درامية هاربه الي الرياح (Runaway to the Winds)

f͠a͠t͠m͠a͠🝔

رئيس الإداريين{مسؤولة أقسام الأفلام والقسم العام }
إدارة ميلفات
رئيس الإداريين
ملكة ميلفات
العضوة الملكية
نجم الفضفضة
ناشر أفلام
مسؤول المجلة
ناشر عدد
مصمم المجلة
ناقد مجلة
نائب رئيس قسم الصحافة
إنضم
18 يناير 2024
المشاركات
4,959
مستوى التفاعل
4,293
النقاط
0
نقاط
39,637
العضوة الملكية
ميلفاوي صاروخ نشر
Princess
النوع
أنثي
الميول
طبيعي

في حديقة صغيرة داخل قصر آل فلامور

إلين بصوت مملوء بالبكاء: "لماذا تفعلون هذا بي؟"

كانت والدتها، سليفا، تجلس بهدوء على مقعدها تشرب فنجان القهوة كأنها سيدة مجتمع نبيلة، دون أن تلتفت لدموع ابنتها.

سليفا ببرود: "هذا أمر جدك، وهو كبير العائلة. لقد حدد موعد زفافك، وانتهينا."

إلين بصوت مبحوح: "أرجوكم، لا أريد هذا."

وقفت سليفا، نظرتها قاسية: "انتهى الأمر."

غادرت، تاركة إلين وحدها تمسح دموعها، بينما كان قلبها يملؤه التحدي.

إلين بعزم: "لن يحدث هذا، أقسم أن هذا لن يحدث!"

---

في مزرعة آل كينغستون

جاك، وهو ينظر إلى الجواد المريض: "سيدي، لم يتحسن الجواد. حاولنا كثيرًا."

أدوارد، جالسًا على مقعده، يرد ببرود: "اذهب وتفقد الأبقار."

غادر جاك، بينما أدوارد ظل في مكانه، عينيه لا تفارقان الجواد الصغير الذي كان مريضًا بشدة. كان هذا الجواد من نسل فرسه المفضلة، التي توفيت أثناء وضعه، وكان لهذا الجواد تأثير كبير على أدوارد. عانى كثيرًا بسبب محاولات الأوغاد الذين حاولوا إحراق مزرعته، مما أثر على الجواد الصغير بشكل كبير.

في المساء، على طاولة العشاء في قصر آل فلامور

كان أفراد العائلة يجلسون بتأنٍ على طاولة العشاء، يتحدثون برقي عن مشاريعهم التجارية الضخمة. بينما فوق سطح القصر، كانت إلين تقف، قلبها يملؤه الخوف والتوتر.

إلين، وهي تنظر للأسفل بخوف: "اللعنة، اللعنة! سوف أموت إذا قفزت! كيف يمكنني الهروب الآن؟"

جلست إلين على الأرض تفكر، ثم فجأة نهضت بفرح.

إلين، بصوت عالٍ: "وجدتها! سوف أهرب من المخزن الخاص بالنبيذ!"

عائلة فلامور هي واحدة من أقوى العائلات في البلاد، وتتباهى في كل مناسبة بحضور النبيذ العتيق من مختلف البلدان.

نزلت إلين إلى المخزن دون أن يشعر أحد بوجودها. انتظرت قدوم العربة التي ستنقل النبيذ. وعندما وصلت العربة، فتح لها الحارس باب المخزن.

الحارس، وهو يمزح: "اشتقت إليك يا راجل!"

نزل السائق من العربة ليحظن الحارس، وتبادلوا المزاح، بينما بدأوا في تحميل قوارير النبيذ. استغلت إلين انشغالهم، واختبأت داخل العربة، ولم يلاحظها الحارس أو السائق.

الحارس، وهو يغلق باب العربة: "لقد انتهينا، يا صديقي."

ودَّع السائق الحارس، وقيَّد العربة نحو مصير إلين المجهول.

في مزرعة آل كينغستون

دخل إدوارد كينغستون إلى غرفة صغيرة، حيث كان إدوار الصغير يلعب بألعابه الخاصة. اقترب إدوارد منه وجلس أمامه مبتسمًا بحنان.

إدوارد، وهو يمرر يده في شعر الصغير: "كيف حالك اليوم، صغيري؟"

نظر له إدوار بفرح، ثم ضمه إليه. ليضحك إدوارد قائلاً: "وأنا اشتقت لك، يا صغيري."

نظر الصغير إلى إدوارد وأشار نحو لعبة الألغاز.

إدوارد مبتسمًا: "هل تريد أن نلعبها؟"

هز الصغير رأسه موافقًا.

إدوارد بحنان: "حسنًا، سأحضرها."

قفز الصغير فرحًا وأخذ اللعبة، بينما كان إدوارد يراقبه بحزن عميق. مازال يتذكر ذلك اليوم الذي فقد فيه شقيقه الصغير، وتبقى في ذاكرته صدمة فقدانه للنطق. رغم محاولاته العديدة لمساعدته على التحدث، إلا أنه فشل، وكان قلبه يملؤه الألم لعدم قدرته على مساعدته

داخل الشاحنة

كانت إلين تجلس على الأرض، تكاد تتجمد من شدة البرد وهي ترتدي ملابسها القصيرة. نظرت إلى نفسها في المرآة الصغيرة التي كانت معها، وأطلقت تنهيدة من الضجر.

إلين، بتذمر: "تبا للموضة! ها أنا ذا، أتجمد من أجل أن أكون أنيقة."

نظرت إلى صورتها في المرآة بفخر، وأصابها شعور بالتأكيد.

إلين، بفخر: "مازلت جميلة."

لكن فجأة توقفت وهي تتفحص وجهها، ثم هتفت بصدمة.

إلين، بذهول: "ولكن مهلاً! ما هذه الهالة السوداء أسفل عيني؟ تبا للعائلة!"

وفي اللحظة التي توقفت فيها الشاحنة، استغلت إلين الفرصة، ففتحت الباب بسرعة وركضت تجاه الغابة.

كانت إلين تحاول عبور الغابة، وهي تلعن أفراد عائلتها جميعهم بصوت منخفض وغاضب.

إلين، وهي تقلد صوت أمها: "انتهى الأمر، جدك قد أمر."

ثم صرخت بغضب: "اللعنة عليكي وعليه!"

فجأة، فقدت توازنها وسقطت في بركة من الطين. كان الجو الممطر يزيد الأمور سوءًا، وإلين لم تكن ترتدي سوى بلوزة قصيرة تظهر نصف بطنها ورقبتها كاملة، مع بنطال جينز مقطع من عند ركبتيها. الطين بدأ يغطي ملابسها البسيطة بينما كانت الأمطار تتساقط بغزارة على جسدها.

إلين، وهي تنظر إلى السماء بصراخ: "اللعنة عليكي أيضًا!"

حاولت النهوض، ولكن الطين تمسك بها وكأن الأرض ترفضها. زحفت بين الأشجار المبللة بالمطر، حتى توقفت أمام سور كبير. رفعت رأسها، فوجدت لافتة مكتوب عليها: "مزرعة آل كينغستون

في داخل مزرعة آل كينغستون، كان إدوارد كينغستون جالسًا في مكتبه الهادئ، يقرأ كتابًا عن أنواع الخيول المميزة، مستمتعًا بفنجان من القهوة الساخنة، بعدما اطمأن على صغيره الذي ينام بسلام في الغرفة المجاورة. كان هدوء المكان يعكس شخصيته القوية، لكن هذا الهدوء لم يدم طويلًا، إذ سمع طرقًا على الباب.

إدوارد، دون أن يرفع نظره عن الكتاب: "تفضل."

دخلت إليزابيث، رئيسة الخدم، بتوتر واضح.

إدوارد، وهو يرفع حاجبه بدهشة: "ماذا يوجد، إليزابيث؟"

إليزابيث، بحذر: "سيدي... يوجد فتاة تتشاجر مع الحراس في الخارج."

إدوارد، وهو يرفع عينيه عن الكتاب ويركز في وجهها: "فتاة؟"

---

في الخارج، كانت إلين تقف أمام الحارس، وتبدو عازمة على إقناعه بأي وسيلة.

إلين بغضب: "قولوا لي من علمكم الرجولة يا هذا لكي تتركوا فتاة جميلة ولطيفة مثلي بالخارج؟"

الحارس، بهدوء: "آنستي، السيد لا يسمح بوجود غرباء."

إلين، بغضب أكبر: "تبا لسيدك يا هذا!"

حاولت التنفس بهدوء، ثم تراجعت خطوة إلى الوراء، وهي تحاول السيطرة على نفسها.

إلين، بصوت هادئ ولطيف رغم الغضب: "حسنًا، سوف أعطيك المال مقابل أن أبيت هنا ليلة واحدة فقط."

الحارس، بمزيد من الهدوء: "آنستي، هذا غير مسموح. أرجوكي، ارحلي."

لكن قبل أن تكمل إلين حديثها، سمعت صوتًا عميقًا، ذو نبرة رجولية مميزة.

إدوارد، من بعيد: "ماذا يحدث هنا؟"

لتلتفت له إلين ليقف إدوارد مكانه يتأملها قليلاً. نعم، هي جميلة، ذلك الوجه الطفولي الفاتن والشعر الأحمر، والعينين الخضراوين، لكن لحظة! هو الآن يراها بوضوح أكثر، رقبتها وجزء من صدرها وبطنها وقدميها، واللعنة! ماذا يحدث على أرضه الآن؟

كانت إلين ترتدي بلوزة قصيرة جداً تكشف نصف بطنها، بالإضافة إلى بنطال جينز ممزق من عند ركبتيها، وكان الجو ممطراً، مما جعل ملابسها مبتلة بشكل فوضوي. وبينما هو يراقبها، فكر: "كيف تظهر هكذا؟!" لقد كانت ملابسها جريئة جدًا، وهذا ليس مقبولًا على أرضه أرض هو حاكمها.

---

إلين، وهي تحدق فيه بجرأة: في نفسها "هل سقط إله الجمال من السماء؟"

الحارس، وهو يقترب من إدوارد بتردد: "سيدي، هذه الفتاة..."

إلين، قاطعة له بسرعة: "إذاً، أنت صاحب هذا المكان؟ حسناً يا سيد، أنا أطلب منك أن أبيت هنا لليلة واحدة، وأرجو منك أن تتحلى بالكرم والرجولة."

إدوارد نظر لها بدهشة، في نفسه "هذه الفتاة... جريئة جدًا."

إدوارد، بصوت بارد: "ألم يخبرك أحد عن هوية الأرض التي تقفين عليها، أيتها المهره الجامحة؟"

إلين، بغضب ودهشة: "مهره جامحة؟! ماذا تعني هذه الكلمة؟ لا أسمح لك بالكلام هكذا! كيف يمكنك أن تكون قاسي القلب لهذه الدرجة؟!"

إدوارد، بابتسامة ساخرة: "كيف تكونين بهذه الجرأة، يا مهره، لتدخلي أرضي بهذا الشكل؟"

إلين، وهي تضع يدها على خصرها وترد عليه بسخرية: "وما به شكلي يا هذا؟ ألا ترى؟"

نظر لها إدوارد من أعلاها إلى أسفلها ثم رد بسخرية: "رأيت الكثير حتى الآن."

كانت إلين سترد عليه، ولكن قاطعها جاك بتردد وتعب من الركض: "سيدي، الجواد متعب كثيرًا."

تحرك إدوارد بسرعة ليدخل إلى الإسطبل، فاستغلت إلين توتر الحارس وتبعته بسرعة.

دخل إدوارد إلى الإسطبل حيث كان الجواد الصغير يرقد، ليجد الطبيب جالسًا بجواره.

إدوارد، ببرود، وهو ينظر إلى الطبيب: "كيف حاله؟"

الطبيب، بتردد: "لا أمل، سيدي."

نظر إدوارد إلى الجواد بحزن، ثم خرج مسدسه من جيبه وصوبه نحو الجواد. ولكن، في لحظة الإطلاق، وجد يده ترتفع فجأة للأعلى.

إلين، بغضب وهي تمسك يده: "ماذا تفعل يا مجنون؟"

إدوارد، وهو ينظر لها بصدمة: "ماذا؟ ما الذي قالته تلك المهره الآن؟"

لكنها لم تعطه فرصة للرد، بل ذهبت بجوار الجواد الصغير، تفحصه بدقة. ثم نظرت إلى الطبيب وقالت بحزم: "أريد حقنة ومحاولة حيوية، وأريد تغيير نوع الطعام."

الطبيب، بصدمه: "آنستي، لا أمل له."

إلين، بتهكم: "أعطني الحقنة والمحلول، وأنا سأقول لك إن كان له أمل أو لا."

بعد مرور ثلاث ساعات، بدأ الجواد يستعيد وعيه أمام دهشة إدوارد والطبيب.

الطبيب، مذهولًا: "هذه معجزة، سيدي!"

إدوارد، ببرود: "أنت مطرود."

نظر الطبيب له برعب وقال: "ولكن، سيدي..."

رفع إدوارد حاجبه، فغادر الطبيب بسرعة وبتوتر.

ثم وقفت إلين أمام إدوارد وقالت بابتسامة مزيفة:

إلين، بلطف مزيف: "إذن، سيد كينغستون، استحق المعاملة المميزة، أليس كذلك؟"

إدوارد، ببرود: "ماذا تريدين؟"

إلين، بهدوء: "حسنًا، أريد العيش والعمل هنا."

إدوارد، ببرود وهو يرفع حاجبه: "ماذا تريدين؟"

إلين، وهي تحاول إقناعه: "لقد طردت طبيبك البيطري الآن، وأنا طبيبة بيطرية ممتازة جدًا. كما رأيت، أريد أن أعمل لديك وأبقى تحت حمايتك."

إدوارد ببرود:
"تحت حمايتي؟ من مِن تريدين أن تحتمي يا مهره ؟"

إلين، بتوتر، محاولة الحفاظ على هدوئها:
"أليس من يعمل معك تحت حمايتك؟"

إدوارد، ببرود:
"حسنًا، ولكن هناك قواعد، يا مهره، يجب أن تعلميها."

إلين، بفضول وتعب:
"وما هي هذه القواعد؟"

إدوارد، وهو يلاحظ ملابسها المبللة والمليئة بالوحل:
"سأقودك الآن إلى غرفتك، وغدًا سأخبرك بالتعليمات."

على باب منزل مزرعة كينجستون الفخم، وقفت إلين تنظر إلى المدخل الضخم، قبل أن يقف أمامها إدوارد حاجبًا طريقها.

إلين بدهشة: "لا تقل لي إنك غيرت رأيك بهذه السرعة؟"

إدوارد، ببرود: "من أنتِ، أيتها المهرة؟"

إلين، بتوتر: "ماذا تقصد؟"

إدوارد، بحدة: "لا تظني أنني سأسمح لكِ بالدخول دون معرفة قصتك."

إلين، محاولة إخفاء توترها بابتسامة خفيفة: "أوه، حسنًا. اسمي إلين، كنت أعيش خارج البلاد، وعندما عدت إلى هنا، طُردت بعد أن استولى عمي على ممتلكات والدي المرحوم."

إدوارد، بشك: "ولماذا لم ترفعي عليه دعوى، أيتها المهرة؟"

إلين، بتوتر: "إنه رجل ذو نفوذ، ولم أرد أن أعلق نفسي في مشاكل معه."

إدوارد، بنظرة فاحصة: "من أي سلالة تنحدرين؟"

إلين، بتردد: "ف... فوالدي... أقصد، ألكس."

إدوارد، برفع حاجبه: "ألكس؟"

إلين، متجنبة نظرته: "أنا... ابنة غير شرعية، لذا لم يُسجل اسمي ضمن العائلة. هل يمكننا إنهاء هذا التحقيق الآن؟"

إدوارد، بعد لحظة صمت: "حسنًا، يا مهرة. يمكنك الدخول."

دخلت إلين إلى القصر، وألقت حقيبتها على الأرض من فرط الدهشة وهي تتأمل الفخامة المحيطة بها.

إلين، بصوت مبهور: "رائع... رائع! لا يُصدق... هل سأعيش هنا؟ إنه منزل أحلامي!"

إدوارد، ببرود: "ستقيمين في الطابق العلوي، فلا مكان لكِ في الأسفل. الطبيب السابق كان ينام مع الحراس، أما أنتِ... فأنتِ فتاة، لذا يجب أن تبقي هناك."

