• سجل عضوية للتمتع بالمنتدى واكتساب مميزات حصريه منها عدم ظهور الإعلانات

مكتملة مسرحية المخططين - يوسف ادريس (1 مشاهد)

جدو سامى 🕊️ 𓁈

كبير المشرفين
إدارة ميلفات
كبير المشرفين
مستر ميلفاوي
كاتب ذهبي
ناشر قصص
ناشر صور
ناشر أفلام
فضفضاوي متألق
ميلفاوي متميز
ميلفاوي كوميدي
إستشاري مميز
ميلفاوي شاعر
ناشر موسيقي
ميلفاوي سينماوي
ميلفاوي نشيط
ناشر قصص مصورة
نجم ميلفات
ملك الصور
ناقد قصصي
زعيم الفضفضة
إنضم
20 يوليو 2023
المشاركات
5,943
مستوى التفاعل
2,559
النقاط
62
نقاط
28,309
النوع
ذكر
الميول
طبيعي

الفصل الأول​

المشهد الأول​

(المشهد غير واضحٍ أوَّل الأمر، كأننا في منطقةٍ جرداء خاليةٍ من العالم، لا يوجد على المسرح سوى ربوة عالية على اليمين، كأنها جذع شجرة قديم، أو بقايا مئذنة مهدَّمة.
حين يُفتح الستار نجد «أهو كلام» يحاول تسلُّق الربوة بصعوبة، ثيابه مبهدلة، حزامه نازل، يضع في إحدى قدميه فردة حذاء، وفي الأخرى فردة شبشب، معه منديل مصرور، شعره طويل مشعَّث مرسَل، ذقنه قد عَلِقت فيها علبة كبريت (حين يستوي فوق قمة الربوة).)
أهو كلام : سبحان سبحان خالق الأصباح يا ناس، سبحان اللي مخلي الندى دموع ليل بيفارق أرضنا البائسة. اصحوا بقى، بنقول اصحوا. الشمس طلعت مكسوفة وحمرا زي الضيف الجاي على عالم نايم، اصحوا. ****، دا انتم لا بالكم رايق ولا فرشكم غالي ولا غطاكو كفاية، ونايمين ليه؟ اصحوا. دهدي؟ ما تصحوا بقى، ملعونة اللي شدت رجل الواحد فيكو، لأنها شدتها مرة واحدة بس وكان المفروض ان تشدها كل يوم، دي مش نومة فرش دي، دي نومة بطن، انتوا عايزين تتولدوا، اتولدوا بقى.
(في أثناء كلامه يكون «فركة كعب» قد دخل المسرح في كامل ثيابه (وهي إلى حدٍّ ما أنيقة) من جهة اليسار، وكأنه أبدًا لم يسمع حرفًا واحدًا مما قاله «أهو كلام» ولكن الصوت يجذب انتباهه فيتطلع، ثم يحدِّق، ثم يبتسم ابتسامته الواسعة جدًّا؛ تلك التي يتربع لها وجهه وتظهر أسنانه، مع أنها ابتسامة لا تدل على أي سعادة، وإنما هي ربما بديل للاندهاش الشديد، مع استمرار «أهو كلام» في أذانه يكون الضوء قد تغيَّر، وكذلك المشهد، وأصبح هو المشهد الأمامي (أي الكائن أمام باب المسرح الذي تمثل فيه الرواية) يتقدم «فركة كعب» حتى يصبح بجوار الربوة أو المرتفع.)
أهو كلام (مستمرًّا) : اتولدوا بقى يا عالم.
فركة كعب : يا سيد اهو كلام، انزل من غير كلام.
أهو كلام : واللي لسه نايمين دول، يا فركة كعب؟
فركة كعب : ما تسيبهم نايمين، انت مالك ومالهم؟ دا مُلك منظمه سيده. ثم انت بتصحِّي في مين؟ دالناس كلها صحيت بقالها اكتر من ١٢ ساعة، هي مش الساعة (يحاول أن يرى الساعة في يده فلا يعثر عليها) دي باين انها اتلطشت (يسأل الجمهور) حدش معاه ساعة؟ هي مش تطلع تسعة دلوقت، تسعة ونص، تصحي مين؟
أهو كلام : أمال الشمس الحمرا اللي طالعة دي إيه؟ والندى اللي على هدومي وإيديَّه دا إيه؟
فركة كعب : بيتهيألي انه مش ندا.
أهو كلام : يبقى لازم عرق بقى، أنا بعرق كتير.
فركة كعب : ولا عرق، دا رشح.
(بينما الحوار يدور يكون «أهو كلام» قد هبط من الربوة وأخذ يدور في حلقة واسعة يتبعه «فركة كعب» خلفه مباشرةً وهو متحفز جدًّا لأن «أهو كلام» قد أشعل سيجارة.)
أهو كلام : رشح برد؟
فركة كعب : رشح مجاري يا أستاذ، شوف بقى انت كنت نايم فين؟
أهو كلام : انعدمت تمامًا موهبة توافُق الكلام مع مقتضى الحال، امال لما ما يكونش دا ندا ولا احنا الصبح امال البديل إيه يا أستاذ «فركة كعب»؟
(يرمي بعقب سيجارته فيلتقطه «فركة كعب» بحرص بالغ ويجذب منه نفسًا يخرج به سحابة هائلة من الدخان فتنزاح عن وجهه وقد احتلته الابتسامة العريضة التي لا معنى لها.)
فركة كعب : البديل أستاذ «اهو كلام» هو الحقيقة، احنا بالليل والساعة تسعة وحضرتك واقف قدام جمهور المسرح وهم بيضحكوا عليك.
أهو كلام : جمهور المسرح، احنا فين؟
فركة كعب : مانتاش شايف احنا فين — قدام مسرح الجكم لطع (يذكر اسم المسرح الذي تُعرض فيه المسرحية) لطع، أيوه صحيح.
أهو كلام : أيوه بالظبط حالًا افتكرت، ي. ا. ا.
فركة كعب : أيوه يا أخي انطق بقى، ي. ا. ا.
أهو كلام : دا يبقوا اتأخروا قوي، أطلع أناديهم؟
فركة كعب (ممسكًا إياه من ذيل سترته) : انت لا حتطلع ولا هم عايزين نِدا.
أهو كلام : أصلهم اتأخروا قوي، والتأخير وحش، وبالذات في المرات الأولى، مش الميعاد كان ٨؟ دلوقت تسعة، ساعة بحالها فاتت، يعني ١٠٠٠ قتيل في فيتنام، ٣٦٠٠ ميِّت موتة ****، وحوالي مليون قبلة مختلسة في الظلام نتيجتها *** كل ثانية. أهو حالًا دلوقتي أنا سامع *** جديد بيصرخ، سامع. ساعة بحالها، دا عمر.
فركة كعب : هم مش متأخرين، انت اللي مقدم ساعة. الميعاد تسعة.
أهو كلام : ودي مصيبة ايه دي؟ أقدم ساعة معقول، إنما دلوقت أأخر نفسي ساعة ازاي؟
فركة كعب : بس، آهي البشاير هلت.
أهو كلام : بس دول ناس، واحنا مستنيين أشياء، مستنيين حاجات.
فركة كعب : ما هي ناس عاملة أشياء.
(يكون قد وصل أحدهم على هيئة جنيه.)
فركة كعب (جاريًا ناحيته) : مجنون انت، و**** مجنون انت، و**** مجنون، عامل جنيه بحاله، انت عايز مليون واحد يلهفوك، اتلم واعمل شلن، وشلن مقطَّع كمان.
الجنيه : انت يا اخينا مش عارف بتكلم مين.
فركة كعب : بكلم واحد عامل لي جنيه في الحر دا، يبقى إيه؟
الجنيه : اخرس أنا الدكتور عبد الواحد ع الريق يا ولد.
أهو كلام : الدكتور ع الريق، أهلًا، يا ألف أهلًا، ي. ا.
دكتور ع الريق (كاظمًا غيظه) : ي. ا. ا، عندك حق، جنيه كتير، كتير قوي، الواحد يعمل إيه بس ما حدش يكون نفسه فيه؟ أقولك، هه (يقلب الورقة بجنيه التي يحيط بها نفسه فتصبح شهادة استثمار على البنك الأهلي) أظن دي بقى ما حدش يبص لها.
(يدخل ٥٦ غربية وهو شخص طويل ضخم الجثة منحنيًا إلى اليمين بينما يسمع عربة أوتوبيس إذ هو قد تنكَّر هكذا.)
٥٦ غربية : دي مش أصول أبدًا يا جدعان ولا هي دي أصول، يجيبونا على مشمِّنا ولا لحقنا نغير الزيت ولا نشوف الوليَّة الجديدة بتاع طره البلد، عليَّ الحرام الشغل في تُكُسة الأرياف أرحم، دي مش أصول أبدًا يا جدعان، ****! ما بتردوش ليه؟
(الجميع يحدقون ناحيته في توقُّع.)
٥٦ غربية : آه، أما انتوا صحيح ناس، ي. ا يا سيدي انت وهو.
دكتور ع الريق : ي. ا. ا. مالك يا اخينا زعلان ليه؟
٥٦ غربية : أصلها مش أصول أبدًا تجيبوا الواحد على مشمه، دانا من لخبطِّي قلت اجي على هيئة أتوبيس نقل عام. كانت شورة مصيبة؛ ٣ فِرد ضربوا مني في السكة وأربع خناقات وضرب سكاكين. إشي عض وقرص وخلافه لما طلع ديني، استغفر ****، دانا جنبي دا قِصر له يجي نص متر من كتر الميل.
فركة كعب : ذنبك على جنبك، انت اللي اخترت.
٥٦ غربية : جرى إليه ياد انت ياد، وانت مالك ومال اختار إيه؟ وهي فيها خيره يا معتل، ما انت يا تيجي راكب يا تيجي ركوب، قلت اجي ركوب احسن؛ حاكم الراكب الايام دي غلبان غُلب.
(يرتفع غطاء بكابرت من وسط المسرح بهدوء شديد.)
٥٦ غربية : يا نهار منيل، يا مصلحة الطرق يا مجاري.
(يرتفع الغطاء أكثر ويبرز وجه امرأة شِبه بلا مساحيق، وإنما في وجهها جلال من نوع غريب، وعينان هائمتان لا تستقرَّان على شيء ثم تنظر هنا وهناك، ثم يرتفع الغطاء تمامًا وتسحب جسدها إلى وسط المسرح.)
فركة كعب : أما حتة فكرة، أهو دلوقت بس اقر واعترف ان فيه حد أذكى مني صحيح.
طعمية : الباني طالع والفاحت نازل، والدنيا على كف عفريت اسمه البني آدم.
أهو كلام : بتقول ايه دي يا دكتور؟
دكتور ع الريق : أولًا أنا دلوقت مش دكتور، انا زي ما انت شايف شهادة استثمار. ثانيًا دي ببساطة بتقول تحيتنا المعروفة ي. ا (متوجهًا إلى المرأة) مش كده؟
طعمية : الجنازة حارة والميت كلب، يبقى العوض على ****.
دكتور ع الريق : بتقول ايه؟
٥٦ غربية : كل دا علشان تقول أيوه، أما لو قالت لا حتقول إيه؟ يا ترى دي بتتفاهم مع جوزها ازاي؟
