احم احم فى البدايه حابب أقول إن القصه دي كتبتها بناءاً علشان خاطر أحد الأصدقاء لكن فعلياً أنا زى ما أعلنت قبل كده وقفت كتابه لكن رجعت لأجله و لأجل سبب تانى و هو آخر أجزائى قبل الاعتزال
اينعم الجزء الأخير مو قصة المتمرد فيه حاجات تخص القصه هتظهر هنا فى القصه دى و اصريت أدخل ده هنا اعتذاراً منى مره تانيه لمحبى القصه هناك و لو حسيت إن عايزين سلسله تالته ف الأحداث هنا هتساعد على ده و تمهيديه ل ده و لكن …. القصه هنا ملهاش علاقه بيها …
اخيرا بقى فالقصه من كتابتى و تأليفى و خيالى أنا و إن حدث و تواجد تشابه بها مع قصة أخرى فهو بالتأكيد صدفه و الآن..
اعزائي محبى و متابعى عالم سولانسيث أهلا بكم فى الجزء الأول من السلسله اللى هتكون جزء أسبوعى إن شاء اللـه و هيكون الجزء اخر الأسبوع دائما أى يوم من الخميس و الجمعه و السبت.
و دلوقتى كوباية العصير و يلا بينا نخش فى التفاصيل.
" بداية الجزء "
النهارده أنا جاى احكيلك حكايه كبيره لا تخطر على بال ولا عقل انسان حتى بطلها نفسه عمره ما كان يتوقع أنه هيوصل للى وصله أو هيحصل معاه اللى حصله.
القدر أختاره لرحله غريبة ، رحله لبلاد لم يعلم عنها شيئاً قبل أن تطأها قدمه.
هو آدم محمد الحسيني شاب عنده ٢٥ سنة لسه تاممها من ايام بسيطه ، عنده ٣ أخوات وهو أصغرهم.
آدم مترزقش فى الدنيا بأى شئ من الثلاثى الذهبى : السلطه ، المال ، الجمال.
آدم مكنش وسيم شاب عادى خالص ملامحه عاديه بشرته قمحيه ، و عن ظروف معيشته فكان اللى جاى على قد اللى رايح حالتهم كانت على قدها.
آدم طويل و عريض لكن عنده كرش صغير اتكون مع الوقت من أكل الشارع الوجبات السريعه من أسرع الطرق لاكتساب الوزن و ضياع الصحه.
بشرته قمحيه ، عيونه سوداء ، شعره أسود خشن زيه زى كتير من أبناء الطبقة اللي بينتمي ليها.
آدم مدخلش الجامعه فهو خريج ثانوية عامه خلص دراسته بالعافيه و كان نفسه يكمل و يدخل كليه لكن ده لم يقدر له.
آدم كان شعبه ادبيه و متعتقدش أنه علشان كان ادبى أن ذكاءه محدود إطلاقاً ، آدم كان ذكى محب للقراءه و مجتهد لكن زى ما قولت الظروف مساعدتش.
قصدت بالظروف هى الظروف المادية بكل تأكيد ، كان عنده أمل يدخل اقتصاد وعلوم سياسية و كان بيمنى نفسه أخواته يساعدوه لكن صدمته لما سمع اخوه الكبير…
الأخ الأكبر : بص يا آدم… مجموعك حلو، ماشي مختلفناش بس تفتكر أى كليه من المتاحين دول هيشغلوك إيه ؟؟
أنا كنت ممكن أساعد، بس لو دخلت حاجة ليها مستقبل، زي طب أو هندسة…
إنما إنت صمّمت تدخل أدبي، أهو بقى شيل شيلتك !
العيلة مكانتش شايفة فايدة من أي كلية… إلا لو كانت طب أو هندسة
كانوا مستعدّين يتحمّلوا مصاريف وكُلفة، بس في كليات "قمة" زي ما بيقولوا.
مش كلام من عندي ده اللي أخوه الكبير قالهوله زى ما قريت من لحظات.
آدم كان عارف هو بيعمل إيه ، اختار الأدبي لأنه كان شايف إنه أخف وأسهل في المذاكرة ، خصوصًا إنه وقتها كان شغال، وشُغله بياخد منه اليوم كله تقريبًا.
لف كتير بين شغل وشغل، لحد ما الدنيا دوّرته ورمته…وساقت خطوته لحد هنا فى السجن و النهارده أولى أيامه !!
" في السجن "
"ثاااااااااااااابت!" صوت العسكري خرّج الكلمة كأنها طلقة مدفع، ودان الناس العاديه ممكن تطرش من قوتها ، لكن المساجين كانوا متعودين.
كل المساجين وقفوا في صفوف منتظمة ، مقسمين لأربع مجموعات، وكل مجموعة فيها أربع صفوف بالطول، لابسين نفس الزي: طاقية، وتيشيرت، وبنطلون، كله بلون واحد.
العساكر خدوا أماكنهم، والضباط واقفين مستنيين المأمور يدخل عشان يبدأ كلمته الصباحية اللي دايمًا بيستعرض فيها نفسه قدام المستجدين.
أول ما العسكري قال "ثابت"، الكل وقف و جز على سنانه ، أصل الكلمة دي معناها إن المأمور داخل، وفعلاً بعد لحظات دخل بعينه الحادة ووشّه اللي مش بيعرف يبتسم.
سكت الكل، وساد الصمت، لحد ما بدأ المأمور يتكلم :
القدام عارفيني، والجُداد أكيد سمعوا عني…
أنا هنا شايفكم نوعين:
نوع خاضع ومطيع، بيمشي عالسطر من غير ما شيطانه يوسوسله،
ونوع تاني… النوع اللي بحبه!
اللي عايز ياخد بأوسخ جزمة، ويتعامل زي النَكِرة!
خليكم عارفين اللي يلتزم… يأمن شرّي.
واللي يفكر يلاوع… ياخد بالجزمة… وبرضه هيلتزم!"
خلص كلمته، و بإشارة بسيطة، سلّم الطابور لضابط جنبه، واللي تولّى بقيّة الفقرة، وبعدها استعد الكل لوجبة الفطار.
"في قاعة الأكل"
في قاعة الأكل، اللي كانت كبيرة، المساجين كل واحد قعد في مكانه، وآدم كان من ضمن المستجدين.
خلص وقت الفطار، وكل واحد رجع زنزانته، وآدم طلع فوق السرير العلوي.
" في الزنزانة "
آدم طلع السرير العلوي، تحت عيون كام سجين من القدام، واللي كانوا بيبصوا له بنظرات لا تبشر بالخير، كأنهم متفقين ضمنيًا إن ده هو اللي عليه الدور النهاردة.
الثلاثة اتحركوا ناحيته، وبدأ كبيرهم، هاني، يتكلم:
هاني: هو الشبح جاي في إيه؟
آدم: هو إنت مالك؟
سجين تاني: رد عالكبير عدل يالا !
آدم: كبير على أي حد إلا أنا !
سجين تالت : وكمان بتقاوح ؟
كان هيضربه بكف يسطله لولا إن صوت عالى و قوى جه من وراهم وقفهم :
إياك تقرب منه !
الكل لف للصوت، وطلع من واحد مستجد برضه، بس جسمه غير جسم آدم خالص…
باين عليه القوه ، متربي على الجيم والتغذية، وشعره ناعم، وشكله نظيف، نضيف على أنه يقعد مع اشكال زى دى .
اللي كان ناوي يضرب آدم ضحك باستهزاء و مهموش، لأنه مؤمن بمبدأ..
الكثره تغلب الشجاعه
كمان اللي قدامهم ده شكله من الناس اللي مش متعودة على جو السجون.
سجين :و إنت بقى مين يا نوغة، علشان تقول كده؟"
علي (بغضب): أنا علي النويري… يا روح أمك.
وما كملش الكلمة، إلا وكان نازل عليه ببوكس مفاجئ فى وشه الاتنين الباقيين اتفاجئوا، بس العركه بدأت مفيش تراجع خلاص.
هاني طلع مطواة من جوه بنطلونه ، و بدأ يهوش بيها من ناحية ، والثاني بيقرب من علي من الناحية التانية…
أما التالت فاتجه لآدم، وبدأت خناقة سخنة بين الاتنين.
علي كان بيبص يمين وشمال، مش عارف يضرب مين الأول، خايف يهجم على واحد فالتاني يمسكه…
لحد ما لمح قماشة على الأرض قرر أنه هيعمل حركه مجنونه رمى جسمه على الأرض ياخدها فهاني حاول يغوزه بالمطواة !
بس علي كان أسرع… مسك المطواة بالقماشة، وضرب هاني برجله بين بضانه ، خلاه يقع يتلوّى.
وقع هاني، و المطواة طاحت منه، و علي داس عليها برجله، وبدأ يحاول يضرب بدراعه القوي على التانى اللى واقف فى وشه.
الناحيه التانيه آدم كان بيحاول يضرب واحد جسمه ضخم، كبير، أيديه عاملة زي الطوب…
آدم حاول يضربه في بطنه، بس الضخم مسك إيده، وراح نازل عليه ببوكس في وشه، خلاه يدوخ.
الضخم مسك آدم من ناحية، و بعزم ما فيه و فى بطنه ، صرخ آدم من الوجع.
في الوقت ده ، علي كان لسه بيتخانق مع هانى و اللى معاه تحديداً بيضرب في اللي مع هانى لكن الموضوع كان اصعب مع ده عن هانى كان جسمه قوى و رشيق فراوغ على و هو جاى يديه بوكس..
و قام مدى على بوكس من قوته وقعه على الأرض ، قام هاني من على الأرض و قومه و خلى التانى يكتفه من الضهر ، و جه هانى يضرب على وطى دماغه !!
فضرب هانى صاحبه بالغلط، واستغلها علي وضرب التاني بكوعه فى مناخيره و وبص لآدم اللي بيتفشخ ضرب.
على لمح المطواة على الأرض جرى مسكها ، وراح حاوط اللى بيضرب آدم بدراعه الشمال من رقبته ، وبالمطواة في إيده التانية، وجهها على بطنه، وقال بصوت عالي مخيف :
علي: اثبت مكانك إنت وهو يا ابن الخول اللي هيقرب هجيبه كرشه ! فاهمين !؟
صوته كان عالي جدًا، لدرجة إنك تحس السجن كله سمع جملته..
الكل وقف، خايف يتحرك، لأنهم شافوا في عينه إنه مش بيهزر، ده منظر واحد عادى جداً ينفذ تهديده !
لحظات عصيبه مرت لحد ما الباب اتفتح !
دخل ظابط، وشاف المشهد قدامه:
علي ماسك واحد، ومطواة في إيده، والباقيين واقفين متجمدين مكانهم !
الضابط اتخض، الموقف لو وصل للمأمور الكل هيتعلق !
الضابط : نزل المطواة دي يا خول !
علي (بغضب): لأ مش هنزلها… على جثتي !
الضابط: بلاش تهور دي آخر مرة بقولك، نزل سلاحك ، خطوة واحدة غلط وتموت زيك زيه !
علي: فاكرني خايف ؟ ده أنا مستنيها من زمان
ماعادش في حياتي حاجة أندم عليها…
فطالما هتعاقب كده كده يبقى أتعاقب وأنا مذنب.
الضابط : آخر تحذير أنا مقدّر إنك مش في حالتك بس لو نزلت سلاحك، ممكن نخفف العقوبة!
علي: واضح إنك مش سامع تحب اثبتلك ؟ أهو
كان هينزل بالمطواه عليه ، بس الضابط كان أسرع مسك إيده بسرعة ، و اداله بالبوكس.
آدم كان واقف، مذهول بيسأل نفسه…
مين الشخص ده؟
إزاي كان ناوي يقتل حد؟
ليه مش فارق معاه يعيش ولا يموت؟
بعدها بساعات…
الخمسة اتنقلوا سجن انفرادي…
زنزانة متر في متر…
أسابيع من العذاب، الجوع، والعطش.
آدم عانى كتير فى الانفرادى ، لحد ما الأربعة خرجوا… بس علي، فضِل لوحده.
آدم كان بيفكر في علي طول الوقت،
مين هو؟
إيه اللي جابه هنا؟
و ليه كان عايز يموت؟
كان باين عليه إنه ابن ناس…
شكله، بشرته ، شعره…
هل ممكن واحد زي ده يدخل السجن !؟
السؤال ده فضِل مع آدم لحد ما خرج علي !
شافه وهو قاعد ياكل ، جسمه خاسس وتعبان…
آدم قرر يكلمه، والفرصة جات وقت الترويحة ، فى ساحة السجن و هى ساعة في اليوم.
قرب منه، كان قاعد لوحده، حاطط رجل فوق الدكه و رجل على الأرض ، وساند ضهره للحيط
آدم: احم… صباح الخير ، مالك ياعم مكشّر كده ؟ طب ردّ علينا طيب طب حتى بصلي !
مافيش رد ، آدم مشي محبط بس كان قرر من جواه : مش هيسيبه كده ، هيحاول تاني وتالت معاه.
" عالم سولانسيث "
" مملكة نقسكهار "
" كاهيرا "
في مملكة أنينها مكتوم، صراعاتها مالهاش عدد خلت الهواء في الأوضة دي بالذات تقيل مش عشان المكان ضيق، لكن عشان اللى فيها مش شخص عادي.
هي كاهيرا بنت الملكة زارا سهرزين ، بنتها الغير شرعيه ، زارا كانت حامل فيها من واحد محدش يعرف احد اللحظة مين هو والسبب؟
في الوقت اللى عرفت فيه إنها حامل، كانت المملكة على صفيح ساخن ، الدنيا مقلوبة ، ودا خلى الملكة تتوتر بشكل مريب… وكان عندها طريقة واحدة تفضي بيها التوتر دا… الجنس.
الإشاعات وقتها كانت بتقول إن عندها أكتر من خمستاشر عشيق في نفس الوقت. وده خلى موضوع تحديد أبو كاهيرا شبه مستحيل… أو ده اللى كاهيرا كانت فاكراه و هى صغيره
بس لما كبرت شوية بدأت تسأل نفسها سؤال:
ما احنا مملكة السحر؟ أمال ليه محدش استخدم السحر عشان يعرف مين أبويا؟
وكانت الإجابة أول ضربة حقيقية في حياتها. الجارية اللى كانت بتخدمها حكت ليها.
الطفلة الصغيرة كانت قاعدة، بتسمع، ودموعها بتنزل… مش بس من الكلام، لكن من نظرة الجارية وهى بتتكلم.
القصر الملكي في مملكة نكسقهار معروف باسم قصر الألف شُرفة ، قصر ضخم مهيب ، حتى السور اللى حوالين القصر شكله بيحضن السما.
جدرانه مصنوعة من مادة خضرا غامقة ، متسمحش إلى بره يشوف اللى جوه لكن اللى جوه يقدر يشوف اللى بره.
القصر متشال على تل من سبعة تلال، كل تل عليه جناح من أجنحة البلاط الملكي للمملكه.
التل الأول من ناحية الشمال عليه قصر الألف شُرفة… دا اللى بتقابل فيه الملكة الوزراء، أو تستقبل فيه الوفود من باقي الممالك.
التاني للملكة وجوزها، التالت للأمراء، الرابع لعشاق الملكة بس حالياً فاضي والخامس ساحة تدريب للأسرة الملكية، مجهزة بأحدث حاجة في المملكة.
السادس والسابع… دول بتوع كاهيرا. السادس قصرها الخاص، والسابع أرض العدم… ودا المكان اللى بتقضي فيه أغلب وقتها.
يوم ما اتولدت كاهيرا
الجارية قالت لكاهيرا وهي عنيها مليانة كره وخوف:
قولتي عايزة تعرفي ليه؟ علشان انتي نحس! لعنة على المملكة كلها ،من يوم ما عرفنا إن الملكة حامل فيكي، المصايب نزلت زى المطر!
قصر الألف شرفة اتحاصر لأول مرة من الشعب، والسحرة المتمردين سيطروا على مخازن الغلال، مدن كاملة وقعت، و ناس كتير اتعذبت ده غير اللى ماتوا وكل دا حصل ساعة ما عرفنا إنك جواها !
حتى أنا، الباردة اللى مفيش حاجة بتأثر فيا بقيت عصبية ! الطاقة اللى فيكي دخلت جوايا… وهاخد سنين أتطهر منها !
عارفة يوم ولادتك حصل إيه؟ شرفة من القصر وقعت على ١٥ حارس… ماتوا كلهم! دا حصل لأول مرة في تاريخ المملكة… وانتي السبب !
ده غير الضغط الشعبي الكبير اللى زاد ، الناس حاصرت القصر تانى كانوا عايزين الملكة تتجوز، وتبطل تحب و تعتزل حياة العشاق !
ــ الملكة زارا، كانت أذكى من إنها تتخلع بسهولة… اتجوزت واحد من الحاشية بشكل صوري قدام الكل ، بس في الخفاء؟ لسه عايشة وسط عشاقها… محدش كان يعرف مين هما، إلا القليل جدًا.
كاهيرا كبرت في بيئة شايفاها "نكرة"، أداة لطاقة سحرية ملعونة… الطاقة دي بدأت تخرج منها وهي لسه في بطن أمها، من الشهر التاني للحمل.
الناس كلها كانت تتمنى تتخلص منها، بس القانون كان مانع قتل أي فرد من العيلة الملكية.
الملكة جابت لها مربية، وقعدت معاها سبع سنين، لحد ما كاهيرا وصلت لسن التمييز حسب قوانين المملكة.
في نكسقهار، التعليم مالوش مدارس. فيه معلمين، وكل معلم له طريقته وسحره الخاص.
لكن للأسف؟ ولا واحد في المملكة قبل يعلّم كاهيرا. حتى المربية سابت القصر أول لحظة كاهيرا تمّت فيها السبع سنين… جريت!
**** عاشت و كملت طريقها في عزلة… بس زى ما قولتلك، كاهيرا مش عادية.
علمت نفسها بنفسها من كتب المكتبة في جناحها، وطبقت اللى بتتعلمه في أرض العدم… المكان اللى كل الناس بتكرهه، بس هو الوحيد اللى قبلها.
كاهيرا دايمًا كانت تقول بسخرية:
أرض العدم هو أكتر صديق وفي قابلته في حياتي
فى الواقع هى مكذبتش هو الاوفى فى نظرها لأن هو الوحيد تعرفه !
ــ قامت كاهيرا وقفتزقدام المراية، لابسة فستان حرير ، هي بتحب الحرير جدًا ، وبتقول دايمًا إنه زيها… منبوذ.
كل الناس بتكره الحرير، بس هي الوحيدة اللى لسه بتلبسه ، بصّت في المراية نظرة أخيرة قبل ما تنفذ اللي في دماغها.
وشها لسه عليه آثار من مادة الزرخا… مادة بتحوّل لون البشرة لرمادي باهت، وبتستخدم في معابد الجنوب القديمة.
كانت هناك… بتدور على حاجة تعتقد أنها هتحسّن مكانتها في صراع السلطة.
هي ممنوعة من دخول الجناح الملكي. ومراقبة كويس جدًا. بس… هي كاهيرا.
طلعت من جناحها، راحت للحافة، و… رمت نفسها اينعم سابت نفسها للجاذبية، مغمّضة عينيها، فاردة إيديها، وبتعد:
كاهيرا: واحد… اتنين… ثلا—
قبل ما تكمل، سمعِت صوت صريخ بيشُق السما… صوت "سورا"، طائر الرايكو بتاعها.
طائر ضخم… بيغطي شرفة كاملة من شرفات قصر الألف شرفة.
الرايكو دا مش أي طائر… عمره ما حد يقدر يروضه محدش ركب عليه… غيرها هي !
الناس بتقول إن عندها سحر ملعون خلاه يطيعها، وهو أصلاً مبيسمعش لكائن مين ما من كان.
دا زوّد غموضها و خوف الناس منها ، حتى الحرس الملكي كانوا بيتمنوا ما يشوفوهاش قدامهم بالصدفة حتى.
لو عليها فهى أصلاً مش عايزة تدخل قصر الألف شرفة، بتكره كل اللى فيه… بس الشهر اللى فات، كانت مضطرة.
تعلمت تعويذة من السحر المحرم بتخليها تتخفى عن عيون أي حد… إلا لو حد نطق تعويذة مضادة، ودي برضو من السحر المحرم.
بس هي عارفة إن الحرس مش هيستخدموه… مش لأنهم أغبياء، لكن عشان القانون بيمنع استخدام السحر دا على أي فرد ملكي.
كاهيرا لسورا:
"احنا في مملكة الذكاء مغرقها يا سُدفه… عايزين يمنعوني من الجناح الملكي، ومش عايزين يكسروا القانون علشاني… عباقرة مش كده؟ هههه"
سورا… أنثى الرايكو… هي أكتر كائن حى كاهيرا وثقت فيه في حياتها، بل يمكن الوحيد من وهي عندها ١٠ سنين، وسورا هي الونس في وحدتها.
لما قربوا من التل التاني، سورا صرخة صرخة هزّت طيور الغابة اللى جنب التل و ببطء نزلت على الأرض، كاهيرا نطّت، وبدأت تمشي ناحية التل الأول… ناحية قصر الألف شُرفة.
" قصر الألف شرفة "
قصر الألف شُرفة ده حكاية في حد ذاته، أسطورة كده متربّع فوق أول تل ناحيّة الشمال الشرقي، في آخر حتة من سلسلة التلال السبعة اللي هناك، المكان اللي الخضرة فيه مبتخلصش والهوى فيه ريحة البحر البارد.
الأسوار بتاعته، عالية أوي، كأنها لامسه السما، ومفيش حد يقدر يشوف اللي جواها قصر وقور كده مرعب بس بشكل معمارى جميل.
الحيطان مش من طوب عادي، دي مبنية من مادة خضرا غامقة، مابتشفّش، اللي جوه يقدر يراقب كل حاجة حواليه من بعيد من خلال شبابيك معمولة بذكاء.
الشبابيك عددها مهول، فيه اللي بيبص عالبحر، وفي اللي بيراقب التلال، وفي اللي واقف كده ساكت، كأنه مستني حاجة هتحصل.
القصر ده هو قلب السياسه بتاع مملكة نقسكهار، الملكة بتقعد فيه مع وزرائها، بيستقبلوا فيه الوفود، ومنه بيطلع كلام يغيّر خرائط أماكن كتير فى سولانسيث.
مكانه كمان استراتيجي أوي، قريب من البحر، والهوا هناك بارد و جميل ، كأن الطبيعة بتحترم المكان ده.
أول ما تعدّي البوابة الرئيسية، متبقاش دخلت مبنى وخلاص، ده كأنك خدت خطوة جوه عالم تاني، عالم كله رموز، وهيبة، وجمال يخوّف.
الأرضية مرصوفة بحجر أخضر غامق، منقوش عليه تاريخ المملكة بلغة محدش بيفهمها غير كهنة القصر.
القاعات جوه كأنها ممرات الزمن، سقفها عالي، والنور بيدخل من شبابيك زجاج ملوّن، يرسم على الحيطان حكايات بتتغيّر حسب الوقت.
كل لون ليه معنى، وكل نقش ليه قصة، عهد، خيانة، أو حتى أسطورة.
الشبابيك الكتير مش كلها مفتوحة للناس، في اللي مقفول عليها بتعاويذ قديمة، محدش يقدر يفتحها إلا لما نبوءة تتحقق أو ملك يموت.
وفي شباك اسمها شباك الشفق، ده بيبص عالبحر، و محدش يقربها غير وقت اتخاذ قرارات مصيرية.
وفي شباك تاني… مابيطلش على حاجة، بس فراغ، عدم، كأنها معمولة عشان العُزلة والتأمّل.
في قلب القصر، في قاعة العرش… اسمها الرسمي..
قاعة العيون الصامتة
سقفها معمول كأنه السما، وفيه أحجار فسفورية بتنور بالليل كأنها نجوم، والحيطان مليانة لوحات ضخمة لملوك وملكات نكسقهار، كلهم بصين لتحت… إلا الملكة الحالية.
هي رسمت نفسها تبص في عين اللي يدخل القاعة، مباشرة.
العرش نفسه معمول من حجر أسود ناعم، طالع من الأرض كأنه جزء منها، ورا ضهره محفور شعار المملكة: "عين البحر وشمس التلال".
القصر متقسّم لأجنحة: جناح للسياسة، وجناح للسحر، وفي جناح محدش يعرف عنه حاجة، الحراس بس بيدخلوه… ومابيخرجوش.
الممرات طويلة، والبيبان ضخمة وعليها رموز متفكّتش غير في يوم تتويج الملك أو الملكة.
الغريب؟ الصوت جوه القصر مش طبيعي، الهمس بيتنقل زي الصدى، والصوت العالي بيتبلع… كأن الحيطان بتاكله.
ناس كتير حكت عن أصوات بتطلع من الشُرفات بالليل: أنين، غُنا، أو بكا مش مفهوم. الحرس اتعودوا عليه، وبقى بالنسبة لهم علامة إن أرواح الملوك لسه شايفة وسامعة.
وفي أعمق نقطة جوه القصر، بين الشُرفات، توصل لأعظم قاعة فيه: قاعة النُطق الملكي.
بس اللي في القصر بيسموها بينهم: قاعة السبع ألسنة، علشان فيها القوى السبعة اللي بتحكم المملكة:
الملكة، الملك، الورثة، الشعب، الوزير الأعظم، مجلس الظل، وكهنة البلاط.
القاعة شبه المسرح، بس مقلوب، وسقفها عالي أوي شايله أعمدة حجرية ضخمة، كل واحدة منقوش عليها لحظة من تاريخ المملكة… بس من غير وشوش.
وشوشهم بيبقوا بيضا أو مشوشة، كأن القوة مابيلهاش شكل.
في النص، في ترابيزة حجرية مدوّرة، أوطى شوية من باقي الأرض، حواليها كراسي، كل واحد محفور عليه رمز الجهة بتاعته:
ـ عرش الملكة: ياقوت أسود، وفي طرفه شعاع شمس دهبي.
ـ كرسي الملك: أهدى شوية، مزخرف بدرع البحر.
ـ كراسي الورثة: تلاتة بس. لو زادوا؟ ناخد كرسي من حد!
ـ كرسي الوزير الأعظم: ناحية اليمين، مايل شوية، علشان هو اللي بيبدأ الكلام.
ـ باقي الوزراء؟ على النص دايرة، كل واحد ليه رايته.
ـ كرسي الضيف: مش ظاهر، بيتسحب من الحيطة وقت اللزوم ويرجع مكانه بعدين.
الحيطان فيها شبابيك وهمية… نقوش بس، بيقولوا إنها بتعكس الصوت، واللي يتهمس من آخر القاعة بيتسمع فى أولها… مافيش أسرار في المكان ده.
مفيش شبابيك، النور جاي من سبع مشاعل حجرية فوق، كل واحدة بتمثل سلطة:
ـ أبيض للورثة، أحمر للملكة، أزرق للملك، أخضر للوزير، أصفر للضيف، بنفسجي للكهنة، وأسود لمجلس الظل.
المشاعل دي مش نار عادية… دي بتولّع بسائل غامض، بينوّر ومابيحرقش.
وطبعًا، قبل أي اجتماع، ممنوع أي حد يتكلم قبل الملكة إلا إذا أذنت بده ، ولو حد اتكلم؟ اسمه بيتلعن في سجل البلاط… للأبد.
الاجتماع بيبدأ بدقة مطرقة حجرية عالترابيزة، وبينتهي بيها.
النهاردة؟ كل حاجة متحضّرة علشان يستقبلوا رئيس وزرا مملكة إلينداراف، الراجل اللي اسمه: إيريس فالونا، من تاني أقوى مملكة في سولانسيث.
الوزير ده كان وصل قبلها بيوم، وقت المغرب تقريبًا، والملكة زارا سهرزين نفسها استقبلته… تقديرًا لمكانة مملكته.
اتفقوا إن النهاردة يبقى يوم الاجتماع الرسمي بينه وبين الملكة، بحضور كبار البلاط.
الكل وصل القاعة… مستنيين الإعلان عن دخول الملكة زارا.
١١ واحد كانوا قاعدين على كراسيهم المخصصة:
١ - إيريس فالونا (الضيف)
٢ - جالو النمر (كبير الوزراء)
٣ - إيلار سهرزين (الأمير)
٤ - فايرا سهرزين (الأميرة)
والباقي كانوا وزراء المملكة السبعة.
الدقايق عدّت بسرعة، وفجأة دوّى صوت المنادي:
المنادي: قفوا احترامًا وتقديرًا لسيدة مملكتنا الأولى، سيدة الظلال، أذكى وأقوى ست في هذه الدنيا: الملكة زارا سهرزين… ومعها جلالة الملك نوڤار خاليم، اللي الثعلب الأصفر.
قالها كلها ورا بعض، ماغيرش نبرة صوته ولا لحظة. بدأ بالملكة علشان هي من نسل عيلة ڤيراشين الكبيرة، وهي اللي اختارها المجلس.
الملك؟ كان حليفها من الأول، ولما الناس بدأت تعترض على علاقتها بعشاقها بعد ما جابت كاهيرا، قررت تتجوزه… بس قدام الناس بس!
بينهم هما؟ لسه حلفاء وبس.
دخلت الملكة زارا… ماشية جنب الملك ، لابسة رداء طويل بلون الظل، كأن أطرافه بتسيح في الضلمة و القماش بيطير مع كل حركة، كأنه دخان.
الرداء مزخرف بخيوط فضية، على شكل رموز قديمة، أهل نقسكهار بس اللي يعرفوها.
الأكمام واسعة، وتكشف أوقات عن قفازين جلد أسود، فيهم صفايح شبه قشور التعبان.
مفيش تاج… بس رابط معدن رفيع حوالين جبهتها، نازل منه سلسلة صغيرة، فيها خرزة سودا… زي عين تالتة.
ودانها فيها حلقان طويلة شكلهم خناجر مقلوبة.
وشها أبيض زي العاج، عينيها ضيقة بلون رماد التلج، مالهمش ملامح.
الكحل مشطوب بحدة، مخلي شكلها شبه نسر.
مابتضحكش حتى وهي بتتكلم، وشها ثابت كأنه ماسك قناع.
في إيدها اليمين، ماسكة عصاية سودا من الزجاج، بتقلّبها في صباعها كده من غير سبب ، فيه ناس بيقولوا إنها أداة تسميم، وناس تانية شايفة إنها وسيلة لتشتيت اللي قدامها.
الكل قعد، و بإشارة صغيرة منها، اتكلم جالو:
جالو: في الأول، نحب نرحّب بالسيد إيريس، رئيس وزرا مملكة إلداراف… ونتمنى يكون مرتاح في المملكة.
إيريس بلطف: أهلا بيكم كلكم، مبسوط إني هنا في مملكة نقسكهار… أو مملكة الظلال. وفرحان إني شفت جلالتك بخير يا ملكتي.
الملكة أمّالت راسها بابتسامة مصطنعة، كأنها بتقوله "كمل اللي عندك".
إيريس: لو تسمحيلي يا جلالة الملكة، أنا جاى نيابة عن الملك ألثورين… بنطمح نعزز علاقة المواطنين ببعض أكتر من الأول.
جالو: بس علاقتنا بيكم حلوة أوي دلوقتي، إيه اللي يخليكم عايزين تعززوها أكتر ؟
جالو والملكة كانوا ناقشوا الموضوع قبل كده، أصلها سيدة الظلال.
نقسكهار عموماً مش بتدخل حروب كتير، ليهم طريقتهم، اغتيالات وتَجَسُّس… حرب باردة.
إيريس: أنت اللي قلت أهو … العلاقة حلوة بس مش ممتازة وبصراحة، كل الممالك بتحاول تتحالف دلوقتي… بسبب التهديد اللي جاي من الشمال.
جالو: بس أنت عارف… مملكة الشمال متقدرش تلمسنا، ف ليه نتحالف أصلاً ؟
ناس كتير وافقت على كلام جالو ، نقسكهار قوية، ومين هيقدر يدخل معاهم حرب أصلاً؟
إيريس ضحك وقال: أنا بس حابب أفكركم إن المملكة لسه بتتعافى من اللي حصل من تلاتين سنة…
كان يقصد وقت ولادة كاهيرا
لحظة سكوت، وبعدين كمل:
إيريس: أنا مش بقصد أقلل منكم، بس بعرض عليكم قوة ونفوذ بسرعة… أنتو عارفين إن سولانسيث بتمر بلحظات صعبة، ومملكة لومدوين الشمالية بتتغلغل.
حتى لو مش هتحاربكم، فهي بتكسر غيركم، وتاخد أرض وناس، وده خطر عليكم كمان… شايفين إن مجلس الظل هيرضى بكده ؟
إيريس ذكي، وعارف بيكلم مين.
جالو مش هو العقبة… فغيّر طريقته ليلعب على نقطة الغرور.
هو عارف إن نقسكهار قوية… بس لسه بتصلح أمورها جوه.
والملكة؟ هو دارسها من ساسها لراسها.
عارف إنها مش هتوافق… ومش هترفض. هتمسك العصاية من النص ، وده اللي هو كان عايزه.
هو بس عايز يضمن إنها مش هتستخدم قوتها ضد مملكته لصالح الشمال.
الملكة اتكلمت أخيرًا، ردّت بدبلوماسية، وقالت إنها محتاجة تفكّر.
الكل فهم… إنها مش رافضة، بس هتحاول تظبط الأمور لمصلحتها.
حتى اللي كانت بتتفرج من بعيد… كانت فهمت ده.
أيوه، كاهيرا كانت هناك!
" الأرض _ مصر "
" آدم "
آدم صحي في عز الليل على إيد بتصحيه ، قام من نومته، لقى كفّ محطوط على بقه، وصوت جنب ودنه بيهمس له إنه يستناه بكرة في زاوية معينه من زوايا ساحة الراحة.
الصوت مكنش غريب… آدم لسه فاكر النبرة دي ، اتنقشت جواه ومش راضية تطلع… أيوه، دي نفس نبرة علي النويري!
ماعرفش ينام بعدها، كان بيقلب في دماغه: هو علي جه ليه دلوقتي؟ بقاله شهر وأسبوع وتلات أيام محبوس هنا، وآخر أسبوعين بحاول أكلّمه وهو ساكت، ما بيردش، طب ليه فجأة دلوقتي ؟
أول ما الصبح بدأ يمدّ نوره، آدم قام من على السرير وبدأ يلف في الزنزانة، لحد ما الباب اتفتح ، دخل حمّام السجن قبل أي حد، وبعدها راح على قاعة الفطار.
من أول ما دخل، عينه ما نزلتش من عَلَى عَلِي، حتى وهو بياكل، فضوله كان بيأكلهو، الحوار بقى مرهق جدًا بالنسباله نفسياً و ذهنياً و دي عادته القديمة، الوحشة… الفضول.
الفضول ده هو اللي خلاه زمان يقلب الكتب، يدور، يقرأ، ويفهم ، هو ده اللي خلّاه من المتفوقين في مدرسته ، بس الفقر والشغل اللي بيقصف العمر، جرّفوا الطريق قدّامه.
من ساعة ما خرج من التعليم واشتغل، العادة دي رجعت له، بس المرة دي ماعرفش يطوّعها ، بقت عبء، مش نعمة.
اتسببت له في مشاكل كتير، خلاه يسيب شغل ورا شغل ، الفضول لو ما تحكمتش فيه بيودّي في داهية و آدم اتعلم ده بالطريقة الصعبه.
لسه فاكر اليوم ده لما كان شغال في محل عطار كبير، والمعلم بتاع المحل راجل ميلفات، وشكله الحلو وفلوسه السايبة كانوا بيساعدوه في اللي بيعمله.
في يوم، الزحمة كانت شديده ، وآدم شغّال على ودنه لحد نص النهار، خلص نوع من البضاعة، وبلال راح يجيب من المخزن ، بس هناك… سمع صوت غريب.
أصوات… عرف إنها آهات ، فضل ساكت للحظات ، لكن فضوله جَرّه، دخل يبص.
لقى المعلم بيقفش فى واحده ، في الأول افتكرها شمال ، بس لما ركّز، حس إنها مش كده… كانت بتقاوم.
حب يساعدها، لكن فجأة حد ضربه من الضهر وقع على الأرض.
صحى لقى نفسه في القسم ، المعلم اتهمه بسرقة بضاعة، وقال إنه باع منها وقبض، والدليل الفلوس اللي كانت في جيبه ، ماقدرش يثبت حاجة، ولا هو ولا أهله.
والنتيجة؟ دخل السجن… واتحكم عليه بأكتر من عشر سنين.
اللي حصل غريب… بس اللي بيواسي ضميره إنه حاول يساعد واحدة كانت في ورطة.
وبرغم كل ده… كان في حاجة جواه دايمًا بتشده ناحية علي، يمكن المرة دى القدر وقعه مع صاحب بجد ، بس الصاحب ده هيودّيه لعالم مايعرفش عنه حاجة.
عالم اسمه سولانسيث
لما جِه وقت الراحه ، طلع آدم على الساحة، راح للمكان اللي قاله عليه علي، ولقاه مستنّيه.
قرب منه، وفضل يبصّله، كأن عايز يقرا اللي في دماغه ، قلبه كان بيخبط جامد، لدرجة إنه سخر من نفسه وقال..
آدم بسخرية: اللي يشوفني كده، يقول رايح أقابل عروستي.
الوضع كان غريب بجد… على نفسه اتفاجئ من شكل آدم وطريقته ، هو عنده حق فعلاً.
آدم:إزيك يا علي.
علي:إزيك يااااا…
آدم: آدم ، أنا اسمي آدم مجتش الفرصة أعرّفك بنفسي.
علي: تشرفنا يا آدم.
آدم: الشرف ليا.
علي: قولي بقى… إيه سر الحماس ده ؟ بقالك أسبوع ونص بتلف حواليا !
آدم: هو مش حماس قد ما هو فضول واستغراب. حبيت أعرفك.
علي: وليه مهتم تعرفني؟ ما تعرفش إن الفضول ممكن يودّي لحتة مالهاش رجعة؟
آدم: عارف… وأنا هنا أساساً بسببه.
علي: إزاي؟
آدم: وإيه اللي يخليني أحكيلك؟
كأن حد رشق مية ساعة التلج على وش علي… بس آدم ضحك وقال..
آدم: بهزر يا عم ، فكها كده ههه.
علي: مش عارف بس أنت غريب.. طريقتك.. كلامك… ماتزعلش مني يعني، بس…
آدم: متهوّر؟ صح؟
بص، انا هحكيلك عشان ما تتخدعش في شكلي، زي ناس كتير اتخدعت.
أنا آدم محمد الحسيني. لسه مكمّل ٢٥ ، كنت طالب متفوق، مش بس علشان ذكي… أنا كنت فضولي وفضولي ساعات كان يغلب ذكائي.
من رابعة ابتدائي لحد تالتة ثانوي، كنت من الأوائل ليه؟ علشان واحد صاحبي قالّي مرّة : وجّه فضولك للمذاكرة ، جربت ما نفعتش في الأول.
هو فضِل جنبي و ساعدنى ، كنا بنذاكر سوا، ونتناقش، وكنت بروحله أحياناً علشان أبوه مدرس، يشرحلي اللي مش فاهمه ، والدنيا كانت جميلة.
فضلنا كده… لحد ما سافر مع أبوه السعودية ، بس أنا كنت خلاص تعلّمت، وكملت لوحدي، لحد ما دخلت ثانوي، واشتغلت جنب الدراسة ، سكت آدم لحظة…عيونه شردت.
علي: لو مش عايز تكمّل…
آدم: لأ… هكمّل أنا عايز افضفض انا وقتها قررت أدخل أدبي ، عارف ليه؟ علشان كنت بعشق التاريخ.
صاحبي اللي وجّهني كان بيحب القراءة، كان صاحبى الوحيد، فاتشدّيت وراه ، كنت باخد كتب من المكتبة أو منه، وبقرأ، بحب كتب التاريخ جدًا.
بعد كده دخلت كمان على الفلسفة وعلم النفس ، كنت بحب النوع ده من المعرفة، فقلت لنفسي: أدبي أنسب.
كنت في التلت سنين زي الطور المربوط في ساقية ، مكنتش بنام، أوقات كنت بفضل صاحي يومين وتلاتة.
لكن التعب كان بيهون قدام حلمي… إني أدخل الخارجية، وأبقى سفير لبلدي.
يوم النتيجة كان من أسعد الأيام…جبت مجموع يدخلني الكلية اللي نفسي فيها و إن جيت للحق البيت كله فرح.
بس الفرحة ما طولتش…أول ما قلت اسم الكلية ، كله قلب وشه
محدّش صدّق إن واحد زَيى لا شكل ولا جسم مثالي، لا لغته قوية وقتها، ولا بيحب اللغات أصلاً هيكمل فى المشوار ده.
الموضوع كان محتاج تضحية كبيرة، ومساندة من إخواتي… بس محدّش قدر ياخد الخطوة.
فاكر يومها أخويا الكبير قالّي:
لو كانت الكلية دي طب أو هندسة، كنت هضغط على نفسي، وأساعدك، بس دي مش كلية قمة.
ساعتها… قررت أسيب التعليم خالص.
هتستغرب… بس فعلاً، ما قدرتش أكمل ، حاولوا يفرضوا عليا كليات زي تجارة أو حقوق… ماكنتش حاسس إني هنجح فيها، ولا هلاقي نفسي.
وبعد كده اشتغلت…و بسبب الشغل، وفضولي ، اتحبست على تهمة ماعملتهاش.
على : إيه ده ازاى ؟ احكيلى.
آدم بابتسامه : مش هينفع الوقت خلص ، مره تانيه بقى.
آدم ساب المكان وهو جواه نار كانت مطفية من زمان، بس دلوقتي مولعة على آخرها ، نار بتنهش فيه من جواه.
الموضوع كان باين عليه لدرجه خلت التلاتة اللي كانوا بيراقبوا من بعيد، يشكوا إن علي قال له حاجة بشعة... زي إنه هدده بالقتل، أو ضربه، أو حاجة من النوع ده.
التلاتة دول هما هاني ورجالته. التلاتي اللي بقالهم فترة بيراقبوا آدم وعلي في سكوت، مستنيين الفرصة يهجموا عليهم ويرجعوا كرامتهم اللي ضاعت على إيد ابن النويري.
خلال الفترة دي، التلاتة كوّنوا انطباع عن الثنائي:
آدم في نظرهم كان ضعيف شخصية، شايفينه دايمًا هو اللي بيروح لعلي، وعمرهم ما سمعوا علي بيتكلم.
زودوا على كده كمان تصرف آدم الضعيف في الخناقة اللي حصلت في الزنزانة.
أما علي، فكان لسه الغامض ، التلاتة كانوا بيخافوا منه، قدام الكل كانوا يقللوا منه لكن قدام نفسهم ميقدروش يكذبوا .. يتكلموا كتير في السر، لكن كل واحد فيهم جواه كان مرعوب منه، عارفين كويس إن لو الحظ ما وقفش جنبهم آخر مرة، كان زمان واحد منهم ميت دلوقتي.
في الأيام اللي بعد كده، الدنيا اتشقلبت…علي بقى هو اللي بيجري ورا آدم، عايز يسمع منه أكتر.
علي شاف في آدم حاجة منه ، الاتنين عانوا، شخصياتهم مختلفة لكن الأتنين اتظلموا… وما كانوش يستاهلوا يكونوا محبوسين وسط المجرمين.
التلاتة استغربوا اللي بيحصل، خصوصًا إن علي هو اللي بقى يطارد آدم، فبقى في لخبطة في دماغهم، لكن اتفقوا على حاجة واحدة:
"ماينفعش نخليهم يقربوا من بعض أكتر من كده."
بس الغلابة دول ما يعرفوش إن الثنائي كان شايفهم، و فاهم نيتهم… قبل ما هما نفسهم يعرفوا هما عايزين إيه !
في ليلة من الليالي، كانت الزنزانة ساكتة، مفيش صوت غير صوت الهوا اللي داخل من فتحة مربعة في الحيطة، عليها قضبان حديد.
في الليلة دي، وهو الكل نايم، قام من على سريره، ومشي على أطراف صوابعه ناحية سرير هاني،
قرب عليه بهدوء كأنه تعلب بيصطاد فريسة.
ولما قرب كفاية، حط إيده على بقه، وقرب من ودنه، وقال له بهمس:
"تيجوا بكرة لينا على الاستراحة… الموضوع ماينفعش يتأجل."
هاني اتفاجئ من جرأته ، كان عارف طبعًا مين اللي اتكلم… ابن النويري، زي ما بيسموه.
كان بيسأل نفسه: جايب الجرأة دي منين؟!
إزاي متخيل إني ممكن أروحله؟ إيه اللي يجبرني اروحله أصلا ؟
عدت الليلة و جه اليوم اللي اتفقوا عليه ، آدم كان شاكك إن التلاتة هييجوا،
بس علي كان واثق وقال:
علي: هييجوا يا آدم، متقلقش.
آدم: أموت وأعرف جايب الثقة دي منين!
علي: علشان اللي زي هاني… فضوله هيقتله، زيك كده ، هييجي عايز يعرف إحنا عايزينه في إيه.
ولو حصل خناقة، المرة دي هيكونوا عاملين حسابهم … وساعتها إحنا اللي هناخد علقة.
يعني في كل الأحوال… هو الكسبان.
آدم: طب ما يمكن ييجي يتخانق من غير ما يسمعنا أصلاً !؟
علي: مش هيعمل كده.
آدم: ليه؟
علي: علشان زي ما قلتلك… إحنا هنرجع له هيبته اللي ضاعت،
وفوق ده كله، هيكسب معانا مش أقل من 10 مليون أخضر.
متخيل الرقم ؟
آدم: ده لو اشتغل عمره كله مش هيعرف يلم عشره.
علي: وهو ده اللي هنلعب عليه: الطمع.
هزغللهم بالفلوس، وبالهيبة ، إحنا كده كده مش عايزين نكون كبار هنا، ولا لينا فى كل الليلة دي.
إحنا بس عايزين نعدي الكام سنة دول بسلام… ونخرج.
آدم: مش هقدر أناقشك في دي ، بس تفتكر هيوافقوا ؟
علي وهو بيبتسم: دلوقتي نعرف… عشان هما جايين أهو.
أول مرة من زمان يحس علي بفرحة داخلية، توقعاته بتتحقق… وده خلاه ياخد ثقة في نفسه شوية.
علي: حمد**** عالسلامة يا رجالة، اتفضلوا اقعدوا.
هاني: خير يا ابن النويري، عايز إيه مننا؟!
علي بهدوء: خدمة.
هاني مستغرب: خدمة؟! ، ومين قالك إني هقبل أقدملك خدمه ؟!
إنت مجنون يا بني؟!"
علي: لأ، مش أنا… إنت اللي هتبقى مجنون لو رفضت العرض بتاعي.
رحيم: إنت شكلك كده مش هتجيبها البر!
رحيم قام، رايح يضرب علي، بس علي ملامحه كانت ثابتة، وعينيه في عين هاني.
رحيم بيقرب، وبيمد إيده…لكن صوت هاني وقفه:
هاني: بقولك إيه… ما تجيب من الآخر، إنت عايز إيه؟
علي: زي ما قلت… خدمة، وهتاخد قصادها أكتر ما هتدي.
هاني: طب سمعني العرض.
علي: 10 مليون أخضر… وهيبتك ترجع زي زمان جوه السجن ، أظن ده تمن مناسب.
التلاتة اتصدموا من الرقم ، بس هاني كان أكتر واحد ثابت:
هاني: والمطلوب؟
علي: عايز معلومات كاملة… عن ناس معينة طول ما إحنا هنا.
هاني: إنت فاكرني مباحث؟!
علي: بالعكس… الشغلانة دي عايزة واحد مفتح أكتر من المباحث.
أنا عايز حد من جوّه المكان اللي عايز أراقبه…
يشتغل، وياخد مرتب، ويبقى عين لينا.
ينقل الأخبار كل شوية، ومش أكتر من كده.
هو يستفيد، وإحنا نستفيد… وكل واحد ياخد حتته من الكيكة.
سكت الكل ، هاني كان بيفكر، بس مش قادر يفهم علي بيفكر في إيه.
هو مش واحد بيقبل بأي حاجة ، لف وشاف وعارف كويس إن المبلغ الكبير ده وراه حاجة تقيلة.
هاني: سيبني أفكر… وأرد عليك بعد يومين.
علي بخبث: خد وقتك كله يا معلم هاني.
انتهى الاجتماع، بس كل واحد فيه كان بيخزن كلام كتير في دماغه ، علي وآدم، خطتهم لحد دلوقتي ماشية تمام ، وهاني ورجالته، بيدوروا على الفلوس… بس خايفين من تمنها.
آدم بيسأل: تفتكر هيوافقوا؟
علي: هيوافقوا… بس بشرط.
آدم: شرط؟! إيه هو الشرط ده؟
علي: هيحبوا يعرفونا أكتر… عايزين يضمنوا هما داخلين على إيه.
آدم: وهتقولهم؟
علي: ده حقهم يا آدم.
بصراحة، لولاهم… إنت ماكنتش هتبقى هنا معايا دلوقتي.
آدم: يعني إنت عرفتي علشان مصلحة؟!
علي: يا عم هو أنا عرفتك في جامع؟ إحنا في سجن! وعموماً زي ما شايف…
أنا مختصك إنت تكمل معايا، هما بس عايزهم يجمعوا معلومات.
آدم: وأنا اللي خلاني أقبل إن حسبتك شبهي يا علي ، أنا شايفك صديق… مش بس واحد بياخد مني خدمة
أنا مش بتاع مصلحتى … عن إذنك!"
الكلام وجع آدم، وكان عنده حق.
هو بطبعه ما بيعملش حاجة غير لما يحس من جواه إنها صح، وشايف إن علي كان بالنسباله صاحب زمان اللي راح…وكان نفسه يرجعله ، بس كل ده راح مع الهوا.
في الناحية التانية، علي ما حسش بالذنب ، ما قالش لآدم في أي وقت إنه صديقه… فمش فاهم ليه هو متضايق أصلاً ، بس كان قادر يفهمه.
علي كان مركز جدًا مع كلام آدم عن صاحبه القديم ، عن الونس، عن المشاركة ، عن إن محدش بيسيب التاني ، ونظرة آدم كانت بتقول كل حاجة ،حتى لو ما اتكلمش.
عدت الأيام، من غير ما حد فيهم يكلم التاني، وده أقلق هاني ورجالته ، بس هما كانوا خلاص قرروا.
تاني يوم، راحوا لعلي اللي كان قاعد لوحده ، قعد هاني وجنبُه الاتنين التانيين، وبدأ كلامه:
هاني: صباح الفل يا علي.
علي: صباح الورد يا معلم هاني…ها؟ قوللي إيه الأخبار؟
هاني: أنا موافق… بس بشرط.
علي وهو بيبتسم: أحب أسمعك.
هاني: عايز أعرف… مين الناس اللي عايزنا نراقبهم؟ وليه؟ وقبل كل ده…عايز أعرف إنت فين من القصه دى ؟!
علي بنفس الابتسامة: كل دي أسئلة؟
، ماشي… اسمع بقى يا معلم.
أنا علي محمود سيد النويري ، أكيد سمعت عن شركتنا، شركة عيلتنا الكبيرة… شغالة في المقاولات والبناء
من الآخر كده، كان عندنا مشاكل مع عيلة تانية، للأسف هما شركاءنا ونسايبنا كمان ، ومن هنا بدأ الخناقة.
رحيم: معلوم… أمي **** يرحمها كانت دايمًا تقولّي..
أسوأ حاجة إنك تدخل مع قرايبك في شغل
علي: **** يرحمها كانت ست دماغها كبيرة فعلاً يا رحيم ، الشركة كانت ماشية زي الفل…
لحد ما كبار العيلة التانية ماتوا ، واللى مسك بعدهم كان بيكرهنا.
هاني: وطبعًا بدأ يلعب من تحت لتحت… عشان يوقعكم.
علي: مش بالضبط…بس آه، كان بيلعبها من تحت ، إحنا كنا بنمسك الإدارة علشان عندنا أكبر نسبة في الشركة ، فهو قرر يعوض ده عن طريق أنه يزرع ناس جوّه الشركة ، علشان يتحكم فيها من جوا.
هاني: وأكيد اكتشفتوا متأخر بعد ما اتخربت؟
علي: مش متأخر أوي… بس أنا اللي عرفت متأخر ، وكان وقتها، ماينفعش أتدخل.
صديق: طب ليه ما قلتش إن الشركه بتاعة عيلتك؟
على: كان عندي مشاكل معاهم وقتها، وكمان عرفت بالصدفه، فقولت أساعد من غير ما حد يعرف، وبالفعل جبت للشركه عقد ماكنش حد يحلم نوصله.
هانى: طب وفين المشكله بقى؟
على: المشكله إني كنت جبان، سبت كل حاجه وطفشت أشوف حياتي برا البلد، وبالفتره دي العيله التانيه قدرت تزبط أمورها تاني، والمرة دي اتفقوا مع رجل الأعمال اللي عملنا معاه العقد وأقنعوه يخربه.
رحيم: طب والراجل ده هيستفيد إيه؟
على: الشرط الجزائي اللي العيله هتدفعه، وبعدين اكتشفنا إن العيله التانيه فاتحه شركه تانيه باسم تاني وبتشتغل من ورا الستار، يعني مخبيين نفسهم، وفي النهايه هيبقوا شركاء، وشركتنا على الورق تبان من أقوى الشركات في الشرق الأوسط.
هانى: يا ولاد الكلب، دي فكره وسخه... الراجل اللي عملها دماغه نجسه، لا دي دماغ بنت حرام فعلاً.
على: ولسه... أما تعرف اللي حصل بعد كده.
هانى: هو فيه أكتر من كده؟!
على: اصبر... العيله بعتتلي مره تانيه، مش كلها يعني، بس أنا رجعت البلد بسبب حد معين كلمني، وقبل ما أرجع كنت واخد معايا ورق يدين الراجل الأجنبي، علشان أجبره ميتكلمش عن الشرط الجزائي.
رحيم: وطبعاً روحتله زى الأهبل وهددته، صح؟
هانى: يا رحيم!
على: عنده حق و**** يا هاني... أي عيل شاف فيلم عربي قديم هيعرف إني مش هطلع منها، وفعلاً... ما طلعتش منها. هقولك إزاي.
أنا خططت إني أروحله وأهدده بالورق، وأوهمه إن الطرف التاني متفق معايا، وفى نفس الوقت عيلتي تروح تضغط على الشركه التانيه بفيديو فاضح كان معانا لواحد منهم، وأقنعناهم إن الخواجه هو اللي مدينا الفيديو.
هانى: دي فكره حلوه، كنت هتخليهم يلبسوا في بعض، خصوصاً لو قريبك ماكنش مركز والناس حواليه بتساعده.
على (بحسرة): بالظبط، ده اللي كنت مفكر فيه، بس نسيت إن ممكن يبقى فيه جواسيس جوه العيله نفسها!
هانى: احا! في حد خانكم؟! فيه حد يخون أهله بالشكل ده؟
على: أهو اللي حصل... ومن هنا الكوارث بدأت. لما راحوا يهددوا، الفيديو ماكانش موجود أصلاً. في نفس الوقت، الخواجه كلم الراجل قدامي علشان يتأكد، كانوا على وشك يضربوا في بعض، بس فجأه اتفضحت اللعبه... واتلبست في قضيه، وجيت هنا.
رحيم: يعنى من شغل بره للسجن هنا؟! ده انت طلعت حكايه!
على (بهداوة): قلت إيه يا معلم؟
هانى (بفكر): شكله الموضوع تقيل يا علي.
على: ولا تقيل ولا حاجه يا معلم، وبعدين إحنا مش محتاجين غير ناس تشتغل جوه الشركه، مش شرط يكونوا في مناصب حساسه، ممكن فرد أمن، واحد في البوفيه، حاجات بسيطه كده، المهم يكونوا مفتحين.
هانى: طب خليهم ٣٠ مليون، عشره لكل واحد.
على: مش شايف إن الرقم كبير شوية؟ دول شوية معلومات، واللي هيروح يشتغل هيكسب من الشغل نفسه كمان.
هانى: وهيستفاد بإيه بالفلوس لو اتعكش؟ هيبقى في خبر كان.
على: يعنى ده آخر كلامك يا معلم؟
هانى: آه... آخر كلام. يلا يا رجاله.
(على حس إن كل خططه بتتهد، الفرصه بتضيع من بين إيديه، واليأس بدأ يتسربله، في حين إن الثلاثي بقوا مترقبين ومستنيين، وعلى مركز معاهم.)
الثلاثي اختلفوا، فيهم اللي شاف إن هاني طماع وغبي، وفيهم اللي شاف إنه عمل الصح بس بطريقه غلط.
مرت الأيام ببطء، وكل واحد فيهم سرحان في حاله، لحد ما جه يوم قلب كل الموازين.
في صباح يوم جديد، آدم صحي على صوت خناق في الزنزانه... شاف الثلاثي بيتخانقوا ، قرب يسمع عرف إن علي رفض عرضهم، واندهش من الرقم اللي طلبوه.
آدم كان نفسه يلم من المبلغ ده حتى خمس بس، بس كرامته كانت بتمنعه يفكر يساعد بالطريقه دي.
بعدها، جه علي في فترة الراحة، وقعد جنبه...
على: إيه رأيك نرجع أصحاب تاني؟
آدم كان فايق... ماكنش ساذج، وحس إن الزياره اللي جات له امبارح ليها علاقه بالعرض.
آدم: وأنا يخليني أصاحبك؟ فاكرني أهبل؟ لو كان العرض اللي قلته لهم اتقبل، كنت هتسأل عني؟ لأ طبعاً... إنت بتاع مصلحه، وأنا مش عايز أصاحب الناس دي.
كلام آدم كان تقيل عَلَى عَلِي... حاسس إن كل كلمه آدم سهم في قلبه، بس مردش، قرر يلعب لعبه جديده.
على: وعايزني أعمل إيه يعني ؟ تفتكر بعد كل اللي حصلي، سهل أصدق إن فيه صداقه ؟ ده أنا اتغدر بيا من أقرب الناس... تحب أحكيلك ؟
آدم اتأثر... كان متضايق أصلاً لإنه حس إن علي شايفه مرتزق... بس كلامه خلى دماغه تلين.
آدم (بعتاب): تقوم تشوفني كده يا علي ؟ بعد كل اللي قلتهولك تشوفني شخص بيشتغل عندك بفلوس ؟
على: واللـه ما قصدت كده... بس أنا مش قادر أقرب من حد تاني، وإنت أول واحد فكرت أكلمه ، تفتكر لو مش شايفك مهم ، كنت هكلمك قبلهم ؟
آدم: بص يا علي... أنا مش أهبل ، وعارف إنك عايز تمشي أمورك ، وأنا هساعدك ، بس لا علشانك ولا علشان فلوسك !
على: ياعم ما قول...
آدم: احترم ذكائي و اسكت ! أول خدمه، هخلي الثلاثي اللى قاعد بيراقبنا يوافق على عرضك... بس دي ليها حسابها.
على: احم احم... اللي هو إيه بقى ؟
آدم: بعدين هقولك.
على: ولو مقبلتش؟
آدم: مش بمزاجك يا علي، لما رجعتلي تاني أثبتلي إنك مستعد تعمل أي حاجه علشان تنتقم.
(آدم قام من مكانه، قلبه مولع نار، مش عارف إذا كان بيعمل الصح ولا غلط، بس متأكد إنه مش ندمان.)
" مملكة نقسكهار "
" ألسنة الزجاج "
عدّت أيام من بعد ما خلص اجتماع الملكة مع الوزير إيريس فالونا، وحصل حاجات كتير جوّه البلاط الملكي وبرّاه، وبالذات جوّه ميليشيا ألسنة الزجاج.
الميليشيا اللي ليها أيدين في ممالك كتير، وسلطتها متمددة على منظمات تانية كتير كمان.
القاعة كانت ساكتة زي المقابر، الأصوات متوارية ورا الأعمدة اللي محفورة في الجدران، ولهيب المشاعل السبعة بيرقص بألوان رمزية فوق راس الناس.
بس فجأة، كسر الهدوء ده صوت مطرقة حديد خبطت على آلة دائرية، وطلّعت صوت مستحيل ما يتسمعش:
بَم. بِمبِم.. بَم
اتكرر الصوت كذا مرة، الصوت كان كافى إنه يخلّى كل اللي في القاعة يقوموا، ويقفوا مظبوط في الأماكن اللي متوزعين عليها، وكل واحد فيهم لابس لبس عليه الشعار بتاع رتبته في الميليشيا.
الوزير خَد نَفَس عميق واحتفظ بيه لحظات، وبعدها زفره براحة... لحظات و على صوت المُنادي بيقول:
دلوقتي تدخل علينا رئيستنا... أقوى شخصية في عالمنا، عالم سولانسيث. سيدة اللهب و الظلال السبعة..
دخلت كأنها مش ماشية... كأنها سايلة زي الميّه فوق أرض متشققة الناس كلها كانت لابسة أقنعة معدنية ناعمة مافيهاش ملامح ، أما هي، فكانت لابسة قناع زُجاجي شفاف نص نص، باين منه عينيها بس... عيون لا بتغضب، ولا بتضحك… بس بترصد وتقرر.
لبسها كان أسود زي الحبر، مفيهوش ولا زخرفة، بس من جوّه كان مطرّز بخيوط فضيّة بتظهر وتختفي، كأنها بتكتب لغة ماحدش يقدر يقراها غير وهو بيموت.
صوتها؟ واطي وبارد، بس لما تتكلم، تحس الهوا نفسه بيميل عشان يسمع. مش بتتكلم كتير… وكلمة منها ممكن تخلّي واحد يقع على رُكبِه.
ناس كتير بيتهيألهم إن ده خوف منها... بس الحقيقة إن ده مش بس خوف… ده تصديق إنّها تعرف أكتر من اللازم.
اللي الكل بيرفضها بحجة إنها نحس... واقفة هنا بصفتها رئيسة واحدة من أقوى الميليشيات في العالم كله.
دايمًا بتقف على منصّة أعلى بخطوة بس، كأنها أقرب حتة للسما.
محدش بيتكلم قبلها إلا إذا أذنت ومحدش بيسألها سؤال مباشر.
ولو زعلت؟ مابتصوتش… بترفع صباع واحد… وساعات مش بتكمله أصلاً.
وزيرها اسمه "ڤاليس رامور" راجل الحرب نزلت عليه ببلوتها من عشر سنين، وبيتقال إن صوابعه بتولّع نار لو كدب.
كاهيرا اختارته من سبع سنين، ومن ساعتها وهو أطول وزير فضل في منصبه من أول ما الميليشيا اتأسست.
اترقّى بسرعة لأن ذكاؤه ودقته كانوا فوق العادة، خصوصًا أيام ما كان لسه جندي بسيط، نفّذ مهمة مستحيلة في مملكة إلكدارف المعروفة بعساكرها الاقوياء وخبث قادتها.
من وقتها، كاهيرا بدأت تتابعه، وشافته من المميزين، لحد ما بقى وزير بعد ما الوزير اللي قبله مات في واحدة من العمليات الكبيرة ، دلوقتي هو بيبص لها بنظرة جامدة كده، وهز راسه باحترام وقال بصوت حاد:
الوزير: مين فيكم اللي سلّم الرسالة في أورالجازير؟
اتقدم واحد منهم خطوة لقدّام، وانحنى وقال بصوت فيه احترام:
الجندي: اتسلّمت عن طريق القبطان التالت، زي ما أمرتني. ومحدش عرف جت منين.
الوزير: كويس جدًا... هتنفجر فين؟
الجندي: في وسط اجتماعهم البحري، بعد ساعة بالظبط من ما يطلعوا.
الوزير: جيد.
رجع الجندي مكانه، وساد الصمت تاني ، كل العيون بَصّت عليها وهي بتتحرك ناحيتهم، لحد ما بقت سابقة الوزير بخطوة.
رفعت كاهيرا إيدها، وطلّعت من جوا الرداء الأسود خريطة صغيرة عليها علامات حمرا وصفر.
اتقدّم اثنين من الأعضاء، خدوا الخريطة، وقالوا تعويذة سحرية، وفجأة الخريطة اتحركت من نفسها، كأن فيها روح!
اتفتحت واتمدت قدام الكل، وبقت كبيرة كفاية يشوفها اللي في آخر القاعة.
سكتت كاهيرا لحظات، وبعدها قالت بصوت ثابت:
كاهيرا: الممالك بدأت ترتعش… مملكة لوميدوين بعتت مبعوث خاص لمملكة نورڤيريث، تطلب مساعدتهم في الحرب اللي جاية...
ومملكة إلينداراف كمان بعتت مبعوث لنقسكهار…، وطلبوا من زارا سهرزين تنضم ليهم.
بعد نهاية جملتها حصلت همهمة خفيفة وسط الأعضاء… بس كاهيرا رفعت صباعها، وسكتوا في ثانية.
كاهيرا: كلنا لازم نكون على استعداد… الحرب جاية لا محالة، وإحنا لازم نكون جاهزين نستفيد منها لأقصى درجة ممكنة.
سكتت لحظة وهي بتبص في وشوشهم… كأنها بتقرا اللي جواهم من غير ما يتكلموا.
ضحكت ضحكة خفيفة، محدش خد باله منها تقريبًا، وقالت:
كاهيرا: يلا بينا نبدأ اجتماعنا الإسبوعي.
" مملكة ألداراف "
هدت الخيول سرعتها لما ظهر القصر من بعيد كما رأى الحراس راية النمر شعار المملكة اللي كانت متعلقة فى العربية المصفحة، فتح الناس الطريق قدام الوزير اللي جاي من الشرق.
إيريس فالونا عمره ما اتأخر عن ميعاد، وعمره ما دخل بوابة قصر الحكم بتاع العظام السبعة من غير ما تسبقه أخبار.
الرخام الأسود تحت رجليه كان بيلمع كأنه ما اتداسش قبل كده، وكأن الأرض كل مرة بتجهز نفسها عشان تستقبله.
