الرئيسية
ما الجديد
الأعضاء
الـتــيـــــــوب
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
سجل عضوية للتمتع بالمنتدى واكتساب مميزات حصريه منها عدم ظهور الإعلانات
قسم قصص السكس
قصص غير جنسية
بيت من لحم - للكاتب الراحل يوسف ادريس
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="صبرى فخرى" data-source="post: 87441" data-attributes="member: 2260"><p>الخاتم بجوار المصباح . الصمت يحل فتعمى الاذان . فى الصمت يتسلل الاصبع . يضع الخاتم. فى صمت ايضا يطفأ المصباح . والظلام يعم .</p><p></p><p>فى الظلام ايضا تعمى العيون. الارملة وبناتها الثلاث. والبيت حجرة. والبداية صمت .</p><p></p><p>* * *</p><p></p><p>الارملة طويلة بيضاء ممشوقة ، فى الخامسة والثلاثين. بناتها ايضا طويلات فائرات، لا يخلعن الثوب الكاسى الاسود بحداد او بغير حداد . صغراهن فى السادسة عشرة وكبراهن فى العشرين .. قبيحات ورثن جسد الاب الاسمر الملئ بالكتل غير المتناسقة والفجوات ، وبالكاد اخذن من الام العود .</p><p></p><p>الجحرة ، رغم ضيقها تسعهن فى النهار . رغم فقرها الشديد مرتبة انيقة ، يشيع فيها جو البيت وتحفل بلمسات الاناث الاربع . فى الليل تتناثر اجسادهن كأكوام من لحم دافئ حى ، بعضها فوق الفراش ، وبعضها حوله ، تتصاعد منها الانفاس حارة مؤرقة ، احيانا عميقة الشهيق .</p><p></p><p>الصمت خيم مذ مات الرجل ، والرجل مات من عامين بعد مرض طويل . انتهى الحزن وبقيت عادات الحزانى وابرزها الصمت .. صمت طويل لا يفرغ اذ كان فى الحقيقة صمت انتظار فالبنات كبرن والترقب طال والعرسان لا يجيئون . ومن المجنون الذى يدق باب الفقيرات القبيحات ، وبالذات اذا كن يتامى ؟ . ولكن الامل بالطبع موجود ، فلكل فولة كيال ولكل بنت عدلها . فاذا كان الفقر هناك فهناك دائما من هو افقر ، واذا كان القبح هناك فهناك دائما الاقبح والامانى تنال .. احيانا تنال بطول البال .</p><p></p><p>* * *</p><p></p><p>صمت لم يكن يقطعه الا صوت التلاوة … يتصاعد فى روتين لا جدة فيه ولا انفعال . والتلاوة لمقرئ ، والمقرئ كفيف ، والقراءة على روح المرحوم وميعادها لا يتغير .. عصر الجمعة يجئ بعصاه ينقر الباب ، ولليد الممدودة يستسلم ، وعلى الحصير يتربع . وحين ينتهى يتحسس الصندل ، ويلقى بتحية لا يحفل احد بردها ، ويمضى . بالتعود يجئ ..بالتعود يقرأ .. بالعادة يمضى ، حتى لم يعد يشعر به او ينتبه اليه احد ..</p><p></p><p>دائم هو الصمت ، حتى وتلاوة عصر الجمعة تقطعه اصبحت وكأنها قطع الصمت بصمت . دائم هو كالانتظار ، كالامل .. امل قليل ولكنه دائم، فهو امل فى الاقل . دائما هناك لكل قليل اقل ، وهن لا يتطلعن لاى اكثر .. ابدا لا يتطلعن .</p><p></p><p>يدوم الصمت حتى يحدث شئ .. يجئ عصر الجمعة ولا يجئ المقرئ . فلأى اتفاق مهما طال نهاية وقد انتهى الاتفاق .