إلين، رافعة حاجبها بسخرية: "مجرد فتاة؟! ألا ترى كم أنا جميلة؟"

إدوارد، متجاهلًا تعليقها: "إليزابيث ستخبرك بمكان غرفتك. انتهينا لهذا اليوم."

ثم غادر تاركًا إلين مع امرأة كبيرة في السن نظرت إليها بامتعاض.

إليزابيث، بجفاء: "من هنا، آنستي."

إلين، في نفسها: "ما بها هذه المرأة؟"

سارت خلفها حتى وصلت إلى غرفتها، التي تقع بين غرفة إدوارد وغرفة إدوارد الصغير. وبمجرد دخولها، قفزت بسعادة وهي تردد: "يا إلهي، هذا المكان خيالي!"

غادرت إليزابيث المكان وأغلقت الباب خلفها، لتتنفس إلين بارتياح وهي تهمس لنفسها: "الحمد ***، الآن أنا في أمان."

تناولت حقيبتها وفتحتها، ثم أخرجت منها ملابس النوم ودخلت إلى الحمام، حيث استمتعت بحمام دافئ ساعدها على الاسترخاء. بعد ذلك، ارتدت ملابسها واستلقت على السرير، لتغرق في نوم عميق استعدادًا ليومها الجديد.

في صباح اليوم التالي، استيقظت إلين على صوت طرقات قوية على الباب، فتململت قليلًا قبل أن تنهض وتتوجه لفتحه. فور أن رأت إليزابيث واقفة أمامها، لاحظت الامتعاض الواضح على وجهها.

قالت إليزابيث باستنكار: "موعد الاستيقاظ، آنستي."

ردّت إلين بنعاس وهي تحاول استيعاب الموقف: "حسنًا، شكرًا لكِ."

أغلقت الباب وعادت إلى الداخل، وهي لا تزال تشعر ببعض الإرهاق. كانت ترتدي قميص نوم شفافًا مفتوحًا من جهة الصدر، لكنها لم تلقِ بالًا لذلك.

ثم، وكأنها تذكرت فجأة، ابتسمت بحماس وقالت لنفسها: "هذا موعد عملي الأول!"

تحركت بسرعة نحو حقيبتها، وبدأت تبحث عن ملابس مناسبة لترتديها استعدادًا ليومها الجديد.
(إلين ترتدي ملابس جريئة، فستان ضيق يكشف ساقيها قليلًا، مع حذاء جلدي بكعب قصير، وشعرها مفرود بإهمال، ثم تنزل الدرج بخطوات واثقة.)

إلين، بابتسامة خفيفة: صباح الخير أيها السادة!

(الخدم يقفون متجمدين في أماكنهم، ينظرون إليها بذهول واضح، تتبادل النظرات بينهم دون أن يتفوه أحد بكلمة.)

إلين، وهي ترفع حاجبها باستغراب: ماذا؟ هل هناك شيء على وجهي؟

(تحاول امرأة مسنة من الخدم أن تتكلم، لكنها تتردد، قبل أن تهمس لزميلتها بشيء غير مسموع.)

إلين، بتململ: حسنًا، لا وقت لدي للألغاز، أين الإسطبل؟

الخادمة، بعد تردد: آنستي... هناك عدة إسطبلات في أرض كينجستون، فنحن نملك واحدة من أرقى وأكبر مزارع البلاد. أي إسطبل تقصدين؟

(إلين تضع يدها على خصرها، تنظر حولها وهي تفكر، قبل أن تلمح قبعة كاوبوي موضوعة على الطاولة، تبتسم بخبث، تأخذها وترتديها.)

إلين، وهي تميل رأسها قليلًا وتغمز للخادمة: سأكتشف ذلك بنفسي.

(ثم تدور على عقبيها بخفة وتخرج بخطوات واثقة، تاركة الخدم يحدقون بها بدهشة.)

كان إدوارد يتابع أعماله المكتبية حين شعر بضيق مفاجئ، فقرر الخروج لأخذ جولة في المزرعة. في طريقه إلى الإسطبل، لاحظ غياب رجاله المعتادين، مما أثار استغرابه.

إدوارد، بغضب مكبوت: "أين اللعنة ذهب الجميع؟"

عندما دخل الإسطبل، كانت الصدمة في انتظاره. رجاله كانوا واقفين كالأعمدة، أعينهم مثبتة على شيء ما، وكأنهم مسحورون. تبع نظراتهم، وعندما رأى السبب، كتم شتيمة على طرف لسانه.

تلك المهره الجامحة!

كانت إلين، بملابسها القصيرة، منحنية تطعم الخيول، وكأنها لا تدرك تأثيرها المدمر على الرجال حولها.

إدوارد، بصوت انفجر غضبًا: "اخرجوا جميعًا، حالًا!"

انتفض الرجال، وكأنهم استيقظوا من غيبوبة، وتدافعوا نحو الباب في محاولة للنجاة من العاصفة التي على وشك الانفجار.

إلين، وهي ترفع رأسها بدهشة: "سيد كينجستون، ماذا يحدث؟"

تقدم إدوارد نحوها بخطوات ثقيلة، وعيناه تضيقان بخطورة.

إدوارد، بصوت خفيض لكنه مليء بالتهديد: "أيتها المهره الجامحة، هل فقدتِ عقلكِ؟ تتجولين بهذا الشكل وسط رجالي؟ هل تريدين أن يقتلكِ أحدهم بنظراته؟"

إلين، ببراءة متعمدة: "كنت فقط أطعم الخيول، لم أفعل شيئًا خاطئًا."

إدوارد، وهو يقترب أكثر، حتى أصبحت المسافة بينهما شبه معدومة: "هذا المكان ليس نزهة، وليس لديكِ أي حق في التجول وكأنكِ في ساحة رقص."

إلين، وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها بتحدٍّ: "إذن، هل تقترح أن أرتدي درعًا حديديًا؟"

نظر إليها للحظة، ثم أمسك بذراعها بقوة وسحبها خارج الإسطبل.

إدوارد، بصرامة: "غدًا، ستبدأين عملكِ الحقيقي هنا، لكن وفقًا لقواعدي، أيتها الهوجاء."

إلين، بابتسامة جانبية: "أتطلع لرؤية ما لديك، سيد كينجستون."

نظر إليها إدوارد نظرة طويلة، قبل أن يترك يدها ويدير ظهره، لكنه كان يعلم في داخله أن هذه المرأة ستكون نهايته.

أما إلين، فقد وقفت في مكانها تراقب ظهره وهو يبتعد، ثم همست لنفسها بابتسامة خبيثة: "حسنًا، يا كينجستون... فلنرَ من سيفوز بهذه اللعبة."
بعد المواجهة الساخنة مع إدوارد، عادت المهره الجامحة إلى المنزل بخطوات ثابتة، غير عابئة بنظرات الخدم التي تتابعها من كل زاوية. لم تكن بحاجة إلى أن تسترق السمع، فقد كان همسهم عاليًا بما يكفي ليصل إلى أذنيها.

"من أين جاءت هذه المرأة؟"

"يقولون إنها عاهرة تحاول إغراء السيد."

"لا عائلة لها، لا أصل، لا شيء سوى جمال رخيص."

"إنها بالتأكيد من الشارع... لا يمكن لامرأة محترمة أن تتصرف بهذه الجرأة مع السيد كينغستون."

توقفت فجأة في منتصف الرواق، وألقت نظرة جانبية إلى الخدم، مما جعلهم يبتلعون كلماتهم فورًا. ارتسمت على شفتيها ابتسامة ساخرة، قبل أن تتابع سيرها وكأن كلماتهم لم تحرك فيها شيئًا.

لكن الحقيقة أنها شعرت بشيء... ليس الألم، بل الغضب.

همس أحد الخدم بصوت منخفض: "هل رأيتم كيف نظرت إلينا؟ إنها تعرف أننا نتحدث عنها."

ردّت أخرى بصوت مرتجف: "نعم، وكأنها كانت ستبتلعنا أحياء!"

صعدت إلى غرفتها دون أن تبدي أي اهتمام، لكنها شعرت بحاجة للهواء. لذا، بدلًا من البقاء في الداخل، قررت الخروج إلى الحديقة الخلفية.

سارت ببطء، تستنشق الهواء العليل، حتى رأت شجرة ضخمة تقف شامخة في أحد أركان المزرعة. اقتربت منها وجلست أسفلها، مغمضة عينيها للحظات، محاولة تهدئة أفكارها.

وفجأة، شعرت بشيء... نظرة تراقبها.

فتحت عينيها ببطء، لتجد ***ًا صغيرًا يقف على بعد خطوات منها، بشعر بني فوضوي وعينين تذكرها بشخص ما.

حدقت فيه لثوانٍ، قبل أن تهمس لنفسها بدهشة: "إنه يشبه..."

لكن قبل أن تكمل جملتها، لاحظت شيئًا آخر... الطفل لم يتكلم، فقط وقف هناك، يحدق بها بصمت.

رفعت حاجبها باهتمام، ثم ابتسمت بخفة وقالت: "هل تتجسس عليّ أيها الصغير؟"

لم يرد.

حاولت مرة أخرى، مشيرة إلى المكان بجانبها: "تعال واجلس، لن أعضك."

تردد الطفل للحظة، لكنه لم يتحرك. ظل ينظر إليها بعينيه الواسعتين، وكأنه يحاول فهمها.

عندها أدركت الحقيقة... هذا الطفل لا يتكلم.

شعرت بوخزة في قلبها، لكنها لم تُظهر ذلك. بدلًا من ذلك، ابتسمت بلطف وربّتت على الأرض بجانبها.

"لا بأس، يمكنك البقاء هناك إن كنت تفضل ذلك."

ظل الطفل صامتًا، لكن عينيه لم تفارقا وجهها.

همست لنفسها مجددًا، وهي تتفحص ملامحه: "إنه يشبه... كثيرًا."

ظلت إلين تحدق في الطفل بصمت، لكنه لم يبدِ أي نية للكلام. لم يكن خائفًا منها، ولم يكن يحاول الابتعاد، فقط يراقبها بتلك العيون العسلية الكبيرة، وكأنه يدرسها بعناية.

ابتسمت، وحاولت أن تبدو غير مكترثة: "أتعلم؟ لا بأس إن لم تكن ترغب في الحديث. أحيانًا، الصمت يكون أكثر راحة."

لم يتغير تعبير الصغير، لكنه ظل ينظر إليها باهتمام.

تنهدت، وأسندت رأسها إلى جذع الشجرة: "حسنًا، بما أنك مستمع جيد، سأخبرك عن نفسي."

ارتفع حاجباه قليلًا، وكأن الفكرة أثارت فضوله.

ضحكت إلين بخفة: "أنا دكتورة بيطرية، أتعامل مع الخيول والحيوانات، أحب الورود البنفسجية، وأستمتع بالمطر. أما عن الأطعمة، فأنا لا أستطيع مقاومة فطيرة التفاح الساخنة."

ظل الطفل يحدق بها، وكأنه يحفظ كل كلمة تقولها.

"وما عنك؟ ما الذي تحبه؟"

لم يرد، لكنها لاحظت أن نظرته تغيرت قليلًا، أصبحت أكثر دفئًا… وكأنه شعر بشيء مألوف معها.

وفجأة، رفع يده الصغيرة، ومدها نحوها ببطء، ثم بدأ يمرر أصابعه بين خصلات شعرها الحمراء، وكأنه يراها لأول مرة.

تجمدت للحظة، ثم ابتسمت بلطف، تاركة له حرية الاستكشاف.

"يبدو أنك تحب شعري، أليس كذلك؟"

لم يجب، لكنه تابع لمس الخصلات الحريرية بذهول، وكأنه أمام شيء نادر وثمين.

ضحكت بهدوء، ثم سحبته برفق وأجلسته على ساقيها، لتسمح له باللعب بشعرها بحرية أكبر.

كان مشهدًا غريبًا… *** صامت، يلعب بشعر امرأة غريبة، لكنها لم تشعر بالغرابة. بل شعرت بشيء مختلف… بالألفة.

لكن اللحظة لم تدم طويلًا.

فجأة، دوى صوت حاد خلفها: "ما الذي تظنين أنكِ تفعلينه؟"

تجمدت في مكانها، وعندما رفعت رأسها، وجدت إدوارد يقف أمامها، عيناه تضيقان بغضب، وأسنانه تكزّ بقوة، وكأنه على وشك الانفجار.

نظرت إلين إلى إدوارد بدهشة، ثم إلى الطفل الذي لا يزال بين ذراعيها. رفعت حاجبها بسخرية خفيفة وقالت: "سيد كينغستون، قبل أن تقرر قتلي، ربما يجب أن تشرح لي ما الذي يحدث بالضبط؟"

أدار إدوارد فكه بضيق، وعيناه تضيقان بشك: "من أين عثرتِ عليه؟"

تنهدت، محاولة الحفاظ على هدوئها أمام نظراته الحادة: "وجدته هنا، تحت الشجرة، ولم أكن أعرف حتى أنه قريبك."

تقدم إدوارد خطوة، وكأنه يدرس كل حركة منها: "حقًا؟ وهل تعتقدين أنني سأصدق أن الأمر مجرد صدفة؟ ماذا لو كنتِ من أولئك الذين حاولوا حرق المزرعة؟ ماذا لو كنتِ هنا فقط من أجل خطفه؟"

قهقهت إلين بسخرية، وهزّت رأسها: "أوه، ياللمبالغة! هل تشاهد الكثير من القصص البوليسية يا سيد كينغستون؟ أعني، هل أبدو لك كخاطفة ***** محترفة؟"

زمجر إدوارد بغضب: "لا تلعبي معي، أيتها المهرة الجامحة! لا أثق بكِ، ولن أسمح لكِ بالاقتراب من عائلتي!"

حاول أن يأخذ الطفل من بين ذراعيها، لكن ما حدث بعدها كان مفاجئًا للجميع.

فور أن حاول إدوارد فصله عنها، تشبث الطفل بقوة في إلين، ودفن وجهه في كتفها، رافضًا أن يتركها.

تجمدت يد إدوارد في الهواء، بينما رمق الطفل بصدمة، وكأن ما حدث كان خارج كل توقعاته.

أما إلين، فرفعت حاجبيها بدهشة، ثم نظرت إليه بسخرية: "يبدو أن الصغير لديه رأي آخر، سيد كينغستون."

إدوارد وقف مكانه للحظات، يراقب المشهد أمامه بعينين ضيقتين. لم يكن يتوقع هذا على الإطلاق. الصغير، الذي لم يسمح لأحد بلمسه منذ الحادثة، كان جالسًا على ساقي المهره الجامحة، يدفن وجهه الصغير في خصلات شعرها وكأنه وجد ملجأه الخاص.

شدّ قبضته وهو يتقدم ببطء، صوته كان هادئًا لكنه حمل تحذيرًا واضحًا.

إدوارد، بنبرة باردة: "أيتها المهره الجامحة، يبدو أنكِ بارعة في التسلل إلى أماكن لا تخصكِ."

إلين رفعت نظرها إليه ببطء، دون أن تحرك الصغير من مكانه، ملامحها كانت خالية من الخوف، لكنها أيضًا لم تكن ساخرة كما اعتاد منها.

إلين، بجدية: "وجدته هنا، ولم أكن أعرف حتى من يكون."

نظر إدوارد إلى الطفل، الذي ظل صامتًا، متشبثًا بها وكأنه يرفض التخلي عنها. رفع حاجبه وهو يلاحظ كيف لم يتحرك الصغير حتى مع وجوده هو، وكيف بدا أكثر... راحة مما رآه منذ فترة طويلة.

إدوارد، بحدة: "إذا كنتِ واحدة من أولئك الذين حاولوا حرق المزرعة وخطفه، أقسم أنني سأجعلكِ تندمين على اللحظة التي وطأتِ فيها أرضي."

إلين لم تبعد نظرها عنه، لكنها أطلقت ضحكة قصيرة مليئة بالسخرية.

إلين، باستهزاء: "أنتَ مصاب بجنون العظمة، سيد كينغستون. كل شيء عندك مؤامرة وحرب، أليس كذلك؟ كل ما أريده هو العمل، ولستُ مهتمة بسرقة ابن أخيك أو مزرعتك."

حاولت النهوض، لكنها توقفت عندما شعرت بالطفل يشدّ ذراعها. نظرت إليه باستغراب، بينما كان ينظر إلى عمه ثم إليها، وكأنه يحاول إيصال شيء ما، لكنه لم يستطع.

