإذا أضيف إلى الدين الجمال وغيره من الصفات الأخرى فذلك جيد لكن الحث ليس عليها
(عواد): لا أريد أن أدخل معك في نقاش ديني..
- ولا أنا.. هل تريد شيئاً آخر قبل أن ترحل؟
(عواد): من قال بأني سأرحل؟..
ثم أنت لم تحقق لي طلبي كي تسأل إذا كنت أريد شيئاً آخر
- طلبك لا معنى له يا (عواد)..
صل صلاة الاستخارة وادعِ **** بالتوفيق والهداية فقط
(عواد) مبتسماً: لم تسألني من هي؟
- تقصد تعيسة الحظ ؟
11
(عواد) وهو لا يزال يبتسم: نعم
2
- إن لم تكن إحدى قريباتي فلا يهم من تكون ولست ملزماً بنصحها بالابتعاد عنك
2
(عواد): اسمها (سعاد) وهي غنية جداً
- لا حاجة للسؤال عن تدينها إذاً لأني أرى أن سبب النكاح الأساسي حاضر ببالك
(عواد) : هل تريد معرفة كيف التقيت بها ؟
- في الحقيقة نعم.. أريد معرفة كيف لفتاة غنية مثلها أن تنجذب لشخص مثلك .. ليس انتقاصاً لك يا صديقي .. لكن .. أنت معدم مادياً .. ومظاهر التدين خلصناها منك.. والجمال بالرغم من أنه أمر نسبي إلا أنه بالتأكيد ليس في مصلحتك.. فما السر؟
25
(عواد) مبتسماً : هي أخت إحدى الحالات التي ما عالجتها وقد أعجبت بقدرتي على علاج حالة أختها المستعصية
- إذاً فهي قد أعجبت بعلمك ؟
(عواد): نعم يمكنك قول ذلك
- أنا لست موافقاً على هذا الزواج إذاً
(عواد): ماذا ؟!.. لماذا ؟!.. قلبي مرتاح لها!
- عندما تجد من يرتاح له قلبك اطلب المشورة من عقلك...
2
(عواد): وأنا أطلبها منك!
- ألم تأتِ هنا لتسألني عن رأيي؟.. هذا هو رأيي..
هي غير مناسبة لك وليس العكس
(عواد) بخيبة: لكن لما ؟ .. أخبرني بالسبب على الأقل
- لا تهتم للسبب...
(عواد): كيف لا أهتم؟.. أريد معرفة سبب رفضك زواجي منها !
- أنا لا أملك هذا الحق ولا أستطيع منعك بالقوة..
طلبت مشورتي وقدمتها لك.. لست ملزماً بها على الإطلاق
(عواد): بل أنا ملزم...
- وما الذي يلزمك ؟
(عواد): ثقتي بك.. لكن أريد تبريراً عله يخفف من الألم الذي أحس به الآن جراء تراجعي عن قرار الزواج من (سعاد)
3
- لا تقلق سوف تتجاوز هذه المحنة بسهولة وستنساها ...
صمت (عواد) وأنزل رأسه بخيبة أمل واضحة..
كنت أعرف أنه لن يقدم على تلك الخطوة دون مباركتي ولم أكن سأقدمها له مهما قال أو حاول إقناعي ..
لماذا؟ ..
لأن ذلك الزواج لم يكن سيبنى على أساس صحیح وسينتهي غالباً بالفشل..
أعرف أن المسألة قسمة ونصيب وما إلى ذلك لكن بعض الأمور تكون بدهية منذ البداية ولو كان اختياره موفقاً لتكفلت أنا بكل مصاريف زواجه حتى وإن كانت من اختارها ليست غنية تعاملت مع (عواد) كأخ وأهديته الحقيقة المرة قبل أن يتذوقها لاحقاً بنفسه قد يقول البعض وما الضير من التجربة والفشل ؟
هذا المبدأ هو أحد أسباب تدمير كثير من حياة الشباب والبنات وضياع مستقبل الكثير من الأطفال..
4
لن أكرر مقولة «الزواج ليس لعبة» لكنه حقاً ليس كذلك.
حدیث (عواد) معي ذلك اليوم أكد لي أنه لا يزال يملك بعض الرواسب من عقله القديم وحياته السابقة وهذا كان مؤشراً خطراً وجب علي أن أنتبه إليه ولا أغفل عنه لكني لم أفعل.
1
بعد هذا اللقاء بشهرين تزوج (عواد) من فتاة أسعدته بحق ولم تكن غنية مال لكنها كانت غنية روح وهذا ما كان يحتاجه في حياته..
14
شخصاً يحبه لنفسه وسيقف معه في السراء والضراء..
وحتى بعد أن شرح لها حالته المادية الضعيفة زاد تمسكها به وأخبرته بأنها لا تمانع أن تعيش معه في جميع الظروف حتى يفرجها **** عليه.
8
......