</p><p></p><p>وتدرك الارملة وبناتها الان فقط كنه ما تقدم ، ليس فقط الصوت الوحيد الذى كان يقطع الصمت ، ولكن ايضا الرجل الوحيد الذى كان ولو فى الاسبوع مرة يدق الباب ، بل اشياء اخرى يدركن .. فقير مثلهن هذا صحيح ، ولكن ملابسه ابدا كانت نظيفة ، وصندله دائما مطلى ، وعمامته ملفوفة بدقة يعجز عنها المبصرون ، وصوته قوى عميق رنان .</p><p></p><p>والاقتراح يبدأ : لماذا لا يجدد الاتفاق ومنذ الان ؟ ولماذا لا يرسل فى طلبه هذه اللحظة ؟ مشغول ، فليكن ! الانتظار ليس بالجديد . وقرب المغرب يأتى ، ويقرأ وكأنه اول مرة يقرأ ، والاقتراح ينشأ .. لماذا لا تتزوج احداهن رجلا يملأ علينا بصوته الدار ؟ هو اعزب لم يدخل دنيا ، وله شارب اخضر ، ولكنه شاب . وبالكلام يجر الكلام ، ها هو الاخر يبحث عن بنت الحلال .</p><p></p><p>البنات يقترحن والام تنظر فى وجوههن لتحدد من تكون صاحبة النصيب والاقتراح . ولكن الوجوه تزور مقترحة – فقط مقترحة – قائلة بغير الكلام : أنصوم ونفطر على أعمى ؟ هن مازلن يحلمن بالعرسان ، والعرسان عادة مبصرون ، مسكينات لم يعرفن بعد عالم الرجال ، ومحال أن يفهمن أن الرجل ليس بعينيه .</p><p></p><p>- تزوجيه انت يا أماه .. تزوجيه</p><p></p><p>- انا ؟ يا عيب الشوم ! .. والناس ؟</p><p></p><p>- يقولون ما يقولون .. قولهم اهون من بيت خال من رنين صوت الرجال .</p><p></p><p>- أتزوج قبلكن ؟ مستحيل</p><p></p><p>- اليس الافضل ان تتزوجى قبلنا ، ليعرف بيتنا قدم الرجال فنتزوج بعدك ؟ تزوجيه يا اماه</p><p></p><p>وتزوجته .. زاد عدد الانفس واحدة ، وزاد الرزق قليلا ، ونشأت مشكلة اكبر .</p><p></p><p>الليلة الاولى انقضت وهما فى فراشهما ، هذا صحيح ولكنهما حتى لم يجسرا على الاقتراب .. ولو صدفه ! .. فالبنات الثلاث نائمات ، ولكن من كل منهن ينصب زوج من الكشافات المصوبة بدقة الى المسافة الكائنة بينهما .. كشافات عيون ، وكشافات آذان ، وكشافات احساس . البنات كبيرات ، عارفات ومدركات ، والحجرة كأنما تحولت بوجودهن الصاحى الى ضوء نهار . ولكن بالنهار لم تعد ثمة حجة ، وواحدة وراء الاخرى تسللن ولم يعدن الا قرب الغروب ، مترددات خجلات يقدمن رجلا ويؤخرن رجلا ، حتى يزددن قربا وحينذاك يدهشهن .. يربكهن .. يجعلهن يسرعن ضحكات .. قهقهات رجل تتخللها سخسخات امراة .. امهن لابد تضحك ، والرجل الذى ما سمعنه الا مؤدبا خاشعا ها هو يضحك ! بالاحضان قابلتهن ولا تزال تضحك ، راسها عار وشعرها مبلل ممشط ولا تزال تضحك ، وجهها .. ذلك الذى ادركن للتو انه كان مجرد فانوس مطفأ عشعش فيه العنكبوت والتجعيدات ، فجأة انار ، ها هو امامهن كلمبة الكهرباء مضئ . ها هى عيونها تلمع وقد ظهرت وبانت وتلألأت بالدمع الضاحك .. تلك التى كانت مستكنة فى قاع المحجر .</p><p></p><p>الصمت تلاشى واختفى تماما ، على العشاء وقبل العشاء وبعد العشاء نكت تترى واحاديث وغناء ! صوته حلو وهو يغنى ويقلد ام كلثوم وعبد الوهاب ، صوته عال اجش بالسعادة يلعلع .</p><p></p><p>خيرا فعلت يا اماه ! وغدا تجذب الضحكات الرجال ، فالرجال طعم الرجال .