دكتور ع الريق : ما هو كل دا من جوزها.
فركة كعب : اسمحوا لي بقى، انا قربت افرقع، قربت اطق، الساعة بقت تسعة وربع ولسه ما جاش …
٥٦ غربية : قربت، وانا فرقعت يجي خمسين مرة.
دكتور ع الريق : صبركم ب****، صبركم ب****.
طعمية : الصبر بيضرب نار والنار مش باينه، والحساب يومه عسير اعسر من يوم القيامة.
٥٦ غربية : طب مش تقولولي يا اخوانا ان الحكاية فيها صبر كان زماني شفت الولية الجديدة، ولية حلوة و**** لسه شباب، مراتي القديمة نفسها حتريل عليها، وبنت من عيلة؛ بنت خالة مدير قلم الحجاب في وزارة المالية لزم.
فركة كعب : مش معقولة …
أهو كلام : وتاعبين نفسكم ليه؟ الغايب حجته معاه.
فركة كعب : امال أخ ازاي؟ أخونا يعني أَبْلِنا، قُدَّامنا، واللا الأخاوة كلام وبس؟ إيه يا جماعة ما تقولوا.
٥٦ غربية : لا يا عم، أنا لغاية هنا وفرمل، أنا ما ليش في الكلام دا شغل الكلامنية اللي زيكم، إنما احنا م اللي بنفرمل تيت (صوت فرامل حادة).
فركة كعب : انتو مفروض تزودوا السرعة يا ٥٦ غربية، تدوسوا بنزين ع الآخر، تفرقعوا، فرقعوا بقى.
٥٦ غربية : ****! ما قولنا لك تلات فِرد فرقعوا في السكة، ما الفرقعة على ودنه بس بنتلحم تاني وآهي ماشية.
فركة كعب : هو إيه اللي ماشية؟
٥٦ غربية : بطني.
طعمية : يا بخت من نفع واستنفع، يا حسرة على اللي حب ولا طالشي، جابوا العروسة لقيوا العريس غضبان، انت فين يا عريس؟
(يسمع صوت طائرة هليوكبتر تُحلِّق في الجو وتتطلع عيون الجميع إلى السماء، ثم يتدلى «الأخ» بحبلٍ غير مرئي من سوفيتة المسرح، المرأة تزغرد زغرودة طويلة.)
دكتور ع الريق : دلوقت انهماك شديد (يندمج كل منهم في الشيء الذي يتقمصه؛ الأوتوبيس يجأر بشدة، فركة كعب ينهمك في نفخه ودورانه وقد احتلت وجهه أوسع ابتسامة، دكتور ع الريق يدور حول نفسه عارضًا الشهادة، المرأة تطلق الزغاريد ثم تبكي ثم تزغرد. ما إن يهبط الأخ ويستقر على الأرض حتى يبدأ بنظرات نفاذة يتأملهم، كلٌّ على انفراد، وكلما وجَّه نظره إلى أحدهم ارتبك؛ فالأوتوبيس يبدأ يفرقع شكمانه ويرتبك موتوره، فركة كعب يبتسم ثم يعبس ثم يعود للابتسامة، والدكتور يلف يمينًا ثم يرتبك ويظن أنه لا بد أنه يلف إلى اليسار ثم إلى اليمين، وهكذا.)
الأخ (بلا اهتمام واضح) : ي. ا (الجميع يتنهدون لحظة وكأنما الحمد ***.)
الجميع : ي. ا. ا يا أخ.
(يبدأ الأخ ينظر إليهم فيعودون بسرعة إلى مزاولة نشاطهم من جديد.)
الأخ : كله تمام يا دكتور ع الريق؟
دكتور ع الريق : كله تمام يا خويا الكبير، كله تمام.
الأخ : ومين صاحب فكرة ان كل واحد يعمل حاجة؟
دكتور ع الريق (بفرحة) : أنا.
الأخ : انت (باتهام).
دكتور ع الريق (مبتلعًا ريقه بصعوبة) : مش سعادتك قلت انهم يجوا متنكرين؟
الأخ : متنكرين حاجه وعاملين حاجات حاجة تانية. انت مش عارف ان مبدأنا الأول هو إلغاء فكرة ان كل واحد يعمل نفسه زي ما هو عايز؟
دكتور ع الريق : دا بس علشان الأمن يا فندم، عشان الأمن خطأ يا فندم، خطأ، مجرد خطأ مش حيتكرر أبدًا.
الأخ : والخطأ يتصلح حالًا.
دكتور ع الريق : حالًا يا فندم، حالًا، حالًا، متخططين كما كنت.
(يتوقفون عن حركتهم ويعود كل منهم إلى حالته الطبيعية ما عدا ٥٦ غربية الذي يظل معوج الكتف.)
(يعود الأخ يتأملهم واحدًا واحدًا ثم يتوقف عند فركة كعب فتتسع ابتسامته اضطرابًا إلى حد بشع، ويتوقف وكأنه مات، عند أوسع ابتسامة، ثم تستمر نظرة الأخ، يبدأ فركة كعب يحرك شفتيه ثم ينطق أخيرًا.)
فركة كعب : و**** أنا ما قلت حاجة (يسألهم) مش كده يا ٥٦ غربية؟ مش كده يا دكتور عالريق؟ مش كده يا طعمية؟ مش كده يا عم اهو كلام؟ (لا أحد يتحرك أو ينطق.)
فركة كعب (مواصلًا ابتسامة واسعة مفاجئة) : طب دا أنا وديني استاهل.
(الأخ: ينظر إليه.)
فركة كعب : أستاهل يعني كلمة.
(الأخ: مسدِّدًا نظرةً كالطلقة.)
فركة كعب : كلمة والسلام، مين عارف يمكن كلمة لوم، يمكن استاهل اللوم، أستهله؟
الأخ : لوم؟
فركة كعب : قصدي التشجيع، أيوه، كلمة تشجيع.
الأخ : تشجيع.
فركة كعب : تشجيع؟ أنا استاهل التشجيع؟ عملت إيه انا عشان استاهله، دا انا اللي يشرفني صحيح ان سعادتك لموآخذة قصدي أخوتك.
(الأخ: ينظر إليه.)
فركة كعب : توبخني؟
(الأخ: ينظر إليه.)
فركة كعب : تشجعني؟
(الأخ: مستمرًّا في نظراته.)
فركة كعب : توبخ، تشجع.
(الأخ: ناظرًا إليه.)
فركة كعب : ودي مصيبة إيه السودة دي اللي وقَّعت نفسي فيها دي؟
(الأخ: نظرة.)
فركة كعب : تو… ﺗﺷ… توشجعني، أيوه بالظبط كده توشجعني شويه، واحد زيي لازمه شوية توشجيع قوي، أستاهل كده، اتفضل وشجعني من هنا للصبح، أنا.
(الأخ: نظرة.)
فركة كعب : أنا لازم اسكت، مش كده؟
(الأخ: نظرة.)
فركة كعب : أسكت خالص، منطقش، مش برضه عايز سعادة اخوتك؟ أخرس خالص خالص ما اقولشي تلت …
فركة كعب (مكملًا في سرِّه) : الثلاثة.
(الأخ: وكأنه ينصت مادًّا أذنه.)
فركة كعب (بصوت مرتفع) : كام؟
الأخ (فجأة) : كام؟
فركة كعب : تلت التلاتة؟
الأخ : أيوه …
فركة كعب : دا العيل يعرفها.
الأخ : كام؟
فركة كعب : دي سهلة جدًّا جدًّا، تلت التلاتة؟
الأخ (بغضب) : كام؟
فركة كعب (وقد كساه الارتباك والعرق) : تلت التلاتة (يعد على أصابعه مرتبكًا) تلت وتلت يساوي تلت تلاتات.
الأخ : تلت التلاتة تلت تلاتات.
فركة كعب : لا خمسة، قصدي ستة، ست تلاتات …
الأخ : تلت التلاتة ست تلاتات؟
فركة كعب : **** يلعن أبويا ان كنت اعرف تلت التلاتة كام.
الأخ : تلت التلاتة واحد يا فركة كعب
الجميع : تلت التلاتة واحد يا فركة كعب.
فركة كعب : واحد؟ ودين سعادة أخاوتك واحد؟ يا سلام ع العبقرية، طب دي كنت حاعرفها لوحدي ازاي، دا باين الامخاخ مقامات وانا ما اعرفش، شفت السهولة اللي سعاتك عرفت بيها تلت التلاتة ازاي، وشوفوا التواضع، رضى انه يقول بنفسه وببقه الكريم: واحد، في حين ان أقل عدد يستاهل يخرج من بقه ما يقلِّش عن مليون واللا يمكن تلاتة مليون، و**** يمكن.
الأخ : اخرس بقى.
فركة كعب : أخرس وبس؟ سعادتك عايزني اخرس من دلوقت ولا من امبارح؟
الأخ : اخرس خالص.
(فركة كعب: يصمت تمامًا ويظل فمه يفتح ويقفل بلا كلام فيحاول إمساك شفتيه فترتعش يداه ثم تنتقل الرعشة إلى جسده كله.)
الأخ : بقى حضرتك كنت بتأنبني على غيابي؟
فركة كعب (بصراخ مفاجئ) : أنا؟
الأخ : اخرس خالص.
فركة كعب : ما هو مش معقول كده، أنا لازم اتكلم، مقدرشي اخرس أبدًا. بقى انا اقول ان أخاوتك اتأخرت. دانا متعلم يا أستاذنا وعارف إذا كان تأخير الناس عيب فتأخيرك انت شرف. تصوَّر بقى أخاوتك لما تتأخر أو حتى ما تجيش خالص؟ احنا نطمع في شرف اكتر من كده؟ دا معناه ان أخاوتك كسلت ولا حاجة، واحنا في ذاك اليوم اللي تكسل فيه؟ هو ناس زينا يستاهلوا كسل أخاوتك؟ ولا تأخيرك دا معناه ان أخاوتك تنازلت وفكرت فينا وبعدين مسألتش، احنا نطول نوصل للدرجة دي؟
الأخ : لا يا فركة كعب، دا نفاق، وانا ما احبش المنافقين اللي زيك.
الجميع : وهو ما يحب المنافقين اللي زيك.
فركة كعب : معاذ **** يا سعادة الأخ! النفاق يكون من ناس خايفين منك، خايفين يقولوا لك على الحقيقة، شايفين لا مؤاخذة لا قدَّر **** في أخاوتك حاجة وحشة ويقولوا عليها كويسة. إنما واحد زيي طول عمره بيحبك وعمره ما خاف منك، واحد زيي بلغت به الشجاعة انه يقولك على محاسنك في وشك، ودوغري كده تسميه منافق؟ لا حول ****.
الأخ : امال يبقى إيه؟
فركة كعب : يبقى من جنود الكلمة الشريفة، يبقى بيقول للكويس كويس في عينه (يُخرج الأخ سيجارة ويُشعلها وينفث الدخان) يبقى زي ما يكون مثلًا لا مؤاخذة نفسه في السيجارة دي حايموت على نفس منها ويقول يا باي دا السجاير وحشة بشكل، دا انا ما بحبهاش خالص، دا ما بيشربهاش إلا المفسودين (يكتشف ذلة لسانه) المفسودين اللي زينا كده، اللي السجاير بتقلل قيمتهم، إنما واحد زي أخاوتك السيجارة في إيده بيترفع مقدارها، وبينقص، وبينقص، وبينقص، عقبها بشكل خطير.