إدوارد، وهو يحادث الصغير بهدوء: "صغيري، هيا، تعالَ إليّ. سنلعب معًا."

إلين نظرت إليه بدهشة، لأول مرة تسمع صوته بهذه النبرة الهادئة، بعيدة كل البعد عن الجفاف والحدة التي اعتادت عليها. لكن الصغير لم يتحرك، بل هز رأسه بالنفي، وبدلًا من ذلك، مد يده الصغيرة وشد يد إدوارد، ثم بحركة طفولية غير متوقعة، وضع يد عمه على شعر إلين.

تجمد إدوارد.

إلين أيضًا لم تفهم ماذا يحدث.

لكن الطفل كان يبتسم... لأول مرة منذ فترة طويلة.

لأول مرة، لاحظ إدوارد لون شعرها الحقيقي. لم يكن مجرد أحمر ناري كما كان يعتقد، بل كان خليطًا من درجات اللهب، وكأنه يعكس ضوء الشمس بطريقة ساحرة.

حدّق إدوارد في الخصلات الحريرية التي تشابكت بين أصابعه دون وعي، بينما كان الصغير يمرر يده الصغيرة عليها بذهول واضح، وكأن اللون نفسه قد أسرهما معًا.

شعر باضطراب غريب داخله، إحساس لم يكن مستعدًا له، لكنه تجاهله سريعًا وهو يسحب يده بعيدًا ببطء، بينما ظلت عينا الصغير معلقتين بشعرها كما لو كان كنزًا مخفيًا اكتشفه للتو.

إدوارد، ببرود متصنع: "يبدو أنكِ سحرته بشعركِ، أيتها المهرة الجامحة."

إلين، بابتسامة ساخرة: "أوه، لم أكن أعلم أن ***ًا صغيرًا أكثر قدرة منك على تقدير الجمال، سيد كينغستون."

ضاق عينيه وهو يحدق بها، لكنها لم تتراجع. على العكس، رفعت رأسها بتحدٍّ خفي، بينما الصغير ظل متشبثًا بها، وكأنه وجد أخيرًا من يستطيع فهمه.

في تلك اللحظة، قاطعتهم إليزابيث بصوتها الجاف المعتاد: "سيدي، الغداء جاهز."

نظر إدوارد إلى الطفل الذي لا يزال متعلقًا بإلين، بينما هي حاولت بلطف إنزاله من فوقها.

إلين، بصوت هادئ: "حسنًا، صغيري، لقد حان وقت الغداء. تعال، سأجلسك على الكرسي."

لكن الطفل تمسك بها بشدة، دافنًا وجهه في كتفها، رافضًا تركها.

إدوارد، وهو يراقب المشهد بصمت: "…"

لم يكن معتادًا على رؤية الصغير بهذه التعلق بأحد، حتى مع الخدم أو المعلمين الذين حاولوا التقرب منه. لكن الآن… الآن هو لا يريد سواها.

زف إدوارد أنفاسه ببطء، ثم نظر لإلين نظرة باردة تحمل استسلامًا ضمنيًا: "اجلسي معنا."

إلين، متفاجئة: "ماذا؟!"

إدوارد، بحزم: "ألا تسمعين جيدًا، أيتها المهرة الجامحة؟ قلت اجلسي."

ترددت للحظة، لكنها استسلمت حين شعرت بالصغير يزيد من تشبثه بها، وكأن مجرد ابتعادها عنه قد يكسر قلبه الصغير.

سارت نحو الطاولة وجلست، بينما إدوارد جلس أمامها، عاقدًا ذراعيه وهو يراقب الصغير الذي بدا سعيدًا على غير العادة.

إليزابيث، التي لم تخفِ امتعاضها، قدمت الطعام وهي تلقي نظرات متشككة نحو إلين، التي تجاهلتها تمامًا، وركزت على تهدئة الطفل وإطعامه بلطف.

أما إدوارد، فكان يراقب بصمت… عيناه مثبتتان على المشهد أمامه، دون أن يدرك أن فكرة جلوسها إلى مائدته لم تعد تزعجه كما كان يتوقع.


على مائدة الطعام

جلس إدوارد على رأس الطاولة، بينما ظل الطفل متشبثًا بإلين، مما اضطرها للجلوس بجانبه. ساد الصمت للحظات حتى قرر إدوارد كسره بنبرة آمرة لكنها هادئة:

إدوارد ببرود: "ذلك اللباس لن يتكرر مرة أخرى."

رفعت إلين حاجبها بسخرية، وضعت الشوكة على الطبق، ثم استدارت نحوه قائلة باستهزاء:

إلين بتهكم: "حقًا؟ ولماذا؟ إنه مجرد لباس عصري، يا سيد كينغستون، لا أرى فيه مشكلة."

ارتشف كوب الماء بهدوء قبل أن يضعه على الطاولة، ثم نظر إليها بعينين حادتين قائلاً بجفاء:

إدوارد بحزم: "المشكلة أنكِ في مزرعتي، والمرأة هنا ينبغي أن تكون محتشمة، لا أن تعرض مفاتنها ."

اتسعت عيناها بدهشة للحظة، قبل أن تنفجر ضاحكة بسخرية:

إلين بمكر: "يا إلهي، أأنت منزعج لأنك تراقبني طيلة الوقت، سيد كينغستون؟"

قبض على السكين بين أصابعه بقوة، ثم نظر إليها مباشرة، نبرته كانت أكثر حدة مما توقعت:

إدوارد بصرامة: "لستُ أنا من يراقبك، بل الرجال في الخارج، وأعتقد أنكِ لستِ غبية حتى لا تدركي ذلك."

تجمدت في مكانها للحظة، لم تفكر في الأمر من هذه الزاوية. أجل، لاحظت النظرات، لكنها لم تتوقع أن يكون هذا سبب اعتراضه.

إلين بتحدٍ خافت: "لستُ مهمة بالنسبة لك، فلماذا تهتم؟"

خفض إدوارد نظره إلى طبقه، كأن سؤالها لا يستحق الرد، ثم قال بجمود:

إدوارد بنبرة ثابتة: "لأنكِ الآن تعيشين تحت سقفي، وأي شخص في منزلي هو تحت حمايتي."

شعرت بشيء غريب يتسلل إلى قلبها، شيء يشبه الأمان. كأنها، ولأول مرة منذ زمن طويل، تدرك معنى أن يكون هناك من يحميها... رجل حقيقي، لا مجرد متحكم مستبد.
بعدما انتهت من تناول طعامها بصمت، نظرت إلى الطفل الصغير الذي كان قد غلبه النعاس في حضنها. لم تستطع منع ابتسامة صغيرة من التسلل إلى شفتيها، بينما كان يتشبث بها كأنها أمانه الوحيد.

إدوارد بنبرة آمرة: "مارثا، خذيه إلى غرفته."

اقتربت إحدى الخادمات بلطف، وحملت الطفل بحرص، لكنه تمسك بثياب إلين للحظات قبل أن يتركها على مضض. ظلت تنظر إليه وهو يُؤخذ بعيدًا، قبل أن يتجه صوت إدوارد إليها مجددًا:

إدوارد بجدية: "تعالي معي إلى المكتب."

رمقته بنظرة متفحصة لكنها لم تجادله، فقط تبعته إلى المكتب حيث جلس خلف مكتبه الفخم، مشيرًا لها بالجلوس أمامه.

إدوارد ببرود: "أريد التحدث إليكِ بشأن الطفل."

عقدت حاجبيها قليلًا وهي تنتظر سماع ما لديه، ليكمل بصوت هادئ لكنه يحمل في طياته صرامة خفية:

إدوارد بجدية: "ذلك الصغير لا يتحدث، ليس لأنه لا يستطيع، بل لأنه لا يريد."

شعرت بموجة من الصدمة تسري في جسدها، فحتى وإن لاحظت صمته، لم تتوقع أن يكون الأمر بهذه الخطورة.

إلين بقلق: "ما السبب؟"

تنهد إدوارد ببطء، وكأنه لا يحب الحديث عن هذا الأمر، ثم قال:

إدوارد بنبرة منخفضة: "إنها صدمة... لقد فقد والديه أمام عينيه، ومنذ ذلك الحين لم ينبس ببنت شفة."

شعرت بانقباض في صدرها، نظرت إلى إدوارد لتجد ملامحه قد أصبحت أكثر صلابة، كأنه يحاول إخفاء مشاعر لم يرد لها أن تظهر.

إلين بإشفاق: "هذا... مؤلم جدًا."

أومأ إدوارد برأسه دون أن يعلق، ثم تابع بنبرة آمرة:

إدوارد بحزم: "بما أنكِ تمكنتِ من كسب وده بهذه السرعة، ربما يمكنكِ مساعدته في الحديث مجددًا."

فتحت فمها لتعترض، لكنها أدركت أنها بالفعل تريد ذلك. ذلك الطفل... كان يشبها في شيء واحد، لقد خسر كل شيء، وهي تعرف جيدًا كيف يشعر.

قبل أن تتمكن من الرد، انفتح باب المكتب فجأة، ليتسلل منه صوت بكاء ناعم. التفتت بسرعة لترى الطفل الصغير واقفًا هناك، ودموعه تنهمر بصمت على وجنتيه. لم يمهلها لحظة واحدة، بل اندفع راكضًا نحوها، متشبثًا بفستانها بقوة كأنه يخشى أن تضيع منه.

إلين بقلق وهي تحاول تهدئته: "ماذا حدث، صغيري؟"

لم يجب، فقط زاد من إحكام قبضته عليها، واضعًا رأسه على صدرها بينما ترتجف أنفاسه المتقطعة. نظرت إلى إدوارد الكبير، الذي كان يراقب المشهد بصمت، عينيه تلمعان بشيء يشبه الدهشة.

إدوارد وهو يمرر يده في شعره بانزعاج: "يبدو أنه لن يترككِ وشأنكِ بعد الآن."

رفعت إلين رأسها لتنظر إليه، محاولة أن تستشف ما يدور في ذهنه، لكنه سرعان ما أعطاها ظهره، متجهًا إلى النافذة، متأملاً الظلام في الخارج. مرّت لحظات من الصمت قبل أن يتحدث مجددًا، لكن هذه المرة بنبرة حازمة لا تقبل الجدال.

إدوارد بقرار نهائي: "من اليوم فصاعدًا، ستنتقلين إلى غرفته."

اتسعت عيناها بصدمة، لكنها لم تستطع النطق بكلمة واحدة، بينما كان الطفل الصغير لا يزال متعلقًا بها، كأنه قد وجد ملجأه أخيرًا.

ارتفع حاجبا إلين بذهول وهي تحدق في إدوارد غير مصدقة ما سمعته.

إلين باندهاش: "ماذا؟ تريدني أن أنام معه في غرفته؟"

التفت إدوارد إليها ببرود، وعيناه تراقبان الطفل المتشبث بها كأنه لن يسمح لها بالابتعاد.

إدوارد بنبرة ثابتة: "ألم تري بنفسك؟ إنه لا يريد أن يبتعد عنكِ، وبما أن وجودك يريحه، فمن الأفضل أن تظلي معه."

حدقت إلين في الصغير الذي كان يدفن وجهه في صدرها، ويده الصغيرة ممسكة بفستانها بقوة. كان جسده لا يزال يرتجف قليلاً من البكاء، وكأن مجرد التفكير في ابتعادها عنه يثير خوفه.

إلين وهي تزفر بضيق: "ولكن... هذا غير منطقي. أنا لست مربيته."

إدوارد بحدة: "أعلم، لكنكِ الوحيدة التي يشعر معها بالأمان. وأنا لا أنوي إجباره على الانفصال عنكِ الآن."

نظرت إلين إلى الطفل مجددًا، ثم أطلقت تنهيدة استسلام. لم تكن معتادة على أن تكون مسؤولة عن ***، لكنها لم تستطع تجاهل نظراته المتوسلة.

إلين وهي تهمس لنفسها: "يبدو أنني تورطتُ معكما..."

ابتسم الطفل ابتسامة صغيرة لأول مرة منذ رأته، وكأن كلمتها الأخيرة كانت كافية لطمأنته، بينما ظل إدوارد يراقب المشهد بصمت، وعيناه تلمعان بشيء لم تتمكن من تفسيره.
كان إدوارد يقف عند باب الغرفة، ينظر إلى ابن أخيه الذي كان يجلس على الفراش، ساقاه الصغيرتان تتدليان وهو يهزّهما بخفة، وعيناه مثبتتان على الحمام بانتظار خروج إلين. لم يكن المشهد مألوفًا لإدوارد، بل كان مدهشًا حدّ الصدمة. لم يره يومًا مترقبًا بهذا الشكل، بل لم يره يومًا ينتظر أحدًا بهذه اللهفة.

عقد إدوارد حاجبيه، متسائلًا عما يحدث مع هذا الطفل المنغلق على نفسه، والذي بالكاد يتفاعل مع أحد. كان دومًا يظن أن الصغير لا يهتم بشيء، لكنه الآن يبدو وكأنه في عالم آخر، ينتظر بترقّب.

قبل أن يسترسل في أفكاره، فُتح باب الحمام، وخرجت إلين، تمسح شعرها بمنشفة صغيرة، وقميص نومها الأحمر الطويل ينسدل عليها بانسيابية. كان ذا أكمام قصيرة، لكنه لم يكن فاضحًا تمامًا، رغم أن اللون وحده كان كافيًا ليشعل أعصاب إدوارد.

كانت منشغلة بفرك خصلاتها حين لاحظت نظرات الطفل، فتوقفت عن الحركة ونظرت إليه بدهشة، ثم ابتسمت بلطف واقتربت منه.

إلين بنعومة: "هل كنت تنتظرني، صغيري؟"

لم يجب الطفل، لكنه قفز فجأة من مكانه وركض نحوها، متشبثًا بطرف قميصها، وكأنه يخشى أن تختفي من أمامه.

راقب إدوارد المشهد بعينين ضيقتين، لم يكن مرتاحًا أبدًا لرؤية هذا التعلق السريع. كان الأمر غير منطقي، بل غير طبيعي بالنسبة له. كيف استطاعت هذه المرأة أن تقتحم عالم الطفل بهذه السهولة؟

لكنه لم يستطع التفكير طويلًا، لأن عيناه التقطتا فجأة تفاصيل قميصها عن قرب، ليشعر بغضب يشتعل في داخله.

إدوارد بحدة: "ما هذا الذي ترتدينه؟ هل تظنين أنكِ ستنامين بهذه الهيئة بينما هناك *** بجوارك؟"

رفعت إلين حاجبيها بدهشة من نبرته الغاضبة، ثم نظرت إلى نفسها قبل أن تعود لتنظر إليه، قائلة ببرود:

إلين: "إنه مجرد قميص نوم مريح، ليس أكثر."

إدوارد بسخرية باردة: "مريح؟ وهل تعتقدين أنني سأسمح لكِ بالتجول في منزلي بهذا الشكل؟"

تنهدت إلين بضيق، ثم جلست على طرف السرير، وبدأت تفرك شعر الطفل بلطف، وكأنها تتجاهله تمامًا.

إلين بلا مبالاة: "أنت تبالغ كثيرًا، سيّد كينغستون، ثم إنني لا أرتديه إلا أثناء النوم، ولست أخطط للتجول به أمام رجالك."

ضغط إدوارد على أسنانه، محاولًا كبح غضبه، ثم قال بصوت حازم:

إدوارد: "غدًا أريدك أن ترتدي شيئًا أكثر لياقة، وإلا سأجد لكِ ملابس بنفسي."

نظرت إليه إلين باستفزاز، ثم رفعت ذقنها بتحدٍ واضح.

إلين: "هل تهتم بأمر مظهري إلى هذه الدرجة؟ أم أنكَ كنت تراقبني طيلة الوقت؟"

شعر إدوارد برغبة في جرّها من يدها وإخراجها من الغرفة، لكنها لم تكن المشكلة الآن. المشكلة الحقيقية كانت ذلك الطفل الصغير، الذي ما زال متمسكًا بها، وكأنه يخشى أن يأخذها أحد منه.

أطلق زفرة ثقيلة قبل أن يقول بنبرة أخف حدة:

إدوارد: "ما يهمني هو أنكِ تعيشين في منزلي، وتحت رعايتي، ولن أسمح بأن يُقال عنكِ شيء غير لائق."