قصر المملكة ظهر زي ما هو دايمًا، مهيب وواقف عالي على صخرة "الملتقى الأول" اللي طالعة فوق الأرض بمئات الأمتار، كأنها شايفة المملكة كلها من فوق.
القصر نفسه ليه سور ضخم قوي، صخوره رمادي غامق، صلب لا يَهتز، وأبراج بتصميم عسكري بحت، كل برج بمثابة خندق مليان ب الاف جنود بالألوف.
من شباك العربية الوزير لمح الساحة الكبيرة وظلال تمثال الملك المؤسس مغطي الأرض ، ولما قربت العربية من البوابة ، فتحت لوحدها كأنها عارفة مين جاي.
لما دخلت العربيه ظهرت ألتين ضخام شغال عليهم مئات الحراس عشان يفتحوا البوابة ، هى بالتأكيد مفتحتش من نفسها، دي كانت أوامر جاية من الحرس اللى فوق السور الحرس اللى مع الآلات لما عرفوا إن رئيس الوزراء وصل.
بانت الساحات المختلفة بتاعة القصر أول حاجة كانت ساحات التدريب ، متجهزة بكل انواع التدريب اللى تناسب المخاط. اللى ممكن يواجهها الجنود فى الممالك المختلفة.
في ساحات رمل، وفي ساحات فيها حاجة زي حمامات سباحة بس مش عادية… معمولة مخصوص لتدريب الجنود.
فضلت العربية ماشية لحد ما وصلت لمناطق مزروعة بأشجار محمّلة بالفاكهة الطازة، وساحات مليانة ورد وأزهار بألوان مختلفة، منظرها يفتح النفس.
ولما وصلت العربية قدام بوابة القصر ونزل منها، كان فيه مجموعة من الوزراء مستنينه… وساعتها فهم إن الملك استدعاهم لاجتماع عاجل.
مكنش خافي على إيريس إن الاجتماع بخصوص رحلته الأخيرة لمملكة نقسكهار، لأن الملك كان مهتم أوي بالرحلة دي تحديدًا.
الوزراء ومعاهم رئيس الوزراء طلعوا السلالم سوا، لحد ما وصلوا لمكان بترفرف فيه أعلام المملكة السودا اللي في نصها نمر بيزأر.
دخلوا على القاعة الرئيسية، واسعة جدًا ومافيهاش ولا عمود، تصميمها بيركز على الكمال والدقة ، الجدران من حجر بركاني رمادي، ناعم كأنه إزاز، ومكتوب عليه كلمات القسم العسكري.
الأرضية مرصوفة بحجر غامق جاي من نهر دارڤون، لونه مايل للأزرق الكُحلي ودايمًا بارد. وفي النص، كان فيه نقش بارز لرمح مكسور فوق ميزان رمز إن العدالة مش بتخضع للقوة، بل بتقيّمها.
منصة الحكم كانت مرفوعة بدرجة واحدة بس، كرمز إن الملك قريب من الناس ومتواضع قدام القانون، ومافيش "عرش" فخم… بس كرسي حجري عريض من غير ظهر، رمزه إن الحاكم ما يسندش غير على مسؤوليته.
القادة العسكريين كانوا قاعدين على يمين الملك، والمستشارين المدنيين والقانونيين على شماله.
كل واحد لابس عباءة على حسب رتبته: الملك لابس أسود، القادة رمادي غامق، والمستشارين رمادي فاتح.
كل الوزراء والمستشارين خدوا أماكنهم في هدوء، مستنيين دخول الملك… وما طولوش في الانتظار.
بعد لحظات، سمعوا صوت ٣ دقات برمح الحارس على آلة من الحجر، وساد الصمت بعدها.
الملك درايك ڤاريدون دخل… مش محتاج تعريف، ومش بيحب يتقدَّم أصلاً – الناس شايفين إن وجوده لوحده يكفي.
طوله عادي، بس حضوره تقيل يملأ المكان.
راسه صلعاء، ووشه ناشف كأنه منحوت من صخر، ودقنه حادة زي السيف، بيضا زي التلج اللي عمره ما شاف شمس.
لابس عباءته السودا، من غير أي تطريزات، وفوق كتفه درع رمزي صغير عليه علامة البيت: رمح مائل فوق ميزان.
دخل من غير ما يتكلم. شكله ماكانش تعبان، ووقف قدام المنصة، وبَص للوزير بنظرة مافيهاش لا مجاملة ولا ترحيب.
وبصوته الهادي، التقيل، قال:
الملك: "إنت اتأخرت عن الميعاد ٣ أيام."
فالونا رد من غير ما يهتز:
"في أول يوم اتمنعت من مقابلة الملكة،
في التاني اتقدملّي عرض، بس هي ما ادتنيش رد واضح،
وفي التالت اتحركت راجع لمملكتنا."
الملك ما ردش، طلع على المنصة، وقعد على الكرسي الحجري اللي مافيهوش لا رفاهية ولا راحة… بس مليان بالهيبة.
بَص للحارس اللي جنبه، وده طلع لفافة مختومة بختم رمادي عليه شعار نقسكهار.
الملك فتحها بنفسه، قراها من غير ما يبين عليه أي انفعال، وبعدها قال:
الملك: "بيشكرونا على زيارة سفيرنا، وبيقولوا إنهم بيتمنوا نحافظ على روح التفاهم."
بَص للوزير وسأله:
الملك: "يعني أفهم إنك فشلت؟"
فالونا:
"لو الهدف كان توقيع حلف، أيوه...
بس لو الهدف إننا نعرف نواياهم، فإحنا دلوقتي عرفنا.
وعرفوا إحنا كمان إننا شايفينهم، وإننا واخدين بالنا إنهم بيتفادوا يقولوا موقف واضح."
قرب خطوة من المنصة، وطلّع وثيقة جلدية، وحطها قدام الملك على الطاولة الحجرية، وقال:
فالونا:
"نقسكهار مش هتهاجم دلوقتي، بس مستنيين شرارة من لوميدوين،
أو أي تصدع داخلي يظهر عندنا… بس حالياً، هم مش ناويين يدخلوا حرب."
الملك ما ردش على طول… كان عينه على الجدار اللي ورا الوزير، على درع الشمس المطفية.
وبعدها بهدوء قال:
الملك: "إنت شايف إن معانا وقت نجهز للحرب، ونقنعهم، أو حتى نجبرهم ينضموا لينا؟"
إيريس:
"شايف إن معانا الوقت، مولاي ، و قريب هيوصلك أخبار تفرّحك…
في أفكار كتير شايف إنها هتعجبك ، نقدر من خلالها نزود نفوذنا ونقوي تحالفاتنا."
الملك ابتسم… أول مرة من ساعة ما دخل القاعة، وقال:
الملك: وأنا واثق فيك… وواثق في نصرنا في الحرب اللي جاية ، و أخيرًا… هيكون لينا الكلمة العليا في سولانسيث كلها."
وبعدها سأل وهو بيبص على المستشارين:
الملك: "قولولي بقى… إيه أخبار الاستعداد لمسابقة السنة؟"
" ڤيلا مايزرون "
ڤيلا مايزرون مهياش فيلا عاديه… هى تشبه الواحة كثيراً مليئة بالصراعات و الادعاءات ، حيطانها متلونه برماد مطحون يخليها تبرق تحت الشمس كأنها فضة.
بوابتها الحديد كانت بتتفتح ببطء مقصود، كأنها بتستقبل كل زائر باحترام، مع إن مافيش حد بيدخل هنا غير بدعوة مختومة بشعار الدهب المكسور.
جواها صالة طويلة ماشية من الباب لحد الشباك اللي في الآخر، فيها كراسي ناعمة ومزهريات طويلة ما شربتش نقطة مية بقالها أسابيع. وعلى الحيطة اللي شمال... خريطة باينة إنها بتاعة عالم المصارعة، متغرقه نقط حمرا أكتر من اللازم.
كان سيراث ڤالمور مالك الفيلا و واحد من تجار مملكة ألداراف، قاعد على طرف ترابيزة مستطيلة، إيده اليمين بتلعب بكاس نبيذ أحمر مش بيشربه، وإيده الشمال ساندها على دقنه.
جسمه مليان، بس وشّه شاحب كأنه بيسيح من جواه ، شعره متسرّح بعناية زياده، باين عليه إنه واحد بيقنع نفسه كل يوم الصبح إنه لسه ليه قيمة.
وكان بيتكلم بصوت مبحوح كده، مش موجهه لحد بعينه:
سيراث: تلاته ماتوا، والباقي ماحدّش فيهم يستاهل اسمي.
جنبه مستشاره الوحيد، ميراڤ… شعره مجعد وإيده ملفوفة برباط.
ميراڤ (بتردد): ممكن نشتري و نضم لينا شوية مقاتلين جداد يا سيدي.
سيراث (ببرود): عندنا واحد بيعرج، والتاني بيخاف من الدم، والتاجر اللي باعهم لينا اختفى… والتالت لسه مش فاهم قواعد اللعبه أصلًا. ده أنا أدفن نفسي معاهم أرحم! مش باقي في حيلتنا غير التلاته دول، و ٣ كمان و هيصارع منهم تلاته بكره.
سكتوا شوية، وبعدين قال ميراڤ بصوت حذر:
ميراڤ: طب إيه رأيك نكلم مملكة دراخامون؟ يمكن يوافقوا يبعتوا لينا شوية مقاتلين مقابل دفعه نأجلها.
سيراث ابتسم بسخرية، شفايفه بالكاد اتحركت:
سيراث: دراخامون؟ دول أول ما يسمعوا هياخدوا كل اللي عندنا كدفعة أولى. هندخل البطولة بمصارع واحد! ولا تحب أدخل أنا كمان؟ ياخد هو الضربه وأنا التانيه!
فجأة ضرب الترابيزة بإيده وصوت عالي خرج منه:
سيراث: أنا عايز حل حاسم! مفيهوش خضوع ولا هزيمة ولا إذلال!
ثواني وسمعوا صوت خطوات ناعمة… خطوات ست.
دخلت إيلارا مراته، طويلة، شعرها أسود نازل على ضهرها، وعينيها زرقاء ، مفيهاش أي إحساس.
لابسة فستان أبيض باين منه أكتر ما هو مغطي، بتمشي كأنها مش سامعة حاجة… ولا شايفة حد.
قربت منه، حطت إيدها على كتفه وقالت:
إيلارا: العشا جاهز… لو نفسك تحس إنك لسه عايش.
بص لها، بص في عنيها… مالقاش حاجة.
مرت لحظات ابتسم فيهم ابتسامة مجاملة وقال:
سيراث: ساعات بتمنى كل مصارعيني يموتوا، عشان أنزل أنا كمان و أموت في أول جولة.
إيلارا (بلا مبالاة): واللـه ده هيبقى أحسن بكتير من اللي بتعمله دلوقتي في نفسك وفي الناس حواليك.
خرجت زي ما دخلت… وسابت وراها فراغ.
سيراث قعد ساكت…
وبعدين همس، كأنه بيعترف لنفسه:
"بُكره… يا أعمل معجزة… يا أندفن وسط جماجمهم."
" حلبة ڤيرالون "
حلبة ڤيرالون متبنتش… دي نُحتت من قلب الجبل، جوه التلّ الحجري اللي في نص العاصمة العسكريه لمملكة إلينداراف.
المدرّج الكبير هناك شكله زي بقّ وحش، داير حوالين ساحة مستديرة، مليانه رمل رمادي تقيل… أول ما الدم ينزل عليه يتلوّن فورًا، بس مايمتصهوش أبدًا.
المدرجات حجر في حجر، مفيش كراسي… اللي يقعد، يلزق في الصخر، واللي يقف لازم يشوف كل حاجة قدامه. بيقولوا التصميم معمول كده علشان كل اللي بيشوف الدم… يحس بوزنه في لحظته.
في الجنب الشرقي من الحلبة ، في عرش عالي محفور من رخام لونه أسود، محدش يوصله غير من على سُلم مستقيم بيحرُسه عساكر بخوذ فضي وصدورهم عريانين… رمز القوة والشرف في جيش إلينداراف.
النهارده الملك نفسه درايك ڤاريدون حضر ، قعد على العرش الحجري من غير ما يقول ولا كلمة… لا لابس تاج، ولا حواليه حاشية، بس جنبه رمح مائل، وفوق كتفه الدرع الرمزي بتاعه.
مفيش إعلان رسمي، مجرد قعدته على العرش خلت الجمهور كله يقوم واقف… حتى التجار وقفوا.
السماء كانت مليانة سحب رمادي… مش مطر، لا، ده تراب ناعم بييجي من فوق الجبال من الفجر، زي إنذار كده.
تحت في الساحة، المصارعين واقفين على شكل نص دايرة، دماغهم لتحت، وكل واحد حاطط إيده اليمين على قلبه… دي طقوس الافتتاح عندهم.
وراهم التجّار واقفين، لابسين العبايات اللي الدولة مصرّحة بيها، سكتين، بيتبادلوا النظرات أكتر من الكلام.
صوت الأبواق الحربية تعالى:
"جولة الحديد الأولى… ابتدت."
الأعلام السودا والحمرا بتترفرف من فوق، والجمهور بيصرّخ بأسماء المصارعين اللي بيشجعوهم.
في الركن الجنوبي… سيراث ڤالمور واقف لوحده، وسط دوشة التجار وصوت طبول بيعلى وبيعلى.
عارف إن ده مش مجرد ماتش… ده إعدام بطيء لأي تاجر فقد السيطرة على لعبته.
الماتش الأول:
ڤاروك × إيرمالوس
(مصارع سيراث: ڤاروك ضد مصارع باليتروس فورمار: إيرمالوس)
ڤاروك مكانش شكله بيدّي أمل… بس جسمه باين عليه آثار الهزايم، جسمه زي كتلة رخام، وفي ندبة فاضية نصّرت صدره.
إيرمالوس كان أتخن، وأقصر، شكله طالع من تحت الأرض، شبه وحش بري. ضحك وهو بيقلع الدرع الجلدي، وورّى صدره اللي كله كدمات قديمة.
الحَكم: الجولة تبدأ… دلوقتي!
أول عشر ثواني… إيرمالوس اتقدّم بخطوتين وضرب ڤاروك في وشّه، بس ڤاروك لف بسرعة ورد بركبة فظيعة في بطنه.
الجمهور اتجنّن.
بس إيرمالوس مفكرش يقع، نط على رجلي ڤاروك ووقعه على الأرض، وقعد فوقه يضرب فيه في وشه.
واحد، اتنين، تلاتة… بس ڤاروك حط إيديه كدرع، وفجأة، رفعه برجليه وطارده بعيد.
وقف ببطء، ومسح الدم اللي في بقه.
داركِس (مالك إيرمالوس): قوم يا حيوان! وورّيهم إنت ممكن تعمل إيه!
المصارعين الاتنين بصوا لبعض، وڤاروك لأول مرة حس إنه يقدر يوجع حد بجد… حسّ إن خصمه نفسه بيشوفه كوحش.
وفجأة… هجم عليه بسرعة غريبة، مسكه من وسطه، ورفعه فوق راسه، وبعدين خبطه في الأرض بقوة… الرمل طار كأن زلزال حصل، وبعدين حط رجله على رقبته يهدد.
الحَكم: ضربة قاضية! انتهت الجولة!
سيراث (بيهمس): مش مصدق! كسبنا؟! لسه لينا أمل نكسب! لسه فينا نفس!
الماتش الأول خلص بنهاية ماكنش حد متوقعها، لا الجمهور، ولا التجار، ولا حتى المصارعين نفسهم.
بعد شوية، الحَكم أعلن عن الجولة التانية:
رينمار × كيلدار
(مصارع سيراث: رينمار ضد مصارع ڤورناش ڤالدين: كيلدار)
رينمار جسمه رفيع، بس مشدود، لابس واقي جلدي خفيف، وإيديه ملفوفين بضمادات رمادي.
كيلدار ضخم، وسريع بطريقة تخلّي الناس تشك فيه.
الحكم: الجولة تبدأ!
كيلدار ضربه ضربة مفاجأة بوشّ إيده، رينمار نزل تحت ورد بلكمتين في ضلوعه.
فجأة صفارة عالية!
كيلدار مسك رينمار من رقبته، وبدأ يضغط، رينمار بيتلوي، خبطه بكوعه، ضربه في ورا ركبته، وقع كيلدار.
الجمهور اتفاعل… بس فجأة، رينمار وقف… رفع إيده.
رينمار: "بانسحب."
سيراث (مصدوم): بتعمل إيه؟!
رينمار (بصوت واطي): مش هقاتل كلب مش انت اللي اشتريته.
ومشي وسابه… وساب وراه ضحك وسخرية، لأن قوانين اللعبة بتقول إن اللي ينسحب، المصارع التاني يبقى ملك اللي كان ضده.
ڤورناش (بص على سيراث): مصارعينك بقوا بيهربوا منك ههههههه
الموقف بقى بايخ، ومبقاش فاضل حد في فريق سيراث جاهز يقاتل غير شوية مصابين أو ضعاف.
المباراة الثالثة :
يوزاك × كيدران
(مصارع سيراث: يوزاك ضد مصارع التاجر ڤالتيس أروان: كيدران)
يوزاك ماكانش الأقوى، بس كان أذكاهم. دخل الحلبة بخفة، عينيه بتتحرك في كل الاتجاهات.
كيدران كان طويل، تقيل، وشّه مفيهوش أي تعبير.
الجولة بدأت، يوزاك بيلف حواليه، يركله، يضرب بكوعه، ضربات سريعة.
أول دقيقة… كيدران ما جاش فيه ولا ضربة.
بس أول ما يوزاك قرب يركله ضربة دائرية…
كيدران مسك رجله في الهوا، سحبها، وبعدين خبطه في صدره بقوة خلته يتشقلب.
يوزاك حاول يقوم… معرفش.
كيدران فوقه، ضربه في كتفه، وخنقه من ورا.
الحَكم: هزيمة تانية… يوزاك خسر وانتقل ملكيته للتاجر ڤالتيس.
سيراث لف وشّه… مش عايز يشوف.
باقي مباريات اليوم خلصت، ومفيش ولا واحد من مصارعين سيراث شارك فيها، لأن اليوم مليان تجار جايين بمصارعين كتير.
من أبرز المباريات:
دومير روكفيل سَحق سيرن فولدار مرتين وقلّه بسخرية:
دومير: اللي زيك مكانهم مش هنا… دول يمسحولي العرق وانا بتفرج! هههههه
وكمان حصل خناقة بين باليتروس و ڤورناش بعد فوز الأخير، والموضوع سخن لدرجة إن الحرس الملكي كان هيتدخل.
الملك درايك بص لمساعده وقال وهو بيضحك:
الملك: أحلى حاجه لما التجار يتخانقوا زي العيال على جثث مصارعين مش فارق معاهم مصيرهم… ولا حتى فارقين لبعضهم… كلهم عنجهية بس! هههههههه.
" مملكة ميراشا "
في نفس اليوم بالليل، في مملكة ميراشا، كانت الليلة ضبابيه ، في آخر حارة طينية وسط أشجار غار سوداء ، كان فيه كوخ مائل، سقفه محني كأنه ضهر ساحر عجز، ونافذته الوحيدة منورة بلون أزرق باهت مالوش دعوة بالنار.
الباب مفيهوش دق هو بس بيتفتح ، دخل راجل غريب، ملامحه مش باينة عشان قناع جلد مغطي نص وشّه، وكمان لافف وشه بوشاح تقيل مخلي صوته كتمة.
قعد من غير ما يقول كلمة ، الساحر ما بصش له، فضّل يقلب في ورق شجرة بايظة على حلة فيها طين بيغلي.
الساحر: أوامرك يا... ولا خلينا ساكتين، شكلك مش حابب اسمك يتقال، خصوصًا وإن اللي طالبُه مش سهل خالص.
الراجل: بالضبط. وعشان كده عايزك تبدل الروحين بسرعه وسلاسة.
الساحر (من غير ما يبص): مستعجل أوي كأنك داخل تاخد سندويتش! بس مش مهم، أنا برضه بحب الناس اللي بتيجي دغري كده.
الراجل: السجين اللي من عالمنا اسمه جولدامون تامور، دلوقتي متكتف في زنزانة بالمقاطعة الشرقيه بتاعة مملكة إلينداراف ، أما اللي من بره عالمنا... سيب سولانسيث هي اللي تختار.
الساحر (بيهز دماغه): دماغك عاجباني. فكرة إن سولانسيث هي اللي تختار بنفسها... حركة شيك. أكيد هتجيب حد مش عادي.
الاتنين سكتوا لحظة، وبعدين الراجل طلع من شنطته صُرّة سودا، ورماها قدّام الساحر.
الساحر وقف تقليبه وبص له ببطء.
عنينه شكلها مخروم، كأنها اتحولت لخرز رمادي ميت.
الساحر: نقل أرواح؟ بين كيانين؟ ومن عالمين مختلفين؟
خد بالك ممكن واحد منهم جسمه ممكن ميتحملش… جسمه ممكن ينفجر !
الراجل (بثقة): أنا واثق في سولانسيث… مش هتخذلني.
الساحر (بيضحك بخبث): سولانسيث؟ لو أمك، ما كانتش تستاهل الثقة اللي بتديهالها كده.
الجملة دي وجعت الراجل، بس كان عارف إنه مش هيكسب لو رد.
طلّع الساحر من تحت الترابيزة تمثال صغير من حجر لونه أحمر، منقوش عليه جناح مكسور.
الساحر: هبعتلك واحد من تلامذتي، بس هيحتاج علامة يعرف بيها الشخص اللي سولانسيث اختاراه…
عايز حاجة من عالمنا تنوّر لما تروح هناك.
الراجل طلع من جيبه كتاب قديم، مشوه، شكله أكتر شبه حيّة من إنه كتاب، ومكتوب عليه بعشر لغات مختلفة: "سولانسيث".
الراجل: خُد الكتاب ده، هو اسمه..
سولانسيث
الساحر (بيغمّض عنيه وهمس): سولانسيث... ما بترحمش اللي ينطقها.
رفع إيده وفتح علبة صغيرة فيها رماد أسود، ومعاه عين آدمية محطوطة في سائل لونه بنفسجي غامق.
ابتدى يقول تعاويذ...
الكوخ كله هز، كأن الأرض بتشهق تحته.
ولما قال كلمة واحدة، بصوت مش بشري:
ـ إِرثِكال.
ورا الساحر اتفتح ظل…
خرج منه كيان طويل، جسمه نحيف زي أنبوبة، وشّه مفهوش ملامح، وعنيه بتولّع بس من غير نار.
الساحر:
ـ دوّر على المكان اللي الكتاب هيختار ينام فيه…واللي يلاقيه، هو اللي يستاهل يدخل.
" مملكة إلينداراف "
" السوق الحديدى _ سيراث التاجر "
نهار باهت، والجوّ خانق رغم البرد ، كأن ريحة الخسارة ليها سخونة غريبة ما يحسهاش غير اللي خسر فلوسه وكرامته في نفس الوقت.
سيراث كان ماشي بشويش وسط الصفوف. هدومه ما كانتش بتلمع زي ما هى دايمًا، وشه باهت أكتر من إمبارح، وجيوبه… شبه فاضية تقريبًا.
المناديين بيندهوا على مصارعين لسه ما جربهمش حد:
شاب دراخاموني، مرن وسريع!
سيراث ما ردش. كان ساكت، بيبُصّ، بيقيس، و بيرفض.
كل حاجة في السوق كانت مكررة، كأن الوشوش بتتعاد، والأجسام بتتكوّر بنفس الشكل… مفيش حاجة حركت جواه ولا حتى شوية فضول.
واحد قصير قرب منه، صوته متسلق كده:
ـ سيدي… المصارع ده لعب أربع ماتشات في أورالجازير، و…
ـ سيراث (بجفاف): وقع فيهم كلهم؟
ـ البائع: أبدًا! وقع في تلاتة بس… والرابعة كانت… يعني عدّت بالعافية!
ـ سيراث: امشي من قدامي دلوقتي، اجرِي!
كمل ماشي، إيده بتعدّي على عمود خشب بيربطوا فيه البهايم والمصارعين… السوق ده أقرب للمسلخ منّه لسوق.
وبعد ساعة رجع الفيلا بتاعته ساكت. ما اشترى حد. ولا لقى حد ممكن ينقذ اسمه من الهبوط اللي هو فيه.
قعد في البهو الكبير، شمس خفيفة داخلة على الرُخام. قال للخادم وهو بيشلح العباية:
ـ لو حد سألك، قولّه إني كنت بتفرّج… بس!
بس الحقيقة؟ إنه كل يوم، ولمدة أسبوع، هيرجع السوق… ويدوّر. يدور على شخص هو نفسه مش عارف شكله… بس قلبه هيعرفه أول ما يشوفه.
" الأرض _ مصر "
" آدم "
فى سجن القسم الغربى، وتحديدًا فى أوضة الزيارة، بعد الضهر بشوية، وتحت نور اللمبة الفلورسنت اللى كانت بترعش فوقهم، النور بيرقص على الحيطان كأنهم بيتريقوا على اللى بيحصل.
الحيطان نعمة… بس البرد فيها ثابت، وعلى الترابيزة الحديد، كان فى كوباية بلاستيك فاضية، وآثار سجاير مطفية من زمان، كأن الزمن نفسه ساب بصمته هنا.
آدم دخل بخطوات مترددة، وشه مرهق، مش من قلة النوم، من تقل الموقف.
على الناحية التانية، كان علي قاعد ضهره مفروض كعادته، بس ملامحه كان فيها حاجة مكسورة، حاجة مش باينة غير للى يعرفه كويس.
علي (بهدوء وابتسامة خفيفة): قولتلك إنهم مش هيوافقوا، صح؟
آدم (بهُدوء): وافقوا.
لحظة صمت عدت، كل واحد مستني رد فعل التاني.
علي (ابتسامته اختفت): إنت… بتهزر؟
آدم: كلمتهم، وأقنعتهم، بس ليهم شرط.
علي (ميل لقدّام): شرط؟
آدم: قالوا لو حصلت أي لغبطة في التنفيذ، تزودهم ٢٠٪ على السعر. ماشى؟
علي (بعد تفكير، بصوت واطي): ماشي، عندهم حق يحتاطوا.
سكت شوية، وكان باين عليه التوتر، لأنه لأول مرة ياخد حاجة من حد ما يعرفوش، ومن غير ما يتطلب منه مقابل.
علي (بيبصله): طب إنت… مطلبتش حاجة، مع إني فاكر إنك قولت إنك هتطلب وقت ما ساعدتك… بس ماطلبتش لحد دلوقتي. ليه؟
آدم (بيبصله بنظرة مباشرة وابتسامة فيها حزن): قولت كده عشان كنت فاكر إنك صاحبي… بس باين إنه كان من طرف واحد. أنا مش عايز حاجة… كفاية عليك اللى انت فيه.
كلام آدم دخل قلب علي كأنه رصاصة… حسّ بحاجة كانت نايمة جواه بقالها كتير. حسّ إنه قدّامه صاحب بجد.
علي (بيبص للأرض): أنا آسف… يمكن اتعودت أخسر الناس قبل ما أكسبهم.
لحظة صمت… بس كانت مريحة.
علي (رفع راسه): لو لسه نفسك فى حاجة، قولّي.
آدم (بهدوء): فيه، أنا بقالى فترة ماقريتش حاجة… فلو حد جاى يزورك، خليه يجيبلى كتاب. قديم، تاريخ… أو فانتازيا، أي حاجة ريحتها تاريخ.
علي (بدهشة وضحكة خفيفة): ريحة تاريخ؟ هههههه إيه الكلام الكبير ده
… حاضر، هخليهم يجيبولك حاجة تليق بيك.
بعد أسبوع، وبالليل، والكل نايم، كان آدم صاحى لوحده. قدّامه ظرف متوسط، مكتوب عليه اسمه بقلم جاف.
فتح الظرف، طلع منه كتاب.
الكتاب كان جلده مشقق، لونه بنى باهت، وفيه نقش خفيف أوى كأنه حرف "س" ملفوف حوالين دايرة.
العنوان باهت: "سولانسيث"، والورق كان ريحته قديمة… قوى.
علي دخل وهو بيضحك:
علي: بووو! خضيتك؟
ده إيه الاسم ده؟ سولانسيث؟ اللى كاتب الكتاب ده دِماغه عاليه أوى يا صاحبي!
ضحكوا سوا، وبعدين علي رجع يكمل نومه… بس عينه كانت لسه على الكتاب.
حاجة جواه كانت بتقوله إن الكتاب ده مش عادي… كأنه مستنيه!
آدم فى الليلة دي نام قبل ما يقرأ. التعب غلبه، وقرر يأجل لبكرة.
تاني يوم، الكتاب كان لسه على السرير… نفس مكانه، مفتوحش.
بس آدم… كان نايم على الأرض. مش عشان مافيش سرير، لا، بس الكتاب خد مكانه!
صحى نص الليل، مش عارف ليه. كان فيه ريحة غريبة… لا دخان، ولا حريق. حاجة عمره ما شمّها.
بص على الكتاب، كان كأنه أقرب للنور دلوقتي. فيه نور خفيف طالع من بين الغلافين… غريب!
قرب منه، ولمسه.
فى نفس اللحظة، حسّ كأن قلبه نط، كأن فيه كهربا لمسته.
فتح أول صفحة… فاضية.
التانية… فاضية
التالتة؟ كلمة ظهرت على الهامش اليمين، كأنها بتطلع من جُوّه الورق:
"لقد اخترتُك"
رجع بسرعة، قلب الصفحة، مفيش حاجة!
رجع لنفس الصفحة… نفس الكلمة!
"لقد اخترتُك"
وقف بشويش، الكتاب فى إيده كان سخن بطريقة مش مفهومة، رغم إنه باين عليه ناشف وبارد.
سابه على الأرض… رجع بعد دقايق، لقاه فوق السرير تانى!
تاني يوم، قرر يعمل اختبار… نقله عند الباب، على الترابيزة، جنب الحمام… بس كل يوم كان بيصحى يلاقيه راجع على السرير!
وفي مرة فتح الصفحة التانية… لقى كلمة جديدة:
"اقترب"
ضحك لحظة… بس قلبه خفق. كان حاسس إن الكتاب مش هزار.
بعد تلات أيام، قرر يتجاهله ما فتحهوش و بعد عنه.
لكن صحى يوم لقا الكتاب… لازق فى صدره!
من اليوم ده، بدأ يحس إن فيه عيون بتراقبه… عيون مش بشر.
الحيطان بقت بتتنفس… الأحلام ما بقتش أحلامه لوحده… لحد ما حصلت حاجة ما حدش كان يتوقعها.
" مملكة ألدارف "
الجوّ خانق، والريحة مخلّطة بين بهارات وعرق ودخان، والأصوات داخلة في بعض، كأن السوق كله بيزعق.
سيراث كان ماشي سرحان، العباية سايبة على جسمه، وعينيه مش مركّزين على حاجة، كأن رجليه ماشياه من غير ما يفكر.
وفجأة خبط فيه جسم تقيل، كتفه اتزق جامد، كان هيقع، لف بسرعة...
واحد طويل، عريض الكتاف، وشّه مش باين عشان لابس غطا غامق، بيجري بسرعة، والناس وراه بتزعق:
ـ امسكوه!! متخلوهوش يهرب!!
محدش رد، الناس كانت بتجري بعيد، وهو بيجري كأن الأرض بتقصر تحت رجليه.
سيراث (بهمس مذهول): مين ده؟
بس الجسم اختفى وسط الزحمة، وسيراث فضل واقف في مكانه، نَفَسه تقيل، وحاجة جواه قالت له:
ـ ده ما كانش حرامي عادي...
رفع عينه للسماء الرمادي، وهمس:
ـ في حاجة اتغيّرت…
" نهاية الجزء "
وووووه جزء طويل و تفاصيله كتيره أتمنى يكون الجزء عجبكم.
مستنى رأيكم عن الشخصيات كمان ظهور على النويرى هل قلل من العمل أو هيقلل منه ولا لأ ؟
رأيكم فى عالم سولانسيث ؟ متحمسين ؟ كمان طالعونى برأيكم عن كاهيرا و الملكه زارا سهرزين و سيراث و الوزير إيريس فالونا
مستنى أسمع آراءكم كلها و كمان متنسوش المشهد الأخير توقعكم هل ده آدم ؟ و لو آدم تفتكروا كان بيجرى من مين ؟
مستنى آراءكم كلها و دمتم بخير موفقين و… شكراً.
إذا عدنا مره أخرى بجزء جديد مع آدم و عالم سولانسيث العجيب ، أتمنى يكون عجبكم الجزء الاول و متحمسين.






























" بداية الجزء "
الشمس كانت بتميل للغروب لونها البرتقالى اللى اختلط به بعض الحمرة على وشك الاختفاء ، أشعة الشمس بترحل ويرحل معاها سيراث من السوق و معاه جولدامون تامور.
السجين اللى بُلغ الساحر بأسمه فى ميراشا و المطلوب نقل روحه لواحد من عالم مختلف عن طريق كتاب سولانسيث اللى استقر عند آدم و يبقى السؤال هل تم الإنتقال ؟ أم لا ؟
سيراث كان متجه للفيلا الخاصة بيه ڤيلا مايزرون الڤيلا الخاصة به و بعائلته الطريق كان طويل على السجين لكنه كان أقصر على سيراث.
سيراث و على غير المعتاد من التجار ركّب السجين اللى أصبح عبد له معاه في العربة بتاعته و هو راجع للفيلا بتاعته.
العربه كانت عبارة عن صندوق على هيئة شكلين هندسيين مستطيل و فى جانبيه مثلثين قائمين الزاويه ، الصندوق من ماده خشبيه لونها يفترض أنه يكون لامع زى باقى العربات لكن سيراث عربيته لونها باهت.
الصندوق الخشبى محمول على الهواء اينعم الهواء هو اللى بيسوقه و ده لأن العربه فيها تقنيه بتخليها تترفع عن الهواء زى الطياره الفارق هو أن الطياره لها جناحات لكن العربه..
العربه فى أسفلها فتحتين دائرتين كبار عباره عن مضختين لغاز أزرق قوى بمجرد ضغط السائق على زرار معين فى العربه بيطلع الغاز من الدائرتين و معاه تبدأ ترتفع العربيه عن الأرض.
العربه من جوه مقسمه زيها زى عربياتنا قسم أمامى بمقعدين و قسم خلفى ب أربع مقاعد جلديه.
أثناء طريق العودة للفيلا كان سيراث مشغول بيفكر قلبه بيدق جامد دقات فرح كل ما يسرح بخياله يشوف العبد الجديد بتاعه بينتصر فى الحلبه و ينتصف لكرامته المهانه.
لكن قلبه بيدق أكتر دقات خوف و فزع لما بيتخيل إيه ممكن يحصل لو اللى هو بيفكر فيه متمش خصوصاً أنه دفع فى العبد ده أغلب ما يملك لو حصل غير اللى مفروض يحصل مش بعيد على آخر الشهر يشحت.
الموضوع كان مربك و محير لسيراث اللى مكنش واخد باله من نظرات العبد الجديد له نظرات تفحص كأن العبد بيحاول يستكشف اللى بيفكر فيه سيده الجديد.
العربيه قربت من الوصول للفيلا و ظهر قدام السائق البوابة الكبيره الملونه بألوان شعار عائلة سيراث لكن الألوان كانت باهته كأنها بتعبر عن حياة أصحاب البيت.
البوابه اتفتحت بمجرد اقتراب العربه منها بشكل تلقائي و ده لأن سيراث و على عكس باقى أبناء المملكه أحب أنه يكون عايش فى رفاهيه و متمع بأحدث وسائل التكنولوجيا اللى تسهل حياته.
ده كان مختلف عن باقى طبقة التجار و مخلى سيراث زى النشاذ فى وسطهم لأنه مختلف عنهم و ده بدون وهى منه خلق ليه عداوات مع التجار.
خصوصاً التجار اللى أصولهم فعلاً من الدراف على عكسه هو..
سيراث لا هو ولا جده فى الأصل كانوا من ألداراف ، جد أبو سيراث اتأسر فى معركة سابقه بين مملكة ألداراف و مملكة أورالجازير.
القاعده بتقول إن الملك المنتصر له أن يوزع الغنائم زى ما هو يحب ، وقتها الملك قرر أنه يوزع الأشخاص اللى وقعوا فى الأسر كلهم على التجار بتوع العبيد و هما يبيعوا العبيد فى السوق يا لأشراف المملكة يا أما تجار الترفيه اللى زى سيراث دلوقتى.
القرار كان لاعتبارات اقتصادية تخص خزينة المملكة وقتها و ده لأن العبد اللى كان يتباع كان للدوله منه ستين فى الميه من المكسب و ده خلى المنافسه على العبيد كبيره فى الأسعار.
حظ سيراث أن عيلته راحت لواحد من الأشراف أسهل عن غيره فى أنه يعتق العبيد بتوعه ، الحال فضل زى ما هو العيله كلها شغاله عند الشخص ده لحد ما فى يوم الشخص اللى من الأشراف ده خلف ولد بعد ما كان خلف ٤ بنات من فرحته أقسم أنه يحرر ١٠٠ عبد من اللى يملكهم كان من ضمنهم جد سيراث.
فيما بعد مر الوقت و بدأ جد أبو سيراث يشتغل و يكون لنفسه فلوس يعيش منها و كانت مراته بتساعده على ده.
جريت الأيام و أصبح حال العيله أفضل كتير من الناحيه الماديه فأصبح عندهم القدره يشوفوا ماتشات المصارعه اللى حبوها و اصبحت عاده عائليه فى عطلة نهاية الأسبوع يروحوا يشوفوا ماتش مصارعه.
سيراث لما شاف أول ماتش مصارعه فى حياته اتهوس باللعبه أصبح بيتابعها بشغف غير عادى و كان يسعى دائماً طوال الأسبوع أنه يحصل فلوس علشان يحضر أكتر من ماتش.
الموضوع استمر بالشكل ده لحد ما مات أبو سيراث و ساب ثروه مش كبيره لكن كمان مش قليله ، العيله حبت تستثمر فلوسها فى تجاره تجيب ليها فلوس فاقترح سيراث المصارعه.
الموضوع فى الأول كان بيجيب ربح لكن مع بعض الاخطاء من سيراث فى إدارة المشروع انقلبت الايه و أصبحت العيله مهدده بالافلاس.
شاف العبد الجديد التهديد ده بعنيه لما اتفتحت البوابه و ظهرت ساحة التدريب تحس البرج الخشبى اللى فيها هينهار فى أى لحظه.
المصارعين نفسهم ملابسهم باليه القماش اللى على جسمهم متهتك أصبحت الهدوم اردأ من الهدوم الباله حتى !
العربه كملت طريقها لجوه و عبرت الساحه لحد ما وصلت عند مبنى أفضل حالاً من الساحه لكن مش بفارق كبير.
المبنى اربع أدوار ٣ فوق الأرض و واحد تحت الأرض ، المبنى من الخارج مزين باللون الأحمر المقترن باللون الذهبي الالوان مش واضحه أوى الألوان انطفت بفعل عدم تجديد طلائها.
دخل سيراث و معاه السجين للمبنى ، وصلوا الصاله فى الدور الأرضى بأضاءتها الضعيفه و فرش المكان بالرغم من أنه لا يتناسب مع مكانتهم الاجتماعيه اللى بتنهار إلا أنه جميل متناسق بيدل على مدى جودة ذوق اللى اختار الفرش.
نظر سيراث للسجين و لسه هيتكلم سمع خطواتها جايه من فوق السلم ، ظهرت إيلارا زوجة سيراث ، شعرها أسود نازل على ضهرها ، بشرتها بيضاء ، عيونها زرقاء ، فستانها طويل من قماش لونه عنابى.
عينيها اتنقلت بين الاتنين الواقفين قصادها جوزها اللى باين عليه الضيق و التوتر من وجودها ، الشخص التانى اللى معاه و اللى كان موطى رأسه للأرض.
عينها اتجهت مره تانيه لجوزها و بصوت بارد قالت..
إيلارا : رجعت ؟
سيراث : أنتى شايفه إيه ؟
إيلارا : امم و مين ده بقى ؟
سيراث بابتسامه : ده اللى هيفك لينا الازمه الماليه.
إيلارا : أيوه مين يعنى ؟
سيراث بحماس : مصارع جديد واثق أنه هيقلب موازين اللعبه فى ألداراف.
إيلارا : مصارع تانى !! يا اخى فوق بقى فووق أنت مش هتعرف ترجع المكاسب تانى خلاص فنيتوا فنيتوووو
سيراث كان قادر يفهم منطقها و بالرغم من أن غيره كان ممكن يعنفها بالضرب أو الشتيمه إلا أن دى مش شخصيته خصوصاً معاها هى فالتزم الصمت لحد ما هى قالت اللى كانت عايزاه و مشيت.. وهو أخد اللى معاه و دخلوا مكتبه !
" مملكة نقسكهار "
الشمس كانت ساطعه مقويه لون جدران قصر نقسكهار الخضراء كأن القصر حجر زمرد متوهج ، التوهج عادة بينبئ عن حاجات كتيره منها النشاط و هو المتواجد داخل القصر.
في القاعة الكبرى أو كما يسمونها فى القصر قاعة السبع ألسنة…
القاعة من جوه كانت مغمورة بضوء أخضر متوهج ، طالع من كرات زجاجية عائمة فى السقف ، كل كرة جواها شعلة صغيرة بتتحرك زى ما تكون حية..
أجواء قد يراها البعض مبالغاً فيها لكن فى نقسكهار يعتبرونها ضروريه فهى علامة على مدى جدية الموضوع محل النقاش داخل القاعه.
الترابيزه الحجريه كان قاعد عليها عشرة اشخاص الملكه و الملك و الوريثين المستقبلين للعرش و الباقين ٦ وزراء للمملكه.
الأجواء بالرغم من الصمت اللى فيها إلا أن واضح على الوشوش الجديه الأجواء مشحونه عدا وجه شخص واحد.. الملكه زارا سهرزين.
زارا بصت للموجودين حوالين الطاولة لثوانى ، و بصوت واضح :
فيه رسالة من ملك إلينداراف وصلت… ضغط مباشر للموافقة على التحالف معاهم أنتو عارفين ده معناه إيه ؟
ــ أول وزير اتكلم كان كاريف ، الوزير العسكرى بصوته الخشن :
إلينداراف جيشهم منضبط ، وسلاحهم متطور… تحالف معاهم هيأمّن حدودنا الغربيه مكاسبنا من الحركه دى كبيره.
ــ بعده الوزير مالين وزير التجارة ، نبرة صوته أهدى لكن فيها حذر:
تحالف معاهم يعني ضرائب جديدة و مراقبة على الموانئ السوق مش ناقص قيود جلالة الملكه إحنا فى حالياً فى مرحلة نهوض اقتصاديا محتاجين إننا نفضل فاتحين الأمور.
ــ المستشارة ڤاسينا ، ممثلة الشؤون الداخلية ، اتكأت بإيدها على الطاولة وقالت بابتسامة صغيرة :
الضغط ده مش صدفة، هم عارفين إن وضعنا الاقتصادي حساس أنا مع التحالف… لكن بشروطنا.
وزير الثقافه ڤيستا و وزيرة العلاقات الخارجية لوتشيانا الاتنين أبدوا ترحيبهم بالفكره على اختلاف أسباب الاتنين..
وزير الثقافه شافها فرصه للتأثير ثقافياً أكثر و أكثر على شعوب الجنوب و امالتهم لصالح نقسكهار.
وزيرة العلاقات الخارجيه أبدت ترحيبها بشرط أن التحالف يكون غير معلن منها يكونوا كسبوا ود ألداراف لفتره و كسبوا وقت علشان مملكتهم تستقر أكثر و أكثر و منها يفضلوا كسبانين ود مملكة لومدوين.
بصت الملكه زارا لكبير وزراءها فى اشاره منها أنه يتكلم علشان حابه تسمع رأيه و ده لأنه كان ساكت طول الجلسة ــ اتكلم لأول مرة :
امور مملكتنا الحبيبة مش بأفضل حال زى ما قال مالين وزير التجاره الناحيه الاقتصاديه مش أفضل حال و كاليف وزير الحربيه شايف إن ده مفيد لتأمين حدودنا الغربيه أكثر و أكثر..
أنا أشوف يا مولاتى إننا محتاجين نعمل حل وسط نعمل بينا و بينهم تبادل ثقافى و رياضى ده اللى هيظهر لسولانسيث كلها و فى السر نبدأ معاهم مفاوضات بخصوص طلبهم.
ده هيكسبهم الأمان من ناحيتنا لأننا هنودى شخصيات بارزه أكيد فى مجالات مختلفه و متنوعه عندهم ده هيحسسهم بالأمان و يخدمهم ثقافياً و أدبيا أكثر.
إحنا كمان هناخد من عندهم شخصيات بارزه فى الرياضات المختلفه ده هيساعدنا كتير على المستوى الرياضى فى مملكتنا من واقع رؤيتى لها فهى متواضعه..
من بعد موت الوزير فقار محدش مسكها و حضرتك قررتى تعينى احد المستشارين فيها لكن هو معندوش أفكار جيده ليها.
ــ ساد الصمت لدقائق كان الجميع بيفكر فى كلام جالو ، حتى الملكه كانت بتفكر و عينها بتمسح الوجوه ، دقيقه و قالت بصوت هادى :
نبدأ التصويت على كلام جالو الموافق يرفع يده اليمنى و الرافض يرفع اليد اليسرى.
دقائق و النتيجة اتسجلت، وابتسامة صغيرة ظهرت على وشها… ابتسامة محدش عرف معناها وقتها غيره هو..
جالو عيونه كانت بتراقبها وشه مكنش مرتاح شاف فى عيون الملكه مش بس موافقه على اقتراحه دى بتخطط لحاجه أكبر من كده !
" مكتب سيراث "
المكتب كان في الدور العلوي من فيلا مايزرون ، غرفة واسعة جدرانها مكسوّة بخشب غامق لونه مايل للحمرة ، محطوط عليه نقوش دقيقة لأشكال حيوانات أسطورية من سولانسيث.
موجود نافذة كبيرة ورا مكتب سيراث بتطل على حديقة جانبية صغيرة ، الشمس لسه سايبة بقايا ضوء برتقالي بيكسر على زجاج النافذة وبيفرش خطوط ذهبية على الأرضية الخشبية.
المكتب نفسه قطعة فنية ، سطحه من حجر أملس أسود عليه عروق فضية رفيعة، وفوقه بعثرة منظمة..
أوراق عقود، ختم معدني، وكوب شراب دافي لسه بخاره بيطلع. الكرسي اللي قاعد عليه سيراث مصنوع من جلد بني داكن، باين عليه إنه متهالك شوية من الاستخدام، لكن واضح إنه كان قطعة غالية وقت ما اتجاب.
ــ العبد كان واقف قصاد المكتب، إيده الشمال متكوره و وشه مش باين عليه راحة، كل حاجة حواليه غريبة ، حتى ريحة الغرفة مزيج بين جلد قديم وخشب معتّق وريحة توابل جافة محطوطة في برطمانات صغيرة على رف جانبي.
على الجانب الآخر سيراث كان قاعد على الكرسى بيتفحص الجسم اللى قصاده و كمان بيبص فى عين صاحب الجسم نفسه كأنه بيحاول يقراه من جوه.
ساد الصمت لحظات شعر السجين أنها سنين من عمره و هو ساكت ، قطع الصمت صوت سيراث الهادى..
سيراث : سمعت عنى قبل كده ؟
العبد بص ليه بنظرات غريبه مقدرش سيراث يفسرها لكن العبد فى النهايه رد..
العبد : لأ الحقيقه معرفش أنا فين أصلا ؟
سيراث فهم من الجمله أن العبد يقصد المكان لكن الواقع أن العبد كان يقصد العالم ده كله !
سيراث : أنت هنا فى ڤيلا عائلة مايزرون و أنا أسمى سيراث و أنا هنا السيد فى المكان ده.
العبد : و المطلوب ؟
سيراث بحده : أتكلم بأدب !
قالها سيراث و صمت لثوانى ثم أردف قائلاً..
سيراث : المكان نفسه جديد عليك بل و كتير بيهربوا من المجال بتاعى أنا فاهم ده كويس لكن أنت غيرهم منفسكش تبقى بكل و الكل يهتف بأسمك…
العبد : آدم أسمى آدم لكنى مشهور بأسم جولدمون.
سيراث بتعجب : آدم ؟؟
العبد : أسم كان قراه أبويا فى كتاب و حب يسمينى بيه.
سيراث بفضول : كتاب إيه ده ؟
آدم : كتاب أسمه سولانسيث هو السبب فى وجودى هنا بالأساس.
سيراث : ده كتاب بأسم عالمنا ! مين اللى كتبه ؟
آدم : معرفش الصراحه.
سيراث : مش مهم نرجع لموضوعنا ، أنا هكون صريح معاك أنت هنا لأجل إنك تلعب لصالحى مصارعه.
آدم : بس أنا حتى معرفش قواعد اللعبه !
سيراث : هتتعلم كل حاجه حتى التدريب هدربك المهم تجيب لينا المكاسب.
آدم : و المقابل ؟
آدم توقع أنه ده زى الفرق عندنا على كوكب الأرض لكن الواقع أنه هناك مفيش مقابل فى سولانسيث.
سيراث : مقابل إيه ؟
آدم : مش هنا زى نادى كده ؟
سيراث باستغراب : نادى ؟ يعنى إيه ده ؟
آدم : ها لا أبدا دى كلمه قريتها فى كتاب برضه عن عالم مختلف عن عالمنا.
سيراث بسخريه : أنت بتقرأ حاجات الأطفال دى ؟
آدم حس بالضيق لكنه فضل هادى..
آدم : كلها أذواق فى النهاية.
سيراث شاف الضيق فى عينيه فقرر أنه يجري ناعم هو مش عايز يخسر ولاءه هو كمان فناداه باسم شهرته على اعتبار أنه أكيد المفضل له.
سيراث : شوف يا جولدامون أنا مش هاممنى كل ده أنا كل اللى يهمنى المكسب و وعد منى لو عملت ده هخليك تشوف عيلتك !
آدم شاف فيها فرصه يفهم أكتر عن نفسه و عن العالم ده فأومأ بالايجاب ، ثوانى و دخل ميراڤ مستشار سيراث الوحيد.
شاف المستشار آدم و شعر بالرهبه و الإعجاب بالجسم اللى قصاده ، سيراث أمر ميراڤ أنه ياخد جولدامون أو آدم لمكانه تحت فى عنبر المصارعين.
استدار الاتنين وفتح الباب الخشبي الثقيل وخرج للممر..
الممر كان ضيق شوية لكن طويل، أرضيته حجرية رمادية ، جدرانه عليها مشاعل معدنية مثبتة ، اللهب فيها ثابت وهادي.
على يمين الممر فيه سلم حلزوني بينزل لتحت سلم أنيق ، من معدن غامق مصقول ، خطواتهم بتصدر رنين مكتوم مع كل درجة سلم بينزلوها.
مع أول خطوة لآدم في الدور اللى تحت الأرض الأجواء كانت أهدى و الضوء نفسه ضعيف فمحافظ على هدوء المكان.
الضوء صادر من مصابيح كروية متدلية بسلاسل، كل مصباح مكسو بزجاج شبه معتم بيكسر النور ويخليه موزع في المكان.
الدور ده كان واسع، سقفه عالي، والأعمدة الحجرية السميكة بتدعمه، بينها فتحات بتودي لغرف جانبية…
الأرضية مغطاة بألواح خشب قوي، عليها علامات خدوش وكدمات من الاستخدام الكتير.
في النص ، حلبه كبيرة، محاطة بحاجز معدني دائري ، ارضية الحلبه رمليه و باين فيها آثار أقدام حديثه كانت جواها.
اتجهوا بعد كده لممر من الممرات اللى بتودى للغرف.
المكان كان فيه ٣ مصارعين فى كل واحد فى اوضه أشبه بالزنزانه جسمها مليان بحديد و على يسار كل زنزانه باب ليها حديدى له قفل حجمه كبير.
المصارعين كان واضح عليهم الانهاك و جسمهم مليان بالكلمات و التعاوير فظهر على وش آدم الخضه اللى حس بيها ميراڤ..
ميراڤ عرفه على التلاته و أنهم مصارعين قدام عندهم عدا واحد و هو الأهم فى الثلاثه..
أسمه ڤاروس كرين طويل عضلاته مش منفوخه أوي لكنها متماسكة ، شعره بني غامق ، عنده ندبة واضحة على الحاجب الشمال.
عيون آدم وڤاروس تلاقت، لحظة قصيرة لكنها ثقيلة ، مليانة قياس واختبار..
ڤاروس حرّك عينة من فوق لتحت، ببطء، كأنه بيوزن آدم … وبعدين ارتسمت على وشه ابتسامة صغيرة مافيهاش ود، ابتسامة تهكم، كأن لسان حاله بيقول : هو ده ؟
آدم ما ردش بابتسامة، لكنه ثبّت نظره، جواه شعور مختلط ما بين الحذر والتحدي ، اللحظة دي رغم قصرها ، كانت بداية خيط المنافسة اللى هيتشد أكتر قدام !
ميراڤ مشى قدّام آدم لحد ما وصلوا لآخر الممر، وقف قدام باب حديدي أسود ، الحديد نفسه باين عليه أنه قديم لكن متين، عليه نقوش باهتة لرموز ما قدرش آدم يفهمها.
الباب كان على الشمال، زي باقي الزنازين، وفيه فتحة صغيرة مربعة عليها شباك معدني صدئ، باين من خلالها ضوء خافت جاي من جوه.
ميراڤ فتح القفل الكبير بمفتاح حجمه شبه كفّ الإيد، ولما الباب اتحرك طلع صوت احتكاك الحديد بالمفصلات كأنه بيتألم.
جوه الزنزانة المساحة ضيقة، الجدران من نفس المعدن الغامق لكن متآكل في أطرافه، كأن الرطوبة أكلت فيه على مهل.
في الركن الشمال، سرير حديدي بسيط، قاعد على أربع أرجل قصيرة، الفراش فوقه رقيق جدًا، لدرجة إن آدم حس إنه لو نام عليه ممكن يحس بالحديد تحته.
في الركن التاني صندوق خشبي صغير، عليه قفل صغير، واضح إنه المكان الوحيد اللي ممكن يحتفظ فيه آدم بحاجاته…
السقف واطي شوية، لكن فيه مصباح كروي متدلّي من سلسلة، زجاجية شبه معتمة ، بيطلع نور أصفر دافي ضعيف بيكسر حدة الظلام.
أول ما دخل، حسّ إن المكان على قد ما هو خانق، فيه نوع من الأمان… على الأقل هنا مفيش عيون بتراقبه طول الوقت.
قرب من السرير نام على ضهره غمض عيونه واستسلم لسلطان النوم.
" آدم "
نام آدم على السرير راغباً فى الراحه مكنش يعرف أنه حتى دى مش هيعرف يدوقها الرحله من الزنزانه فى مصر لسولانسيث داهمته فى الحلم مره تانيه..
…………………………………………………………………………
الليل فى الزنزانه بتاعة السجن كان هادى زيادة عن اللزوم…
حتى أصوات السجناء اللى دايمًا بتطلع من العنابر اختفت.
آدم كان صاحي، نايم على ضهره، عيناه معلقة بالسقف بيفكر فى الكتاب…
الكتاب نفسه كان على السرير جنبه ، ساكت… لكن سكوته مش مريح.
مد آدم إيده ، لمسه… وساعتها الدنيا اتغيرت.
إحساس أول مره يحس بيه خضه كأن روحه بتتسحب قلبه بيدق بسرعه عاليه جداً توشك على الإنفجار رجله كأنها بتقع في حفرة بالرغم من أنه نايم على ضهره.
بطنه بتنقبض، وأنفاسه اتحبست، وفي لحظة حس إن جلده بيتسحب منه طبقة طبقة… الوجع و الألم داهم جسمه ، مخه مبقاش فاهم إيه اللي بيحصل.
عيونه شافت الكتاب فتح لوحده، والصفحات قلبت بسرعة كأن ريح شديدة بتقلب الورق… مع إن مفيش هوا في الأوضة.
الكلمات بقت تتكتب وتتمسح وتتبدل كل ده بسرعه خاطفه ، لحد ما ظهرت جملة كبيرة في نص الصفحة:
حان وقت العبور
الأوضة نفسها بدأت تسيح… السقف وقع ، الحيطان اتفتحت زي الستاير، و وراها كان فيه ظلمة مش عادية… ظلمة حية، بتتحرك و تتنفس.
آدم حس إنه بيتشد، مش بجسمه… بروحه !
جسمه فضل على السرير، لكن هو حس نفسه طاير، بيتسحب ناحية الظلمة ، وصوت خافت في ودنه بيقول بلغة غريبة، ومع ذلك فهمها:
لا تقاوم
المشهد حواليه بدأ يتغير بسرعة…
لمحات من جبال ضخمة لونها رمادي ، أنهار لونها أخضر زى الزمرد، قلاع على قمم صخرية… ووشوش ناس عمره ما شافهم، لكنهم بيبصوا عليه كأنهم عارفينه من زمان.
كل صورة كانت بتيجي وتختفي أسرع من اللي قبلها ، لحد ما بقى النور والظلمة بيتصارعوا قدامه… وفجأة، حس بأرض صلبة تحت دماغه ، بس الأرض دي كانت دافية.
فتح عينه… والهواء اللى دخل صدره كان تقيل،
ريحة تراب مبلول و أوراق شجر غريبة ملأت أنفه … أول حاجة شافها، سماء فيها طائر كبير راكب فوقه حد مقدرش يميزه.
آدم وقف مكانه شاف على الأرض جمله اتكتبت و اختفت فى ثوانى…
" مرحباً بك في سولانسيث "
قلبه بدأ يدق بسرعة شاف نفسه على شط بحر كبير جدا عينه مش جايبه آخره… مياة لونها أزرق غامق، لكن مع الموج اللى بيكسر عند الشط كانت بتلمع لمعة فضيّة غريبة، كأنها مش ميّة عادية.
آدم حس بريحة ملح ممزوجة بحاجة نباتية مش مألوفة… زي الأعشاب البحرية تقريباً.
اتقدّم خطوة ناحية الميّة ، كان حاسس إن قلبه بيدق جامد و العقل اللى فى الجسم لسه بيحاول يستوعب اللي حصل…
ركع على ركبته ومد إيده يلمس السطح، البرودة كانت حقيقية جدًا، لكن اللمس نفسه حسه أخف… زي ما يكون إيده بتعدي في طبقة ما بينه وبين البحر.
عينيه اتسمرت على الانعكاس…كان هو، ملامحه هي، لكن فيها حاجة غريبة:
جسمه بقى رياضي متماسك، من النوع اللي بيجمع بين السرعة والقوة، كل حركة منه فيها مرونة كأن جسمه متعود على التدريب والقتال من سن صغير.
بشرته أصبحت قمحية من الشمس ، لونها بيحكي عن حياة قضيت في الطرق المفتوحة والمعارك.
شعره أسود فاحم و ناعم ، عيونه رمادية فاتحة ، لونها غريب وسط ملامحه الهاديه الغير مناسبه لمثل هذا الجسد ، عيونه بارده زى الغيم قبل المطر، اللي يببص فيها يحس إن قدامه واحد بيقرأه زي كتاب مفتوح.
تحت عينه الشمال، فيه وحمه صغيرة جدًا، باينة بس للي يركز، كأنها سر شخصي مش بيحكيه.
آدم اتخض من اللى شايفه ده إنسان تانى !! مش هو ، آدم أتأكد أنه مش فى حلم بل فى واقع ! واقع مخيف آدم موجود فى عالم ميعرفوش.
عقله جمع أن الكتاب سحبه جوه بقى يقول بصوت عالى..
آدم : أنا اتشفط أنا اتشفاااااااااااط ، احا و إيه اللى أنا لابسه ده ؟؟ و إيه الصوت ده كمان و إيه اللغه الغريبه اللى أنا فاهمها دى .. إيه ده أنا بقول إيه ؟ عاااااااااا
رجع بص فى المياه شاف نفسه لابس قميص أبيض قماشه خفيف ، وبنطلون مقفول بحزام عريض ، صوته شبابى لكنه ناعم سيكا عن صوته العادي كمان لا بتناسب مع ضخامة الجسم و شكله.
آدم : احا يا جدعااااان **** يخربيتك يا على يا نويرى **** يخربيتك يا علق يا عيييييييلق كسم ده كتاب جبته شفطنى جواه طب أروح فين دلوقتي عااااااااااااا.
وقع آدم على الأرض عقله مستحملش و اغمى عليه مفاقش غير على صوت خطوات رجول على الرمل.
استدار بسرعة ، شاف ٣ رجالة أجسامهم ضخمة ، لابسين جلود قديمة مربوطة بحبال سميكة ، على كتافهم أسلحة خشنة، ووشوشهم عليها وشم أسود ملتف على شكل دوامات.
اللي في النص، أصلع، وعيونه رمادية باهتة، بص لآدم من فوق لتحت وضحك ضحكة قصيرة:
– ده شكله الحظ مبتسم لينا جامدالنهاردة… امسكوه !
آدم ملحقش يستوعب ، اتنين منهم هجموا فجأة ، واحد مسك دراعه والتاني ضربه على ضهره بقوة خلت نفسه يتقطع.
حاول يقاوم ، لكن لسه عقل الجسم مشغول بأفكار آدم عن العالم الجديد مش قادر يركز على أكثر من حاجه فى وقت واحد… و هما كانوا أقوياء و صراع.
ربطوه بحبل خشن في إيده من قدّام، وبدأوا يجرّوه ناحية عربة خشب كبيرة على الشاطئ، العجلات بتاعتها غارسة في الرمل.
آدم كان بيحاول يسألهم..
إنتوا مين ؟
لكن مفيش غير صوت البحر مع ضحكاتهم كمان لاحظ آدم دلوقتى بس اللغه اللى هو بيتكلم بيها دى لغة إيه أصلا أول مره بسمع الحروف دى و المشكله أنه مش بيفكر حتى هو مجرد يفتح بوقه يتكلم الكلام بيطلع لوحده.
العربة تحركت، وفضلت تتمايل بيهم في طريق ترابي ما بين تلال صغيرة مغطاة بنباتات لونها أخضر مزرق.
فى الطريق آدم كان بيسب و يلعن فى على النويرى شويه و شويه تانيه بيحاول يفكر يعمل إيه و مين دول ؟ و ليه جسمه اتغير بالشكل ده ؟ و هل ده جسم حد تانى يعنى ولا إيه و بعدين أزاى هو لسه فاكر أصلا اللى حصل معاه على الأرض.
الموضوع كان فوق طاقته الاستيعابية و غريب جداً عمره ما حب كتب الفانتازيا أصلا يقوم يلاقى نفسه فى عالم لكتاب مجهول.
لكن ده مكنش الأغرب بل و هو بيفكر لقى فيه صوت جنب ودنه بيهمس ليه و يقوله مين اللى هو فى جسمه و يفهمه أنه انتقل روحياً.
الموضوع قلب معاه يضحك هستيري من كتر ما هو مفكر نفسه بيهلوس أصل استحاله ده يكون طبيعى ده حتى اللى فى العربيه هما كان افتكروه مجنون.
بعد وقت مش قصيره ، سمع دوشة… صوت ناس، مناداة، أبواق.
دخلوا سوق واسع، مليان ألوان وروائح… ريحة توابل حارة، دخان مشاوي، صريخ باعة، وحركات سريعة في كل اتجاه.
آدم حاول يلف رقبته يشوف، لكن الحبل كان مشدود. فجأة، في لحظة غفلة من اللي ماسكه، شد جسمه بكل قوته ورمى نفسه على جنب… وقع على الأرض، الحبل اتحرر نص تحريرة، وبدأ يجري وسط الزحمة.
خطواته كانت بتخبط على أرض حجرية ، والناس بتتحرك حواليه وهو بيزق أي حد في طريقه.
الناس اتشتتت ، كل واحد بيبعد عن الراجل اللي بيجري كأنه نار ماشية ، لكن الاصلع كان وراه ، بيزق الناس بعنف ، صوته جاي من بعيد:
ـ أمسكوه أمسكوه اوعوا يهرب !!
آدم حس صدره بيولع من الجري ، قلبه هيطلع من مكانه، لكن رجليه لسه بتتحرك وفجأة…
خبط في جسم تقيل، كتفه اتزق بقوة ، اتكعبل خطوة، وكان هيقع، لكن مسك نفسه رفع عينه بسرعة…
راجل طويل ، جسمه مليان ، العباية سايبة على جسمه ، وشه مش متفاجئ قد ما هو بيراقب… عينين سودا بترقب تفاصيله في لحظة.
الشخص ده كان سيراث بكل تأكيد ، سيراث اتراجع نص خطوة، عينه لمعت وهو بيسأل نفسه بهمس:
ـ مين ده؟
لكن قبل ما يكمّل نظرته، آدم اختفى وسط الزحمة، و الاقرع الضخم كان بيقرب أكتر، بيزيح الناس بإيده كأنهم ورق.
سيراث فضل واقف، نَفَسه تقيل، وحاجة جواه قالت له :
ـ ده ما كانش هارب عادي…
رفع عينه للسماء الرمادي، وهمس:
في حاجة اتغيّرت…
آدم كان لسه بيجرى و حاول يزق آخر واحد قدامه، لكن فجأة إيد ضخمة مسكت دراعه بقوة و شدته لورا ، لدرجة إنه حس عصب كتفه اتشد.
الاقرع (بضحكة نصر): مسكتك يا فار يا صغير!
آدم حاول يلف ويفلت، بس الطوق الحديدي اتقفل على رقبته في لحظة، وسلسلة التقفيل أصدرت صوت معدني حاد وسط ضوضاء السوق.
الناس حوالين المشهد بدأوا يبصوا، بعضهم ضحك، والبعض اكتفى يتفرج… مشهد اصطياد عبد كان بالنسبة لهم زيه زي أي صفقة.