</p><p></p><p>نعم يا بنات ، غدا يجئ الرجال ويهل العرسان . ولكن الحق ان ما اصبح يشغلها ليس الرجال او العرسان ولكنه ذلك الشاب كفيف فليكن ، فما اكثر ما نعمى عن رؤية الناس لمجرد انهم عميان . هذا الشاب القوى المتدفق قوة وصحة وحياة ، ذلك الذى عوضها عن سنين المرض والعجز والكبر بغير أوان .</p><p></p><p>الصمت تلاشى وكأن الى غير رجعة ، ضجيج الحياة دب . الزوج زوجها وحلالها وعلى سنة **** و****ه ، فماذا يعيب ؟ وكل ما تفعله جائز ، حتى وهى لم تعد تحفل بالمواربة او بكتمان الاسرار . حتى والليل يجئ وهم جميعا معا ، فيطلق العقال للارواح والاجساد، حتى والبنات مبعثرات متباعدات يفهمن ويدركن وتتهدج منهن الانفاس والاصوات ، مسمرات فى مراقدهن يحبسن الحركة والسعال .. تظهر الاهات فجأة فتكتمها الاهات .</p><p></p><p>كان نهارها "غسيل " فى بيوت الاغنياء ، ونهاره قراءة فى بيوت الفقراء ، ولم يكن من عادته اول الامر ان يؤوب الى الحجرة ظهرا ، ولكن لما الليل عليه طال والسهر اصبح يمتد ، بدأ يؤوب ساعة الظهر يريح جسده ساعة من عناء ليل ولى واستعدادا لليل قادم . وذات مرة بعدما شبعا من الليل وشبع الليل منهما ، سألها فجأة عما كان بها ساعة الظهر، ولماذا هى منطلقة تتكلم الان ومعتصمة بالصمت التام ساعتها ؟ ولماذا تضع الخاتم العزيز عليه الان – اذ هو كل ما كلفه الزواج من دبلة ومهر وشبكة وهدايا – ولماذا لم تكن تضعه ساعتها؟</p><p></p><p>كان ممكنا ان تنتفض هالعة واقفة صارخة . كان ممكنا ان تجن . كان ممكنا ان يقتله احد . فليس لما يقوله الا معنى واحد ، ما اغربه وابشعه من معنى !</p><p></p><p>ولكن غصة خانقة حبست كل هذا وحبست معه انفاسها .. سكتت . بآذانها التى حولتها الى انوف وحواس وعيون راحت تتسمع وهمها الاول ان تعرف الفاعلة . انها متأكدة لامر ما انها الوسطى . ان فى عينيها جرأة لا يقتلها الرصاص اذا اطلق .. ولكنها تتسمع الانفاس الثلاثة تتعالى عميقة حارة كأنها محمومة .. ساخنة بالصبا تجأر ، تتردد ، تنقطع ، احلام حرام تقطعها .. انفاس باضطرابها تتحول الى فحيح .. فحيح كالصهد الذى تنفثه اراض عطشى ، والغصة تزداد عمقا واحتباسا . انها انفاس جائعات ما تسمع، بكل شحذها لحواسها لا تستطيع ان تفرق بين كومة لحم حى ساخنة مكتومة وكومة اخرى . كلها جائعة ! كلها تصرخ وتئن ، وانينها يتنفس ليس انفاسا ، ربما استغاثات . ربما رجوات .. ربما ما هو اكثر .</p><p></p><p>غرقت فى حلالها الثانى ونسيت حلالها الاول .. بناتها ! والصبر اصبح علقما ، وحتى سراب العرسان لم يعد يظهر . فجأة ملسوعة ها هى كمن استيقظ مرعوبا على نداء خفى .. البنات جائعات ! الطعام حرام صحيح ولكن الجوع احرم .. ابدا ليس مثل الجوع حرام ! انها تعرفه .. عرفها ويبس روحها ومص عظامها ، وتعرفه – وشبعت ما شبعت – مستحيل ان تنسى مذاقه .</p><p></p><p>جائعات وهى التى كانت تخرج اللقمة من فمها لتطعمهن … هى التى كان همها حتى لو جاعت ان تطعمهن ، هى الام ، انسيت ؟</p><p></p><p>والح مهما الح تحولت الغصة الى صمت. الام صمتت ومن لحظتها لم يغادرها الصمت .