الأخ (فجأة) : تاخد سيجارة؟
فركة كعب : أنا دخت، أنا ما استهلش دا كله.
الأخ : ما دام دخت بلاش بقى.
فركة كعب : دا انا دخت من كتر ما نفسي.
الأخ : يعني تاخد ولا ما تاخدش؟
فركة كعب : انت سعادتك مزاجك إيه، تديني ولا ما تدينيش؟
الأخ (بغضب) : احنا بنلعب استغماية، انطق، عايز ولا مش عايز؟
فركة كعب : الحقيقة، الحقيقة.
الأخ (بغضب) : عايز؟
فركة كعب : لا مش قصدي.
الأخ (بغضب أكتر) : مش عايز؟
فركة كعب : مين قال كده؟
الأخ : دانت تفلق (ويرمي بالعقب على الأرض فيظل فركة كعب يرمقه بنهم شديد متطلعًا إلى الأخ علَّه يقرأ في عينيه الإذن، وحين يطول الوقت ويقصر العقب).
فركة كعب : ما تنوِّلنيش أخاوتك شرف عمري ما نلته؟
الأخ : لا.
فركة كعب : طب ما تكسبش صواب ***؟
الأخ : عايز ايه؟
فركة كعب : عايز صدري يتشرف بدخان العقب بتاع سيجارة أخاوتك.
الأخ : طب خده.
(ينقضُّ فركة كعب على العقب ولكن قبل أن تصل إليه يده تكون قدم الأخ قد وصلت إليه وفركته على الأرض، فيرفع فركة كعب هامته مبتسمًا أوسع ابتسامة.)
فركة كعب : متشكر قوي قوي يا فندم، أنا ما استاهلش فعلًا، ما استاهلش.
الأخ : انت معاقب عشان عطلتني، تقف هنا ووشك في الحيط، وتقلع هدومك خالص ما تلبسهمش إلا في الفصل التاني (في صمت متردد يتوجه فركة كعب إلى حيث أشار الأخ، مختلسًا نظرات متلصصة إليه، ولكن بصره الذي يأمره يظل منصبًّا عليه دافعًا إياه إلى جوار الحائط بادئًا بخلع ملابسه قطعة قطعة مترددًا عقب كل قطعة ناظرًا ناحية الأخ قبل أن يستأنف خلع الثانية طوال مشهد الحوار التالي).
الأخ : قربوا هنا.
(يقتربون منه كما أمر، ولكنه يدفع أهو كلام بعيدًا قائلًا):
الأخ : أنا قلت قربوا ولا اركبوا على نفسي؟
أهو كلام : قلت أخاوتك: قربوا.
الأخ : قربوا لما باقولها معناها تقربوا من بعيد، معناها تقفوا عند أقرب بُعد، أقرب من كده مفيش، (تمتمة إجابة) مفهوم؟
الجميع : مفهوم.
(الأخ: ينظر إليهم فيلحظ اعوجاج كتف ٥٦ غربية.)
الأخ : كتفك ماله؟
٥٦ غربية : اتعوج يا أخ من ساعة ما كنت أتوبيس مش عارف اعدله.
الأخ : أعدلهولك، انت تستاهل، قرب.
٥٦ غربية : أكتر من كده ما اقدرش.
الأخ : يبقى تستاهل كمان ان انا اللي اقربلك.
(يقترب منه ثم يضع يده على كتفه الأعوج، فيعتدل.)
٥٦ غربية : يا *** النبي يا محمد، دا أنا كتفي اتعدل بجد، ومين اللي عدلهولي؟ أنا رقبتي لك يا سيادة الأخ، طول عمري انا تحت أمرك، أنا زمارة منك اموت نفسي، أنا لك على طول خليك لي …
طعمية : يا خفي الألطاف، نجِّنا مما نخاف، باسم **** **** أكبر. باسم النبي حارسك وضامنك، باسم اللي يسوى واللي ما يسواش.
الأخ : بس.
طعمية : باسم بس وهي بس.
الأخ : اجتماعنا الليلة يا اخواننا مش أول اجتماع، بقالنا سنين وسنين بنجتمع. إنما دا أخطر اجتماع، عارفين ليه؟ لأن دا هو الاجتماع الفاصل، الاجتماع اللي حاينقلنا من تحت الأرض لفوق الأرض، من السرية للعلانية، من إيمان مخبيينه في صدورنا إلى مبدأ مفتوح ومعروض لكل الناس تؤمن بيه، العالم ما عادشي نافع، مش معقول نفضل عيشين كده. العالم عايش ازاي يا دكتور ع الريق؟
دكتور ع الريق : سايح على بعض، مفيش حاجة محددة فيه، كل واحد عامل نفسه زي ما هو عايز، والنتيجة فوضى ودمار، خراب، حروب، انقسامات، حمق، غباء.
أهو كلام : لازم العالم يتحدد ويتخطط، لازم الإنسان يحدد كل حاجة، حتى نفسه، كل شيء يبقى واضح ومفهوم وسليم، الابيض ابيض والاسود اسود، وده جنب دا، لا الاسود يسيح عا الابيض، ولا الابيض يغرق الاسود، والخطوط دوغري ومعروف مجراها من البداية للنهاية.
الأخ : وازاي دا يحصل يا فركة كعب؟
فركة كعب (وهو يواصل خلع ملابسه) : أنا ما استريحش إلا لما احقق اللي في دماغي، وكل العالم يخطط اسود ابيض، مفيش فيه للإنسان إلا فكره، إذا فضل يفكر لازم يحقق، هو دا الإنسان، امال إنسان ليه؟
الأخ : إنسان ليه يا ٥٦ غربية؟
٥٦ غربية : عشان بيشوف قدام، عشان فاتح النور الكبير على الآخر والنور ضارب ميت كيلو، والنور الاحمر ورا ما يرجعش ولا خطوة، كله لقدام، واللي ورا فات، والمطب هو اللي قدامي، والسرعة على ميت كيلو وكله لقدام، مفيش مارش آريير أبدًا، التعشيقة عا الرابع والبنزين على الآخر.
الأخ : والدنيا تبقى ازاي يا طعمية؟
طعمية : جت الحزينة تفرح ما لقتش مطرح، وقدامك سكة سفر، والسفر للقمر، والقمر رايح للشمس، والشمس طالعة في الليل، والليل قوي أقوى من النهار، والنهار في الشتا قصير.
الأخ : فعلًا، لا داعي للإسراف في التفاؤل، فالطريق طويل طويل والرحلة تبدأ بخطوة، والليلة خطوتنا الكبرى، الليلة الخطوة الفاصلة.
دكتور ع الريق : فاصلة ازاي؟
الأخ : إيه ده؟
دكتور ع الريق : مسرح الجكم.
الأخ : بيعرض إيه؟
دكتور ع الريق : رواية مؤسسة السعادة الكبرى.
الأخ : احنا الليلة حاندخل الرواية دي.
فركة كعب (متلفتًا بابتسامة واسعة جدًّا) : حانتفرج؟ ****! يا حلاوة.
الأخ : نتفرج، وبعدين؟
أهو كلام : وبعدين يا أخ؟
الأخ : وبعدين تُفرج.
أهو كلام : تُفرج ازاي يا أخ؟
الأخ : التفاصيل ساعة الصفر.
أهو كلام : والصفر امتى يا أخ؟
الأخ : ساعة رفع الستار.
٥٦ غربية : ****! ومستنيين ايه يا جدعان؟ يالا بينا.
الأخ : عندك، اقف عندك. احنا مستنيين حاجة هامة، أهم حاجة في الليلة دي …
٥٦ غربية : حاجة ايه؟ ما احنا كلنا ألسطة يا أخ.
الأخ : ناقص القنبلة.
٥٦ غربية : يا نهار اسود، احنا حاننسف؟
الأخ : احنا حانبني، احنا حانعلي، واللي ناقصنا النجمة، والنجمة جاية حالًا.
فركة كعب : إنشالله اتسخط حيطة ان كنت فاهم حاجة.
طعمية : الشاطرة تغزل برجل حمار، وإن عديتنا يا معداوي الأجرة على مين؟
الأخ : ناقصنا ألماظ.
٥٦ غربية : ألماظ الممثلة، قوي دي بتاعة السينما والمسرح وكله؟
الأخ : وبتاعتنا.
أهو كلام : هي معانا؟
الأخ : من امبارح بالليل بقت معانا.
فركة كعب : وحاتيجي؟
الأخ : حالًا.
فركة كعب : ونكلمها وتكلمنا ونشتغل؟
الأخ : مع بعض.
فركة كعب : حلاوتك، أحب النبي.
٥٦ غربية : وحنخش سوى؟
الأخ : المسرح.
٥٦ غربية : تعيش مؤسسة السعادة الكبرى!
الأخ : اخرس، الصح هو تعيش، ميم، سين، حاء.
٥٦ غربية : م. س. ح دي إيه؟ أجره دي ولا رميس؟
الأخ : التفاصيل ساعة الصفر.
(تدوي زغرودة من طعمية.)
الأخ : أهي جت.
(تبدو ألماظ قادمة عبر الشارع ترتدي ثيابًا كالبالرينا ملتصقة بجسدها تمامًا حتى تبدو وكأنها عارية كما ولدتها أمها، أما جسمها فهو مخطط بخطوط طولية سوداء وبيضاء من قمة رأسها إلى قدمها، تحمل حقيبة يد مخططة أيضًا.)
٥٦ غربية : **** **** ****! وجاية كده ليه؟
الأخ : جايه مخططة، احنا مش قلنا الليلة دي هي الفاصلة، الليلة اللي حانكشف فيها عن نفسنا ومبادئنا يا فركة كعب.
فركة كعب : أفندم يا أخ.
الأخ : انت خلصت قلع هدومك؟
فركة كعب : ما عادش إلا دا (مشيرًا إلى الكلسون).
الأخ : اقلعه
فركة كعب : حقا؟! كله إلا كده، ما قدرش، ولا لما اموت حتى حد يقدر يقلعهوني، يا نهار اسود دا هو اللي فاضيللي.
الأخ : اقلعه بقولك.
فركة كعب : ما هو إذا كان ع القلع اقلعه، إنما ليه بس يا سعادة الأخ؟
الأخ : اقلعه يعني اقلعه.
فركة كعب : أنا طنيب رباط جزمة أخاوتك، أعرف ليه بس اقلعه، أنا في عرضك ليه؟
الأخ : عشان تلبس دي.
(ومن مكان ما في المسرح ينتزع بدلة رجالي مخططة.)
فركة كعب : بس كده؟ دا أنا اقلعه واقلع جلدي نفسه، أقلع أفكاري ومعتقداتي، أقلع مخي كله، وليحيا التخطيط.
٥٦ غربية : أغير شاسي كله، أبقى طيارة وصاروخ، دا انا حابقى مخطط يا جدعان، ما تخلصوا بقى تخططونا بقى، أنا في عرض التطبيق.
طعمية : من عيني دي ابيض ومن عيني دي اسود، وإيدي خط، ورجلي خطوة، وقلبي الأخ.
أهو كلام : خللي الصبح الاسود والابيض يطلع.
دكتور ع الريق : ليعيد النظام للكون المختل.
الأخ : دلوقتي حتتحرك، فليتحرك التاريخ!
(ستار)