سيراث اللي لسه واقف على بُعد خطوات ، ما شال عينيه عن المشهد ، خطا بهدوء ناحية الاقرع و صوته واطي لكن فيه نبرة حاده:
طالب فيه كام ؟ اخده منك ب ثلاث دنانير ذهبيه
الاقرع بص له، وابتسم ابتسامة فيها ريحة سخرية:
ـ أكتر… جسمه جديد، عضلاته متماسكة، ولسه ما اتبهدلش. ده هيعيش عندك سنين من غير ما يشتكي.
سيراث قرّب، ووقف قصاد آدم..
آدم كان لسه بيحاول يتنفس من ضيق الطوق، لكن عينه ما بعدتش عن الراجل الغريب اللي بيبص له بنظرة مش شبه باقي التجار.
سيراث : طالب كام ؟
الاقرع (بسرعة) : خمسة دنانير دهب.
سيراث ضحك بخفة، كأنه بيسمع رقم من تاجر مبتدئ : شكلك بتحلم أحلام أكبر منك.
الاقرع اتضايق: ده تمنه… ويمكن أكتر، ده حتى شكله مش من هنا !
سيراث بص لآدم مرة تانية، وبعدين رجع للصياد، صوته بقى حاد أكثر :
أنا هاخده… بأربع دنانير زى ما عرضت فى الأول.
الاقرع : تستهبل ؟
سيراث (ببرود): أربع دنانير، وتنسى إنك شفته أصلاً.
الهدوء نزل على الصياد، وعينه راحت لجسم سيراث اللي ما كانش باين من تحت العباية ، لكن طريقته، نبرته، وثقة خطواته… كانت كفاية تقول إنه مش حد عادي.
بعد ثواني من الشد والجذب، الصياد مد إيده وأخذ الكيس الصغير اللي فيه الدنانير، وفك الطوق من رقبة آدم.
الصوت المعدني وهو بيتحرر كان كأنه كسر قيد جواه.
سيراث التفت لآدم وقال بصوت واطي، بس فيه أمر واضح: امشي ورايا… دلوقتي.
آدم ما قالش حاجة، بس حس إن الراجل ده مش زيه زي باقي الناس هنا !
………………………………………………………………………….
صحى آدم على صوت خبط قوى على الزنزانه و صوت شخص حاد بيقوله..
الصوت : قوم يا حيوان !
" مملكة لومدوين _ ألدرينسار "
المدن و البلدان دائماً ما هتلاقى فيه شئ يميزهم تسمع الإسم تفتكر الشئ المميز ده و مملكة لومدوين أكثر ما يميزها هى العاصمه الأقوى فى سولانسيث كلها !
العاصمه ألدرينسار هى القلب النابض للمملكه كلها مساحتها ضخمه جداً و بالرغم من كده لم تنقص من مساحة المملكه شئ.
مملكة لومدوين هى الأكبر من حيث المساحه كمان فيها نهر العظيم ڤيندرا و هو أول حاكم للمملكه و اتسمى النهر على أسمه تخليداً لذكراه.
لأجل كل المميزات دى ممالك كتير حاولت تغزوها و تاخد من أراضيها لكن..
أبناء المملكه كانوا دائما بالمرصاد للغزاه كلهم تحت طوع المملكه المتمثلة فى العيله الحاكمه عائلة ألداريون.
ملكتهم الحاليه هى ليانا ألداريون الملقبه بسيدة الضوء هى سيده اربعينيه لكن لازالت تحتفظ بجمالها و جسدها الأنثوي المتناسق.
الملكه ليانا لها هيبه كبيره فى قلوب شعبها فهم يحبونها و يحترموها و إن جيت للحق فهم معاهم كل الحق.
الملكه ليانا عندها القدره بشكل واضح للجميع على إدارة أقوى مملكه بدقة غير عاديه بالرغم من أنها حالياً مش متجوزه بل ارمله.
الكل توقع بعد وفاة جوزها الملك أنها تقع لكن فاجئت الجميع بصلابتها و وقوفها بصلابه فى وش الكل.
عندها وريثين للعرش محتملين الأمير إيريون و ڤيلانا ألداريون ، العائلة الملكيه دائماً ما كانت نقيه ١٠٠ بالمئه مش بيتجوزوا من بره العيله.
القصر الملكي موجود فى قلعة النور وسط العاصمة ألدرينسار، يطل على نهر فيندرا العظيم ويُشرف على أحياء المدينة القديمة والجديدة.
القصر هو مزيج من العمارة العتيقة والفخامة الحديثة ، جدرانه مبنية من حجر أبيض ناصع ومرصعة بأحجار كريمة لامعة تعكس ضوء الشمس والقمَر.
أسواره عالية تحيط بالقصر، مزينة بنقوش التنين الفضي المتشابك حول شجرة النور المضيئة ، ده شعار عيلة ألداريون.
أبراج الحراسة شاهقة يبلغ عددها ثمانية، كل منها مجهز بأبراج مراقبة مزودة بسحر دفاعي يحمي القصر من الهجمات المفاجئة.
البوابة الرئيسية ضخمة من الحديد المطلي بالذهب ، عليها تماثيل محفورة لتنين وأسود تحرس المدخل.
تفتح البوابه الرئيسيه تلقائيًا بلمسة سحرية لمن يحمل خاتم الملكة أو أحد أفراد الأسرة الحاكمة.
القصر فيه حدائق واسعة ممتده حولين القصر، مزروعة بأشجار النور النادرة اللي بتضفي على المكان توهج فضي فى الليل.
ده غير النافورات المائية اللى تحسها بترقص مع ألحان موسيقى هادئة تنبعث من أعمدة الصوت المخفية.
ممرات حجرية ملتفة مع مقاعد فاخرة وأماكن للاجتماع الخاص بعيدًا عن أعين الحراس.
جوه القصر القاعات كبيرة ومزينة بالسجاد الأحمر الفاخر والستائر المخملية المنقوشة بالرموز الملكية.
الجداريات بتحكي أساطير المملكة ومعاركها الكبرى تزين الجدران.
أعظم قاعة في القصر هى قاعة النور ، و هى مركز السلطة والحكم.
الأرضية من الرخام الأبيض المرصع بالذهب، وعلى جدار خلف العرش يوجد تمثال تنين فضي ملتف حول شجرة نور مضيئة ينبعث منها ضوء خافت.
العرش نفسه مصنوع من الذهب والفضة، مرصع بالجواهر النادرة، ويعلوه تاج الملكة ليانا.
تحيط القاعة أعمدة ضخمة منحوتة برموز القوة والحكمة، وتوجد مقاعد لأعضاء المجلس الأعلى على جانبي القاعة.
أما عن الأجنحة الملكيه فهى واسعة ومزينة بكل وسائل الراحة والترف، مع نوافذ تطل على المدينة والحدائق.
تضم غرف نوم ، غرف استراحة ، ومرافق شخصية لكل من الملكة ، الأمير إيريون ، والأميرة ڤيلانا.
و على سيرة الاميره ڤيلانا فأحب أعرفك أن هى المرشحه الأقرب للحكم و ده لقربها الشديد من الشعب.
خلينا نتحرك على ميدان النور حيث الموكب الشهرى للاميره ڤيلانا ألداريون و هى بتمشى حوالين العامه وسط دائره من الحراس الملكيين.
الموكب بيكون كالتالى بيبدأ من القصر الملكي بيلف المملكه كلها فى طريق اشبه للدايره معد خصيصا للمواكب اللى من النوع ده و ده لأن فيه ناس من جميع أرجاء المملكه بتحضره لكن اليوم ده تحديداً كان مميز أكثر و أكثر..
اليوم ده اتجمع مئات الآلاف من سكان مملكة لوميدوين من كل مدينة وقرية ، الأعلام كانت بترفرف بألوان العائلة الحاكمة الأحمر والذهبي ، تعلو الاصوات الموسيقيه من الات بعضها ضخم و الاخر صغير يتراقص حولها البعض.
في الجانبين، يقف الحراس الملكيون كجدار من الصلابة، يرتدون دروعًا مزخرفة تعكس وهج الشمس.
الموكب يتقدم ببطء ووقار من بوابات قلعة النور، مرورًا بالممرات الحجرية المليئة بالزخارف والنقوش التي تحكي تاريخ المملكة وملاحم أبطالها.
الأميرة ڤيلانا ألداريون تتوسط موكبها، شعرها الأرجواني يتمايل مع نسيم الغروب، وعيونها العسليه تتأمل الحشود المتنوعة: من الفلاحين البسطاء إلى النبلاء المهيبين، ومن تجار الأسواق إلى الحرفيين.
اليوم ده كان فيه مشاعر كتيره فى الموكب مزيج ما بين الولاء ، المحبه ، الإعجاب ، الفضول، والشك.
الولاء و المحبه من أهل المملكه بكل تأكيد بل و حتى الأجانب الحاضرين للموكب ده باستثناء شخص واحد.. كاهيرا !
كاهيرا كانت متخفية بتعويذة التخفى ، واقفه بين الجموع ، منبهره بالاجواء المحيطة بيها من كل جانب ، الفرحه و السعاده الموجودين عند الجميع بسبب اميرتهم خلاها تحس بالاعجاب و الفضول بل و حتى الشك تجاه الاميره.
كاهيرا اتربت بشكل مختلف ، شافت نفسها مكان الاميره ڤيلانا قارنت نفسها معاها الاتنين من المفترض أنهم ورثه فى ممالكهم لكن كاهيرا اتحرمت من ده على عكس ڤيلانا.
غصب عنها دمعه فلتت من عيونها و هى شايفه مشاعر الحب دى كلها لشخص زيها بقت تقول لنفسها ذنبى إيه أنا !! بقت تلعن زارا سهرزين جواها اعتبرتها سبب لعنتها تمنت لو كانت ماتت و هى صغيره.
نظرت مره تانيه ل ڤيلانا و هى بتحيى الجميع من فوق فرستها ، قالت جمله بصوت مخنوق..
كاهيرا : ناس مكتوب لها تمشى فى موكب و الناس ترميها بالورود و ناس تتعامل زى حالاتى منبوذين و حتى لما يحضروا حفله يكون لغرض استراتيجي.
كاهيرا سبب وجودها فى المملكه كان استكشاف أحوالها بنفسها ، استخدمت طائر الرايكو الخاص بها و سافرت لالدارف الأول و من هناك ل لومدوين ، كل ده علشان تعرف اكتر عن الجهات المتحاربة.
استدارت كاهيرا علشان تمشى لكن..
فجأة، وسط الأصوات والضجيج، برز شاب بسيط المظهر بيحاول يتقدم فى طريقه ناحية الأميرة.
كاميرا وقفت ركزت معاه و شافت عيناه المليانه بالأمل أنه يوصل للاميره ، لكن أول ما قرب منها قدر المستطاع و لسه هيحاول يخترق الحاجز هوب قبض عليه الحراس بعنف، يبعدوه بقوة عن مسار الموكب.
الموقف كان ملاحظ من كل القريبين من المشهد فى ثوانى تعالت المسات و تحولت النظرات من الحضور لاستياء و تعاطف مع الشاب.
كاهيرا شافت فى الشاب نفسها و هى بتحاول تسعى للسمو و الرفعه و الحارس هو الظروف الفاصله فى ثوانى بدأت تتحرك ناحية الحارس و هى متخفية.
فى الوقت اللى كاهيرا بتتحرك الاميره ڤيلانا شافت نظرات الناس معلقه بالحارس ، فى ثوانى نزلت الاميره عن فرحتها و اتجهت ناحية الحارس فى صمت مطبق من المكان بأكمله رغم استحالة ده لكنها الاميره ڤيلانا مش أى حد.
بمجرد ما وصلت عند الحارس قالت بصوت غاضب و مسموع تقريباً عند الجميع..
ڤيلانا : سيبه من أيدك أنا بأمرك تسيبه يقرب !!
الحارس فوراً نفذ الأمر ، والأميرة بدأت تخطو نحو الشاب بابتسامة هادئة ، و بتتكلم بهدوء مطمئن تشجعه يقرب.
الشاب فعلاً قرب منها وطى باس كف أيدها تحت تأهب من الحراس الموجودين تحسباً لأى شئ ، أظهرت الاميره كيس كانت أخفته فى ايدها الشمال مليان بالنقود الذهبيه.
مدت ليه أيدها بالفلوس و من ثم لمست كتفه برفق ، و ودعته بكلمات تتمنى له فيها أن ينعم سعيداً.
كاهيرا كانت بتابع المشهد، قلبها ينبض بشيء غريب؛ مزيج من التعاطف والدهشة ، في هذه اللحظة، ترى بوضوح أن مملكة لوميدوين ليست فقط قوة وسلطة، بل هي أيضًا إنسانية، أمل، ونقطة ضعف في آنٍ معًا.
الموسيقى ترتفع مجددًا، والموكب يواصل طريقه عبر الشوارع المضيئة بالفوانيس، والناس يلوحون بأيديهم، والأطفال يصرخون بفرح، وتبقى صورة الأميرة والشاب محفورة في ذاكرة كاهيرا، تزرع بذور شك وتغيير في عقلها وقلبها.
" مملكة ميراشا "
الضباب كان سميك لدرجة إنه كاد يخفي أشجار الغار السوداء، والمطر غزير عامل صوت مرعب بسبب اصطدامه بسقف الكوخ القديم.
الأصوات بتنغمس في صدى خفيف وسط الرياح الشديدة اللي بتتلوى وتدور حول المكان ، شعاع أزرق خافت من ضوء القمر بيتسلل من نافذة الكوخ، ثابت رغم العاصفة.
الباب الخشبي المتهالك اتفتح بهدوء ، ودخل الراجل الغريب متثاقلاً، وقف ودخل الباب وراه بحذر، قفل الباب بلا صوت.
الساحر ما رفعش رأسه، أصابعه كانت متشابكة وهو بيقلب في أوراق قديمة مجعده على الطاولة المليانة بعلامات طلاسم وأواني زجاجية بخارجة منها أبخرة خفيفة.
صوته كان هادي لكن فيه نبرة استفزاز:
رجعت أسرع مما توقعت... صحيح لسه مش ناوي تقولى اسمك ؟
الراجل رفع راسه شوي، عينيه تحت القناع لامعة بتوتر، بس صوته كان قاطع:
سيبك من أسمى ، أنا جيت أكمل طلبك الأول.
الساحر ابتسم بس كان ابتسامة خفيفة، بعيون شبه مغمضة: الطلب الأول ؟ ما خلص من زمان.
الرجل رفع حاجبه وبتوتر: يعني إيه ؟
الساحر رفع يده يمسح رماد على ورقة قديمة:
يعني لو عايز حاجة جديدة، يبقى طلب جديد و سيبك من القديم.
الرجل وقف بثبات، صوته فيه توتر غير ظاهر:
ده مش كان الاتفاق بينا ؟
الساحر رمى طرف نظره للراجل، عيونه صارت رمادية كأنها صخور:
الاتفاق كان على نقل روحين فقط، ما نسيتش ولا حاجة.
الراجل بسخريه بيدارى بيها توتره : و أنا من المفترض أعرف الروح راحت فين لوحدى ، مش كده ؟
الساحر ضحك بمرارة، وأشار بأصابعه لعالمه المظلم : و أنا كمان معرفش بعدين حد قالك إني الحرس الملكي في ألداراف ؟
ساد الصمت ثوانى لحد ما أردف الحارس بهدوء..
ممكن اعتبره من ضمن الطلب القديم لكن بشرط تقولى إيه السر اللى وراء طلبك ليه !
الراجل بان عليه الضيق و التوتر هو مكنش حابب حد يعرف السبب لكن الضرورات تبيح المحظورات.
الراجل اتنفس بعمق، وبدأ يشرح بنبرة أضعف لكنها مقنعة : نبوءة من ساحر مات من زمان قال لي إن الروح دي مش زي أي روح ، الروح دى هترج عالمنا رج..
هى اللى هتحدد مين هيكسب و مين هيخسر فى الحرب الجايه كمان هتجاول على سبب لعنة بتطارد شخصية مهمة جداً فى سولانسيث.
الساحر توقف، وجهه اتغير شوية، واتلم في الظلام حواليه، وقال بصوت منخفض:
مين الشخصية المهمة دي ؟
الراجل بص في الأرض، ثم بص لعيون الساحر بثقة :
مش مهم تعرف دلوقتي، الأول أعرف مكان الروح فين ، و كمان معلومات عنها من عالمها.
الساحر ابتسم ابتسامة باردة ، ورفع إيده من تحت الترابيزة، وأخرج بلورة رمادية ، مكسورة في نصها، بتلمع بنور خافت و قال..
دي هتنور لما تقرب منها... بس خلي بالك، النور ممكن يكون حياة أو موت.
الراجل مد إيده ياخد البلورة ، لكن الساحر سحبها بعيد الأول..
المرة الجاية، خليك مستعد، ألف عملة ذهبية ثمن المعلومات.
الراجل مسك البلورة بعنف، و اتجه خارج من الباب وسط صوت المطر والريح القويه.
" ڤيلا مايزرون _ آدم "
صحى آدم من نومه على صوت خبط قوى على الزنزانة و صوت حاد بيقوله..
الصوت : قوم يا حيوان ! بسرعه !
نظر آدم لصاحب الصوت شاف شخص طويل يقارب ال 185 سم، شعره اسود قصير ، عنده بنية عضلية ضخمة وقوية ، جسمه معبّر عن سنوات طويلة من التدريب والقتال ، ملامح وشه صارمه ، مليان علامات قديمة واضح منها ماضيه العنيف ، عينيه سوداء و حادة.
فضل آدم باصص شويه للراجل الواقف قدامه بيجمع ده مين أساساً لكن داهمه صوت الحديده اللى كانت بتضرب حديد الزنزانة ، صوت مزعج لكنه كان كافى يقومه من على السرير.
مر من الوقت عشر دقائق وظهر الجميع فى الساحة المخصصة للتدريبات على المصارعه.
الشمس كانت قويه و الرمال واضح أنها سخنه و الأرض عليها بعض الحصى الصغير ، الحوائط من جوه اللون باهت لكن بالرغم من كده الوشوم المرسومه عليها قادره تدى دفعه لكل واحد يشوفها على الأقل ده كان إحساس آدم.
المكان كمان عباره عن أماكن متفرقة للتدريب في واحد من الأركان يوجد كرات سوداء أشبه لكرات البولينج لكن بأحجام مختلفة.
و فى ركن آخر يوجد ما هو أشبه لكيس الملاكمه لكنها مختلفه بسبب وجود اله حمراء اللون شكلها أقرب لعامود كورة سله له سقف مسطح يتدلى من السقف كيس ضخم ممتلئ لكنه يدور فى حلقات دائرية.
فى ركن آخر توجد به أشياء اسطوانية من ماده لامعه فى الشمس افترض آدم عند رؤيتها أنها أثقال يرفعها المصارعون.
كمان شاف أخشاب قصيرة الطول لكنها سميكه واضح عليها الصلابه لم يفهم آدم ما هو سبب وجودها لكنه خمن أنها ممكن تكون واحده من أساليب اللعب.
كمان شاف فى ركن آخر يوجد سيوف خشبيه و حديديه على مكتب خشبى كل سيف بحجم مختلف عن الآخر.
و أخيرا برج خشبى شبه متهالك لكنه مازال واقف بشموخ ، للبرج سلمين من اتجاهات متقابله أى لو حبيت تصعدها يا من الامام يا الخلف.
البرج من فوق محاط بجدار خشبى قصير و فيه جوه اوضه خشبيه صغيره.
انتبه آدم لصوت المدرب و هو بيقول بأعلى صوته…
المدرب : مصااااااارع أجمع مصااااااارع أجمع.
بدأ آدم يتحرك للمكان المتجه له المصارعين كان فى قلب الساحه نفسه ارتص تسع مصارعين فى ثلاث صفوف متباعدين بطول ذراع فى حركه أشبه للنظام العسكري.
وقف المدرب أمام المربع ده من الأشخاص و وقف خلفه سيراث ب هندامه الجامع بين اللونين الأحمر و الاسمر و هو أشبه للهدوم الرومانيه.
وقف آدم فى مؤخرة الصف الثالث من اليمين و وقف ڤاروس كرين المصارع اللى شافه فى الزنزانه فى مقدمة الصف الأول من اليسار.
أقترب سيراث يتبعه ميراڤ المساعد بتاعه اتقدم سيراث خطوه عن المدرب و بدأ بصوت قوي متزن، وكأنه بيخطب أمام مجلس من المحاربين و بيتحرك قصائدهم..
سيراث: أودامنا أيام قليلة على نهاية المسابقه بتاعة الشهر ده.. اليوم الأول مشى بشكل سئ لكن حتى أعظم الناس ممكن تبدأ مش بأفضل طريقه..
وقف سيراث و بص فى وشوش مصارعيه بوش صارم جامد لا يعرف الرحمه تقريباً وش وحشى و بيكمل كلامه..
سيراث : أودامنا أربع أيام كمان فى المسابقه دى كل أسبوع فيه يوم للمسابقه باستثناء اليوم الأخير أنا عايز ٥ منكم على الأقل يكونوا متاحين للعب فى اليوم الأخير…
افتكروا إن في الحلبه الضعيف بيموت قبل حتى ما يكمل دقيقه واحده جواها... هنا القوي بس اللى بيقدر يعيش بكرامه و إحنا رجاله متعرفش إلا الكرامه ، مش كده يا رجاله !!!
الجموع باستثناء آدم : تمام يا قائد !!
المدرب بصوت عالى يضم الودن : أعلى !!
آدم فى سره : ده العسكرى فى السجن صوته رحمه عنك.
سيراث بدأ يخطو خطوات بطيئة بين الصفوف ، عينه بتمسح كل واحد بنظرة باردة ، وقف لحظة أمام ڤاروس كرين، ابتسم ابتسامة قصيرة تظهر أنه راضٍ عنه، ثم يتحرك ناحية الصف الأخير... حيث يقف آدم.
سيراث (نظره مستقرة على آدم): انضم لينا مصارع جديد امبارح يا رجاله ، عايزكم توروه الأمور أزاى بتمشى هنا و يعرف أن المنافسه هنا مش سهله.
آدم حس بصعوبة الموقف هو فى العادى شخص مسالم لكن من الواضح أنه هيضطر يطلع أسوأ ما فيه علشان يقدر يعيش مش بس يكون أسم له هنا لحد ما يشوف هيعمل إيه !
المدرب كان واقف ورا سيراث بخطوة ، لاحظ عيون آدم الحيرانه و ضاف عليهم السلوك اللى شافه من آدم و من ثم ابتسم بسخرية.
المدرب (بصوت عالي يخترق الساحة) : معتقدش سيدى أنه هينفع بص عليه… ده زى الطفل الصغير ، اللى زى ده لو دخل الحلبة أول ضربة هتخليه يعيّط زي الأطفال.
ضحكات متفرقة من بعض المصارعين ، بعضهم بيبص لآدم باحتقار و البعض الآخر بفضول.
آدم كان بيعض على أسنانه، لكنه برضه مردش.
سيراث بص له لثواني بعدها اتلتفت عنه شاور للمدرب يتبعه و من ثم مشي متجه لغرفه خشبيه صغيره موجودة فى الساحه تسمح له يشوف التدريب.
المدرب بص المصارعين و بصوت خشن : لفوا الساحه كلها ١٠ لفات فيما يقل عن ربع ساعه ، استعدااااااااد ابدأ !!
اتحرك المصارعين يلفوا الساحه فيما اتحرك المدرب بخطوات ثابته فى اتجاه سيراث اللى كان قاعد فى الغرفه بيبص عل المصارعين و جنبه مشروب أخضر اللون.
سيراث : رأيك إيه ؟ قول بكل صراحه و لو أنى عارف إنك دائما صريح مش محتاج قواله يا كاليك.
كاليك ( المدرب ) : بصراحه مش حاسس فعلا أنه هيطلع منه حاجه بص عليه كده منعزل الكل بيجرى و بيحاول يتكلم لكن هو لأ لوحده و ده مش كويس للمصارعين..
ده حتى حاولت استفزه بالكلام علشان يظهر أى شراسه لكن مفيش أى رد فعل خالص أعذر جراءتى بس شايف إنك انخدعت فيه.
سيراث : بص على جسمه كويس يا كاليك و تمعن فيه ركز فى التفاصيل ، ده شخص عنده كتير من المقومات اللى تجعله مصارع قوى جداً و ذو شعبيه.
سيراث كان شايف فى آدم أو زى ما بيقول عليه جولدامون منافس تانى ل ڤاروس أقوى المصارعين عنده ، هو شايف إن ڤاروس لسه راجع من أصابه أول مباراه له هتكون كمان اسبوع ف لازم حاجه تشده.
لأجل كده ابتسم له فى الطابور علشان يحفزه و فى نفس الوقت حاول يستفز جولدامون ( آدم ) علشان يخلق منافسه ثنائيه و حتى تشد الباقى معاهم كمان.
ببساطه سيراث أدار اللقاء الأول لصالحه من الأول للآخر حتى محبش يتكلم عن الخسائر المتلاحقة من لما اتصاب ڤاروس علشان ميربكش المستجدين من بره المملكه و هم ٢ و معاهم آدم.
هو عايز الكل يبقى مركز لأكبر قدر ممكن من الوقت.
كاليك : اعذرني يا سيدى لكن بالرغم من هيئته القويه و طوله الممتاز فى رأيى فهو سبعيناتى أعتقد و ده حلو جدا مناسب لطبيعة جسمه لكن المهم اللى جوه يا سيدى ، العقل اللى بيحرك الجسم نفسه.
ده شخص حسب ما فهمت كان بيجرى وراه ڤيتس الاقرع فى السوق و حضرتك عارف ڤيتس و اللى معاه على قدهم اللى بيهرب منهم مش بيرجع ده أول مصارع يتمسك ، أنت متخيل !
سيراث سرح لثوانى ثم لمعت عيناه و من ثم أشار لكاليك بالانصراف لمتابعة التدريبات.
كاليك اتجه للساحه صقف صقفتين قويّتين ، صوتهم كان بيتردد على جدران الساحة ، فى ثوانى كان كل المصارعين حاضرين بنفس الترتيب بتاعهم.
بدأ يشرح جدول التدريب: جولات من رفع الأثقال اللامعة، ضرب الأعمدة الحمراء الدوارة، تسلق البرج الخشبي، ومناورات بالسيوف الخشبية و الحديديه و من ثم قال إن فى آخر اليوم فيه قتال فى الحلبه تحت.
التدريب الأول كان عباره عن..
آدم يواجه العمود الأحمر الدوار و المفروض أنه يضربه بعزم ما فيه لكن ضربته طلعت متوسطه و ده كويس لكن اللى مش كويس أنه مكنش مركز..
العمود رجع بسرعة و ضربه في كتفه بقوة خلاه كان هيقع.
كاليك ضحك بصوت عالي:
ده مش تدريب على الرقص يا حبيبي... اضرب كأن حياتك متعلقة بيها !
آدم حاول للمرة التانية ، أقوى ، لكن مش قادر يركز بشكل كامل فادى العمود الدور مره و فى التانيه اخده فى وشه لما كاليك نده عليه و كان هيقع.
بعض المصارعين بيبدأوا يلاحظوا ضعفه و يضحكوا بسخريه ، و ده خلي الجو حواليه مشحون و هو نفسه متوتر بزياده.
كاليك عنفه و فهمه إن مهما حصل لازم تركيزه يبقى مع خصمه مش مع حد تانى أبدا مهما حصل.
وقت الغداء
آدم رجع لعادته فى السجن و قعد في زاوية فى الساحة ، قعد بياكل فى صمت مطبق ، كاليك شافه فبعد عن باقى المصارعين.
كاليك قرب منه و مسك طبقه قبل ما يكمل اول قطمه..
كاليك: المصارع اللي بيحمي نفسه بلسانه أكتر من إيده... ما بيدومش هنا خد بالك !!
آدم رفع عينه أخيرًا ، نظرة قصيرة لكن مليانة ضيق ، كاليك ابتسم و حس من جواه ببعض السعاده من النظره الصغيره دى.
لحظات و فجأة من ناحية البوابة الشرقية، انفتح الباب الخشبي الكبير ، الأنظار كلها اتجهت لهناك.
ظهر سيراث بلبسه الأنيق الممزوج بين الأحمر والأسود ماشي بخطوات واثقة ، و جنبه اتنين حراس من رجاله ، وبينهم خمسة أشخاص واضح من ملامحهما لتوتر و القلق.
آدم شال نظره عن الطبق فور لما لمح الوجوه للحظه عقله لوحده بدأ يعرف و يفتكر الموجودين…
و كأن عملية التنقل بين الأرواح مخفش المعلومات القديمه لكل شخص من الاتنين بل خزنتها عند كل طرف علشان لما يحتاجها !
لكن اللى كان مستغربه أنه مش بس عارف اللى قدامه لكن تلقائيا لقى نفسه عنده مشاعر متضاربة عقله بيقوله هو أنت تعرفهم أصلا منين !؟ دول مش أهلك دول أهل الراجل اللى أنت فى جسمه..
و فى نفس الوقت يرجع قلبه يقوله بس مينفعش تعمل نفسك من بنها بعدين بص ملهوفين على ابنهم أزاى متبقاش حلوف يلا !
مشاعر متضاربة اجتاحته مبقاش عارف يعمل إيه !؟ مسكين ميعرفش أن اللى جاى هيوتره اكتر من الاول !
سيراث وقف في منتصف الساحة ، صوته هادئ لكن مسموع لكل من فيها :
سيراث : شوف يا جولدامون في بعض الأوقات ، التدريب لوحده مش كفايه ... المقاتل محتاج يعرف هو بيقاتل ليه و أنت مش بس يتقاتل علشانى لأ كمان علشانهم !
اتجه بخطوات جانبية، كاشف المجموعة اللي كانت واقفة وراه:
رولان جولدامون و هو الأب، واقف شامخ رغم خطوط العمر اللى بارزه في وشه ، اصلع و هو أسمر البشره ، ملامحه حاده ، عيونه فيها غضب مكتوم و كانت مركزة على آدم أو ابنه جولدامون.
كان يرتدى رولان قميص مرقع بالخيوط اللى بتوضح إن من كتر ما هو فقير مش قادر يجيب هدوم بدل اللى دابت.
إلينا و هى الأم ، امرأه أربعينيه ملامحها دافئة شعرها مازال يحتفظ بلونه الأسود جسمها نحيف بدرجه كبيره ، كانت واقفه و القلق ظاهر في عينيها.
ليانا و هى الأخت الكبرى ، جميله بشرتها قمحيه شعرها أسود كثيف ، جسمها متفجر الانوثه ، على عكس أمها هى لا تعانى من النحافه ، كانت نظراتها مليانه باللهفه تجاه أخوها.
ماركوس و هو الأخ الأوسط ، أكتافه عريضه و ضهره مفرود وكأنه بيحاول يظهر أقوى مما هو عليه ، بشرته بيضاء على عكس أخواته فقد أكتسب البياض من أمه ، عيونه خضراء شعره بنى اللون ، عنده نمش بسيط ، طوله متوسط.
آنا و هى الأخت الصغيرة لم تكمل العاشره من عمرها ، أيدها متعلقه في إيد أمها، عينيها بتلمع بالدموع من لما شافت اخوها من اللهفه عليه و مبطّلتش تبص على أخوها.
آدم حس بارتباك غريب. قلبه بيرتج بسرعة، وعقله بيحاول يستوعب المشهد و ياخد قرار سريع هيعمل إيه !!
سيراث ابتسم، ابتسامة فيها دفء مقصود، وقال وهو بيبص على آدم:
سيراث: دول مش بس عيلتك... دول قوتك ، لما تيجي اللحظة اللي جسمك يصرخ من التعب... افتكر إنك بتقاتل علشان ترجع لهم حياتهم.
من النهارده أنا بعلن للمصارعين كلهم أن المصارع اللى هيكسب مباراه له ١٠ فى الميه من مكاسب المباراه.
القرار كان مفاجئ للكل دى حركه جريئه هو أول واحد يقرر يعملها فى المملكه كلها من بعد تاجر تانى كان فى نفس الحاله لكن منفعتهوش ف أزاى جاتله الجرأه ياخد نفس الخطوه.
لكن سيراث كان واثق جداً من قراره و ده كان واضح فى خطواته و هو متجه ناحية آدم ، وقف على بعد خطوات قليلة، صوته منخفض ميسمعوش غير آدم..
سيراث: أنا عارف إنك تقدر تعمل أكتر من اللي بتعمله دلوقتي... وده مش عشاني أنا... ده علشانك أنت، وعلشانهم.
آدم بلع ريقه، و إيده تشدّت على الطبق المعدني. ملامحه بدأت تتحوّل من التعب العادي لشيء أكثر صلابة.
الحراس سمحوا للعيلة إنها توقف بضع دقائق مع آدم ، مكنش فيهم كلام كتير على قد ما هو طمأنينه على أخبار ابنهم اللى هما معتقدين أنه واقف قصادهم.
وعدوا آدم أنهم يكونوا حاضرين مباراته الجايه لو قدروا يشتروا تذاكر للمباراه و لو أن ده صعب جداً لكن آدم وعدهم أنه هيطلب من سيراث ده.
الدقائق المتبقية بالرغم من قلتها إلا أنها كانت كافيه تشحن آدم و لما سيراث لاحظ ده أشار للحراس بهدوء، وكأن اللحظة خلصت.
قبل ما يخرجوا، الأب اكتفى بهزة رأس صغيرة ، والأم رفعت ابتسامة باهتة، وليانا رفعت إيدها في إيماءة دعم ، أما ماركوس فشد قبضته في الهواء وكأنه بيقول "قاتل".
لما الباب اتقفل، آدم فضل واقف لحظة، عينه على المكان اللي وقفوا فيه، وكأن جزء منه لسه هناك.
كاليك لاحظ التغيير، لمعة جديدة في عين آدم، وقال في نفسه وهو بيعدل وضعه : يمكن يكون فيه أمل فيك بعد كل ده...
المدرب نادى: الأستراحة انتهت! الكل على مكانه !
آدم وقف بسرعة، والخطوة الأولى اللي أخدها كانت أسرع من المعتاد ، وكأن حاجة جواه اتغيرت.
فى آخر اليوم
اتجمع المصارعين مره تانيه على صوت أيد كاليك و على وجوه بعضهم السعاده و البعض الثانى الضيق.
كاليك بصوت خشن : النهارده التمرين خلص دلوقتى هنتجه للحلبه و نبدأ مواجهات مباشره بين اربعه منكم.
آدم رجع زنزانته ، جسمه منهك، عرقه بيغطيه، وجروح سطحية في كتفه و ذراعه ، أرتمي على السرير الخشن و نام فورًا.
اتحركوا كل المصارعين وراء كاليك في صفين غير منتظمين، خطواتهم بتغرز في الرمل وهم بيقتربوا من الحلبة تحت. الطريق كان عبارة عن ممر حجري طويل، جدرانه عليها مشاعل بتدي نور أصفر متقطع، والهواء جوه بارد عن الساحة فوق.
صوت خطواتهم كان بيختلط مع دقات قلب آدم اللي بتزيد مع كل متر بيقربه من المكان ده.
وصلوا لبوابة خشبية ضخمة، محفور عليها رموز قديمة ووشوش لوجوه مصارعين ملامحهم شرسة. كاليك وقف قدام البوابة، بص على اتنين من الحراس وومأ لهم يفتحوها.
البوابة اتحركت ببطء، صوت خشبها وهو بيحتك بالمعدن كان تقيل ومرعب. أول ما فتحت، بان قدامهم ممر قصير بيؤدي لفراغ واسع.
آدم دخل...
المكان كان عبارة عن حلبة دائرية كبيرة ، محاطة بحواجز قصيره لا تتعدى العشرين سنتيمتر من ماده شفافه.
المكان فيه مقاعد خشبية متدرجة حوالين الحلبة ، بس النهاردة المقاعد فاضية إلا من كام شخص من عيلة سيراث هيشوفوا القتال.
كاليك وقف في النص، وصوته دوّى فى المكان..
كاليك: النهاردة عندنا مواجهتين... المواجهة الأولى بين ڤاروس كرين... وآدم!
عيون المصارعين اتجهت فورًا لآدم، بعضهم ابتسم بسخرية أما ڤاروس ، فابتسم ابتسامة باردة ، ابتسامة واحد متأكد إنه هيسحق اللي قدامه.
آدم حس بحرارة في معدته ، خليط بين الخوف والحماس.
كاليك أشار لهم يدخلوا لجوه آدم مشي بخطوات بطيئة للحلبة و الرمل بيغوص تحت رجليه..
على الجانب التاني، ڤاروس بيتحرك بثقة، كتافه عريضة وخطواته ثابتة ، عينه مثبتة على آدم وكأنه فريسة له.
وقفوا قدام بعض، بينهم حوالي مترين ، كاليك رفع إيده:
كاليك: القواعد بسيطة... مفيش سلاح ، مفيش غش ، الضرب فى جميع مناطق الجسم متاح ، الخاسر هو أول واحد يقع ومش يقدر يقوم بعد العد عليه ل خمسه ، فاهمين ؟
ڤاروس ابتسم و قال بسخرية و استعراض : فاهمه ياااا بطه.
الكل رنت فى ودن آدم و فكرته ب على و الخناقه فى الزنزانه و ده بشكل ما زاد من حماسه ، هو عارف إنه الاندردوج فى القتال ده ف داخل و هو عادى خالص.
كاليك بص للاتنين نظره أخيره و قال..
كاليك : ابدأ !
في لحظة ، ڤاروس اندفع للأمام زي وحش. آدم بالكاد لحق يتراجع خطوة و يتفادى ضربة كتف قوية كانت هتخليه يخبط فى الحواجز و يترمي بره الحلبه.
الرمل اتطاير حواليهم.
آدم حاول يرد بضربة سريعة لوجه ڤاروس ، لكن ڤاروس دخل بضهر كتفه فى آدم وقعه على الأرض و نزل فوقه لف دراعه اليمين حوالين رقبة آدم و بيضغط بيها جامد.
آدم حسّ إن أنفاسه بتتقطع، ضغط ذراع ڤاروس على رقبته كان بيخليه يشوف نقط سودا في أطراف نظره، ورائحة العرق والتراب كانت بتخنق أكتر من الخنقة نفسها.
لكن وسط الاختناق، كان فيه حاجة جواه بتقول له: ما تستسلمش… مش هنا… مش قدامهم.
رجله الشمال غرست في الرمل، وبكل قوة رفع ركبته في جنب ڤاروس بضربة مباغتة صوت الضربه كان قوى لدرجة أن تأثير الضربه على فم ڤاروس بان و هو بيجز لجزء من الثانيه.
و ده كان كفاية إن آدم يفلت من قبضة ذراعه اللى كانت محاوطه رقبته..
آدم هرب بجسمه من تحت خصمه ، ودار على جنبه ، قام واقف ، صدره بيطلع وينزل بسرعة ، الرمل ملزّق في جسمه العاري إلا من الشورت القصير البني المربوط على وسطه.
فى المدرجات الخشبية، الجمهور الصغير كان متحمس و بالصدفه كان من بينهم إيلارا زوجة سيراث ، إيلارا مالت على الكرسي اللى جنبها ، همست لراجل قاعد عليه :
ايلارا : ووووه ده بيقاوم ڤاروس !!
الراجل ضحك بخفة و قال : واضح إن سيراث هيصدق فى رهانه لما قال هنهرب من الإفلاس ، الواد ده مع ڤاروس قادرين يكسبونا فلوس تهربنا من الإفلاس.
سيراث كان قاعد قدامهم ، ايده تحت ذقنه ، عينه ضيقة و من الواضح أنه بيقيم كل حركة.
كالين المدرب، كان واقف على جانب الحلبة ، مندهش أن جولدامون ( آدم ) قدر يفلت من حركة ڤاروس لكن أخفى اندهاشه و رجع صرخ بصوت جهوري..
كالين: شد نفسك يا جولدامون ! وقعه زى دى فى الحلبه ممنهاش قومه !
ڤاروس بابتسامة ساخرة، هجم من جديد لكن المرة دي آدم ما استناش الضربة !
اندفع آدم بنفسه للأمام ، و نزل بجسمه لتحت ، لف حوالين جنب خصمه، مسك وسطه وبدفعة مفاجئة فقد ڤاروس توازنه ووقع على الرمل على وشه.
المصارعين اللي كانوا بيتفرجوا من بره الحلبة اتبادلوا نظرات اندهاش ، واحد منهم همس..
مصارع جديد : جولدامون عمل حركه صعب تتعمل مع ڤاروس !!
مصارع قديم : دلوقتى ڤاروس هيخلص المباراه هتشوف.
ڤاروس قام بسرعة ، ملامحه بين الغضب والاستمتاع ، وقال بصوت منخفض..
ڤاروس : حلو… دلوقتي بقى نشوف مين اللي هيستحمل و يفضل واقف.
اندفعوا هما الاثنين في لحظة واحدة ، ضربات بالأكتاف ، الركب بتضرب فى بعضها ، اللكمات بتتبادل بسرعة، والرمال بيتطاير من حواليهم.
ڤاروس فى لحظه من اللحظات مسك ذراع آدم ، لف جسمه ورماه على الأرض بقوة ، صوت اصطدام ظهر آدم بالرمل كان عالي لدرجة أن الكل بان عليه القلق من قوة الصوت عدا المصارع القديم اللى أبتسم..
المصارع القديم : مش قولتلك ڤاروس هيخلصها
كالين بدأ العد بصوت جهوري…
كالين: واحد… اتنين…ثلاثه…
آدم واقع على الأرض و سامع العد عينه لمحت جابت صورة قدامه … صورة عيلة جولدامون اللي شافها في التدريب، وعيونهم المليانة رجاء وخوف عليه…
بصرخة قوية، لف على جنبه قبل ما يوصل العد لأربعه مسك رجل ڤاروس وسحبها بكل قوته ، لحد ما وقع هو كمان على الأرض.
آدم نط بخفه فوقه، مسك كتافه، وغرز ركبته في صدره ، وبدأ يوجه ضربات متتالية لوشه.
ڤاروس حاول يصد، لكن عامل المفاجأة كان لصالح آدم.
كالين وقف يعد:
واحد… اتنين… تلاتة… أربعة… خمسة !
كالين رفع إيده ناحية آدم و على وشه علامات المفاجأة :
كالين: الفايز… جولدامون تارو!
تصفيق متفرق جه من المدرجات، سيراث ابتسم نصف ابتسامة، وإيلارا لوهلة بان في عينيها بريق اهتمام، أما باقي العيلة فكانوا باين على وشوشهم الدهشه و الإعجاب بالمصارع الجديد و الحقيقه مكانوش لوحدهم حتى المصارعين القدام و الجداد كانوا كده !
" مملكة أورالجازير "
أُورالجازير مملكة تقف على كتف المحيط الشرقى جدرانها العالية من الحجر الرمادي تمتد لمسافة أميال مزينة بأعلام زرقاء تحمل شعار شمس صفراء مضيئه.
المرفأ الضخم على أطراف المملكة يستقبل سفن من كل الممالك و ده لقوة المملكه تجارياً فهى تعتبر العاصمه التجاريه لهذا العالم.
روايح التوابل والملح ممتزجة في الهواء ، وأصوات الباعة والتجار بتتصادم مع هدير الأمواج.
أما في قلب العاصمة، و على قمة تل صخري ، بيقف قصر أكواليث تحفة معمارية من الرخام الأبيض والأعمدة الزرقاء المزخرفة بالذهب.
سقوفه المقببة مرصعة بقطع زجاج أزرق تلمع تحت الشمس ، وكل جناح فيه بيفتح على شرفات مطلة على مناظر ساحره من ناحية ، وعلى حدائق معلقة من الناحية التانية.
حوالين القصر، أسوار مزدوجة وحرس مدججه بالسيوف والرماح ، وعلى البوابات اتنحتت مشاهد بطولات الأسلاف.
يحكم المملكة الملك ديماروس الثالث ، رجل في أوائل الستينيات، شعره أبيض كالثلج لكن قامته مستقيمة وصوته جهوري.
معروف عنه إنه داهية سياسية ، بيوازن بين التجارة البحرية والتحالفات العسكرية.
له ولي عهد الأمير كايلر شاب في أواخر الثلاثينات ، وسيم وذكي لكن طموحه بيلمع أحيانًا لدرجة تخوف البعض.
الملك عنده كمان الأميرة سيرينا ، في أوائل العشرينات ، جميلة لكنها ذات شخصية قوية، وغالبًا تشارك في شؤون الدولة أكتر مما يسمح به البروتوكول.
القصر مقسم لثلاث مناطق رئيسية..
الجناح الملكي و هو مخصص للعائلة ، مزين بالتحف البحرية ولوحات السفن.
قاعة المجلس العظمى : مقر الاجتماعات الكبرى.
القاعات الفرعية : خاصة بالمستشارين وقادة الجيش.
فى الصباح والشمس بتغمر البحر بلونها الذهبي ، والطيور البحرية بتحوم فوق المرفأ.
على شرفة عالية في قاعة المجلس الفرعية ، القائد ڤالدرين واقف بيتأمل الدخان قوى على بعد فوق سطح البحر.
لحظات و لف بعينه ناحية الطاولة المستديرة اللي محاط بيها سبعة من كبار المستشارين…
القائد ڤالدرين رجل في أوائل الأربعينات، لحيته سوداء مختلطة بالشيب، عينيه حادتين لما تبص فيهم تحس أنه بيعريك .. بيقرأ أفكارك من جواك.
ڤالدرين : الانفجار ده مش حادث عرضي… الرسالة اللي كانت موجهة من السفينه ….. اتحولت لبقايا رماد في اللحظة اللي حاول الربان يفتحها فيها ، دي مش تقنية عادية… ده سحر من النوع المحرم في المعاهدات بين الممالك.
رد مستشار نحيل اسمه ميراكس بصوت قلق:
بس المعاهدات نفسها مبتسمحش حتى بامتلاك النوع ده من التعويذات ، ده معناه إن فيه طرف غير حكومة مملكه بعينها عايز يوجه لينا ضربه تجاريه لأنه اختص أقوى سفنا البحريه.
ڤالدرين بيعدل وضعه، ويمشي حوالين الطاولة، كل خطوة صوته بيرن على الأرضية الرخام.
ــ الموضوع ده مقلق لازم نعمل له فريق تحقيق مخصوص يتتبعه ده مش أول انفجار من النوع ده ، الانفجار ده الرابع من شهرين.
مستشارة أخرى إسمها ألياندر ، شعرها فضي طويل ووشها مليان هدوء اتكلمت لأول مرة :
فيه حاجة أهم… الطاقة اللي خرجت من الانفجار فى الاخيره دى بالذات أنا شخصياً حسيتها وأنا في الجناح الشمالي… ده نوع طاقة لا يمكن يتوفر مع حد إلا لو كان له علاقه بيها !
المجلس كله سكت لحظة، وڤالدرين عينه ضاقت: تقصدى مين !!؟
ألياندر : انا عارفه ان كلامى جاى من كلام تراثى غير علمى فى اللحظه دى بس فيه نبوءة قديمة بتقول إن هييجى زمن تحكم فيه العالم كله بتاع سولانسيث ملكه مجهوله مهمشه هيتصادف مع بداية قرب فترة حكمها حرب كبيره على وشك القيام ، و انقلابات كبير فى موازين القوه بين الممالك و بعضها قبل الحرب و بعدها بل و حتى جوه الممالك نفسها.
الصمت ساد للحظات بين الجميع الكل ساكت و مرعوب من السيناريو اللى ألياندر بتقول عليه هما مش حابين يدخلوا فى حرب دى مش أقوى حاجه عندهم كمملكه.
ألياندر كملت كلامها و قالت..
ــ لو الإشارة دي حقيقية… يبقى إحنا على وشك دخول مرحلة مفيش رجعة منها.
في اللحظة دي، أحد الحراس دخل القاعة بسرعه راكعًا قدام ڤالدرين:
سيدي… فيه شاهد بيقول إنه شاف شخص غريب عند البوابة الشرقية قبل الانفجار بدقائق، ملامحه مش من أهل أورالازير.
ڤالدرين: هاتوه فورًا… قبل ما يخرج من المدينة !!
" الأرض _ السجن "
ضوء النهار تسلل بخجل من الشباك العالي الصغير في جدار الزنزانة ، أشعة الشمس ضعيفة علشان لسه فى أول النهار.
الجو بارد على غير العادة ، الهواء اللي داخل من الشباك اللى في الجدار كان محمل بريحه مختلفه على اللى شمها.
جولدامون فتح عينه ببطء ، لكنه ده مش جسم جولدامون الحقيقي… ده جسم آدم ، الجسم أنحف أقل قوة من جسمه في سولانسيث.
أول إحساس جاله كان ألم في كتفه و إيده خصوصا من عند أطراف الأصابع ، بدأ يرفع نفسه ، لكنه كان حاسس إن جسمه أخف من اللي متعود عليه ، حتى أنفاسه كان صوتها مختلف.
صوت داهم ودانه و فهمه الحقيقه المره :
أنت الآن هنا فى عالم الأرض…لقد انتقلت الآن في جسد شخص يدعى آدم ، و آدم نفسه أُرسل إلى عالمك… إلى سولانسيث !
الصوت اختفى فجأة ، وكأنه ماكانش موجود أصلاً، تارك وراه صدى غامض جوه دماغه.
جولدامون بالنسبة لف وشه، لقى تلات مساجين تانين في الزنزانة. واحد ضخم، قاعد في الركن و بيشرب سيجاره ريحتها قويه ؛ واحد تاني نحيف نايم على السرير بيشخر ؛ والتالت قاعد على حرف السرير باصص للأرض غالباً بيدور على شبشبه.
اللغة اللي بيتكلموا بيها غريبة على ودنه… كلماتها حادة ونطقها سريع. قدر يلقط بس حاجات بسيطة… غالبًا بيكلموا عنه.
قلبه بدأ يدق أسرع، مش لأنه خايف بالمعنى الحرفي، لكن لأنه حاسس إنه غريب وسط عالم مش فاهمه، وأي كلمة غلط أو حركة مش في محلها ممكن تشعل شرارة مشكلة.
المسجون الضخم رفع عينه ونظر له، ابتسامة اتسعت على وشه : من ساعة ما بقيت تقرأ الكتاب و أنت بقيت تصحى متأخر خد بالك.
جولدامون اتجمد مردش مخه بيحاول يدور على الكلمات الصح في لغة مش لاقي منها غير الفتات.
جولدامون اتجمد مردش ، مخه بيحاول يدور على الكلمات الصح في لغة مش لاقي منها غير الفتات.
المسجون الضخم ضحك وقال له بنبرة أخف:
– يا عم فوق، إحنا بنهزر معاك.
ــ النحيف اللي كان بيشخر فتح عينه ، اتثاءب وقال :
– مالك ساكت كده ؟ ولا السهر على الكتاب لحس دماغك ؟
جولدامون حاول يبتسم، إشارة إنه سامع، بس عقله كان بيترجم الكلمة بكلمتها ، و بيحاول يفهم المعنى.
الحركة دي خلت التالت، اللي كان قاعد على حرف السرير، يمد له كباية بلاستيك فيها شاي
الثالث : اشرب… يمكن تفوق
أخد الكباية، شم ريحة الشاي… مختلفة عن أي حاجة شربها قبل كده، لكن سخونته دخلت في إيده كأنها بتدفّي برودة جسمه الغريب عليه.
التلاتة بدأوا يكلموا بعض، جولدامون كان بيلقط من كلامهم إنهم بيحكوا عن موقف حصل امبارح مع علي النويري ، اسم فهمه وسط سيل الكلمات اللي مش كلها واضحة.
من طريقة كلامهم كان واضح إنهم بيحكوا عن حاجة مضحكة ضحك معاهم ضحكة صغيرة، مش لأنه فهم قوي، لكن علشان يحافظ على المودة اللي حاسس بيها منهم. ومع الضحك، توتره بدأ يخف…
بس جوه عقله كان سؤال مش سايبه :
إزاي هيتصرف في عالم جديد ، وسط ناس غالبا يعرفوا معلومات كتير عن الشخص اللى هو فى جسمه ؟
" ڤيلا مايزرون "
الليل كان أسدل ستاره ، السماء مليانه بسحب كثيفه ، كأنها بتحضر لعاصفة.
أنوار الفيلا كانت ضعيفة ، ضوء المشاعل على البوابات بيرقص مع الهواء البارد.
سيراث واقف في ساحة التدريب ، إيده متشابكة ووشه متجهم ، مر أسبوع و بكره هو أول نزال ل جولدامون ( آدم ) ، سيراث كان خايف بشكل مرعب من الخساره.
دخل الفيلا تحديداً مكتبه لكن قبل ما يدخله بعت يستدعى الأول ڤاروس حمسه لعودته بكره للملاعب و من ثم استدعى جولدامون ( آدم ).
لما دخل آدم المكتب سيراث بصله بنظرة اتجمع فيها مشاعر كتير أوى … خوف، طمع، أمل، و حتى رجاء لتحقيق أمنيه.
غالب سيراث ضغفه و بدأ يتكلم بثبات.
سيراث بثبات: بُكره… بُكره هو يومك ، إذا كسبت مش بس أنا اللي هكسب… أنت كمان هتكسب و يمكن أكتر منى كمان، فاهم ؟
جولدامون رفع عينه ببطء ، ملامحه ثابتة لكن جوه دماغه دوشة أسئلة ، عن العيلة دي، عن العالم ده، وعن النزال بتاع بكره و عن الآمال اللى اترفعت بسبب لحظة شجاعه منه فى النزال قصاد ڤاروس.
سيراث قرب خطوتين: أنا ضحّيت بكتير عشان أجيبك ، آخر قرش كان معايا راح عليك… لو خيبت أملي، أنا اللي هخسر كل حاجة… وأنت… أنت هتخسر فرصة إنك تبقى معايا و هتروح لتاجر **** اعلم هيعاملك بشكل عامل ازاى !!
الصمت كان تقيل، والهواء اللي بيعدي بين الخشب فى المكتب كان بيصدر صفير خافت، كأنه بينبههم إن الوقت بيجري.
سيراث أشار لجولدامون ( آدم ) أنه يرجع لزنزانته ، لكن قبل ما يمشى طلب منه طلب أخير حاسس أنه ممكن يساعده وهو أنه يخلى عيلة جولدامون تكون حاضره.
مشي آدم بعدها متجهاً للرجوع لمكانه ، لكن قبل ما يقفل الباب سمع صوت سيراث من وراه بيقوله..
سيراث : نام كويس الليلة… بُكره فيه إحتمال متعرفش تنام زى النهارده.
جولدامون قفل الباب و اتجه مع المساعد للدور اللى تحت الأرض و هو عقله شارد بين عالمه القديم… وعالم آدم.
" ستاد هيروزونتى "
العربة كانت واقفة قدام مبنى فيلا سيراث، نفس العربة اللي شالت جولدامون يوم ما جُلب لأول مرة، لكن النهارده شكلها كان أكثر أناقة.
العربة كانت تحفة متنقلة، جسمها الخارجي مصقول باللون الأسود اللامع، مزين بخطوط ذهبية تلتف حول الحواف كأنها تيجان صغيرة. على سقفها شعار عائلة سيراث محفور بدقة، يلمع مع كل انعكاس للشمس.
المقاعد من الداخل مغلفة بالجلد الأحمر، وأرضيتها مفروشة بسجاد سميك يقلل أي اهتزاز.
سيراث كان قاعد في المنتصف، مائل للخلف باسترخاء محسوب، على يمينه زوجته إيلارا في ثوب بنفسجي داكن يتلألأ بخيوط فضية، وعلى يساره رجل طويل القامة، نفس الشخص الذي ظهر بجانبها في مشهد قتال جولدامون ضد ڤاروس، يبتسم بابتسامة هادئة لكن عينيه تراقب سيراث من حين لآخر.
باقي المقاعد كان يشغلها ثلاثه آخرين من أقارب سيراث، وجوههم مختلفة الملامح لكن كلها مليئه بالتوتر مما سيحدث اليوم.
فى ضهرها وعلى مسافة قصيرة كانت متواجدة عربة المصارعين… أكبر حجماً لكنها تفتقد الفخامة.
هيكلها معدني مغطى بطبقة طلاء رمادية باهتة، مقاعدها خشبية بلا وسائد ، والهواء يدخل من نوافذ واسعة بدون زجاج.
جولدامون قعد وسط زملائه، بعضهم يتحدث بحماس، والبعض الآخر صامت يتأمل شوارع المدينة.
رائحة العرق والجلد المبلل واضحه في الجو، مع أصوات المعدن وهو يهتز مع حركة العربة.
الشوارع المؤدية إلى "إستاد هيروزونتى " كانت قد تحولت إلى مهرجان ، أعمدة الإنارة مزينة بأقمشة ملونة تحمل ألوان وأعلام العائلات الكبرى الداعمة للمصارعين.
الطرقات مزينة بأقواس خشبية تتدلى منها أشرطة ذهبية وفضية ، الباعة انتشروا على الجانبين بيبيعوا أشهى الاكلات ، و أكواب من المشروبات الملونة، وأقنعة ورقية على شكل وجوه أبطال المصارعة المشهورين.
الجمهور كان متحمس بشكل جنوني… كلما مرت عربة تحمل مصارعين، حتى لو لم يكونوا من المفضلين، كانت الهتافات ترتفع والصفير يملأ الهواء. بعض الأطفال يركضون بجانب العربات يمدون أيديهم أملاً في لمسة سريعة من أبطالهم، والبعض الآخر يقفز في مكانه وهو يلوح بالأعلام.
طريق العربات كان يمر عبر ثلاثة ميادين رئيسية، كل ميدان أوسع من اللي قبله، حتى وصلوا إلى الطريق الكبير المؤدي مباشرة إلى الاستاد.
هناك الزحمه بقت أضعاف ، وكأن المدينة كلها اجتمعت هنا ، البوابات الضخمة للاستاد ظهرت وكأنها وحش حجري بيبتلع عربات المصارعين
أصوات الطبول من الداخل كانت تزداد قوة كلما اقتربوا، ممزوجة بأهازيج جماهير لم تتوقف منذ الصباح.
عربة سيراث دخلت الأول للبوابة المخصصة لكبار الضيوف ، حيث السجاد الأحمر المفروش والجنود المصطفين لتحيتها.
بعدها بدقائق، دخلت عربية المصارعين عبر البوابة الجانبية، حيث الممر أضيق، والجنود يكتفون بالتلويح دون انحناء.
مع كل خطوة تقترب من قلب المكان، كان آدم بيحس أن أنفاسه أتقل ، مش بس من ضغط المباراة ، و لكن من كثر العيون اللي هتراقبه من المدرجات…
بما فيهم عيون عائلته أو من هم في الحقيقة عائلة جولدامون.
أول ما عربيت سيراث دخلت من بوابة الكبار، الدنيا هناك شكلها اتغير… الجنود واقفين صفين بيحيّوا، والمكان ريحته جميله جداً.
واقف وزير الرياضة فى المملكه بنفسه بيستقبل القادمين من كبار الزوار ، إيلارا أول شخص نزل من العربية بخطوات واثقة ، والأنظار كلها عليها ، سيراث كان ماسك نفسه من التوتر ، لكن واضح إنه مبسوط من استقبال الناس.
بعدها على طول عربية المصارعين دخلت من البوابة الجانبية… مفيش استقبال رسمى ولا بروتوكول، بس ممر ضيق وريحة تراب، والجنود واقفين بيكتفوا يلوحوا بإيديهم من بعيد.
جولدامون نزل آخر واحد، عينه بتجري في كل حتة، بيشوف المدرجات اللي باين منها الجمهور قاعد فوق، أصوات الطبول والمزامير شغالة، والهتاف بيهز الأرض تحت رجليه.
الممر المؤدي لمكان جلوس المصارعين و مدربهم كان طويل و ظلمة، النور الوحيد جاي من آخره، والهواء جوه مخنوق برائحة العرق والجلد القديم.
كل ما يقرب جولدامون الأصوات بتعلى… أصوات آلاف الناس، كل واحد فيهم جاي يتفرج، بعضهم جاي يشوفك تكسب، والبعض مستني يشوفك بتتهزم.
أول ما خرج و اتجه للمكان المخصص ليهم ، النور ضرب في وشه… الشمس ساطعة، والجمهور ملوّن المدرجات بأعلام وملابس بألوان مختلفة.
فوق، في الصفوف الأولى، لمح عيلة جولدامون قاعدين في مدرج سيراث… ماركوس كان واقف بيهتف، وأخته الكبيرة قاعدة جنبه، والباقيين مركزين عليه، كل واحد فيهم ملامحه مختلفة بين القلق والفخر.
جولدامون قعد على الكرسي الخشب المخصص ليه، عينه لسه على المدرجات… قلبه بيخبط جامد، مش من الخوف بالمعنى الحرفي، بس من الإحساس إنك في نص دايرة والآلاف حوالين منك مستنيين يشوفوا إيه اللي هيحصل.
كاليك واقف كان واقف قصادهم بيبص في الحلبة وكأنه بيقيس المسافات، قال بصوت واطي موجهاً لكل مصارعيه :
– أول ما تنزل، متورّيش خصمك إنك مرعوب… حتى لو قلبك بيولع.
واحد من المصارعين ضحك وقال:
جولدا لسه أول مرة ينزل، ده لو كمل أكتر من خمس دقايق هيبقى معجزة.
جولدامون ما ردش… كان حاسس الكلام بيعدّي من ودنه بس دماغه مشغولة بحاجة تانية، حاسس بالرمل السخن اللي تحت رجليه، وبصوت الطبول اللي بيزيد مع كل ثانية.
المُذيع في نص الحلبة بدأ يزعق بصوت عالي، صوته بيرن في الاستاد:
ــ اليوم هو اليوم الثاني لمسابقتنا السنويه لمملكتنا العظيمه مملكة ألداراف.
على صوت الجمهور مع كلمات المزيع و بدأ يردد أسم المملكه بشكل متكرر.
المزيع كمل بعدها : النهارده زى ما أنتم عارفين أولى المواجهات الرسميه فى البطوله المباريات السابقه بالرغم من سريان الشروط اللى أنتم عارفينها إلا أنها ودية و بالرغم من سخونتها إلا أن الرسمى غير..
النهارده معانا مواجهات كثيره ناريه و مش هتصدقوا أول مواجهه هى بين مصارع جديد للتاجر المعروف سيراث المصارع…
جولدامون تامور
للأسف جولدامون مش محظوظ أوى لأنه هيواجه البطل السابق للبطوله فى آخر نسختين و هو المصارع المملوك للتاجر ڤورناش ڤالدين و هو المصارع…
ريكوس دارفين
آدم وقف، قلبه بيدق جامد… من الخوف القدر رماه فى اختبار صعب أوى ، من كونه أول مرة ينزل في حلبة كبيرة قدام آلاف الناس، وكمان قدام ريكوس دارفين، البطل اللي فاز بالنسختين اللي فاتوا.
المصارعين اللي معاه كلهم حتى ڤاروس اتفاجؤوا وبقوا واقفين فى أماكنهم متوترين برضه، بعضهم ماسك إيده من التوتر، والبعض التاني بيحاول يرفع معنويات بعض بكلام صغير:
– يلا جولدا… ركّز كل حركة ليه و هتكسبه !
– ما تشيلش هم .. إحنا وراك .. كلنا بنشجعك !
كاليك كان واقف جنبهم ، عينه مركزة على جولدامون، بيوجه له نظرة حازمة :
– كل حركة محسوبة… ماتخليش الضغط يسيطر عليك أهم حاجه و أنت جوه و متخافش أنت قدها ، بالمناسبه خلينى اؤكد عليك مره تانيه عشر ثوانى عد من الحكم بتجرى متفتكرش أنها كبيره.
فى المباره الوديه جربنا على نص الوقت و نجحت أتمنى تعمل ده هنا كمان !
فى للمدرجات كان سيراث واقف جنب مراته إيلارا، بيبص على آدم و هو متجه للحلبه بعينين مش عارف يتفرج ولا يتدخل… قلبه متوتر.
هو عارف قد إيه أول ماتش ممكن يكون مصيري ، إيلارا مبتسمة و مش مهامه بحالته ، عيونها بتدور على كل تفصيلة صغيرة، شايفة كواليس التوتر، وكل حركة من حركات آدم.
باقي العيلة حواليه، وجوههم مختلفة بين القلق والفخر.
آدم نفسه بيحاول يركز، لكن كل ما يبص للمدرجات ويشوف عيلة جولدامون يتوتر ، قلبه يدق أسرع… التوتر طبيعي، كل واحد حواليه حاسس بالضغط النفسي، وده بيخلي الجو كله مشحون، كأن كل ثانية فيها احتمال الفوز أو الخسارة.
الجمهور حواليهم كله بيرقب، الهتافات بتعلى وتقل مع حركة واحدة، والطاقة في الهواء متوترة… كل الناس متشوقة يشوفوا إزاي جولدامون أو آدم هيواجه ريكوس دارفين ، البطل المخضرم، في أول نزاله الكبير.
الشمس ضاربة على الأرضية الرملية ، بتخلي كل حركة واضحة لكل الجمهور ، آدم هو و ريكوس واقفين عند طرفى الحلبة، الشمس بتنور جسمهم وتكشف كل نقطة عرق وكل حركة عضلاتهم.
الجمهور كله بيهتف، الصفوف الأولى زحمة، العيال بيقفزوا من الحماس، وعيون آدم مركزة على خصمه…
ريكوس، البطل القديم، واقف ساكت كأنه متجمد، بس عيونه بتراقب جولدامون في كل ثانية.
كاليك، المدرب، بيصرخ من جنب الحلبة:
– ابدأ المباراه صح… خلي كل حركة محسوبة!
الأصدقاء حوالين جولدامون بيهتفوا:
– يلا جولدا… ركّز!
– ما تخليش الخوف يتمكن منك!
آدم وصل لوسط الحلبة الرملية، الشمس ضاربة عليه، كل حركة واضحة لكل الناس، العضلات مشدودة والعرق لامع. ريكوس دارفين، البطل السابق، واقف ساكت، عيونه مركزة على جولدامون، كل خطوة وكل حركة بيتابعها بدقة.