في تلك اللحظة، تجمدت ملامح إلين قليلًا، وشعرت بشيء غريب يتسلل إلى قلبها. لم يكن كلامه مجرد أمر، بل كان يحمل شيئًا آخر، شيئًا لم تفهمه تمامًا.

لكنها لم ترد، فقط نظرت إلى الطفل الصغير، الذي كان قد استسلم للنوم بين ذراعيها، قبل أن تهمس بصوت خافت:

إلين: "حسنًا، سأرتدي شيئًا آخر غدًا."

نظر إدوارد إلى الطفل الذي كان متشبثًا بإلين، بينما كانت هي تمسح على رأسه بحنان، محاولة تهدئته ليخلد إلى النوم. لكن الصغير لم يكن مهتمًا بأي شيء سوى التمسك بها، وكأنه يخشى أن تختفي إذا أغمض عينيه.

زفر إدوارد بضيق، لكنه لم يقل شيئًا. بدلًا من ذلك، اتجه نحو الخزانة وسحب بطانية دافئة، ثم عاد ليقترب منهما، وبحركة هادئة، غطّاهما معًا، حتى لا يشعر أحدهما بالبرد.

كان على وشك أن يبتعد، لكنه لاحظ نظرات الطفل، الذي لم يكن يُبعد عينيه عن شعر إلين الأحمر المتشابك فوق الوسادة. شعره الصغير المائل للون الكستنائي كان يلامس خصلاتها، لكنه لم يبدُ مهتمًا، بل كان يحدق بانبهار، وكأنه يراها لأول مرة.

جلس إدوارد على طرف السرير، وعاد كعادته كل ليلة ليمرر أصابعه بين خصلات الصغير، تلك العادة التي أصبحت جزءًا من لياليه، لكن الليلة كان هناك شيء مختلف.

لم يكن الطفل يكترث بلمسات عمه المعتادة، كان فقط يحاول مدّ يده الصغيرة ليلامس شعر إلين الحريري، يلف خصلة بين أصابعه وكأنه يحاول استيعاب ملمسه المختلف.

نظر إدوارد إلى هذا المشهد بصمت، ثم امتدت يده تلقائيًا ليمرر أصابعه بين خصلات الصغير كما يفعل دومًا، لكن عينيه لم تبتعدا عن تلك الخصلات الحمراء التي خطفت اهتمام الطفل بالكامل.

لم يستطع إنكار أن لون شعرها كان غريبًا، نادرًا، يلمع تحت ضوء المصباح الخافت بطريقة مميزة. كان شيئًا لا يُرى كل يوم. ربما لهذا السبب انجذب الطفل إليه بهذه الطريقة.

أما إلين، فلم تكن تدرك أي شيء مما يحدث حولها، فقد غلبها النعاس سريعًا، واستسلمت للنوم قبل كليهما، وكأنها شعرت بالأمان للمرة الأولى منذ فترة طويلة.

ظل إدوارد يراقب المشهد للحظات، قبل أن يُخفض بصره قليلًا، ثم نهض بصمت، تاركًا الغرفة أخيرًا، لكن عقله لم يكن قادرًا على تجاوز ما رآه.

هذه المرأة... كانت تُغيّر الكثير من الأشياء في هذا المنزل، دون أن تدرك ذلك حتى.

وقف إدوارد عند الباب، يلقي نظرة أخيرة على المشهد أمامه-الطفل متشبث بإلين كأنها عالمه الوحيد، وأصابع يديه الصغيرة تتغلغل في خصلاتها الحمراء الحريرية، وكأنه مسحور بها.

زفر إدوارد بضيق، وهو يراقب نومها الهادئ بجوار الصغير، تلك الملامح المسترخية التي لم يرها عليها من قبل. كانت تبدو... مسالمة، بعيدة كل البعد عن تلك المرأة العنيدة التي تجادل في كل شيء.

لكنه سرعان ما قطب حاجبيه وهو يشيح بنظره عنها، بينما فكرة مجنونة تمر في ذهنه.

"اللعنة... حتى الطفل لم يسلم من سحرها، قادرة حتى على إغواء صبي صغير؟!"

شدّ على قبضة الباب بقوة، يحاول طرد تلك الفكرة من رأسه، لكن الحقيقة كانت واضحة أمامه-هذا الطفل الذي لم يسمح لأحد بالاقتراب منه منذ الحادثة، هو الآن يحتضنها كما لو كانت جزءًا منه، كأنها الوحيدة التي يمكنه الوثوق بها.

"هذا الطفل لم أكن أعلم أنه بهذه الخبث..." تمتم في نفسه، ونظر إليها مجددًا.

كانت مستلقية بسلام، أنفاسها هادئة، وقميصها الأحمر ينسدل عليها بانسيابية تُبرز أنوثتها بوضوح. عضّ على شفتيه وهو يشيح بوجهه سريعًا.

"تنام الآن بجواره... كأنها مجرد كتلة من الفتنة المتحركة..."

زفر بضيق، ثم أدار ظهره وخرج من الغرفة، يغلق الباب خلفه بصمت، محاولًا إبعاد تلك الأفكار التي بدأت تتسلل إلى ذهنه دون إذنه.

في صباح اليوم التالي

استيقظ إدوارد مبكرًا كعادته، لكنه شعر بفراغ بجانبه. عبس قليلًا وهو ينهض متجهًا إلى غرفة ابن أخيه، حيث ترك إلين والطفل نائمين الليلة الماضية. فتح الباب بهدوء، لكن ما رآه جعله يقف مكانه للحظة.

كان الطفل مستيقظًا، يجلس على السرير بهدوء، وعيناه مثبتتان على إلين التي لا تزال تغط في نوم عميق بجواره. كان يتأملها بصمت، وكأنه يحاول حفظ ملامحها في ذاكرته.

رفع إدوارد حاجبه بدهشة، ثم اقترب وجلس بجوار الطفل، مائلًا نحوه وهو يهمس بسخرية:
"أيتها المهرّة الجامحة، حتى الأطفال لا يسلمون من سحركِ."

ثم التفت إلى الصغير وهمس له:
"هل تراها جميلة؟ متى أصبحت خبيثًا وتعشق النساء هكذا؟"

لكن الطفل لم يلتفت إليه، ولم يهتم حتى بسؤاله، فقط استمر في تأملها، مما جعل إدوارد يزفر بضيق. لكنه عندما نظر إلى إلين، فهم السبب.

كانت نائمة على جنبها، خصلات شعرها الأحمر متناثرة على الوسادة، أنفاسها هادئة وعميقة، لكن الغطاء قد انزلق قليلًا، كاشفًا عن جزء من كتفها وأعلى صدرها.

قبض على يده بإحكام وهو يتمتم بين أسنانه:
"تبًّا… هذه المرأة لا تدرك مدى خطورتها حتى وهي نائمة."

أشاح بوجهه بسرعة ونهض من مكانه موجهًا حديثه إليها بصرامة:
"انهضي حالًا وارتدي شيئًا مناسبًا، لا يمكنكِ النوم بهذا الشكل في وجود *** بجواركِ."

تململت إلين قليلًا، ثم فتحت عينيها ببطء وهي تحاول استيعاب ما يحدث. نظرت إلى الطفل الذي كان لا يزال يراقبها باهتمام، ثم رفعت رأسها قليلًا ونظرت إلى إدوارد، الذي كان يشيح ببصره بعيدًا بوضوح.

تثاءبت قليلًا قبل أن تهمس بنعاس:
"ماذا الآن، سيد كينغستون؟"

كان يحاول جاهدًا ألا ينظر إليها، فأشار إلى الخزانة قائلاً بحدة:
"انهضي وارتدي شيئًا لائقًا، لن تبقي بهذا الشكل في منزلي."

ابتسمت إلين بمكر، ثم مالت برأسها قليلًا وهي تقول بسخرية:
"إذن أنت من سيقرر ما أرتديه؟"

نظر إليها ببرود، ثم إلى الطفل الذي لا يزال مستغرقًا في تأملها، قبل أن يقول بحزم:
"أنا والطفل سنختار لكِ ملابسك."

ضحكت إلين بخفة، ثم نظرت إلى الصغير الذي بدا سعيدًا بالفكرة، وعادت ببصرها إلى إدوارد قائلة:
"رائع، لنرَ ذوقكما."

زمّ شفتيه بغيظ وهو ينظر إلى الطفل، الذي بدا وكأنه وجد في إلين حليفًا قويًا.

وهنا أدرك إدوارد أن هذه المرأة قادرة حتى على أسر قلوب الأطفال… اللعنة، أي نوع من الفتنة جلبها إلى منزله؟
بينما كانت إلين لا تزال في الحمام، جلس إدوارد على طرف السرير وهو يراقب الطفل الذي كان يقف أمام الخزانة، يعبث بملابسها بحماس طفولي. كان الصغير يسحب قطعة بعد أخرى، وكل واحدة كانت أسوأ من سابقتها في نظر إدوارد—قصيرة، شفافة، وكأنها مصممة عمدًا لتعذيب أعصابه.

تمتم إدوارد بسخرية وهو يرى الطفل يرفع فستانًا بالكاد يمكن تسميته بالملابس: "اعترف أنك مغرم بها، لكن إن كان هذا ذوقك، فلتمشِ عارية أفضل!"

لكن الطفل لم يعره أي اهتمام، بل واصل البحث وكأنه مصمم على اختيار الأسوأ. كلما أخرج قطعة جديدة، كان إدوارد يرفع حاجبه بعدم تصديق.

وأخيرًا، بعد أن امتلأت السرير بالفساتين القصيرة والثياب التي لا يمكن أن ترتديها امرأة محترمة، زفر إدوارد بضيق وقال بحدة: "اللعنة! ألا تملك هذه المرأة أي شيء محتشم؟ مجرد قطعة قماش لا تكشف أكثر مما تستر؟!"

رفع الطفل رأسه لينظر إليه، لكن بدلاً من الرد، مد يده وسحب فستانًا آخر بالكاد يغطي شيئًا. حدق إدوارد في القطعة الصغيرة بين يدي الطفل، ثم تمتم وهو يمرر يده في شعره: "هذه المرأة ليست بشرية... كيف يمكن أن تمتلك كل هذا القدر من الفتنة؟ حتى أنت، أيها الصغير، وقعت ضحية سحرها!"

وقف يتأمل الفوضى التي أحدثها الطفل بين الملابس، ثم أغمض عينيه للحظة محاولًا استعادة هدوئه، مدركًا أن العثور على شيء مناسب لإلين كان مهمة شبه مستحيلة.

نظر إدوارد إلى ابن أخيه الذي كان لا يزال ممسكًا بفستان آخر غير مناسب، ثم زفر بإحباط وقال بحزم:

"حسنًا، بما أن اختيار شيء محتشم من بين هذه الكومة مستحيل، سنختار الأقل جرأة فقط، لكن هذا لا يكفي... سنأخذها للتسوق اليوم، وعندها سنتأكد من شراء ملابس تليق بامرأة تعيش تحت سقفي."

بمجرد أن سمع الطفل كلماته، اتسعت عيناه بحماس، ثم بدأ يقفز من الفرح، وكأن إدوارد قد وعده بأفضل يوم في حياته.

راقب إدوارد تفاعله بدهشة، فهو لم يرَ الطفل بهذه السعادة من قبل. رفع حاجبه وقال بسخرية:

"أرى أنك متحمس أكثر مما توقعت... لا تقل لي أنك متشوق لرؤيتها تختار فساتين جديدة أيضًا؟"

لكن الطفل لم يعره اهتمامًا، بل استمر في القفز بحماسة، مما جعل إدوارد يزفر بابتسامة جانبية، قبل أن يلتفت إلى باب الحمام وينتظر خروج إلين، متأكدًا أنها لن تكون سعيدة بهذا القرار.

كانت إلين تجلس على درجات المدخل السفلي، ترتدي برمودا جينز وقميصًا أزرق طويلًا، بينما وضعت شالًا خفيفًا على كتفيها. كانت تبتسم وهي تنظر إلى الطفل الجالس بجانبها، يضحك لها بحماس، وعيناه البريئتان تلمعان بسعادة.

"أتعلم؟ أنا سعيدة جدًا لأنني وجدت صديقًا صغيرًا مثلك..." قالتها إلين وهي تلاعب خصلات شعره بخفة، لكنه اكتفى بالنظر إليها بابتسامة هادئة.

توقفت للحظة، ثم عقدت حاجبيها كأنها تذكرت شيئًا مهمًا. "لكن لحظة! نحن أصبحنا أصدقاء، ومع ذلك لا أعرف اسمك!" قالتها وهي تميل نحوه بحماس، لكنه لم يُجب كعادته، فقط نظر إليها بعينيه الصافيتين.

أملت رأسها بفضول، ثم زفرت وهي تمسك خده الصغير برفق. "حسنًا، لا بأس... حتى لو لم تخبرني الآن، سأكتشفه بنفسي لاحقًا!"

في هذه الأثناء، كان الخدم يراقبون المشهد من بعيد، يتهامسون فيما بينهم وهم ينظرون إلى إلين بإعجاب وصدمة.

"هل ترى كيف يبتسم لها الصغير؟ لم أرَه بهذه السعادة منذ وقت طويل!"

"إنها فاتنة... لا عجب أن الجميع يقول إنها أغوت سيد الرياح نفسه!"

"لكني لا أفهم! إنه رجل لا يلين أبدًا أمام أي امرأة، كيف استطاعت هذه الفتاة أن تؤثر عليه بهذا الشكل؟"

كان الهمس يتصاعد بينهم بينما كانت إلين لا تزال تتحدث مع الطفل، غير مدركة لنظراتهم المحملة بالدهشة والفضول.

وبينما كانوا ينتظرون وصول إدوارد بالسيارة، كانت إلين تشعر للمرة الأولى منذ وصولها إلى هذا المكان... بأنها ليست وحدها تمامًا.

جلست إلين في المقعد الأمامي بجوار إدوارد، بينما كان الطفل مستلقيًا في حضنها، يتشبث بها براحة وكأنه وجد عالمه الآمن بين ذراعيها. السيارة تتحرك بسلاسة على الطريق، والهواء المنعش يتسلل عبر النوافذ المفتوحة قليلًا، مما منح الأجواء شعورًا بالحرية.

"إذًا، هل تملكون الكثير من الخيول هنا؟" سألت إلين بحماس، وهي تنظر إلى إدوارد الذي كان يقود السيارة بتركيز.

أجابها دون أن يحيد بعينيه عن الطريق: "بالطبع، المزرعة تضم أفضل سلالات الخيول، بعضها نادر جدًا."

لمعت عيناها بحماس أكبر، "هذا رائع! الخيول مخلوقات مذهلة، قوية وأنيقة في الوقت ذاته... عندما أنظر إليها أشعر بأنها تمتلك أرواحًا حرّة، لا تقبل القيود بسهولة."

نظر إليها للحظة، للمرة الأولى أعجبه حديثها، وجد في كلماتها فهمًا عميقًا لما يشعر به تجاه هذه المخلوقات النبيلة.

التفتت إلى الطفل الذي كان يلعب بأطراف قميصها وسألته بلطف: "وأنت، هل تحب الخيول؟" لكنه كالعادة لم يُجب، فقط نظر إليها بنظرة هادئة.

عادت بنظرها إلى إدوارد وسألته: "بالمناسبة، لم تخبرني بعد... ما اسمه؟"

أجابها إدوارد ببساطة: "إدوارد."

اتسعت عيناها بدهشة قبل أن تنفجر ضاحكة: "حقًا؟! إذًا أنتما تحملان نفس الاسم؟!"

أومأ إدوارد دون أي انفعال، وقال بصوت هادئ: "أخي الأصغر كان يحبني كثيرًا، لذلك قرر أن يسمي ابنه على اسمي."

نظرت إلين إلى الطفل بحنان أكبر، ثم إلى إدوارد الذي بدا وكأن صوته يحمل نغمة دافئة نادرة. للحظة، شعرت بشيء مميز في هذه العائلة، ذلك الترابط الذي تفتقده هي...

"يبدو أن عائلتك تحمل الكثير من المشاعر الدافئة." تمتمت إلين بابتسامة، وهي تتأمل الجو العائلي الذي بدأت تحبه بالفعل.

عندما وصلوا إلى المركز التجاري، كان الجو مليئًا بالحركة، الأضواء الساطعة تلمع في كل مكان، والأصوات المختلطة من المتسوقين والموسيقى الهادئة تملأ الأجواء. كان إدوارد يسير بجوار إلين، بينما كان الطفل الصغير يمسك بيدها بحماس، يتنقل بين المحلات بفضول طفولي.