الفصل الثاني​

(حين يبدأ الفصل الثاني نجد المخططين قد جلسوا في الصف الأمامي للمسرح، أو في أي مكان مناسب في الصالة، بينما نجد «الأخ» قد جلس بمفرده في «بنوار» وعينه عليهم، والمسافة قريبة بحيث باستطاعته أن يُلقي إليهم بتعليماته وهمساته كي يسمعها المخططون والجمهور في نفس الوقت.

حين يُفتح الستار نجد ستارًا أبيض آخر مكتوبًا عليه بالأصفر أو الأخضر لافتة كبيرة تقول: مسرح (اسم المسرح الذي تُمثل فيه المسرحية) يقدِّم مسرحية:

مؤسسة السعادة الكبرى​

  • تمثيل: (يكتب أسماء الممثلين الذين سيقدمون الفصل الثاني.)
  • تأليف: مقتبَسة بتصرُّف عن الفلولكلور الفرنسي.
  • إخراج: المقتبس نفسه.
ويعلن مسرح (اسم المسرح) أن أي تشابهٍ بين المسرحية وبين الواقع هو من محض المصادفة وعمل الأوهام والخيالات.)

(ترفع هذه الستارة لنرى الركن الأيمن من المسرح مُضاء، بينما معظم المسرح تحتله حجرة كبيرة — مطفأة الأنوار إلى حين. الحجرة المضاءة حجرة سكرتير رئيس مجلس الإدارة. مكتب وتليفونات «وحكمة الصبر»، بها «فوتيهات» وكنبة، السكرتير فوق الخمسين وإن كان يصبغ شعره والصبغة واضحة. وفي الانتظار نجد سيدة تبدو في غموض وكأنها ترتدي الملاءة اللف؛ إذ إنها تولِّي ظهرها للمتفرجين، يتكفل مسند الكرسي بإخفائها، ثم نجد أفنديًّا ذا شخصية غريبة يضع وردة في سُترته يجلس على الكنبة إلى اليسار، وأمامه مباشرةً نجد إنسانًا يرتدي الملابس العربية القديمة ويضع فوق عينيه نظارة سوداء غامقة.)

(يدق أحد التليفونات على مكتب السكرتير، يرتبك قليلًا ليعرف أي التليفونات يدق، يرفع سماعة خطأ، ثم يرفع السماعة الصحيحة.)

السكرتير : أيوه يا فندم، أيوه، المؤسسة العامة للسعادة الكبرى، بالظبط يا فندم الميم سين كاف، تمام يا فندم مكتب رئيس مجلس الإدارة، أنا السكرتير الخاص، أي خدمة؟ حاضر، حاضر، ثانية واحدة اشوفه (يتسلل السكرتير ويفتح الباب القائم على يمين المسرح والموصِّل إلى حجرة رئيس مجلس الإدارة، ثم يغلقه في صمت ويعود إلى التليفون) و**** هو عنده لسه اجتماع، أنا آسف قوي، طرابيزة الاجتماعات بعيدة عن التليفون، حاضر يا فندي، بالكتير خالص نص ساعة، حاضر، مع السلامة يا فندي (يضع السماعة، جرس المكتب يدق فينتفض السكرتير واقفًا ويتجه إلى حجرة رئيس مجلس الإدارة).
صوت : ولع النور.
(تُسمع «تكة» وتضاء الحجرة لنجدها باهرة الأناقة وخاوية إلا من رئيس مجلس الإدارة الذي يكون منهمكًا تمامًا في مزاولة رياضة اليوجا وقد انقلب فوق المكتب راكنًا بظهره إلى الحائط ورأسه إلى أسفل.)