أما جمهور المدرجات كله تقريبًا بيهتف لريكوس:
– ريكسوس! ريكسوس!
آدم حاول يهاجم بحركة سريعة، ريكوس اتفاداها بسهولة، الجمهور كله يصيح ويصفق لريكوس، ويشجع كل خطوة منه…
آدم مازال حاسس بالضغط، العيون كلها عليه، لكن الأغلبية بتشجع خصمه.
الأصدقاء حوالين آدم بيحاولوا يشجعوه بصوت منخفض:
– ركّز يا جولدا.
فى اللحظه دى آدم كان نفسه يقولهم عليا الطلاق أنا ما جولدا يا جدعان أنا عايز أروح !!
لكنه ملحقش حتى يفكر كتير فى ده لأن ريكوس رد على هجومه بضربة جانبية، آدم اتحرك لكن تحركه كان أبطأ فجت فيه المته بس مأثرتش غير معنوياً… زادت من خوفه
كاليك بيصرخ من على الخط..
– ركّز يا جولدا! كل حركة محسوبة!
سيراث واقف في الصفوف الأولى جنب إيلارا، بيتابع كل حركة، مراته مبتسمة لكنها مركزة على كل تفصيلة صغيرة.
آدم حاول يهاجم تاني بضربات متتالية، ريكوس بيتفادى ببراعة كل الضربات ، الجمهور كله بيصيح ويصفق لريكوس اللى بيستعرض كل ده و مش بيهاجم أوى :
– ده البطل! ده البطل!
لكن فى ثوانى بدأ الهجوم ريكوس بحركة خاطفة تحت دقنه ، آدم معرفش يتفاداها اتحرك لكنه وقع على وشه على الأرض، الرمل طاير حواليه… كاليك بيصرخ:
– يلا جولدا! اتحرك!
آدم مش حاسس باللى حواليه ، مش قادر يقوم ، الجمهور كله بيهتف لريكوس بحماس :
– ريكسوس! ريكسوس!
الحكم بدأ يعد عليه و هو على الأرض…
واحد…اثنين…. ثلاثة…
" نهاية الجزء "
هوووو الجزء طويل لكنه ممتع مشبع بالتفاصيل أرجو تكونوا استمعتم للنصيحه و قريتم بطريقة قارئ باحث عن التفاصيل.
الفصل النهارده طرح اسئله كتيره منها ما يخص جولدامون و آدم تفتكروا إيه السبب فى تفاوت التأقلم بين الاتنين ؟ كمان رأيكم إيه هيحصل بعد كده.
كمان هل زارا سهرزين هتنجح فى مناورتها مع مملكة ألداراف ولا لأ ؟
كاهيرا رأيكم في الخط الدرامى بتاعها إيه لحد دلوقتي اتحفونى بآراءكم




















































" بداية الجزء "
" ستاد هيروزونتى "
الأصوات تتعالى وأصبح لا صوت يعلو على صوت من هم فى ستاد هيروزونتى.
الجماهير بتشجع بكل ما أوتيت من قوة بالاخص بعد ما قدر بطلهم يوقع خصمه على الأرض فأصبح أسمه بيهز الملعب هز !
ريكوووووس!ريكوووووس!
صوت الجمهور كان بيضغط على الحكم اللى بدأ يعد بشكل أسرع من الطبيعي..
واحد.. اثنين.. ثلاثة
الملعب كان بيتهيأ للاحتفاليه و الهتاف الشهير الخاص بالبطل ، الضغط بتاع الجمهور كان كبير مش بس على الحكم بل حتى على سيراث و عيلته.
سيراث كان على وشه علامات خوف شديد ، جبهته بتنزل عرق ، ضرباته قلبه سريعه.
ايلارا مراته لاحظت ده عليه و ظهر على وشها كالعاده لا مبالاه له كانت مستمتعة بالاجواء بالرغم من أنها هتتضر لو خلصت النتيجه بالشكل ده.
باقى العيلة كانوا ما بين المتوتر و اللامبالى بل وحتى منهم شخص كان بينظر لسيراث و على وشه ابتسامة خفية تظهر الشماته على الحاله اللي وصلها..
فى المكان المخصص للمصارعين الحال كان حالين اتنين مصارعين منهم ڤاروس مبسوطين بالنتيجة الحالية ، ڤاروس مش قادر ينسى الهزيمة فى الماتش اللي كان بعد التدريب.
أما باقى المصارعين فكان التوتر واضح جداً على وشوشهم ، خصوصاً مع زعيق كاليك المدرب اللى كان بيحاول بصوته يوقف آدم مره تانيه لكن..
صوته أصلا مش واصل من الجمهور.
الحكم أعلن عن وصول العد لاربعه و من ثم خمسه و الجمهور بصوته مكمل و بيقول سته !
ليانا الاخت الكبرى لجولدامون وقفت مكانها على وشها خوف ممزوج ببعض الأمل فى نفس الوقت..
خايفه على اخوها الواقع على الأرض و فى نفس الوقت عندها أمل انه مش هيتهزم بسهولة.
آدم المعروف بجولدامون كان واقع على الأرض لا حول له ولا قوه الصوت بتاع الجمهور بيزيد من شعوره بالخوف و الوحده.
جسم جولدامون بالرغم من قوته إلا أن آدم لازال مش قادر من جواه يتعامل معاه.
آدم عينيه مش شايفه إلا التراب و و أيد الحكم اللى بتعد و وصلت بالعد ل ثمانيه !
ــ كل شئ انتهى يا آدم ، ثوانى و الحكم هيعلن خسارتنا.
ــ و تبيع كل دول يا آدم !
صوت ضميره الداخلى رد عليه فى محاوله اخيره منه أنه يفوقه !
ــ كل دول مين الجمهور كله بيشجع التور اللى قصادنا أصلا !
ــ و من امتى و انت مرشح تكسب حاجه يا آدم ! قوم يا آدم متكونش سبب فى القضاء على أمل كل اللى منتظرين قووووم !!
في اللحظة دي جسمه سرت فيه قشعريرة ، قلبه دق بسرعه ، عقله فرز الادرينالين أكتر و أكثر.
التراب اللي قدامه اختفى للحظة ، ظهرت قدامه صوره صورها عقله لشكل سيراث بعد ما أعلن إفلاسه بسبب خسارته للمباراه !
صوته الداخلي ذكره بجمله بيحبها..
ــ إذا كان من الموت بد فمن العار أن تموت جبانا !
الحكم رفع إيده وهو بيصرخ:
ــ تسعة!
الجمهور كله واقف بيهتف لريكوس ، بيستعدوا للاحتفال ، قارعى الطبول على أتم الاستعداد لتنفجر أيديهم بالطبل.
وفجأة… إيد آدم اتحركت ، كفه ضرب الأرض ، عضلاته اتشدت ، وصوت زئير طالع من صدره كأنه بيعلن و لأول مره عن حضوره للمكان !
قام ببطء… الأول على ركبته ، بعدين على رجليه، والعرق بينقط من وشه.
الجمهور صرخ بدهشة ، اللي بيشوفه بالنسبالي مفاجئ ، الحكم نفسه اتراجع خطوة.
ريكوس واقف في نص الحلبة، عضلاته بتلمع تحت أشعة الشمس..
لكن لأول مرة من بداية النزال… عينه فيها لمحة استغراب.
ــ إزاي اللي كان واقع كجثة من دقيقة، واقف دلوقتي ؟
كاليك المدرب صرخ بحماس من بره الحلبة ، صوته المره دي وصل بعد صمت رهيب عند كتير من الجمهور :
ــ عاش يا جولدا ! عاااااش !
آدم شد نفسه لحد ما وقف تمامًا، ورمى التراب من على وشه بإيده…
وبنبرة متقطعة من التعب، بس واثقة، تمتم بصوت واطي محدش سامعه غيره :
ــ النزال ده بتاعى !!
ريكوس رفع حاجبه و هو شايف آدم واقف ، ابتسامة صغيرة اتسحبت على وشه كأنها تحدي:
ــ النزال برضه ليا !
صوت الجمهور انفجر أكثر من الأول لكن..
لأول مره نصه بيهتف لريكوس ! ، والنص التاني بيصرخ جولدا! جولدا !
الاستاد أصبح عاصفة من الأصوات المتداخلة.
آدم اتحرك للأمام بسرعة، ريكوس حاول يفاجئه بضربة مباشرة للصدر ، لكن آدم صدها بكوعه.
ــ أووووه ! ( صوت الجمهور )
سيراث كان بيتابع و هو مرتاح لأول مرة من بداية النزال ، إيلارا ابتسمت بخفة وهي بتراقب ، أما كاليك صرخ بأعلى صوته:
ــ أيوه كده !
ريكوس مستناش ، دخل بضربة جانبية سريعة ، لكن آدم انحنى تحتها ، لف بجسمه وضرب كتف ريكوس باندفاع كامل.
ريكوس اتزحزح خطوة للخلف… الجماهير اللى بتشجعه اتوترت !
آدم حس بقوة جديدة بتجري في جسمه، عمل سلسلة حركات سريعة : كوع.. ركبة..دفع بالكتف.
ريكوس صد أغلبها ، لكن فيه ضربتين اخترقوا دفاعه ، المدرجات المؤيده لادم انفجرت :
ــ جولدا! جولدا!
ريكوس لأول مرة عبّر عن غضبه ، رفع إيده ونزل بضربة قوية زي المطرقة ، آدم تفاداها فى آخر لحظة، ريكوس وقع على الأرض !
آدم استغل اللحظة، لف وركب على ضهره ، نزل بيه على الأرض ، سحب رقبته فى محاولة خنق !
الجمهور كله واقف مش مصدق! ، الحكم قرب ، بيبص باهتمام ، ريكوس بيحاول يفلت ، عضلاته بتشد ، لكن آدم ماسكه زي الوحش ، مش سايبله فرصه !
صوت كاليك بيدوى فى المكان..
ــ عاش يا جولدا عاااااش !
ريكوس حاول يرفع آدم ، لكن قوته خانته… ثانية… اتنين… وفجأة، البطل ضرب الأرض بإيده!
الحكم رفع إيده معلنا عن أول حالة استسلام من حامل لقب من سنين.
الملعب انفجر بهتافات متداخلة ، بس الغالب كان ببنطق..
ــ جولدا! جولدا! جولدا!
آدم وقع على الأرض من التعب ، أنفاسه متقطعة ، على وشه ابتسامة عريضه… أول مرة يحس إنه فعلاً انتصر !
سيراث رفع عيونه للسماء كأنه بيحمد و يشكر ، على وشه سعاده بتظهر أنه اتحرر من كابوس.
إيلارا عيونها كانت مع آدم ، كان فى عيونها لمعة ، كأنها لأول مره تشوف آدم !
ريكوس… وهو خارج الحلبة ، لف وبص لآدم نظرة حادة، فيها وعد صريح قاله بعيونه..
ــ لسه بينا جولات تانية !
" ستاد هيروزونتى _ أما بعد… "
خرج آدم من الساحه منتشى بالانتصار ، و أى انتصار! انتصار على حامل اللقب.
اتجه للمقاعد المخصصه لمصارعى سيراث ، آدم كان بيشعر فى اللحظه دى لأول مره فى حياته كلها أنه نجم !
فى حياته على الأرض دائماً كان يحلم يبقى واحد زى نجوم الكوره اللى بيشوفهم فى التلفزيون ، النهارده اتحقق حلمه و لو جزئياً !
أول مره يشوف الاهتمام و الانبهار فى عيون اللى حواليه ، كتير من مصارعين التجار الأخرين كانوا مركزين معاه وهو متجه لزملائه
انفصل عن العالم تقريباً ، أصبحت على وشه ابتسامه مش قادر يخفيها ، عيونه بتلف المكان و هى خارجه.
شاف تركيز بعض التجار معاه و الفضول هياكلهم علشان يعرفوا هو مين !؟ ، عرف من واحد من المصارعين أن فى سولانسيث عادى أن يتم شراء المصارعين أو تنتقل ملكيتهم لأسباب مختلفه بين التجار.
آدم ابتسامته وسعت لما افتكر الكلام و شاف نظرتهم مره تانيه ، إحساس إنك مرغوب له طعم لذيذ فى النفس لم يذقه آدم على الأرض بل ذاقه هنا فى سولانسيث !
عيون آدم اتحركت فى اتجاه سيراث شافه واقف بزهو بين الجميع و بيبص ليه بابتسامة فرحه و سعاده ، كمان شاف عائلته او عيلة جولدامون باصين ليه بسعاده و فخر حقيقيين.
قعد على الدكه بعد تحية الجميع بما فيهم الثنائي اللى كان بيتمنى له الخساره لكن تحيتهم كانت باهته.
بدأت المباريات و اليوم يجرى لكنه لم يكن كسابقيه ، اليوم ده كان وش السعد على سيراث مش بس لأن لاعبيه كسبوا خصومهم.
المباراه الأولى حفزت و شجعت مصارعين سيراث فأصبح الكل بيحاول و عايز يثبت أنه مش أقل من الباقيين.
سيراث كان مبسوط باللى بيحصل بل و بدأ يقتنع من جواه أن صفقة آدم هى اللى ربحته و إن حدسه مكذبش عليه لما آدم خبط فيه فى السوق !
" اجتماع داخل العربه "
انفض اليوم و اتحركت الجماهير لخارج الاستاد ، خرج التجار أولا كل واحد فى العربه بتاعته ، أخيراً خرج المصارعين فى عرباتهم و كل مجموعه معاها مدربها الخاص.
تقدم كاليك مصارعين سيراث ، دخل الجميع للعربه ، جلس المصارعين في أماكنهم ، التعب باين على وجوه بعضهم ، و الحماس لسه مولّع في عيون الباقيين.
كاليك وقف قدامهم ، ضارب كف بإيده و بدأ كلامه معاهم بصوت واضح..
ــ النهارده.. النهارده يا رجالة عملتوا اللي كنا بنحلم بيه..
بداية آدم… اللي محدش فينا كان متخيلها.. قلبت الموازين.
كل واحد بعده نزل الحلبة كان في عينه نفس الشرارة.
النهارده اتعلمنا و عرفنا أن كل فرد فينا بيأثر على نتائج غيره و لو بشكل غير مباشر لأننا فريق مش أفراد الكل هنا عايز الفريق ينجح مش هو ينجح ! و لما الفريق ينجح كله أسمه هيلمع فى السماء.
صمت فى المكان لثوانى اتبعه كاليك و هو بيبص لواحد واحد، وبدأ يوجّه ملاحظاته..
ــ إنت يا ڤاروس، لسه مستعجل… بتسيب فراغ في دفاعك ، و ده لو اتكرر هينتهي بخسارة.
ــ إنت يا لورام، محتاج قوة أكتر في الضربات، لكن تركيزك بيساعدك تغطي.
ثم نظر مباشرة لآدم ، اللي كان قاعد في آخر المقاعد..
ــ وأما إنت يا جولدا… إنت أثبتّلي نظريه قديمه و هى إن الرهان فى اللعبه دى مش على القوه العضليه فقط !
خدها نصيحة..
اللي كسبت بيه النهارده مش العضلات… كان قرار إنك متستسلمش ، لو قدرت تثبت القرار ده جواك ، هتكسر أي تور يقف قصادك.
الكلمات دي سكتت العربه كلها للحظات ، كمل كاليك كلماته للبقيه و ساب آدم سرحان فى كلام مدربه تحت أنظار.. ڤاروس المتحديه !
" ڤيلا مايزرون "
ــ الأجواء كانت حماسيه جداً فى الإستاد النهارده.
بدأ سيراث كلامه المتحمس فى العربه الخاصه بيه وسط الجمع بتاع العيله ، الحماس كان ظاهر في عيون البعض و البعض الاخر سعيد لكنه ليس بحماس سيراث.
ــ بصراحه كان يوم جميل جدا يا بابا ، النهارده المصارعين تفوقوا على نفسهم خصوصاً المصارع اللى اسمه جولدامون.
ــ أها شوفتيه يا ليانا ، الماتش ده الأفضل من سنين كتيره !
ــ ده رأيى برضه يا عمتى !
سيراث كان مبسوط بالنبرة اللى فى صوت الاتنين ، حس إن فيه أخيرًا إشارات إن العيلة بتبتدي تلتف حواليه من جديد..
لكن ملحقش يتهنى لأن كل الوجوه بنفس الرضا.
الرد جه من راجل خمسينى ، شعره قصير جداً أبيض ، أرفع من سيراث ، عيونه ضيقه ، ملابسه مهندمه.
هو العم تروفان ، الأخ الغير شقيق لأبو سيراث.
مسح تروفان لحيته لثوانى ثم قال :
ــ الفوز ده كويس.. بس ما يغرّناش، جولدامون لسه جديد، ومعركة واحدة مش كفاية نعلّق عليها مستقبلنا كله.
ماركوس ابن تروفان ، اللي قاعد جنبه ، ابتسم ابتسامة صغيرة ذات مغزى لكنه فضل السكوت إلى أن رد سيراث و قال :
ــ بس ساعات يا عمي.. معركة واحدة بتكفي تغيّر كل حاجة.
العمة دارميلا اردفت على الكلام بسرعه قائلة..
ــ المهم إن اسم العيلة رجع يتقال في الإستاد.
لكن العمة فيلارا ردت بسخرية :
ــ آه رجع.. بس مش يمكن تبقى فرحة قصيرة ؟
إيلارا، اللي كانت قاعدة بهدوء ، قالت مبتسمه..
ــ النهارده كسبنا ، خلونا نعرف نستمتع باللحظة على الأقل ، لما نوصل الفيلا نحتفل ، ممكن نتناقش فى اللى بعد كده آخر السهره.
سيراث كان بيراقبها بنظرة طويلة… فيها كثير من الشكر و الامتنان ليها لانه شايفها بتساعده.
صمت مطبق غلّف العربه لحد ما وقفت عند بوابة الفيلا..
نزل كل واحد بخطوات هاديه خفيفه ، على ميعاد المساء اللى تم الاتفاق عليه مسبقاً.
القاعة الواسعة اتزيّنت ، سقفها العالي معلق منه ثُريّا ضخمة من البلور الأزرق ، أضواءها عاكسة لمعة فخمة بتملأ المكان بنور دافئ.
على الجدران صور قديمة للعيلة ، بعضها باهت من السنين، لكن محطوطة بإطارات مذهّبة كأنها بتعلن إن تاريخهم لازم يتشاف مهما تقادم.
الأرضية مغطاة بسجاد سميك لونها أحمر ، الخدم بيتحركوا بهدوء معاهم صواني فيها كؤوس مشروبات لامعة وأطباق تحمل آكلات شهيه.
كثير من أبناء العيله موجود و حاضر فقط من كانوا فى انتظاره هو الشخص الأهم.. سيراث.
سيراث كان واقف قدام شباك المكتب ، شايف انعكاس الأضواء اللى طالعة من القاعة على زجاج النوافذ ، شايف الضحكات و الاجسام اللى بتتمايل مع الموسيقى من بعيد.
مع إن قلبه فرحان بالانتصار ، إلا إن كلمات عمه تروفان لسه بتزنّ في دماغه..
ــ الفوز ده كويس.. بس ما يغرّناش، جولدامون لسه جديد، ومعركة واحدة مش كفاية نعلّق عليها مستقبلنا كله.
في اللحظة دي انفتح باب المكتب بهدوء، ودخل ميراڤ ، مستشار سيراث ، خطوته كانت واثقة ، هو شاهد على كل صعود وهبوط في حياة سيراث.
ميراڤ قبل ما يكون مستشار فهو كان صديق قديم لسيراث ، اختاره سيراث نظراً لدهاءه و ذكاءه رغم صغر سنه كما أنه صديق مقرب فهيضمن ولاءه.
ــ بتتهرب من القاعة يا مولاي ؟
قالها ميراڤ بنبرة فيها من الهزار و الجدية.
التفت له سيراث، ابتسامة صغيرة ارتسمت على وشه :
ــ لا يا ميراڤ، بس مرات كتير النصر نفسه بيكون مرعب أكتر من الهزيمة.
اقترب ميراڤ، وقف جنبه عند الشباك وبص معاه للأنوار:
ــ الليلة دي مش مجرد فرحة ، دي فرصة ، الناس شايفاك رجعت بقوة.. حتى اللي بيكرهك، هيسكت الليلة.
سكت لحظة وبعدين زاد بصوت أوطى:
ــ لكن بصراحه هو ده بس اللى مش هيسكت لا هو ولا ابنه.
أشار ميراڤ براسه باتجاه تروڤان.
سيراث ضحك بخفة، لكن الضحكة كان فيها مرارة:
ــ عارف.. وعلشان كده لازم أنزل وأخليهم يشوفوا إن سيراث مش بيتهز.
مد يده عدل رابطة حزامه المطرّز ، بص على ميراڤ مباشرة:
ــ ابقَ قريب مني الليلة ، ساعات كلمة صغيرة في ودني منّك بتسوى وزنها ذهب.
ميراڤ ابتسم ابتسامة جانبية ، وبص له بعين مليانة إخلاص ممزوج بدهاء قديم :
ــ أنا دايمًا قريب، يا.. مولاي.
ومع اللحظة دي، أخد سيراث نفس عميق، وأدار ظهره للشباك.
خطا بخطوات واثقة ناحية الباب، كأنه بيتهيأ يدخل ساحة قتال جديدة… لكن خصومها لابسين حرير.
فتح سيراث باب مكتبه ببطء ، خطواته على الأرضية الخشبية تقيلة لكنها واثقة.
أول ما نزل السلم الكبير، أجواء القاعة المبهجه و المتوتره فى وقت واحد انعكست على وشه.
مجرد ما لمحوه ، كل العيون اتوجهت ناحيته ،
بعضهم وقف فورًا احترامًا له ، والبعض اكتفى بابتسامة صغيرة أو إيماءة بالرأس.
العمه دارميلا كان فى أيدها كاس فيه مشروب لامع ، لما شافته رفعت الكاس و صوتها قائله :
ــ أخيراً وصل سيد العيلة و كبيرها !
تصفيق خفيف انطلق من ناحية شباب العيلة ، فاندر ابن تروفان الأصغر كان بيصفق بحماس حقيقي ، عيونه بتلمع كأنه شايف بطل أسطوري قدامه.
بينما أخوه جوريل اكتفى بتصفيق متردد ، عينه بتروح و تيجي ما بين سيراث و أبوه تروفان.
ماركوس اللي واقف جمب والده اكتفى بابتسامة جامدة متماسكة كأنها مقنعة ، بينما تروفان نفسه كان بيصفق ببطء ، بعين ضيقة مش بتسيب سيراث لحظة.
إيلارا من بعيد كانت بتبتسم ابتسامة غامضة ، رفعت كاسها بهدوء من غير كلام.
بينما ليانا ابنته ، أول ما شافته اتحركت بسرعة تجاهه، مسكت إيده وقالت بصوت عالي يكفي الكل يسمعه:
ــ الليلة هى أول خطوه لاستعادة مجدنا كلنا !
ابتسامة كبيرة ارتسمت على وش سيراث، وده أعطى جو للحظة كأنه فعلاً المنتصر.
وقف في وسط القاعة ، بص حواليه على كل العيون، وقال بصوت رخيم :
ــ النهارده و بالرغم من اعتراضى على احتفاليه علشان مكسب يوم إلا أنى وافقت عليها لأجلكم أنتم !
ــ كنت هتمنعنا من الاحتفال و الانبساط كمان يا ابن عمى ؟
كان رد ساخر من ماركوس بيحاول بيه تخريب صفو الأجواء الاحتفالية لكن سيراث كان ثابت..
ــ طول عمرك متسرع يا ماركوس ، المقصد إننا لسه قدامنا طريق طويل ، لينا أسم بسيط فى عالم اللعبه و دلوقتي لازم نبدأ نكبره و نعليه و مكاسب النهارده أول خطوه فى الاتجاه الصحيح !
أنا بتمنى منكم فقط الدعم.. ادعمونى لأن بيكم بس هقدر أحقق نجاحات غير مسبوقه و نرجع تانى نحقق مكاسب و ارباح خياليه.
ــ طيب و لو محصلش يا ابن أخويا ؟
الجمله كانت موجهه من العمه ڤيلارا ، هى الأكثر جرأة بين جميع الموجودين و ده يظهر من أول نظره لها.
طبيعة لبسها المكشوف ، شعرها الأحمر الصارخ ، عيونها الحاده ، طريقة مسكها لكأس العصير كلها اشياء تعطيك انطباع عن شخصيتها الجريئه.
ابتسم سيراث لما سمع جملتها هو عارف أنها بتحميل أكثر لجبهة أخوها تروڤان على حساب جبهته هو كقائد فعلى للعائله.
ــ أمممم هيحصل يا عمتى بل و هكبر الرهان على نفسى و أقولك أنى أبقى فشلت لو بطل البطوله مش من عندنا السنادى !
ــ أنا عايزه أعرف لو محصلش !!
ــ وقتها يبقى للعيله قائد جديد !!
الجمله الاخيره كانت من ليسانا تروڤان ، ثلاثينية السن ، بيضاء البشرة ، شعرها بنى اللون ، جسمها جذاب لافت للإنتباه ليس نحيفا كما أنه ليس ممتلئاً.
جسمها مرسوم رسم يثير شهوات بعض أخواتها فما بالك بالغرباء ، لها وزن فى العائله كلمتها مسموعه و ده بسبب علاقاتها الواسعة اللى بتوصل جوه البلاط الملكى حتى !
جملتها كانت قويه بل و مغايرة للأجواء العامه تماما !
القاعة تحسها اتجمدت لثواني ، كأن الهواء نفسه توقف ، الموسيقى اللي كانت شغالة في الخلفية اتسمعت أوضح فجأة ، والضحكات اتقطعت واحدة ورا التانية.
ماركوس ابتسم ابتسامة جانبية وهو بيبص على أبوه تروفان ، كأن لسان حاله بيقول..
ــ باينلها قربت !
ڤيلارا ضحكت بخفة ، ضحكة مليانة خبث ، رفعت الكاس بتاعها كأنها بتهني بنت أخوها على جرأتها.
العمة دارميلا اتنحنحت بصوت عالي ، محاولة تكسر الصمت :
ــ إيه الكلام الكبير ده يا ليسانا ؟ إحنا في احتفال مش في مجلس حكم!
لكن الكلام كان خرج خلاص ومفيش رجعة.
بعض شباب العيلة سابوا الكؤوس اللي في إيديهم ، تبادلوا نظرات قلق.. كأن كل واحد فيهم بيسأل نفسه.. ماذا لو فعلاً؟
سيراث وقف ثابت في مكانه، ابتسامته الكبيرة اتحولت لابتسامة أضيق، عينه رايحة جايه ما بين ليسانا وتروفان.
حس إن الضربة دي متحضَّر لها من بدري.
رفع إيده بهدوء، كأنه بيسكت القاعة من غير ما يصرخ :
ــ كلامك تقيل يا بنت عمي… تقيل لدرجة إنه لو اتقال في وقت تاني كان ممكن أعتبره خيانة.
صوت خفيف من آخر القاعة اتنفس "أووووه".
تروفان ما تحركش، لكن عيونه كانت بترقب سيراث بتركيز قاتل.
سيراث كمل بصوت أوضح، وهو بيخاطب الجميع:
ــ الليلة دي مش اختبار لسيراث لوحده، دي اختبار لكلنا.. للعيلة كلها.
أنا متحمل المسئولية.. ولو فشلت، يبقى أنا اللي هخرج بره الساحة، مش أنتم.
ثم بص على ليسانا مباشرة:
ــ بس لحد ما اليوم ده ييجي، أنا القائد، ودي حقيقة لازم الكل يقبل بيها.
تصفيق متقطع بدأ يرجع، أولهم ليانا اللي رفعت راسها بفخر وقالت بصوت مسموع..
ــ أبي هو قائد العيله حسب آخر انتخابات ، و واجب علينا كلنا الطاعه و اللى مش عاجبه هو عارف يعمل إيه !
القاعة رجعت تدريجيًا لأجواءها، لكن الشرارة اتزرعت خلاص.
" آدم "
الفيلا الليلة دي كانت باردة ، الجو مشحون بالتوتر… سواء عند أهل عيلة سيراث أو حتى في أعماق الدور السفلي، حيث كانت الزنزانة، وأدم وحده.
المشاعل في الزاوية تهتز مع تيار هواء خفيف جاي من شق في السقف، ظل اللهب يترنح على الجدران، يمينًا ويسارًا، كأنه مرآة لحالة آدم المترددة.
آدم قاعد على الأرض، ظهره مسنود للحائط ، عيناه معلقة في الفراغ.
صدى أصوات الجماهير اللي كانت تهتف باسمه لا يزال يدور في رأسه ، لكنه الآن غارق في صمت الزنزانة.
شد ركبته تجاه صدره ، وصرخ في داخله بصوت واطي:
ــ أنا ليه هنا ؟ أنا بعمل إيه وسط الناس دي ؟
صور كثيرة تمر من أمام عينيه…
مصر، الشوارع الضيقة اللي كان يتمشى فيها من غير ما حد يحس بيه، أمه وهي بتنادي عليه في المطبخ علشان يخرج بصينية العشاء.
ثم… المشهد اللي قلب حياته رأسًا على عقب: السجن، الكتاب، الساحة، الدم، الجمهور اللي يهتف باسمه… وهو واقف لأول مرة، مش مجرد ظل.
قلبه متلخبط : خوف رهيب من القادم ، ونشوة غريبة لأنه لأول مرة حاسس بقيمته.
نبضه متسارع، والهواء البارد يلسع وجهه كأنه يذكره أنه هنا ليس على أرض مألوفة.
رفع عينيه للسقف، صمت الزنزانة يلتهم صوته الداخلي:
ــ يا ترى… النصر ده نقمة ولا نعمة؟
ــ يا ترى… هرجع للأرض تاني؟
ــ يا ترى… الأرض إيه أخبارها وأخبار أهلي؟
ــ يا ترى… هعمل إيه مع أهل جولدامون؟
مد يده على الأرض الباردة، حس برطوبتها وكأنها تمتص روحه، وفجأة ضحكة صغيرة من الماضي عادت له، صورة أمه… ذكراه عن البقاء والأمل.
ــ يمكن جولدامون يكون طريقى وسبب البقاء هنا… زى ما امى زمان كانت سبب بقائي على الأرض.
ثم أخذ نفسًا عميقًا، شعر بحرارة دافئة تتسلل بين برودة الزنزانة، وعيناه بدأت تلمعان بخيط من العزم.
ــ يا جولدامون لو كنت سامعنى… فالنزال الحقيقي لسه قدامنا.
" ساحة التدريب "
اندفع نور النهار من الشباك ليسقط على عينيه ، سيراث كان نايم برأسه على مكتبه مقدرش بعد أحداث الليله السابقه أنه ينام براحه.
لأول مره من مده كبيره يشعر بمدى قرب الخطر اللى دائماً خاف منه.
نظام العيله بتاعة سيراث نفسه غريب على المسامع ، هم أشبه لدوله مصغره ينتخبون قائد كل مده معينه من الزمن.
حينما مات أبو سيراث كان هو القائد الفعلي للعائله.. و من مهام قائد العائله أنه يكون متحكم بشكل فعلى فى مال العيله و القرارات المصيرية اللى تخصه.
مات أبو سيراث و كان بيتاجر بمال العيله فى تجارة أدرت أموال كثيرة للعيلة.
وقتها و عن اقتناع تم انتخاب سيراث بأغلبية الأصوات قائد فعلى للعائله ، فى البدايه كان سيراث قادر يحقق مكاسب كويسه و لكن…
مع بعض القرارات الخاطئة منه بدأ يضيع موارد العيله بدأ يقوى شوكة المعارضين بالأخص عمه تروڤان.
تروڤان هو رجل كلاسيكى بيشوف أن القيادة كان من المفترض تبقى ليه هو مش لابن أخوه سيراث.. بل وصل الأمر لاتهام بعض المصوتين بالانحياز لسيراث رغم علمهم بأنه غير مؤهل لذلك.
إحقاقا للحق تروڤان موقفه كان أضعف وقتها مش علشان فيه تحيز لكن تروڤان تم عزله من القيادة قبل كده بسبب سوء قيادته للعيله اللى انقلبت لفضيحة أخلاقية لاسم العيله وقتها.
سيراث كمان وقتها سوق لنفسه أنه قادر يكسب أكتر من اللى أبوه كان بيكسبه كمان لما يدخلوا مجال المصارعه اللى هو أكبر مجال رياضى فى البلد كلها.
الكفة في النهاية مالت لسيراث لكن مع الوقت بدأ الموضوع يتوازن و حالياً بيتمايل لمصلحة تروڤان.
مسح سيراث وشه بإيده ، قام من على المكتب بخطوات ثقيلة ، فتح باب المكتب ، لقى ميراڤ واقف مستنيه.
ــ شكلك معرفتش تنام يا مولاي.
ــ و هييجى منين النوم بعد ليله زى بتاعة امبارح !
ميراڤ ابتسم ابتسامة صغيرة وقال:
ــ بالعكس.. الليلة دي كانت نصر ، حتى اعتراضات تروفان وڤيلارا مش هتغيّر من الحقيقة دي.
سيراث هز رأسه:
ــ استفدت إيه أنا من النصر ! ميراڤ أنا لو محدش من المصارعين اللى تحت دول فاز بالبطوله إحنا كلنا هنطير !
قبل ما يكملوا كلامهم ، ظهر كاليك المدرب من آخر الممر.
كان لابس زيه الرياضي البالي ، عرقه لسه ظاهر من تمرينه بدري مع المصارعين.
ــ مولاي… المصارعين في الساحة مستنيينك ، بعد انتصار جولدامون امبارح ، الروح المعنوية ارتفعت عند الكل.
سيراث وقف لثواني يفكر، و بص للاثنين :
ــ لازم نعرف نستغل اللحظة دي !
إنت يا كاليك ركّز على إنك تخليهم فريق واحد ، مش مجرد مصارعين بيتنافسوا.
وأنت يا ميراڤ، عينك على عمى تروڤان … أنا عارفه الليلة اللى فاتت هيحاول يستغلها و ممكن يلعب بشكل قذر علشان يوقعنى.
اتحرك سيراث قدامهم بخطوات واثقة، الاتنين ماشيين وراه.
خطوات سيراث تقيلة على الأرضية الرملية للساحة ، مع دخوله للمكان صمت خفيف غطى المكان.
أصوات ضربات المصارعين في الأكياس الخشنة خفتت تراقبه ، كان واقف في غرفته المخصصه له ، عينه بتتحرك من واحد للتاني:
ـ ڤاروس واقف مستقيم، نظرته متحدية لأي حد يقرب منه.
ـ آدم بعيد في الركن، ماسك عصاية التدريب لكن عينه مشغولة كأنه في عالم تاني.
سيراث مسح على دقنه، خد نفس عميق ونزل خطوة خطوة لحد ما وقف في نص الساحة ، كل المصارعين سكتوا وبصوا له.
رفع صوته ، رخيم و واضح هو..
ــ امبارح اسمنا اتهتف بيه في الاستاد… لأول مرة من سنين ، بس ده لسه مش كفاية.
ــ افتكروا إن انتوا مش مجرد مقاتلين… أنتم بتمثلوا أمل لمجد ليكم و لعائلاتكم و لاسم عيلتى.
ــ البطولة دي فرصتكوا إنكوا تكتبوا تاريخ جديد… اللي هيفوز، هيغيّر مكانته و مكانة فريقنا ، و اللي هيفشل فهو أكيد عارف ايه مصيره
سكت لحظة، رفع إيده وأشار للساحة كلها:
ــ هنا… هو ميدانكم، وهنا هيتحدد مين منكم يستاهل يكون بطل حقيقي.
صوت الساحة ارتفع بهتافات و ضربات على الأرضية، والشرارة في العيون ولعت أكتر من أي يوم فات.
أثناء فترة الغداء حضر بعض عائلات المصارعين اللى قدر سيراث يوصلهم و ده لأنه لما حس أنها دفعت آدم أو جولدامون قرر يجربها مع البقيه.
بعد انتهاء استراحة الغداء ، وقفهم كاليك على نفس الشكل اللى وقفوا عليه الأسبوع اللى فات ، تسع أفراد ، تلاته فى تلاته.
بدأ حديثه و هو ماسك ورقه فى أيده واضح عليها الاهميه من شكلها المزين و من جودة الورقة ذاتها !
كاليك رفع الورقة المزيّنة بإيد ثابتة ، صوته عالي و هو بينطق:
ــ ابتداءً من الأسبوع الجاى… هتبدأ مباريات خروج المغلوب.
المصارعين اتبادلوا نظرات سريعة بينهم ، بعضهم شد عضلاته كأنه بيتحضّر من دلوقتي ، وبعضهم وشه اتوتر خوفاً من المجهول.
كاليك كمل وهو بيقلب الورقة:
ــ كل مصارع قدامه خمس مواجهات لحد النهائي… واللي هيخسر.. هيودع المسابقه بكل تأكيد.
ــ جولدامون… بسبب انتصاره على البطل ريكوس ، طريقه هيكون أهدى شوية ، لكن زي أي واحد فيكم محتاج خمس انتصارات متتالية علشان يوصل للنهائي.
البعض بص لآدم بحقد واضح ، والبعض بعينين فيها احترام فهو فى النهايه انتصر على خصم قوى بحق !
ڤاروس اخد نفس عميق صوته مسموع ، خطوة صغيرة لقدام كأنه بيقول للجميع : أنا لازلت هنا.
آدم حط عينه في الأرض للحظة… بس صوت التشجيع اللي لسه بيرن في دماغه خلاه يرفع رأسه ويشد نفسه كأنه بيقرر يواجه.
كاليك نزل الورقة على جنب وقال بصرامة:
ــ مفيش أعذار، مفيش مجاملات… اللي هيكسب هو اللي هيكمل ، واللي هيخسر… انتهى أمره.
سيراث، اللي كان واقف بيراقب من بعيد، ابتسم ابتسامة صغيرة… فيها خليط من رضا وخوف.
هو عارف إن اللحظة دي مش عاديه ، دي بداية "تصفية" حقيقية… مش للمصارعين بس ، لكن لمستقبله هو كمان.
بعد ما خلص كاليك كلامه ، المصارعين رجعوا للتدريب ب جِد أكتر من الأول ، الأصوات في الساحة رجعت تعلو… لكن عين سيراث فضلت معلّقة على آدم بالتحديد ، كأن عنده إحساس إن كل اللي جاي هيبدأ منه.
" ڤيلا مايزرون "
" إيلارا_خيانة متكرره "
انتهى الجميع من تناول وجبة العشاء ، كانت وجبة عشاء مليئه بالتوتر ، تحدى ليلة الأمس مازال صداه فى الأجواء.
انتقل كل واحد يبحث عن المكان اللى حابب يروحه..الليله دى كانت مصيريه ، صعبه ، هتحدد حاجات كتير أوى فى مصير الكثير و الكثير من الأشخاص و اللى منهم…آدم !
بعد ساعه من انتهاء تناول وجبة العشاء ، خرجت العمه ڤيلارا من أوضتها ، بخطوات خفيفه ، هادئه ، اتسحبت واحده واحده إلى أن وصلت عند اوضه معينه فى الطابق التالت.
خبطت على الباب بخفه ليصدر صوت لا يكاد يسمع لكن…فتح الباب و دخلت منه ڤيلارا.
غرفه صغيرة مضاءة بمصابيح اضاءتها خافته ، ترابيزه دائريه فى المنتصف حواليها تواجد
ــ تروڤان العم ، ليسانا بنت تروڤان ، مقعد فارغ
دخلت ڤيلارا و قد بدأت بالهدوء بعد أن اطمأنت لعدم كشفها من قبل حد بره الاوضه.
قعدت ڤيلارا ، هدوء عم لثوانى ، ظهر صوتها كأول المتكلمين حاد لكنه هادئ:
ــ لازم نفهم إن لو واحد من مصارعين سيراث كسب الكأس… سيراث مش بعيد ينتخب مره تانيه.
تروڤان ردّ وهو مائل بجسمه للأمام:
ــ جولدامون بالذات… الولد ده شكله خطر. شفتوا إزاي قلب الجماهير نفسها لصالحه ؟
ڤيلارا ضيّقت عينيها:
ــ مش بس كده… جولدامون تأثيره وصل لتحويل بعض المشككين فى العيله لمؤمنين !
ليسانا كانت ساكته أغلب الوقت ، قاعده على الكرسي الخشبي بتستمع فقط ، وبعد لحظة هزت رأسها و قالت :
ــ برضه أنا مش فاهمه إيه دورى هنا ؟ كمان أنا أول مره أعرف بمحاولاتكم لتوقيع سيراث !
تروڤان بص لها بحدة:
ــ أنا مأقحمتكيش بعلاقاتى في حكومة المملكة علشان وقت ما احتاجك تحاولي الهرب !
ليسانا ببرود…
ــ أنا وصلت اللى وصلت له بمجهودى مش بس علشان مساعدتك ! و أظن مشكلتك القديمه كانت ممكن تنتهى بشكل كارثي اكتر لولا تدخلي !
ڤيلارا حاولت تهدى من الأمور..
ــ أهدوا إحنا مش هنا لأجل الخناق و أنتى يا ليسانا لو بصيتى للموضوع هتفهمى إن أنتى كمان هتستفيدى لو سيراث اتشال !
ليسانا بثقه..
ــ منصبى مش محتاج العيله تدعمه شغلى لوحده بيدعمنى ( باستفزاز كملت ) و حتى لو بصيت ليها من منظورك ف أنا الأفضل أدعم سيراث ابن عمى ! لو صيته سمع ممكن يكسب منصب وزير الرياضه فى المملكه كلها ! على عكسكم !
ڤيلارا بهدوء و حنكه…
ــ بيتهيألى أنك أكتر واحده عارفه إن اللى حصل هو فى الأصل معجزه ! لولا جولدامون كان زمان الموضوع خلصان بشكل مختلف تماماً ! سيراث هيكون ثغره مش ميزه و من الأفضل للجميع أنه يتشال من منصبه.
ليسانا بهدوء و نفاذ صبر..
ــ إيه المطلوب منى ؟
تروڤان بهدوء..
ــ صعبى طريق جولدامون و ڤاروس الباقى مفيش خوف منهم.
ليسانا ببرود..
ــ مقدرش و مش هدخل منصبى و مركزى فى موضوع زى ده !
ڤيلارا بهدوء..
ــ طيب و الحل ؟
ليسانا بغموض..
ــ الحل سهل بس أنتوا اللى مش شايفين !
ڤيلارا بفضول..
ــ بمعنى ؟
ليسانا بهدوء..
ــ سر من أسرار ڤاروس فى مدينته القديمه لو طلع للسطح هيخلى سيراث نفسه يستبعده ، أما جولدامون فيكفى نكشه من ناحية أخته ليانا هتخلص و الموضوع ده هيخلص.
تروڤان بفضول…
ــ و إيه هو السر بتاع ڤاروس ؟
ليسانا ببرود…
ــ اتعبوا شويه و أنتوا تعرفوا ، أنا ماشيه.
انصرفت ليسانا و تبقى الثنائي ڤيلارا و تروڤان
ڤيلارا نفخت…
ــ مفيش حاجه عايزه تظبط ، أومال فين ماركوس صحيح ؟
تروڤان ما ردش فورًا إنما اكتفى بابتسامة بطيئة ارتسمت على وشه !
الممر كان صامت ، الشموع اللي على الحيطان بترتجف مع كل خطوه بيخطوها…هو!!
ماركوس وقف قدام باب أوضة سيراث ، مد إيده وفتح الباب بهدوء.
إيلارا كانت واقفة عند الشباك ، شعرها منسدل ، ضهرها ليه ، كتفها العاري ظاهر من تحت قميص النوم العارى..
أول ما سمعت الباب ، استدارت ببطء ، أول ما شافته ظهرت على ملامحها ابتسامه خفيه لكنها تصنعت المفاجأة.
ــ ماركوس… إيه اللي جابك هنا دلوقتي؟!
قفل الباب وراه من غير ما يرد ، قرب منها بخطوات كلها ثقة..
عينه كانت بتاكل جسمها ، بيمسحها من فوق لتحت بنظرة مليانة رغبة و شهوه !
ــ جاي في الوقت الصح… (ابتسم ابتسامة صغيرة) سيراث مش موجود.
هي عضّت شفايفها بعفوية ، التوتر واضح في نفسها. حاولت تبان قوية:
ــ لو حد شافك هنا…
قاطعها و هو بيقرب جداً منها ، صوته واطي لكنه مثير..
ــ محدش هيشوف الليلة دي لينا إحنا…( قرب من ودنها ) يا لبوتى !
المسافة بينهم أصبحت شبه معدومه ، عينيه غرقت في عينيها ، وإيديه قربت جدا منها فى محاوله للمسها.
لحظة صمت… كلها نار مكتومة.
إيلارا همست، صوتها المتردد الهامس ألهب شهوته..
ــ اعقل بقى ! مش كنا اتفقنا أنه خلاص !
ماركوس قاطعها و طبع شفته على شفتيها و هو ساندها للحيطه و محاصرها بدراعه.
نفسها ارتجف ، حركة بسيطة من إيده اليمين على شعرها و الايد التانيه على وسطها كسرت آخر خطوط دفاعها !
عقلها بيقولها أنها لازم تقاوم زى ما عاهدت نفسها أنها تخلص لسيراث من جديد لكن… جسمها رافض اللى بيقوله عقلها !
جسمها بدأ يعرق و يسخن حلماتها بدأت تنتصب معلنة أنها ترغب فى المزيد !
لسانه بدأ يتوغل و يشتبك مع لسانها ، أيده بتشدها ليه أكتر ، زبه المنتصب بيخبط فى كسها..جسمها ارتجف مع لمسة زبه لكسها !
أيده كانت بتلعب فى لحم جسمها الواضح من قميص النوم القصير اللى هى لابساه.
مع كل لمسه منه لجسمها كانت بتترعش أكتر و أكثر..
أيده الشمال رفعت رجلها اليمين و صباغه الكبير بيبعبص كسها المكشوف..جسمه بيدعك جسمها دعك و لسانه مش مفارق بوقها وسط تأوهاتها اللى كانت بتزيد من عنفوانه الجنسى معاها
ــ أمممممم ( نزل لرقبتها يلحسها ) ارحمنى !
ــ جسمك فتااااك و عايز يتناك أوى يا لبوتى !
ــ افففففف حرام عليك حرام ! طب الحس الحس جامد ححححححح.
بدأت ايديها تشده عليها أكتر انتصر جسمها الساخن و كسها اللى عسله بيسيل على عقلها اللى كان بيرفض على استحياء لكن…كيف وصل الأمر إلى هنا !!؟
فلاش باك…
إيلارا كانت بنت تاجر أقمشة كبير ، أبوها كريتوس من أكبر تجار المملكه ، الناس كلها كانت بتحترمه وبتحسب له ألف حساب.
اتجوز بدري من ڤيلارا ، خلفوا صبيان وبنات… إيلارا هى آخر العنقود.
زيّ أمها فى الجمال ، وشها أبيض منوّر، عنيها واسعة و رموشها تقيله تخلي اللي يبص لوشها يتوه جواه.
جسمها أنوثته طاغيه… ده خلاها مطمع لكتير من الشباب بل و حتى بعض الكبار..
لكنها كانت دايمًا بتتمنع، مستنية فارس أحلامها: الشجاع ، الوسيم ، الرومانسي…إلخ
لكن كما دائماً يقال ليت الأحلام بالتمنى !
كبرت إيلارا أصبحت فى نص العشرينات ولسه بترقص فى العرسان واحد ورا التاني:
ده تخين… ده مغرور… ده شكله مش عاجبني.
بل وصل الأمر أن أمير من مملكة ميراشا أتقدم لها… و رفضته !
الناس كلها بقت تتكلم عن المجنونه اللى رفضت أمير مملكه ! ، سيرتها بقت على كل لسان، بس هى ما اهتمتش.
كان دائماً أبوها كريتوس بيقول اللى هى تختاره هو ده اللى هتتجوزه ، ده كان بيعصب أمها لكنها مضطره تسكت.
لحد ما جه اليوم اللى شافت فيه من أعتقدت أنه فارس أحلامها !
مش سيراث لأ… بل شافت ماركوس!
الحكاية ابتدت يوم حفلة كبيرة فى القصر الملكي..
الملك عزم كبار التجار، و اللى منهم كريتوس أبوها، عشان يتكلموا عن فتح أسواق جديدة لهم فى مملكه مجاوره..
أبوها كان بيفضل يروح لوحده فى العادى ، لكن أمها أصرت عليه ياخد بنته معاه فى اليوم ده.
إيلارا لبست أحلى فستان عندها، ظهرت أميره بدون لمسة ميكاب..
فى الواقع هى أجمل من إنها تحتاج لده !
فى نفس اليوم، كان ماركوس فى السوق، رايح على المحل التجارى بتاع أبوه.
ماركوس كان شاب وسيم ، بشرته بيضا، شعره بنى ناعم ، عيونه عسلية، طويل وشيك.
أول ما شافها قاعدة فى العربة جنب أبوها… اتسمر مكانه !
ماركوس بطبعه مش بتاع جواز، لعبى ، عينه زايغة، وعلاقاته النسائيه متعدية الحدود..
لكنه أول ما شافها اتسحر بيها للدرجه اللى خلته يقسم أنه هيفضل وراها !
بدأ يخطط و يتكتك أزاى يوصلها ، عرف إنها بتحب تقرأ كتب و بتروح كل أسبوع مكتبة عامة.
قرر أنه هيروح هناك متقمص دور المثقف اللى بيدوّر على كتاب مش لاقيه.
بالطبع اختار كتاب عارف إنها ما قرتوش، بعد ما سأل أمين المكتبة الخجول (اللى ماركوس كان بيستعرض بحكاوي البنات اللى بيدخل معاهم فى علاقات ).
الموضوع نجح ، ماركوس لفت انتباهها و بكلمتين حافظهم عن الكتاب قدر يفتح معاها حوار.
و من هنا بدأت القصة… أصبحت لقاءاتهم فى المكتبة أسبوعيه ، كلام عن الكتب و الكتاب المختلفين من جوه المملكه و خارجها !
لحد ما قرر ياخد خطوه كمان فى علاقتهم..
ــ ما تيجي نشرب حاجة فى أى كافيه قريب ؟
إيلارا وقتها ضرب وشها الخجل اللى زادها جمالاً على جمالها.
تصنعت التفكير و قررت أنها مترفضش..
ماركوس كان خلاص قدر يخلى مشاعرها تميل له !
إيلارا وافقت على الدعوة ، قعدوا مع بعض في كافيه هادي على أطراف المدينة.
قرر ماركوس أنه يبهرها بالاجواء البسيطه لأنه عارف أنها مجربتش النوع ده من الأجواء مختبرتهوش !
اخدها مكان بسيط ، لكن بالنسبالها كانت أول مرة تقعد فى واحد زيه ، ده غير أنها لأول مره تخرج فعلياً مع راجل فى لقاء أشبه بالديت.
طول اللقاء قلبها كان بيدق بسرعة ، كانت حاسه بالتوتر طوال اللقاء لكنها حاولت تخفى ده قدر المستطاع !
ماركوس بدأ يحكي لها عن “اهتمامه” بالكتب والفلسفة ، وعن أحلامه إنه يسافر ويشوف عوالم جديدة.
كانت بتسمعه منبهرة ، مبسوطه بكلماته حتى لو كلامه فيه شوية مبالغة… عينيها كانت مركزه فيه ، ملامحه ، طريقته ، الضحكة الخفيفة اللي بتطلع منه كل شوية.
لأول مرة حسّت إن ده ممكن يكون الفارس اللى طول عمرها بتحلم بيه.
ضحكته، جرأته، نظرته… كل ده لمس الوتر الصح جواها.
بعدها اتكررت اللقاءات..
ــ مرة في الكافيه
ــ مرة في جنينة مع جو بسيط و رومانسي… هناك أول مرة قرب منها لمس إيدها "بالعفوية".
إيلارا حسّت بكهربا في جسمها كله ، سحبت إيدها بسرعة و احمرت خجلا…
لكن اللحظه دى فضلت معاها وهي راجعة البيت حتى و هى على سريرها فضلت طول الليل تفكر في اللحظة دي.
من هنا ابتدت تتعلق بيه فعلًا… وكل مرة بتشوفه، كان بيشدها أكتر وأكتر ناحية عالمه.
الأمر أستمر بالشكل ده لحد ما في مرة من المرات بعد ما خلصوا قعدة طويلة في المكتبة، ماركوس قال لها..
ــ تعالي أوصلك لحد الفيلا بتاعتكم.
قرروا ياخدوا المشوار مشى على غير العاده ، اليوم كان فى آخره ، الطريق كان هادي ، بس خطواتهم جنب بعض عملت موسيقى خاصة، فيها صمت و كلام قليل لكنه مليان معنى.
استمر مشيهم لحد ما وصلوا لمكان الرجل فيه قليله ، وقفوا الاتنين يتكلموا ضهرها للحيط و هو واقف محاوطها بذراعه.
إيلارا رفعت عينيها تبصله ، وهي مترددة ، قلبها بيدق بشكل غير طبيعي.
اتكلم هو بصوت هادي و قال..
ــ إنتي عارفة إني مش بعرف أبطل أفكر فيكى ؟
ارتبكت، حاولت ترد بحاجة عقلانية، لكن لسانها اتعقد.
كل اللي قدرت تعمله إنها تبص بعيد، وتعض شفايفها من التوتر.
ماركوس ضحك ضحكة صغيرة بص ، بصباعه خلى وشها لوشه مره تانيه ، ثوانى عيونهم باصه لبعض و فجأة…. شفايفه طبعا على شايفها !
عوده من الفلاش باك
ضوء الاوضه مازال خافت ، ريحة الجنس ماليه الاوضه ، صوت الانفاس تقيله متقطعه.
ماركوس مرمي على ضهره ، إيلارا جنبه على بطنها جسمها الابيض محمر ، لازال سخن ، العرق مخلى جسمها يلمع.
عيونها سرحانه و نفسها بتجلدها على اللى حصل ، مش قادرة تهرب من أفكارها ! من أنها واحده خاينه !
بصّت له ، و بصوت واطي لكنه مليان قلق و عتاب…
ــ لحد إمتى يا ماركوس ؟
اتلفت لها بابتسامة صغيرة كسولة، مد إيده على شعرها يلعب فيه ، هو قرأ دماغها و بيحاول يتهرب..
ــ ايه الكلام ده دلوقتي… انتي عارفة إني بحبك بعدين ما إحنا كويسين أهو !
سكتت لحظة ، الكلمة جرحتها مش طبطبت عليها.
عينيها اتملت دموع وهي ترد بهدوء:
ــ بتحبني؟ طب لو فعلاً بتحبني… ليه وافقت… ليه حتى اقترحت إني أبقى مرات سيراث من الأول !؟
ابتسم ابتسامة ماكرة وهو بيبعد نظره للسقف..
ــ كان لازم نلاقي حل… أبويا مكنش هيوافق على جوازنا وقتها.
كان لازم أبينله إني تحت أمره… وفي نفس الوقت أسيبك قريبة مني.
رفعت نفسها قاعدة على السرير، بصّت له بحدة:
ــ قريبة منك؟ ولا محبوسة في جواز مالوش معنى!؟ كل ليلة بنام جنب راجل وأنا عارفه إن قلبي وعقلي مع واحد تاني… معاك انت !
ماركوس مد إيده لها تاني عشان يسحبها تنام جنبه ، صوته كان واطي لكن فيه غموض..
ــ إيلارا… صدقيني، كل ده لمصلحتنا ، طول ما انتي مرات سيراث… إحنا الاتنين كسبانين بعد ده أنتى مرات القائد بتاع العيله !
دمعة نزلت من عينها ، هي مش عارفة تبطل تحبه ولا تبطل تكرهه بالرغم من أنها عارفه و فاهمه أنه انانى !
ــ أنا مش عايزاه..مش عايزه قائد أنا عايزه حبيبى! لولا اللى حصل زمان و إصرار أمى مكنتش فكرت أسمع كلامك !
ماركوس حاول يقرب منها ويحضنها، لكنها زقت إيده بعصبية..
ــ متجيش جنبي دلوقتي… أنا مخنوقة منك !
ضحك بخفة ، كأنه متعود على تقلباتها بعد وصلة الجنس…
ــ مخنوقة مني ؟ طب وليه بتسيبى نفسك ليا كل مرة ؟ ليه جسمك أول ما ألمسه بينسى كل الدنيا و يبقى عايزنى أنا ؟
سكتت لحظة، دموعها نزلت، صوتها اتكسر:
ــ عشان بحبك… وبكرهك في نفس الوقت. بحس إني ضعيفة قدامك… لكن أنت مبتحبنيش زى ما أنا بحبك.
ماركوس اتنهد، وبنظرة فيها ثقة مغرورة قال:
ــ إيلارا… أنا يمكن أناني ، يمكن بفكر في مصلحتي الأول… بس تأكدى إنك مميزه عندى أنتى الوحيده اللى قدرت خليني أتمسك بيها.
(يقرب منها ويحاول يلمس خدها)
ــ إنتي مش فاهمة إن كل اللي بعمله علشان في الآخر أبقى معاكى ؟
هي بصت له بعيون غرقانة دموع، ثم بصت بعيد:
ــ لو فعلاً عايز تبقى معايا… ابعدني عن كل ده. أبعدني عن سيراث… عن العيلة… عن اللعبة القذرة دي كلها.
ماركوس فضل ساكت ثواني ، بعدين ابتسم ابتسامة غامضة…
ــ فى دماغى أمر معين لو تم… وقتها يبقى ليكى ما أردتى !
" قليل من الهدوء "
الليل خيّم على مملكة ألداراف ، شوارعها أهدى من العادة، وكأن المملكه بتحاول تتنفس بهدوء بعد أجواء آخر أسبوعين.
نسيم بارد موجود بين الأزقة ، شايل معاه ريحة أكل طالع من بيت بعيد مختلط مع روائح أخرى من أماكن مختلفه.
سيراث ماشي بخطوات واثقة ، معاه آدم و ڤاروس ، صوت خطواتهم على الأحجار كان بيكسر صمت الشوارع.
آدم كان بيحاول يخزن كل حاجة في دماغه..
نقوش على أبواب البيوت ، شبابيك قدامها نباتات جميله ، أزياء الناس اللي لابسينها بألوانها بتلمع تحت الأضواء.
بعد دقائق شاف مكان شكله أقرب لحانة صغيرة ، لكن جوه مختلف؛ ضحكات قليلة ، موسيقى هادية طالعة من آلة وترية في الركن.
من أول لحظة، حس آدم إن سيراث داخل المكان ده عن قصد.
دخلوا وعين آدم اتسعت من جمال التصاميم والزينة..
ستاير ملونة متدلية من السقف ، جدران مليانة نقوش وألوان مبهجة.
الانبهار عنده ماكانش بس من شكل المكان، لكن من الإحساس إنه لأول مرة وسط جو زيه… غريب، جميل، ومثير للفضول.
سيراث أشار بإيده لشخص واقف قريب، فحضر على طول.
ــ أيوه يا عم مين قدك! أكيد جاى تحتفل مع أبطالك !
ــ إزيك يا ڤرادا، عايز ترابيزه هادية وتكون كاشفة المكان.
ــ طلبك عندي، تعالى.
تحركوا ناحية ترابيزة في الركن، قعد الثلاثي. المكان حوالين الترابيزة كان هادي ، لكن عين آدم لمحت ناس بتبص ناحيتهم بسرعة ثم ترجع تبص في كؤوسها.
سيراث فضل ساكت شوية، كأنه بيلمّ أفكاره قبل ما يتكلم.
سيراث (بنبرة هاديه):
ــ بصراحة… أنا مش مرتاح ، البطولة قربت ، و الليلة دي حسيت إن لازم أتكلم معاكم.
آدم رفع عينه باستغراب، ڤاروس فضل صامت، بيشرب ببطء.
سيراث كمل:
ــ مش قصدي أضعف ثقتكم… بس جوايا خوف من أن نتائج امبارح تكون مخادعه..
البطولة دي مش زي اللي فاتت، والخصوم مش سهلين.
آدم (بحماس):
ــ بس إحنا نقدر نكسب ، عندنا كل حاجة تخلي الفريق ده يتفوق!
سيراث ابتسم بخفة، وبص للاتنين:
ــ عارف إن كل واحد فيكم شايف نفسه قادر… وأنا متأكد إنكم الأفضل..
بس كمان عارف الشد والجذب اللي بينكم ، كل مرة بحس إن في خط فاصل، والخصم الوحيد اللي ممكن يوقفنا هو الخيط ده.
ڤاروس رفع عينه أخيرًا، وقال ببرود:
ــ جولدامون دخيل و حاول يهينى فى النزال الودى ، نهى النزاله بطريقه… سيئه.
آدم حس أنه ضايق ڤاروس منه و فى عقل باله مكنش عايز يكون له أعداء لذا قاله…
ــ صدقنى مكنتش أقصد خالص أقلل منك ، هى الفكره أن دى أول مره ألعب اللعبه دى أصلا ! بدون ما تندهش دى الحقيقه أنا فعلاً اول مره و ميغركش اللى حصل دى شوية اراده مش اكتر.
سيراث:
ــ عايزكم تفكروا إنكم لو اتحطيتوا سوا، كقوة واحدة، محدش يقدر يوقفنا ، أحنا محتاجين قوتكم مع بعض، محتاج إنكم تزقوني لقدام… من غير وحدتكم صعب نكسب البطوله.
الكلام نزل عليهم بصمت قصير، لحظات مرت عليهم لغاية ما أخد آدم المبادرة و قرر أن يمد أيده لڤاروس اللى بص له للحظات ثم ابتسم و قبل المصالحه .
ــ ڤارووووس كنت جامد جدا النهارده أنت و جولدامون كنتوا رائعين.
كان صوت *** صغير اقتحم المكان فجأه لكنه أضاف للثنائى بهجه داخليه بكلماته ، ردوا عليه بكلمات مرحبه بيه هو و عائلته الواقفه معاه.
الطفل قالهم أنه هيفضل يشجعهم لآخر ماتش ليهم فى البطوله لأنه حب طريقة لعبهم .
بعد ما خلصوا كلام ، قرر سيراث يديهم استراحة صغيرة من ضغط البطولة، وقت يقضوه مع نفسهم.
آدم استجمع شجاعته وقال بصوت متردد…
ــ ينفع… أزور عيلتي ؟ بقالى كتير ما روحتش بيتنا !
الطلب فاجئ سيراث لكنه فضل هادى و بثبات ، و ابتسامة صغيرة طلعت على وشه..
ــ روح يا جولدامون… اقضى الليله لكن اوعدنى وعد رجاله إنك بكره مع أول خيط للنهار تكون جاهز و واحد من الحرس هياخدك يرجعك الفيلا !
وصل آدم بعد ما سأل سيراث عن مكان البيت بحجة أنه ميعرفش هل غيروا العنوان ولا لأ !
آدم كان ذكى و قال إن العنوان أتغير علشان يعرف يخليه يوصفله المكان فين بالظبط.
وصل آدم لبيت متواضع على أطراف المدينة ، الحيطان باينه قديمة ، الخشب متآكل ، ورائحة الدخان والعرق ماليه الأجواء.
لكن بالنسبة لآدم… المكان كان نابض بالحياة هو شبيه لمنطقتهم على الأرض ، قلبه بيخبط كأنه داخل يشوف أهله الحقيقيين بعد غياب !
فضل واقف متردد عقله بيخليه يطرح بدل السؤال ألف ! لدرجة أنه فكر يرجع لكن…
باب البيت اتفتح، وظهر رولان جولدامون واقف ، عينه متجهمة كأنها بترمي رصاص.
ثوانى و اتحركت إلينا وقفت ورا منه ، لما شافته متسمر مكانه ، عينيها بدأت تلمع بدموع، صوتها مرتجف:
ــ جولدا… جولدامون؟
ليانا ماستحملتش لما سمعت الإسم ، اندفعت على أخوها حضنته وهي بتصرخ:
ــ أخويا رجع !
ماركوس واقف بعيد، سايب مسافة، بس صوته خرج مشحون غيرة:
ــ فجأة تفتكرنا بعد ما سبتنا نغرق لوحدنا؟
آنا الصغيرة ركضت عليه، مسكت رجله بتنهيدة باكية:
ــ جولدا!
آدم اتلخبط بين المشاعر، بس قبل ما يتكلم ، صوت رولان قطع الدفء كله:
ــ كفاية!
(سكت لحظة، وبص له بصرامة)
ــ رجعت بعد ما كسرت رقبتنا بالعار.
آدم ارتجف، قلبه بيدق، قال بصوت واطي:
ــ عار إيه يا أبّا؟
رولان بصوت خشن:
ــ مبوما! فاكر ولا نسيت؟ اللي كان المفروض يبقى سند لليانا… خلّيت ددممُه في رقبتك!
إلينا دموعها زادت مع الكلمات الحاده و العراك اللى على وشك الحدوث !
ليانا وقفت قدام أبوها، عينيها مولّعة:
ــ مبوما كان شخص قذر ! ده غير أنه كان بيرفع إيده عليّا! جولدا حذرُه أكتر من مرّة!
رولان انفجر فيها:
ــ ده يديه حق أنه يقتل جوزك؟! دي جريمة !
(بص لآدم)
ــ وانت يا جولدامون… السجن ماكفاش عشان تفوق؟
آدم اتسمر في مكانه، لسانه مربوط ، جوه دماغه دوشة:
أنا مالي؟ ده مش ذنبي… ده مش أنا…
ماركوس اتحرك خطوتين لقدام، صوته ساخر لكنه متوتر:
ــ البطل العظيم… راجع بعد ما خلانا نعيش بعار يلاحقنا طول العمر!
ليانا صرخت في أخوها:
ــ إنت ساكت طول السنينو، دلوقتي بس فاكر تتكلم و جاى تعايره و عمل الصح أصلا !
الجو بقى متوتر جدًا، كل كلمة زي شرارة.