عندما دخلوا أحد المتاجر الفاخرة لشراء الملابس، استقبلتهم البائعة بابتسامة احترافية، لكنها ما لبثت أن نظرت إليهم نظرة مختلفة، خاصة عندما لاحظت كيف كان إدوارد ينتقي الملابس لإلين بعناية، متجولًا بين الرفوف ويختار القطع التي تناسبها دون أن يسألها كثيرًا، وكأنه معتاد على فعل ذلك.

"لديكما ذوق رائع كزوجين!" قالت البائعة بلطف، وهي تناولهما بعض الخيارات.

كادت إلين تختنق من الصدمة، بينما رفع إدوارد حاجبه ببرود وقال دون اهتمام: "نحن لسنا متزوجين."

لكن البائعة لم تقتنع كثيرًا، خاصة عندما رأت الطفل الذي كان متشبثًا بإلين طوال الوقت، بل وزاد الأمر عندما أصر الصغير على اختيار بعض الملابس بنفسه لإلين.

تمتمت البائعة باندهاش، وهي تراقبهم: "حسنًا... لكنكم تبدون كعائلة سعيدة."

نظرت إلين إلى إدوارد بطرف عينها، لكنها لم تستطع قراءة أي تعبير على وجهه. أما الطفل، فلم يكن مهتمًا سوى بمساعدة إدوارد في اختيار الملابس، مما جعل الموقف يبدو أكثر واقعية في نظر الجميع.

بعد فترة، لاحظ إدوارد أمرًا غريبًا... إلين لم تكن تتصرف كأي فتاة عادية عند دخولها متجرًا فاخرًا، لم يكن هناك أي اندهاش أو تردد، بل تعاملت مع الأمر وكأنه شيء مألوف تمامًا بالنسبة لها. طريقة لمسها للأقمشة، اختيارها السريع للملابس، وحتى ارتياحها التام في الأماكن الفاخرة، كلها أمور لم تمر عليه مرور الكرام.

"يبدو أنكِ معتادة على هذه الأماكن." قال بصوت منخفض وهو يراقبها بتركيز.

نظرت إليه إلين لثانية، ثم رفعت كتفيها بلا مبالاة: "أليست هذه مجرد متاجر؟"

لم يُجب، لكنه حفظ ملاحظته في عقله، هناك شيء غير واضح حولها...

بعد انتهاء التسوق، قرروا التوجه إلى أحد المطاعم الفاخرة في المركز التجاري لتناول الطعام. جلسوا على طاولة أنيقة بجوار نافذة ضخمة تطل على المدينة، وبينما كانت إلين تتصفح قائمة الطعام، كان إدوارد يراقبها بصمت، يحاول قراءة تلك المرأة التي دخلت حياته فجأة، وأثارت داخله تساؤلات لم يعتدها.

بينما كانت إلين منهمكة في تصفح قائمة الطعام، كان الطفل الصغير يجلس بجوارها بحماس، يشير إلى الصور الملونة للأطباق ويقترح عليها ما يجب أن تطلبه. كانت تضحك وتمازحه، مما جعل النادل الذي كان يقف بجوار الطاولة يبتسم بدوره، لكن لم تكن مجرد ابتسامة عادية… كانت نظراته مليئة بالإعجاب، وهو يراقبها وكأنها أجمل ما رأى في حياته.

إدوارد، الذي كان جالسًا قبالتها، لاحظ تلك النظرات فورًا. حدّق بالنادل ببرود، ثم وبحركة هادئة لم تلفت انتباه إلين أو الطفل، التقط السكين الموضوع بجواره على الطاولة، وقلبها بين أصابعه بطريقة جعلت النادل يتجمد في مكانه.

"أظن أن لديك عملًا آخر غير التحديق في زبائنك." قال بصوت خفيض، لكن نبرته حملت تهديدًا خفيًا جعل النادل يبلع ريقه بتوتر.

"أنا… آسف، سيدي، سأحضر طلبكم حالًا." تمتم النادل بسرعة، وانسحب فورًا من المكان، متجنبًا نظرة إدوارد القاتلة.

لم تكن إلين منتبهة لما حدث، فقد كانت مشغولة مع الطفل، تتحدث معه عن الأطباق التي اختاروها، ولم تلاحظ حتى التغيير الطفيف في تعابير وجه إدوارد، الذي كان لا يزال يحدق بالنادل المغادر ببرود، قبل أن يعيد السكين بهدوء إلى مكانها، وكأن شيئًا لم يكن.

بعد لحظات، عاد ليحدق في إلين التي كانت تتحدث بسعادة مع الصغير، غير مدركة تمامًا لما حدث للتو، وهنا فقط أدرك حقيقة واحدة… هذه المرأة دون أن تفعل شيئًا، قادرة على إثارة الفوضى .

عندما عاد النادل بالطعام، كانت يداه ترتجفان قليلاً وهو يضع الأطباق على الطاولة، متجنبًا تمامًا النظر إلى إدوارد الكبير. لم يعره الأخير أي اهتمام، بل كان تركيزه منصبًّا على الطفل الجالس أمامه، والذي كان يتناول طعامه بهدوء، غير مكترث بأي شيء حوله.

بدأ الحديث بينهم يأخذ منحى جادًّا، عندما ذكر إدوارد الكبير أن أستاذ الصغير اشتكى منه مجددًا. رفع الطفل نظره نحوه بلا اهتمام، ثم عاد إلى طعامه، وكأن الكلام لا يعنيه.

نظر إليه إدوارد الكبير ببرود، ثم قال بنبرة هادئة ولكنها تحمل في طياتها التوبيخ:
"كالعادة، غير مهتم، أليس كذلك؟"

بدون أن ينبس بكلمة، رفع الطفل كتفيه في حركة غير مبالية. عندها، ضاقت عينا إدوارد الكبير وهو يقول بحزم:
"ألم أقل لك من قبل أنني لا أحب هذه الحركة؟"

وهنا، تبادل الاثنان نظرات تحدٍّ صامتة، كانت متطابقة بشكل مدهش… نفس البرود، نفس العناد، نفس التحدي غير المعلن.

إلين، التي كانت تراقب هذا المشهد، لم تستطع تمالك نفسها فانفجرت ضاحكة، ثم قالت بمرح وهي تشير إليهما:
"أقسم أنكما نسخة طبق الأصل! نفس النظرة، نفس الطريقة، كأنك تتحدث مع انعكاسك في المرآة!"

إدوارد الكبير التفت إليها ببطء، بينما ظل الطفل يتأمل ضحكتها، وكأنه يراها للمرة الأولى. أما إدوارد الكبير، فقد نظر إلى الطفل بسخرية، متسائلًا في داخله إن كان هذا الصغير قادرًا على الشعور بأي شيء غير اللامبالاة المعتادة، أم أن ضحكة إلين كانت استثناءً استطاع أن يخترق بروده المعتاد؟

ذهب إلين والطفل الي الحمام
بينما كانت إلين تمسك بيد إدوارد الصغير وتعود إلى الطاولة، ظهر رجل فجأة في طريقهما، عيناه تجولان بجسارتها الوقحة على جسدها من أعلى رأسها إلى قدميها، قبل أن يبتسم ابتسامة موحية قائلاً بصوت مليء بالجرأة والوقاحة:

"يا له من *** محظوظ… أمه ليست جميلة فقط، بل فاتنة تُسيل اللعاب."

انعقد حاجبا إلين واشتعلا عيناها بالغضب، وقبضت على يد الطفل أكثر، محاولةً تهدئته دون أن تُبعد نظرها عن الرجل. تقدمت للأمام خطوة، تحاول أن تمر بجانبه، لكن الرجل لم يفسح لها الطريق، بل ازداد وقاحة وهو يقول بنبرة مستفزة:

"إلى أين أنتِ ذاهبة بهذه العجلة، فاتنتي؟ لمَ لا تجلسين معي قليلًا؟ أعدك أني أجيد التعامل مع النساء أمثالكِ."

شعرت إلين بالغثيان من وقاحته، لترد بحدة وهي تحاول دفعه عن طريقها:

"ابتعد عن وجهي، أيها القذر!"

ضحك الرجل بصوت عالٍ، وكأنه يستمتع باستفزازها، ثم اقترب أكثر وهمس بصوت خبيث:

"أوه، لديك لسان سليط… أُحب ذلك. لكن لا تتعجلي، لم أبدأ حتى بعد."

في تلك اللحظة، شعرت إلين بشيء بارد يلامس خصرها. نظرت إلى الأسفل ببطء، وقلبها يخفق بشدة، لتجد مسدسًا صغيرًا يلمع في يده، وهو يضغط به على جانبها، ثم قال بصوت منخفض لكنه محمّل بالتهديد:

"ما رأيكِ أن تكوني أكثر لطفًا؟ لا أريد أن أؤذي وجهكِ الجميل."

رأت إلين كيف اتسعت عينا الطفل بجانبها، فالتفتت نحوه سريعًا، ومدّت يدها لتربت على رأسه برفق، كما لو كانت تخبره أن يبقى هادئًا. ثم عادت تنظر للرجل، لكن هذه المرة كانت عيناها ممتلئتين بالاحتقار، قبل أن ترفع ذقنها وتقول بصوت هادئ لكنه محمّل بالقوة:

"يبدو أنك لا تعرف من أنا… أنا زوجة إدوارد كينغستون، وهذا ابنه."

ساد الصمت للحظات، وبدت الصدمة واضحة على وجه الرجل، بينما تراجع بضع خطوات بسرعة. تردد بين تصديقها أو اعتبارها تكذب، لكن نظرة التحدي في عينيها جعلته يدرك أنها لم تكن تمزح.

إدوارد كينغستون… الاسم وحده كفيل بأن يجعله يراجع حساباته.
بينما كان الرجل يتراجع بخطوات متسارعة، لم يكن قد استوعب بعد وقع الاسم الذي سمعه لتوّه. لم يجرؤ حتى على النظر إلى الوراء، فقط استدار وفرّ هاربًا كأن الشيطان يطارده، وكأن مجرد ذكر اسم "إدوارد كينغستون" كان كافيًا ليشعر بالخطر الحقيقي يحيط به.

في تلك اللحظة، ظهر إدوارد بنفسه، كان يقترب من الممر المؤدي إلى الحمامات بعد أن لاحظ تأخرهما، ولكن ما أوقفه لم يكن سوى المشهد أمامه—الرجل الذي يركض بجنون، وإلين التي كانت جاثية على الأرض، تضم إدوارد الصغير إلى صدرها بقوة، تهمس له بكلمات مطمئنة بينما كانت أصابعها تمر ببطء في شعره الصغير.

وقف للحظة، يراقبها بصمت. مزيج غريب من المشاعر راوده، لكنه أخفاها خلف ملامحه الجامدة، قبل أن يقترب أكثر ويسأل بصوت هادئ لكنه محمّل بالحدة:

"ماذا حدث هنا؟"

رفعت إلين نظرها إليه، وكان لا يزال هناك أثر للقلق في عينيها، لكنها تنهدت وقالت بصوت منخفض:

"أحد الحمقى ظن أنه يستطيع العبث معي… لكنه لم يكن يعلم أنني زوجة إدوارد كينغستون."

ارتفع حاجب إدوارد قليلاً، قبل أن ينحني بجسده قليلًا لينظر في عينيها مباشرة، وكأن عينيه تبحثان عن أي أثر للمبالغة في كلامها، لكن كل ما وجده كان ثقة غريبة، ثقة استفزته أكثر مما توقع.

"زوجتي؟" قالها بصوت منخفض، بنبرة تحمل شيئًا خفيًا لا تستطيع هي قراءته تمامًا.

لكنها لم تهتز، فقط نظرت إليه ببرود وقالت: "نعم، وهذا ما جعله يهرب دون حتى أن يحاول التحدث مجددًا."

ظل يحدّق بها للحظة، قبل أن يحوّل نظره إلى الطفل الذي كان لا يزال متشبثًا بها، ثم زفر ببطء قبل أن يقول بجمود:

"هيا، لنغادر من هنا."

ثم دون أن يقول شيئًا آخر، أمسك بمعصمها وسار بها إلى الخارج، بينما ظل الطفل في أحضانها، ورأسه يستند على كتفها في صمت.

بينما كانت السيارة تشق طريقها عبر الطرق الهادئة، كان الصمت يخيّم على الأجواء. إدوارد كان يركز على الطريق، لكن بين الحين والآخر، كانت عيناه تراقب إلين عبر المرآة الجانبية. الطفل كان قد استسلم للنوم بين ذراعيها، أنفاسه الهادئة تدل على مدى الأمان الذي شعر به في أحضانها.

فجأة، أدار إدوارد المقود ناحية جانب الطريق وأوقف السيارة. نظرت إليه إلين باندهاش، لكنها لم تتكلم حتى استدار ناحيتها وسألها بصوت منخفض لكنه محمل بالغضب المكبوت:

"أخبِريني الآن... ماذا حدث بالضبط؟ لا أريد اختصارات."

زفرت إلين ببطء، ثم رمقته بنظرة ثابتة قبل أن تبدأ في الحديث، تروي له ما حدث بالتفصيل، كيف أن الرجل نظر إليها بجرأة وقاحة، وكيف لم يتردد في إطلاق تعليقات سافلة عنها، وكيف واجهته دون تردد، وكيف تحول الأمر إلى تهديد حين أخرج مسدسه وأشهره أمامها وأمام الطفل، وكيف أن كل ذلك انتهى عندما أعلنت أنها زوجة إدوارد كينغستون، ليهرب الرجل كأن الشيطان يطارده.

أثناء حديثها، كانت ترى كيف تغيّرت ملامح إدوارد تدريجيًا. أصابعه كانت مشدودة على المقود بقوة، فكّه كان منقبضًا، وعيناه تزداد قتامة مع كل كلمة تخرج من شفتيها. كان الغضب يتصاعد بداخله كبركان على وشك الانفجار.

عندما أنهت حديثها، ظلّ صامتًا للحظات. أنفاسه كانت أعمق، كما لو كان يحاول السيطرة على نفسه. ثم فجأة، ضرب المقود بقبضته بقوة، مما جعل الطفل يتململ قليلًا في نومه، لكنه لم يستيقظ.

"ذلك الوغد..." تمتم بصوت منخفض لكنه كان كفيلًا بأن يُشعر إلين بالقشعريرة.

نظرت إليه إلين ببرود قائلة: "لقد انتهى الأمر، لا داعي لهذا الغضب."

استدار نحوها ببطء، عيناه تشتعلان غضبًا مكبوتًا: "انتهى؟ هل تظنين أن الأمر انتهى بمجرد هروب ذلك القذر؟"

ثم اقترب منها قليلًا، نبرته كانت حادة لكنها محملة بشيء آخر، شيء لم تفهمه تمامًا: "لا أحد يهدد ما هو لي ويفلت بفعلته، خاصة وأنتِ كنتِ هناك… ومع الطفل."

شعرت إلين بقلبها ينبض بسرعة، لكن قبل أن ترد، أشاح وجهه عنها وأدار المحرك مجددًا، مُكملًا القيادة بصمت… ولكنها كانت تعلم أن هذا الصمت يخفي عاصفة لا بد أن تنفجر قريبًا..

بعد عودتهم إلى المزراعه، كان الهدوء يخيّم على المكان، ولم يكن يُسمع سوى صوت خطواتهم وهم يعبرون الممرات . الطفل كان لا يزال نائمًا بين ذراعيها، وإدوارد كان يسير بجوارها بصمت، لكن ملامحه كانت متجهمة، وكأنه لم يفرّغ بعد كل الغضب الذي اجتاحه في السيارة.

بمجرد أن أوصلت الطفل إلى غرفته، نزلت إلى الطابق السفلي، لتجد إدوارد يقف عند الباب الخلفي للمزراعه، ينظر إلى الخارج بملامح عميقة التفكير. وعندما لاحظ وجودها، لم يقل شيئًا، بل أشار إليها برأسه كي تتبعه.

لم تعرف إلى أين يأخذها، لكنها لحقت به حتى وجدت نفسها في الإسطبل. كان المكان مُضاءً بإضاءة خافتة، وصوت الخيول كان يملأ الأجواء بهدوء، ممزوجًا برائحة العشب والجلد المدبوغ. كانت المرة الأولى التي ترى فيها هذا المكان عن قرب، ووجدت نفسها مأخوذة بجماله ورائحته المميزة.