رئيس مجلس الإدارة : انتهت المدة واللا لسه؟
السكرتير : باقي بالظبط ٣ دقايق وتكمل حضرتك الساعة.
رئيس مجلس الإدارة : بسيطة، معلش، اوع تفتكر يا سيد سكرتير إن الساعة دي ضاعت، أبدًا، انت عارف ايه السبب اني بقيت رئيس مجلس إدارة وانك بقيت سكرتير ليه، مع إني اصغر منك بعشرين سنة؟
السكرتير : ليه، والنبي ليه يا سعادة البيه؟
رئيس مجلس الإدارة : لأني بلعب يوجا يا سك.
السكرتير : أفهم من كده يعني انهم كانوا بيمتحنوا سعادتك فيها عشان يعيِّنوك؟
رئيس مجلس الإدارة : لأ يا غبي لأ، اليوجا دي مش للامتحان ولا للناس التانية، أبدًا، دي لك انت، تعلِّمك حاجات كتير جدًّا، حاجات لا يمكن يفهمها واحد زيك، واحد مش مسيطر على نفسه، انت بتغضب وبتزعل وبتشتم وبتشِّتم لأنك لسه كائن بدائي غرايزه وعواطفه هي اللي بتسيطر عليه، تتضايق تشتم فتشِّتم فتتضايق أكتر، وهَلُمَّ جَرًّا. أنا مش كده، أنا لما اضايق اضحك، اطق وانا بابتسم، ابقى سامع الكلام نازل زي الطوب على نافوخي وانا باحلَّق في أعلى أبراج السعادة. لولا اليوجا دي كان زماني موظف درجة تاسعة زيك، دلوقتي انا إيه؟
السكرتير : رئيس مجلس إدارة يا فندم قد الدنيا.
رئيس مجلس الإدارة : تعرف الفرق ايه بين رئيس مجلس الإدارة وموظف درجة تاسعة؟
السكرتير : الفرق أربعتلاف وخمسميت جنيه في السنة يا فندم.
رئيس مجلس الإدارة : غبي، الفرق بسيط جدًّا يا سك، موظف درجة تاسعة تشتمه يرد عليك، رئيس مجلس الإدارة تشتمه …
السكرتير : يلعب يوجا.
رئيس مجلس الإدارة : برافو! تشتمه قوي؟
السكرتير : يلعب دومنة.
رئيس مجلس الإدارة : غبي، يعمل تمرينات تنفس يا عبيط.
السكرتير : ودي ازاي يا فندم؟
رئيس مجلس الإدارة : تكتم نفسك خالص، وتقعد كاتم نفسك على قد ما تقدر. باقي كام؟
السكرتير : دقيقة وربع يا فندم.
ر.م.ا : عندك مين بره؟
السكرتير : رئيس قسم العلاقات العامة، خبيرة السعادة الزوجية، وراجل كده عربي باينه من ابو ظبي. أدخل مين الأول يا فندم؟
ر.م.ا : هات لي بتاع العلاقات العامة اخلص منه.
السكرتير : أمرك.
(يدخل مدير العلاقات العامة ومعه لوحات ملفوفة.)

(يقف بعيدًا جدًّا، قريبًا من باب الدخول، لا يكاد يرى رئيس مجلس الإدارة.)

(يتعجب قليلًا ثم يتردد وأخيرًا يقول):

مدير العلاقات العامة : صباح الخير يا فندم، نهار عظيم، نهارك ابيض ان شاء ****.
ر.م.ا : وحياتك انت شايفني مش فاضي خالص، خش في الموضوع.
مدير العلاقات : أخش في الموضوع ازاي يا فندم وانا النهارده باسم **** ما شاء **** شايف سعادتك الشباب بيتنطط من عينيك قدامي؟ أنا ماسك الخشب، أنا ظهري كله في الخشب.
ر.م.ا : شايف صحتي ازاي بس وانت لا شايفني ولا أنا شايفك خالص، أرجوك، الموضوع.
مدير العلاقات : شايفك يا فندم، بالإحساس، قلبي دليلي.
ر.م.ا : انت حتخش في الموضوع ولا اكسر الساعة واتعدل لك؟
مدير العلاقات : أخش يا فندم، أخش، آدي يا فندم ٣ شعارات حننزلهم في التليفزيون، إنما أجارك **** يا فندم، خدوا مننا ٣ تشهر تفكير، وخمس تشهر تنفيذ، إنما بشرفي سعادتك لما تسمعهم حتستغرب ازاي خلصناهم في الوقت القليل دا.
ر.م.ا : خش في الموضوع قلنا.
مدير العلاقات : مانا في الموضوع يا فندم اهه، أنا في أعمق أعمال الموضوع.
ر.م.ا (في زعيق هائل) : أتعدل؟
مدير العلاقات : معاذ **** يا سعادة البيه، العفو أنا اللي حاتعوج.
(يسرع إلى المكتب ويرقد رافعًا ساقيه إلى أعلى بنفس طريقة رئيس مجلس الإدارة.)
اتفضل سعادتك، آدي الإعلان الأول:
مؤسسة السعادة الكبرى تفخر بتقديم المثل الشعبي التالي:
ساعة الحظ ما تتعوضش.
(يضحك فركة كعب بصوت عالٍ، ولكن نظرة من «الأخ» توقِف الضحكة على فمه.)

ر.م.ا : وده ياخد ٣ تشهر تفكير وخمس تشهر تنفيذ؟
مدير العلاقات : لا يا فندم، دا خد شهر واحد تنفيذ، دا بقى حنعمل منه إعلانات في الشوارع والميادين، ونطبعه كارت بوستال، ونطلعه طابع بريد تذكاري، وحننزله لمدة سنة في الجرائد والإذاعة والتليفزيون وما يطلبه المستمعون واليوم المفتوح، إلخ إلخ إلخ.
ر.م.ا : التاني بسرعة قبل ما اكتم نفسي.
مدير العلاقات : العفو يا فندم العفو، انشالله انا اللي يتكتم نفسي، التانية دي بقى حاجة أورجينال يا فندم، عمرها ما خطرت على قلب بشر.
ر.م.ا (معتدلًا) : انطق.
(مدير العلاقات العامة يظل على وضعه لا يعتدل.)

ر.م.ا : ما تتعدل وتنطق.
مدير العلاقات : ما اقدرش يا فندم لا مؤاخذة، أصل أنا إذا رفعت رجليه كده ما اقدرش انزلهم خالص، عندي عِرق نسا يا افندم.
فركة كعب (تعليقًا على ضحك الجمهور، واقفًا بابتسامة كبيرة مستنكرة) : بتضحكوا على إيه؟ أنا مش شايف أي مناسبة للضحك أبدًا؛ واحد عنده عِرق نسا فيها إيه تضحك دي؟ أنا افهم انكم بتضحكوا لما …
الأخ (هامسًا) : كفاية اقعد.
(يسقط فركة كعب فورًا فوق المقعد.)

ر.م.ا : التاني، التاني، التاني من فضلك.
مدير العلاقات : أهه يا فندم، تصوَّر سيادتك بقى على مساحة نصف صفحة في الجرائد نكتب بالخط الكبير قوي، البروفسور ف. ك برتشن يقول: لذة القتل هي أعظم لذة في الدنيا. وبعدين بخط أكبر: وأنت أيضًا ممكن أن تستمتع بلذة القتل دون أن تقتل. التفاصيل في العدد القادم، مع تحيات مؤسسة السعادة الكبرى.
ر.م.ا : العدد القادم بسرعة.
مدير العلاقات : العدد القادم بقى نقول: ألذ من لذة القتل أن تتفرج على القتل، والمؤسسة العامة للسنكاف تنصحك بأن تدخل سينما مترو أو راديو أو كايرو أو الأهلي أو السبتية، وهي كفيلة برد ثمن التذكرة لمن لا يجد في أفلامها القاتلة متعة.
ر.م.ا (بحرارة) : اشمعنى سِبت سينما علي بابا يعني؟
مدير العلاقات : لا يا افندم ما سبتهاش ولا حاجة، دي جايه حالًا في لذة السرقة.
ر.م.ا : طب تعالى بقى.
(ويهجم عليه فيتشقلب وينتصب واقفًا.)

مدير العلاقات (بصيحة انتصار) : ****! دانا وقفت، شايف المعجزات اللي بتعملها سعادتك؟
ر.م.ا : غور من وشي.
مدير العلاقات (وهو يغمغم خارجًا جامعًا أوراقه) : وديني معجزات المرض اللي عجز عنه نص الأطباء تضيعه شخطة.
(ر.م.ا: يأخذ نفسًا عميقًا ثم يكتمه ويضغط على الجرس، يظهر السكرتير على الباب.)

ر.م.ا : هات بتاع ابو ظبي دا.
السكرتير (يلتفت السكرتير قائلًا للرجل النحيف الذي يرتدي الزي العربي) : اتفضل، اتفضل، اتفضل.
العربي (يقف الرجل حائرًا ثم يقول) : خد بيدي يا ابني.
(يتعجل السكرتير ثم يأخذ بيده ويُدخله الحجرة.)