آدم حاسس إنه محاصر من كل الاتجاهات، عرقه مغرق جبهته !
اصوات كتير متداخله زادت التوتر عند آدم و أصبح فى دماغه ألف سؤال أهمهم ، مين هو جولدامون !؟
" نهاية الجزء "
اينعم الجزء الأخير مو قصة المتمرد فيه حاجات تخص القصه هتظهر هنا فى القصه دى و اصريت أدخل ده هنا اعتذاراً منى مره تانيه لمحبى القصه هناك و لو حسيت إن عايزين سلسله تالته ف الأحداث هنا هتساعد على ده و تمهيديه ل ده و لكن …. القصه هنا ملهاش علاقه بيها …
اخيرا بقى فالقصه من كتابتى و تأليفى و خيالى أنا و إن حدث و تواجد تشابه بها مع قصة أخرى فهو بالتأكيد صدفه و الآن..
اعزائي محبى و متابعى عالم سولانسيث أهلا بكم فى الجزء الأول من السلسله اللى هتكون جزء أسبوعى إن شاء اللـه و هيكون الجزء اخر الأسبوع دائما أى يوم من الخميس و الجمعه و السبت.
و دلوقتى كوباية العصير و يلا بينا نخش فى التفاصيل.
" بداية الجزء "
الجزء الأول:
النهارده أنا جاى احكيلك حكايه كبيره لا تخطر على بال ولا عقل انسان حتى بطلها نفسه عمره ما كان يتوقع أنه هيوصل للى وصله أو هيحصل معاه اللى حصله.
القدر أختاره لرحله غريبة ، رحله لبلاد لم يعلم عنها شيئاً قبل أن تطأها قدمه.
هو آدم محمد الحسيني شاب عنده ٢٥ سنة لسه تاممها من ايام بسيطه ، عنده ٣ أخوات وهو أصغرهم.
آدم مترزقش فى الدنيا بأى شئ من الثلاثى الذهبى : السلطه ، المال ، الجمال.
آدم مكنش وسيم شاب عادى خالص ملامحه عاديه بشرته قمحيه ، و عن ظروف معيشته فكان اللى جاى على قد اللى رايح حالتهم كانت على قدها.
آدم طويل و عريض لكن عنده كرش صغير اتكون مع الوقت من أكل الشارع الوجبات السريعه من أسرع الطرق لاكتساب الوزن و ضياع الصحه.
بشرته قمحيه ، عيونه سوداء ، شعره أسود خشن زيه زى كتير من أبناء الطبقة اللي بينتمي ليها.
آدم مدخلش الجامعه فهو خريج ثانوية عامه خلص دراسته بالعافيه و كان نفسه يكمل و يدخل كليه لكن ده لم يقدر له.
آدم كان شعبه ادبيه و متعتقدش أنه علشان كان ادبى أن ذكاءه محدود إطلاقاً ، آدم كان ذكى محب للقراءه و مجتهد لكن زى ما قولت الظروف مساعدتش.
قصدت بالظروف هى الظروف المادية بكل تأكيد ، كان عنده أمل يدخل اقتصاد وعلوم سياسية و كان بيمنى نفسه أخواته يساعدوه لكن صدمته لما سمع اخوه الكبير…
الأخ الأكبر : بص يا آدم… مجموعك حلو، ماشي مختلفناش بس تفتكر أى كليه من المتاحين دول هيشغلوك إيه ؟؟
أنا كنت ممكن أساعد، بس لو دخلت حاجة ليها مستقبل، زي طب أو هندسة…
إنما إنت صمّمت تدخل أدبي، أهو بقى شيل شيلتك !
العيلة مكانتش شايفة فايدة من أي كلية… إلا لو كانت طب أو هندسة
كانوا مستعدّين يتحمّلوا مصاريف وكُلفة، بس في كليات "قمة" زي ما بيقولوا.
مش كلام من عندي ده اللي أخوه الكبير قالهوله زى ما قريت من لحظات.
آدم كان عارف هو بيعمل إيه ، اختار الأدبي لأنه كان شايف إنه أخف وأسهل في المذاكرة ، خصوصًا إنه وقتها كان شغال، وشُغله بياخد منه اليوم كله تقريبًا.
لف كتير بين شغل وشغل، لحد ما الدنيا دوّرته ورمته…وساقت خطوته لحد هنا فى السجن و النهارده أولى أيامه !!
" في السجن "
"ثاااااااااااااابت!" صوت العسكري خرّج الكلمة كأنها طلقة مدفع، ودان الناس العاديه ممكن تطرش من قوتها ، لكن المساجين كانوا متعودين.
كل المساجين وقفوا في صفوف منتظمة ، مقسمين لأربع مجموعات، وكل مجموعة فيها أربع صفوف بالطول، لابسين نفس الزي: طاقية، وتيشيرت، وبنطلون، كله بلون واحد.
العساكر خدوا أماكنهم، والضباط واقفين مستنيين المأمور يدخل عشان يبدأ كلمته الصباحية اللي دايمًا بيستعرض فيها نفسه قدام المستجدين.
أول ما العسكري قال "ثابت"، الكل وقف و جز على سنانه ، أصل الكلمة دي معناها إن المأمور داخل، وفعلاً بعد لحظات دخل بعينه الحادة ووشّه اللي مش بيعرف يبتسم.
سكت الكل، وساد الصمت، لحد ما بدأ المأمور يتكلم :
القدام عارفيني، والجُداد أكيد سمعوا عني…
أنا هنا شايفكم نوعين:
نوع خاضع ومطيع، بيمشي عالسطر من غير ما شيطانه يوسوسله،
ونوع تاني… النوع اللي بحبه!
اللي عايز ياخد بأوسخ جزمة، ويتعامل زي النَكِرة!
خليكم عارفين اللي يلتزم… يأمن شرّي.
واللي يفكر يلاوع… ياخد بالجزمة… وبرضه هيلتزم!"
خلص كلمته، و بإشارة بسيطة، سلّم الطابور لضابط جنبه، واللي تولّى بقيّة الفقرة، وبعدها استعد الكل لوجبة الفطار.
"في قاعة الأكل"
في قاعة الأكل، اللي كانت كبيرة، المساجين كل واحد قعد في مكانه، وآدم كان من ضمن المستجدين.
خلص وقت الفطار، وكل واحد رجع زنزانته، وآدم طلع فوق السرير العلوي.
" في الزنزانة "
آدم طلع السرير العلوي، تحت عيون كام سجين من القدام، واللي كانوا بيبصوا له بنظرات لا تبشر بالخير، كأنهم متفقين ضمنيًا إن ده هو اللي عليه الدور النهاردة.
الثلاثة اتحركوا ناحيته، وبدأ كبيرهم، هاني، يتكلم:
هاني: هو الشبح جاي في إيه؟
آدم: هو إنت مالك؟
سجين تاني: رد عالكبير عدل يالا !
آدم: كبير على أي حد إلا أنا !
سجين تالت : وكمان بتقاوح ؟
كان هيضربه بكف يسطله لولا إن صوت عالى و قوى جه من وراهم وقفهم :
إياك تقرب منه !
الكل لف للصوت، وطلع من واحد مستجد برضه، بس جسمه غير جسم آدم خالص…
باين عليه القوه ، متربي على الجيم والتغذية، وشعره ناعم، وشكله نظيف، نضيف على أنه يقعد مع اشكال زى دى .
اللي كان ناوي يضرب آدم ضحك باستهزاء و مهموش، لأنه مؤمن بمبدأ..
الكثره تغلب الشجاعه
كمان اللي قدامهم ده شكله من الناس اللي مش متعودة على جو السجون.
سجين :و إنت بقى مين يا نوغة، علشان تقول كده؟"
علي (بغضب): أنا علي النويري… يا روح أمك.
وما كملش الكلمة، إلا وكان نازل عليه ببوكس مفاجئ فى وشه الاتنين الباقيين اتفاجئوا، بس العركه بدأت مفيش تراجع خلاص.
هاني طلع مطواة من جوه بنطلونه ، و بدأ يهوش بيها من ناحية ، والثاني بيقرب من علي من الناحية التانية…
أما التالت فاتجه لآدم، وبدأت خناقة سخنة بين الاتنين.
علي كان بيبص يمين وشمال، مش عارف يضرب مين الأول، خايف يهجم على واحد فالتاني يمسكه…
لحد ما لمح قماشة على الأرض قرر أنه هيعمل حركه مجنونه رمى جسمه على الأرض ياخدها فهاني حاول يغوزه بالمطواة !
بس علي كان أسرع… مسك المطواة بالقماشة، وضرب هاني برجله بين بضانه ، خلاه يقع يتلوّى.
وقع هاني، و المطواة طاحت منه، و علي داس عليها برجله، وبدأ يحاول يضرب بدراعه القوي على التانى اللى واقف فى وشه.
الناحيه التانيه آدم كان بيحاول يضرب واحد جسمه ضخم، كبير، أيديه عاملة زي الطوب…
آدم حاول يضربه في بطنه، بس الضخم مسك إيده، وراح نازل عليه ببوكس في وشه، خلاه يدوخ.
الضخم مسك آدم من ناحية، و بعزم ما فيه و فى بطنه ، صرخ آدم من الوجع.
في الوقت ده ، علي كان لسه بيتخانق مع هانى و اللى معاه تحديداً بيضرب في اللي مع هانى لكن الموضوع كان اصعب مع ده عن هانى كان جسمه قوى و رشيق فراوغ على و هو جاى يديه بوكس..
و قام مدى على بوكس من قوته وقعه على الأرض ، قام هاني من على الأرض و قومه و خلى التانى يكتفه من الضهر ، و جه هانى يضرب على وطى دماغه !!
فضرب هانى صاحبه بالغلط، واستغلها علي وضرب التاني بكوعه فى مناخيره و وبص لآدم اللي بيتفشخ ضرب.
على لمح المطواة على الأرض جرى مسكها ، وراح حاوط اللى بيضرب آدم بدراعه الشمال من رقبته ، وبالمطواة في إيده التانية، وجهها على بطنه، وقال بصوت عالي مخيف :
علي: اثبت مكانك إنت وهو يا ابن الخول اللي هيقرب هجيبه كرشه ! فاهمين !؟
صوته كان عالي جدًا، لدرجة إنك تحس السجن كله سمع جملته..
الكل وقف، خايف يتحرك، لأنهم شافوا في عينه إنه مش بيهزر، ده منظر واحد عادى جداً ينفذ تهديده !
لحظات عصيبه مرت لحد ما الباب اتفتح !
دخل ظابط، وشاف المشهد قدامه:
علي ماسك واحد، ومطواة في إيده، والباقيين واقفين متجمدين مكانهم !
الضابط اتخض، الموقف لو وصل للمأمور الكل هيتعلق !
الضابط : نزل المطواة دي يا خول !
علي (بغضب): لأ مش هنزلها… على جثتي !
الضابط: بلاش تهور دي آخر مرة بقولك، نزل سلاحك ، خطوة واحدة غلط وتموت زيك زيه !
علي: فاكرني خايف ؟ ده أنا مستنيها من زمان
ماعادش في حياتي حاجة أندم عليها…
فطالما هتعاقب كده كده يبقى أتعاقب وأنا مذنب.
الضابط : آخر تحذير أنا مقدّر إنك مش في حالتك بس لو نزلت سلاحك، ممكن نخفف العقوبة!
علي: واضح إنك مش سامع تحب اثبتلك ؟ أهو
كان هينزل بالمطواه عليه ، بس الضابط كان أسرع مسك إيده بسرعة ، و اداله بالبوكس.
آدم كان واقف، مذهول بيسأل نفسه…
مين الشخص ده؟
إزاي كان ناوي يقتل حد؟
ليه مش فارق معاه يعيش ولا يموت؟
بعدها بساعات…
الخمسة اتنقلوا سجن انفرادي…
زنزانة متر في متر…
أسابيع من العذاب، الجوع، والعطش.
آدم عانى كتير فى الانفرادى ، لحد ما الأربعة خرجوا… بس علي، فضِل لوحده.
آدم كان بيفكر في علي طول الوقت،
مين هو؟
إيه اللي جابه هنا؟
و ليه كان عايز يموت؟
كان باين عليه إنه ابن ناس…
شكله، بشرته ، شعره…
هل ممكن واحد زي ده يدخل السجن !؟
السؤال ده فضِل مع آدم لحد ما خرج علي !
شافه وهو قاعد ياكل ، جسمه خاسس وتعبان…
آدم قرر يكلمه، والفرصة جات وقت الترويحة ، فى ساحة السجن و هى ساعة في اليوم.
قرب منه، كان قاعد لوحده، حاطط رجل فوق الدكه و رجل على الأرض ، وساند ضهره للحيط
آدم: احم… صباح الخير ، مالك ياعم مكشّر كده ؟ طب ردّ علينا طيب طب حتى بصلي !
مافيش رد ، آدم مشي محبط بس كان قرر من جواه : مش هيسيبه كده ، هيحاول تاني وتالت معاه.
" عالم سولانسيث "
" مملكة نقسكهار "
" كاهيرا "
في مملكة أنينها مكتوم، صراعاتها مالهاش عدد خلت الهواء في الأوضة دي بالذات تقيل مش عشان المكان ضيق، لكن عشان اللى فيها مش شخص عادي.
هي كاهيرا بنت الملكة زارا سهرزين ، بنتها الغير شرعيه ، زارا كانت حامل فيها من واحد محدش يعرف احد اللحظة مين هو والسبب؟
في الوقت اللى عرفت فيه إنها حامل، كانت المملكة على صفيح ساخن ، الدنيا مقلوبة ، ودا خلى الملكة تتوتر بشكل مريب… وكان عندها طريقة واحدة تفضي بيها التوتر دا… الجنس.
الإشاعات وقتها كانت بتقول إن عندها أكتر من خمستاشر عشيق في نفس الوقت. وده خلى موضوع تحديد أبو كاهيرا شبه مستحيل… أو ده اللى كاهيرا كانت فاكراه و هى صغيره
بس لما كبرت شوية بدأت تسأل نفسها سؤال:
ما احنا مملكة السحر؟ أمال ليه محدش استخدم السحر عشان يعرف مين أبويا؟
وكانت الإجابة أول ضربة حقيقية في حياتها. الجارية اللى كانت بتخدمها حكت ليها.
الطفلة الصغيرة كانت قاعدة، بتسمع، ودموعها بتنزل… مش بس من الكلام، لكن من نظرة الجارية وهى بتتكلم.
القصر الملكي في مملكة نكسقهار معروف باسم قصر الألف شُرفة ، قصر ضخم مهيب ، حتى السور اللى حوالين القصر شكله بيحضن السما.
جدرانه مصنوعة من مادة خضرا غامقة ، متسمحش إلى بره يشوف اللى جوه لكن اللى جوه يقدر يشوف اللى بره.
القصر متشال على تل من سبعة تلال، كل تل عليه جناح من أجنحة البلاط الملكي للمملكه.
التل الأول من ناحية الشمال عليه قصر الألف شُرفة… دا اللى بتقابل فيه الملكة الوزراء، أو تستقبل فيه الوفود من باقي الممالك.
التاني للملكة وجوزها، التالت للأمراء، الرابع لعشاق الملكة بس حالياً فاضي والخامس ساحة تدريب للأسرة الملكية، مجهزة بأحدث حاجة في المملكة.
السادس والسابع… دول بتوع كاهيرا. السادس قصرها الخاص، والسابع أرض العدم… ودا المكان اللى بتقضي فيه أغلب وقتها.
يوم ما اتولدت كاهيرا
الجارية قالت لكاهيرا وهي عنيها مليانة كره وخوف:
قولتي عايزة تعرفي ليه؟ علشان انتي نحس! لعنة على المملكة كلها ،من يوم ما عرفنا إن الملكة حامل فيكي، المصايب نزلت زى المطر!
قصر الألف شرفة اتحاصر لأول مرة من الشعب، والسحرة المتمردين سيطروا على مخازن الغلال، مدن كاملة وقعت، و ناس كتير اتعذبت ده غير اللى ماتوا وكل دا حصل ساعة ما عرفنا إنك جواها !
حتى أنا، الباردة اللى مفيش حاجة بتأثر فيا بقيت عصبية ! الطاقة اللى فيكي دخلت جوايا… وهاخد سنين أتطهر منها !
عارفة يوم ولادتك حصل إيه؟ شرفة من القصر وقعت على ١٥ حارس… ماتوا كلهم! دا حصل لأول مرة في تاريخ المملكة… وانتي السبب !
ده غير الضغط الشعبي الكبير اللى زاد ، الناس حاصرت القصر تانى كانوا عايزين الملكة تتجوز، وتبطل تحب و تعتزل حياة العشاق !
ــ الملكة زارا، كانت أذكى من إنها تتخلع بسهولة… اتجوزت واحد من الحاشية بشكل صوري قدام الكل ، بس في الخفاء؟ لسه عايشة وسط عشاقها… محدش كان يعرف مين هما، إلا القليل جدًا.
كاهيرا كبرت في بيئة شايفاها "نكرة"، أداة لطاقة سحرية ملعونة… الطاقة دي بدأت تخرج منها وهي لسه في بطن أمها، من الشهر التاني للحمل.
الناس كلها كانت تتمنى تتخلص منها، بس القانون كان مانع قتل أي فرد من العيلة الملكية.
الملكة جابت لها مربية، وقعدت معاها سبع سنين، لحد ما كاهيرا وصلت لسن التمييز حسب قوانين المملكة.
في نكسقهار، التعليم مالوش مدارس. فيه معلمين، وكل معلم له طريقته وسحره الخاص.
لكن للأسف؟ ولا واحد في المملكة قبل يعلّم كاهيرا. حتى المربية سابت القصر أول لحظة كاهيرا تمّت فيها السبع سنين… جريت!
**** عاشت و كملت طريقها في عزلة… بس زى ما قولتلك، كاهيرا مش عادية.
علمت نفسها بنفسها من كتب المكتبة في جناحها، وطبقت اللى بتتعلمه في أرض العدم… المكان اللى كل الناس بتكرهه، بس هو الوحيد اللى قبلها.
كاهيرا دايمًا كانت تقول بسخرية:
أرض العدم هو أكتر صديق وفي قابلته في حياتي
فى الواقع هى مكذبتش هو الاوفى فى نظرها لأن هو الوحيد تعرفه !
ــ قامت كاهيرا وقفتزقدام المراية، لابسة فستان حرير ، هي بتحب الحرير جدًا ، وبتقول دايمًا إنه زيها… منبوذ.
كل الناس بتكره الحرير، بس هي الوحيدة اللى لسه بتلبسه ، بصّت في المراية نظرة أخيرة قبل ما تنفذ اللي في دماغها.
وشها لسه عليه آثار من مادة الزرخا… مادة بتحوّل لون البشرة لرمادي باهت، وبتستخدم في معابد الجنوب القديمة.
كانت هناك… بتدور على حاجة تعتقد أنها هتحسّن مكانتها في صراع السلطة.
هي ممنوعة من دخول الجناح الملكي. ومراقبة كويس جدًا. بس… هي كاهيرا.
طلعت من جناحها، راحت للحافة، و… رمت نفسها اينعم سابت نفسها للجاذبية، مغمّضة عينيها، فاردة إيديها، وبتعد:
كاهيرا: واحد… اتنين… ثلا—
قبل ما تكمل، سمعِت صوت صريخ بيشُق السما… صوت "سورا"، طائر الرايكو بتاعها.
طائر ضخم… بيغطي شرفة كاملة من شرفات قصر الألف شرفة.
الرايكو دا مش أي طائر… عمره ما حد يقدر يروضه محدش ركب عليه… غيرها هي !
الناس بتقول إن عندها سحر ملعون خلاه يطيعها، وهو أصلاً مبيسمعش لكائن مين ما من كان.
دا زوّد غموضها و خوف الناس منها ، حتى الحرس الملكي كانوا بيتمنوا ما يشوفوهاش قدامهم بالصدفة حتى.
لو عليها فهى أصلاً مش عايزة تدخل قصر الألف شرفة، بتكره كل اللى فيه… بس الشهر اللى فات، كانت مضطرة.
تعلمت تعويذة من السحر المحرم بتخليها تتخفى عن عيون أي حد… إلا لو حد نطق تعويذة مضادة، ودي برضو من السحر المحرم.
بس هي عارفة إن الحرس مش هيستخدموه… مش لأنهم أغبياء، لكن عشان القانون بيمنع استخدام السحر دا على أي فرد ملكي.
كاهيرا لسورا:
"احنا في مملكة الذكاء مغرقها يا سُدفه… عايزين يمنعوني من الجناح الملكي، ومش عايزين يكسروا القانون علشاني… عباقرة مش كده؟ هههه"
سورا… أنثى الرايكو… هي أكتر كائن حى كاهيرا وثقت فيه في حياتها، بل يمكن الوحيد من وهي عندها ١٠ سنين، وسورا هي الونس في وحدتها.
لما قربوا من التل التاني، سورا صرخة صرخة هزّت طيور الغابة اللى جنب التل و ببطء نزلت على الأرض، كاهيرا نطّت، وبدأت تمشي ناحية التل الأول… ناحية قصر الألف شُرفة.
" قصر الألف شرفة "
قصر الألف شُرفة ده حكاية في حد ذاته، أسطورة كده متربّع فوق أول تل ناحيّة الشمال الشرقي، في آخر حتة من سلسلة التلال السبعة اللي هناك، المكان اللي الخضرة فيه مبتخلصش والهوى فيه ريحة البحر البارد.
الأسوار بتاعته، عالية أوي، كأنها لامسه السما، ومفيش حد يقدر يشوف اللي جواها قصر وقور كده مرعب بس بشكل معمارى جميل.
الحيطان مش من طوب عادي، دي مبنية من مادة خضرا غامقة، مابتشفّش، اللي جوه يقدر يراقب كل حاجة حواليه من بعيد من خلال شبابيك معمولة بذكاء.
الشبابيك عددها مهول، فيه اللي بيبص عالبحر، وفي اللي بيراقب التلال، وفي اللي واقف كده ساكت، كأنه مستني حاجة هتحصل.
القصر ده هو قلب السياسه بتاع مملكة نقسكهار، الملكة بتقعد فيه مع وزرائها، بيستقبلوا فيه الوفود، ومنه بيطلع كلام يغيّر خرائط أماكن كتير فى سولانسيث.
مكانه كمان استراتيجي أوي، قريب من البحر، والهوا هناك بارد و جميل ، كأن الطبيعة بتحترم المكان ده.
أول ما تعدّي البوابة الرئيسية، متبقاش دخلت مبنى وخلاص، ده كأنك خدت خطوة جوه عالم تاني، عالم كله رموز، وهيبة، وجمال يخوّف.
الأرضية مرصوفة بحجر أخضر غامق، منقوش عليه تاريخ المملكة بلغة محدش بيفهمها غير كهنة القصر.
القاعات جوه كأنها ممرات الزمن، سقفها عالي، والنور بيدخل من شبابيك زجاج ملوّن، يرسم على الحيطان حكايات بتتغيّر حسب الوقت.
كل لون ليه معنى، وكل نقش ليه قصة، عهد، خيانة، أو حتى أسطورة.
الشبابيك الكتير مش كلها مفتوحة للناس، في اللي مقفول عليها بتعاويذ قديمة، محدش يقدر يفتحها إلا لما نبوءة تتحقق أو ملك يموت.
وفي شباك اسمها شباك الشفق، ده بيبص عالبحر، و محدش يقربها غير وقت اتخاذ قرارات مصيرية.
وفي شباك تاني… مابيطلش على حاجة، بس فراغ، عدم، كأنها معمولة عشان العُزلة والتأمّل.
في قلب القصر، في قاعة العرش… اسمها الرسمي..
قاعة العيون الصامتة
سقفها معمول كأنه السما، وفيه أحجار فسفورية بتنور بالليل كأنها نجوم، والحيطان مليانة لوحات ضخمة لملوك وملكات نكسقهار، كلهم بصين لتحت… إلا الملكة الحالية.
هي رسمت نفسها تبص في عين اللي يدخل القاعة، مباشرة.
العرش نفسه معمول من حجر أسود ناعم، طالع من الأرض كأنه جزء منها، ورا ضهره محفور شعار المملكة: "عين البحر وشمس التلال".
القصر متقسّم لأجنحة: جناح للسياسة، وجناح للسحر، وفي جناح محدش يعرف عنه حاجة، الحراس بس بيدخلوه… ومابيخرجوش.
الممرات طويلة، والبيبان ضخمة وعليها رموز متفكّتش غير في يوم تتويج الملك أو الملكة.
الغريب؟ الصوت جوه القصر مش طبيعي، الهمس بيتنقل زي الصدى، والصوت العالي بيتبلع… كأن الحيطان بتاكله.
ناس كتير حكت عن أصوات بتطلع من الشُرفات بالليل: أنين، غُنا، أو بكا مش مفهوم. الحرس اتعودوا عليه، وبقى بالنسبة لهم علامة إن أرواح الملوك لسه شايفة وسامعة.
وفي أعمق نقطة جوه القصر، بين الشُرفات، توصل لأعظم قاعة فيه: قاعة النُطق الملكي.
بس اللي في القصر بيسموها بينهم: قاعة السبع ألسنة، علشان فيها القوى السبعة اللي بتحكم المملكة:
الملكة، الملك، الورثة، الشعب، الوزير الأعظم، مجلس الظل، وكهنة البلاط.
القاعة شبه المسرح، بس مقلوب، وسقفها عالي أوي شايله أعمدة حجرية ضخمة، كل واحدة منقوش عليها لحظة من تاريخ المملكة… بس من غير وشوش.
وشوشهم بيبقوا بيضا أو مشوشة، كأن القوة مابيلهاش شكل.
في النص، في ترابيزة حجرية مدوّرة، أوطى شوية من باقي الأرض، حواليها كراسي، كل واحد محفور عليه رمز الجهة بتاعته:
ـ عرش الملكة: ياقوت أسود، وفي طرفه شعاع شمس دهبي.
ـ كرسي الملك: أهدى شوية، مزخرف بدرع البحر.
ـ كراسي الورثة: تلاتة بس. لو زادوا؟ ناخد كرسي من حد!
ـ كرسي الوزير الأعظم: ناحية اليمين، مايل شوية، علشان هو اللي بيبدأ الكلام.
ـ باقي الوزراء؟ على النص دايرة، كل واحد ليه رايته.
ـ كرسي الضيف: مش ظاهر، بيتسحب من الحيطة وقت اللزوم ويرجع مكانه بعدين.
الحيطان فيها شبابيك وهمية… نقوش بس، بيقولوا إنها بتعكس الصوت، واللي يتهمس من آخر القاعة بيتسمع فى أولها… مافيش أسرار في المكان ده.
مفيش شبابيك، النور جاي من سبع مشاعل حجرية فوق، كل واحدة بتمثل سلطة:
ـ أبيض للورثة، أحمر للملكة، أزرق للملك، أخضر للوزير، أصفر للضيف، بنفسجي للكهنة، وأسود لمجلس الظل.
المشاعل دي مش نار عادية… دي بتولّع بسائل غامض، بينوّر ومابيحرقش.
وطبعًا، قبل أي اجتماع، ممنوع أي حد يتكلم قبل الملكة إلا إذا أذنت بده ، ولو حد اتكلم؟ اسمه بيتلعن في سجل البلاط… للأبد.
الاجتماع بيبدأ بدقة مطرقة حجرية عالترابيزة، وبينتهي بيها.
النهاردة؟ كل حاجة متحضّرة علشان يستقبلوا رئيس وزرا مملكة إلينداراف، الراجل اللي اسمه: إيريس فالونا، من تاني أقوى مملكة في سولانسيث.
الوزير ده كان وصل قبلها بيوم، وقت المغرب تقريبًا، والملكة زارا سهرزين نفسها استقبلته… تقديرًا لمكانة مملكته.
اتفقوا إن النهاردة يبقى يوم الاجتماع الرسمي بينه وبين الملكة، بحضور كبار البلاط.
الكل وصل القاعة… مستنيين الإعلان عن دخول الملكة زارا.
١١ واحد كانوا قاعدين على كراسيهم المخصصة:
١ - إيريس فالونا (الضيف)
٢ - جالو النمر (كبير الوزراء)
٣ - إيلار سهرزين (الأمير)
٤ - فايرا سهرزين (الأميرة)
والباقي كانوا وزراء المملكة السبعة.
الدقايق عدّت بسرعة، وفجأة دوّى صوت المنادي:
المنادي: قفوا احترامًا وتقديرًا لسيدة مملكتنا الأولى، سيدة الظلال، أذكى وأقوى ست في هذه الدنيا: الملكة زارا سهرزين… ومعها جلالة الملك نوڤار خاليم، اللي الثعلب الأصفر.
قالها كلها ورا بعض، ماغيرش نبرة صوته ولا لحظة. بدأ بالملكة علشان هي من نسل عيلة ڤيراشين الكبيرة، وهي اللي اختارها المجلس.
الملك؟ كان حليفها من الأول، ولما الناس بدأت تعترض على علاقتها بعشاقها بعد ما جابت كاهيرا، قررت تتجوزه… بس قدام الناس بس!
بينهم هما؟ لسه حلفاء وبس.
دخلت الملكة زارا… ماشية جنب الملك ، لابسة رداء طويل بلون الظل، كأن أطرافه بتسيح في الضلمة و القماش بيطير مع كل حركة، كأنه دخان.
الرداء مزخرف بخيوط فضية، على شكل رموز قديمة، أهل نقسكهار بس اللي يعرفوها.
الأكمام واسعة، وتكشف أوقات عن قفازين جلد أسود، فيهم صفايح شبه قشور التعبان.
مفيش تاج… بس رابط معدن رفيع حوالين جبهتها، نازل منه سلسلة صغيرة، فيها خرزة سودا… زي عين تالتة.
ودانها فيها حلقان طويلة شكلهم خناجر مقلوبة.
وشها أبيض زي العاج، عينيها ضيقة بلون رماد التلج، مالهمش ملامح.
الكحل مشطوب بحدة، مخلي شكلها شبه نسر.
مابتضحكش حتى وهي بتتكلم، وشها ثابت كأنه ماسك قناع.
في إيدها اليمين، ماسكة عصاية سودا من الزجاج، بتقلّبها في صباعها كده من غير سبب ، فيه ناس بيقولوا إنها أداة تسميم، وناس تانية شايفة إنها وسيلة لتشتيت اللي قدامها.
الكل قعد، و بإشارة صغيرة منها، اتكلم جالو:
جالو: في الأول، نحب نرحّب بالسيد إيريس، رئيس وزرا مملكة إلداراف… ونتمنى يكون مرتاح في المملكة.
إيريس بلطف: أهلا بيكم كلكم، مبسوط إني هنا في مملكة نقسكهار… أو مملكة الظلال. وفرحان إني شفت جلالتك بخير يا ملكتي.
الملكة أمّالت راسها بابتسامة مصطنعة، كأنها بتقوله "كمل اللي عندك".
إيريس: لو تسمحيلي يا جلالة الملكة، أنا جاى نيابة عن الملك ألثورين… بنطمح نعزز علاقة المواطنين ببعض أكتر من الأول.
جالو: بس علاقتنا بيكم حلوة أوي دلوقتي، إيه اللي يخليكم عايزين تعززوها أكتر ؟
جالو والملكة كانوا ناقشوا الموضوع قبل كده، أصلها سيدة الظلال.
نقسكهار عموماً مش بتدخل حروب كتير، ليهم طريقتهم، اغتيالات وتَجَسُّس… حرب باردة.
إيريس: أنت اللي قلت أهو … العلاقة حلوة بس مش ممتازة وبصراحة، كل الممالك بتحاول تتحالف دلوقتي… بسبب التهديد اللي جاي من الشمال.
جالو: بس أنت عارف… مملكة الشمال متقدرش تلمسنا، ف ليه نتحالف أصلاً ؟
ناس كتير وافقت على كلام جالو ، نقسكهار قوية، ومين هيقدر يدخل معاهم حرب أصلاً؟
إيريس ضحك وقال: أنا بس حابب أفكركم إن المملكة لسه بتتعافى من اللي حصل من تلاتين سنة…
كان يقصد وقت ولادة كاهيرا
لحظة سكوت، وبعدين كمل:
إيريس: أنا مش بقصد أقلل منكم، بس بعرض عليكم قوة ونفوذ بسرعة… أنتو عارفين إن سولانسيث بتمر بلحظات صعبة، ومملكة لومدوين الشمالية بتتغلغل.
حتى لو مش هتحاربكم، فهي بتكسر غيركم، وتاخد أرض وناس، وده خطر عليكم كمان… شايفين إن مجلس الظل هيرضى بكده ؟
إيريس ذكي، وعارف بيكلم مين.
جالو مش هو العقبة… فغيّر طريقته ليلعب على نقطة الغرور.
هو عارف إن نقسكهار قوية… بس لسه بتصلح أمورها جوه.
والملكة؟ هو دارسها من ساسها لراسها.
عارف إنها مش هتوافق… ومش هترفض. هتمسك العصاية من النص ، وده اللي هو كان عايزه.
هو بس عايز يضمن إنها مش هتستخدم قوتها ضد مملكته لصالح الشمال.
الملكة اتكلمت أخيرًا، ردّت بدبلوماسية، وقالت إنها محتاجة تفكّر.
الكل فهم… إنها مش رافضة، بس هتحاول تظبط الأمور لمصلحتها.
حتى اللي كانت بتتفرج من بعيد… كانت فهمت ده.
أيوه، كاهيرا كانت هناك!
" الأرض _ مصر "
" آدم "
آدم صحي في عز الليل على إيد بتصحيه ، قام من نومته، لقى كفّ محطوط على بقه، وصوت جنب ودنه بيهمس له إنه يستناه بكرة في زاوية معينه من زوايا ساحة الراحة.
الصوت مكنش غريب… آدم لسه فاكر النبرة دي ، اتنقشت جواه ومش راضية تطلع… أيوه، دي نفس نبرة علي النويري!
ماعرفش ينام بعدها، كان بيقلب في دماغه: هو علي جه ليه دلوقتي؟ بقاله شهر وأسبوع وتلات أيام محبوس هنا، وآخر أسبوعين بحاول أكلّمه وهو ساكت، ما بيردش، طب ليه فجأة دلوقتي ؟
أول ما الصبح بدأ يمدّ نوره، آدم قام من على السرير وبدأ يلف في الزنزانة، لحد ما الباب اتفتح ، دخل حمّام السجن قبل أي حد، وبعدها راح على قاعة الفطار.
من أول ما دخل، عينه ما نزلتش من عَلَى عَلِي، حتى وهو بياكل، فضوله كان بيأكلهو، الحوار بقى مرهق جدًا بالنسباله نفسياً و ذهنياً و دي عادته القديمة، الوحشة… الفضول.
الفضول ده هو اللي خلاه زمان يقلب الكتب، يدور، يقرأ، ويفهم ، هو ده اللي خلّاه من المتفوقين في مدرسته ، بس الفقر والشغل اللي بيقصف العمر، جرّفوا الطريق قدّامه.
من ساعة ما خرج من التعليم واشتغل، العادة دي رجعت له، بس المرة دي ماعرفش يطوّعها ، بقت عبء، مش نعمة.
اتسببت له في مشاكل كتير، خلاه يسيب شغل ورا شغل ، الفضول لو ما تحكمتش فيه بيودّي في داهية و آدم اتعلم ده بالطريقة الصعبه.
لسه فاكر اليوم ده لما كان شغال في محل عطار كبير، والمعلم بتاع المحل راجل ميلفات، وشكله الحلو وفلوسه السايبة كانوا بيساعدوه في اللي بيعمله.
في يوم، الزحمة كانت شديده ، وآدم شغّال على ودنه لحد نص النهار، خلص نوع من البضاعة، وبلال راح يجيب من المخزن ، بس هناك… سمع صوت غريب.
أصوات… عرف إنها آهات ، فضل ساكت للحظات ، لكن فضوله جَرّه، دخل يبص.
لقى المعلم بيقفش فى واحده ، في الأول افتكرها شمال ، بس لما ركّز، حس إنها مش كده… كانت بتقاوم.
حب يساعدها، لكن فجأة حد ضربه من الضهر وقع على الأرض.
صحى لقى نفسه في القسم ، المعلم اتهمه بسرقة بضاعة، وقال إنه باع منها وقبض، والدليل الفلوس اللي كانت في جيبه ، ماقدرش يثبت حاجة، ولا هو ولا أهله.
والنتيجة؟ دخل السجن… واتحكم عليه بأكتر من عشر سنين.
اللي حصل غريب… بس اللي بيواسي ضميره إنه حاول يساعد واحدة كانت في ورطة.
وبرغم كل ده… كان في حاجة جواه دايمًا بتشده ناحية علي، يمكن المرة دى القدر وقعه مع صاحب بجد ، بس الصاحب ده هيودّيه لعالم مايعرفش عنه حاجة.
عالم اسمه سولانسيث
لما جِه وقت الراحه ، طلع آدم على الساحة، راح للمكان اللي قاله عليه علي، ولقاه مستنّيه.
قرب منه، وفضل يبصّله، كأن عايز يقرا اللي في دماغه ، قلبه كان بيخبط جامد، لدرجة إنه سخر من نفسه وقال..
آدم بسخرية: اللي يشوفني كده، يقول رايح أقابل عروستي.
الوضع كان غريب بجد… على نفسه اتفاجئ من شكل آدم وطريقته ، هو عنده حق فعلاً.
آدم:إزيك يا علي.
علي:إزيك يااااا…
آدم: آدم ، أنا اسمي آدم مجتش الفرصة أعرّفك بنفسي.
علي: تشرفنا يا آدم.
آدم: الشرف ليا.
علي: قولي بقى… إيه سر الحماس ده ؟ بقالك أسبوع ونص بتلف حواليا !
آدم: هو مش حماس قد ما هو فضول واستغراب. حبيت أعرفك.
علي: وليه مهتم تعرفني؟ ما تعرفش إن الفضول ممكن يودّي لحتة مالهاش رجعة؟
آدم: عارف… وأنا هنا أساساً بسببه.
علي: إزاي؟
آدم: وإيه اللي يخليني أحكيلك؟
كأن حد رشق مية ساعة التلج على وش علي… بس آدم ضحك وقال..
آدم: بهزر يا عم ، فكها كده ههه.
علي: مش عارف بس أنت غريب.. طريقتك.. كلامك… ماتزعلش مني يعني، بس…
آدم: متهوّر؟ صح؟
بص، انا هحكيلك عشان ما تتخدعش في شكلي، زي ناس كتير اتخدعت.
أنا آدم محمد الحسيني. لسه مكمّل ٢٥ ، كنت طالب متفوق، مش بس علشان ذكي… أنا كنت فضولي وفضولي ساعات كان يغلب ذكائي.
من رابعة ابتدائي لحد تالتة ثانوي، كنت من الأوائل ليه؟ علشان واحد صاحبي قالّي مرّة : وجّه فضولك للمذاكرة ، جربت ما نفعتش في الأول.
هو فضِل جنبي و ساعدنى ، كنا بنذاكر سوا، ونتناقش، وكنت بروحله أحياناً علشان أبوه مدرس، يشرحلي اللي مش فاهمه ، والدنيا كانت جميلة.
فضلنا كده… لحد ما سافر مع أبوه السعودية ، بس أنا كنت خلاص تعلّمت، وكملت لوحدي، لحد ما دخلت ثانوي، واشتغلت جنب الدراسة ، سكت آدم لحظة…عيونه شردت.
علي: لو مش عايز تكمّل…
آدم: لأ… هكمّل أنا عايز افضفض انا وقتها قررت أدخل أدبي ، عارف ليه؟ علشان كنت بعشق التاريخ.
صاحبي اللي وجّهني كان بيحب القراءة، كان صاحبى الوحيد، فاتشدّيت وراه ، كنت باخد كتب من المكتبة أو منه، وبقرأ، بحب كتب التاريخ جدًا.
بعد كده دخلت كمان على الفلسفة وعلم النفس ، كنت بحب النوع ده من المعرفة، فقلت لنفسي: أدبي أنسب.
كنت في التلت سنين زي الطور المربوط في ساقية ، مكنتش بنام، أوقات كنت بفضل صاحي يومين وتلاتة.
لكن التعب كان بيهون قدام حلمي… إني أدخل الخارجية، وأبقى سفير لبلدي.
يوم النتيجة كان من أسعد الأيام…جبت مجموع يدخلني الكلية اللي نفسي فيها و إن جيت للحق البيت كله فرح.
بس الفرحة ما طولتش…أول ما قلت اسم الكلية ، كله قلب وشه
محدّش صدّق إن واحد زَيى لا شكل ولا جسم مثالي، لا لغته قوية وقتها، ولا بيحب اللغات أصلاً هيكمل فى المشوار ده.
الموضوع كان محتاج تضحية كبيرة، ومساندة من إخواتي… بس محدّش قدر ياخد الخطوة.
فاكر يومها أخويا الكبير قالّي:
لو كانت الكلية دي طب أو هندسة، كنت هضغط على نفسي، وأساعدك، بس دي مش كلية قمة.
ساعتها… قررت أسيب التعليم خالص.
هتستغرب… بس فعلاً، ما قدرتش أكمل ، حاولوا يفرضوا عليا كليات زي تجارة أو حقوق… ماكنتش حاسس إني هنجح فيها، ولا هلاقي نفسي.
وبعد كده اشتغلت…و بسبب الشغل، وفضولي ، اتحبست على تهمة ماعملتهاش.
على : إيه ده ازاى ؟ احكيلى.
آدم بابتسامه : مش هينفع الوقت خلص ، مره تانيه بقى.
آدم ساب المكان وهو جواه نار كانت مطفية من زمان، بس دلوقتي مولعة على آخرها ، نار بتنهش فيه من جواه.
الموضوع كان باين عليه لدرجه خلت التلاتة اللي كانوا بيراقبوا من بعيد، يشكوا إن علي قال له حاجة بشعة... زي إنه هدده بالقتل، أو ضربه، أو حاجة من النوع ده.
التلاتة دول هما هاني ورجالته. التلاتي اللي بقالهم فترة بيراقبوا آدم وعلي في سكوت، مستنيين الفرصة يهجموا عليهم ويرجعوا كرامتهم اللي ضاعت على إيد ابن النويري.
خلال الفترة دي، التلاتة كوّنوا انطباع عن الثنائي:
آدم في نظرهم كان ضعيف شخصية، شايفينه دايمًا هو اللي بيروح لعلي، وعمرهم ما سمعوا علي بيتكلم.
زودوا على كده كمان تصرف آدم الضعيف في الخناقة اللي حصلت في الزنزانة.
أما علي، فكان لسه الغامض ، التلاتة كانوا بيخافوا منه، قدام الكل كانوا يقللوا منه لكن قدام نفسهم ميقدروش يكذبوا .. يتكلموا كتير في السر، لكن كل واحد فيهم جواه كان مرعوب منه، عارفين كويس إن لو الحظ ما وقفش جنبهم آخر مرة، كان زمان واحد منهم ميت دلوقتي.
في الأيام اللي بعد كده، الدنيا اتشقلبت…علي بقى هو اللي بيجري ورا آدم، عايز يسمع منه أكتر.
علي شاف في آدم حاجة منه ، الاتنين عانوا، شخصياتهم مختلفة لكن الأتنين اتظلموا… وما كانوش يستاهلوا يكونوا محبوسين وسط المجرمين.
التلاتة استغربوا اللي بيحصل، خصوصًا إن علي هو اللي بقى يطارد آدم، فبقى في لخبطة في دماغهم، لكن اتفقوا على حاجة واحدة:
"ماينفعش نخليهم يقربوا من بعض أكتر من كده."
بس الغلابة دول ما يعرفوش إن الثنائي كان شايفهم، و فاهم نيتهم… قبل ما هما نفسهم يعرفوا هما عايزين إيه !
في ليلة من الليالي، كانت الزنزانة ساكتة، مفيش صوت غير صوت الهوا اللي داخل من فتحة مربعة في الحيطة، عليها قضبان حديد.
في الليلة دي، وهو الكل نايم، قام من على سريره، ومشي على أطراف صوابعه ناحية سرير هاني،
قرب عليه بهدوء كأنه تعلب بيصطاد فريسة.
ولما قرب كفاية، حط إيده على بقه، وقرب من ودنه، وقال له بهمس:
"تيجوا بكرة لينا على الاستراحة… الموضوع ماينفعش يتأجل."
هاني اتفاجئ من جرأته ، كان عارف طبعًا مين اللي اتكلم… ابن النويري، زي ما بيسموه.
كان بيسأل نفسه: جايب الجرأة دي منين؟!
إزاي متخيل إني ممكن أروحله؟ إيه اللي يجبرني اروحله أصلا ؟
عدت الليلة و جه اليوم اللي اتفقوا عليه ، آدم كان شاكك إن التلاتة هييجوا،
بس علي كان واثق وقال:
علي: هييجوا يا آدم، متقلقش.
آدم: أموت وأعرف جايب الثقة دي منين!
علي: علشان اللي زي هاني… فضوله هيقتله، زيك كده ، هييجي عايز يعرف إحنا عايزينه في إيه.
ولو حصل خناقة، المرة دي هيكونوا عاملين حسابهم … وساعتها إحنا اللي هناخد علقة.
يعني في كل الأحوال… هو الكسبان.
آدم: طب ما يمكن ييجي يتخانق من غير ما يسمعنا أصلاً !؟
علي: مش هيعمل كده.
آدم: ليه؟
علي: علشان زي ما قلتلك… إحنا هنرجع له هيبته اللي ضاعت،
وفوق ده كله، هيكسب معانا مش أقل من 10 مليون أخضر.
متخيل الرقم ؟
آدم: ده لو اشتغل عمره كله مش هيعرف يلم عشره.
علي: وهو ده اللي هنلعب عليه: الطمع.
هزغللهم بالفلوس، وبالهيبة ، إحنا كده كده مش عايزين نكون كبار هنا، ولا لينا فى كل الليلة دي.
إحنا بس عايزين نعدي الكام سنة دول بسلام… ونخرج.
آدم: مش هقدر أناقشك في دي ، بس تفتكر هيوافقوا ؟
علي وهو بيبتسم: دلوقتي نعرف… عشان هما جايين أهو.
أول مرة من زمان يحس علي بفرحة داخلية، توقعاته بتتحقق… وده خلاه ياخد ثقة في نفسه شوية.
علي: حمد**** عالسلامة يا رجالة، اتفضلوا اقعدوا.
هاني: خير يا ابن النويري، عايز إيه مننا؟!
علي بهدوء: خدمة.
هاني مستغرب: خدمة؟! ، ومين قالك إني هقبل أقدملك خدمه ؟!
إنت مجنون يا بني؟!"
علي: لأ، مش أنا… إنت اللي هتبقى مجنون لو رفضت العرض بتاعي.
رحيم: إنت شكلك كده مش هتجيبها البر!
رحيم قام، رايح يضرب علي، بس علي ملامحه كانت ثابتة، وعينيه في عين هاني.
رحيم بيقرب، وبيمد إيده…لكن صوت هاني وقفه:
هاني: بقولك إيه… ما تجيب من الآخر، إنت عايز إيه؟
علي: زي ما قلت… خدمة، وهتاخد قصادها أكتر ما هتدي.
هاني: طب سمعني العرض.
علي: 10 مليون أخضر… وهيبتك ترجع زي زمان جوه السجن ، أظن ده تمن مناسب.
التلاتة اتصدموا من الرقم ، بس هاني كان أكتر واحد ثابت:
هاني: والمطلوب؟
علي: عايز معلومات كاملة… عن ناس معينة طول ما إحنا هنا.
هاني: إنت فاكرني مباحث؟!
علي: بالعكس… الشغلانة دي عايزة واحد مفتح أكتر من المباحث.
أنا عايز حد من جوّه المكان اللي عايز أراقبه…
يشتغل، وياخد مرتب، ويبقى عين لينا.
ينقل الأخبار كل شوية، ومش أكتر من كده.
هو يستفيد، وإحنا نستفيد… وكل واحد ياخد حتته من الكيكة.
سكت الكل ، هاني كان بيفكر، بس مش قادر يفهم علي بيفكر في إيه.
هو مش واحد بيقبل بأي حاجة ، لف وشاف وعارف كويس إن المبلغ الكبير ده وراه حاجة تقيلة.
هاني: سيبني أفكر… وأرد عليك بعد يومين.
علي بخبث: خد وقتك كله يا معلم هاني.
انتهى الاجتماع، بس كل واحد فيه كان بيخزن كلام كتير في دماغه ، علي وآدم، خطتهم لحد دلوقتي ماشية تمام ، وهاني ورجالته، بيدوروا على الفلوس… بس خايفين من تمنها.
آدم بيسأل: تفتكر هيوافقوا؟
علي: هيوافقوا… بس بشرط.
آدم: شرط؟! إيه هو الشرط ده؟
علي: هيحبوا يعرفونا أكتر… عايزين يضمنوا هما داخلين على إيه.
آدم: وهتقولهم؟
علي: ده حقهم يا آدم.
بصراحة، لولاهم… إنت ماكنتش هتبقى هنا معايا دلوقتي.
آدم: يعني إنت عرفتي علشان مصلحة؟!
علي: يا عم هو أنا عرفتك في جامع؟ إحنا في سجن! وعموماً زي ما شايف…
أنا مختصك إنت تكمل معايا، هما بس عايزهم يجمعوا معلومات.
آدم: وأنا اللي خلاني أقبل إن حسبتك شبهي يا علي ، أنا شايفك صديق… مش بس واحد بياخد مني خدمة
أنا مش بتاع مصلحتى … عن إذنك!"
الكلام وجع آدم، وكان عنده حق.
هو بطبعه ما بيعملش حاجة غير لما يحس من جواه إنها صح، وشايف إن علي كان بالنسباله صاحب زمان اللي راح…وكان نفسه يرجعله ، بس كل ده راح مع الهوا.
في الناحية التانية، علي ما حسش بالذنب ، ما قالش لآدم في أي وقت إنه صديقه… فمش فاهم ليه هو متضايق أصلاً ، بس كان قادر يفهمه.
علي كان مركز جدًا مع كلام آدم عن صاحبه القديم ، عن الونس، عن المشاركة ، عن إن محدش بيسيب التاني ، ونظرة آدم كانت بتقول كل حاجة ،حتى لو ما اتكلمش.
عدت الأيام، من غير ما حد فيهم يكلم التاني، وده أقلق هاني ورجالته ، بس هما كانوا خلاص قرروا.
تاني يوم، راحوا لعلي اللي كان قاعد لوحده ، قعد هاني وجنبُه الاتنين التانيين، وبدأ كلامه:
هاني: صباح الفل يا علي.
علي: صباح الورد يا معلم هاني…ها؟ قوللي إيه الأخبار؟
هاني: أنا موافق… بس بشرط.
علي وهو بيبتسم: أحب أسمعك.
هاني: عايز أعرف… مين الناس اللي عايزنا نراقبهم؟ وليه؟ وقبل كل ده…عايز أعرف إنت فين من القصه دى ؟!
علي بنفس الابتسامة: كل دي أسئلة؟
أنا علي محمود سيد النويري ، أكيد سمعت عن شركتنا، شركة عيلتنا الكبيرة… شغالة في المقاولات والبناء
من الآخر كده، كان عندنا مشاكل مع عيلة تانية، للأسف هما شركاءنا ونسايبنا كمان ، ومن هنا بدأ الخناقة.
رحيم: معلوم… أمي **** يرحمها كانت دايمًا تقولّي..
أسوأ حاجة إنك تدخل مع قرايبك في شغل
علي: **** يرحمها كانت ست دماغها كبيرة فعلاً يا رحيم ، الشركة كانت ماشية زي الفل…
لحد ما كبار العيلة التانية ماتوا ، واللى مسك بعدهم كان بيكرهنا.
هاني: وطبعًا بدأ يلعب من تحت لتحت… عشان يوقعكم.
علي: مش بالضبط…بس آه، كان بيلعبها من تحت ، إحنا كنا بنمسك الإدارة علشان عندنا أكبر نسبة في الشركة ، فهو قرر يعوض ده عن طريق أنه يزرع ناس جوّه الشركة ، علشان يتحكم فيها من جوا.
هاني: وأكيد اكتشفتوا متأخر بعد ما اتخربت؟
علي: مش متأخر أوي… بس أنا اللي عرفت متأخر ، وكان وقتها، ماينفعش أتدخل.
صديق: طب ليه ما قلتش إن الشركه بتاعة عيلتك؟
على: كان عندي مشاكل معاهم وقتها، وكمان عرفت بالصدفه، فقولت أساعد من غير ما حد يعرف، وبالفعل جبت للشركه عقد ماكنش حد يحلم نوصله.
هانى: طب وفين المشكله بقى؟
على: المشكله إني كنت جبان، سبت كل حاجه وطفشت أشوف حياتي برا البلد، وبالفتره دي العيله التانيه قدرت تزبط أمورها تاني، والمرة دي اتفقوا مع رجل الأعمال اللي عملنا معاه العقد وأقنعوه يخربه.
رحيم: طب والراجل ده هيستفيد إيه؟
على: الشرط الجزائي اللي العيله هتدفعه، وبعدين اكتشفنا إن العيله التانيه فاتحه شركه تانيه باسم تاني وبتشتغل من ورا الستار، يعني مخبيين نفسهم، وفي النهايه هيبقوا شركاء، وشركتنا على الورق تبان من أقوى الشركات في الشرق الأوسط.
هانى: يا ولاد الكلب، دي فكره وسخه... الراجل اللي عملها دماغه نجسه، لا دي دماغ بنت حرام فعلاً.
على: ولسه... أما تعرف اللي حصل بعد كده.
هانى: هو فيه أكتر من كده؟!
على: اصبر... العيله بعتتلي مره تانيه، مش كلها يعني، بس أنا رجعت البلد بسبب حد معين كلمني، وقبل ما أرجع كنت واخد معايا ورق يدين الراجل الأجنبي، علشان أجبره ميتكلمش عن الشرط الجزائي.
رحيم: وطبعاً روحتله زى الأهبل وهددته، صح؟
هانى: يا رحيم!
على: عنده حق و**** يا هاني... أي عيل شاف فيلم عربي قديم هيعرف إني مش هطلع منها، وفعلاً... ما طلعتش منها. هقولك إزاي.
أنا خططت إني أروحله وأهدده بالورق، وأوهمه إن الطرف التاني متفق معايا، وفى نفس الوقت عيلتي تروح تضغط على الشركه التانيه بفيديو فاضح كان معانا لواحد منهم، وأقنعناهم إن الخواجه هو اللي مدينا الفيديو.
هانى: دي فكره حلوه، كنت هتخليهم يلبسوا في بعض، خصوصاً لو قريبك ماكنش مركز والناس حواليه بتساعده.
على (بحسرة): بالظبط، ده اللي كنت مفكر فيه، بس نسيت إن ممكن يبقى فيه جواسيس جوه العيله نفسها!
هانى: احا! في حد خانكم؟! فيه حد يخون أهله بالشكل ده؟
على: أهو اللي حصل... ومن هنا الكوارث بدأت. لما راحوا يهددوا، الفيديو ماكانش موجود أصلاً. في نفس الوقت، الخواجه كلم الراجل قدامي علشان يتأكد، كانوا على وشك يضربوا في بعض، بس فجأه اتفضحت اللعبه... واتلبست في قضيه، وجيت هنا.
رحيم: يعنى من شغل بره للسجن هنا؟! ده انت طلعت حكايه!
على (بهداوة): قلت إيه يا معلم؟
هانى (بفكر): شكله الموضوع تقيل يا علي.
على: ولا تقيل ولا حاجه يا معلم، وبعدين إحنا مش محتاجين غير ناس تشتغل جوه الشركه، مش شرط يكونوا في مناصب حساسه، ممكن فرد أمن، واحد في البوفيه، حاجات بسيطه كده، المهم يكونوا مفتحين.
هانى: طب خليهم ٣٠ مليون، عشره لكل واحد.
على: مش شايف إن الرقم كبير شوية؟ دول شوية معلومات، واللي هيروح يشتغل هيكسب من الشغل نفسه كمان.
هانى: وهيستفاد بإيه بالفلوس لو اتعكش؟ هيبقى في خبر كان.
على: يعنى ده آخر كلامك يا معلم؟
هانى: آه... آخر كلام. يلا يا رجاله.
(على حس إن كل خططه بتتهد، الفرصه بتضيع من بين إيديه، واليأس بدأ يتسربله، في حين إن الثلاثي بقوا مترقبين ومستنيين، وعلى مركز معاهم.)
الثلاثي اختلفوا، فيهم اللي شاف إن هاني طماع وغبي، وفيهم اللي شاف إنه عمل الصح بس بطريقه غلط.
مرت الأيام ببطء، وكل واحد فيهم سرحان في حاله، لحد ما جه يوم قلب كل الموازين.
في صباح يوم جديد، آدم صحي على صوت خناق في الزنزانه... شاف الثلاثي بيتخانقوا ، قرب يسمع عرف إن علي رفض عرضهم، واندهش من الرقم اللي طلبوه.
آدم كان نفسه يلم من المبلغ ده حتى خمس بس، بس كرامته كانت بتمنعه يفكر يساعد بالطريقه دي.
بعدها، جه علي في فترة الراحة، وقعد جنبه...
على: إيه رأيك نرجع أصحاب تاني؟
آدم كان فايق... ماكنش ساذج، وحس إن الزياره اللي جات له امبارح ليها علاقه بالعرض.
آدم: وأنا يخليني أصاحبك؟ فاكرني أهبل؟ لو كان العرض اللي قلته لهم اتقبل، كنت هتسأل عني؟ لأ طبعاً... إنت بتاع مصلحه، وأنا مش عايز أصاحب الناس دي.
كلام آدم كان تقيل عَلَى عَلِي... حاسس إن كل كلمه آدم سهم في قلبه، بس مردش، قرر يلعب لعبه جديده.
على: وعايزني أعمل إيه يعني ؟ تفتكر بعد كل اللي حصلي، سهل أصدق إن فيه صداقه ؟ ده أنا اتغدر بيا من أقرب الناس... تحب أحكيلك ؟
آدم اتأثر... كان متضايق أصلاً لإنه حس إن علي شايفه مرتزق... بس كلامه خلى دماغه تلين.
آدم (بعتاب): تقوم تشوفني كده يا علي ؟ بعد كل اللي قلتهولك تشوفني شخص بيشتغل عندك بفلوس ؟
على: واللـه ما قصدت كده... بس أنا مش قادر أقرب من حد تاني، وإنت أول واحد فكرت أكلمه ، تفتكر لو مش شايفك مهم ، كنت هكلمك قبلهم ؟
آدم: بص يا علي... أنا مش أهبل ، وعارف إنك عايز تمشي أمورك ، وأنا هساعدك ، بس لا علشانك ولا علشان فلوسك !
على: ياعم ما قول...
آدم: احترم ذكائي و اسكت ! أول خدمه، هخلي الثلاثي اللى قاعد بيراقبنا يوافق على عرضك... بس دي ليها حسابها.
على: احم احم... اللي هو إيه بقى ؟
آدم: بعدين هقولك.
على: ولو مقبلتش؟
آدم: مش بمزاجك يا علي، لما رجعتلي تاني أثبتلي إنك مستعد تعمل أي حاجه علشان تنتقم.
(آدم قام من مكانه، قلبه مولع نار، مش عارف إذا كان بيعمل الصح ولا غلط، بس متأكد إنه مش ندمان.)
" مملكة نقسكهار "
" ألسنة الزجاج "
عدّت أيام من بعد ما خلص اجتماع الملكة مع الوزير إيريس فالونا، وحصل حاجات كتير جوّه البلاط الملكي وبرّاه، وبالذات جوّه ميليشيا ألسنة الزجاج.
الميليشيا اللي ليها أيدين في ممالك كتير، وسلطتها متمددة على منظمات تانية كتير كمان.
القاعة كانت ساكتة زي المقابر، الأصوات متوارية ورا الأعمدة اللي محفورة في الجدران، ولهيب المشاعل السبعة بيرقص بألوان رمزية فوق راس الناس.
بس فجأة، كسر الهدوء ده صوت مطرقة حديد خبطت على آلة دائرية، وطلّعت صوت مستحيل ما يتسمعش:
بَم. بِمبِم.. بَم
اتكرر الصوت كذا مرة، الصوت كان كافى إنه يخلّى كل اللي في القاعة يقوموا، ويقفوا مظبوط في الأماكن اللي متوزعين عليها، وكل واحد فيهم لابس لبس عليه الشعار بتاع رتبته في الميليشيا.
الوزير خَد نَفَس عميق واحتفظ بيه لحظات، وبعدها زفره براحة... لحظات و على صوت المُنادي بيقول:
دلوقتي تدخل علينا رئيستنا... أقوى شخصية في عالمنا، عالم سولانسيث. سيدة اللهب و الظلال السبعة..
دخلت كأنها مش ماشية... كأنها سايلة زي الميّه فوق أرض متشققة الناس كلها كانت لابسة أقنعة معدنية ناعمة مافيهاش ملامح ، أما هي، فكانت لابسة قناع زُجاجي شفاف نص نص، باين منه عينيها بس... عيون لا بتغضب، ولا بتضحك… بس بترصد وتقرر.
لبسها كان أسود زي الحبر، مفيهوش ولا زخرفة، بس من جوّه كان مطرّز بخيوط فضيّة بتظهر وتختفي، كأنها بتكتب لغة ماحدش يقدر يقراها غير وهو بيموت.
صوتها؟ واطي وبارد، بس لما تتكلم، تحس الهوا نفسه بيميل عشان يسمع. مش بتتكلم كتير… وكلمة منها ممكن تخلّي واحد يقع على رُكبِه.
ناس كتير بيتهيألهم إن ده خوف منها... بس الحقيقة إن ده مش بس خوف… ده تصديق إنّها تعرف أكتر من اللازم.
اللي الكل بيرفضها بحجة إنها نحس... واقفة هنا بصفتها رئيسة واحدة من أقوى الميليشيات في العالم كله.
دايمًا بتقف على منصّة أعلى بخطوة بس، كأنها أقرب حتة للسما.
محدش بيتكلم قبلها إلا إذا أذنت ومحدش بيسألها سؤال مباشر.
ولو زعلت؟ مابتصوتش… بترفع صباع واحد… وساعات مش بتكمله أصلاً.
وزيرها اسمه "ڤاليس رامور" راجل الحرب نزلت عليه ببلوتها من عشر سنين، وبيتقال إن صوابعه بتولّع نار لو كدب.
كاهيرا اختارته من سبع سنين، ومن ساعتها وهو أطول وزير فضل في منصبه من أول ما الميليشيا اتأسست.
اترقّى بسرعة لأن ذكاؤه ودقته كانوا فوق العادة، خصوصًا أيام ما كان لسه جندي بسيط، نفّذ مهمة مستحيلة في مملكة إلكدارف المعروفة بعساكرها الاقوياء وخبث قادتها.
من وقتها، كاهيرا بدأت تتابعه، وشافته من المميزين، لحد ما بقى وزير بعد ما الوزير اللي قبله مات في واحدة من العمليات الكبيرة ، دلوقتي هو بيبص لها بنظرة جامدة كده، وهز راسه باحترام وقال بصوت حاد:
الوزير: مين فيكم اللي سلّم الرسالة في أورالجازير؟
اتقدم واحد منهم خطوة لقدّام، وانحنى وقال بصوت فيه احترام:
الجندي: اتسلّمت عن طريق القبطان التالت، زي ما أمرتني. ومحدش عرف جت منين.
الوزير: كويس جدًا... هتنفجر فين؟
الجندي: في وسط اجتماعهم البحري، بعد ساعة بالظبط من ما يطلعوا.
الوزير: جيد.
رجع الجندي مكانه، وساد الصمت تاني ، كل العيون بَصّت عليها وهي بتتحرك ناحيتهم، لحد ما بقت سابقة الوزير بخطوة.
رفعت كاهيرا إيدها، وطلّعت من جوا الرداء الأسود خريطة صغيرة عليها علامات حمرا وصفر.
اتقدّم اثنين من الأعضاء، خدوا الخريطة، وقالوا تعويذة سحرية، وفجأة الخريطة اتحركت من نفسها، كأن فيها روح!
اتفتحت واتمدت قدام الكل، وبقت كبيرة كفاية يشوفها اللي في آخر القاعة.
سكتت كاهيرا لحظات، وبعدها قالت بصوت ثابت:
كاهيرا: الممالك بدأت ترتعش… مملكة لوميدوين بعتت مبعوث خاص لمملكة نورڤيريث، تطلب مساعدتهم في الحرب اللي جاية...
ومملكة إلينداراف كمان بعتت مبعوث لنقسكهار…، وطلبوا من زارا سهرزين تنضم ليهم.
بعد نهاية جملتها حصلت همهمة خفيفة وسط الأعضاء… بس كاهيرا رفعت صباعها، وسكتوا في ثانية.
كاهيرا: كلنا لازم نكون على استعداد… الحرب جاية لا محالة، وإحنا لازم نكون جاهزين نستفيد منها لأقصى درجة ممكنة.
سكتت لحظة وهي بتبص في وشوشهم… كأنها بتقرا اللي جواهم من غير ما يتكلموا.
ضحكت ضحكة خفيفة، محدش خد باله منها تقريبًا، وقالت:
كاهيرا: يلا بينا نبدأ اجتماعنا الإسبوعي.
" مملكة ألداراف "
هدت الخيول سرعتها لما ظهر القصر من بعيد كما رأى الحراس راية النمر شعار المملكة اللي كانت متعلقة فى العربية المصفحة، فتح الناس الطريق قدام الوزير اللي جاي من الشرق.
إيريس فالونا عمره ما اتأخر عن ميعاد، وعمره ما دخل بوابة قصر الحكم بتاع العظام السبعة من غير ما تسبقه أخبار.
الرخام الأسود تحت رجليه كان بيلمع كأنه ما اتداسش قبل كده، وكأن الأرض كل مرة بتجهز نفسها عشان تستقبله.
قصر المملكة ظهر زي ما هو دايمًا، مهيب وواقف عالي على صخرة "الملتقى الأول" اللي طالعة فوق الأرض بمئات الأمتار، كأنها شايفة المملكة كلها من فوق.