</p><p></p><p>وعلى الافطار كانت – كما قدرت تماما- الوسطى صامتة</p><p></p><p>وعلى الدوام ظلت صامتة</p><p></p><p>والعشاء يجئ والشاب – سعيدا وكفيفا ومستمتعا – ينكت لا يزال و يغنى ويضحك ولا يشاركه الضحك الا الصغرى والكبرى فقط .</p><p></p><p>ويطول الصبر ويتحول علقمه الى مرض ولا احد يطل .</p><p></p><p>وتتأمل الكبرى ذات يوم خاتم امها فى اصبعها وتبدى الاعجاب به ، ويدق قلب الام وتزداد دقاته وهى تطلب منها ان تضعه ليوم ، لمجرد يوم واحد لا غير . وفى صمت تسحبه من اصبعها . وفى صمت تضعه الكبرى فى اصبعها المقابل .</p><p></p><p>وعلى العشاء التالى تصمت الكبرى وتأبى النطق</p><p></p><p>والكفيف الشاب يصخب ويغنى ويضحك، والصغرى تشاركه</p><p></p><p>ولكن الصغرى تصبح – بالصبر والهم وقلة البخت – اكبر ، وتبدأ تسأل عن دورها فى لعبة الخاتم ، وفى صمت تنال الدور .</p><p></p><p>والخاتم بجوار المصباح … الصمت يحل فتعمى الآذان . وفى الصمت يتسلل الاصبع صاحب الدور ويضع الخاتم فى صمت ايضا ويطفئ المصباح والظلام يعم ، وفى الظلام تعمى العيون . ولا يبقى صاخبا منكتا مغنيا ، الا الكفيف الشاب .فوراء صخبه وضجته تكمن رغبة تكاد تجعله يثور على الصمت وينهال عليه تكسيرا . انه هو الاخريريد ان يعرف .. عن يقين يعرف . كان اول الامر يقول لنفسه انها طبيعة المرأة التى تأبى البقاء على حال واحد ، فهى طازجة صابحة كقطر الندى مرة ، ومنهكة مستهلكة كماء البرك مرة اخرى . ناعمة كملمس ورق الورد مرة . خشنة كنبات الصبار مرة اخرى . الخاتم دائم وموجود صحيح ،ولكن وكأنما الاصبحع الذى يطبق عليه كل مرة اصبع انه يكاد يعرف، وهن بالتأكيد كلهن يعرفن، فلماذا لا يتكلم الصمت ؟ لماذا لا ينطق ؟</p><p></p><p>ولكن السؤال يباغته ذات عشاء، ماذا لو نطق الصمت ؟ ماذا لو تكلم ؟</p><p></p><p>مجرد التساؤل اوقف اللقمة فى حلقه</p><p></p><p>ومن لحظتها لاذ بالصمت تماما وابى ان يغادره</p><p></p><p>بل هو الذى اصبح خائفا ان يحدث المكروه مرة ويخدش الصمت . ربما كلمة واحدة تفلت فينهار لها بناء الصمت كله ، والويل له لو انهار بناء الصمت</p><p></p><p>الصمت المختلف الغريب الذى اصبح يلوذ به الكل</p><p></p><p>الصمت الارادى هذه المرة ، لا الفقر ، لا القبح ، لا الصبر ولا اليأس سببه .</p><p></p><p>انما هو اعمق انواع الصمت ، فهو الصمت المتفق عليه اقوى انواع الاتفاق ، ذلك الذى يتم بلا اى اتفاق</p><p></p><p>* * *</p><p></p><p>الارملة وبناتها الثلاث</p><p></p><p>والبيت حجرة</p><p></p><p>والصمت الجديد</p><p></p><p>والمقرئ الكفيف الذى جاء معه بذلك الصمت ، وبالصمت راح يؤكد لنفسه ان شريكته فى الفراش على الدوام هى زوجه وحلاله وزلاله وحاملة خاتمه ، تتصابى مرة او تشيخ ، تنعم او تخشن ، ترفع او تسمن ، هذا شأنها وحدها ، بل هذا شأن المبصرين ومسئوليتهم وحدهم ! هم الذين يملكون نعمة اليقين ، اذا هم القادرون على التمييز . واقصى ما يستطيعه هو ان يشك ، شك لا يمكن ان يصبح يقينا الا بنعمة البصر ، ومادام محروما منه فسيظل محروما من اليقين ، اذ هو الاعمى ، وليس على الاعمى حرج</p><p></p><p>ام على الاعمى حرج ؟