العربي : هل أصبحنا في الحضرة؟
السكرتير : حضرة مين يا عم؟ قدامك على طول السيد رئيس مجلس الإدارة.
ر.م.ا : أهلًا وسهلًا، حضرتك بقى من ابو ظبي ولا من قطر؟
العربي : لم أسمع بهما في حياتي يا أمير المؤسسة.
ر.م.ا : امال حضرتك منين؟
العربي : إني من المَعَرَّة يا أمير المؤسسة.
ر.م.ا : المعرَّة دي فين؟ مش قريبة من الكويت كده؟
العربي : الكويت؟ إني من المعرَّة يا سيد، إني أبو العلاء المعرِّي، ألم تسمع بي؟
ر.م.ا : أبو العلاء المعرِّي، أنا سمعت الاسم دا قبل كده فين؟ فين؟ ****! دا كان شاعر مش كده؟
أبو العلا : ولا يزال يا أمير المؤسسة.
ر.م.ا : بس دا مات بقى له يجي ميتين سنة.
أبو العلا : أكثر قليلًا يا مولاي الأمير، ألف عام ربما.
ر.م.ا : وانت تقرب له؟
أبو العلا : إني هو بنفسه.
ر.م.ا : هو بنفسه؟ وإيه اللي جابك؟
أبو العلا : جئتك مادحًا يا أمير المؤسسة.
ر.م.ا : وتصحي نفسك بعد ألف سنة موت، وتيجي من المعرَّة لغاية هنا عشان تمدحني؟
أبو العلا : حاشا ***، ما جئتك مادحًا لشخصك؛ فما مدحت في حياتي أميرًا ولا ملكًا، إنما جئتك كأمير لمؤسسة السعادة الكبرى. لقد جعلت أنباؤها تؤرِّقني في قبري وتُفسد عليَّ متعة الراحتين، ووجدت أني لا أستطيع الموت قبل مدحها فأنشأت لهذا أبياتًا.
ر.م.ا : بس أصل احنا لا مؤاخذة ما عندناش في المؤسسة بند للشعر والشعراء، مش حنقدر نكافأك.
أبو العلا : وكيف يكون ذلك يا أمير المؤسسة؟ وأنا ما أرَّقني في قبري إلا أنهار النقود التي تنصبُّ من ميزانيتكم الموقَّرة وتذهب مساحات في الصحف والجرائد يُكتب فيها كلام أعجمي، في حين أن بيتًا واحدًا من قصيدة لي كفيلٌ بأن يصنع في لحظة ما تفعله إعلاناتكم كلها في عشرات السنين، ويكفيني يا سيد من المؤسسة مكافأةً ثمن إعلان صغير على ربع صفحة داخلية من إحدى جرائدكم. ها أنت ذا ترى أني، كما كنت دائمًا، شاعرًا متواضعًا متقشفًا لا يمكن أن أتطلَّع مثلًا إلى ثمن صفحة بأكملها، أو يا للهول ثمن ملحق من عدة صفحات، أو حتى إعلان في المرناة التي تسمونها التليفزيون تتفسح به فتاة مذياعة، إني رجل جم التواضع يا أمير المؤسسة، أتسمعها؟
ر.م.ا : أسمع ايه يا أستاذ معرِّي؟
أبو العلا : القصيدة.
ر.م.ا : أرجوك يا أستاذ انا هنا ما باسمعشي حاجة أبدًا، أنا باقرا بس، اكتبها على عرض حال دمغة واديها للسكرتير (يضغط على الجرس فيُقبل السكرتير) وابقى اعمل له مذكرة تعرضها على مجلس الإدارة، دا راجل غلبان وعاجز وباينه جاي ماشي من المعرَّة.
أبو العلا : أهكذا يعامَل الشعراء في عصركم يا أمير المؤسسة، أم هو حظي أنا التعس دائمًا؟ إنه حظي وسأعود إلى معرَّتي ولَحْدِي كي أموت مرة أخرى ولن أصحو أبدًا.

رُبَّ لحدٍ قد صار لحدًا مرارًا

ضاحكًا من تزاحم الأضداد

تعبٌ كلُّها الحياة فما

أعجب إلا من راغبٍ في ازدياد
(ر.م.ا: يأخذ نفسًا عميقًا ويكتمه إلى أن يحمر وجهه ويزرق. السكرتير يعود من توصيل أبو العلاء ليجد ر.م.ا قد برزت عيناه وجحظتا يحاول أن يتكلم، فيشير له ر.م.ا أن يصمت، حين يبدأ ر.م.ا يتنفس يقول السكرتير):

السكرتير : ما عادشي فاضل إلا خبيرة السعادة الزوجية، أدخلها؟
(ر.م.ا: يشير برأسه له موافقًا. تدخل الخبيرة، وهي خاطبة تلبس الملاءة اللف مع البرقع وتمضغ اللبانة وتطرقع بها.)

الخبيرة : أفندم؟
ر.م.ا : أفندم، انتي عايزه إيه؟
الخبيرة : مش انت الدلعدي اللي طالبني؟
ر.م.ا : أيوه، أيوه صحيح (يعبث بأوراق فوق مكتبه ويستخرج دوسيهًا) أيوه انا طالبك لسبب ايه؟ دا سبب مهم جدًّا، أيوه بالظبط، إيه دا يا ست دا، ازاي يرتفع معدل الطلاق في الناس اللي جوزتيهم بنسبة ١٥٠٪؟! ازاي يحصل الكلام دا مع خبيرة في مؤسسة السعادة الكبرى؟!
الخبيرة : يرتفع المعدل! وما له يرتفع؟ دا حتى الدعوة بتقول: روحي يا صبية **** يعدلها لك.
ر.م.ا : الناس اللي بتجوزيهم بيطلقوا ليه؟ عايز اعرف.
الخبيرة : ****! وانا مالي يا دلعدي؟ انا عليَّ اوفق راسين في الحلال وخلاص.
ر.م.ا : بتوفقيهم من هنا، وتاني شهر ولا سنة ينطحوا بعض.
الخبيرة : يبقى الراجل فيه عيب.
ر.م.ا : اشمعنى الراجل يعني؟
الخبيرة : لأنه لو كان راجل بجد، عمر ما الراس ام شعر تسيبه.
ر.م.ا : أهم بيبقوا رجاله ويسيبوهم، وانت خبيرتنا في السعادة الزوجية، ازاي تقولي كده؟ لازم اعرف الناس بيطلقوا ليه؟
الخبيرة : بيطلقوا عشان بيجوزوا.
ر.م.ا : يبقى الحل إيه؟
الخبيرة : انهم ما يجوزوش فميطلقوش.
ر.م.ا : احنا عايزينهم يتجوزوا وما يطلقوش.
الخبيرة : يبقوا يتحولوا على قسم الحرام بقى، دا مش اختصاصي، انا اختصاصي الحلال بس، آه انا اوفق الروس في الحلال بس.
(الأخ: يشير برأسه بطريقة خاصة إلى ألماظ فتقوم واقفة فجأة وتقول):

ألماظ : أنا عندي نقد للمؤسسة دي، دا كلام فارغ، دي قلة أدب، دي سعادة وهمية، سعادة كاذبة، دي مش مؤسسة السعادة الكبرى ولا الصغرى حتى، دي مؤسسة نصب واحتيال.
(السكرتير يقف مذعورًا لهذا الكلام يحاول إسكاتها بلا جدوى.)

السكرتير : طب يا هانم اتفضلي هنا.
ألماظ : ما تفضلشي، دا نصب، دا احتيال، دي مش مؤسسة دا ماخور.
السكرتير : ماخور؟
ألماظ : أيوه.
السكرتير : أفهم من كده ان سيادتك بتنقضي مؤسسة السعادة الكبرى بتاعتنا؟
ألماظ : افهم زي ما انت عايز.
السكرتير : ما هو لو بس تتفضلي هنا، أنا مستعد آخدك تقابلي رئيس مجلس الإدارة، وتقولي له كل النقد اللي عندك وتتفاهموا مع بعض.
ألماظ : اتفضل قول له.
السكرتير : طب اتفضلي هنا الأول.
ألماظ : اتفضل انت.
السكرتير : لا، انت الأول، الأصول كده.
ألماظ : طيب أنا جايه.
(تصعد المسرح وتظل رائحة غادية في حجرة السكرتير، السكرتير يتأملها قليلًا ويسيل لعابه، ثم ينظر إليها وهو ملتهمًا يتجه إلى باب رئيس مجلس الإدارة.)

السكرتير : يا سعادة البيه، عندي نقد موجه للمؤسسة.
ر.م.ا : نقد هدَّام ولا بنَّاء؟
السكرتير : هدام إيه يا سعادة البيه؟ دا بناء، بنَّاء لفوق ولتحت، بنَّاء بالطول يا سعادة البيه.
ر.م.ا : اديله ميعاد الأسبوع الجاي.
السكرتير : أديله ولا اديلها؟
ر.م.ا : هي ست؟
السكرتير : وحته *** ست يا سعادة البيه، ست هدامة إنما نقدها بنَّاء، عليها حتة *** نقد.
ر.م.ا : ست! ست وبتنقض مؤسسة السعادة الكبرى؟ دا شيء جديد، شيء لانج، نوفي، شيء محصلش، ازاي تخليها تستنى الوقت دا كله؟
ألماظ (داخلة مقتحمة) : ومين اللي قال اني حاستنى؟
ر.م.ا : أهلًا وسهلًا، أهلًا وسهلًا.
الخبيرة : بعد إذن سعادتك دي باين عليها مش بتاعة حلال أبدًا، بعد إذنك.
ألماظ : خليكي، لازم تسمع النقد، لازم النقد يكون علني تسمعه الناس كلهم.
ر.م.ا : وعلني ليه بس؟ ما نجربه الأول سري، ما نفعشي نخليه علني. (ثم للسكرتير) انت واقف ليه يا جدع انت؟! اتفضل على أودتك.
ألماظ : أنا ما عنديش نقد يتقال في السر، النقد في السر دا يبقى مساومة، يبقى نقد كتيمي، دكاكيني، أنا نقدي مجازيني مفتوح لكل الناس.
(يخرج السكرتير ولكن قلبه لا يطاوعه ويظل يتسكع على الباب.)