لكن ما جذب انتباهها أكثر لم يكن الإسطبل، بل الرجل الواقف أمامها.

إدوارد بدا مختلفًا هنا. كان يتحرك بين الخيول براحة واضحة، كأنه جزء من المكان. فتح أحد الأبواب وأخرج حصانًا أسود ذا بنية قوية، وبدأ في تمشيط شعره بحركات هادئة لكنها واثقة. كل حركة من يده كانت تُظهر القوة التي يمتلكها، عضلاته المشدودة تحت قميصه، وقامته الطويلة، وحتى الطريقة التي كان يمسح بها على رقبة الحصان بنظرة دافئة، جعلتها تشعر بشيء غريب يتسلل إلى قلبها.

شعرت بنبضات قلبها تتسارع… لماذا؟

كانت تدرك أن إدوارد رجل وسيم منذ البداية، لكن رؤيته الآن، وسط هذا الجو الريفي، بتلك الرجولة الطاغية والطريقة التي يسيطر بها على الأمور، جعلها تدرك أمرًا لم تكن مستعدة للاعتراف به بعد.

"لماذا جئتِ معي؟" سألها فجأة، وهو لا يزال يركز على الحصان.

رمشت بعينيها كأنها استيقظت من شرودها، ثم قالت بتحدٍّ: "أردتُ رؤية الإسطبل… لمَ تسأل؟"

استدار إليها ببطء، وعيناه ثبتت على وجهها للحظات، قبل أن يبتسم بسخرية: "لا شيء… فقط أراكِ مأخوذة بالمكان أكثر مما توقعت."

حاولت أن تبعد نظراتها عنه، لكن كلما فعلت، كانت عيناها تعودان إليه، إلى تفاصيله، إلى تلك الهالة الرجولية التي تحيط به… وعرفت حينها أن هذه المشاعر التي بدأت تتسلل إلى قلبها لن تكون سهلة التجاهل.
نظرت إليه إلين باهتمام حقيقي هذه المرة، وهي ترى مدى ارتباطه بهذا المكان، كيف يتعامل مع الخيول بثقة وكأنه واحد منهم، ليس فقط رجل أعمال متحجر القلب كما كانت تظن.

"كيف أنشأت هذا المكان؟" سألت، وهي تراقب يديه القويتين وهما تمسدان رقبة الحصان برفق.

نظر إليها للحظة، ثم عاد ليكمل عمله وهو يقول بصوت هادئ لكنه يحمل نبرة اعتزاز: "هذه طبيعة عائلتنا… نحن نعيش بين الخيول منذ أجيال، لكن هذا الإسطبل تحديدًا، أنا من كبره وطوّره. كنت صغيرًا عندما بدأت بالعمل هنا، ومع الوقت أصبح واحدًا من أفضل مزارع الخيول في المنطقة."

لاحظت الشرارة في عينيه وهو يتحدث، وكأنه لم يكن مجرد عمل بالنسبة له، بل شيء يحمل جزءًا من روحه. كانت تستطيع أن ترى الشغف في كلماته، في الطريقة التي كان ينظر بها إلى الخيول، وكأنها جزء منه.

شعرت بإعجاب حقيقي نحوه، لم يكن إعجابًا بجاذبيته أو مظهره فقط، بل بشخصيته، بالطريقة التي بنى بها شيئًا عظيمًا من لا شيء.

ابتسمت له وقالت بصوت صادق: "أنت إنسان رائع، سيد كينغستون."

توقفت يده عن تمشيط الحصان للحظة، كأنه لم يتوقع تلك الكلمات منها. استدار إليها، عينيه تدرس ملامحها وكأنها قالت شيئًا غير مألوف بالنسبة له.

"أنا؟ رائع؟" قالها بسخرية خفيفة، وكأنه غير معتاد على سماع الإطراء.

"نعم،" أكدت، وهي تنظر إليه بثقة. "ليس فقط لأنك قوي أو ناجح، ولكن لأنك تهتم، حتى لو كنت تحاول إخفاء ذلك."

ظل ينظر إليها للحظة بصمت، قبل أن تهرب نظراته بعيدًا، وكأنه لا يريد أن يعترف بأي شيء. لكنه شعر بشيء غريب وهو يسمع كلماتها… وكأنها اخترقت جزءًا بداخله لم يكن يسمح لأحد بلمسه.

في المساء، كان الصغير يجلس على الفراش منتظرًا إلين، عينيه تتجهان نحو باب الحمام المغلق، وكأنه يتوقع خروجها في أي لحظة. دخل إدوارد إلى الغرفة، نظراته الحادة تتنقل بين الطفل وبين الباب.

"هل تنتظرها كأنك فارس ينتظر أميرته؟" قالها بسخرية، وهو يخلع سترته ويرميها على الكرسي القريب.

لم يرد الطفل، فقط نظر إليه ببرود، كما اعتاد دائمًا، وكأن كلماته لم تعنه في شيء.

"ما هذا الوجه الخالي من التعبير؟ أقسم أنك تشبهني أكثر مما ينبغي." تمتم إدوارد وهو يهز رأسه، قبل أن يعود ببصره نحو الباب.

وفجأة، انفتح باب الحمام، وخرجت إلين…

لكن هذه المرة، لم تكن ترتدي فستانًا أو ملابس يومية عادية، بل كانت ترتدي بيجامة نوم ناعمة، قماشها الخفيف ينساب برقة على جسدها، تمنحها مظهرًا من الأنوثة الهادئة والمغرية في آنٍ واحد.

توقف الزمن للحظة…

نظر إليها إدوارد، عيناه تتأملانها بلا وعي، ورغم أنه كان يحاول الحفاظ على تعابيره متماسكة، إلا أن بريقًا خافتًا من الرضا عبر ملامحه للحظة قصيرة.

لكن سرعان ما استعاد سيطرته على نفسه، فعدل من جلسته، وأعاد وجهه إلى قناع البرود المعتاد، متجاهلًا الاضطراب الطفيف الذي سببه له مظهرها.

أما الصغير، فكان كعادته، يتابع الموقف بصمت، وكأن كل شيء لا يعنيه، لكن عينيه كانتا تتأملانها بفضول طفولي.

"هل تأخرت؟" سألت إلين وهي تجفف أطراف شعرها، غير مدركة تمامًا للأثر الذي تركه مظهرها.

"لا بأس، لكن ربما عليكِ التفكير في ملابس أكثر ملاءمة للنوم وأنتِ مع ***." قالها إدوارد بنبرة باردة، لكنه لم يستطع منع نفسه من إلقاء نظرة أخرى عليها قبل أن يشيح بوجهه بعيدًا.

ضحكت إلين بخفة، ثم تقدمت نحو الفراش وجلست بجوار الصغير، الذي سرعان ما تشبث بها، بينما إدوارد كان لا يزال يحاول إبعاد أفكاره عن مظهرها… وعن كيف أن هذه المرأة قادرة على زعزعة هدوئه بسهولة لا تحتمل.
حينما اتي ليغادر امسكه الطفل مشيرا اليه بحركه إدوارد يعرفها ومعناها يريد قصه
إدوارد بسخريه : حقا ولما الان تريد قصه
ليجد إلين تهمهم له انها ايضا تريد ليكمل بسخريه : هل اصبحتي **** الان
ليجد الطفل يتمسك به لينظر الي الين التي كانت فاتنه بمعني الكلمه وهي تنظر له بطفوله إدوارد أخذ نفسًا عميقًا، نظراته أصبحت أعمق وكأن القصة تأخذه إلى مكان آخر، ثم قال بصوت هادئ لكنه مليء بالقوة:

"هل سمعتم من قبل عن كلمة 'إلورا'؟"

إلين رفعت حاجبها بفضول، بينما الطفل مال برأسه في حيرة.

"إلورا؟"

"نعم،" أكمل إدوارد، عينيه تتوهج بانعكاس ضوء المصباح، "إنها كلمة نادرة، قديمة جدًا، تعني الحبيبة التي لا تشبه أحدًا، المرأة التي لا تُنسى، والتي تُشبه الفن في روعته، والإبداع في ندرته."

إلين استمعت بتركيز، بينما الطفل كان يرمش في دهشة.

"يُقال إن هناك رجلاً يُدعى كايلوس، لم يكن فارسًا ولا ساحرًا، بل كان مستكشفًا يبحث عن أكثر الأشياء ندرةً في العالم. لم يكن يريد الذهب، ولا القوة، كان يريد شيئًا واحدًا فقط… 'إلورا'."

الين تمتمت: "ولماذا؟"

ابتسم إدوارد ابتسامة غامضة، ثم قال:

"لأن 'إلورا' ليست امرأة عادية، إنها الروح التي تلهم، الحلم الذي يجعل الحياة تستحق العيش، الجمال الذي لا يمكن لأحد امتلاكه لكنه يغير كل من يراه."

إلين شعرت بقلبها ينبض بقوة، بينما إدوارد أكمل بصوت أعمق:

"قضى كايلوس حياته كلها يبحث عنها… عبر الصحارى القاحلة، الجبال الشاهقة، والبحار الغاضبة. كان يراها في لوحات الرسامين، في أغاني الشعراء، في أحلامه، لكنه لم يجدها أبدًا. قيل له إن 'إلورا' لا تظهر إلا لمن يستحقها، لمن يراها ليس بعينيه… بل بروحه."

إدوارد توقف للحظة، ثم نظر للطفل وقال:

"وفي إحدى الليالي، بعد رحلة طويلة، وجدها."

الطفل فتح عينيه باندهاش، بينما إلين شعرت بقشعريرة خفيفة.

"لم تكن كنزًا، لم تكن قوة… كانت امرأة. لكنها لم تكن مثل أي امرأة أخرى. كانت مليئة بالسحر دون أن تكون ساحرة، كانت ناعمة كنسيم الربيع لكنها قوية كعاصفة، كانت… 'إلورا'."

إلين شعرت بشيء غريب، وكأن الكلمات كانت تلمس شيئًا داخلها، بينما إدوارد أكمل، نبرته أصبحت أكثر دفئًا:

"لكن إليك السر… 'إلورا' ليست مجرد امرأة، إنها الإحساس الذي يبحث عنه الجميع، لكنها لا تكون أبدًا لمن يريد امتلاكها… بل لمن يراها، ويفهمها… ويحترمها."

الين همست بدهشة: "وماذا حدث؟ هل بقي معها؟"

إدوارد ابتسم ابتسامة خفيفة، نظر لإلين للحظة قبل أن يعيد نظره للطفل، ثم قال:

"يقولون إن كايلوس لم يعد أبدًا… ربما لأنه لم يُرِد العودة."


استيقظ إدوارد على ضوء خافت يتسلل من خلف الستائر الثقيلة. للحظة، لم يتحرك. لم يكن من عادته الاستيقاظ متأخرًا، لكنه شعر أن هناك شيئًا غير معتاد في هذا الصباح. صوت صمت مختلف، كأن هناك فجوة غير مرئية في الأجواء.

نهض من سريره، مشى بخطوات هادئة لكن حذرة، متجهًا نحو الغرفة التي ترك فيها المهره الجامحة والطفل. عندما فتح الباب، لم يكن هناك أحد.

لم يسأل الخدم، لم يبدُ عليه القلق، لكنه شعر بانزعاج خفيف. وبينما كان يخطو عبر الممر، اخترق صوت ضحك ناعم أذنيه. ضحكة؟

توقف، ملامحه لم تتغير، لكنه كان يعلم جيدًا لمن تعود تلك الضحكة.

توجه بخطوات واثقة إلى المطبخ، وحين وصل إلى الباب، كان المشهد أمامه غريبًا عليه... المهرة الجامحة، وسط المطبخ، يديها مغطاة بالدقيق، والطفل بجانبها ينظر إليها كما لو كانت عالمه بأكمله.

"ألم يكن من المفترض أن تكوني في غرفتكِ؟" جاء صوته هادئًا لكنه يحمل ذلك البرود المعتاد.
ألين، وهي مشغولة بمزج الخليط، لم ترفع عينيها فورًا، فقط اكتفت بضحكة قصيرة وهي تمسح بعض الدقيق على خد الطفل الذي قهقه بصوت خافت، وهو يحاول التهرب.

"أوه، سيد الرياح بنفسه تشرف بزيارتنا في المطبخ؟" قالتها دون أن تنظر إليه، لكن نبرة صوتها كانت تحمل نفس التحدي المعتاد.

إدوارد لم يرد فورًا. خطا إلى الداخل، عيناه تراقبان المشهد أمامه، لم يكن المشهد مألوفًا له. الدفء، الراحة، وحتى صوت الضحك... أشياء لم يكن معتادًا عليها في هذا المنزل.

نظر إلى الطفل الذي، رغم صدمته، بدا مرتاحًا بجوار ألين، ثم عاد ببصره إليها. شعرها الأحمر كان في فوضى لطيفة، عيناها تتوهجان بحماس، ويديها مغطاة بالدقيق.

"هذا ليس مكانكِ." قالها بهدوء، لكن بنبرة تحمل تحذيرًا خفيًا.

ألين أخيرًا رفعت نظرها إليه، مالت برأسها قليلًا وهي تبتسم نصف ابتسامة:

"ولماذا؟ لأنني لم أطلب إذنًا منك؟ أم لأنك خائف أن أسرق منك مطبخك أيضًا؟"

الطفل أمسك بطرف قميص ألين، كأنه يريد أن يبعدها عن المواجهة، لكن نظرة التحدي في عينيها لم تخفت.

إدوارد لم يبتسم، لكنه أيضًا لم يظهر غضبًا. تقدم ببطء، حتى أصبح أمامها مباشرة، ناظرًا إليها من أعلى.

"لأنكِ تفعلين ما يحلو لكِ، دون تفكير، دون إذن. وهذا... قد يصبح مشكلة."

لكنها، بدلًا من أن تشعر بالقلق، ابتسمت أكثر، وأخذت قبضة صغيرة من الدقيق ونثرتها نحوه بخفة:

"حسنًا، إذن اعتبرها مشكلة جديدة تضاف إلى قائمتك، سيد الرياح."
الصوت الذي كسر اللحظة الهادئة كان أشبه بصاعقة.

ألين التفتت بسرعة، ملامحها تحولت من المرح إلى القلق، بينما الطفل تشبث أكثر بطرف قميصها. إدوارد لم يتحرك فورًا، لكنه أدرك في لحظة أن هذا الصراخ لم يكن عشوائيًا.

خطواته كانت سريعة، حازمة، خرج من المطبخ متجهًا نحو مصدر الصوت، ولم تكن ألين بعيدة عنه، فقد تبعته دون تفكير، بينما الطفل يمسك بيدها الصغيرة، كأنه يشعر أن الابتعاد عنها ليس خيارًا.

في ساحة المنزل، كان هناك رجل ضخم الجثة، وجهه متجهم، وعيناه تضيقان بغضب وهو يمسك بذراع إحدى الخادمات، التي كانت تبكي وتحاول التملص.

"عودي معي فورًا، أيتها العاهرة الصغيرة، والدكِ يريدكِ في الحال!"

كانت الخادمة تهتز خوفًا، والدموع تملأ عينيها، لكن قبل أن تتمكن من النطق، وصل إدوارد.

وقف بثبات، لم يقل كلمة، لكن مجرد وجوده جعل الرجل يتجمد مكانه. لم يكن هناك شخص عاقل يجرؤ على تحدي إدوارد كينغستون في أرضه.

"اتركها." لم يكن أمرًا عالي الصوت، لكنه كان حادًا بما يكفي ليشعر الرجل بالتهديد.

لكن الموقف لم ينتهِ هنا. من بين الحضور، اقترب رجل آخر، عيناه تلمعان بدهاء، وبلا تردد، مد يده ليجذب الطفل بعيدًا عن ألين، كأنه مجرد غرض بلا قيمة.

لكن قبل أن يلمسه، كانت ألين قد تحركت.

بلا تفكير، دفعت الرجل بعيدًا، عيناها مشتعلة بغضب، وقفت بين الطفل وذلك الدخيل كأنها جدار لا يمكن اختراقه.

"لا تلمسه!" صوتها لم يكن مرتفعًا فقط، بل كان يحمل شيئًا جعل الجميع يتوقف.