القصر نفسه ليه سور ضخم قوي، صخوره رمادي غامق، صلب لا يَهتز، وأبراج بتصميم عسكري بحت، كل برج بمثابة خندق مليان ب الاف جنود بالألوف.
من شباك العربية الوزير لمح الساحة الكبيرة وظلال تمثال الملك المؤسس مغطي الأرض ، ولما قربت العربية من البوابة ، فتحت لوحدها كأنها عارفة مين جاي.
لما دخلت العربيه ظهرت ألتين ضخام شغال عليهم مئات الحراس عشان يفتحوا البوابة ، هى بالتأكيد مفتحتش من نفسها، دي كانت أوامر جاية من الحرس اللى فوق السور الحرس اللى مع الآلات لما عرفوا إن رئيس الوزراء وصل.
بانت الساحات المختلفة بتاعة القصر أول حاجة كانت ساحات التدريب ، متجهزة بكل انواع التدريب اللى تناسب المخاط. اللى ممكن يواجهها الجنود فى الممالك المختلفة.
في ساحات رمل، وفي ساحات فيها حاجة زي حمامات سباحة بس مش عادية… معمولة مخصوص لتدريب الجنود.
فضلت العربية ماشية لحد ما وصلت لمناطق مزروعة بأشجار محمّلة بالفاكهة الطازة، وساحات مليانة ورد وأزهار بألوان مختلفة، منظرها يفتح النفس.
ولما وصلت العربية قدام بوابة القصر ونزل منها، كان فيه مجموعة من الوزراء مستنينه… وساعتها فهم إن الملك استدعاهم لاجتماع عاجل.
مكنش خافي على إيريس إن الاجتماع بخصوص رحلته الأخيرة لمملكة نقسكهار، لأن الملك كان مهتم أوي بالرحلة دي تحديدًا.
الوزراء ومعاهم رئيس الوزراء طلعوا السلالم سوا، لحد ما وصلوا لمكان بترفرف فيه أعلام المملكة السودا اللي في نصها نمر بيزأر.
دخلوا على القاعة الرئيسية، واسعة جدًا ومافيهاش ولا عمود، تصميمها بيركز على الكمال والدقة ، الجدران من حجر بركاني رمادي، ناعم كأنه إزاز، ومكتوب عليه كلمات القسم العسكري.
الأرضية مرصوفة بحجر غامق جاي من نهر دارڤون، لونه مايل للأزرق الكُحلي ودايمًا بارد. وفي النص، كان فيه نقش بارز لرمح مكسور فوق ميزان رمز إن العدالة مش بتخضع للقوة، بل بتقيّمها.
منصة الحكم كانت مرفوعة بدرجة واحدة بس، كرمز إن الملك قريب من الناس ومتواضع قدام القانون، ومافيش "عرش" فخم… بس كرسي حجري عريض من غير ظهر، رمزه إن الحاكم ما يسندش غير على مسؤوليته.
القادة العسكريين كانوا قاعدين على يمين الملك، والمستشارين المدنيين والقانونيين على شماله.
كل واحد لابس عباءة على حسب رتبته: الملك لابس أسود، القادة رمادي غامق، والمستشارين رمادي فاتح.
كل الوزراء والمستشارين خدوا أماكنهم في هدوء، مستنيين دخول الملك… وما طولوش في الانتظار.
بعد لحظات، سمعوا صوت ٣ دقات برمح الحارس على آلة من الحجر، وساد الصمت بعدها.
الملك درايك ڤاريدون دخل… مش محتاج تعريف، ومش بيحب يتقدَّم أصلاً – الناس شايفين إن وجوده لوحده يكفي.
طوله عادي، بس حضوره تقيل يملأ المكان.
راسه صلعاء، ووشه ناشف كأنه منحوت من صخر، ودقنه حادة زي السيف، بيضا زي التلج اللي عمره ما شاف شمس.
لابس عباءته السودا، من غير أي تطريزات، وفوق كتفه درع رمزي صغير عليه علامة البيت: رمح مائل فوق ميزان.
دخل من غير ما يتكلم. شكله ماكانش تعبان، ووقف قدام المنصة، وبَص للوزير بنظرة مافيهاش لا مجاملة ولا ترحيب.
وبصوته الهادي، التقيل، قال:
الملك: "إنت اتأخرت عن الميعاد ٣ أيام."
فالونا رد من غير ما يهتز:
"في أول يوم اتمنعت من مقابلة الملكة،
في التاني اتقدملّي عرض، بس هي ما ادتنيش رد واضح،
وفي التالت اتحركت راجع لمملكتنا."
الملك ما ردش، طلع على المنصة، وقعد على الكرسي الحجري اللي مافيهوش لا رفاهية ولا راحة… بس مليان بالهيبة.
بَص للحارس اللي جنبه، وده طلع لفافة مختومة بختم رمادي عليه شعار نقسكهار.
الملك فتحها بنفسه، قراها من غير ما يبين عليه أي انفعال، وبعدها قال:
الملك: "بيشكرونا على زيارة سفيرنا، وبيقولوا إنهم بيتمنوا نحافظ على روح التفاهم."
بَص للوزير وسأله:
الملك: "يعني أفهم إنك فشلت؟"
فالونا:
"لو الهدف كان توقيع حلف، أيوه...
بس لو الهدف إننا نعرف نواياهم، فإحنا دلوقتي عرفنا.
وعرفوا إحنا كمان إننا شايفينهم، وإننا واخدين بالنا إنهم بيتفادوا يقولوا موقف واضح."
قرب خطوة من المنصة، وطلّع وثيقة جلدية، وحطها قدام الملك على الطاولة الحجرية، وقال:
فالونا:
"نقسكهار مش هتهاجم دلوقتي، بس مستنيين شرارة من لوميدوين،
أو أي تصدع داخلي يظهر عندنا… بس حالياً، هم مش ناويين يدخلوا حرب."
الملك ما ردش على طول… كان عينه على الجدار اللي ورا الوزير، على درع الشمس المطفية.
وبعدها بهدوء قال:
الملك: "إنت شايف إن معانا وقت نجهز للحرب، ونقنعهم، أو حتى نجبرهم ينضموا لينا؟"
إيريس:
"شايف إن معانا الوقت، مولاي ، و قريب هيوصلك أخبار تفرّحك…
في أفكار كتير شايف إنها هتعجبك ، نقدر من خلالها نزود نفوذنا ونقوي تحالفاتنا."
الملك ابتسم… أول مرة من ساعة ما دخل القاعة، وقال:
الملك: وأنا واثق فيك… وواثق في نصرنا في الحرب اللي جاية ، و أخيرًا… هيكون لينا الكلمة العليا في سولانسيث كلها."
وبعدها سأل وهو بيبص على المستشارين:
الملك: "قولولي بقى… إيه أخبار الاستعداد لمسابقة السنة؟"
" ڤيلا مايزرون "
ڤيلا مايزرون مهياش فيلا عاديه… هى تشبه الواحة كثيراً مليئة بالصراعات و الادعاءات ، حيطانها متلونه برماد مطحون يخليها تبرق تحت الشمس كأنها فضة.
بوابتها الحديد كانت بتتفتح ببطء مقصود، كأنها بتستقبل كل زائر باحترام، مع إن مافيش حد بيدخل هنا غير بدعوة مختومة بشعار الدهب المكسور.
جواها صالة طويلة ماشية من الباب لحد الشباك اللي في الآخر، فيها كراسي ناعمة ومزهريات طويلة ما شربتش نقطة مية بقالها أسابيع. وعلى الحيطة اللي شمال... خريطة باينة إنها بتاعة عالم المصارعة، متغرقه نقط حمرا أكتر من اللازم.
كان سيراث ڤالمور مالك الفيلا و واحد من تجار مملكة ألداراف، قاعد على طرف ترابيزة مستطيلة، إيده اليمين بتلعب بكاس نبيذ أحمر مش بيشربه، وإيده الشمال ساندها على دقنه.
جسمه مليان، بس وشّه شاحب كأنه بيسيح من جواه ، شعره متسرّح بعناية زياده، باين عليه إنه واحد بيقنع نفسه كل يوم الصبح إنه لسه ليه قيمة.
وكان بيتكلم بصوت مبحوح كده، مش موجهه لحد بعينه:
سيراث: تلاته ماتوا، والباقي ماحدّش فيهم يستاهل اسمي.
جنبه مستشاره الوحيد، ميراڤ… شعره مجعد وإيده ملفوفة برباط.
ميراڤ (بتردد): ممكن نشتري و نضم لينا شوية مقاتلين جداد يا سيدي.
سيراث (ببرود): عندنا واحد بيعرج، والتاني بيخاف من الدم، والتاجر اللي باعهم لينا اختفى… والتالت لسه مش فاهم قواعد اللعبه أصلًا. ده أنا أدفن نفسي معاهم أرحم! مش باقي في حيلتنا غير التلاته دول، و ٣ كمان و هيصارع منهم تلاته بكره.
سكتوا شوية، وبعدين قال ميراڤ بصوت حذر:
ميراڤ: طب إيه رأيك نكلم مملكة دراخامون؟ يمكن يوافقوا يبعتوا لينا شوية مقاتلين مقابل دفعه نأجلها.
سيراث ابتسم بسخرية، شفايفه بالكاد اتحركت:
سيراث: دراخامون؟ دول أول ما يسمعوا هياخدوا كل اللي عندنا كدفعة أولى. هندخل البطولة بمصارع واحد! ولا تحب أدخل أنا كمان؟ ياخد هو الضربه وأنا التانيه!
فجأة ضرب الترابيزة بإيده وصوت عالي خرج منه:
سيراث: أنا عايز حل حاسم! مفيهوش خضوع ولا هزيمة ولا إذلال!
ثواني وسمعوا صوت خطوات ناعمة… خطوات ست.
دخلت إيلارا مراته، طويلة، شعرها أسود نازل على ضهرها، وعينيها زرقاء ، مفيهاش أي إحساس.
لابسة فستان أبيض باين منه أكتر ما هو مغطي، بتمشي كأنها مش سامعة حاجة… ولا شايفة حد.
قربت منه، حطت إيدها على كتفه وقالت:
إيلارا: العشا جاهز… لو نفسك تحس إنك لسه عايش.
بص لها، بص في عنيها… مالقاش حاجة.
مرت لحظات ابتسم فيهم ابتسامة مجاملة وقال:
سيراث: ساعات بتمنى كل مصارعيني يموتوا، عشان أنزل أنا كمان و أموت في أول جولة.
إيلارا (بلا مبالاة): واللـه ده هيبقى أحسن بكتير من اللي بتعمله دلوقتي في نفسك وفي الناس حواليك.
خرجت زي ما دخلت… وسابت وراها فراغ.
سيراث قعد ساكت…
وبعدين همس، كأنه بيعترف لنفسه:
"بُكره… يا أعمل معجزة… يا أندفن وسط جماجمهم."
" حلبة ڤيرالون "
حلبة ڤيرالون متبنتش… دي نُحتت من قلب الجبل، جوه التلّ الحجري اللي في نص العاصمة العسكريه لمملكة إلينداراف.
المدرّج الكبير هناك شكله زي بقّ وحش، داير حوالين ساحة مستديرة، مليانه رمل رمادي تقيل… أول ما الدم ينزل عليه يتلوّن فورًا، بس مايمتصهوش أبدًا.
المدرجات حجر في حجر، مفيش كراسي… اللي يقعد، يلزق في الصخر، واللي يقف لازم يشوف كل حاجة قدامه. بيقولوا التصميم معمول كده علشان كل اللي بيشوف الدم… يحس بوزنه في لحظته.
في الجنب الشرقي من الحلبة ، في عرش عالي محفور من رخام لونه أسود، محدش يوصله غير من على سُلم مستقيم بيحرُسه عساكر بخوذ فضي وصدورهم عريانين… رمز القوة والشرف في جيش إلينداراف.
النهارده الملك نفسه درايك ڤاريدون حضر ، قعد على العرش الحجري من غير ما يقول ولا كلمة… لا لابس تاج، ولا حواليه حاشية، بس جنبه رمح مائل، وفوق كتفه الدرع الرمزي بتاعه.
مفيش إعلان رسمي، مجرد قعدته على العرش خلت الجمهور كله يقوم واقف… حتى التجار وقفوا.
السماء كانت مليانة سحب رمادي… مش مطر، لا، ده تراب ناعم بييجي من فوق الجبال من الفجر، زي إنذار كده.
تحت في الساحة، المصارعين واقفين على شكل نص دايرة، دماغهم لتحت، وكل واحد حاطط إيده اليمين على قلبه… دي طقوس الافتتاح عندهم.
وراهم التجّار واقفين، لابسين العبايات اللي الدولة مصرّحة بيها، سكتين، بيتبادلوا النظرات أكتر من الكلام.
صوت الأبواق الحربية تعالى:
"جولة الحديد الأولى… ابتدت."
الأعلام السودا والحمرا بتترفرف من فوق، والجمهور بيصرّخ بأسماء المصارعين اللي بيشجعوهم.
في الركن الجنوبي… سيراث ڤالمور واقف لوحده، وسط دوشة التجار وصوت طبول بيعلى وبيعلى.
عارف إن ده مش مجرد ماتش… ده إعدام بطيء لأي تاجر فقد السيطرة على لعبته.
الماتش الأول:
ڤاروك × إيرمالوس
(مصارع سيراث: ڤاروك ضد مصارع باليتروس فورمار: إيرمالوس)
ڤاروك مكانش شكله بيدّي أمل… بس جسمه باين عليه آثار الهزايم، جسمه زي كتلة رخام، وفي ندبة فاضية نصّرت صدره.
إيرمالوس كان أتخن، وأقصر، شكله طالع من تحت الأرض، شبه وحش بري. ضحك وهو بيقلع الدرع الجلدي، وورّى صدره اللي كله كدمات قديمة.
الحَكم: الجولة تبدأ… دلوقتي!
أول عشر ثواني… إيرمالوس اتقدّم بخطوتين وضرب ڤاروك في وشّه، بس ڤاروك لف بسرعة ورد بركبة فظيعة في بطنه.
الجمهور اتجنّن.
بس إيرمالوس مفكرش يقع، نط على رجلي ڤاروك ووقعه على الأرض، وقعد فوقه يضرب فيه في وشه.
واحد، اتنين، تلاتة… بس ڤاروك حط إيديه كدرع، وفجأة، رفعه برجليه وطارده بعيد.
وقف ببطء، ومسح الدم اللي في بقه.
داركِس (مالك إيرمالوس): قوم يا حيوان! وورّيهم إنت ممكن تعمل إيه!
المصارعين الاتنين بصوا لبعض، وڤاروك لأول مرة حس إنه يقدر يوجع حد بجد… حسّ إن خصمه نفسه بيشوفه كوحش.
وفجأة… هجم عليه بسرعة غريبة، مسكه من وسطه، ورفعه فوق راسه، وبعدين خبطه في الأرض بقوة… الرمل طار كأن زلزال حصل، وبعدين حط رجله على رقبته يهدد.
الحَكم: ضربة قاضية! انتهت الجولة!
سيراث (بيهمس): مش مصدق! كسبنا؟! لسه لينا أمل نكسب! لسه فينا نفس!
الماتش الأول خلص بنهاية ماكنش حد متوقعها، لا الجمهور، ولا التجار، ولا حتى المصارعين نفسهم.
بعد شوية، الحَكم أعلن عن الجولة التانية:
رينمار × كيلدار
(مصارع سيراث: رينمار ضد مصارع ڤورناش ڤالدين: كيلدار)
رينمار جسمه رفيع، بس مشدود، لابس واقي جلدي خفيف، وإيديه ملفوفين بضمادات رمادي.
كيلدار ضخم، وسريع بطريقة تخلّي الناس تشك فيه.
الحكم: الجولة تبدأ!
كيلدار ضربه ضربة مفاجأة بوشّ إيده، رينمار نزل تحت ورد بلكمتين في ضلوعه.
فجأة صفارة عالية!
كيلدار مسك رينمار من رقبته، وبدأ يضغط، رينمار بيتلوي، خبطه بكوعه، ضربه في ورا ركبته، وقع كيلدار.
الجمهور اتفاعل… بس فجأة، رينمار وقف… رفع إيده.
رينمار: "بانسحب."
سيراث (مصدوم): بتعمل إيه؟!
رينمار (بصوت واطي): مش هقاتل كلب مش انت اللي اشتريته.
ومشي وسابه… وساب وراه ضحك وسخرية، لأن قوانين اللعبة بتقول إن اللي ينسحب، المصارع التاني يبقى ملك اللي كان ضده.
ڤورناش (بص على سيراث): مصارعينك بقوا بيهربوا منك ههههههه
الموقف بقى بايخ، ومبقاش فاضل حد في فريق سيراث جاهز يقاتل غير شوية مصابين أو ضعاف.
المباراة الثالثة :
يوزاك × كيدران
(مصارع سيراث: يوزاك ضد مصارع التاجر ڤالتيس أروان: كيدران)
يوزاك ماكانش الأقوى، بس كان أذكاهم. دخل الحلبة بخفة، عينيه بتتحرك في كل الاتجاهات.
كيدران كان طويل، تقيل، وشّه مفيهوش أي تعبير.
الجولة بدأت، يوزاك بيلف حواليه، يركله، يضرب بكوعه، ضربات سريعة.
أول دقيقة… كيدران ما جاش فيه ولا ضربة.
بس أول ما يوزاك قرب يركله ضربة دائرية…
كيدران مسك رجله في الهوا، سحبها، وبعدين خبطه في صدره بقوة خلته يتشقلب.
يوزاك حاول يقوم… معرفش.
كيدران فوقه، ضربه في كتفه، وخنقه من ورا.
الحَكم: هزيمة تانية… يوزاك خسر وانتقل ملكيته للتاجر ڤالتيس.
سيراث لف وشّه… مش عايز يشوف.
باقي مباريات اليوم خلصت، ومفيش ولا واحد من مصارعين سيراث شارك فيها، لأن اليوم مليان تجار جايين بمصارعين كتير.
من أبرز المباريات:
دومير روكفيل سَحق سيرن فولدار مرتين وقلّه بسخرية:
دومير: اللي زيك مكانهم مش هنا… دول يمسحولي العرق وانا بتفرج! هههههه
وكمان حصل خناقة بين باليتروس و ڤورناش بعد فوز الأخير، والموضوع سخن لدرجة إن الحرس الملكي كان هيتدخل.
الملك درايك بص لمساعده وقال وهو بيضحك:
الملك: أحلى حاجه لما التجار يتخانقوا زي العيال على جثث مصارعين مش فارق معاهم مصيرهم… ولا حتى فارقين لبعضهم… كلهم عنجهية بس! هههههههه.
" مملكة ميراشا "
في نفس اليوم بالليل، في مملكة ميراشا، كانت الليلة ضبابيه ، في آخر حارة طينية وسط أشجار غار سوداء ، كان فيه كوخ مائل، سقفه محني كأنه ضهر ساحر عجز، ونافذته الوحيدة منورة بلون أزرق باهت مالوش دعوة بالنار.
الباب مفيهوش دق هو بس بيتفتح ، دخل راجل غريب، ملامحه مش باينة عشان قناع جلد مغطي نص وشّه، وكمان لافف وشه بوشاح تقيل مخلي صوته كتمة.
قعد من غير ما يقول كلمة ، الساحر ما بصش له، فضّل يقلب في ورق شجرة بايظة على حلة فيها طين بيغلي.
الساحر: أوامرك يا... ولا خلينا ساكتين، شكلك مش حابب اسمك يتقال، خصوصًا وإن اللي طالبُه مش سهل خالص.
الراجل: بالضبط. وعشان كده عايزك تبدل الروحين بسرعه وسلاسة.
الساحر (من غير ما يبص): مستعجل أوي كأنك داخل تاخد سندويتش! بس مش مهم، أنا برضه بحب الناس اللي بتيجي دغري كده.
الراجل: السجين اللي من عالمنا اسمه جولدامون تامور، دلوقتي متكتف في زنزانة بالمقاطعة الشرقيه بتاعة مملكة إلينداراف ، أما اللي من بره عالمنا... سيب سولانسيث هي اللي تختار.
الساحر (بيهز دماغه): دماغك عاجباني. فكرة إن سولانسيث هي اللي تختار بنفسها... حركة شيك. أكيد هتجيب حد مش عادي.
الاتنين سكتوا لحظة، وبعدين الراجل طلع من شنطته صُرّة سودا، ورماها قدّام الساحر.
الساحر وقف تقليبه وبص له ببطء.
عنينه شكلها مخروم، كأنها اتحولت لخرز رمادي ميت.
الساحر: نقل أرواح؟ بين كيانين؟ ومن عالمين مختلفين؟
خد بالك ممكن واحد منهم جسمه ممكن ميتحملش… جسمه ممكن ينفجر !
الراجل (بثقة): أنا واثق في سولانسيث… مش هتخذلني.
الساحر (بيضحك بخبث): سولانسيث؟ لو أمك، ما كانتش تستاهل الثقة اللي بتديهالها كده.
الجملة دي وجعت الراجل، بس كان عارف إنه مش هيكسب لو رد.
طلّع الساحر من تحت الترابيزة تمثال صغير من حجر لونه أحمر، منقوش عليه جناح مكسور.
الساحر: هبعتلك واحد من تلامذتي، بس هيحتاج علامة يعرف بيها الشخص اللي سولانسيث اختاراه…
عايز حاجة من عالمنا تنوّر لما تروح هناك.
الراجل طلع من جيبه كتاب قديم، مشوه، شكله أكتر شبه حيّة من إنه كتاب، ومكتوب عليه بعشر لغات مختلفة: "سولانسيث".
الراجل: خُد الكتاب ده، هو اسمه..
سولانسيث
الساحر (بيغمّض عنيه وهمس): سولانسيث... ما بترحمش اللي ينطقها.
رفع إيده وفتح علبة صغيرة فيها رماد أسود، ومعاه عين آدمية محطوطة في سائل لونه بنفسجي غامق.
ابتدى يقول تعاويذ...
الكوخ كله هز، كأن الأرض بتشهق تحته.
ولما قال كلمة واحدة، بصوت مش بشري:
ـ إِرثِكال.
ورا الساحر اتفتح ظل…
خرج منه كيان طويل، جسمه نحيف زي أنبوبة، وشّه مفهوش ملامح، وعنيه بتولّع بس من غير نار.
الساحر:
ـ دوّر على المكان اللي الكتاب هيختار ينام فيه…واللي يلاقيه، هو اللي يستاهل يدخل.
" مملكة إلينداراف "
" السوق الحديدى _ سيراث التاجر "
نهار باهت، والجوّ خانق رغم البرد ، كأن ريحة الخسارة ليها سخونة غريبة ما يحسهاش غير اللي خسر فلوسه وكرامته في نفس الوقت.
سيراث كان ماشي بشويش وسط الصفوف. هدومه ما كانتش بتلمع زي ما هى دايمًا، وشه باهت أكتر من إمبارح، وجيوبه… شبه فاضية تقريبًا.
المناديين بيندهوا على مصارعين لسه ما جربهمش حد:
شاب دراخاموني، مرن وسريع!
سيراث ما ردش. كان ساكت، بيبُصّ، بيقيس، و بيرفض.
كل حاجة في السوق كانت مكررة، كأن الوشوش بتتعاد، والأجسام بتتكوّر بنفس الشكل… مفيش حاجة حركت جواه ولا حتى شوية فضول.
واحد قصير قرب منه، صوته متسلق كده:
ـ سيدي… المصارع ده لعب أربع ماتشات في أورالجازير، و…
ـ سيراث (بجفاف): وقع فيهم كلهم؟
ـ البائع: أبدًا! وقع في تلاتة بس… والرابعة كانت… يعني عدّت بالعافية!
ـ سيراث: امشي من قدامي دلوقتي، اجرِي!
كمل ماشي، إيده بتعدّي على عمود خشب بيربطوا فيه البهايم والمصارعين… السوق ده أقرب للمسلخ منّه لسوق.
وبعد ساعة رجع الفيلا بتاعته ساكت. ما اشترى حد. ولا لقى حد ممكن ينقذ اسمه من الهبوط اللي هو فيه.
قعد في البهو الكبير، شمس خفيفة داخلة على الرُخام. قال للخادم وهو بيشلح العباية:
ـ لو حد سألك، قولّه إني كنت بتفرّج… بس!
بس الحقيقة؟ إنه كل يوم، ولمدة أسبوع، هيرجع السوق… ويدوّر. يدور على شخص هو نفسه مش عارف شكله… بس قلبه هيعرفه أول ما يشوفه.
" الأرض _ مصر "
" آدم "
فى سجن القسم الغربى، وتحديدًا فى أوضة الزيارة، بعد الضهر بشوية، وتحت نور اللمبة الفلورسنت اللى كانت بترعش فوقهم، النور بيرقص على الحيطان كأنهم بيتريقوا على اللى بيحصل.
الحيطان نعمة… بس البرد فيها ثابت، وعلى الترابيزة الحديد، كان فى كوباية بلاستيك فاضية، وآثار سجاير مطفية من زمان، كأن الزمن نفسه ساب بصمته هنا.
آدم دخل بخطوات مترددة، وشه مرهق، مش من قلة النوم، من تقل الموقف.
على الناحية التانية، كان علي قاعد ضهره مفروض كعادته، بس ملامحه كان فيها حاجة مكسورة، حاجة مش باينة غير للى يعرفه كويس.
علي (بهدوء وابتسامة خفيفة): قولتلك إنهم مش هيوافقوا، صح؟
آدم (بهُدوء): وافقوا.
لحظة صمت عدت، كل واحد مستني رد فعل التاني.
علي (ابتسامته اختفت): إنت… بتهزر؟
آدم: كلمتهم، وأقنعتهم، بس ليهم شرط.
علي (ميل لقدّام): شرط؟
آدم: قالوا لو حصلت أي لغبطة في التنفيذ، تزودهم ٢٠٪ على السعر. ماشى؟
علي (بعد تفكير، بصوت واطي): ماشي، عندهم حق يحتاطوا.
سكت شوية، وكان باين عليه التوتر، لأنه لأول مرة ياخد حاجة من حد ما يعرفوش، ومن غير ما يتطلب منه مقابل.
علي (بيبصله): طب إنت… مطلبتش حاجة، مع إني فاكر إنك قولت إنك هتطلب وقت ما ساعدتك… بس ماطلبتش لحد دلوقتي. ليه؟
آدم (بيبصله بنظرة مباشرة وابتسامة فيها حزن): قولت كده عشان كنت فاكر إنك صاحبي… بس باين إنه كان من طرف واحد. أنا مش عايز حاجة… كفاية عليك اللى انت فيه.
كلام آدم دخل قلب علي كأنه رصاصة… حسّ بحاجة كانت نايمة جواه بقالها كتير. حسّ إنه قدّامه صاحب بجد.
علي (بيبص للأرض): أنا آسف… يمكن اتعودت أخسر الناس قبل ما أكسبهم.
لحظة صمت… بس كانت مريحة.
علي (رفع راسه): لو لسه نفسك فى حاجة، قولّي.
آدم (بهدوء): فيه، أنا بقالى فترة ماقريتش حاجة… فلو حد جاى يزورك، خليه يجيبلى كتاب. قديم، تاريخ… أو فانتازيا، أي حاجة ريحتها تاريخ.
علي (بدهشة وضحكة خفيفة): ريحة تاريخ؟ هههههه إيه الكلام الكبير ده
بعد أسبوع، وبالليل، والكل نايم، كان آدم صاحى لوحده. قدّامه ظرف متوسط، مكتوب عليه اسمه بقلم جاف.
فتح الظرف، طلع منه كتاب.
الكتاب كان جلده مشقق، لونه بنى باهت، وفيه نقش خفيف أوى كأنه حرف "س" ملفوف حوالين دايرة.
العنوان باهت: "سولانسيث"، والورق كان ريحته قديمة… قوى.
علي دخل وهو بيضحك:
علي: بووو! خضيتك؟
ضحكوا سوا، وبعدين علي رجع يكمل نومه… بس عينه كانت لسه على الكتاب.
حاجة جواه كانت بتقوله إن الكتاب ده مش عادي… كأنه مستنيه!
آدم فى الليلة دي نام قبل ما يقرأ. التعب غلبه، وقرر يأجل لبكرة.
تاني يوم، الكتاب كان لسه على السرير… نفس مكانه، مفتوحش.
بس آدم… كان نايم على الأرض. مش عشان مافيش سرير، لا، بس الكتاب خد مكانه!
صحى نص الليل، مش عارف ليه. كان فيه ريحة غريبة… لا دخان، ولا حريق. حاجة عمره ما شمّها.
بص على الكتاب، كان كأنه أقرب للنور دلوقتي. فيه نور خفيف طالع من بين الغلافين… غريب!
قرب منه، ولمسه.
فى نفس اللحظة، حسّ كأن قلبه نط، كأن فيه كهربا لمسته.
فتح أول صفحة… فاضية.
التانية… فاضية
التالتة؟ كلمة ظهرت على الهامش اليمين، كأنها بتطلع من جُوّه الورق:
"لقد اخترتُك"
رجع بسرعة، قلب الصفحة، مفيش حاجة!
رجع لنفس الصفحة… نفس الكلمة!
"لقد اخترتُك"
وقف بشويش، الكتاب فى إيده كان سخن بطريقة مش مفهومة، رغم إنه باين عليه ناشف وبارد.
سابه على الأرض… رجع بعد دقايق، لقاه فوق السرير تانى!
تاني يوم، قرر يعمل اختبار… نقله عند الباب، على الترابيزة، جنب الحمام… بس كل يوم كان بيصحى يلاقيه راجع على السرير!
وفي مرة فتح الصفحة التانية… لقى كلمة جديدة:
"اقترب"
ضحك لحظة… بس قلبه خفق. كان حاسس إن الكتاب مش هزار.
بعد تلات أيام، قرر يتجاهله ما فتحهوش و بعد عنه.
لكن صحى يوم لقا الكتاب… لازق فى صدره!
من اليوم ده، بدأ يحس إن فيه عيون بتراقبه… عيون مش بشر.
الحيطان بقت بتتنفس… الأحلام ما بقتش أحلامه لوحده… لحد ما حصلت حاجة ما حدش كان يتوقعها.
" مملكة ألدارف "
الجوّ خانق، والريحة مخلّطة بين بهارات وعرق ودخان، والأصوات داخلة في بعض، كأن السوق كله بيزعق.
سيراث كان ماشي سرحان، العباية سايبة على جسمه، وعينيه مش مركّزين على حاجة، كأن رجليه ماشياه من غير ما يفكر.
وفجأة خبط فيه جسم تقيل، كتفه اتزق جامد، كان هيقع، لف بسرعة...
واحد طويل، عريض الكتاف، وشّه مش باين عشان لابس غطا غامق، بيجري بسرعة، والناس وراه بتزعق:
ـ امسكوه!! متخلوهوش يهرب!!
محدش رد، الناس كانت بتجري بعيد، وهو بيجري كأن الأرض بتقصر تحت رجليه.
سيراث (بهمس مذهول): مين ده؟
بس الجسم اختفى وسط الزحمة، وسيراث فضل واقف في مكانه، نَفَسه تقيل، وحاجة جواه قالت له:
ـ ده ما كانش حرامي عادي...
رفع عينه للسماء الرمادي، وهمس:
ـ في حاجة اتغيّرت…
" نهاية الجزء "
وووووه جزء طويل و تفاصيله كتيره أتمنى يكون الجزء عجبكم.
مستنى رأيكم عن الشخصيات كمان ظهور على النويرى هل قلل من العمل أو هيقلل منه ولا لأ ؟
رأيكم فى عالم سولانسيث ؟ متحمسين ؟ كمان طالعونى برأيكم عن كاهيرا و الملكه زارا سهرزين و سيراث و الوزير إيريس فالونا
مستنى أسمع آراءكم كلها و كمان متنسوش المشهد الأخير توقعكم هل ده آدم ؟ و لو آدم تفتكروا كان بيجرى من مين ؟
مستنى آراءكم كلها و دمتم بخير موفقين و… شكراً.
إذا عدنا مره أخرى بجزء جديد مع آدم و عالم سولانسيث العجيب ، أتمنى يكون عجبكم الجزء الاول و متحمسين.
الجزء الثاني:
الجزء ملغم و فيه تفاصيل كتيره بتظهر أحداث فى القصه بشكل طفيف لذلك ارجوكم اقرؤوا بتروى ، مستنى آراءكم و يلا بينا." بداية الجزء "
الشمس كانت بتميل للغروب لونها البرتقالى اللى اختلط به بعض الحمرة على وشك الاختفاء ، أشعة الشمس بترحل ويرحل معاها سيراث من السوق و معاه جولدامون تامور.
السجين اللى بُلغ الساحر بأسمه فى ميراشا و المطلوب نقل روحه لواحد من عالم مختلف عن طريق كتاب سولانسيث اللى استقر عند آدم و يبقى السؤال هل تم الإنتقال ؟ أم لا ؟
سيراث كان متجه للفيلا الخاصة بيه ڤيلا مايزرون الڤيلا الخاصة به و بعائلته الطريق كان طويل على السجين لكنه كان أقصر على سيراث.
سيراث و على غير المعتاد من التجار ركّب السجين اللى أصبح عبد له معاه في العربة بتاعته و هو راجع للفيلا بتاعته.
العربه كانت عبارة عن صندوق على هيئة شكلين هندسيين مستطيل و فى جانبيه مثلثين قائمين الزاويه ، الصندوق من ماده خشبيه لونها يفترض أنه يكون لامع زى باقى العربات لكن سيراث عربيته لونها باهت.
الصندوق الخشبى محمول على الهواء اينعم الهواء هو اللى بيسوقه و ده لأن العربه فيها تقنيه بتخليها تترفع عن الهواء زى الطياره الفارق هو أن الطياره لها جناحات لكن العربه..
العربه فى أسفلها فتحتين دائرتين كبار عباره عن مضختين لغاز أزرق قوى بمجرد ضغط السائق على زرار معين فى العربه بيطلع الغاز من الدائرتين و معاه تبدأ ترتفع العربيه عن الأرض.
العربه من جوه مقسمه زيها زى عربياتنا قسم أمامى بمقعدين و قسم خلفى ب أربع مقاعد جلديه.
أثناء طريق العودة للفيلا كان سيراث مشغول بيفكر قلبه بيدق جامد دقات فرح كل ما يسرح بخياله يشوف العبد الجديد بتاعه بينتصر فى الحلبه و ينتصف لكرامته المهانه.
لكن قلبه بيدق أكتر دقات خوف و فزع لما بيتخيل إيه ممكن يحصل لو اللى هو بيفكر فيه متمش خصوصاً أنه دفع فى العبد ده أغلب ما يملك لو حصل غير اللى مفروض يحصل مش بعيد على آخر الشهر يشحت.
الموضوع كان مربك و محير لسيراث اللى مكنش واخد باله من نظرات العبد الجديد له نظرات تفحص كأن العبد بيحاول يستكشف اللى بيفكر فيه سيده الجديد.
العربيه قربت من الوصول للفيلا و ظهر قدام السائق البوابة الكبيره الملونه بألوان شعار عائلة سيراث لكن الألوان كانت باهته كأنها بتعبر عن حياة أصحاب البيت.
البوابه اتفتحت بمجرد اقتراب العربه منها بشكل تلقائي و ده لأن سيراث و على عكس باقى أبناء المملكه أحب أنه يكون عايش فى رفاهيه و متمع بأحدث وسائل التكنولوجيا اللى تسهل حياته.
ده كان مختلف عن باقى طبقة التجار و مخلى سيراث زى النشاذ فى وسطهم لأنه مختلف عنهم و ده بدون وهى منه خلق ليه عداوات مع التجار.
خصوصاً التجار اللى أصولهم فعلاً من الدراف على عكسه هو..
سيراث لا هو ولا جده فى الأصل كانوا من ألداراف ، جد أبو سيراث اتأسر فى معركة سابقه بين مملكة ألداراف و مملكة أورالجازير.
القاعده بتقول إن الملك المنتصر له أن يوزع الغنائم زى ما هو يحب ، وقتها الملك قرر أنه يوزع الأشخاص اللى وقعوا فى الأسر كلهم على التجار بتوع العبيد و هما يبيعوا العبيد فى السوق يا لأشراف المملكة يا أما تجار الترفيه اللى زى سيراث دلوقتى.
القرار كان لاعتبارات اقتصادية تخص خزينة المملكة وقتها و ده لأن العبد اللى كان يتباع كان للدوله منه ستين فى الميه من المكسب و ده خلى المنافسه على العبيد كبيره فى الأسعار.
حظ سيراث أن عيلته راحت لواحد من الأشراف أسهل عن غيره فى أنه يعتق العبيد بتوعه ، الحال فضل زى ما هو العيله كلها شغاله عند الشخص ده لحد ما فى يوم الشخص اللى من الأشراف ده خلف ولد بعد ما كان خلف ٤ بنات من فرحته أقسم أنه يحرر ١٠٠ عبد من اللى يملكهم كان من ضمنهم جد سيراث.
فيما بعد مر الوقت و بدأ جد أبو سيراث يشتغل و يكون لنفسه فلوس يعيش منها و كانت مراته بتساعده على ده.
جريت الأيام و أصبح حال العيله أفضل كتير من الناحيه الماديه فأصبح عندهم القدره يشوفوا ماتشات المصارعه اللى حبوها و اصبحت عاده عائليه فى عطلة نهاية الأسبوع يروحوا يشوفوا ماتش مصارعه.
سيراث لما شاف أول ماتش مصارعه فى حياته اتهوس باللعبه أصبح بيتابعها بشغف غير عادى و كان يسعى دائماً طوال الأسبوع أنه يحصل فلوس علشان يحضر أكتر من ماتش.
الموضوع استمر بالشكل ده لحد ما مات أبو سيراث و ساب ثروه مش كبيره لكن كمان مش قليله ، العيله حبت تستثمر فلوسها فى تجاره تجيب ليها فلوس فاقترح سيراث المصارعه.
الموضوع فى الأول كان بيجيب ربح لكن مع بعض الاخطاء من سيراث فى إدارة المشروع انقلبت الايه و أصبحت العيله مهدده بالافلاس.
شاف العبد الجديد التهديد ده بعنيه لما اتفتحت البوابه و ظهرت ساحة التدريب تحس البرج الخشبى اللى فيها هينهار فى أى لحظه.
المصارعين نفسهم ملابسهم باليه القماش اللى على جسمهم متهتك أصبحت الهدوم اردأ من الهدوم الباله حتى !
العربه كملت طريقها لجوه و عبرت الساحه لحد ما وصلت عند مبنى أفضل حالاً من الساحه لكن مش بفارق كبير.
المبنى اربع أدوار ٣ فوق الأرض و واحد تحت الأرض ، المبنى من الخارج مزين باللون الأحمر المقترن باللون الذهبي الالوان مش واضحه أوى الألوان انطفت بفعل عدم تجديد طلائها.
دخل سيراث و معاه السجين للمبنى ، وصلوا الصاله فى الدور الأرضى بأضاءتها الضعيفه و فرش المكان بالرغم من أنه لا يتناسب مع مكانتهم الاجتماعيه اللى بتنهار إلا أنه جميل متناسق بيدل على مدى جودة ذوق اللى اختار الفرش.
نظر سيراث للسجين و لسه هيتكلم سمع خطواتها جايه من فوق السلم ، ظهرت إيلارا زوجة سيراث ، شعرها أسود نازل على ضهرها ، بشرتها بيضاء ، عيونها زرقاء ، فستانها طويل من قماش لونه عنابى.
عينيها اتنقلت بين الاتنين الواقفين قصادها جوزها اللى باين عليه الضيق و التوتر من وجودها ، الشخص التانى اللى معاه و اللى كان موطى رأسه للأرض.
عينها اتجهت مره تانيه لجوزها و بصوت بارد قالت..
إيلارا : رجعت ؟
سيراث : أنتى شايفه إيه ؟
إيلارا : امم و مين ده بقى ؟
سيراث بابتسامه : ده اللى هيفك لينا الازمه الماليه.
إيلارا : أيوه مين يعنى ؟
سيراث بحماس : مصارع جديد واثق أنه هيقلب موازين اللعبه فى ألداراف.
إيلارا : مصارع تانى !! يا اخى فوق بقى فووق أنت مش هتعرف ترجع المكاسب تانى خلاص فنيتوا فنيتوووو
سيراث كان قادر يفهم منطقها و بالرغم من أن غيره كان ممكن يعنفها بالضرب أو الشتيمه إلا أن دى مش شخصيته خصوصاً معاها هى فالتزم الصمت لحد ما هى قالت اللى كانت عايزاه و مشيت.. وهو أخد اللى معاه و دخلوا مكتبه !
" مملكة نقسكهار "
الشمس كانت ساطعه مقويه لون جدران قصر نقسكهار الخضراء كأن القصر حجر زمرد متوهج ، التوهج عادة بينبئ عن حاجات كتيره منها النشاط و هو المتواجد داخل القصر.
في القاعة الكبرى أو كما يسمونها فى القصر قاعة السبع ألسنة…
القاعة من جوه كانت مغمورة بضوء أخضر متوهج ، طالع من كرات زجاجية عائمة فى السقف ، كل كرة جواها شعلة صغيرة بتتحرك زى ما تكون حية..
أجواء قد يراها البعض مبالغاً فيها لكن فى نقسكهار يعتبرونها ضروريه فهى علامة على مدى جدية الموضوع محل النقاش داخل القاعه.
الترابيزه الحجريه كان قاعد عليها عشرة اشخاص الملكه و الملك و الوريثين المستقبلين للعرش و الباقين ٦ وزراء للمملكه.
الأجواء بالرغم من الصمت اللى فيها إلا أن واضح على الوشوش الجديه الأجواء مشحونه عدا وجه شخص واحد.. الملكه زارا سهرزين.
زارا بصت للموجودين حوالين الطاولة لثوانى ، و بصوت واضح :
فيه رسالة من ملك إلينداراف وصلت… ضغط مباشر للموافقة على التحالف معاهم أنتو عارفين ده معناه إيه ؟
ــ أول وزير اتكلم كان كاريف ، الوزير العسكرى بصوته الخشن :
إلينداراف جيشهم منضبط ، وسلاحهم متطور… تحالف معاهم هيأمّن حدودنا الغربيه مكاسبنا من الحركه دى كبيره.
ــ بعده الوزير مالين وزير التجارة ، نبرة صوته أهدى لكن فيها حذر:
تحالف معاهم يعني ضرائب جديدة و مراقبة على الموانئ السوق مش ناقص قيود جلالة الملكه إحنا فى حالياً فى مرحلة نهوض اقتصاديا محتاجين إننا نفضل فاتحين الأمور.
ــ المستشارة ڤاسينا ، ممثلة الشؤون الداخلية ، اتكأت بإيدها على الطاولة وقالت بابتسامة صغيرة :
الضغط ده مش صدفة، هم عارفين إن وضعنا الاقتصادي حساس أنا مع التحالف… لكن بشروطنا.
وزير الثقافه ڤيستا و وزيرة العلاقات الخارجية لوتشيانا الاتنين أبدوا ترحيبهم بالفكره على اختلاف أسباب الاتنين..
وزير الثقافه شافها فرصه للتأثير ثقافياً أكثر و أكثر على شعوب الجنوب و امالتهم لصالح نقسكهار.
وزيرة العلاقات الخارجيه أبدت ترحيبها بشرط أن التحالف يكون غير معلن منها يكونوا كسبوا ود ألداراف لفتره و كسبوا وقت علشان مملكتهم تستقر أكثر و أكثر و منها يفضلوا كسبانين ود مملكة لومدوين.
بصت الملكه زارا لكبير وزراءها فى اشاره منها أنه يتكلم علشان حابه تسمع رأيه و ده لأنه كان ساكت طول الجلسة ــ اتكلم لأول مرة :
امور مملكتنا الحبيبة مش بأفضل حال زى ما قال مالين وزير التجاره الناحيه الاقتصاديه مش أفضل حال و كاليف وزير الحربيه شايف إن ده مفيد لتأمين حدودنا الغربيه أكثر و أكثر..
أنا أشوف يا مولاتى إننا محتاجين نعمل حل وسط نعمل بينا و بينهم تبادل ثقافى و رياضى ده اللى هيظهر لسولانسيث كلها و فى السر نبدأ معاهم مفاوضات بخصوص طلبهم.
ده هيكسبهم الأمان من ناحيتنا لأننا هنودى شخصيات بارزه أكيد فى مجالات مختلفه و متنوعه عندهم ده هيحسسهم بالأمان و يخدمهم ثقافياً و أدبيا أكثر.
إحنا كمان هناخد من عندهم شخصيات بارزه فى الرياضات المختلفه ده هيساعدنا كتير على المستوى الرياضى فى مملكتنا من واقع رؤيتى لها فهى متواضعه..
من بعد موت الوزير فقار محدش مسكها و حضرتك قررتى تعينى احد المستشارين فيها لكن هو معندوش أفكار جيده ليها.
ــ ساد الصمت لدقائق كان الجميع بيفكر فى كلام جالو ، حتى الملكه كانت بتفكر و عينها بتمسح الوجوه ، دقيقه و قالت بصوت هادى :
نبدأ التصويت على كلام جالو الموافق يرفع يده اليمنى و الرافض يرفع اليد اليسرى.
دقائق و النتيجة اتسجلت، وابتسامة صغيرة ظهرت على وشها… ابتسامة محدش عرف معناها وقتها غيره هو..
جالو عيونه كانت بتراقبها وشه مكنش مرتاح شاف فى عيون الملكه مش بس موافقه على اقتراحه دى بتخطط لحاجه أكبر من كده !
" مكتب سيراث "
المكتب كان في الدور العلوي من فيلا مايزرون ، غرفة واسعة جدرانها مكسوّة بخشب غامق لونه مايل للحمرة ، محطوط عليه نقوش دقيقة لأشكال حيوانات أسطورية من سولانسيث.
موجود نافذة كبيرة ورا مكتب سيراث بتطل على حديقة جانبية صغيرة ، الشمس لسه سايبة بقايا ضوء برتقالي بيكسر على زجاج النافذة وبيفرش خطوط ذهبية على الأرضية الخشبية.
المكتب نفسه قطعة فنية ، سطحه من حجر أملس أسود عليه عروق فضية رفيعة، وفوقه بعثرة منظمة..
أوراق عقود، ختم معدني، وكوب شراب دافي لسه بخاره بيطلع. الكرسي اللي قاعد عليه سيراث مصنوع من جلد بني داكن، باين عليه إنه متهالك شوية من الاستخدام، لكن واضح إنه كان قطعة غالية وقت ما اتجاب.
ــ العبد كان واقف قصاد المكتب، إيده الشمال متكوره و وشه مش باين عليه راحة، كل حاجة حواليه غريبة ، حتى ريحة الغرفة مزيج بين جلد قديم وخشب معتّق وريحة توابل جافة محطوطة في برطمانات صغيرة على رف جانبي.
على الجانب الآخر سيراث كان قاعد على الكرسى بيتفحص الجسم اللى قصاده و كمان بيبص فى عين صاحب الجسم نفسه كأنه بيحاول يقراه من جوه.
ساد الصمت لحظات شعر السجين أنها سنين من عمره و هو ساكت ، قطع الصمت صوت سيراث الهادى..
سيراث : سمعت عنى قبل كده ؟
العبد بص ليه بنظرات غريبه مقدرش سيراث يفسرها لكن العبد فى النهايه رد..
العبد : لأ الحقيقه معرفش أنا فين أصلا ؟
سيراث فهم من الجمله أن العبد يقصد المكان لكن الواقع أن العبد كان يقصد العالم ده كله !
سيراث : أنت هنا فى ڤيلا عائلة مايزرون و أنا أسمى سيراث و أنا هنا السيد فى المكان ده.
العبد : و المطلوب ؟
سيراث بحده : أتكلم بأدب !
قالها سيراث و صمت لثوانى ثم أردف قائلاً..
سيراث : المكان نفسه جديد عليك بل و كتير بيهربوا من المجال بتاعى أنا فاهم ده كويس لكن أنت غيرهم منفسكش تبقى بكل و الكل يهتف بأسمك…
العبد : آدم أسمى آدم لكنى مشهور بأسم جولدمون.
سيراث بتعجب : آدم ؟؟
العبد : أسم كان قراه أبويا فى كتاب و حب يسمينى بيه.
سيراث بفضول : كتاب إيه ده ؟
آدم : كتاب أسمه سولانسيث هو السبب فى وجودى هنا بالأساس.
سيراث : ده كتاب بأسم عالمنا ! مين اللى كتبه ؟
آدم : معرفش الصراحه.
سيراث : مش مهم نرجع لموضوعنا ، أنا هكون صريح معاك أنت هنا لأجل إنك تلعب لصالحى مصارعه.
آدم : بس أنا حتى معرفش قواعد اللعبه !
سيراث : هتتعلم كل حاجه حتى التدريب هدربك المهم تجيب لينا المكاسب.
آدم : و المقابل ؟
آدم توقع أنه ده زى الفرق عندنا على كوكب الأرض لكن الواقع أنه هناك مفيش مقابل فى سولانسيث.
سيراث : مقابل إيه ؟
آدم : مش هنا زى نادى كده ؟
سيراث باستغراب : نادى ؟ يعنى إيه ده ؟
آدم : ها لا أبدا دى كلمه قريتها فى كتاب برضه عن عالم مختلف عن عالمنا.
سيراث بسخريه : أنت بتقرأ حاجات الأطفال دى ؟
آدم حس بالضيق لكنه فضل هادى..
آدم : كلها أذواق فى النهاية.
سيراث شاف الضيق فى عينيه فقرر أنه يجري ناعم هو مش عايز يخسر ولاءه هو كمان فناداه باسم شهرته على اعتبار أنه أكيد المفضل له.
سيراث : شوف يا جولدامون أنا مش هاممنى كل ده أنا كل اللى يهمنى المكسب و وعد منى لو عملت ده هخليك تشوف عيلتك !
آدم شاف فيها فرصه يفهم أكتر عن نفسه و عن العالم ده فأومأ بالايجاب ، ثوانى و دخل ميراڤ مستشار سيراث الوحيد.
شاف المستشار آدم و شعر بالرهبه و الإعجاب بالجسم اللى قصاده ، سيراث أمر ميراڤ أنه ياخد جولدامون أو آدم لمكانه تحت فى عنبر المصارعين.
استدار الاتنين وفتح الباب الخشبي الثقيل وخرج للممر..
الممر كان ضيق شوية لكن طويل، أرضيته حجرية رمادية ، جدرانه عليها مشاعل معدنية مثبتة ، اللهب فيها ثابت وهادي.
على يمين الممر فيه سلم حلزوني بينزل لتحت سلم أنيق ، من معدن غامق مصقول ، خطواتهم بتصدر رنين مكتوم مع كل درجة سلم بينزلوها.
مع أول خطوة لآدم في الدور اللى تحت الأرض الأجواء كانت أهدى و الضوء نفسه ضعيف فمحافظ على هدوء المكان.
الضوء صادر من مصابيح كروية متدلية بسلاسل، كل مصباح مكسو بزجاج شبه معتم بيكسر النور ويخليه موزع في المكان.
الدور ده كان واسع، سقفه عالي، والأعمدة الحجرية السميكة بتدعمه، بينها فتحات بتودي لغرف جانبية…
الأرضية مغطاة بألواح خشب قوي، عليها علامات خدوش وكدمات من الاستخدام الكتير.
في النص ، حلبه كبيرة، محاطة بحاجز معدني دائري ، ارضية الحلبه رمليه و باين فيها آثار أقدام حديثه كانت جواها.
اتجهوا بعد كده لممر من الممرات اللى بتودى للغرف.
المكان كان فيه ٣ مصارعين فى كل واحد فى اوضه أشبه بالزنزانه جسمها مليان بحديد و على يسار كل زنزانه باب ليها حديدى له قفل حجمه كبير.
المصارعين كان واضح عليهم الانهاك و جسمهم مليان بالكلمات و التعاوير فظهر على وش آدم الخضه اللى حس بيها ميراڤ..
ميراڤ عرفه على التلاته و أنهم مصارعين قدام عندهم عدا واحد و هو الأهم فى الثلاثه..
أسمه ڤاروس كرين طويل عضلاته مش منفوخه أوي لكنها متماسكة ، شعره بني غامق ، عنده ندبة واضحة على الحاجب الشمال.
عيون آدم وڤاروس تلاقت، لحظة قصيرة لكنها ثقيلة ، مليانة قياس واختبار..
ڤاروس حرّك عينة من فوق لتحت، ببطء، كأنه بيوزن آدم … وبعدين ارتسمت على وشه ابتسامة صغيرة مافيهاش ود، ابتسامة تهكم، كأن لسان حاله بيقول : هو ده ؟
آدم ما ردش بابتسامة، لكنه ثبّت نظره، جواه شعور مختلط ما بين الحذر والتحدي ، اللحظة دي رغم قصرها ، كانت بداية خيط المنافسة اللى هيتشد أكتر قدام !
ميراڤ مشى قدّام آدم لحد ما وصلوا لآخر الممر، وقف قدام باب حديدي أسود ، الحديد نفسه باين عليه أنه قديم لكن متين، عليه نقوش باهتة لرموز ما قدرش آدم يفهمها.
الباب كان على الشمال، زي باقي الزنازين، وفيه فتحة صغيرة مربعة عليها شباك معدني صدئ، باين من خلالها ضوء خافت جاي من جوه.
ميراڤ فتح القفل الكبير بمفتاح حجمه شبه كفّ الإيد، ولما الباب اتحرك طلع صوت احتكاك الحديد بالمفصلات كأنه بيتألم.
جوه الزنزانة المساحة ضيقة، الجدران من نفس المعدن الغامق لكن متآكل في أطرافه، كأن الرطوبة أكلت فيه على مهل.
في الركن الشمال، سرير حديدي بسيط، قاعد على أربع أرجل قصيرة، الفراش فوقه رقيق جدًا، لدرجة إن آدم حس إنه لو نام عليه ممكن يحس بالحديد تحته.
في الركن التاني صندوق خشبي صغير، عليه قفل صغير، واضح إنه المكان الوحيد اللي ممكن يحتفظ فيه آدم بحاجاته…
السقف واطي شوية، لكن فيه مصباح كروي متدلّي من سلسلة، زجاجية شبه معتمة ، بيطلع نور أصفر دافي ضعيف بيكسر حدة الظلام.
أول ما دخل، حسّ إن المكان على قد ما هو خانق، فيه نوع من الأمان… على الأقل هنا مفيش عيون بتراقبه طول الوقت.
قرب من السرير نام على ضهره غمض عيونه واستسلم لسلطان النوم.
" آدم "
نام آدم على السرير راغباً فى الراحه مكنش يعرف أنه حتى دى مش هيعرف يدوقها الرحله من الزنزانه فى مصر لسولانسيث داهمته فى الحلم مره تانيه..
…………………………………………………………………………
الليل فى الزنزانه بتاعة السجن كان هادى زيادة عن اللزوم…
حتى أصوات السجناء اللى دايمًا بتطلع من العنابر اختفت.
آدم كان صاحي، نايم على ضهره، عيناه معلقة بالسقف بيفكر فى الكتاب…
الكتاب نفسه كان على السرير جنبه ، ساكت… لكن سكوته مش مريح.
مد آدم إيده ، لمسه… وساعتها الدنيا اتغيرت.
إحساس أول مره يحس بيه خضه كأن روحه بتتسحب قلبه بيدق بسرعه عاليه جداً توشك على الإنفجار رجله كأنها بتقع في حفرة بالرغم من أنه نايم على ضهره.
بطنه بتنقبض، وأنفاسه اتحبست، وفي لحظة حس إن جلده بيتسحب منه طبقة طبقة… الوجع و الألم داهم جسمه ، مخه مبقاش فاهم إيه اللي بيحصل.
عيونه شافت الكتاب فتح لوحده، والصفحات قلبت بسرعة كأن ريح شديدة بتقلب الورق… مع إن مفيش هوا في الأوضة.
الكلمات بقت تتكتب وتتمسح وتتبدل كل ده بسرعه خاطفه ، لحد ما ظهرت جملة كبيرة في نص الصفحة:
حان وقت العبور
الأوضة نفسها بدأت تسيح… السقف وقع ، الحيطان اتفتحت زي الستاير، و وراها كان فيه ظلمة مش عادية… ظلمة حية، بتتحرك و تتنفس.
آدم حس إنه بيتشد، مش بجسمه… بروحه !
جسمه فضل على السرير، لكن هو حس نفسه طاير، بيتسحب ناحية الظلمة ، وصوت خافت في ودنه بيقول بلغة غريبة، ومع ذلك فهمها:
لا تقاوم
المشهد حواليه بدأ يتغير بسرعة…
لمحات من جبال ضخمة لونها رمادي ، أنهار لونها أخضر زى الزمرد، قلاع على قمم صخرية… ووشوش ناس عمره ما شافهم، لكنهم بيبصوا عليه كأنهم عارفينه من زمان.
كل صورة كانت بتيجي وتختفي أسرع من اللي قبلها ، لحد ما بقى النور والظلمة بيتصارعوا قدامه… وفجأة، حس بأرض صلبة تحت دماغه ، بس الأرض دي كانت دافية.
فتح عينه… والهواء اللى دخل صدره كان تقيل،
ريحة تراب مبلول و أوراق شجر غريبة ملأت أنفه … أول حاجة شافها، سماء فيها طائر كبير راكب فوقه حد مقدرش يميزه.
آدم وقف مكانه شاف على الأرض جمله اتكتبت و اختفت فى ثوانى…
" مرحباً بك في سولانسيث "
قلبه بدأ يدق بسرعة شاف نفسه على شط بحر كبير جدا عينه مش جايبه آخره… مياة لونها أزرق غامق، لكن مع الموج اللى بيكسر عند الشط كانت بتلمع لمعة فضيّة غريبة، كأنها مش ميّة عادية.
آدم حس بريحة ملح ممزوجة بحاجة نباتية مش مألوفة… زي الأعشاب البحرية تقريباً.
اتقدّم خطوة ناحية الميّة ، كان حاسس إن قلبه بيدق جامد و العقل اللى فى الجسم لسه بيحاول يستوعب اللي حصل…
ركع على ركبته ومد إيده يلمس السطح، البرودة كانت حقيقية جدًا، لكن اللمس نفسه حسه أخف… زي ما يكون إيده بتعدي في طبقة ما بينه وبين البحر.
عينيه اتسمرت على الانعكاس…كان هو، ملامحه هي، لكن فيها حاجة غريبة:
جسمه بقى رياضي متماسك، من النوع اللي بيجمع بين السرعة والقوة، كل حركة منه فيها مرونة كأن جسمه متعود على التدريب والقتال من سن صغير.
بشرته أصبحت قمحية من الشمس ، لونها بيحكي عن حياة قضيت في الطرق المفتوحة والمعارك.
شعره أسود فاحم و ناعم ، عيونه رمادية فاتحة ، لونها غريب وسط ملامحه الهاديه الغير مناسبه لمثل هذا الجسد ، عيونه بارده زى الغيم قبل المطر، اللي يببص فيها يحس إن قدامه واحد بيقرأه زي كتاب مفتوح.
تحت عينه الشمال، فيه وحمه صغيرة جدًا، باينة بس للي يركز، كأنها سر شخصي مش بيحكيه.
آدم اتخض من اللى شايفه ده إنسان تانى !! مش هو ، آدم أتأكد أنه مش فى حلم بل فى واقع ! واقع مخيف آدم موجود فى عالم ميعرفوش.
عقله جمع أن الكتاب سحبه جوه بقى يقول بصوت عالى..
آدم : أنا اتشفط أنا اتشفاااااااااااط ، احا و إيه اللى أنا لابسه ده ؟؟ و إيه الصوت ده كمان و إيه اللغه الغريبه اللى أنا فاهمها دى .. إيه ده أنا بقول إيه ؟ عاااااااااا
رجع بص فى المياه شاف نفسه لابس قميص أبيض قماشه خفيف ، وبنطلون مقفول بحزام عريض ، صوته شبابى لكنه ناعم سيكا عن صوته العادي كمان لا بتناسب مع ضخامة الجسم و شكله.
آدم : احا يا جدعااااان **** يخربيتك يا على يا نويرى **** يخربيتك يا علق يا عيييييييلق كسم ده كتاب جبته شفطنى جواه طب أروح فين دلوقتي عااااااااااااا.
وقع آدم على الأرض عقله مستحملش و اغمى عليه مفاقش غير على صوت خطوات رجول على الرمل.
استدار بسرعة ، شاف ٣ رجالة أجسامهم ضخمة ، لابسين جلود قديمة مربوطة بحبال سميكة ، على كتافهم أسلحة خشنة، ووشوشهم عليها وشم أسود ملتف على شكل دوامات.
اللي في النص، أصلع، وعيونه رمادية باهتة، بص لآدم من فوق لتحت وضحك ضحكة قصيرة:
– ده شكله الحظ مبتسم لينا جامدالنهاردة… امسكوه !
آدم ملحقش يستوعب ، اتنين منهم هجموا فجأة ، واحد مسك دراعه والتاني ضربه على ضهره بقوة خلت نفسه يتقطع.
حاول يقاوم ، لكن لسه عقل الجسم مشغول بأفكار آدم عن العالم الجديد مش قادر يركز على أكثر من حاجه فى وقت واحد… و هما كانوا أقوياء و صراع.
ربطوه بحبل خشن في إيده من قدّام، وبدأوا يجرّوه ناحية عربة خشب كبيرة على الشاطئ، العجلات بتاعتها غارسة في الرمل.
آدم كان بيحاول يسألهم..
إنتوا مين ؟
لكن مفيش غير صوت البحر مع ضحكاتهم كمان لاحظ آدم دلوقتى بس اللغه اللى هو بيتكلم بيها دى لغة إيه أصلا أول مره بسمع الحروف دى و المشكله أنه مش بيفكر حتى هو مجرد يفتح بوقه يتكلم الكلام بيطلع لوحده.
العربة تحركت، وفضلت تتمايل بيهم في طريق ترابي ما بين تلال صغيرة مغطاة بنباتات لونها أخضر مزرق.
فى الطريق آدم كان بيسب و يلعن فى على النويرى شويه و شويه تانيه بيحاول يفكر يعمل إيه و مين دول ؟ و ليه جسمه اتغير بالشكل ده ؟ و هل ده جسم حد تانى يعنى ولا إيه و بعدين أزاى هو لسه فاكر أصلا اللى حصل معاه على الأرض.
الموضوع كان فوق طاقته الاستيعابية و غريب جداً عمره ما حب كتب الفانتازيا أصلا يقوم يلاقى نفسه فى عالم لكتاب مجهول.
لكن ده مكنش الأغرب بل و هو بيفكر لقى فيه صوت جنب ودنه بيهمس ليه و يقوله مين اللى هو فى جسمه و يفهمه أنه انتقل روحياً.
الموضوع قلب معاه يضحك هستيري من كتر ما هو مفكر نفسه بيهلوس أصل استحاله ده يكون طبيعى ده حتى اللى فى العربيه هما كان افتكروه مجنون.
بعد وقت مش قصيره ، سمع دوشة… صوت ناس، مناداة، أبواق.
دخلوا سوق واسع، مليان ألوان وروائح… ريحة توابل حارة، دخان مشاوي، صريخ باعة، وحركات سريعة في كل اتجاه.
آدم حاول يلف رقبته يشوف، لكن الحبل كان مشدود. فجأة، في لحظة غفلة من اللي ماسكه، شد جسمه بكل قوته ورمى نفسه على جنب… وقع على الأرض، الحبل اتحرر نص تحريرة، وبدأ يجري وسط الزحمة.
خطواته كانت بتخبط على أرض حجرية ، والناس بتتحرك حواليه وهو بيزق أي حد في طريقه.
الناس اتشتتت ، كل واحد بيبعد عن الراجل اللي بيجري كأنه نار ماشية ، لكن الاصلع كان وراه ، بيزق الناس بعنف ، صوته جاي من بعيد:
ـ أمسكوه أمسكوه اوعوا يهرب !!
آدم حس صدره بيولع من الجري ، قلبه هيطلع من مكانه، لكن رجليه لسه بتتحرك وفجأة…
خبط في جسم تقيل، كتفه اتزق بقوة ، اتكعبل خطوة، وكان هيقع، لكن مسك نفسه رفع عينه بسرعة…
راجل طويل ، جسمه مليان ، العباية سايبة على جسمه ، وشه مش متفاجئ قد ما هو بيراقب… عينين سودا بترقب تفاصيله في لحظة.
الشخص ده كان سيراث بكل تأكيد ، سيراث اتراجع نص خطوة، عينه لمعت وهو بيسأل نفسه بهمس:
ـ مين ده؟
لكن قبل ما يكمّل نظرته، آدم اختفى وسط الزحمة، و الاقرع الضخم كان بيقرب أكتر، بيزيح الناس بإيده كأنهم ورق.
سيراث فضل واقف، نَفَسه تقيل، وحاجة جواه قالت له :
ـ ده ما كانش هارب عادي…
رفع عينه للسماء الرمادي، وهمس:
في حاجة اتغيّرت…
آدم كان لسه بيجرى و حاول يزق آخر واحد قدامه، لكن فجأة إيد ضخمة مسكت دراعه بقوة و شدته لورا ، لدرجة إنه حس عصب كتفه اتشد.
الاقرع (بضحكة نصر): مسكتك يا فار يا صغير!
آدم حاول يلف ويفلت، بس الطوق الحديدي اتقفل على رقبته في لحظة، وسلسلة التقفيل أصدرت صوت معدني حاد وسط ضوضاء السوق.
الناس حوالين المشهد بدأوا يبصوا، بعضهم ضحك، والبعض اكتفى يتفرج… مشهد اصطياد عبد كان بالنسبة لهم زيه زي أي صفقة.