</p><p></p><p></p><p></p><p>ملحوظة</p><p></p><p>هذه القصه ...هى احدى روائع الادب....لأسطورة القصة القصيره....الاديب الكبير..يوسف ادريس</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="صبرى فخرى, post: 87441, member: 2260"] الخاتم بجوار المصباح . الصمت يحل فتعمى الاذان . فى الصمت يتسلل الاصبع . يضع الخاتم. فى صمت ايضا يطفأ المصباح . والظلام يعم . فى الظلام ايضا تعمى العيون. الارملة وبناتها الثلاث. والبيت حجرة. والبداية صمت . * * * الارملة طويلة بيضاء ممشوقة ، فى الخامسة والثلاثين. بناتها ايضا طويلات فائرات، لا يخلعن الثوب الكاسى الاسود بحداد او بغير حداد . صغراهن فى السادسة عشرة وكبراهن فى العشرين .. قبيحات ورثن جسد الاب الاسمر الملئ بالكتل غير المتناسقة والفجوات ، وبالكاد اخذن من الام العود . الجحرة ، رغم ضيقها تسعهن فى النهار . رغم فقرها الشديد مرتبة انيقة ، يشيع فيها جو البيت وتحفل بلمسات الاناث الاربع . فى الليل تتناثر اجسادهن كأكوام من لحم دافئ حى ، بعضها فوق الفراش ، وبعضها حوله ، تتصاعد منها الانفاس حارة مؤرقة ، احيانا عميقة الشهيق . الصمت خيم مذ مات الرجل ، والرجل مات من عامين بعد مرض طويل . انتهى الحزن وبقيت عادات الحزانى وابرزها الصمت .. صمت طويل لا يفرغ اذ كان فى الحقيقة صمت انتظار فالبنات كبرن والترقب طال والعرسان لا يجيئون . ومن المجنون الذى يدق باب الفقيرات القبيحات ، وبالذات اذا كن يتامى ؟ . ولكن الامل بالطبع موجود ، فلكل فولة كيال ولكل بنت عدلها . فاذا كان الفقر هناك فهناك دائما من هو افقر ، واذا كان القبح هناك فهناك دائما الاقبح والامانى تنال .. احيانا تنال بطول البال . * * * صمت لم يكن يقطعه الا صوت التلاوة … يتصاعد فى روتين لا جدة فيه ولا انفعال . والتلاوة لمقرئ ، والمقرئ كفيف ، والقراءة على روح المرحوم وميعادها لا يتغير .. عصر الجمعة يجئ بعصاه ينقر الباب ، ولليد الممدودة يستسلم ، وعلى الحصير يتربع . وحين ينتهى يتحسس الصندل ، ويلقى بتحية لا يحفل احد بردها ، ويمضى . بالتعود يجئ ..بالتعود يقرأ .. بالعادة يمضى ، حتى لم يعد يشعر به او ينتبه اليه احد .. دائم هو الصمت ، حتى وتلاوة عصر الجمعة تقطعه اصبحت وكأنها قطع الصمت بصمت . دائم هو كالانتظار ، كالامل .. امل قليل ولكنه دائم، فهو امل فى الاقل . دائما هناك لكل قليل اقل ، وهن لا يتطلعن لاى اكثر .. ابدا لا يتطلعن . يدوم الصمت حتى يحدث شئ .. يجئ عصر الجمعة ولا يجئ المقرئ . فلأى اتفاق مهما طال نهاية وقد انتهى الاتفاق . وتدرك الارملة وبناتها الان فقط كنه ما تقدم ، ليس فقط الصوت الوحيد الذى كان يقطع الصمت ، ولكن ايضا الرجل الوحيد الذى كان ولو فى الاسبوع مرة يدق الباب ، بل اشياء اخرى يدركن .. فقير مثلهن هذا صحيح ، ولكن ملابسه ابدا كانت نظيفة ، وصندله دائما مطلى ، وعمامته ملفوفة بدقة يعجز عنها المبصرون ، وصوته قوى عميق رنان . والاقتراح يبدأ : لماذا لا يجدد الاتفاق ومنذ الان ؟ ولماذا لا يرسل فى طلبه هذه اللحظة ؟ مشغول ، فليكن ! الانتظار ليس بالجديد . وقرب المغرب يأتى ، ويقرأ وكأنه اول مرة يقرأ ، والاقتراح ينشأ .. لماذا لا تتزوج احداهن رجلا يملأ علينا بصوته الدار ؟ هو اعزب لم يدخل دنيا ، وله شارب اخضر ، ولكنه شاب . وبالكلام يجر الكلام ، ها هو الاخر يبحث عن بنت الحلال . البنات يقترحن والام تنظر فى وجوههن لتحدد من تكون صاحبة النصيب والاقتراح . ولكن الوجوه تزور مقترحة – فقط مقترحة – قائلة بغير الكلام : أنصوم ونفطر على أعمى ؟ هن مازلن يحلمن بالعرسان ، والعرسان عادة مبصرون ، مسكينات لم يعرفن بعد عالم الرجال ، ومحال أن يفهمن أن الرجل ليس بعينيه . - تزوجيه انت يا أماه .. تزوجيه - انا ؟ يا عيب الشوم ! .. والناس ؟ - يقولون ما يقولون .. قولهم اهون من بيت خال من رنين صوت الرجال . - أتزوج قبلكن ؟ مستحيل - اليس الافضل ان تتزوجى قبلنا ، ليعرف بيتنا قدم الرجال فنتزوج بعدك ؟ تزوجيه يا اماه وتزوجته .. زاد عدد الانفس واحدة ، وزاد الرزق قليلا ، ونشأت مشكلة اكبر . الليلة الاولى انقضت وهما فى فراشهما ، هذا صحيح ولكنهما حتى لم يجسرا على الاقتراب .. ولو صدفه ! .. فالبنات الثلاث نائمات ، ولكن من كل منهن ينصب زوج من الكشافات المصوبة بدقة الى المسافة الكائنة بينهما .. كشافات عيون ، وكشافات آذان ، وكشافات احساس . البنات كبيرات ، عارفات ومدركات ، والحجرة كأنما تحولت بوجودهن الصاحى الى ضوء نهار . ولكن بالنهار لم تعد ثمة حجة ، وواحدة وراء الاخرى تسللن ولم يعدن الا قرب الغروب ، مترددات خجلات يقدمن رجلا ويؤخرن رجلا ، حتى يزددن قربا وحينذاك يدهشهن .. يربكهن .. يجعلهن يسرعن ضحكات .. قهقهات رجل تتخللها سخسخات امراة .. امهن لابد تضحك ، والرجل الذى ما سمعنه الا مؤدبا خاشعا ها هو يضحك ! بالاحضان قابلتهن ولا تزال تضحك ، راسها عار وشعرها مبلل ممشط ولا تزال تضحك ، وجهها .. ذلك الذى ادركن للتو انه كان مجرد فانوس مطفأ عشعش فيه العنكبوت والتجعيدات ، فجأة انار ، ها هو امامهن كلمبة الكهرباء مضئ . ها هى عيونها تلمع وقد ظهرت وبانت وتلألأت بالدمع الضاحك .. تلك التى كانت مستكنة فى قاع المحجر . الصمت تلاشى واختفى تماما ، على العشاء وقبل العشاء وبعد العشاء نكت تترى واحاديث وغناء ! صوته حلو وهو يغنى ويقلد ام كلثوم وعبد الوهاب ، صوته عال اجش بالسعادة يلعلع . خيرا فعلت يا اماه ! وغدا تجذب الضحكات الرجال ، فالرجال طعم الرجال . نعم يا بنات ، غدا يجئ الرجال ويهل العرسان . ولكن الحق ان ما اصبح يشغلها ليس الرجال او العرسان ولكنه ذلك الشاب كفيف فليكن ، فما اكثر ما نعمى عن رؤية الناس لمجرد انهم عميان . هذا الشاب القوى المتدفق قوة وصحة وحياة ، ذلك الذى عوضها عن سنين المرض والعجز والكبر بغير أوان . الصمت تلاشى وكأن الى غير رجعة ، ضجيج الحياة دب . الزوج زوجها وحلالها وعلى سنة **** و****ه ، فماذا يعيب ؟ وكل ما تفعله جائز ، حتى وهى لم تعد تحفل بالمواربة او بكتمان الاسرار . حتى والليل يجئ وهم جميعا معا ، فيطلق العقال للارواح والاجساد، حتى والبنات مبعثرات متباعدات يفهمن ويدركن وتتهدج منهن الانفاس والاصوات ، مسمرات فى مراقدهن يحبسن الحركة والسعال .. تظهر الاهات فجأة فتكتمها الاهات . كان نهارها "غسيل " فى بيوت الاغنياء ، ونهاره قراءة فى بيوت الفقراء ، ولم يكن من عادته اول الامر ان يؤوب الى الحجرة ظهرا ، ولكن لما الليل عليه طال والسهر اصبح يمتد ، بدأ يؤوب ساعة الظهر يريح جسده ساعة من عناء ليل ولى واستعدادا لليل قادم . وذات مرة بعدما شبعا من الليل وشبع الليل منهما ، سألها فجأة عما كان بها ساعة الظهر، ولماذا هى منطلقة تتكلم الان ومعتصمة بالصمت التام ساعتها ؟ ولماذا تضع الخاتم العزيز عليه الان – اذ هو كل ما كلفه الزواج من دبلة ومهر وشبكة وهدايا – ولماذا لم تكن تضعه ساعتها؟ كان ممكنا ان تنتفض هالعة واقفة صارخة . كان ممكنا ان تجن . كان ممكنا ان يقتله احد . فليس لما يقوله الا معنى واحد ، ما اغربه وابشعه من معنى ! ولكن غصة خانقة حبست كل هذا وحبست معه انفاسها .. سكتت . بآذانها التى حولتها الى انوف وحواس وعيون راحت تتسمع وهمها الاول ان تعرف الفاعلة . انها متأكدة لامر ما انها الوسطى . ان فى عينيها جرأة لا يقتلها الرصاص اذا اطلق .. ولكنها تتسمع الانفاس الثلاثة تتعالى عميقة حارة كأنها محمومة .. ساخنة بالصبا تجأر ، تتردد ، تنقطع ، احلام حرام تقطعها .. انفاس باضطرابها تتحول الى فحيح .. فحيح كالصهد الذى تنفثه اراض عطشى ، والغصة تزداد عمقا واحتباسا . انها انفاس جائعات ما تسمع، بكل شحذها لحواسها لا تستطيع ان تفرق بين كومة لحم حى ساخنة مكتومة وكومة اخرى . كلها جائعة ! كلها تصرخ وتئن ، وانينها يتنفس ليس انفاسا ، ربما استغاثات . ربما رجوات .. ربما ما هو اكثر . غرقت فى حلالها الثانى ونسيت حلالها الاول .. بناتها ! والصبر اصبح علقما ، وحتى سراب العرسان لم يعد يظهر . فجأة ملسوعة ها هى كمن استيقظ مرعوبا على نداء خفى .. البنات جائعات ! الطعام حرام صحيح ولكن الجوع احرم .. ابدا ليس مثل الجوع حرام ! انها تعرفه .. عرفها ويبس روحها ومص عظامها ، وتعرفه – وشبعت ما شبعت – مستحيل ان تنسى مذاقه . جائعات وهى التى كانت تخرج اللقمة من فمها لتطعمهن … هى التى كان همها حتى لو جاعت ان تطعمهن ، هى الام ، انسيت ؟ والح مهما الح تحولت الغصة الى صمت. الام صمتت ومن لحظتها لم يغادرها الصمت . وعلى الافطار كانت – كما قدرت تماما- الوسطى صامتة وعلى الدوام ظلت صامتة والعشاء يجئ والشاب – سعيدا وكفيفا ومستمتعا – ينكت لا يزال و يغنى ويضحك ولا يشاركه الضحك الا الصغرى والكبرى فقط . ويطول الصبر ويتحول علقمه الى مرض ولا احد يطل . وتتأمل الكبرى ذات يوم خاتم امها فى اصبعها وتبدى الاعجاب به ، ويدق قلب الام وتزداد دقاته وهى تطلب منها ان تضعه ليوم ، لمجرد يوم واحد لا غير . وفى صمت تسحبه من اصبعها . وفى صمت تضعه الكبرى فى اصبعها المقابل . وعلى العشاء التالى تصمت الكبرى وتأبى النطق والكفيف الشاب يصخب ويغنى ويضحك، والصغرى تشاركه ولكن الصغرى تصبح – بالصبر والهم وقلة البخت – اكبر ، وتبدأ تسأل عن دورها فى لعبة الخاتم ، وفى صمت تنال الدور . والخاتم بجوار المصباح … الصمت يحل فتعمى الآذان . وفى الصمت يتسلل الاصبع صاحب الدور ويضع الخاتم فى صمت ايضا ويطفئ المصباح والظلام يعم ، وفى الظلام تعمى العيون . ولا يبقى صاخبا منكتا مغنيا ، الا الكفيف الشاب .فوراء صخبه وضجته تكمن رغبة تكاد تجعله يثور على الصمت وينهال عليه تكسيرا . انه هو الاخريريد ان يعرف .. عن يقين يعرف . كان اول الامر يقول لنفسه انها طبيعة المرأة التى تأبى البقاء على حال واحد ، فهى طازجة صابحة كقطر الندى مرة ، ومنهكة مستهلكة كماء البرك مرة اخرى . ناعمة كملمس ورق الورد مرة . خشنة كنبات الصبار مرة اخرى . الخاتم دائم وموجود صحيح ،ولكن وكأنما الاصبحع الذى يطبق عليه كل مرة اصبع انه يكاد يعرف، وهن بالتأكيد كلهن يعرفن، فلماذا لا يتكلم الصمت ؟ لماذا لا ينطق ؟ ولكن السؤال يباغته ذات عشاء، ماذا لو نطق الصمت ؟ ماذا لو تكلم ؟ مجرد التساؤل اوقف اللقمة فى حلقه ومن لحظتها لاذ بالصمت تماما وابى ان يغادره بل هو الذى اصبح خائفا ان يحدث المكروه مرة ويخدش الصمت . ربما كلمة واحدة تفلت فينهار لها بناء الصمت كله ، والويل له لو انهار بناء الصمت الصمت المختلف الغريب الذى اصبح يلوذ به الكل الصمت الارادى هذه المرة ، لا الفقر ، لا القبح ، لا الصبر ولا اليأس سببه . انما هو اعمق انواع الصمت ، فهو الصمت المتفق عليه اقوى انواع الاتفاق ، ذلك الذى يتم بلا اى اتفاق * * * الارملة وبناتها الثلاث والبيت حجرة والصمت الجديد والمقرئ الكفيف الذى جاء معه بذلك الصمت ، وبالصمت راح يؤكد لنفسه ان شريكته فى الفراش على الدوام هى زوجه وحلاله وزلاله وحاملة خاتمه ، تتصابى مرة او تشيخ ، تنعم او تخشن ، ترفع او تسمن ، هذا شأنها وحدها ، بل هذا شأن المبصرين ومسئوليتهم وحدهم ! هم الذين يملكون نعمة اليقين ، اذا هم القادرون على التمييز . واقصى ما يستطيعه هو ان يشك ، شك لا يمكن ان يصبح يقينا الا بنعمة البصر ، ومادام محروما منه فسيظل محروما من اليقين ، اذ هو الاعمى ، وليس على الاعمى حرج ام على الاعمى حرج ؟ ملحوظة هذه القصه ...هى احدى روائع الادب....لأسطورة القصة القصيره....الاديب الكبير..يوسف ادريس [/QUOTE]
إدراج الإقتباسات…
التحقق
1+1
رد
قسم قصص السكس
قصص غير جنسية
بيت من لحم - للكاتب الراحل يوسف ادريس
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز ) للمساعدة في تخصيص المحتوى وتخصيص تجربتك والحفاظ على تسجيل دخولك إذا قمت بالتسجيل.
من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.
موافق
معرفة المزيد…
أعلى
أسفل