إدوارد لاحظ الأمر. لاحظ كيف أنها لم تفكر، لم تتردد، فقط حمت الطفل بجسدها، بنفس الطريقة التي كانت تحمي بها نفسها دائمًا.

لكن الرجل لم يتراجع، مد يده مجددًا، وهنا...

تحرك إدوارد.

لم يكن هناك نقاش. بقبضة واحدة، أمسك الرجل من ياقة قميصه ورفعه قليلًا عن الأرض، صوته هذه المرة كان باردًا كالموت:

"لماذا تظنون أنكم تستطيعون لمس ما يخصني؟"

انتهى الأمر.

الرجل الذي أمسك بالخادمة أطلق ذراعها فورًا، والآخر بدأ يتلعثم، يبحث عن مخرج من الورطة التي أوقع نفسه فيها. الأب نفسه، الذي جاء ليستعيد ابنته، شعر برعب لم يستطع إخفاءه.

إدوارد لم يكن فقط رجل أعمال قوي، كان أسطورة، وكانوا جميعًا يعرفون ذلك.
إدوارد لم يكن بحاجة لتكرار كلماته.

بإشارة واحدة من يده، تحرك رجاله، بلا تردد، بلا أسئلة. في لحظات، كان الدخلاء يُسحبون بعيدًا، صرخاتهم الغاضبة تتلاشى مع ابتعادهم، حتى عاد المكان إلى هدوئه.

لكن هذا الهدوء لم يكن كالسابق.

ألين كانت ما تزال واقفة مكانها، أنفاسها سريعة، عيناها تتنقلان بين الطفل الذي يمسك بفستانها بخوف، وإدوارد الذي لم يتحرك بعد.

لأول مرة، لم يكن في عينيه ذلك البرود المعتاد. اقترب منها، ببطء، عيناه تمران عليها وكأنه يتفقد أي جرح أو خدش.

"هل أنتِ بخير؟"

صوته كان هادئًا، لكنه لم يكن باردًا.

ألين لم ترد على الفور. كانت يدها ما تزال تحيط بالطفل، كأنها غير قادرة على تركه بعد. لكن في اللحظة التي التقت فيها عيناها بعيني إدوارد... شعرت بشيء غريب.

أمان.

الشعور كان جديدًا عليها، غريبًا لدرجة أنها لم تستطع استيعابه فورًا. طوال حياتها، كانت تعتمد على نفسها، لم تنتظر من أحد أن يحميها، لم تتوقع أبدًا أن يكون هناك شخص خلفها، يقف بجوارها دون أن تطلب منه ذلك.

لكن إدوارد كان هنا.

لم يقل كلمات مطمئنة، لم يحاول أن يهدئها بلمسات ناعمة أو كلمات جوفاء. لكنه كان هنا، وكان ذلك كافيًا.

أخذت نفسًا عميقًا، شعرت بثقل في صدرها، لكنها لم تكن متأكدة إن كان ذلك بسبب التوتر... أم شيء آخر بدأ يتسلل إليها ببطء.

ثم، قبل أن تفكر في كلمات لتقولها، شعرت بيد كبيرة تُوضع على رأسها، بحركة خفيفة، لكنها ثابتة.

إدوارد، دون أن ينظر إليها مباشرة، مرر أصابعه بين خصلات شعرها الأحمر، وكأنه يحاول أن يمسح بقايا التوتر العالق فيها.

"لقد فعلتِ ما كان عليكِ فعله." قالها بصوت منخفض، ثم أضاف بعد لحظة: "أحسنتِ."

كلماته لم تكن مجاملة، لم تكن محاولة فارغة للتهدئة. كانت حقيقية.

وللمرة الأولى في حياتها... لم تشعر بالحاجة إلى المقاومة.

في ساحة المزرعة، تحت أشعة الشمس الخافتة، كان الجو متوترًا بشكل خانق.

وقف الرجال الذين اقتحموا المطبخ وسط الحظيرة، محاطين برجال إدوارد، الذين بدوا وكأنهم ذئاب تحاصر فريستها. في الجهة الأخرى، كانت ألين ممسكة بالطفل بقوة، تشعر بنبضه السريع تحت يديها، بينما تنظر بغضب نحو الرجل الذي تجرأ على الاقتراب منه.

إدوارد وقف أمام الجميع، هدوؤه كان أشبه بالعاصفة التي تسبق الخراب. بعينين باردتين، ركز على الرجل الذي تجرأ على مد يده للطفل.

"لم يخبرك أحد أن من يقترب من ملكي يدفع الثمن؟"

الرجل ابتلع ريقه، عيناه ت dart بين الرجال المسلحين حوله وبين ألين التي كانت تنظر إليه وكأنها مستعدة للانقضاض عليه.

"أنا... لم أكن أقصد أي أذى، فقط..."

"فقط ماذا؟" قاطعه إدوارد بحدة، نبرته كانت أشبه بسوط يجلد الهواء. "كنتَ ستمسك بالطفل، صحيح؟"

نظر إلى ألين، إلى يديها التي كانت تحيط بالصغير كدرعٍ بشري، ثم عاد ببصره إلى الرجل.

"إنها مهرتي، وهو طفلي الآن... كيف تجرأت؟"

رفع يده، وأشار إلى أحد رجاله. في لحظة، تم الإمساك بالرجل بعنف، وجُرَّ نحو مقدمة الحظيرة.

إدوارد لم يتحرك، فقط ألقى نظرة على بقية المجموعة، بنظرة جعلت الجميع يتراجع دون أن يجرؤ أحدهم على الكلام.

ثم، بصوت منخفض لكنه كالرعد، قال:

"من يلمس ما يخصني... يلقى نفس المصير."

وفي لحظة، جاء صوت صرخة قوية، ارتجفت لها بعض الخيول في الحظيرة. الرجل كان على ركبتيه، يتلوى من الألم، وذراعه معلقة بشكل غير طبيعي.

إدوارد لم يرف له جفن. أدار رأسه ببطء، ونظر إلى ألين.

"أنتِ بخير؟"

ألين لم ترد فورًا. نظرت إليه، ثم إلى الطفل، الذي كان لا يزال ممسكًا بها وكأنها كل ما تبقى له في هذا العالم. أخذت نفسًا عميقًا، ثم أومأت برأسها.

إدوارد نظر إلى رجاله، ثم قال ببرود:

"خذوهم بعيدًا عن مزرعتي."

تحرك الرجال لتنفيذ أوامره، بينما وقف هو للحظة أخرى، يراقب ألين والطفل، قبل أن يستدير ويغادر.

أما ألين، فقد شعرت بشيء لم تشعر به من قبل في هذه اللحظه...

عند ساحة الخيول، حيث كان الليل قد أرخى سدوله، جلس إدوارد بصمت يراقب الخيول وهي تتحرك داخل الإسطبلات، عيناه تائهتان في الظلام، وأفكاره متشابكة كأنها تتصارع داخله. كانت الرياح تهبّ بهدوء، تحرك خصلات شعره بينما ظل جالسًا دون حراك، غارقًا في تأملاته.

قُطِع سكون اللحظة بخطوات خفيفة اقتربت منه، ثم صوت ناعم يقول:

"لقد كنتَ هنا منذ ساعة تقريبًا."

التفت إدوارد ببطء، ليجد ألين واقفة بالقرب منه، شعرها الأحمر يتوهج تحت ضوء القمر، وعيناها تلمعان بشيء من الفضول. لم يسألها عن سبب قدومها، ولم يمنعها من الجلوس، فقط ألقى عليها نظرة سريعة قبل أن يعود ببصره إلى الخيول.

دون تردد، جلست بجانبه، طوت ساقيها، وأسندت ذراعيها عليهما، ثم قالت بعشوائية:

"أنا أحب الخيول، لكن ليس بجنون مثلك."

التزم الصمت، فتابعت وهي تشير إلى أحد الخيول داخل الإسطبل:

"ما اسم ذلك الحصان؟ يبدو مختلفًا."

لم يرد إدوارد على الفور، بل نظر حيث تشير، ثم قال بهدوء:

"ستورم."

ابتسمت ألين، ثم تمتمت:

"اسم يليق به، يبدو جامحًا، لكنه ليس بجنونك."

ضحكت بخفة وهي تنظر إليه بطرف عينها، لكنه كالعادة، ظل هادئًا، صامتًا، كأن لا شيء يُثيره.

مرّت لحظات من السكون، قبل أن تأخذ نفسًا عميقًا وتقول بصوت أكثر جدية:

إدوارد ظلّ صامتًا للحظات وهو يحدّق في الأفق، وكأنه يعيد استرجاع ما حدث اليوم. ألين جلست بجانبه بعفوية، سحبت نفسًا عميقًا ثم نظرت إليه.

"كنتَ قاسيًا جدًا اليوم." قالت بصوت هادئ، لكنها لم تكن توبّخه، بل تراقب ردة فعله.

إدوارد لم يلتفت إليها، فقط قال ببرود:

"لم يكن هناك خيار آخر."

ألين عبست قليلًا، ثم وضعت ذراعيها حول ساقيها:

"لكن... شكرًا."

إدوارد التفت إليها أخيرًا، حاجباه مرفوعان قليلًا، وكأنها قالت شيئًا غريبًا.

"على ماذا؟"

"على حمايتنا." قالت ببساطة، ثم ابتسمت وأضافت: "وأنا أعلم أنك كنت ستفعل ذلك بغض النظر عن أي شيء... لأنه ابن أخيك."

إدوارد لم يرد، فقط نظر إليها نظرة طويلة، ثم قال بصوت هادئ لكنه يحمل صرامة خفية:

"وهل كنتِ تتوقعين غير ذلك؟"

ألين أمالت رأسها قليلاً، ثم قالت بمرح:

"حسنًا، لم أتوقع أن تهتم بي أيضًا."

إدوارد لم يتحرك، لكنه بعد لحظة، تمتم بنبرة خالية من المشاعر:

"كنتُ فقط أضع الأمور في نصابها... بعض الحمقى ظنوا أنه يمكنهم لمس ما لا يخصهم."

ألين توقفت عند كلماته، شعرت بشيء غريب في نبرته، لكنه لم يمنحها وقتًا للتفكير أكثر، فقد أدار رأسه نحوها وقال ببرود:

"هذا هو قانون المكان، وأردتُ أن يتأكد الجميع منه."

كانت نبرته حازمة، لكن ألين لم تفوت كيف تحركت أصابعه للحظة، وكأنه كان على وشك أن يلمس خصلة من شعرها، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة.

هي ابتسمت قليلًا، ثم قالت بهدوء:

"حسنًا، على الأقل الآن أنا مدينة لك بشيء."

إدوارد لم يُجب، فقط أدار وجهه مجددًا نحو الخيول، بينما ترك كلماتها معلقة في الهواء، وكأنها لا تستحق الرد... أو ربما، لم يكن يريد أن يعطيها أي معنى أكثر مما يجب.

كان الصمت سيد اللحظة، لكن رائحة خفيفة تسرّبت إلى أنفه، عبير دافئ… ناعم… شيء لم يكن ينتمي إلى هذا المكان القاسي. أدار رأسه قليلًا، نظراته الحادة وقعت عليها، ثم اقترب منها دون وعي، مستنشقًا ببطء.

"ما هذه الرائحة؟" سأل بصوت خافت، لكن فيه نبرة من الفضول غير المعتاد.

نظرت إليه، حاجباها مرفوعان بدهشة خفيفة قبل أن تبتسم بزاوية فمها. "عطري… أنا أصنع العطور كما تصنع أنت المجوهرات."

رفع حاجبه، وكأنه لم يتوقع تلك الإجابة. "وهل أنت بارعة في ذلك كما يزعمون أنني بارع؟"

ضحكت بخفة، لم تكن ضحكة عالية، بل مجرد همسة دافئة امتزجت مع الهواء البارد. "أعتقد أنك أنت من سيحكم."

ظل يراقبها للحظات قبل أن يهمس: "عطر جريء… تمامًا كصاحبته."

أمالت رأسها قليلًا، تحدّق في عينيه، لكن هذه المرة… شعرت بشيء مختلف، بشيء جعل قلبها يضطرب بطريقة لم تعهدها. كان قريبًا… أقرب مما ينبغي. نظرت إلى عينيه للحظة، ثم همست دون وعي: "كيف للجحيم أن يكون عسليًا… سيد كينغستون؟"

ارتسمت على شفتيه ابتسامة بالكاد تُرى، ثم همس بصوته العميق: "كما تكون النيران جامحة… مثلك تمامًا، مهرتي."
بعد مرور شهر

كانت الشمس بالكاد قد ارتفعت في الأفق، تنثر ضوءها الذهبي فوق المزرعة. في الإسطبل، كانت ألين واقفة، تضع يدها على عنق أحد الخيول المصابة، تتحدث بحماس مع أحد الفرسان الجدد، تشرح له الطريقة الصحيحة للتعامل مع الجرح.

لكنها لم تكن وحدها.

إدوارد كان يقف عند مدخل الإسطبل، عينيه معتمتان، يراقب المشهد بصمت. يديه مشدودتان خلف ظهره، أنفاسه أعمق قليلًا مما يجب. كانت ألين مشغولة جدًا بالشرح، لم تلحظ وجوده حتى اقترب.

"أنتِ تتصرفين بحرية زائدة هنا، ايتها المهره ."

التفتت إليه، عيناها تحملان الدهشة، لكنها لم تخفض رأسها. "كنت فقط..."

قاطعها ببرود، صوته صارمًا كحد السيف:

"أنتِ مجرد طبيبة بيطرية هنا، لا شأن لكِ بشؤون رجالي وقراراتي."

اثنتا عشرة كلمة فقط، لكنها شعرت بها كطعنة في صدرها.

ظلت واقفة للحظات، تحدق في ملامحه الصلبة، تبحث عن أي شيء... أي شعور، لكنها لم تجد سوى الجليد.

ببطء، بلعت ألمها، أجبرت نفسها على رفع ذقنها، على ألا تريه كيف دمرت كلماته جزءًا منها.

لكنها لم تستطع منع الدموع من التجمّع في عينيها، ولم تستطع كتم الألم في صوتها عندما همست:

"فهمت."

ثم استدارت، ومشت خارجة من الإسطبل، خطواتها ثابتة، لكن قلبها كان يتهاوى مع كل خطوة تبعدها عنه.


بقيت الين طوال اليوم في غرفتها تبكي وحتي حينما اتي الطفل لعب معاها كانت حزينه للغايه وتتجنب إدوارد
جلس إدوارد على الكرسي الجلدي خلف مكتبه، أصابعه تتلاعب بحافة كأس الويسكي أمامه، لكن لم يكن يشرب. عيناه كانت مثبتة على ألسنة اللهب في المدفأة، بينما أفكاره كانت تدور في مكان آخر تمامًا.

لم تكن تتحدث إليه.

ألين… أو بالأحرى، "المهرة".

لقد أخطأ معها. لأول مرة في حياته، شعر بأن كلماته قد أذت شخصًا ما بالفعل. لكنه لم يكن الرجل الذي يعتذر بسهولة. لم يكن حتى الرجل الذي يعترف بالخطأ أصلًا.

فُتح الباب بهدوء، وخطوات صغيرة دخلت إلى الغرفة. لم يكلف نفسه عناء رفع رأسه، لكنه كان يعلم من هو.

الطفل.

ظل الصغير واقفًا للحظات، ثم خطا نحو المكتب، وتسلق الكرسي المقابل له، وأخذ يحدق به بعينين ثاقبتين.

إدوارد زفر بضيق، مال إلى الخلف في كرسيه، ثم قال ببرود دون أن ينظر إليه:
"هل تحتاج شيئًا؟"

لكن الطفل لم يتحرك… لم يرمش حتى.

ظل يحدق فيه، ملامحه الصامتة بدأت تزداد توترًا، حتى أخيرًا… ضرب بيده الصغيرة على المكتب بقوة، مُصدرًا صوتًا مرتفعًا.

إدوارد رفع حاجبه، أخيرًا التفت إليه، فقط ليجد وجه الطفل قد أصبح أحمر من الغضب.

ثم أشار إليه، ثم أشار بعنف إلى الباب، ثم إلى الخارج… وكأنه يقول: "أصلح ما فعلته!"

إدوارد ظل ينظر إليه للحظات، قبل أن يتمتم ببرود:
"أنا لم أطلب نصيحة تربوية من ***."

لكن الطفل لم يتراجع… بل بالعكس، انكمش حاجباه بغضب أكبر، وضرب المكتب مجددًا، ثم أشار إلى الباب مرة أخرى، وكأنه يأمره بالخروج فورًا!