سيراث اللي لسه واقف على بُعد خطوات ، ما شال عينيه عن المشهد ، خطا بهدوء ناحية الاقرع و صوته واطي لكن فيه نبرة حاده:
طالب فيه كام ؟ اخده منك ب ثلاث دنانير ذهبيه
الاقرع بص له، وابتسم ابتسامة فيها ريحة سخرية:
ـ أكتر… جسمه جديد، عضلاته متماسكة، ولسه ما اتبهدلش. ده هيعيش عندك سنين من غير ما يشتكي.
سيراث قرّب، ووقف قصاد آدم..
آدم كان لسه بيحاول يتنفس من ضيق الطوق، لكن عينه ما بعدتش عن الراجل الغريب اللي بيبص له بنظرة مش شبه باقي التجار.
سيراث : طالب كام ؟
الاقرع (بسرعة) : خمسة دنانير دهب.
سيراث ضحك بخفة، كأنه بيسمع رقم من تاجر مبتدئ : شكلك بتحلم أحلام أكبر منك.
الاقرع اتضايق: ده تمنه… ويمكن أكتر، ده حتى شكله مش من هنا !
سيراث بص لآدم مرة تانية، وبعدين رجع للصياد، صوته بقى حاد أكثر :
أنا هاخده… بأربع دنانير زى ما عرضت فى الأول.
الاقرع : تستهبل ؟
سيراث (ببرود): أربع دنانير، وتنسى إنك شفته أصلاً.
الهدوء نزل على الصياد، وعينه راحت لجسم سيراث اللي ما كانش باين من تحت العباية ، لكن طريقته، نبرته، وثقة خطواته… كانت كفاية تقول إنه مش حد عادي.
بعد ثواني من الشد والجذب، الصياد مد إيده وأخذ الكيس الصغير اللي فيه الدنانير، وفك الطوق من رقبة آدم.
الصوت المعدني وهو بيتحرر كان كأنه كسر قيد جواه.
سيراث التفت لآدم وقال بصوت واطي، بس فيه أمر واضح: امشي ورايا… دلوقتي.
آدم ما قالش حاجة، بس حس إن الراجل ده مش زيه زي باقي الناس هنا !
………………………………………………………………………….
صحى آدم على صوت خبط قوى على الزنزانه و صوت شخص حاد بيقوله..
الصوت : قوم يا حيوان !
" مملكة لومدوين _ ألدرينسار "
المدن و البلدان دائماً ما هتلاقى فيه شئ يميزهم تسمع الإسم تفتكر الشئ المميز ده و مملكة لومدوين أكثر ما يميزها هى العاصمه الأقوى فى سولانسيث كلها !
العاصمه ألدرينسار هى القلب النابض للمملكه كلها مساحتها ضخمه جداً و بالرغم من كده لم تنقص من مساحة المملكه شئ.
مملكة لومدوين هى الأكبر من حيث المساحه كمان فيها نهر العظيم ڤيندرا و هو أول حاكم للمملكه و اتسمى النهر على أسمه تخليداً لذكراه.
لأجل كل المميزات دى ممالك كتير حاولت تغزوها و تاخد من أراضيها لكن..
أبناء المملكه كانوا دائما بالمرصاد للغزاه كلهم تحت طوع المملكه المتمثلة فى العيله الحاكمه عائلة ألداريون.
ملكتهم الحاليه هى ليانا ألداريون الملقبه بسيدة الضوء هى سيده اربعينيه لكن لازالت تحتفظ بجمالها و جسدها الأنثوي المتناسق.
الملكه ليانا لها هيبه كبيره فى قلوب شعبها فهم يحبونها و يحترموها و إن جيت للحق فهم معاهم كل الحق.
الملكه ليانا عندها القدره بشكل واضح للجميع على إدارة أقوى مملكه بدقة غير عاديه بالرغم من أنها حالياً مش متجوزه بل ارمله.
الكل توقع بعد وفاة جوزها الملك أنها تقع لكن فاجئت الجميع بصلابتها و وقوفها بصلابه فى وش الكل.
عندها وريثين للعرش محتملين الأمير إيريون و ڤيلانا ألداريون ، العائلة الملكيه دائماً ما كانت نقيه ١٠٠ بالمئه مش بيتجوزوا من بره العيله.
القصر الملكي موجود فى قلعة النور وسط العاصمة ألدرينسار، يطل على نهر فيندرا العظيم ويُشرف على أحياء المدينة القديمة والجديدة.
القصر هو مزيج من العمارة العتيقة والفخامة الحديثة ، جدرانه مبنية من حجر أبيض ناصع ومرصعة بأحجار كريمة لامعة تعكس ضوء الشمس والقمَر.
أسواره عالية تحيط بالقصر، مزينة بنقوش التنين الفضي المتشابك حول شجرة النور المضيئة ، ده شعار عيلة ألداريون.
أبراج الحراسة شاهقة يبلغ عددها ثمانية، كل منها مجهز بأبراج مراقبة مزودة بسحر دفاعي يحمي القصر من الهجمات المفاجئة.
البوابة الرئيسية ضخمة من الحديد المطلي بالذهب ، عليها تماثيل محفورة لتنين وأسود تحرس المدخل.
تفتح البوابه الرئيسيه تلقائيًا بلمسة سحرية لمن يحمل خاتم الملكة أو أحد أفراد الأسرة الحاكمة.
القصر فيه حدائق واسعة ممتده حولين القصر، مزروعة بأشجار النور النادرة اللي بتضفي على المكان توهج فضي فى الليل.
ده غير النافورات المائية اللى تحسها بترقص مع ألحان موسيقى هادئة تنبعث من أعمدة الصوت المخفية.
ممرات حجرية ملتفة مع مقاعد فاخرة وأماكن للاجتماع الخاص بعيدًا عن أعين الحراس.
جوه القصر القاعات كبيرة ومزينة بالسجاد الأحمر الفاخر والستائر المخملية المنقوشة بالرموز الملكية.
الجداريات بتحكي أساطير المملكة ومعاركها الكبرى تزين الجدران.
أعظم قاعة في القصر هى قاعة النور ، و هى مركز السلطة والحكم.
الأرضية من الرخام الأبيض المرصع بالذهب، وعلى جدار خلف العرش يوجد تمثال تنين فضي ملتف حول شجرة نور مضيئة ينبعث منها ضوء خافت.
العرش نفسه مصنوع من الذهب والفضة، مرصع بالجواهر النادرة، ويعلوه تاج الملكة ليانا.
تحيط القاعة أعمدة ضخمة منحوتة برموز القوة والحكمة، وتوجد مقاعد لأعضاء المجلس الأعلى على جانبي القاعة.
أما عن الأجنحة الملكيه فهى واسعة ومزينة بكل وسائل الراحة والترف، مع نوافذ تطل على المدينة والحدائق.
تضم غرف نوم ، غرف استراحة ، ومرافق شخصية لكل من الملكة ، الأمير إيريون ، والأميرة ڤيلانا.
و على سيرة الاميره ڤيلانا فأحب أعرفك أن هى المرشحه الأقرب للحكم و ده لقربها الشديد من الشعب.
خلينا نتحرك على ميدان النور حيث الموكب الشهرى للاميره ڤيلانا ألداريون و هى بتمشى حوالين العامه وسط دائره من الحراس الملكيين.
الموكب بيكون كالتالى بيبدأ من القصر الملكي بيلف المملكه كلها فى طريق اشبه للدايره معد خصيصا للمواكب اللى من النوع ده و ده لأن فيه ناس من جميع أرجاء المملكه بتحضره لكن اليوم ده تحديداً كان مميز أكثر و أكثر..
اليوم ده اتجمع مئات الآلاف من سكان مملكة لوميدوين من كل مدينة وقرية ، الأعلام كانت بترفرف بألوان العائلة الحاكمة الأحمر والذهبي ، تعلو الاصوات الموسيقيه من الات بعضها ضخم و الاخر صغير يتراقص حولها البعض.
في الجانبين، يقف الحراس الملكيون كجدار من الصلابة، يرتدون دروعًا مزخرفة تعكس وهج الشمس.
الموكب يتقدم ببطء ووقار من بوابات قلعة النور، مرورًا بالممرات الحجرية المليئة بالزخارف والنقوش التي تحكي تاريخ المملكة وملاحم أبطالها.
الأميرة ڤيلانا ألداريون تتوسط موكبها، شعرها الأرجواني يتمايل مع نسيم الغروب، وعيونها العسليه تتأمل الحشود المتنوعة: من الفلاحين البسطاء إلى النبلاء المهيبين، ومن تجار الأسواق إلى الحرفيين.
اليوم ده كان فيه مشاعر كتيره فى الموكب مزيج ما بين الولاء ، المحبه ، الإعجاب ، الفضول، والشك.
الولاء و المحبه من أهل المملكه بكل تأكيد بل و حتى الأجانب الحاضرين للموكب ده باستثناء شخص واحد.. كاهيرا !
كاهيرا كانت متخفية بتعويذة التخفى ، واقفه بين الجموع ، منبهره بالاجواء المحيطة بيها من كل جانب ، الفرحه و السعاده الموجودين عند الجميع بسبب اميرتهم خلاها تحس بالاعجاب و الفضول بل و حتى الشك تجاه الاميره.
كاهيرا اتربت بشكل مختلف ، شافت نفسها مكان الاميره ڤيلانا قارنت نفسها معاها الاتنين من المفترض أنهم ورثه فى ممالكهم لكن كاهيرا اتحرمت من ده على عكس ڤيلانا.
غصب عنها دمعه فلتت من عيونها و هى شايفه مشاعر الحب دى كلها لشخص زيها بقت تقول لنفسها ذنبى إيه أنا !! بقت تلعن زارا سهرزين جواها اعتبرتها سبب لعنتها تمنت لو كانت ماتت و هى صغيره.
نظرت مره تانيه ل ڤيلانا و هى بتحيى الجميع من فوق فرستها ، قالت جمله بصوت مخنوق..
كاهيرا : ناس مكتوب لها تمشى فى موكب و الناس ترميها بالورود و ناس تتعامل زى حالاتى منبوذين و حتى لما يحضروا حفله يكون لغرض استراتيجي.
كاهيرا سبب وجودها فى المملكه كان استكشاف أحوالها بنفسها ، استخدمت طائر الرايكو الخاص بها و سافرت لالدارف الأول و من هناك ل لومدوين ، كل ده علشان تعرف اكتر عن الجهات المتحاربة.
استدارت كاهيرا علشان تمشى لكن..
فجأة، وسط الأصوات والضجيج، برز شاب بسيط المظهر بيحاول يتقدم فى طريقه ناحية الأميرة.
كاميرا وقفت ركزت معاه و شافت عيناه المليانه بالأمل أنه يوصل للاميره ، لكن أول ما قرب منها قدر المستطاع و لسه هيحاول يخترق الحاجز هوب قبض عليه الحراس بعنف، يبعدوه بقوة عن مسار الموكب.
الموقف كان ملاحظ من كل القريبين من المشهد فى ثوانى تعالت المسات و تحولت النظرات من الحضور لاستياء و تعاطف مع الشاب.
كاهيرا شافت فى الشاب نفسها و هى بتحاول تسعى للسمو و الرفعه و الحارس هو الظروف الفاصله فى ثوانى بدأت تتحرك ناحية الحارس و هى متخفية.
فى الوقت اللى كاهيرا بتتحرك الاميره ڤيلانا شافت نظرات الناس معلقه بالحارس ، فى ثوانى نزلت الاميره عن فرحتها و اتجهت ناحية الحارس فى صمت مطبق من المكان بأكمله رغم استحالة ده لكنها الاميره ڤيلانا مش أى حد.
بمجرد ما وصلت عند الحارس قالت بصوت غاضب و مسموع تقريباً عند الجميع..
ڤيلانا : سيبه من أيدك أنا بأمرك تسيبه يقرب !!
الحارس فوراً نفذ الأمر ، والأميرة بدأت تخطو نحو الشاب بابتسامة هادئة ، و بتتكلم بهدوء مطمئن تشجعه يقرب.
الشاب فعلاً قرب منها وطى باس كف أيدها تحت تأهب من الحراس الموجودين تحسباً لأى شئ ، أظهرت الاميره كيس كانت أخفته فى ايدها الشمال مليان بالنقود الذهبيه.
مدت ليه أيدها بالفلوس و من ثم لمست كتفه برفق ، و ودعته بكلمات تتمنى له فيها أن ينعم سعيداً.
كاهيرا كانت بتابع المشهد، قلبها ينبض بشيء غريب؛ مزيج من التعاطف والدهشة ، في هذه اللحظة، ترى بوضوح أن مملكة لوميدوين ليست فقط قوة وسلطة، بل هي أيضًا إنسانية، أمل، ونقطة ضعف في آنٍ معًا.
الموسيقى ترتفع مجددًا، والموكب يواصل طريقه عبر الشوارع المضيئة بالفوانيس، والناس يلوحون بأيديهم، والأطفال يصرخون بفرح، وتبقى صورة الأميرة والشاب محفورة في ذاكرة كاهيرا، تزرع بذور شك وتغيير في عقلها وقلبها.
" مملكة ميراشا "
الضباب كان سميك لدرجة إنه كاد يخفي أشجار الغار السوداء، والمطر غزير عامل صوت مرعب بسبب اصطدامه بسقف الكوخ القديم.
الأصوات بتنغمس في صدى خفيف وسط الرياح الشديدة اللي بتتلوى وتدور حول المكان ، شعاع أزرق خافت من ضوء القمر بيتسلل من نافذة الكوخ، ثابت رغم العاصفة.
الباب الخشبي المتهالك اتفتح بهدوء ، ودخل الراجل الغريب متثاقلاً، وقف ودخل الباب وراه بحذر، قفل الباب بلا صوت.
الساحر ما رفعش رأسه، أصابعه كانت متشابكة وهو بيقلب في أوراق قديمة مجعده على الطاولة المليانة بعلامات طلاسم وأواني زجاجية بخارجة منها أبخرة خفيفة.
صوته كان هادي لكن فيه نبرة استفزاز:
رجعت أسرع مما توقعت... صحيح لسه مش ناوي تقولى اسمك ؟
الراجل رفع راسه شوي، عينيه تحت القناع لامعة بتوتر، بس صوته كان قاطع:
سيبك من أسمى ، أنا جيت أكمل طلبك الأول.
الساحر ابتسم بس كان ابتسامة خفيفة، بعيون شبه مغمضة: الطلب الأول ؟ ما خلص من زمان.
الرجل رفع حاجبه وبتوتر: يعني إيه ؟
الساحر رفع يده يمسح رماد على ورقة قديمة:
يعني لو عايز حاجة جديدة، يبقى طلب جديد و سيبك من القديم.
الرجل وقف بثبات، صوته فيه توتر غير ظاهر:
ده مش كان الاتفاق بينا ؟
الساحر رمى طرف نظره للراجل، عيونه صارت رمادية كأنها صخور:
الاتفاق كان على نقل روحين فقط، ما نسيتش ولا حاجة.
الراجل بسخريه بيدارى بيها توتره : و أنا من المفترض أعرف الروح راحت فين لوحدى ، مش كده ؟
الساحر ضحك بمرارة، وأشار بأصابعه لعالمه المظلم : و أنا كمان معرفش بعدين حد قالك إني الحرس الملكي في ألداراف ؟
ساد الصمت ثوانى لحد ما أردف الحارس بهدوء..
ممكن اعتبره من ضمن الطلب القديم لكن بشرط تقولى إيه السر اللى وراء طلبك ليه !
الراجل بان عليه الضيق و التوتر هو مكنش حابب حد يعرف السبب لكن الضرورات تبيح المحظورات.
الراجل اتنفس بعمق، وبدأ يشرح بنبرة أضعف لكنها مقنعة : نبوءة من ساحر مات من زمان قال لي إن الروح دي مش زي أي روح ، الروح دى هترج عالمنا رج..
هى اللى هتحدد مين هيكسب و مين هيخسر فى الحرب الجايه كمان هتجاول على سبب لعنة بتطارد شخصية مهمة جداً فى سولانسيث.
الساحر توقف، وجهه اتغير شوية، واتلم في الظلام حواليه، وقال بصوت منخفض:
مين الشخصية المهمة دي ؟
الراجل بص في الأرض، ثم بص لعيون الساحر بثقة :
مش مهم تعرف دلوقتي، الأول أعرف مكان الروح فين ، و كمان معلومات عنها من عالمها.
الساحر ابتسم ابتسامة باردة ، ورفع إيده من تحت الترابيزة، وأخرج بلورة رمادية ، مكسورة في نصها، بتلمع بنور خافت و قال..
دي هتنور لما تقرب منها... بس خلي بالك، النور ممكن يكون حياة أو موت.
الراجل مد إيده ياخد البلورة ، لكن الساحر سحبها بعيد الأول..
المرة الجاية، خليك مستعد، ألف عملة ذهبية ثمن المعلومات.
الراجل مسك البلورة بعنف، و اتجه خارج من الباب وسط صوت المطر والريح القويه.
" ڤيلا مايزرون _ آدم "
صحى آدم من نومه على صوت خبط قوى على الزنزانة و صوت حاد بيقوله..
الصوت : قوم يا حيوان ! بسرعه !
نظر آدم لصاحب الصوت شاف شخص طويل يقارب ال 185 سم، شعره اسود قصير ، عنده بنية عضلية ضخمة وقوية ، جسمه معبّر عن سنوات طويلة من التدريب والقتال ، ملامح وشه صارمه ، مليان علامات قديمة واضح منها ماضيه العنيف ، عينيه سوداء و حادة.
فضل آدم باصص شويه للراجل الواقف قدامه بيجمع ده مين أساساً لكن داهمه صوت الحديده اللى كانت بتضرب حديد الزنزانة ، صوت مزعج لكنه كان كافى يقومه من على السرير.
مر من الوقت عشر دقائق وظهر الجميع فى الساحة المخصصة للتدريبات على المصارعه.
الشمس كانت قويه و الرمال واضح أنها سخنه و الأرض عليها بعض الحصى الصغير ، الحوائط من جوه اللون باهت لكن بالرغم من كده الوشوم المرسومه عليها قادره تدى دفعه لكل واحد يشوفها على الأقل ده كان إحساس آدم.
المكان كمان عباره عن أماكن متفرقة للتدريب في واحد من الأركان يوجد كرات سوداء أشبه لكرات البولينج لكن بأحجام مختلفة.
و فى ركن آخر يوجد ما هو أشبه لكيس الملاكمه لكنها مختلفه بسبب وجود اله حمراء اللون شكلها أقرب لعامود كورة سله له سقف مسطح يتدلى من السقف كيس ضخم ممتلئ لكنه يدور فى حلقات دائرية.
فى ركن آخر توجد به أشياء اسطوانية من ماده لامعه فى الشمس افترض آدم عند رؤيتها أنها أثقال يرفعها المصارعون.
كمان شاف أخشاب قصيرة الطول لكنها سميكه واضح عليها الصلابه لم يفهم آدم ما هو سبب وجودها لكنه خمن أنها ممكن تكون واحده من أساليب اللعب.
كمان شاف فى ركن آخر يوجد سيوف خشبيه و حديديه على مكتب خشبى كل سيف بحجم مختلف عن الآخر.
و أخيرا برج خشبى شبه متهالك لكنه مازال واقف بشموخ ، للبرج سلمين من اتجاهات متقابله أى لو حبيت تصعدها يا من الامام يا الخلف.
البرج من فوق محاط بجدار خشبى قصير و فيه جوه اوضه خشبيه صغيره.
انتبه آدم لصوت المدرب و هو بيقول بأعلى صوته…
المدرب : مصااااااارع أجمع مصااااااارع أجمع.
بدأ آدم يتحرك للمكان المتجه له المصارعين كان فى قلب الساحه نفسه ارتص تسع مصارعين فى ثلاث صفوف متباعدين بطول ذراع فى حركه أشبه للنظام العسكري.
وقف المدرب أمام المربع ده من الأشخاص و وقف خلفه سيراث ب هندامه الجامع بين اللونين الأحمر و الاسمر و هو أشبه للهدوم الرومانيه.
وقف آدم فى مؤخرة الصف الثالث من اليمين و وقف ڤاروس كرين المصارع اللى شافه فى الزنزانه فى مقدمة الصف الأول من اليسار.
أقترب سيراث يتبعه ميراڤ المساعد بتاعه اتقدم سيراث خطوه عن المدرب و بدأ بصوت قوي متزن، وكأنه بيخطب أمام مجلس من المحاربين و بيتحرك قصائدهم..
سيراث: أودامنا أيام قليلة على نهاية المسابقه بتاعة الشهر ده.. اليوم الأول مشى بشكل سئ لكن حتى أعظم الناس ممكن تبدأ مش بأفضل طريقه..
وقف سيراث و بص فى وشوش مصارعيه بوش صارم جامد لا يعرف الرحمه تقريباً وش وحشى و بيكمل كلامه..
سيراث : أودامنا أربع أيام كمان فى المسابقه دى كل أسبوع فيه يوم للمسابقه باستثناء اليوم الأخير أنا عايز ٥ منكم على الأقل يكونوا متاحين للعب فى اليوم الأخير…
افتكروا إن في الحلبه الضعيف بيموت قبل حتى ما يكمل دقيقه واحده جواها... هنا القوي بس اللى بيقدر يعيش بكرامه و إحنا رجاله متعرفش إلا الكرامه ، مش كده يا رجاله !!!
الجموع باستثناء آدم : تمام يا قائد !!
المدرب بصوت عالى يضم الودن : أعلى !!
آدم فى سره : ده العسكرى فى السجن صوته رحمه عنك.
سيراث بدأ يخطو خطوات بطيئة بين الصفوف ، عينه بتمسح كل واحد بنظرة باردة ، وقف لحظة أمام ڤاروس كرين، ابتسم ابتسامة قصيرة تظهر أنه راضٍ عنه، ثم يتحرك ناحية الصف الأخير... حيث يقف آدم.
سيراث (نظره مستقرة على آدم): انضم لينا مصارع جديد امبارح يا رجاله ، عايزكم توروه الأمور أزاى بتمشى هنا و يعرف أن المنافسه هنا مش سهله.
آدم حس بصعوبة الموقف هو فى العادى شخص مسالم لكن من الواضح أنه هيضطر يطلع أسوأ ما فيه علشان يقدر يعيش مش بس يكون أسم له هنا لحد ما يشوف هيعمل إيه !
المدرب كان واقف ورا سيراث بخطوة ، لاحظ عيون آدم الحيرانه و ضاف عليهم السلوك اللى شافه من آدم و من ثم ابتسم بسخرية.
المدرب (بصوت عالي يخترق الساحة) : معتقدش سيدى أنه هينفع بص عليه… ده زى الطفل الصغير ، اللى زى ده لو دخل الحلبة أول ضربة هتخليه يعيّط زي الأطفال.
ضحكات متفرقة من بعض المصارعين ، بعضهم بيبص لآدم باحتقار و البعض الآخر بفضول.
آدم كان بيعض على أسنانه، لكنه برضه مردش.
سيراث بص له لثواني بعدها اتلتفت عنه شاور للمدرب يتبعه و من ثم مشي متجه لغرفه خشبيه صغيره موجودة فى الساحه تسمح له يشوف التدريب.
المدرب بص المصارعين و بصوت خشن : لفوا الساحه كلها ١٠ لفات فيما يقل عن ربع ساعه ، استعدااااااااد ابدأ !!
اتحرك المصارعين يلفوا الساحه فيما اتحرك المدرب بخطوات ثابته فى اتجاه سيراث اللى كان قاعد فى الغرفه بيبص عل المصارعين و جنبه مشروب أخضر اللون.
سيراث : رأيك إيه ؟ قول بكل صراحه و لو أنى عارف إنك دائما صريح مش محتاج قواله يا كاليك.
كاليك ( المدرب ) : بصراحه مش حاسس فعلا أنه هيطلع منه حاجه بص عليه كده منعزل الكل بيجرى و بيحاول يتكلم لكن هو لأ لوحده و ده مش كويس للمصارعين..
ده حتى حاولت استفزه بالكلام علشان يظهر أى شراسه لكن مفيش أى رد فعل خالص أعذر جراءتى بس شايف إنك انخدعت فيه.
سيراث : بص على جسمه كويس يا كاليك و تمعن فيه ركز فى التفاصيل ، ده شخص عنده كتير من المقومات اللى تجعله مصارع قوى جداً و ذو شعبيه.
سيراث كان شايف فى آدم أو زى ما بيقول عليه جولدامون منافس تانى ل ڤاروس أقوى المصارعين عنده ، هو شايف إن ڤاروس لسه راجع من أصابه أول مباراه له هتكون كمان اسبوع ف لازم حاجه تشده.
لأجل كده ابتسم له فى الطابور علشان يحفزه و فى نفس الوقت حاول يستفز جولدامون ( آدم ) علشان يخلق منافسه ثنائيه و حتى تشد الباقى معاهم كمان.
ببساطه سيراث أدار اللقاء الأول لصالحه من الأول للآخر حتى محبش يتكلم عن الخسائر المتلاحقة من لما اتصاب ڤاروس علشان ميربكش المستجدين من بره المملكه و هم ٢ و معاهم آدم.
هو عايز الكل يبقى مركز لأكبر قدر ممكن من الوقت.
كاليك : اعذرني يا سيدى لكن بالرغم من هيئته القويه و طوله الممتاز فى رأيى فهو سبعيناتى أعتقد و ده حلو جدا مناسب لطبيعة جسمه لكن المهم اللى جوه يا سيدى ، العقل اللى بيحرك الجسم نفسه.
ده شخص حسب ما فهمت كان بيجرى وراه ڤيتس الاقرع فى السوق و حضرتك عارف ڤيتس و اللى معاه على قدهم اللى بيهرب منهم مش بيرجع ده أول مصارع يتمسك ، أنت متخيل !
سيراث سرح لثوانى ثم لمعت عيناه و من ثم أشار لكاليك بالانصراف لمتابعة التدريبات.
كاليك اتجه للساحه صقف صقفتين قويّتين ، صوتهم كان بيتردد على جدران الساحة ، فى ثوانى كان كل المصارعين حاضرين بنفس الترتيب بتاعهم.
بدأ يشرح جدول التدريب: جولات من رفع الأثقال اللامعة، ضرب الأعمدة الحمراء الدوارة، تسلق البرج الخشبي، ومناورات بالسيوف الخشبية و الحديديه و من ثم قال إن فى آخر اليوم فيه قتال فى الحلبه تحت.
التدريب الأول كان عباره عن..
آدم يواجه العمود الأحمر الدوار و المفروض أنه يضربه بعزم ما فيه لكن ضربته طلعت متوسطه و ده كويس لكن اللى مش كويس أنه مكنش مركز..
العمود رجع بسرعة و ضربه في كتفه بقوة خلاه كان هيقع.
كاليك ضحك بصوت عالي:
ده مش تدريب على الرقص يا حبيبي... اضرب كأن حياتك متعلقة بيها !
آدم حاول للمرة التانية ، أقوى ، لكن مش قادر يركز بشكل كامل فادى العمود الدور مره و فى التانيه اخده فى وشه لما كاليك نده عليه و كان هيقع.
بعض المصارعين بيبدأوا يلاحظوا ضعفه و يضحكوا بسخريه ، و ده خلي الجو حواليه مشحون و هو نفسه متوتر بزياده.
كاليك عنفه و فهمه إن مهما حصل لازم تركيزه يبقى مع خصمه مش مع حد تانى أبدا مهما حصل.
وقت الغداء
آدم رجع لعادته فى السجن و قعد في زاوية فى الساحة ، قعد بياكل فى صمت مطبق ، كاليك شافه فبعد عن باقى المصارعين.
كاليك قرب منه و مسك طبقه قبل ما يكمل اول قطمه..
كاليك: المصارع اللي بيحمي نفسه بلسانه أكتر من إيده... ما بيدومش هنا خد بالك !!
آدم رفع عينه أخيرًا ، نظرة قصيرة لكن مليانة ضيق ، كاليك ابتسم و حس من جواه ببعض السعاده من النظره الصغيره دى.
لحظات و فجأة من ناحية البوابة الشرقية، انفتح الباب الخشبي الكبير ، الأنظار كلها اتجهت لهناك.
ظهر سيراث بلبسه الأنيق الممزوج بين الأحمر والأسود ماشي بخطوات واثقة ، و جنبه اتنين حراس من رجاله ، وبينهم خمسة أشخاص واضح من ملامحهما لتوتر و القلق.
آدم شال نظره عن الطبق فور لما لمح الوجوه للحظه عقله لوحده بدأ يعرف و يفتكر الموجودين…
و كأن عملية التنقل بين الأرواح مخفش المعلومات القديمه لكل شخص من الاتنين بل خزنتها عند كل طرف علشان لما يحتاجها !
لكن اللى كان مستغربه أنه مش بس عارف اللى قدامه لكن تلقائيا لقى نفسه عنده مشاعر متضاربة عقله بيقوله هو أنت تعرفهم أصلا منين !؟ دول مش أهلك دول أهل الراجل اللى أنت فى جسمه..
و فى نفس الوقت يرجع قلبه يقوله بس مينفعش تعمل نفسك من بنها بعدين بص ملهوفين على ابنهم أزاى متبقاش حلوف يلا !
مشاعر متضاربة اجتاحته مبقاش عارف يعمل إيه !؟ مسكين ميعرفش أن اللى جاى هيوتره اكتر من الاول !
سيراث وقف في منتصف الساحة ، صوته هادئ لكن مسموع لكل من فيها :
سيراث : شوف يا جولدامون في بعض الأوقات ، التدريب لوحده مش كفايه ... المقاتل محتاج يعرف هو بيقاتل ليه و أنت مش بس يتقاتل علشانى لأ كمان علشانهم !
اتجه بخطوات جانبية، كاشف المجموعة اللي كانت واقفة وراه:
رولان جولدامون و هو الأب، واقف شامخ رغم خطوط العمر اللى بارزه في وشه ، اصلع و هو أسمر البشره ، ملامحه حاده ، عيونه فيها غضب مكتوم و كانت مركزة على آدم أو ابنه جولدامون.
كان يرتدى رولان قميص مرقع بالخيوط اللى بتوضح إن من كتر ما هو فقير مش قادر يجيب هدوم بدل اللى دابت.
إلينا و هى الأم ، امرأه أربعينيه ملامحها دافئة شعرها مازال يحتفظ بلونه الأسود جسمها نحيف بدرجه كبيره ، كانت واقفه و القلق ظاهر في عينيها.
ليانا و هى الأخت الكبرى ، جميله بشرتها قمحيه شعرها أسود كثيف ، جسمها متفجر الانوثه ، على عكس أمها هى لا تعانى من النحافه ، كانت نظراتها مليانه باللهفه تجاه أخوها.
ماركوس و هو الأخ الأوسط ، أكتافه عريضه و ضهره مفرود وكأنه بيحاول يظهر أقوى مما هو عليه ، بشرته بيضاء على عكس أخواته فقد أكتسب البياض من أمه ، عيونه خضراء شعره بنى اللون ، عنده نمش بسيط ، طوله متوسط.
آنا و هى الأخت الصغيرة لم تكمل العاشره من عمرها ، أيدها متعلقه في إيد أمها، عينيها بتلمع بالدموع من لما شافت اخوها من اللهفه عليه و مبطّلتش تبص على أخوها.
آدم حس بارتباك غريب. قلبه بيرتج بسرعة، وعقله بيحاول يستوعب المشهد و ياخد قرار سريع هيعمل إيه !!
سيراث ابتسم، ابتسامة فيها دفء مقصود، وقال وهو بيبص على آدم:
سيراث: دول مش بس عيلتك... دول قوتك ، لما تيجي اللحظة اللي جسمك يصرخ من التعب... افتكر إنك بتقاتل علشان ترجع لهم حياتهم.
من النهارده أنا بعلن للمصارعين كلهم أن المصارع اللى هيكسب مباراه له ١٠ فى الميه من مكاسب المباراه.
القرار كان مفاجئ للكل دى حركه جريئه هو أول واحد يقرر يعملها فى المملكه كلها من بعد تاجر تانى كان فى نفس الحاله لكن منفعتهوش ف أزاى جاتله الجرأه ياخد نفس الخطوه.
لكن سيراث كان واثق جداً من قراره و ده كان واضح فى خطواته و هو متجه ناحية آدم ، وقف على بعد خطوات قليلة، صوته منخفض ميسمعوش غير آدم..
سيراث: أنا عارف إنك تقدر تعمل أكتر من اللي بتعمله دلوقتي... وده مش عشاني أنا... ده علشانك أنت، وعلشانهم.
آدم بلع ريقه، و إيده تشدّت على الطبق المعدني. ملامحه بدأت تتحوّل من التعب العادي لشيء أكثر صلابة.
الحراس سمحوا للعيلة إنها توقف بضع دقائق مع آدم ، مكنش فيهم كلام كتير على قد ما هو طمأنينه على أخبار ابنهم اللى هما معتقدين أنه واقف قصادهم.
وعدوا آدم أنهم يكونوا حاضرين مباراته الجايه لو قدروا يشتروا تذاكر للمباراه و لو أن ده صعب جداً لكن آدم وعدهم أنه هيطلب من سيراث ده.
الدقائق المتبقية بالرغم من قلتها إلا أنها كانت كافيه تشحن آدم و لما سيراث لاحظ ده أشار للحراس بهدوء، وكأن اللحظة خلصت.
قبل ما يخرجوا، الأب اكتفى بهزة رأس صغيرة ، والأم رفعت ابتسامة باهتة، وليانا رفعت إيدها في إيماءة دعم ، أما ماركوس فشد قبضته في الهواء وكأنه بيقول "قاتل".
لما الباب اتقفل، آدم فضل واقف لحظة، عينه على المكان اللي وقفوا فيه، وكأن جزء منه لسه هناك.
كاليك لاحظ التغيير، لمعة جديدة في عين آدم، وقال في نفسه وهو بيعدل وضعه : يمكن يكون فيه أمل فيك بعد كل ده...
المدرب نادى: الأستراحة انتهت! الكل على مكانه !
آدم وقف بسرعة، والخطوة الأولى اللي أخدها كانت أسرع من المعتاد ، وكأن حاجة جواه اتغيرت.
فى آخر اليوم
اتجمع المصارعين مره تانيه على صوت أيد كاليك و على وجوه بعضهم السعاده و البعض الثانى الضيق.
كاليك بصوت خشن : النهارده التمرين خلص دلوقتى هنتجه للحلبه و نبدأ مواجهات مباشره بين اربعه منكم.
آدم رجع زنزانته ، جسمه منهك، عرقه بيغطيه، وجروح سطحية في كتفه و ذراعه ، أرتمي على السرير الخشن و نام فورًا.
اتحركوا كل المصارعين وراء كاليك في صفين غير منتظمين، خطواتهم بتغرز في الرمل وهم بيقتربوا من الحلبة تحت. الطريق كان عبارة عن ممر حجري طويل، جدرانه عليها مشاعل بتدي نور أصفر متقطع، والهواء جوه بارد عن الساحة فوق.
صوت خطواتهم كان بيختلط مع دقات قلب آدم اللي بتزيد مع كل متر بيقربه من المكان ده.
وصلوا لبوابة خشبية ضخمة، محفور عليها رموز قديمة ووشوش لوجوه مصارعين ملامحهم شرسة. كاليك وقف قدام البوابة، بص على اتنين من الحراس وومأ لهم يفتحوها.
البوابة اتحركت ببطء، صوت خشبها وهو بيحتك بالمعدن كان تقيل ومرعب. أول ما فتحت، بان قدامهم ممر قصير بيؤدي لفراغ واسع.
آدم دخل...
المكان كان عبارة عن حلبة دائرية كبيرة ، محاطة بحواجز قصيره لا تتعدى العشرين سنتيمتر من ماده شفافه.
المكان فيه مقاعد خشبية متدرجة حوالين الحلبة ، بس النهاردة المقاعد فاضية إلا من كام شخص من عيلة سيراث هيشوفوا القتال.
كاليك وقف في النص، وصوته دوّى فى المكان..
كاليك: النهاردة عندنا مواجهتين... المواجهة الأولى بين ڤاروس كرين... وآدم!
عيون المصارعين اتجهت فورًا لآدم، بعضهم ابتسم بسخرية أما ڤاروس ، فابتسم ابتسامة باردة ، ابتسامة واحد متأكد إنه هيسحق اللي قدامه.
آدم حس بحرارة في معدته ، خليط بين الخوف والحماس.
كاليك أشار لهم يدخلوا لجوه آدم مشي بخطوات بطيئة للحلبة و الرمل بيغوص تحت رجليه..
على الجانب التاني، ڤاروس بيتحرك بثقة، كتافه عريضة وخطواته ثابتة ، عينه مثبتة على آدم وكأنه فريسة له.
وقفوا قدام بعض، بينهم حوالي مترين ، كاليك رفع إيده:
كاليك: القواعد بسيطة... مفيش سلاح ، مفيش غش ، الضرب فى جميع مناطق الجسم متاح ، الخاسر هو أول واحد يقع ومش يقدر يقوم بعد العد عليه ل خمسه ، فاهمين ؟
ڤاروس ابتسم و قال بسخرية و استعراض : فاهمه ياااا بطه.
الكل رنت فى ودن آدم و فكرته ب على و الخناقه فى الزنزانه و ده بشكل ما زاد من حماسه ، هو عارف إنه الاندردوج فى القتال ده ف داخل و هو عادى خالص.
كاليك بص للاتنين نظره أخيره و قال..
كاليك : ابدأ !
في لحظة ، ڤاروس اندفع للأمام زي وحش. آدم بالكاد لحق يتراجع خطوة و يتفادى ضربة كتف قوية كانت هتخليه يخبط فى الحواجز و يترمي بره الحلبه.
الرمل اتطاير حواليهم.
آدم حاول يرد بضربة سريعة لوجه ڤاروس ، لكن ڤاروس دخل بضهر كتفه فى آدم وقعه على الأرض و نزل فوقه لف دراعه اليمين حوالين رقبة آدم و بيضغط بيها جامد.
آدم حسّ إن أنفاسه بتتقطع، ضغط ذراع ڤاروس على رقبته كان بيخليه يشوف نقط سودا في أطراف نظره، ورائحة العرق والتراب كانت بتخنق أكتر من الخنقة نفسها.
لكن وسط الاختناق، كان فيه حاجة جواه بتقول له: ما تستسلمش… مش هنا… مش قدامهم.
رجله الشمال غرست في الرمل، وبكل قوة رفع ركبته في جنب ڤاروس بضربة مباغتة صوت الضربه كان قوى لدرجة أن تأثير الضربه على فم ڤاروس بان و هو بيجز لجزء من الثانيه.
و ده كان كفاية إن آدم يفلت من قبضة ذراعه اللى كانت محاوطه رقبته..
آدم هرب بجسمه من تحت خصمه ، ودار على جنبه ، قام واقف ، صدره بيطلع وينزل بسرعة ، الرمل ملزّق في جسمه العاري إلا من الشورت القصير البني المربوط على وسطه.
فى المدرجات الخشبية، الجمهور الصغير كان متحمس و بالصدفه كان من بينهم إيلارا زوجة سيراث ، إيلارا مالت على الكرسي اللى جنبها ، همست لراجل قاعد عليه :
ايلارا : ووووه ده بيقاوم ڤاروس !!
الراجل ضحك بخفة و قال : واضح إن سيراث هيصدق فى رهانه لما قال هنهرب من الإفلاس ، الواد ده مع ڤاروس قادرين يكسبونا فلوس تهربنا من الإفلاس.
سيراث كان قاعد قدامهم ، ايده تحت ذقنه ، عينه ضيقة و من الواضح أنه بيقيم كل حركة.
كالين المدرب، كان واقف على جانب الحلبة ، مندهش أن جولدامون ( آدم ) قدر يفلت من حركة ڤاروس لكن أخفى اندهاشه و رجع صرخ بصوت جهوري..
كالين: شد نفسك يا جولدامون ! وقعه زى دى فى الحلبه ممنهاش قومه !
ڤاروس بابتسامة ساخرة، هجم من جديد لكن المرة دي آدم ما استناش الضربة !
اندفع آدم بنفسه للأمام ، و نزل بجسمه لتحت ، لف حوالين جنب خصمه، مسك وسطه وبدفعة مفاجئة فقد ڤاروس توازنه ووقع على الرمل على وشه.
المصارعين اللي كانوا بيتفرجوا من بره الحلبة اتبادلوا نظرات اندهاش ، واحد منهم همس..
مصارع جديد : جولدامون عمل حركه صعب تتعمل مع ڤاروس !!
مصارع قديم : دلوقتى ڤاروس هيخلص المباراه هتشوف.
ڤاروس قام بسرعة ، ملامحه بين الغضب والاستمتاع ، وقال بصوت منخفض..
ڤاروس : حلو… دلوقتي بقى نشوف مين اللي هيستحمل و يفضل واقف.
اندفعوا هما الاثنين في لحظة واحدة ، ضربات بالأكتاف ، الركب بتضرب فى بعضها ، اللكمات بتتبادل بسرعة، والرمال بيتطاير من حواليهم.
ڤاروس فى لحظه من اللحظات مسك ذراع آدم ، لف جسمه ورماه على الأرض بقوة ، صوت اصطدام ظهر آدم بالرمل كان عالي لدرجة أن الكل بان عليه القلق من قوة الصوت عدا المصارع القديم اللى أبتسم..
المصارع القديم : مش قولتلك ڤاروس هيخلصها
كالين بدأ العد بصوت جهوري…
كالين: واحد… اتنين…ثلاثه…
آدم واقع على الأرض و سامع العد عينه لمحت جابت صورة قدامه … صورة عيلة جولدامون اللي شافها في التدريب، وعيونهم المليانة رجاء وخوف عليه…
بصرخة قوية، لف على جنبه قبل ما يوصل العد لأربعه مسك رجل ڤاروس وسحبها بكل قوته ، لحد ما وقع هو كمان على الأرض.
آدم نط بخفه فوقه، مسك كتافه، وغرز ركبته في صدره ، وبدأ يوجه ضربات متتالية لوشه.
ڤاروس حاول يصد، لكن عامل المفاجأة كان لصالح آدم.
كالين وقف يعد:
واحد… اتنين… تلاتة… أربعة… خمسة !
كالين رفع إيده ناحية آدم و على وشه علامات المفاجأة :
كالين: الفايز… جولدامون تارو!
تصفيق متفرق جه من المدرجات، سيراث ابتسم نصف ابتسامة، وإيلارا لوهلة بان في عينيها بريق اهتمام، أما باقي العيلة فكانوا باين على وشوشهم الدهشه و الإعجاب بالمصارع الجديد و الحقيقه مكانوش لوحدهم حتى المصارعين القدام و الجداد كانوا كده !
" مملكة أورالجازير "
أُورالجازير مملكة تقف على كتف المحيط الشرقى جدرانها العالية من الحجر الرمادي تمتد لمسافة أميال مزينة بأعلام زرقاء تحمل شعار شمس صفراء مضيئه.
المرفأ الضخم على أطراف المملكة يستقبل سفن من كل الممالك و ده لقوة المملكه تجارياً فهى تعتبر العاصمه التجاريه لهذا العالم.
روايح التوابل والملح ممتزجة في الهواء ، وأصوات الباعة والتجار بتتصادم مع هدير الأمواج.
أما في قلب العاصمة، و على قمة تل صخري ، بيقف قصر أكواليث تحفة معمارية من الرخام الأبيض والأعمدة الزرقاء المزخرفة بالذهب.
سقوفه المقببة مرصعة بقطع زجاج أزرق تلمع تحت الشمس ، وكل جناح فيه بيفتح على شرفات مطلة على مناظر ساحره من ناحية ، وعلى حدائق معلقة من الناحية التانية.
حوالين القصر، أسوار مزدوجة وحرس مدججه بالسيوف والرماح ، وعلى البوابات اتنحتت مشاهد بطولات الأسلاف.
يحكم المملكة الملك ديماروس الثالث ، رجل في أوائل الستينيات، شعره أبيض كالثلج لكن قامته مستقيمة وصوته جهوري.
معروف عنه إنه داهية سياسية ، بيوازن بين التجارة البحرية والتحالفات العسكرية.
له ولي عهد الأمير كايلر شاب في أواخر الثلاثينات ، وسيم وذكي لكن طموحه بيلمع أحيانًا لدرجة تخوف البعض.
الملك عنده كمان الأميرة سيرينا ، في أوائل العشرينات ، جميلة لكنها ذات شخصية قوية، وغالبًا تشارك في شؤون الدولة أكتر مما يسمح به البروتوكول.
القصر مقسم لثلاث مناطق رئيسية..
الجناح الملكي و هو مخصص للعائلة ، مزين بالتحف البحرية ولوحات السفن.
قاعة المجلس العظمى : مقر الاجتماعات الكبرى.
القاعات الفرعية : خاصة بالمستشارين وقادة الجيش.
فى الصباح والشمس بتغمر البحر بلونها الذهبي ، والطيور البحرية بتحوم فوق المرفأ.
على شرفة عالية في قاعة المجلس الفرعية ، القائد ڤالدرين واقف بيتأمل الدخان قوى على بعد فوق سطح البحر.
لحظات و لف بعينه ناحية الطاولة المستديرة اللي محاط بيها سبعة من كبار المستشارين…
القائد ڤالدرين رجل في أوائل الأربعينات، لحيته سوداء مختلطة بالشيب، عينيه حادتين لما تبص فيهم تحس أنه بيعريك .. بيقرأ أفكارك من جواك.
ڤالدرين : الانفجار ده مش حادث عرضي… الرسالة اللي كانت موجهة من السفينه ….. اتحولت لبقايا رماد في اللحظة اللي حاول الربان يفتحها فيها ، دي مش تقنية عادية… ده سحر من النوع المحرم في المعاهدات بين الممالك.
رد مستشار نحيل اسمه ميراكس بصوت قلق:
بس المعاهدات نفسها مبتسمحش حتى بامتلاك النوع ده من التعويذات ، ده معناه إن فيه طرف غير حكومة مملكه بعينها عايز يوجه لينا ضربه تجاريه لأنه اختص أقوى سفنا البحريه.
ڤالدرين بيعدل وضعه، ويمشي حوالين الطاولة، كل خطوة صوته بيرن على الأرضية الرخام.
ــ الموضوع ده مقلق لازم نعمل له فريق تحقيق مخصوص يتتبعه ده مش أول انفجار من النوع ده ، الانفجار ده الرابع من شهرين.
مستشارة أخرى إسمها ألياندر ، شعرها فضي طويل ووشها مليان هدوء اتكلمت لأول مرة :
فيه حاجة أهم… الطاقة اللي خرجت من الانفجار فى الاخيره دى بالذات أنا شخصياً حسيتها وأنا في الجناح الشمالي… ده نوع طاقة لا يمكن يتوفر مع حد إلا لو كان له علاقه بيها !
المجلس كله سكت لحظة، وڤالدرين عينه ضاقت: تقصدى مين !!؟
ألياندر : انا عارفه ان كلامى جاى من كلام تراثى غير علمى فى اللحظه دى بس فيه نبوءة قديمة بتقول إن هييجى زمن تحكم فيه العالم كله بتاع سولانسيث ملكه مجهوله مهمشه هيتصادف مع بداية قرب فترة حكمها حرب كبيره على وشك القيام ، و انقلابات كبير فى موازين القوه بين الممالك و بعضها قبل الحرب و بعدها بل و حتى جوه الممالك نفسها.
الصمت ساد للحظات بين الجميع الكل ساكت و مرعوب من السيناريو اللى ألياندر بتقول عليه هما مش حابين يدخلوا فى حرب دى مش أقوى حاجه عندهم كمملكه.
ألياندر كملت كلامها و قالت..
ــ لو الإشارة دي حقيقية… يبقى إحنا على وشك دخول مرحلة مفيش رجعة منها.
في اللحظة دي، أحد الحراس دخل القاعة بسرعه راكعًا قدام ڤالدرين:
سيدي… فيه شاهد بيقول إنه شاف شخص غريب عند البوابة الشرقية قبل الانفجار بدقائق، ملامحه مش من أهل أورالازير.
ڤالدرين: هاتوه فورًا… قبل ما يخرج من المدينة !!
" الأرض _ السجن "
ضوء النهار تسلل بخجل من الشباك العالي الصغير في جدار الزنزانة ، أشعة الشمس ضعيفة علشان لسه فى أول النهار.
الجو بارد على غير العادة ، الهواء اللي داخل من الشباك اللى في الجدار كان محمل بريحه مختلفه على اللى شمها.
جولدامون فتح عينه ببطء ، لكنه ده مش جسم جولدامون الحقيقي… ده جسم آدم ، الجسم أنحف أقل قوة من جسمه في سولانسيث.
أول إحساس جاله كان ألم في كتفه و إيده خصوصا من عند أطراف الأصابع ، بدأ يرفع نفسه ، لكنه كان حاسس إن جسمه أخف من اللي متعود عليه ، حتى أنفاسه كان صوتها مختلف.
صوت داهم ودانه و فهمه الحقيقه المره :
أنت الآن هنا فى عالم الأرض…لقد انتقلت الآن في جسد شخص يدعى آدم ، و آدم نفسه أُرسل إلى عالمك… إلى سولانسيث !
الصوت اختفى فجأة ، وكأنه ماكانش موجود أصلاً، تارك وراه صدى غامض جوه دماغه.
جولدامون بالنسبة لف وشه، لقى تلات مساجين تانين في الزنزانة. واحد ضخم، قاعد في الركن و بيشرب سيجاره ريحتها قويه ؛ واحد تاني نحيف نايم على السرير بيشخر ؛ والتالت قاعد على حرف السرير باصص للأرض غالباً بيدور على شبشبه.
اللغة اللي بيتكلموا بيها غريبة على ودنه… كلماتها حادة ونطقها سريع. قدر يلقط بس حاجات بسيطة… غالبًا بيكلموا عنه.
قلبه بدأ يدق أسرع، مش لأنه خايف بالمعنى الحرفي، لكن لأنه حاسس إنه غريب وسط عالم مش فاهمه، وأي كلمة غلط أو حركة مش في محلها ممكن تشعل شرارة مشكلة.
المسجون الضخم رفع عينه ونظر له، ابتسامة اتسعت على وشه : من ساعة ما بقيت تقرأ الكتاب و أنت بقيت تصحى متأخر خد بالك.
جولدامون اتجمد مردش مخه بيحاول يدور على الكلمات الصح في لغة مش لاقي منها غير الفتات.
جولدامون اتجمد مردش ، مخه بيحاول يدور على الكلمات الصح في لغة مش لاقي منها غير الفتات.
المسجون الضخم ضحك وقال له بنبرة أخف:
– يا عم فوق، إحنا بنهزر معاك.
ــ النحيف اللي كان بيشخر فتح عينه ، اتثاءب وقال :
– مالك ساكت كده ؟ ولا السهر على الكتاب لحس دماغك ؟
جولدامون حاول يبتسم، إشارة إنه سامع، بس عقله كان بيترجم الكلمة بكلمتها ، و بيحاول يفهم المعنى.
الحركة دي خلت التالت، اللي كان قاعد على حرف السرير، يمد له كباية بلاستيك فيها شاي
الثالث : اشرب… يمكن تفوق
أخد الكباية، شم ريحة الشاي… مختلفة عن أي حاجة شربها قبل كده، لكن سخونته دخلت في إيده كأنها بتدفّي برودة جسمه الغريب عليه.
التلاتة بدأوا يكلموا بعض، جولدامون كان بيلقط من كلامهم إنهم بيحكوا عن موقف حصل امبارح مع علي النويري ، اسم فهمه وسط سيل الكلمات اللي مش كلها واضحة.
من طريقة كلامهم كان واضح إنهم بيحكوا عن حاجة مضحكة ضحك معاهم ضحكة صغيرة، مش لأنه فهم قوي، لكن علشان يحافظ على المودة اللي حاسس بيها منهم. ومع الضحك، توتره بدأ يخف…
بس جوه عقله كان سؤال مش سايبه :
إزاي هيتصرف في عالم جديد ، وسط ناس غالبا يعرفوا معلومات كتير عن الشخص اللى هو فى جسمه ؟
" ڤيلا مايزرون "
الليل كان أسدل ستاره ، السماء مليانه بسحب كثيفه ، كأنها بتحضر لعاصفة.
أنوار الفيلا كانت ضعيفة ، ضوء المشاعل على البوابات بيرقص مع الهواء البارد.
سيراث واقف في ساحة التدريب ، إيده متشابكة ووشه متجهم ، مر أسبوع و بكره هو أول نزال ل جولدامون ( آدم ) ، سيراث كان خايف بشكل مرعب من الخساره.
دخل الفيلا تحديداً مكتبه لكن قبل ما يدخله بعت يستدعى الأول ڤاروس حمسه لعودته بكره للملاعب و من ثم استدعى جولدامون ( آدم ).
لما دخل آدم المكتب سيراث بصله بنظرة اتجمع فيها مشاعر كتير أوى … خوف، طمع، أمل، و حتى رجاء لتحقيق أمنيه.
غالب سيراث ضغفه و بدأ يتكلم بثبات.
سيراث بثبات: بُكره… بُكره هو يومك ، إذا كسبت مش بس أنا اللي هكسب… أنت كمان هتكسب و يمكن أكتر منى كمان، فاهم ؟
جولدامون رفع عينه ببطء ، ملامحه ثابتة لكن جوه دماغه دوشة أسئلة ، عن العيلة دي، عن العالم ده، وعن النزال بتاع بكره و عن الآمال اللى اترفعت بسبب لحظة شجاعه منه فى النزال قصاد ڤاروس.
سيراث قرب خطوتين: أنا ضحّيت بكتير عشان أجيبك ، آخر قرش كان معايا راح عليك… لو خيبت أملي، أنا اللي هخسر كل حاجة… وأنت… أنت هتخسر فرصة إنك تبقى معايا و هتروح لتاجر **** اعلم هيعاملك بشكل عامل ازاى !!
الصمت كان تقيل، والهواء اللي بيعدي بين الخشب فى المكتب كان بيصدر صفير خافت، كأنه بينبههم إن الوقت بيجري.
سيراث أشار لجولدامون ( آدم ) أنه يرجع لزنزانته ، لكن قبل ما يمشى طلب منه طلب أخير حاسس أنه ممكن يساعده وهو أنه يخلى عيلة جولدامون تكون حاضره.
مشي آدم بعدها متجهاً للرجوع لمكانه ، لكن قبل ما يقفل الباب سمع صوت سيراث من وراه بيقوله..
سيراث : نام كويس الليلة… بُكره فيه إحتمال متعرفش تنام زى النهارده.
جولدامون قفل الباب و اتجه مع المساعد للدور اللى تحت الأرض و هو عقله شارد بين عالمه القديم… وعالم آدم.
" ستاد هيروزونتى "
العربة كانت واقفة قدام مبنى فيلا سيراث، نفس العربة اللي شالت جولدامون يوم ما جُلب لأول مرة، لكن النهارده شكلها كان أكثر أناقة.
العربة كانت تحفة متنقلة، جسمها الخارجي مصقول باللون الأسود اللامع، مزين بخطوط ذهبية تلتف حول الحواف كأنها تيجان صغيرة. على سقفها شعار عائلة سيراث محفور بدقة، يلمع مع كل انعكاس للشمس.
المقاعد من الداخل مغلفة بالجلد الأحمر، وأرضيتها مفروشة بسجاد سميك يقلل أي اهتزاز.
سيراث كان قاعد في المنتصف، مائل للخلف باسترخاء محسوب، على يمينه زوجته إيلارا في ثوب بنفسجي داكن يتلألأ بخيوط فضية، وعلى يساره رجل طويل القامة، نفس الشخص الذي ظهر بجانبها في مشهد قتال جولدامون ضد ڤاروس، يبتسم بابتسامة هادئة لكن عينيه تراقب سيراث من حين لآخر.
باقي المقاعد كان يشغلها ثلاثه آخرين من أقارب سيراث، وجوههم مختلفة الملامح لكن كلها مليئه بالتوتر مما سيحدث اليوم.
فى ضهرها وعلى مسافة قصيرة كانت متواجدة عربة المصارعين… أكبر حجماً لكنها تفتقد الفخامة.
هيكلها معدني مغطى بطبقة طلاء رمادية باهتة، مقاعدها خشبية بلا وسائد ، والهواء يدخل من نوافذ واسعة بدون زجاج.
جولدامون قعد وسط زملائه، بعضهم يتحدث بحماس، والبعض الآخر صامت يتأمل شوارع المدينة.
رائحة العرق والجلد المبلل واضحه في الجو، مع أصوات المعدن وهو يهتز مع حركة العربة.
الشوارع المؤدية إلى "إستاد هيروزونتى " كانت قد تحولت إلى مهرجان ، أعمدة الإنارة مزينة بأقمشة ملونة تحمل ألوان وأعلام العائلات الكبرى الداعمة للمصارعين.
الطرقات مزينة بأقواس خشبية تتدلى منها أشرطة ذهبية وفضية ، الباعة انتشروا على الجانبين بيبيعوا أشهى الاكلات ، و أكواب من المشروبات الملونة، وأقنعة ورقية على شكل وجوه أبطال المصارعة المشهورين.
الجمهور كان متحمس بشكل جنوني… كلما مرت عربة تحمل مصارعين، حتى لو لم يكونوا من المفضلين، كانت الهتافات ترتفع والصفير يملأ الهواء. بعض الأطفال يركضون بجانب العربات يمدون أيديهم أملاً في لمسة سريعة من أبطالهم، والبعض الآخر يقفز في مكانه وهو يلوح بالأعلام.
طريق العربات كان يمر عبر ثلاثة ميادين رئيسية، كل ميدان أوسع من اللي قبله، حتى وصلوا إلى الطريق الكبير المؤدي مباشرة إلى الاستاد.
هناك الزحمه بقت أضعاف ، وكأن المدينة كلها اجتمعت هنا ، البوابات الضخمة للاستاد ظهرت وكأنها وحش حجري بيبتلع عربات المصارعين
أصوات الطبول من الداخل كانت تزداد قوة كلما اقتربوا، ممزوجة بأهازيج جماهير لم تتوقف منذ الصباح.
عربة سيراث دخلت الأول للبوابة المخصصة لكبار الضيوف ، حيث السجاد الأحمر المفروش والجنود المصطفين لتحيتها.
بعدها بدقائق، دخلت عربية المصارعين عبر البوابة الجانبية، حيث الممر أضيق، والجنود يكتفون بالتلويح دون انحناء.
مع كل خطوة تقترب من قلب المكان، كان آدم بيحس أن أنفاسه أتقل ، مش بس من ضغط المباراة ، و لكن من كثر العيون اللي هتراقبه من المدرجات…
بما فيهم عيون عائلته أو من هم في الحقيقة عائلة جولدامون.
أول ما عربيت سيراث دخلت من بوابة الكبار، الدنيا هناك شكلها اتغير… الجنود واقفين صفين بيحيّوا، والمكان ريحته جميله جداً.
واقف وزير الرياضة فى المملكه بنفسه بيستقبل القادمين من كبار الزوار ، إيلارا أول شخص نزل من العربية بخطوات واثقة ، والأنظار كلها عليها ، سيراث كان ماسك نفسه من التوتر ، لكن واضح إنه مبسوط من استقبال الناس.
بعدها على طول عربية المصارعين دخلت من البوابة الجانبية… مفيش استقبال رسمى ولا بروتوكول، بس ممر ضيق وريحة تراب، والجنود واقفين بيكتفوا يلوحوا بإيديهم من بعيد.
جولدامون نزل آخر واحد، عينه بتجري في كل حتة، بيشوف المدرجات اللي باين منها الجمهور قاعد فوق، أصوات الطبول والمزامير شغالة، والهتاف بيهز الأرض تحت رجليه.
الممر المؤدي لمكان جلوس المصارعين و مدربهم كان طويل و ظلمة، النور الوحيد جاي من آخره، والهواء جوه مخنوق برائحة العرق والجلد القديم.
كل ما يقرب جولدامون الأصوات بتعلى… أصوات آلاف الناس، كل واحد فيهم جاي يتفرج، بعضهم جاي يشوفك تكسب، والبعض مستني يشوفك بتتهزم.
أول ما خرج و اتجه للمكان المخصص ليهم ، النور ضرب في وشه… الشمس ساطعة، والجمهور ملوّن المدرجات بأعلام وملابس بألوان مختلفة.
فوق، في الصفوف الأولى، لمح عيلة جولدامون قاعدين في مدرج سيراث… ماركوس كان واقف بيهتف، وأخته الكبيرة قاعدة جنبه، والباقيين مركزين عليه، كل واحد فيهم ملامحه مختلفة بين القلق والفخر.
جولدامون قعد على الكرسي الخشب المخصص ليه، عينه لسه على المدرجات… قلبه بيخبط جامد، مش من الخوف بالمعنى الحرفي، بس من الإحساس إنك في نص دايرة والآلاف حوالين منك مستنيين يشوفوا إيه اللي هيحصل.
كاليك واقف كان واقف قصادهم بيبص في الحلبة وكأنه بيقيس المسافات، قال بصوت واطي موجهاً لكل مصارعيه :
– أول ما تنزل، متورّيش خصمك إنك مرعوب… حتى لو قلبك بيولع.
واحد من المصارعين ضحك وقال:
جولدا لسه أول مرة ينزل، ده لو كمل أكتر من خمس دقايق هيبقى معجزة.
جولدامون ما ردش… كان حاسس الكلام بيعدّي من ودنه بس دماغه مشغولة بحاجة تانية، حاسس بالرمل السخن اللي تحت رجليه، وبصوت الطبول اللي بيزيد مع كل ثانية.
المُذيع في نص الحلبة بدأ يزعق بصوت عالي، صوته بيرن في الاستاد:
ــ اليوم هو اليوم الثاني لمسابقتنا السنويه لمملكتنا العظيمه مملكة ألداراف.
على صوت الجمهور مع كلمات المزيع و بدأ يردد أسم المملكه بشكل متكرر.
المزيع كمل بعدها : النهارده زى ما أنتم عارفين أولى المواجهات الرسميه فى البطوله المباريات السابقه بالرغم من سريان الشروط اللى أنتم عارفينها إلا أنها ودية و بالرغم من سخونتها إلا أن الرسمى غير..
النهارده معانا مواجهات كثيره ناريه و مش هتصدقوا أول مواجهه هى بين مصارع جديد للتاجر المعروف سيراث المصارع…
جولدامون تامور
للأسف جولدامون مش محظوظ أوى لأنه هيواجه البطل السابق للبطوله فى آخر نسختين و هو المصارع المملوك للتاجر ڤورناش ڤالدين و هو المصارع…
ريكوس دارفين
آدم وقف، قلبه بيدق جامد… من الخوف القدر رماه فى اختبار صعب أوى ، من كونه أول مرة ينزل في حلبة كبيرة قدام آلاف الناس، وكمان قدام ريكوس دارفين، البطل اللي فاز بالنسختين اللي فاتوا.
المصارعين اللي معاه كلهم حتى ڤاروس اتفاجؤوا وبقوا واقفين فى أماكنهم متوترين برضه، بعضهم ماسك إيده من التوتر، والبعض التاني بيحاول يرفع معنويات بعض بكلام صغير:
– يلا جولدا… ركّز كل حركة ليه و هتكسبه !
– ما تشيلش هم .. إحنا وراك .. كلنا بنشجعك !
كاليك كان واقف جنبهم ، عينه مركزة على جولدامون، بيوجه له نظرة حازمة :
– كل حركة محسوبة… ماتخليش الضغط يسيطر عليك أهم حاجه و أنت جوه و متخافش أنت قدها ، بالمناسبه خلينى اؤكد عليك مره تانيه عشر ثوانى عد من الحكم بتجرى متفتكرش أنها كبيره.
فى المباره الوديه جربنا على نص الوقت و نجحت أتمنى تعمل ده هنا كمان !
فى للمدرجات كان سيراث واقف جنب مراته إيلارا، بيبص على آدم و هو متجه للحلبه بعينين مش عارف يتفرج ولا يتدخل… قلبه متوتر.
هو عارف قد إيه أول ماتش ممكن يكون مصيري ، إيلارا مبتسمة و مش مهامه بحالته ، عيونها بتدور على كل تفصيلة صغيرة، شايفة كواليس التوتر، وكل حركة من حركات آدم.
باقي العيلة حواليه، وجوههم مختلفة بين القلق والفخر.
آدم نفسه بيحاول يركز، لكن كل ما يبص للمدرجات ويشوف عيلة جولدامون يتوتر ، قلبه يدق أسرع… التوتر طبيعي، كل واحد حواليه حاسس بالضغط النفسي، وده بيخلي الجو كله مشحون، كأن كل ثانية فيها احتمال الفوز أو الخسارة.
الجمهور حواليهم كله بيرقب، الهتافات بتعلى وتقل مع حركة واحدة، والطاقة في الهواء متوترة… كل الناس متشوقة يشوفوا إزاي جولدامون أو آدم هيواجه ريكوس دارفين ، البطل المخضرم، في أول نزاله الكبير.
الشمس ضاربة على الأرضية الرملية ، بتخلي كل حركة واضحة لكل الجمهور ، آدم هو و ريكوس واقفين عند طرفى الحلبة، الشمس بتنور جسمهم وتكشف كل نقطة عرق وكل حركة عضلاتهم.
الجمهور كله بيهتف، الصفوف الأولى زحمة، العيال بيقفزوا من الحماس، وعيون آدم مركزة على خصمه…
ريكوس، البطل القديم، واقف ساكت كأنه متجمد، بس عيونه بتراقب جولدامون في كل ثانية.
كاليك، المدرب، بيصرخ من جنب الحلبة:
– ابدأ المباراه صح… خلي كل حركة محسوبة!
الأصدقاء حوالين جولدامون بيهتفوا:
– يلا جولدا… ركّز!
– ما تخليش الخوف يتمكن منك!
آدم وصل لوسط الحلبة الرملية، الشمس ضاربة عليه، كل حركة واضحة لكل الناس، العضلات مشدودة والعرق لامع. ريكوس دارفين، البطل السابق، واقف ساكت، عيونه مركزة على جولدامون، كل خطوة وكل حركة بيتابعها بدقة.
أما جمهور المدرجات كله تقريبًا بيهتف لريكوس:
– ريكسوس! ريكسوس!