ر.م.ا : **** يسترها من نقدك المفتوح دا، أنا تحت أمرك، عن إذنك يا خبيرة أشوفك بعدين.
ألماظ : اوعي تتحركي، خليكي زي ما انتي، انتي شاهدتي.
الخبيرة : يا نهار منيل! هو فيها شهود وبوليس ومحضر؟ لا، لا يا ختي دانا بتاعة الحلال، كله على الروس في الحلال وبس. عن إذنك بقى (تخرج مندفعة ثم حين تكتشف أن السكرتير يُنصت) يه! (تبصق في عبها) خضتني، داحنا باينا في قسم الحرام وانا ما اعرفش، قطيعة! (تخرج.)
ألماظ : مش مهم، المهم عندي انك تعرف رأيي.
ر.م.ا : مش اعرفك أولًا قبل ما عرف رأيك؟ حضرتك مين؟
ألماظ : وانا أهميتي إيه؟ المهم رأيي.
ر.م.ا : طب على الأقل اعرف انتي عامله في نفسك كده ليه؟
ألماظ : مخططه، وماله؟ دي الموضة، ما سمعتش ابدًا عن المخططين؟
ر.م.ا : آه المخططين، مش تقولي كده؟ أيوه ايوه، أيوه المخططين، أيوه يا ستي إيه رأيك بقى في مؤسستنا؟
ألماظ : أنا رأيي ان مؤسستكم انحراف خطير في داهية.
ر.م.ا : مؤسستنا منحرفة؟ ازاي دا يا فندم، ازاي؟
ألماظ : مؤسستكم بترتكب جرائم كبرى في حق الإنسانية والتقدم، بس.
ر.م.ا : يا افندم ليه بس، ليه؟ فين الجريمة دي، فين؟
ألماظ : فيك.
ر.م.ا : أنا الجريمة؟
ألماظ : انت المجني عليه، انت بتاخد كام ماهية؟
ر.م.ا : ماهية إيه وهباب إيه؟ أهو يدوبك كده حوالي عشرة جنيه.
ألماظ : عشرة جنيه في الشهر؟
ر.م.ا : ودا معقول برضه؟ قصدي في اليوم، يمكن يزيدوا شوية إنما دا بهدلونا خالص، شالوا بدل التمثيل وبدل الضيافة وبدل المواصلات وبدل البِدل.
ألماظ : أنا عايزة اعرف بتقبض كام آخر الشهر؟
ر.م.ا : بكله بكله ٣٦٥ جنيه.
ألماظ : شفت بقى الفساد؟ شفت الفضيحة الكبرى؟
ر.م.ا : أنا مستعد اتنازل.
ألماظ : مستعد إيه بس؟ طبعًا لازم بالشكل دا تبقى مؤسسة رجعية، مؤسسة فساد، بقى واحد عبقري زيك متخرج بقى له سبع سنين وخبير في السعادة الشعبية والشلالية والعائلية والعالمية من أولى ابتدائي ياخد ٣٠٠ جنيه في الشهر بس؟!
ر.م.ا (في ابتسامة صفراء) : حضرتك بتتريقي؟
ألماظ : شايفني بتاعة تريقة؟ أنا بانقد بشدة ما بتريقش.
ر.م.ا : بتنقدي.
ألماظ : طبعًا بنقد، ما عدتش قوة في العالم تقدر تمنعني، بقى رئيس مجلس إدارة مؤسسة السعادة الكبرى اللي هدفها إسعاد كل البشر يدوله ٣٠٥ جنيه في الشهر؟! وكمان في حاجة أخطر، ازاي رئيس مجلس إدارة مؤسسة السعادة الكبرى بقى، كل موظفين مكتبه مجرد سكرتير واحد مكحكح؟ فين هيئة مكتبك؟ فين سكرتارية مدير مكتبك ومدير مكتب مدير مكتبك؟ فين سكرتيرك الصحفي وسكرتيرك المنزلي وسكرتيرتك والتايبست بتاعة سكرتيرتك؟
ر.م.ا : أهو دا النقد ولا بلاش، أهو كده النقد (ثم يعتدل على كرسيه) أنا لا يسعني يا ست …
ألماظ : ألماظ.
ر.م.ا : يا ست ألماظ. ****! حتى اسمك حلو، أنا لا يسعني إلا أن أعترف انك على حق في نقدك دا، وسنبذل قصارى جهدنا لإصلاحه، وفقنا **** وإياكم إلى ما فيه الخير.
ألماظ : دا مجرد مقدمة، وانا لسه نقدت؟
ر.م.ا : إذا كان كده بقى فتسمحيلي إنك تقعدي معانا شوية، عشان يتسع صدرنا لنقدك.
ألماظ : ممكن اقعد ساعة كمان.
ر.م.ا : لاه، هي ساعة تنفع؟ ياخي قول سنة، سنتين، عشرة.
ألماظ : ياه! لا مقدرشي، دانا عندي ميعاد مع الخياطة، أروح لها ازاي بعد عشر سنين.
ر.م.ا : دانت مش حاتروحي لها خالص، انت حتشتغلي هنا معانا على طول بالزي دا، آه، احنا بنقتبس آخر صيحات الموضة.
ألماظ : أشتغل هنا يعني؟
ر.م.ا : يا سلام! إيه رأيك؟
ألماظ : يعني.
ر.م.ا : يعني إيه؟
ألماظ : حتدوني كام؟
ر.م.ا : كارت بلانش، اللي انتي عيزاه.
ألماظ : أقل من ٢٥٠ مش حاخد، والعلاوة كل ١٥ يوم.
ر.م.ا : موافق.
ألماظ : وحاشتغل إيه؟ أنا ما اشتغلش أقل من مديرة.
ر.م.ا : عندك حق. أنا عندي لك وظيفة ما حصلتش.
ألماظ : مديرة؟
ر.م.ا : طبعًا.
ألماظ : مديرة إيه؟
ر.م.ا : مديرة العلاقات الخاصة.
ألماظ : مديرة العلاقات الخاصة؟ مديرة العلاقات الخاصة بالمؤسسة يعني؟
ر.م.ا : لا، مديرة العلاقات الخاصة بتاعتي أولًا، وبعدين المؤسسة، إيه رأيك؟
ألماظ : يعني.
ر.م.ا : يعني موافقة (ويضغط على الجرس، ينتفض السكرتير الذي كان يتسمع ثم يدخل وهو ينظر شذرًا إلى ألماظ).
ر.م.ا : بلغ المستخدمين حالًا ان الهانم بقت مديرة العلاقات الخاصة، واعملولها أوضة جنبي هنا وسكرتارية.
ألماظ : ويعملولي إيه؟ أوضته كويسة قوي.
السكرتير : طب وانا؟
ر.م.ا : انت.
ألماظ : يروح الأرشيف.
ر.م.ا : تروح الأرشيف.
السكرتير : يا سعادة البيه.
ر.م.ا : ولا كلمة، ع الأرشيف.
السكرتير : ويعني النقد يجي على دماغي انا؟ وديني لا العب لكم يوجا، وديني لا اكتم نفسي اهه (يكتم نفسه خارجًا).
(ألماظ تخرج في عقبه وتتلفت هنا وهناك ثم تهمس للأخ):
ألماظ : تمت المرحلة الأولى بنجاح شديد.
الأخ : الحقيه بالتانية.
(تتناول ألماظ دوسيهًا من فوق مكتبها وتدخل متنكرة إلى حجرة رئيس مجلس الإدارة.)

ر.م.ا : أنا عجبني قوي الخط الاستوائي بتاعك. يا سلام! واللا مدار الجدي، يا أرض احفظي ما عليكي، وديني ما عُدت لاعب يوجا.
ألماظ : بس لسه المؤسسة برضه مش عجباني.
ر.م.ا : ليه بس فيه إيه؟
ألماظ : لسه برضه مش فاهمة، انتو إيه؟ بتمثلوا رواية واللا هي مؤسسة بصحيح، إيه الحكاية بالضبط؟
ر.م.ا : بقى شغالة مديرة العلاقات الخاصة ومش عارفة مؤسستنا دي إيه؟
ألماظ : وماله؟ فيها إيه؟ وتفتكر أي حد من اللي بيشتغلوا في المؤسسات عارف لها أول من آخر؟ يعني بالضبط، عايزة اعرف، انت، حضرتك يعني، بتمثل دور رئيس مجلس الإدارة واللا انت رئيس مجلس إدارة المؤسسة بجد؟
ر.م.ا : أنا الاتنين. أنا رئيس مجلس الإدارة بيني وبين نفسي، وقدام الناس أمثِّله.
ألماظ : ****! طب والمؤسسة دي والمكتب دا ديكور مسرح ولا مكتب حقيقي؟
ر.م.ا : الاتنين، مكتب ليَّه، وديكور قدام الناس يتفرجوا عليه.
ألماظ : وانتو صحيح بتعملوا على سعادة البشرية، ولا كده وكده؟
ر.م.ا : بجد وكده وكده، انت فاهمه فيه فرق يعني؟ ولا عاد فيه فرق.
ألماظ : على كده تبقى حياتك في خطر كبير.
ر.م.ا : حياتي أنا؟ ليه؟
ألماظ : تصوَّر الرجل المسئول الأول عن سعادة البشرية دا، مفيش مليون مؤامرة ضده؟
ر.م.ا : مؤامرة من مين؟
ألماظ : من الأعداء، أعداء البشرية.
ر.م.ا : بس دول بعيد خالص، ما ليش دعوة بيهم.
ألماظ : من هنا يا عزيزي، هنا جوَّا المؤسسة، سمعتهم وهم بيتآمروا وسجلت دا كله هنا اهه، ابقى اتفضل اقراه على مهلك.
ر.م.ا : يا نهار اسود! الدوسيه دا كله مؤامرات ضدي وانا مش عارف …
ألماظ : تصور بقى.
ر.م.ا : بعدين، والعمل؟
ألماظ : مفيش إلا البودي جارد، انت عاوز بودي جارد متين، عاوز حارس خصوصي.
ر.م.ا : فعلًا، عندك حق، أنا باستغرب لو ما عينتكيش مديرة العلاقات الخصوصية كنت عملت إيه؟ دا كان زماني مت من زمان.
ألماظ : بعد الشر عليك، ودي تيجي انك تموت وتسيبني؟
ر.م.ا : واللا برضه، وإذا ما سبتكيش حاموت فيكي، يعني ميت ميت.
ألماظ : لا أبدًا (وهي لا تعني كلامها مطلقًا) انت لازم تعيش، دانت المسئول الأول عن سعادة البشر.
ر.م.ا : فعلًا عايزين بودي جارد، مين بس يا *** مين؟ متعرفيش حد؟
ألماظ : أنا اعرف واحد، بس لو كان يقبل.
ر.م.ا : ما يقبلش ليه؟ أديله زي ما هو عايز.
ألماظ : قصدي يقبل يشتغل ساعي.
ر.م.ا : احنا بنتكلم في البودي جارد.
ألماظ : ما احنا بنتكلم فيه برضه، هو احنا معقول نعين واحد حارس خصوصي يقوم أعداءك يقولوا انك خايف منهم؟ احنا حانشغله رسميًّا ساعي، فعليًّا بودي جارد.
ر.م.ا : يا سلام، دانتي مش اسمك بس ألماظ، دا مخك نفسه ألماظ.
ألماظ : بس لو كان يرضى.
ر.م.ا : يرضى قوي، سيبي دي عليَّ انا، أنا اقنعه، هو فين؟
ألماظ : دانا على بال ما اوصلُّه مشكلة، عايز له على الأقل اسبوع.
ر.م.ا : أسبوع كتير قوي، كتير جدًّا، أنا عايزه حالًا، عايزه دلوقت.
ألماظ : أحاول، حاحاول وانا مش مسئولة.
ر.م.ا : أرجوكي حاولي، أنا في عرضك حاولي، يا نهار اسود! أعداء وهنا في المؤسسة؟ حاولي بسرعة أرجوكي.
(ألماظ تخرج ثم تنظر هنا وهناك وتهمس.)