إدوارد زفر بحدة، ثم قال بصوت هادئ لكنه جاف:
"أعلم أنها غاضبة."

توقف الطفل عن الإشارة، لكنه ظل يحدق فيه، ملامحه متوترة، وكأنه يقول "وماذا ستفعل؟"

مرت لحظة من الصمت، قبل أن يتمتم إدوارد بنبرة خافتة جدًا، بالكاد تُسمع:
"لا أعلم."

ظل الطفل يراقبه للحظات، ثم، دون كلمة واحدة، أمسك بورقة وبدأ يرسم.

إدوارد عبس قليلًا، لكنه لم يقاطعه. ظل يراقب حتى انتهى الطفل، ثم دفع الورقة نحوه.

نظر إدوارد إليها… كانت رسمة لفطيرة تفاح، وبجانبها فتاة صغيرة تبتسم.

رفع حاجبه ببطء، ثم نظر إلى الطفل الذي أشار إلى الرسم، ثم إلى المطبخ، ثم إلى إدوارد نفسه.

عندها فقط، فهم إدوارد.

"فطيرة التفاح؟" قالها ببرود، كأنه غير مقتنع بالفكرة.

لكن الطفل أومأ بحدة، ثم أشار بعنف إلى الباب مجددًا… "اذهب الآن!"

إدوارد أطلق زفرة مستسلمة، ثم وقف، ونظر إلى الطفل نظرة جامدة قبل أن يقول بصوت منخفض:
"حسنًا… فلنجرب."

وقف إدوارد داخل المطبخ ، ينظر إلى الطاولة أمامه وكأنه يواجه أعقد معركة في حياته. كان المطبخ مُرتبًا… على الأقل، قبل أن يدخل إليه.

أما الآن؟ حسنًا…

الدقيق يُغطي الطاولة، بعضه في الهواء، والبعض الآخر—لسبب ما—على شعر الطفل نفسه.
التفاح مقطع بشكل عشوائي، بعضه على الطاولة، وبعضه على الأرض، والبعض الآخر… لا أحد يعلم أين اختفى.
وعجينة الفطيرة… كان من المفترض أن تكون مستديرة، لكنها بدت وكأنها خريطة ممزقة لقارة غير مكتشفة.

وقف الطفل بجانبه، ينظر إليه بنظرة حادة، كما لو كان معلمًا صارمًا يُقيّم أداء تلميذ فاشل. ثم تنهد، ورفع يده الصغيرة، ولطم جبهته بقوة وكأنه لا يصدق ما يراه.

إدوارد زفر بضيق، ثم نظر إليه ببرود وقال:
"لا تنظر إليَّ هكذا، إنها مجرد فطيرة."

لكن الطفل لم يقتنع، أشار إلى الطاولة، ثم إلى الفوضى، ثم إليه، وكأنه يقول: "أنت كارثة!"

إدوارد نظر إلى الفطيرة المبعثرة، ثم تمتم ببرود:
"هذا سخيف."

لكنه لم يستسلم، أمسك بالمغرفة، حاول سكب خليط السكر فوق التفاح، لكن…

بوم!

انسكب السكر تمامًا… على رأس الطفل.

وقف الصغير متجمدًا، شعره أصبح لامعًا مثل كعكة مغلفة بالسكر المكرمل، ثم استدار ببطء إلى إدوارد… الذي حدّق فيه للحظة، ثم تمتم بجفاف:
"حسنًا… هذا خطأ تقني بسيط."

لكن الطفل لم يكن مقتنعًا، رفع يده، وأخذ حفنة دقيق، ثم—دون تفكير—ألقاها مباشرة على صدر إدوارد!

وقف إدوارد متجمدًا، قميصه الأسود الأنيق أصبح الآن مُغطى بطبقة سميكة من الدقيق الأبيض.

رفع حاجبه ببرود، نظر إلى الطفل، ثم قال بصوت منخفض وخطير:
"هل تجرؤ؟"

لكن الطفل لم يكن خائفًا… بل أمسك بحفنة أخرى، وحدّق فيه بتحدٍّ.

وهكذا، بدأت الحرب.

بعد خمس دقائق… كان الوضع كارثيًا.

إدوارد مُغطى بالدقيق، الطفل مُغطى بالسكر، الطاولة تُشبه ساحة معركة، ورائحة احتراق خفيفة بدأت تظهر من الفرن.

لكنه لم يتراجع. وقف هناك، متصلبًا، ينظر إلى الفطيرة التي بالكاد أصبحت قابلة للأكل، ثم تمتم:
"سأفعلها… سأصنع هذه اللعينة."

---

بعد ساعة…

كانت ألين تمر بجانب المطبخ عندما استنشقت رائحة التفاح… والمصيبة.

توقفت قليلًا، متفاجئة، ثم قررت الدخول لترى ما يحدث.

وعندما فتحت الباب… تجمدت.

إدوارد، الرجل الذي لم يدخل المطبخ في حياته، كان واقفًا هناك… متجمدًا، مُغطى بالدقيق، ملابسه غير مرتبة، وشعره كان به… هل هذا سكر؟

والطفل؟ كان يجلس على الطاولة، يأكل تفاحة وكأنه لم يكن جزءًا من هذه الجريمة.

لكن قبل أن تستوعب ما يحدث، استدار إليها إدوارد، نظر إليها للحظة بعينيه الحادتين، ثم قال بصوته العميق الهادئ:

"المهرة… لقد صنعتُ لكِ فطيرة."

ثم… رفع الطبق أمامها بفخر.

ألين نظرت إلى الفطيرة… نظرت إلى المطبخ… ثم إليه… ثم عادت تنظر إلى الفطيرة.

كانت… منحرفة الشكل، أطرافها محترقة قليلًا، بها بعض الدقيق الزائد، ولكن… كانت فطيرة تفاح بالفعل.

لم تستطع أن تمنع الابتسامة الصغيرة التي ظهرت على شفتيها، ثم نظرت إليه وقالت بصوت منخفض:
"هل… فعلتَ هذا من أجلي؟"

إدوارد لم يجب، فقط نظر إليها، لكن… شيء ما في عينيه كان مختلفًا.

كان يخبرها بكل وضوح… أنه قد يفعل أي شيء فقط من أجلها.

وقفت مارثا في زاوية المطبخ، تمسح الطاولة بحركات بطيئة، بينما عيناها تراقبان المشهد أمامها بحقد دفين.

إدوارد صنع فطيرة لألين.

إدوارد، سيد القصر المتجمد، الرجل الذي لا يُبدي اهتمامًا بأي شخص… وقف هناك، مُغطى بالفوضى، ينظر إلى تلك الفتاة وكأنها عالمه بأكمله.

قبضت مارثا على الملعقة بشدة، حتى شعرت بأن مفاصلها تؤلمها.

لماذا هي؟!

كيف يمكن لتلك الفتاة أن تُحطم كل الجدران التي بناها إدوارد؟ كيف يمكن لها أن تحصل على ما لم تحصل عليه أي امرأة أخرى؟

لا… لن تسمح بذلك.

تحركت بهدوء، وبدأت تُجهّز العشاء كما تفعل دائمًا، لكن هذه المرة، كانت لديها إضافة خاصة.

حبة صغيرة، لا طعم لها ولا رائحة، لكنها كفيلة بجعل ألين تبدو في أسوأ حالاتها.

لم يكن سُمًا… لا، لم تكن غبية لتقتلها. لكن هذه الحبة ستجعلها تفقد السيطرة على نفسها تمامًا. ستجعلها تهذي، تتصرف باندفاع، تضحك بلا سبب، وربما تكشف عن أشياء كان يجب أن تبقى سرًا.

أخرجت زجاجة صغيرة من جيبها، فتحتها بحذر، ثم أسقطت الحبة في طبق ألين… وتابعت اختفائها وسط الطعام بنظرة راضية.

الليلة، ألين لن تكون الفتاة الرقيقة الجميلة التي وقع إدوارد في حبها.

الليلة… ستُصبح مجرد مهرّجة أمام الجميع.

ابتسمت مارثا ابتسامة خبيثة، ثم حملت الأطباق وخرجت إلى قاعة الطعام… وهي متأكدة أن المسرحية على وشك أن تبدأ.

إدوارد كان يقف عند باب غرفة ألين بعدما نام الطفل "ادوارد الصغير " بسلام. كان من المفترض أن يتركها لتخلد إلى النوم أيضًا، لكن هناك شيئًا غريبًا بشأنها الليلة.

منذ العشاء، لاحظ أنها تتصرف بطريقة غير معتادة… خطواتها مترنحة قليلًا، عيناها تلمعان ببريق غريب، وابتسامتها كانت أوسع من المعتاد، كأنها تحاول كتم ضحكة بلا سبب.

"ايتها المهره؟" ناداها وهو يراقبها تتمايل في مكانها، وكأنها لا تستطيع الوقوف بثبات.

ثم فجأة… دارت حول نفسها وكأنها **** صغيرة، وضحكت بصوت ناعم.

"سيد كينغستون…" نادته بصوت مُترنح وهي تتقدم نحوه، لكنها تعثرت في سجادة الممر.

وكادت تسقط.

لكن إدوارد، بردود أفعاله السريعة، أمسكها من خصرها بقوة قبل أن تلامس الأرض.

حدق في وجهها… وكانت هي تنظر إليه بعينين نصف مغمضتين، ابتسامة حالمة على شفتيها، ويدها امتدت لتلمس صدره بخفة.

لم تعِ أنها كانت تذوب بين ذراعيه.

"مهرتي، ما بكِ؟" سألها بصوت هادئ لكنه حاد، كأنه يُحاول السيطرة على الموقف، لكن صدره كان يعلو ويهبط بسرعة من قربها المزعج.

"أشعر…" توقفت للحظة، ثم ضحكت مجددًا، ووضعت رأسها على كتفه. "بالراحة… نعم، أشعر أنني أطير!"

عقد إدوارد حاجبيه، ثم دون تفكير، رفعها بين ذراعيه وسار بها مباشرة نحو غرفته.

لم يكن مطمئنًا لحالتها… وكان عليه أن يُبقيها تحت نظره.

حين وصل إلى غرفته، ألقاها على السرير برفق، لكنها لم تتركه.

بل بالعكس… أمسكته من قميصه، شدته نحوها وهو يوازن نفسه بيديه على جانبيها.

"سيد كينغستون…" همست باسمه، ثم ابتسمت بسعادة غامرة.

وفجأة، رفعت يدها ولمست شفتيه بأناملها الرقيقة، كأنها تكتشف ملمسها لأول مرة.

"لماذا أنت هكذا؟" سألته بصوت مبحوح.

"كيف هكذا؟" سألها بجمود، يحاول أن لا ينجرف مع لمساتها غير الواعية.

اقتربت أكثر، كأنها لم تسمعه، ثم فجأة… رفعت رأسها وقبّلته مباشرة.

قبلة دافئة، غير متوقعة، بريئة لكنها قوية… جعلته يُجمد مكانه للحظات، وكأنه فقد القدرة على التفكير.

ثم همست وهي تغرق في النعاس بين ذراعيه:

"وقعتُ في جحيم عينيك، ومن وقتها لم أعد أستطيع الهروب احبك اممم ."

وسقطت في سبات عميق، تاركة إدوارد مع قلب ينبض بعنف، ويد لا يزال ممسكًا بخصرها… وعقل لم يعد يفهم ما الذي حدث للتو.

إدوارد جلس على حافة السرير، عينيه لم تفارقا ملامح ألين المستسلمة للنوم.

كان من المفترض أن يغادر… أن يتركها لترتاح، لكنه لم يستطع.

عقلها ربما غرق في الأحلام، لكن جسدها… كان بين يديه.

ثم حدث شيء بسيط… لكنه أشعل النار داخله.

"إدوارد…"

نطقت باسمه بصوت ناعم، مبحوح، وكأنها تبحث عنه حتى في أحلامها.

شعر بشيء لم يفهمه… شيء أقوى منه.

وفقد السيطرة.

ببطء، اقترب أكثر… عينيه كانت عالقة بشفتيها المرتخيتين، بأنفاسها التي خرجت دافئة على جلده.

ثم… قبلها.

قبلة لم تكن مجرد لمسة، بل اعتراف غير منطوق، احتياج صامت ظل يقيده لفترة طويلة.

لكنها لم تبتعد… لم تُقاوم… بل همست باسمه مرة أخرى، وصدرها ارتفع وهبط تحت أنفاسه الساخنة.

حينها، يداه تحركتا لا إراديًا، انزلقت أصابعه برفق على جانبها، يكتشف نعومة بشرتها، إحساس قربها الذي طالما أنكره على نفسه.

لكن…

توقف.

توقف وكأنه اصطدم بجدار غير مرئي، عيناه امتلأتا بعاصفة من المشاعر، ثم همس بصوت أجش، وكأنما يعد نفسه قبل أن يعدها:

"أنتِ ملكي، مهرتي… ملكي منذ اللحظة التي دخلتِ فيها مزرعتي."

اقترب أكثر، بأنفاسه التي كادت تلامس بشرتها، همس عند أذنها بصوت هادئ لكنه يحمل وعدًا صارمًا:

"سألمسكِ… لكن فقط وأنتِ مستيقظة، حين تشعرين بي، حين تعرفين أنني الرجل الذي يمتلككِ."

ثم تراجع قليلاً، يراقب ملامحها المسترخية، لكن بداخله كان هناك زلزال.

تحرك بعيدًا، لكنه لم ينهِ كلامه بعد.

نظر إليها مجددًا، ونبرته تحولت إلى وعيد قاتل:

"ومن تجرأ على التفكير في إيذائكِ… لن أتركه يتنفس."
 

⚜️𝕿𝖍𝖊 𝖐𝖎𝖓𝖌 𝕾𝖈𝖔𝖗𝖕𝖎𝖔𝖓⚜️

ميلفاوي ماسي
العضوية الماسية
حكمدار صور
ملك الحصريات
مستر ميلفاوي
ميلفاوي أكسلانس
ميلفاوي واكل الجو
ميلفاوي كاريزما
ميلفاوي حكيم
عضو
ناشر قصص
ناشر صور
ناشر أفلام
صقر العام
ميلفاوي حريف سكس
ميلفاوي كوميدي
إستشاري مميز
شاعر ميلفات
ناشر موسيقي
ميلفاوي سينماوي
ميلفاوي نشيط
ناشر قصص مصورة
ناشر محتوي
نجم ميلفات
ملك الصور
صائد الحصريات
فضفضاوي أسطورة
كوماندا الحصريات
ميتادور النشر
ميلفاوي مثقف
ميلفاوي علي قديمو
ميلفاوي ساحر
ميلفاوي متفاعل
ميلفاوي دمه خفيف
كاتب مميز
كاتب خبير
مزاجنجي أفلام
ميلفاوي فنان
إنضم
16 ديسمبر 2023
المشاركات
48,884
مستوى التفاعل
23,885
النقاط
0
نقاط
20,310
النوع
ذكر
الميول
طبيعي

⚜️𝕿𝖍𝖊 𝖐𝖎𝖓𝖌 𝕾𝖈𝖔𝖗𝖕𝖎𝖔𝖓⚜️

ميلفاوي ماسي
العضوية الماسية
حكمدار صور
ملك الحصريات
مستر ميلفاوي
ميلفاوي أكسلانس
ميلفاوي واكل الجو
ميلفاوي كاريزما
ميلفاوي حكيم
عضو
ناشر قصص
ناشر صور
ناشر أفلام
صقر العام
ميلفاوي حريف سكس
ميلفاوي كوميدي
إستشاري مميز
شاعر ميلفات
ناشر موسيقي
ميلفاوي سينماوي
ميلفاوي نشيط
ناشر قصص مصورة
ناشر محتوي
نجم ميلفات
ملك الصور
صائد الحصريات
فضفضاوي أسطورة
كوماندا الحصريات
ميتادور النشر
ميلفاوي مثقف
ميلفاوي علي قديمو
ميلفاوي ساحر
ميلفاوي متفاعل
ميلفاوي دمه خفيف
كاتب مميز
كاتب خبير
مزاجنجي أفلام
ميلفاوي فنان
إنضم
16 ديسمبر 2023
المشاركات
48,884
مستوى التفاعل
23,885
النقاط
0
نقاط
20,310
النوع
ذكر
الميول
طبيعي
أعلى أسفل