آدم حاول يهاجم بحركة سريعة، ريكوس اتفاداها بسهولة، الجمهور كله يصيح ويصفق لريكوس، ويشجع كل خطوة منه…
آدم مازال حاسس بالضغط، العيون كلها عليه، لكن الأغلبية بتشجع خصمه.
الأصدقاء حوالين آدم بيحاولوا يشجعوه بصوت منخفض:
– ركّز يا جولدا.
فى اللحظه دى آدم كان نفسه يقولهم عليا الطلاق أنا ما جولدا يا جدعان أنا عايز أروح !!
لكنه ملحقش حتى يفكر كتير فى ده لأن ريكوس رد على هجومه بضربة جانبية، آدم اتحرك لكن تحركه كان أبطأ فجت فيه المته بس مأثرتش غير معنوياً… زادت من خوفه
كاليك بيصرخ من على الخط..
– ركّز يا جولدا! كل حركة محسوبة!
سيراث واقف في الصفوف الأولى جنب إيلارا، بيتابع كل حركة، مراته مبتسمة لكنها مركزة على كل تفصيلة صغيرة.
آدم حاول يهاجم تاني بضربات متتالية، ريكوس بيتفادى ببراعة كل الضربات ، الجمهور كله بيصيح ويصفق لريكوس اللى بيستعرض كل ده و مش بيهاجم أوى :
– ده البطل! ده البطل!
لكن فى ثوانى بدأ الهجوم ريكوس بحركة خاطفة تحت دقنه ، آدم معرفش يتفاداها اتحرك لكنه وقع على وشه على الأرض، الرمل طاير حواليه… كاليك بيصرخ:
– يلا جولدا! اتحرك!
آدم مش حاسس باللى حواليه ، مش قادر يقوم ، الجمهور كله بيهتف لريكوس بحماس :
– ريكسوس! ريكسوس!
الحكم بدأ يعد عليه و هو على الأرض…
واحد…اثنين…. ثلاثة…
" نهاية الجزء "
هوووو الجزء طويل لكنه ممتع مشبع بالتفاصيل أرجو تكونوا استمعتم للنصيحه و قريتم بطريقة قارئ باحث عن التفاصيل.
الفصل النهارده طرح اسئله كتيره منها ما يخص جولدامون و آدم تفتكروا إيه السبب فى تفاوت التأقلم بين الاتنين ؟ كمان رأيكم إيه هيحصل بعد كده.
كمان هل زارا سهرزين هتنجح فى مناورتها مع مملكة ألداراف ولا لأ ؟
كاهيرا رأيكم في الخط الدرامى بتاعها إيه لحد دلوقتي اتحفونى بآراءكم
" بداية الجزء "
" ستاد هيروزونتى "
الأصوات تتعالى وأصبح لا صوت يعلو على صوت من هم فى ستاد هيروزونتى.
الجماهير بتشجع بكل ما أوتيت من قوة بالاخص بعد ما قدر بطلهم يوقع خصمه على الأرض فأصبح أسمه بيهز الملعب هز !
ريكوووووس!ريكوووووس!
صوت الجمهور كان بيضغط على الحكم اللى بدأ يعد بشكل أسرع من الطبيعي..
واحد.. اثنين.. ثلاثة
الملعب كان بيتهيأ للاحتفاليه و الهتاف الشهير الخاص بالبطل ، الضغط بتاع الجمهور كان كبير مش بس على الحكم بل حتى على سيراث و عيلته.
سيراث كان على وشه علامات خوف شديد ، جبهته بتنزل عرق ، ضرباته قلبه سريعه.
ايلارا مراته لاحظت ده عليه و ظهر على وشها كالعاده لا مبالاه له كانت مستمتعة بالاجواء بالرغم من أنها هتتضر لو خلصت النتيجه بالشكل ده.
باقى العيلة كانوا ما بين المتوتر و اللامبالى بل وحتى منهم شخص كان بينظر لسيراث و على وشه ابتسامة خفية تظهر الشماته على الحاله اللي وصلها..
فى المكان المخصص للمصارعين الحال كان حالين اتنين مصارعين منهم ڤاروس مبسوطين بالنتيجة الحالية ، ڤاروس مش قادر ينسى الهزيمة فى الماتش اللي كان بعد التدريب.
أما باقى المصارعين فكان التوتر واضح جداً على وشوشهم ، خصوصاً مع زعيق كاليك المدرب اللى كان بيحاول بصوته يوقف آدم مره تانيه لكن..
صوته أصلا مش واصل من الجمهور.
الحكم أعلن عن وصول العد لاربعه و من ثم خمسه و الجمهور بصوته مكمل و بيقول سته !
ليانا الاخت الكبرى لجولدامون وقفت مكانها على وشها خوف ممزوج ببعض الأمل فى نفس الوقت..
خايفه على اخوها الواقع على الأرض و فى نفس الوقت عندها أمل انه مش هيتهزم بسهولة.
آدم المعروف بجولدامون كان واقع على الأرض لا حول له ولا قوه الصوت بتاع الجمهور بيزيد من شعوره بالخوف و الوحده.
جسم جولدامون بالرغم من قوته إلا أن آدم لازال مش قادر من جواه يتعامل معاه.
آدم عينيه مش شايفه إلا التراب و و أيد الحكم اللى بتعد و وصلت بالعد ل ثمانيه !
ــ كل شئ انتهى يا آدم ، ثوانى و الحكم هيعلن خسارتنا.
ــ و تبيع كل دول يا آدم !
صوت ضميره الداخلى رد عليه فى محاوله اخيره منه أنه يفوقه !
ــ كل دول مين الجمهور كله بيشجع التور اللى قصادنا أصلا !
ــ و من امتى و انت مرشح تكسب حاجه يا آدم ! قوم يا آدم متكونش سبب فى القضاء على أمل كل اللى منتظرين قووووم !!
في اللحظة دي جسمه سرت فيه قشعريرة ، قلبه دق بسرعه ، عقله فرز الادرينالين أكتر و أكثر.
التراب اللي قدامه اختفى للحظة ، ظهرت قدامه صوره صورها عقله لشكل سيراث بعد ما أعلن إفلاسه بسبب خسارته للمباراه !
صوته الداخلي ذكره بجمله بيحبها..
ــ إذا كان من الموت بد فمن العار أن تموت جبانا !
الحكم رفع إيده وهو بيصرخ:
ــ تسعة!
الجمهور كله واقف بيهتف لريكوس ، بيستعدوا للاحتفال ، قارعى الطبول على أتم الاستعداد لتنفجر أيديهم بالطبل.
وفجأة… إيد آدم اتحركت ، كفه ضرب الأرض ، عضلاته اتشدت ، وصوت زئير طالع من صدره كأنه بيعلن و لأول مره عن حضوره للمكان !
قام ببطء… الأول على ركبته ، بعدين على رجليه، والعرق بينقط من وشه.
الجمهور صرخ بدهشة ، اللي بيشوفه بالنسبالي مفاجئ ، الحكم نفسه اتراجع خطوة.
ريكوس واقف في نص الحلبة، عضلاته بتلمع تحت أشعة الشمس..
لكن لأول مرة من بداية النزال… عينه فيها لمحة استغراب.
ــ إزاي اللي كان واقع كجثة من دقيقة، واقف دلوقتي ؟
كاليك المدرب صرخ بحماس من بره الحلبة ، صوته المره دي وصل بعد صمت رهيب عند كتير من الجمهور :
ــ عاش يا جولدا ! عاااااش !
آدم شد نفسه لحد ما وقف تمامًا، ورمى التراب من على وشه بإيده…
وبنبرة متقطعة من التعب، بس واثقة، تمتم بصوت واطي محدش سامعه غيره :
ــ النزال ده بتاعى !!
ريكوس رفع حاجبه و هو شايف آدم واقف ، ابتسامة صغيرة اتسحبت على وشه كأنها تحدي:
ــ النزال برضه ليا !
صوت الجمهور انفجر أكثر من الأول لكن..
لأول مره نصه بيهتف لريكوس ! ، والنص التاني بيصرخ جولدا! جولدا !
الاستاد أصبح عاصفة من الأصوات المتداخلة.
آدم اتحرك للأمام بسرعة، ريكوس حاول يفاجئه بضربة مباشرة للصدر ، لكن آدم صدها بكوعه.
ــ أووووه ! ( صوت الجمهور )
سيراث كان بيتابع و هو مرتاح لأول مرة من بداية النزال ، إيلارا ابتسمت بخفة وهي بتراقب ، أما كاليك صرخ بأعلى صوته:
ــ أيوه كده !
ريكوس مستناش ، دخل بضربة جانبية سريعة ، لكن آدم انحنى تحتها ، لف بجسمه وضرب كتف ريكوس باندفاع كامل.
ريكوس اتزحزح خطوة للخلف… الجماهير اللى بتشجعه اتوترت !
آدم حس بقوة جديدة بتجري في جسمه، عمل سلسلة حركات سريعة : كوع.. ركبة..دفع بالكتف.
ريكوس صد أغلبها ، لكن فيه ضربتين اخترقوا دفاعه ، المدرجات المؤيده لادم انفجرت :
ــ جولدا! جولدا!
ريكوس لأول مرة عبّر عن غضبه ، رفع إيده ونزل بضربة قوية زي المطرقة ، آدم تفاداها فى آخر لحظة، ريكوس وقع على الأرض !
آدم استغل اللحظة، لف وركب على ضهره ، نزل بيه على الأرض ، سحب رقبته فى محاولة خنق !
الجمهور كله واقف مش مصدق! ، الحكم قرب ، بيبص باهتمام ، ريكوس بيحاول يفلت ، عضلاته بتشد ، لكن آدم ماسكه زي الوحش ، مش سايبله فرصه !
صوت كاليك بيدوى فى المكان..
ــ عاش يا جولدا عاااااش !
ريكوس حاول يرفع آدم ، لكن قوته خانته… ثانية… اتنين… وفجأة، البطل ضرب الأرض بإيده!
الحكم رفع إيده معلنا عن أول حالة استسلام من حامل لقب من سنين.
الملعب انفجر بهتافات متداخلة ، بس الغالب كان ببنطق..
ــ جولدا! جولدا! جولدا!
آدم وقع على الأرض من التعب ، أنفاسه متقطعة ، على وشه ابتسامة عريضه… أول مرة يحس إنه فعلاً انتصر !
سيراث رفع عيونه للسماء كأنه بيحمد و يشكر ، على وشه سعاده بتظهر أنه اتحرر من كابوس.
إيلارا عيونها كانت مع آدم ، كان فى عيونها لمعة ، كأنها لأول مره تشوف آدم !
ريكوس… وهو خارج الحلبة ، لف وبص لآدم نظرة حادة، فيها وعد صريح قاله بعيونه..
ــ لسه بينا جولات تانية !
" ستاد هيروزونتى _ أما بعد… "
خرج آدم من الساحه منتشى بالانتصار ، و أى انتصار! انتصار على حامل اللقب.
اتجه للمقاعد المخصصه لمصارعى سيراث ، آدم كان بيشعر فى اللحظه دى لأول مره فى حياته كلها أنه نجم !
فى حياته على الأرض دائماً كان يحلم يبقى واحد زى نجوم الكوره اللى بيشوفهم فى التلفزيون ، النهارده اتحقق حلمه و لو جزئياً !
أول مره يشوف الاهتمام و الانبهار فى عيون اللى حواليه ، كتير من مصارعين التجار الأخرين كانوا مركزين معاه وهو متجه لزملائه
انفصل عن العالم تقريباً ، أصبحت على وشه ابتسامه مش قادر يخفيها ، عيونه بتلف المكان و هى خارجه.
شاف تركيز بعض التجار معاه و الفضول هياكلهم علشان يعرفوا هو مين !؟ ، عرف من واحد من المصارعين أن فى سولانسيث عادى أن يتم شراء المصارعين أو تنتقل ملكيتهم لأسباب مختلفه بين التجار.
آدم ابتسامته وسعت لما افتكر الكلام و شاف نظرتهم مره تانيه ، إحساس إنك مرغوب له طعم لذيذ فى النفس لم يذقه آدم على الأرض بل ذاقه هنا فى سولانسيث !
عيون آدم اتحركت فى اتجاه سيراث شافه واقف بزهو بين الجميع و بيبص ليه بابتسامة فرحه و سعاده ، كمان شاف عائلته او عيلة جولدامون باصين ليه بسعاده و فخر حقيقيين.
قعد على الدكه بعد تحية الجميع بما فيهم الثنائي اللى كان بيتمنى له الخساره لكن تحيتهم كانت باهته.
بدأت المباريات و اليوم يجرى لكنه لم يكن كسابقيه ، اليوم ده كان وش السعد على سيراث مش بس لأن لاعبيه كسبوا خصومهم.
المباراه الأولى حفزت و شجعت مصارعين سيراث فأصبح الكل بيحاول و عايز يثبت أنه مش أقل من الباقيين.
سيراث كان مبسوط باللى بيحصل بل و بدأ يقتنع من جواه أن صفقة آدم هى اللى ربحته و إن حدسه مكذبش عليه لما آدم خبط فيه فى السوق !
" اجتماع داخل العربه "
انفض اليوم و اتحركت الجماهير لخارج الاستاد ، خرج التجار أولا كل واحد فى العربه بتاعته ، أخيراً خرج المصارعين فى عرباتهم و كل مجموعه معاها مدربها الخاص.
تقدم كاليك مصارعين سيراث ، دخل الجميع للعربه ، جلس المصارعين في أماكنهم ، التعب باين على وجوه بعضهم ، و الحماس لسه مولّع في عيون الباقيين.
كاليك وقف قدامهم ، ضارب كف بإيده و بدأ كلامه معاهم بصوت واضح..
ــ النهارده.. النهارده يا رجالة عملتوا اللي كنا بنحلم بيه..
بداية آدم… اللي محدش فينا كان متخيلها.. قلبت الموازين.
كل واحد بعده نزل الحلبة كان في عينه نفس الشرارة.
النهارده اتعلمنا و عرفنا أن كل فرد فينا بيأثر على نتائج غيره و لو بشكل غير مباشر لأننا فريق مش أفراد الكل هنا عايز الفريق ينجح مش هو ينجح ! و لما الفريق ينجح كله أسمه هيلمع فى السماء.
صمت فى المكان لثوانى اتبعه كاليك و هو بيبص لواحد واحد، وبدأ يوجّه ملاحظاته..
ــ إنت يا ڤاروس، لسه مستعجل… بتسيب فراغ في دفاعك ، و ده لو اتكرر هينتهي بخسارة.
ــ إنت يا لورام، محتاج قوة أكتر في الضربات، لكن تركيزك بيساعدك تغطي.
ثم نظر مباشرة لآدم ، اللي كان قاعد في آخر المقاعد..
ــ وأما إنت يا جولدا… إنت أثبتّلي نظريه قديمه و هى إن الرهان فى اللعبه دى مش على القوه العضليه فقط !
خدها نصيحة..
اللي كسبت بيه النهارده مش العضلات… كان قرار إنك متستسلمش ، لو قدرت تثبت القرار ده جواك ، هتكسر أي تور يقف قصادك.
الكلمات دي سكتت العربه كلها للحظات ، كمل كاليك كلماته للبقيه و ساب آدم سرحان فى كلام مدربه تحت أنظار.. ڤاروس المتحديه !
" ڤيلا مايزرون "
ــ الأجواء كانت حماسيه جداً فى الإستاد النهارده.
بدأ سيراث كلامه المتحمس فى العربه الخاصه بيه وسط الجمع بتاع العيله ، الحماس كان ظاهر في عيون البعض و البعض الاخر سعيد لكنه ليس بحماس سيراث.
ــ بصراحه كان يوم جميل جدا يا بابا ، النهارده المصارعين تفوقوا على نفسهم خصوصاً المصارع اللى اسمه جولدامون.
ــ أها شوفتيه يا ليانا ، الماتش ده الأفضل من سنين كتيره !
ــ ده رأيى برضه يا عمتى !
سيراث كان مبسوط بالنبرة اللى فى صوت الاتنين ، حس إن فيه أخيرًا إشارات إن العيلة بتبتدي تلتف حواليه من جديد..
لكن ملحقش يتهنى لأن كل الوجوه بنفس الرضا.
الرد جه من راجل خمسينى ، شعره قصير جداً أبيض ، أرفع من سيراث ، عيونه ضيقه ، ملابسه مهندمه.
هو العم تروفان ، الأخ الغير شقيق لأبو سيراث.
مسح تروفان لحيته لثوانى ثم قال :
ــ الفوز ده كويس.. بس ما يغرّناش، جولدامون لسه جديد، ومعركة واحدة مش كفاية نعلّق عليها مستقبلنا كله.
ماركوس ابن تروفان ، اللي قاعد جنبه ، ابتسم ابتسامة صغيرة ذات مغزى لكنه فضل السكوت إلى أن رد سيراث و قال :
ــ بس ساعات يا عمي.. معركة واحدة بتكفي تغيّر كل حاجة.
العمة دارميلا اردفت على الكلام بسرعه قائلة..
ــ المهم إن اسم العيلة رجع يتقال في الإستاد.
لكن العمة فيلارا ردت بسخرية :
ــ آه رجع.. بس مش يمكن تبقى فرحة قصيرة ؟
إيلارا، اللي كانت قاعدة بهدوء ، قالت مبتسمه..
ــ النهارده كسبنا ، خلونا نعرف نستمتع باللحظة على الأقل ، لما نوصل الفيلا نحتفل ، ممكن نتناقش فى اللى بعد كده آخر السهره.
سيراث كان بيراقبها بنظرة طويلة… فيها كثير من الشكر و الامتنان ليها لانه شايفها بتساعده.
صمت مطبق غلّف العربه لحد ما وقفت عند بوابة الفيلا..
نزل كل واحد بخطوات هاديه خفيفه ، على ميعاد المساء اللى تم الاتفاق عليه مسبقاً.
القاعة الواسعة اتزيّنت ، سقفها العالي معلق منه ثُريّا ضخمة من البلور الأزرق ، أضواءها عاكسة لمعة فخمة بتملأ المكان بنور دافئ.
على الجدران صور قديمة للعيلة ، بعضها باهت من السنين، لكن محطوطة بإطارات مذهّبة كأنها بتعلن إن تاريخهم لازم يتشاف مهما تقادم.
الأرضية مغطاة بسجاد سميك لونها أحمر ، الخدم بيتحركوا بهدوء معاهم صواني فيها كؤوس مشروبات لامعة وأطباق تحمل آكلات شهيه.
كثير من أبناء العيله موجود و حاضر فقط من كانوا فى انتظاره هو الشخص الأهم.. سيراث.
سيراث كان واقف قدام شباك المكتب ، شايف انعكاس الأضواء اللى طالعة من القاعة على زجاج النوافذ ، شايف الضحكات و الاجسام اللى بتتمايل مع الموسيقى من بعيد.
مع إن قلبه فرحان بالانتصار ، إلا إن كلمات عمه تروفان لسه بتزنّ في دماغه..
ــ الفوز ده كويس.. بس ما يغرّناش، جولدامون لسه جديد، ومعركة واحدة مش كفاية نعلّق عليها مستقبلنا كله.
في اللحظة دي انفتح باب المكتب بهدوء، ودخل ميراڤ ، مستشار سيراث ، خطوته كانت واثقة ، هو شاهد على كل صعود وهبوط في حياة سيراث.
ميراڤ قبل ما يكون مستشار فهو كان صديق قديم لسيراث ، اختاره سيراث نظراً لدهاءه و ذكاءه رغم صغر سنه كما أنه صديق مقرب فهيضمن ولاءه.
ــ بتتهرب من القاعة يا مولاي ؟
قالها ميراڤ بنبرة فيها من الهزار و الجدية.
التفت له سيراث، ابتسامة صغيرة ارتسمت على وشه :
ــ لا يا ميراڤ، بس مرات كتير النصر نفسه بيكون مرعب أكتر من الهزيمة.
اقترب ميراڤ، وقف جنبه عند الشباك وبص معاه للأنوار:
ــ الليلة دي مش مجرد فرحة ، دي فرصة ، الناس شايفاك رجعت بقوة.. حتى اللي بيكرهك، هيسكت الليلة.
سكت لحظة وبعدين زاد بصوت أوطى:
ــ لكن بصراحه هو ده بس اللى مش هيسكت لا هو ولا ابنه.
أشار ميراڤ براسه باتجاه تروڤان.
سيراث ضحك بخفة، لكن الضحكة كان فيها مرارة:
ــ عارف.. وعلشان كده لازم أنزل وأخليهم يشوفوا إن سيراث مش بيتهز.
مد يده عدل رابطة حزامه المطرّز ، بص على ميراڤ مباشرة:
ــ ابقَ قريب مني الليلة ، ساعات كلمة صغيرة في ودني منّك بتسوى وزنها ذهب.
ميراڤ ابتسم ابتسامة جانبية ، وبص له بعين مليانة إخلاص ممزوج بدهاء قديم :
ــ أنا دايمًا قريب، يا.. مولاي.
ومع اللحظة دي، أخد سيراث نفس عميق، وأدار ظهره للشباك.
خطا بخطوات واثقة ناحية الباب، كأنه بيتهيأ يدخل ساحة قتال جديدة… لكن خصومها لابسين حرير.
فتح سيراث باب مكتبه ببطء ، خطواته على الأرضية الخشبية تقيلة لكنها واثقة.
أول ما نزل السلم الكبير، أجواء القاعة المبهجه و المتوتره فى وقت واحد انعكست على وشه.
مجرد ما لمحوه ، كل العيون اتوجهت ناحيته ،
بعضهم وقف فورًا احترامًا له ، والبعض اكتفى بابتسامة صغيرة أو إيماءة بالرأس.
العمه دارميلا كان فى أيدها كاس فيه مشروب لامع ، لما شافته رفعت الكاس و صوتها قائله :
ــ أخيراً وصل سيد العيلة و كبيرها !
تصفيق خفيف انطلق من ناحية شباب العيلة ، فاندر ابن تروفان الأصغر كان بيصفق بحماس حقيقي ، عيونه بتلمع كأنه شايف بطل أسطوري قدامه.
بينما أخوه جوريل اكتفى بتصفيق متردد ، عينه بتروح و تيجي ما بين سيراث و أبوه تروفان.
ماركوس اللي واقف جمب والده اكتفى بابتسامة جامدة متماسكة كأنها مقنعة ، بينما تروفان نفسه كان بيصفق ببطء ، بعين ضيقة مش بتسيب سيراث لحظة.
إيلارا من بعيد كانت بتبتسم ابتسامة غامضة ، رفعت كاسها بهدوء من غير كلام.
بينما ليانا ابنته ، أول ما شافته اتحركت بسرعة تجاهه، مسكت إيده وقالت بصوت عالي يكفي الكل يسمعه:
ــ الليلة هى أول خطوه لاستعادة مجدنا كلنا !
ابتسامة كبيرة ارتسمت على وش سيراث، وده أعطى جو للحظة كأنه فعلاً المنتصر.
وقف في وسط القاعة ، بص حواليه على كل العيون، وقال بصوت رخيم :
ــ النهارده و بالرغم من اعتراضى على احتفاليه علشان مكسب يوم إلا أنى وافقت عليها لأجلكم أنتم !
ــ كنت هتمنعنا من الاحتفال و الانبساط كمان يا ابن عمى ؟
كان رد ساخر من ماركوس بيحاول بيه تخريب صفو الأجواء الاحتفالية لكن سيراث كان ثابت..
ــ طول عمرك متسرع يا ماركوس ، المقصد إننا لسه قدامنا طريق طويل ، لينا أسم بسيط فى عالم اللعبه و دلوقتي لازم نبدأ نكبره و نعليه و مكاسب النهارده أول خطوه فى الاتجاه الصحيح !
أنا بتمنى منكم فقط الدعم.. ادعمونى لأن بيكم بس هقدر أحقق نجاحات غير مسبوقه و نرجع تانى نحقق مكاسب و ارباح خياليه.
ــ طيب و لو محصلش يا ابن أخويا ؟
الجمله كانت موجهه من العمه ڤيلارا ، هى الأكثر جرأة بين جميع الموجودين و ده يظهر من أول نظره لها.
طبيعة لبسها المكشوف ، شعرها الأحمر الصارخ ، عيونها الحاده ، طريقة مسكها لكأس العصير كلها اشياء تعطيك انطباع عن شخصيتها الجريئه.
ابتسم سيراث لما سمع جملتها هو عارف أنها بتحميل أكثر لجبهة أخوها تروڤان على حساب جبهته هو كقائد فعلى للعائله.
ــ أمممم هيحصل يا عمتى بل و هكبر الرهان على نفسى و أقولك أنى أبقى فشلت لو بطل البطوله مش من عندنا السنادى !
ــ أنا عايزه أعرف لو محصلش !!
ــ وقتها يبقى للعيله قائد جديد !!
الجمله الاخيره كانت من ليسانا تروڤان ، ثلاثينية السن ، بيضاء البشرة ، شعرها بنى اللون ، جسمها جذاب لافت للإنتباه ليس نحيفا كما أنه ليس ممتلئاً.
جسمها مرسوم رسم يثير شهوات بعض أخواتها فما بالك بالغرباء ، لها وزن فى العائله كلمتها مسموعه و ده بسبب علاقاتها الواسعة اللى بتوصل جوه البلاط الملكى حتى !
جملتها كانت قويه بل و مغايرة للأجواء العامه تماما !
القاعة تحسها اتجمدت لثواني ، كأن الهواء نفسه توقف ، الموسيقى اللي كانت شغالة في الخلفية اتسمعت أوضح فجأة ، والضحكات اتقطعت واحدة ورا التانية.
ماركوس ابتسم ابتسامة جانبية وهو بيبص على أبوه تروفان ، كأن لسان حاله بيقول..
ــ باينلها قربت !
ڤيلارا ضحكت بخفة ، ضحكة مليانة خبث ، رفعت الكاس بتاعها كأنها بتهني بنت أخوها على جرأتها.
العمة دارميلا اتنحنحت بصوت عالي ، محاولة تكسر الصمت :
ــ إيه الكلام الكبير ده يا ليسانا ؟ إحنا في احتفال مش في مجلس حكم!
لكن الكلام كان خرج خلاص ومفيش رجعة.
بعض شباب العيلة سابوا الكؤوس اللي في إيديهم ، تبادلوا نظرات قلق.. كأن كل واحد فيهم بيسأل نفسه.. ماذا لو فعلاً؟
سيراث وقف ثابت في مكانه، ابتسامته الكبيرة اتحولت لابتسامة أضيق، عينه رايحة جايه ما بين ليسانا وتروفان.
حس إن الضربة دي متحضَّر لها من بدري.
رفع إيده بهدوء، كأنه بيسكت القاعة من غير ما يصرخ :
ــ كلامك تقيل يا بنت عمي… تقيل لدرجة إنه لو اتقال في وقت تاني كان ممكن أعتبره خيانة.
صوت خفيف من آخر القاعة اتنفس "أووووه".
تروفان ما تحركش، لكن عيونه كانت بترقب سيراث بتركيز قاتل.
سيراث كمل بصوت أوضح، وهو بيخاطب الجميع:
ــ الليلة دي مش اختبار لسيراث لوحده، دي اختبار لكلنا.. للعيلة كلها.
أنا متحمل المسئولية.. ولو فشلت، يبقى أنا اللي هخرج بره الساحة، مش أنتم.
ثم بص على ليسانا مباشرة:
ــ بس لحد ما اليوم ده ييجي، أنا القائد، ودي حقيقة لازم الكل يقبل بيها.
تصفيق متقطع بدأ يرجع، أولهم ليانا اللي رفعت راسها بفخر وقالت بصوت مسموع..
ــ أبي هو قائد العيله حسب آخر انتخابات ، و واجب علينا كلنا الطاعه و اللى مش عاجبه هو عارف يعمل إيه !
القاعة رجعت تدريجيًا لأجواءها، لكن الشرارة اتزرعت خلاص.
" آدم "
الفيلا الليلة دي كانت باردة ، الجو مشحون بالتوتر… سواء عند أهل عيلة سيراث أو حتى في أعماق الدور السفلي، حيث كانت الزنزانة، وأدم وحده.
المشاعل في الزاوية تهتز مع تيار هواء خفيف جاي من شق في السقف، ظل اللهب يترنح على الجدران، يمينًا ويسارًا، كأنه مرآة لحالة آدم المترددة.
آدم قاعد على الأرض، ظهره مسنود للحائط ، عيناه معلقة في الفراغ.
صدى أصوات الجماهير اللي كانت تهتف باسمه لا يزال يدور في رأسه ، لكنه الآن غارق في صمت الزنزانة.
شد ركبته تجاه صدره ، وصرخ في داخله بصوت واطي:
ــ أنا ليه هنا ؟ أنا بعمل إيه وسط الناس دي ؟
صور كثيرة تمر من أمام عينيه…
مصر، الشوارع الضيقة اللي كان يتمشى فيها من غير ما حد يحس بيه، أمه وهي بتنادي عليه في المطبخ علشان يخرج بصينية العشاء.
ثم… المشهد اللي قلب حياته رأسًا على عقب: السجن، الكتاب، الساحة، الدم، الجمهور اللي يهتف باسمه… وهو واقف لأول مرة، مش مجرد ظل.
قلبه متلخبط : خوف رهيب من القادم ، ونشوة غريبة لأنه لأول مرة حاسس بقيمته.
نبضه متسارع، والهواء البارد يلسع وجهه كأنه يذكره أنه هنا ليس على أرض مألوفة.
رفع عينيه للسقف، صمت الزنزانة يلتهم صوته الداخلي:
ــ يا ترى… النصر ده نقمة ولا نعمة؟
ــ يا ترى… هرجع للأرض تاني؟
ــ يا ترى… الأرض إيه أخبارها وأخبار أهلي؟
ــ يا ترى… هعمل إيه مع أهل جولدامون؟
مد يده على الأرض الباردة، حس برطوبتها وكأنها تمتص روحه، وفجأة ضحكة صغيرة من الماضي عادت له، صورة أمه… ذكراه عن البقاء والأمل.
ــ يمكن جولدامون يكون طريقى وسبب البقاء هنا… زى ما امى زمان كانت سبب بقائي على الأرض.
ثم أخذ نفسًا عميقًا، شعر بحرارة دافئة تتسلل بين برودة الزنزانة، وعيناه بدأت تلمعان بخيط من العزم.
ــ يا جولدامون لو كنت سامعنى… فالنزال الحقيقي لسه قدامنا.
" ساحة التدريب "
اندفع نور النهار من الشباك ليسقط على عينيه ، سيراث كان نايم برأسه على مكتبه مقدرش بعد أحداث الليله السابقه أنه ينام براحه.
لأول مره من مده كبيره يشعر بمدى قرب الخطر اللى دائماً خاف منه.
نظام العيله بتاعة سيراث نفسه غريب على المسامع ، هم أشبه لدوله مصغره ينتخبون قائد كل مده معينه من الزمن.
حينما مات أبو سيراث كان هو القائد الفعلي للعائله.. و من مهام قائد العائله أنه يكون متحكم بشكل فعلى فى مال العيله و القرارات المصيرية اللى تخصه.
مات أبو سيراث و كان بيتاجر بمال العيله فى تجارة أدرت أموال كثيرة للعيلة.
وقتها و عن اقتناع تم انتخاب سيراث بأغلبية الأصوات قائد فعلى للعائله ، فى البدايه كان سيراث قادر يحقق مكاسب كويسه و لكن…
مع بعض القرارات الخاطئة منه بدأ يضيع موارد العيله بدأ يقوى شوكة المعارضين بالأخص عمه تروڤان.
تروڤان هو رجل كلاسيكى بيشوف أن القيادة كان من المفترض تبقى ليه هو مش لابن أخوه سيراث.. بل وصل الأمر لاتهام بعض المصوتين بالانحياز لسيراث رغم علمهم بأنه غير مؤهل لذلك.
إحقاقا للحق تروڤان موقفه كان أضعف وقتها مش علشان فيه تحيز لكن تروڤان تم عزله من القيادة قبل كده بسبب سوء قيادته للعيله اللى انقلبت لفضيحة أخلاقية لاسم العيله وقتها.
سيراث كمان وقتها سوق لنفسه أنه قادر يكسب أكتر من اللى أبوه كان بيكسبه كمان لما يدخلوا مجال المصارعه اللى هو أكبر مجال رياضى فى البلد كلها.
الكفة في النهاية مالت لسيراث لكن مع الوقت بدأ الموضوع يتوازن و حالياً بيتمايل لمصلحة تروڤان.
مسح سيراث وشه بإيده ، قام من على المكتب بخطوات ثقيلة ، فتح باب المكتب ، لقى ميراڤ واقف مستنيه.
ــ شكلك معرفتش تنام يا مولاي.
ــ و هييجى منين النوم بعد ليله زى بتاعة امبارح !
ميراڤ ابتسم ابتسامة صغيرة وقال:
ــ بالعكس.. الليلة دي كانت نصر ، حتى اعتراضات تروفان وڤيلارا مش هتغيّر من الحقيقة دي.
سيراث هز رأسه:
ــ استفدت إيه أنا من النصر ! ميراڤ أنا لو محدش من المصارعين اللى تحت دول فاز بالبطوله إحنا كلنا هنطير !
قبل ما يكملوا كلامهم ، ظهر كاليك المدرب من آخر الممر.
كان لابس زيه الرياضي البالي ، عرقه لسه ظاهر من تمرينه بدري مع المصارعين.
ــ مولاي… المصارعين في الساحة مستنيينك ، بعد انتصار جولدامون امبارح ، الروح المعنوية ارتفعت عند الكل.
سيراث وقف لثواني يفكر، و بص للاثنين :
ــ لازم نعرف نستغل اللحظة دي !
إنت يا كاليك ركّز على إنك تخليهم فريق واحد ، مش مجرد مصارعين بيتنافسوا.
وأنت يا ميراڤ، عينك على عمى تروڤان … أنا عارفه الليلة اللى فاتت هيحاول يستغلها و ممكن يلعب بشكل قذر علشان يوقعنى.
اتحرك سيراث قدامهم بخطوات واثقة، الاتنين ماشيين وراه.
خطوات سيراث تقيلة على الأرضية الرملية للساحة ، مع دخوله للمكان صمت خفيف غطى المكان.
أصوات ضربات المصارعين في الأكياس الخشنة خفتت تراقبه ، كان واقف في غرفته المخصصه له ، عينه بتتحرك من واحد للتاني:
ـ ڤاروس واقف مستقيم، نظرته متحدية لأي حد يقرب منه.
ـ آدم بعيد في الركن، ماسك عصاية التدريب لكن عينه مشغولة كأنه في عالم تاني.
سيراث مسح على دقنه، خد نفس عميق ونزل خطوة خطوة لحد ما وقف في نص الساحة ، كل المصارعين سكتوا وبصوا له.
رفع صوته ، رخيم و واضح هو..
ــ امبارح اسمنا اتهتف بيه في الاستاد… لأول مرة من سنين ، بس ده لسه مش كفاية.
ــ افتكروا إن انتوا مش مجرد مقاتلين… أنتم بتمثلوا أمل لمجد ليكم و لعائلاتكم و لاسم عيلتى.
ــ البطولة دي فرصتكوا إنكوا تكتبوا تاريخ جديد… اللي هيفوز، هيغيّر مكانته و مكانة فريقنا ، و اللي هيفشل فهو أكيد عارف ايه مصيره
سكت لحظة، رفع إيده وأشار للساحة كلها:
ــ هنا… هو ميدانكم، وهنا هيتحدد مين منكم يستاهل يكون بطل حقيقي.
صوت الساحة ارتفع بهتافات و ضربات على الأرضية، والشرارة في العيون ولعت أكتر من أي يوم فات.
أثناء فترة الغداء حضر بعض عائلات المصارعين اللى قدر سيراث يوصلهم و ده لأنه لما حس أنها دفعت آدم أو جولدامون قرر يجربها مع البقيه.
بعد انتهاء استراحة الغداء ، وقفهم كاليك على نفس الشكل اللى وقفوا عليه الأسبوع اللى فات ، تسع أفراد ، تلاته فى تلاته.
بدأ حديثه و هو ماسك ورقه فى أيده واضح عليها الاهميه من شكلها المزين و من جودة الورقة ذاتها !
كاليك رفع الورقة المزيّنة بإيد ثابتة ، صوته عالي و هو بينطق:
ــ ابتداءً من الأسبوع الجاى… هتبدأ مباريات خروج المغلوب.
المصارعين اتبادلوا نظرات سريعة بينهم ، بعضهم شد عضلاته كأنه بيتحضّر من دلوقتي ، وبعضهم وشه اتوتر خوفاً من المجهول.
كاليك كمل وهو بيقلب الورقة:
ــ كل مصارع قدامه خمس مواجهات لحد النهائي… واللي هيخسر.. هيودع المسابقه بكل تأكيد.
ــ جولدامون… بسبب انتصاره على البطل ريكوس ، طريقه هيكون أهدى شوية ، لكن زي أي واحد فيكم محتاج خمس انتصارات متتالية علشان يوصل للنهائي.
البعض بص لآدم بحقد واضح ، والبعض بعينين فيها احترام فهو فى النهايه انتصر على خصم قوى بحق !
ڤاروس اخد نفس عميق صوته مسموع ، خطوة صغيرة لقدام كأنه بيقول للجميع : أنا لازلت هنا.
آدم حط عينه في الأرض للحظة… بس صوت التشجيع اللي لسه بيرن في دماغه خلاه يرفع رأسه ويشد نفسه كأنه بيقرر يواجه.
كاليك نزل الورقة على جنب وقال بصرامة:
ــ مفيش أعذار، مفيش مجاملات… اللي هيكسب هو اللي هيكمل ، واللي هيخسر… انتهى أمره.
سيراث، اللي كان واقف بيراقب من بعيد، ابتسم ابتسامة صغيرة… فيها خليط من رضا وخوف.
هو عارف إن اللحظة دي مش عاديه ، دي بداية "تصفية" حقيقية… مش للمصارعين بس ، لكن لمستقبله هو كمان.
بعد ما خلص كاليك كلامه ، المصارعين رجعوا للتدريب ب جِد أكتر من الأول ، الأصوات في الساحة رجعت تعلو… لكن عين سيراث فضلت معلّقة على آدم بالتحديد ، كأن عنده إحساس إن كل اللي جاي هيبدأ منه.
" ڤيلا مايزرون "
" إيلارا_خيانة متكرره "
انتهى الجميع من تناول وجبة العشاء ، كانت وجبة عشاء مليئه بالتوتر ، تحدى ليلة الأمس مازال صداه فى الأجواء.
انتقل كل واحد يبحث عن المكان اللى حابب يروحه..الليله دى كانت مصيريه ، صعبه ، هتحدد حاجات كتير أوى فى مصير الكثير و الكثير من الأشخاص و اللى منهم…آدم !
بعد ساعه من انتهاء تناول وجبة العشاء ، خرجت العمه ڤيلارا من أوضتها ، بخطوات خفيفه ، هادئه ، اتسحبت واحده واحده إلى أن وصلت عند اوضه معينه فى الطابق التالت.
خبطت على الباب بخفه ليصدر صوت لا يكاد يسمع لكن…فتح الباب و دخلت منه ڤيلارا.
غرفه صغيرة مضاءة بمصابيح اضاءتها خافته ، ترابيزه دائريه فى المنتصف حواليها تواجد
ــ تروڤان العم ، ليسانا بنت تروڤان ، مقعد فارغ
دخلت ڤيلارا و قد بدأت بالهدوء بعد أن اطمأنت لعدم كشفها من قبل حد بره الاوضه.
قعدت ڤيلارا ، هدوء عم لثوانى ، ظهر صوتها كأول المتكلمين حاد لكنه هادئ:
ــ لازم نفهم إن لو واحد من مصارعين سيراث كسب الكأس… سيراث مش بعيد ينتخب مره تانيه.
تروڤان ردّ وهو مائل بجسمه للأمام:
ــ جولدامون بالذات… الولد ده شكله خطر. شفتوا إزاي قلب الجماهير نفسها لصالحه ؟
ڤيلارا ضيّقت عينيها:
ــ مش بس كده… جولدامون تأثيره وصل لتحويل بعض المشككين فى العيله لمؤمنين !
ليسانا كانت ساكته أغلب الوقت ، قاعده على الكرسي الخشبي بتستمع فقط ، وبعد لحظة هزت رأسها و قالت :
ــ برضه أنا مش فاهمه إيه دورى هنا ؟ كمان أنا أول مره أعرف بمحاولاتكم لتوقيع سيراث !
تروڤان بص لها بحدة:
ــ أنا مأقحمتكيش بعلاقاتى في حكومة المملكة علشان وقت ما احتاجك تحاولي الهرب !
ليسانا ببرود…
ــ أنا وصلت اللى وصلت له بمجهودى مش بس علشان مساعدتك ! و أظن مشكلتك القديمه كانت ممكن تنتهى بشكل كارثي اكتر لولا تدخلي !
ڤيلارا حاولت تهدى من الأمور..
ــ أهدوا إحنا مش هنا لأجل الخناق و أنتى يا ليسانا لو بصيتى للموضوع هتفهمى إن أنتى كمان هتستفيدى لو سيراث اتشال !
ليسانا بثقه..
ــ منصبى مش محتاج العيله تدعمه شغلى لوحده بيدعمنى ( باستفزاز كملت ) و حتى لو بصيت ليها من منظورك ف أنا الأفضل أدعم سيراث ابن عمى ! لو صيته سمع ممكن يكسب منصب وزير الرياضه فى المملكه كلها ! على عكسكم !
ڤيلارا بهدوء و حنكه…
ــ بيتهيألى أنك أكتر واحده عارفه إن اللى حصل هو فى الأصل معجزه ! لولا جولدامون كان زمان الموضوع خلصان بشكل مختلف تماماً ! سيراث هيكون ثغره مش ميزه و من الأفضل للجميع أنه يتشال من منصبه.
ليسانا بهدوء و نفاذ صبر..
ــ إيه المطلوب منى ؟
تروڤان بهدوء..
ــ صعبى طريق جولدامون و ڤاروس الباقى مفيش خوف منهم.
ليسانا ببرود..
ــ مقدرش و مش هدخل منصبى و مركزى فى موضوع زى ده !
ڤيلارا بهدوء..
ــ طيب و الحل ؟
ليسانا بغموض..
ــ الحل سهل بس أنتوا اللى مش شايفين !
ڤيلارا بفضول..
ــ بمعنى ؟
ليسانا بهدوء..
ــ سر من أسرار ڤاروس فى مدينته القديمه لو طلع للسطح هيخلى سيراث نفسه يستبعده ، أما جولدامون فيكفى نكشه من ناحية أخته ليانا هتخلص و الموضوع ده هيخلص.
تروڤان بفضول…
ــ و إيه هو السر بتاع ڤاروس ؟
ليسانا ببرود…
ــ اتعبوا شويه و أنتوا تعرفوا ، أنا ماشيه.
انصرفت ليسانا و تبقى الثنائي ڤيلارا و تروڤان
ڤيلارا نفخت…
ــ مفيش حاجه عايزه تظبط ، أومال فين ماركوس صحيح ؟
تروڤان ما ردش فورًا إنما اكتفى بابتسامة بطيئة ارتسمت على وشه !
الممر كان صامت ، الشموع اللي على الحيطان بترتجف مع كل خطوه بيخطوها…هو!!
ماركوس وقف قدام باب أوضة سيراث ، مد إيده وفتح الباب بهدوء.
إيلارا كانت واقفة عند الشباك ، شعرها منسدل ، ضهرها ليه ، كتفها العاري ظاهر من تحت قميص النوم العارى..
أول ما سمعت الباب ، استدارت ببطء ، أول ما شافته ظهرت على ملامحها ابتسامه خفيه لكنها تصنعت المفاجأة.
ــ ماركوس… إيه اللي جابك هنا دلوقتي؟!
قفل الباب وراه من غير ما يرد ، قرب منها بخطوات كلها ثقة..
عينه كانت بتاكل جسمها ، بيمسحها من فوق لتحت بنظرة مليانة رغبة و شهوه !
ــ جاي في الوقت الصح… (ابتسم ابتسامة صغيرة) سيراث مش موجود.
هي عضّت شفايفها بعفوية ، التوتر واضح في نفسها. حاولت تبان قوية:
ــ لو حد شافك هنا…
قاطعها و هو بيقرب جداً منها ، صوته واطي لكنه مثير..
ــ محدش هيشوف الليلة دي لينا إحنا…( قرب من ودنها ) يا لبوتى !
المسافة بينهم أصبحت شبه معدومه ، عينيه غرقت في عينيها ، وإيديه قربت جدا منها فى محاوله للمسها.
لحظة صمت… كلها نار مكتومة.
إيلارا همست، صوتها المتردد الهامس ألهب شهوته..
ــ اعقل بقى ! مش كنا اتفقنا أنه خلاص !
ماركوس قاطعها و طبع شفته على شفتيها و هو ساندها للحيطه و محاصرها بدراعه.
نفسها ارتجف ، حركة بسيطة من إيده اليمين على شعرها و الايد التانيه على وسطها كسرت آخر خطوط دفاعها !
عقلها بيقولها أنها لازم تقاوم زى ما عاهدت نفسها أنها تخلص لسيراث من جديد لكن… جسمها رافض اللى بيقوله عقلها !
جسمها بدأ يعرق و يسخن حلماتها بدأت تنتصب معلنة أنها ترغب فى المزيد !
لسانه بدأ يتوغل و يشتبك مع لسانها ، أيده بتشدها ليه أكتر ، زبه المنتصب بيخبط فى كسها..جسمها ارتجف مع لمسة زبه لكسها !
أيده كانت بتلعب فى لحم جسمها الواضح من قميص النوم القصير اللى هى لابساه.
مع كل لمسه منه لجسمها كانت بتترعش أكتر و أكثر..
أيده الشمال رفعت رجلها اليمين و صباغه الكبير بيبعبص كسها المكشوف..جسمه بيدعك جسمها دعك و لسانه مش مفارق بوقها وسط تأوهاتها اللى كانت بتزيد من عنفوانه الجنسى معاها
ــ أمممممم ( نزل لرقبتها يلحسها ) ارحمنى !
ــ جسمك فتااااك و عايز يتناك أوى يا لبوتى !
ــ افففففف حرام عليك حرام ! طب الحس الحس جامد ححححححح.
بدأت ايديها تشده عليها أكتر انتصر جسمها الساخن و كسها اللى عسله بيسيل على عقلها اللى كان بيرفض على استحياء لكن…كيف وصل الأمر إلى هنا !!؟
فلاش باك…
إيلارا كانت بنت تاجر أقمشة كبير ، أبوها كريتوس من أكبر تجار المملكه ، الناس كلها كانت بتحترمه وبتحسب له ألف حساب.
اتجوز بدري من ڤيلارا ، خلفوا صبيان وبنات… إيلارا هى آخر العنقود.
زيّ أمها فى الجمال ، وشها أبيض منوّر، عنيها واسعة و رموشها تقيله تخلي اللي يبص لوشها يتوه جواه.
جسمها أنوثته طاغيه… ده خلاها مطمع لكتير من الشباب بل و حتى بعض الكبار..
لكنها كانت دايمًا بتتمنع، مستنية فارس أحلامها: الشجاع ، الوسيم ، الرومانسي…إلخ
لكن كما دائماً يقال ليت الأحلام بالتمنى !
كبرت إيلارا أصبحت فى نص العشرينات ولسه بترقص فى العرسان واحد ورا التاني:
ده تخين… ده مغرور… ده شكله مش عاجبني.
بل وصل الأمر أن أمير من مملكة ميراشا أتقدم لها… و رفضته !
الناس كلها بقت تتكلم عن المجنونه اللى رفضت أمير مملكه ! ، سيرتها بقت على كل لسان، بس هى ما اهتمتش.
كان دائماً أبوها كريتوس بيقول اللى هى تختاره هو ده اللى هتتجوزه ، ده كان بيعصب أمها لكنها مضطره تسكت.
لحد ما جه اليوم اللى شافت فيه من أعتقدت أنه فارس أحلامها !
مش سيراث لأ… بل شافت ماركوس!
الحكاية ابتدت يوم حفلة كبيرة فى القصر الملكي..
الملك عزم كبار التجار، و اللى منهم كريتوس أبوها، عشان يتكلموا عن فتح أسواق جديدة لهم فى مملكه مجاوره..
أبوها كان بيفضل يروح لوحده فى العادى ، لكن أمها أصرت عليه ياخد بنته معاه فى اليوم ده.
إيلارا لبست أحلى فستان عندها، ظهرت أميره بدون لمسة ميكاب..
فى الواقع هى أجمل من إنها تحتاج لده !
فى نفس اليوم، كان ماركوس فى السوق، رايح على المحل التجارى بتاع أبوه.
ماركوس كان شاب وسيم ، بشرته بيضا، شعره بنى ناعم ، عيونه عسلية، طويل وشيك.
أول ما شافها قاعدة فى العربة جنب أبوها… اتسمر مكانه !
ماركوس بطبعه مش بتاع جواز، لعبى ، عينه زايغة، وعلاقاته النسائيه متعدية الحدود..
لكنه أول ما شافها اتسحر بيها للدرجه اللى خلته يقسم أنه هيفضل وراها !
بدأ يخطط و يتكتك أزاى يوصلها ، عرف إنها بتحب تقرأ كتب و بتروح كل أسبوع مكتبة عامة.
قرر أنه هيروح هناك متقمص دور المثقف اللى بيدوّر على كتاب مش لاقيه.
بالطبع اختار كتاب عارف إنها ما قرتوش، بعد ما سأل أمين المكتبة الخجول (اللى ماركوس كان بيستعرض بحكاوي البنات اللى بيدخل معاهم فى علاقات ).
الموضوع نجح ، ماركوس لفت انتباهها و بكلمتين حافظهم عن الكتاب قدر يفتح معاها حوار.
و من هنا بدأت القصة… أصبحت لقاءاتهم فى المكتبة أسبوعيه ، كلام عن الكتب و الكتاب المختلفين من جوه المملكه و خارجها !
لحد ما قرر ياخد خطوه كمان فى علاقتهم..
ــ ما تيجي نشرب حاجة فى أى كافيه قريب ؟
إيلارا وقتها ضرب وشها الخجل اللى زادها جمالاً على جمالها.
تصنعت التفكير و قررت أنها مترفضش..
ماركوس كان خلاص قدر يخلى مشاعرها تميل له !
إيلارا وافقت على الدعوة ، قعدوا مع بعض في كافيه هادي على أطراف المدينة.
قرر ماركوس أنه يبهرها بالاجواء البسيطه لأنه عارف أنها مجربتش النوع ده من الأجواء مختبرتهوش !
اخدها مكان بسيط ، لكن بالنسبالها كانت أول مرة تقعد فى واحد زيه ، ده غير أنها لأول مره تخرج فعلياً مع راجل فى لقاء أشبه بالديت.
طول اللقاء قلبها كان بيدق بسرعة ، كانت حاسه بالتوتر طوال اللقاء لكنها حاولت تخفى ده قدر المستطاع !
ماركوس بدأ يحكي لها عن “اهتمامه” بالكتب والفلسفة ، وعن أحلامه إنه يسافر ويشوف عوالم جديدة.
كانت بتسمعه منبهرة ، مبسوطه بكلماته حتى لو كلامه فيه شوية مبالغة… عينيها كانت مركزه فيه ، ملامحه ، طريقته ، الضحكة الخفيفة اللي بتطلع منه كل شوية.
لأول مرة حسّت إن ده ممكن يكون الفارس اللى طول عمرها بتحلم بيه.
ضحكته، جرأته، نظرته… كل ده لمس الوتر الصح جواها.
بعدها اتكررت اللقاءات..
ــ مرة في الكافيه
ــ مرة في جنينة مع جو بسيط و رومانسي… هناك أول مرة قرب منها لمس إيدها "بالعفوية".
إيلارا حسّت بكهربا في جسمها كله ، سحبت إيدها بسرعة و احمرت خجلا…
لكن اللحظه دى فضلت معاها وهي راجعة البيت حتى و هى على سريرها فضلت طول الليل تفكر في اللحظة دي.
من هنا ابتدت تتعلق بيه فعلًا… وكل مرة بتشوفه، كان بيشدها أكتر وأكتر ناحية عالمه.
الأمر أستمر بالشكل ده لحد ما في مرة من المرات بعد ما خلصوا قعدة طويلة في المكتبة، ماركوس قال لها..
ــ تعالي أوصلك لحد الفيلا بتاعتكم.
قرروا ياخدوا المشوار مشى على غير العاده ، اليوم كان فى آخره ، الطريق كان هادي ، بس خطواتهم جنب بعض عملت موسيقى خاصة، فيها صمت و كلام قليل لكنه مليان معنى.
استمر مشيهم لحد ما وصلوا لمكان الرجل فيه قليله ، وقفوا الاتنين يتكلموا ضهرها للحيط و هو واقف محاوطها بذراعه.
إيلارا رفعت عينيها تبصله ، وهي مترددة ، قلبها بيدق بشكل غير طبيعي.
اتكلم هو بصوت هادي و قال..
ــ إنتي عارفة إني مش بعرف أبطل أفكر فيكى ؟
ارتبكت، حاولت ترد بحاجة عقلانية، لكن لسانها اتعقد.
كل اللي قدرت تعمله إنها تبص بعيد، وتعض شفايفها من التوتر.
ماركوس ضحك ضحكة صغيرة بص ، بصباعه خلى وشها لوشه مره تانيه ، ثوانى عيونهم باصه لبعض و فجأة…. شفايفه طبعا على شايفها !
عوده من الفلاش باك
ضوء الاوضه مازال خافت ، ريحة الجنس ماليه الاوضه ، صوت الانفاس تقيله متقطعه.
ماركوس مرمي على ضهره ، إيلارا جنبه على بطنها جسمها الابيض محمر ، لازال سخن ، العرق مخلى جسمها يلمع.
عيونها سرحانه و نفسها بتجلدها على اللى حصل ، مش قادرة تهرب من أفكارها ! من أنها واحده خاينه !
بصّت له ، و بصوت واطي لكنه مليان قلق و عتاب…
ــ لحد إمتى يا ماركوس ؟
اتلفت لها بابتسامة صغيرة كسولة، مد إيده على شعرها يلعب فيه ، هو قرأ دماغها و بيحاول يتهرب..
ــ ايه الكلام ده دلوقتي… انتي عارفة إني بحبك بعدين ما إحنا كويسين أهو !
سكتت لحظة ، الكلمة جرحتها مش طبطبت عليها.
عينيها اتملت دموع وهي ترد بهدوء:
ــ بتحبني؟ طب لو فعلاً بتحبني… ليه وافقت… ليه حتى اقترحت إني أبقى مرات سيراث من الأول !؟
ابتسم ابتسامة ماكرة وهو بيبعد نظره للسقف..
ــ كان لازم نلاقي حل… أبويا مكنش هيوافق على جوازنا وقتها.
كان لازم أبينله إني تحت أمره… وفي نفس الوقت أسيبك قريبة مني.
رفعت نفسها قاعدة على السرير، بصّت له بحدة:
ــ قريبة منك؟ ولا محبوسة في جواز مالوش معنى!؟ كل ليلة بنام جنب راجل وأنا عارفه إن قلبي وعقلي مع واحد تاني… معاك انت !
ماركوس مد إيده لها تاني عشان يسحبها تنام جنبه ، صوته كان واطي لكن فيه غموض..
ــ إيلارا… صدقيني، كل ده لمصلحتنا ، طول ما انتي مرات سيراث… إحنا الاتنين كسبانين بعد ده أنتى مرات القائد بتاع العيله !
دمعة نزلت من عينها ، هي مش عارفة تبطل تحبه ولا تبطل تكرهه بالرغم من أنها عارفه و فاهمه أنه انانى !
ــ أنا مش عايزاه..مش عايزه قائد أنا عايزه حبيبى! لولا اللى حصل زمان و إصرار أمى مكنتش فكرت أسمع كلامك !
ماركوس حاول يقرب منها ويحضنها، لكنها زقت إيده بعصبية..
ــ متجيش جنبي دلوقتي… أنا مخنوقة منك !
ضحك بخفة ، كأنه متعود على تقلباتها بعد وصلة الجنس…
ــ مخنوقة مني ؟ طب وليه بتسيبى نفسك ليا كل مرة ؟ ليه جسمك أول ما ألمسه بينسى كل الدنيا و يبقى عايزنى أنا ؟
سكتت لحظة، دموعها نزلت، صوتها اتكسر:
ــ عشان بحبك… وبكرهك في نفس الوقت. بحس إني ضعيفة قدامك… لكن أنت مبتحبنيش زى ما أنا بحبك.
ماركوس اتنهد، وبنظرة فيها ثقة مغرورة قال:
ــ إيلارا… أنا يمكن أناني ، يمكن بفكر في مصلحتي الأول… بس تأكدى إنك مميزه عندى أنتى الوحيده اللى قدرت خليني أتمسك بيها.
(يقرب منها ويحاول يلمس خدها)
ــ إنتي مش فاهمة إن كل اللي بعمله علشان في الآخر أبقى معاكى ؟
هي بصت له بعيون غرقانة دموع، ثم بصت بعيد:
ــ لو فعلاً عايز تبقى معايا… ابعدني عن كل ده. أبعدني عن سيراث… عن العيلة… عن اللعبة القذرة دي كلها.
ماركوس فضل ساكت ثواني ، بعدين ابتسم ابتسامة غامضة…
ــ فى دماغى أمر معين لو تم… وقتها يبقى ليكى ما أردتى !
" قليل من الهدوء "
الليل خيّم على مملكة ألداراف ، شوارعها أهدى من العادة، وكأن المملكه بتحاول تتنفس بهدوء بعد أجواء آخر أسبوعين.
نسيم بارد موجود بين الأزقة ، شايل معاه ريحة أكل طالع من بيت بعيد مختلط مع روائح أخرى من أماكن مختلفه.
سيراث ماشي بخطوات واثقة ، معاه آدم و ڤاروس ، صوت خطواتهم على الأحجار كان بيكسر صمت الشوارع.
آدم كان بيحاول يخزن كل حاجة في دماغه..
نقوش على أبواب البيوت ، شبابيك قدامها نباتات جميله ، أزياء الناس اللي لابسينها بألوانها بتلمع تحت الأضواء.
بعد دقائق شاف مكان شكله أقرب لحانة صغيرة ، لكن جوه مختلف؛ ضحكات قليلة ، موسيقى هادية طالعة من آلة وترية في الركن.
من أول لحظة، حس آدم إن سيراث داخل المكان ده عن قصد.
دخلوا وعين آدم اتسعت من جمال التصاميم والزينة..
ستاير ملونة متدلية من السقف ، جدران مليانة نقوش وألوان مبهجة.
الانبهار عنده ماكانش بس من شكل المكان، لكن من الإحساس إنه لأول مرة وسط جو زيه… غريب، جميل، ومثير للفضول.
سيراث أشار بإيده لشخص واقف قريب، فحضر على طول.
ــ أيوه يا عم مين قدك! أكيد جاى تحتفل مع أبطالك !
ــ إزيك يا ڤرادا، عايز ترابيزه هادية وتكون كاشفة المكان.
ــ طلبك عندي، تعالى.
تحركوا ناحية ترابيزة في الركن، قعد الثلاثي. المكان حوالين الترابيزة كان هادي ، لكن عين آدم لمحت ناس بتبص ناحيتهم بسرعة ثم ترجع تبص في كؤوسها.
سيراث فضل ساكت شوية، كأنه بيلمّ أفكاره قبل ما يتكلم.
سيراث (بنبرة هاديه):
ــ بصراحة… أنا مش مرتاح ، البطولة قربت ، و الليلة دي حسيت إن لازم أتكلم معاكم.
آدم رفع عينه باستغراب، ڤاروس فضل صامت، بيشرب ببطء.
سيراث كمل:
ــ مش قصدي أضعف ثقتكم… بس جوايا خوف من أن نتائج امبارح تكون مخادعه..
البطولة دي مش زي اللي فاتت، والخصوم مش سهلين.
آدم (بحماس):
ــ بس إحنا نقدر نكسب ، عندنا كل حاجة تخلي الفريق ده يتفوق!
سيراث ابتسم بخفة، وبص للاتنين:
ــ عارف إن كل واحد فيكم شايف نفسه قادر… وأنا متأكد إنكم الأفضل..
بس كمان عارف الشد والجذب اللي بينكم ، كل مرة بحس إن في خط فاصل، والخصم الوحيد اللي ممكن يوقفنا هو الخيط ده.
ڤاروس رفع عينه أخيرًا، وقال ببرود:
ــ جولدامون دخيل و حاول يهينى فى النزال الودى ، نهى النزاله بطريقه… سيئه.
آدم حس أنه ضايق ڤاروس منه و فى عقل باله مكنش عايز يكون له أعداء لذا قاله…
ــ صدقنى مكنتش أقصد خالص أقلل منك ، هى الفكره أن دى أول مره ألعب اللعبه دى أصلا ! بدون ما تندهش دى الحقيقه أنا فعلاً اول مره و ميغركش اللى حصل دى شوية اراده مش اكتر.
سيراث:
ــ عايزكم تفكروا إنكم لو اتحطيتوا سوا، كقوة واحدة، محدش يقدر يوقفنا ، أحنا محتاجين قوتكم مع بعض، محتاج إنكم تزقوني لقدام… من غير وحدتكم صعب نكسب البطوله.
الكلام نزل عليهم بصمت قصير، لحظات مرت عليهم لغاية ما أخد آدم المبادرة و قرر أن يمد أيده لڤاروس اللى بص له للحظات ثم ابتسم و قبل المصالحه .
ــ ڤارووووس كنت جامد جدا النهارده أنت و جولدامون كنتوا رائعين.
كان صوت *** صغير اقتحم المكان فجأه لكنه أضاف للثنائى بهجه داخليه بكلماته ، ردوا عليه بكلمات مرحبه بيه هو و عائلته الواقفه معاه.
الطفل قالهم أنه هيفضل يشجعهم لآخر ماتش ليهم فى البطوله لأنه حب طريقة لعبهم .
بعد ما خلصوا كلام ، قرر سيراث يديهم استراحة صغيرة من ضغط البطولة، وقت يقضوه مع نفسهم.
آدم استجمع شجاعته وقال بصوت متردد…
ــ ينفع… أزور عيلتي ؟ بقالى كتير ما روحتش بيتنا !
الطلب فاجئ سيراث لكنه فضل هادى و بثبات ، و ابتسامة صغيرة طلعت على وشه..
ــ روح يا جولدامون… اقضى الليله لكن اوعدنى وعد رجاله إنك بكره مع أول خيط للنهار تكون جاهز و واحد من الحرس هياخدك يرجعك الفيلا !
وصل آدم بعد ما سأل سيراث عن مكان البيت بحجة أنه ميعرفش هل غيروا العنوان ولا لأ !
آدم كان ذكى و قال إن العنوان أتغير علشان يعرف يخليه يوصفله المكان فين بالظبط.
وصل آدم لبيت متواضع على أطراف المدينة ، الحيطان باينه قديمة ، الخشب متآكل ، ورائحة الدخان والعرق ماليه الأجواء.
لكن بالنسبة لآدم… المكان كان نابض بالحياة هو شبيه لمنطقتهم على الأرض ، قلبه بيخبط كأنه داخل يشوف أهله الحقيقيين بعد غياب !
فضل واقف متردد عقله بيخليه يطرح بدل السؤال ألف ! لدرجة أنه فكر يرجع لكن…
باب البيت اتفتح، وظهر رولان جولدامون واقف ، عينه متجهمة كأنها بترمي رصاص.
ثوانى و اتحركت إلينا وقفت ورا منه ، لما شافته متسمر مكانه ، عينيها بدأت تلمع بدموع، صوتها مرتجف:
ــ جولدا… جولدامون؟
ليانا ماستحملتش لما سمعت الإسم ، اندفعت على أخوها حضنته وهي بتصرخ:
ــ أخويا رجع !
ماركوس واقف بعيد، سايب مسافة، بس صوته خرج مشحون غيرة:
ــ فجأة تفتكرنا بعد ما سبتنا نغرق لوحدنا؟
آنا الصغيرة ركضت عليه، مسكت رجله بتنهيدة باكية:
ــ جولدا!
آدم اتلخبط بين المشاعر، بس قبل ما يتكلم ، صوت رولان قطع الدفء كله:
ــ كفاية!
(سكت لحظة، وبص له بصرامة)
ــ رجعت بعد ما كسرت رقبتنا بالعار.
آدم ارتجف، قلبه بيدق، قال بصوت واطي:
ــ عار إيه يا أبّا؟
رولان بصوت خشن:
ــ مبوما! فاكر ولا نسيت؟ اللي كان المفروض يبقى سند لليانا… خلّيت ددممُه في رقبتك!
إلينا دموعها زادت مع الكلمات الحاده و العراك اللى على وشك الحدوث !
ليانا وقفت قدام أبوها، عينيها مولّعة:
ــ مبوما كان شخص قذر ! ده غير أنه كان بيرفع إيده عليّا! جولدا حذرُه أكتر من مرّة!
رولان انفجر فيها:
ــ ده يديه حق أنه يقتل جوزك؟! دي جريمة !
(بص لآدم)
ــ وانت يا جولدامون… السجن ماكفاش عشان تفوق؟
آدم اتسمر في مكانه، لسانه مربوط ، جوه دماغه دوشة:
أنا مالي؟ ده مش ذنبي… ده مش أنا…
ماركوس اتحرك خطوتين لقدام، صوته ساخر لكنه متوتر:
ــ البطل العظيم… راجع بعد ما خلانا نعيش بعار يلاحقنا طول العمر!
ليانا صرخت في أخوها:
ــ إنت ساكت طول السنينو، دلوقتي بس فاكر تتكلم و جاى تعايره و عمل الصح أصلا !
الجو بقى متوتر جدًا، كل كلمة زي شرارة.
آدم حاسس إنه محاصر من كل الاتجاهات، عرقه مغرق جبهته !
اصوات كتير متداخله زادت التوتر عند آدم و أصبح فى دماغه ألف سؤال أهمهم ، مين هو جولدامون !؟
" نهاية الجزء "