ألماظ : دكتور ع الريق، دكتور ع الريق.
فركة كعب : دا نام، دا نايم م الصبح، اصحى يا دكتور، يا دكتور ع الريق اصحى.
دكتور ع الريق : فيه إيه؟
ألماظ : تعالى استلم.
دكتور ع الريق : أستلم ايه؟
فركة كعب : أي حاجة يا أخي، المهم انك حاتستلم، حد طايل يستلم حاجة، أي حاجة؟
(يصعد دكتور ع الريق إلى خشبة المسرح.)

ألماظ : تعالى معايا (تدخل به حجرة رئيس المجلس) خش يا دكتور ع الريق.
ر.م.ا : دكتور! دكتور وحايشتغل ساعي؟!
ألماظ : وماله يا سيدي؟ ساعي مثقف …
دكتور ع الريق : ساعي؟
ر.م.ا : لا، أرقى شوية، بودي جارد.
دكتور ع الريق : بودي جارد؟
ألماظ (هامسة) : اتقل.
دكتور ع الريق : زي بعضه يا افندم، زي بعضه.
ر.م.ا : مش ملاحظة أنه لابس مخطط زيك؟
ألماظ : دا لابس زيي ده؟ أبدًا يا عزيزي دا أصله راجل غلبان ومكافح وبيعلِّم نفسه، دا الخطوط اللي في بدلته دي وساخة.
ر.م.ا : نجيب له بدلة تانية.
ألماظ : وعلى إيه؟ يغسلها (لاكزة دكتور ع الريق) ابقى اغسلها.
ر.م.ا : انت حاتبقى مسئول عن حياتي.
ألماظ : أنا مفهماه كل حاجة يا عزيزي، وما عليه الا إنك تحط حياتك بين إيديه.
ر.م.ا : يا حياتي.
دكتور ع الريق : أفندم؟
ر.م.ا : لأ، مش انت، لأ، أنا حاطط حياتي بين إيديك، بس إنما انت مش حياتي، حياتي حاجة تانية خالص (وهو يرمق ألماظ).
ألماظ : أسلمه.
ر.م.ا (وهو هيمان) : تسلميه إيه؟
ألماظ : الشغل.
ر.م.ا : ما لسه بدري.
ألماظ : ****! مش انت اللي مستعجل؟ الأعداء، انت نسيت الأعداء؟
ر.م.ا : الأعداء؟ أبدًا هم فين؟ سلميه، سلميه حالًا.
ألماظ (لدكتور ع الريق) : تعالى معايا (ثم حين يخرجان من الباب) استلم بقى.
دكتور ع الريق : أستلم ايه؟
ألماظ : الباب دا.
دكتور ع الريق : الباب دا (يخبط ع الباب) مش بطَّالة أبدًا الشغلانة دي، أنا المسئول عن الباب دا، ما حدش يهوب هنا إلا بمعرفتي.
ألماظ : أنا حاعلمك يا معلم؟ ما انت عارف الشغل.
دكتور ع الريق : أهو كلام.
أهو كلام (في الصالة بصوت عال) : أفندم؟
ألماظ : استنى لما يجي دورك.
ر.م.ا (يتحدث في التليفون) : بتقول إيه؟ وخناقة وضرب، حيموته؟ يا بوليس، اطلبوا بوليس النجدة حالًا.
دكتور ع الريق : بوليس النجدة وانا فين؟ (مقتحمًا باب ر.م.ا) هم فين الأعداء ولاد الكلب فين؟ اقف عندك انت وهو.
ر.م.ا (متممًا حديثه التليفوني) : وانا حاتصرف، (يضع السماعة.)
دكتور ع الريق : هم فين؟
ر.م.ا : هم مين يا أخينا؟
دكتور ع الريق : الأعداء والخناقة والضرب والموت.
ر.م.ا : آه دا في المستخدمين.
دكتور ع الريق : مالهم؟
ر.م.ا : الراجل الطيب مدير المستخدمين جت له سكتة قلبية وقع ميت. الاتنين الوكلاء بتوعه سابوا الراجل ونازلين ضرب في بعض، كل واحد عايز وظيفته، دا الناس باينها اتجننت.
دكتور ع الريق : لهم حق.
ر.م.ا : الناس؟
دكتور ع الريق : لا، قصدي الاتنين الوكلاء.
ر.م.ا : أصلها وظيفة مهمة قوي، مهمة جدًّا، دا الراجل الذي بيوظف وبيرفد، اللي بيسلم واللي بيستلم، بصفتك راجل مثقف تعرفلناش حد ينفع في الشغلانة دي؟ أصل الاتنين الوكلاء ما ينفعوش، دول أصلهم محاسيب المرحوم بقى.
دكتور ع الريق : وهو أنا يا افندم من الصنف اللي يستغل وظيفته كبودي جارد، عشان يقول لحضرتك على حد يعرفه يعينه مدير مستخدمين؟ معاذ ****!
ر.م.ا : امال نعين واحد ازاي بس؟
دكتور ع الريق : بالقانون يا افندم، بالقانون.
ر.م.ا : قانون ايه بس؟!
دكتور ع الريق : القانون بيقول نعمل إعلان في الجرايد، نعمل إعلان.
ر.م.ا : إعلان كده علني؟
دكتور ع الريق : أيوه إعلان علني، ندي فرصة لكل الناس انها تقدِّم.
ر.م.ا : كل الناس كده؟ هي سبهللة، انت مش عارف ان فيه لنا أعداء وجايز حد منهم يتقدم؟
دكتور ع الريق : لا يا افندم، امال الامتحان راح فين؟ ساعة الامتحان يبقى دا بقى شغل إدارة الأمن انها تفرز العدو من الصديق. امال! من ضمن الامتحان لازم كشف الهيئة، ودي عليَّ أنا.
ر.م.ا : عليك انت؟
دكتور ع الريق : امال يا افندم دا صميم اختصاصي، أنا الراجل بتاع الأمن.
ر.م.ا : طب مستني إيه؟ اعمل إجراءاتك وعينوا واحد عشان نفض الخناقة.
دكتور ع الريق : أنا تحت أمرك.
(يخرج ثم يقف مواجهًا للمتفرجين) مطلوب لمؤسسة السعادة الكبرى عدد واحد مدير مستخدمين ذو ثقافة عالية وخبرة طويلة في التعيين والرفد.
٥٦ غربية (فجأة) : يبقى انا.
أهو كلام : وانت عندك خبرة في التعيين والرفد؟
٥٦ غربية : عندي قوي، دانا اتعينت وترفدت يجي ميت مرة.
(يخرج من وسط الصالة مخترقًا ممر المتفرجين إلى الباب الخارجي للمسرح.)
ر.م.ا : هيه يا دكتور يا بتاع الأمن، عملت إيه؟
(ويدخل دكتور ع الريق ويضرب تعظيم سلام.)

دكتور ع الريق : تمام يا افندم.
ر.م.ا : خلاص؟
دكتور ع الريق : خلاص يا افندم.
ر.م.ا : عملت إعلان؟
دكتور ع الريق : وقدم يجي ألف واحد، عملنا امتحان نجح عشرة، خدنا واحد متعلم.
ر.م.ا : امال فين شغله؟ أنا مش سامع له حس ليه؟
دكتور ع الريق : أسمعك حسه يا افندم، أسمعك حالًا.
(٥٦ غربية في ميكرفون داخلي للمسرح.)

٥٦ غربية : يسر مدير عام المستخدمين — حلوة قوي مدير عام دي، ولا عمر جدك عليه السلام كان يحلم بيها — يسر مدير عام المستخدمين بتاع مؤسسة السعادة الكبرى، أن يعلن للأهالي الكرام عن حاجة المؤسسة إلى ضاربة رمل وودع، واتشوف البخت وتبين زين، الشروط …
طعمية (واقفة ثم مخترقة ممر المتفرجين إلى خارج المسرح) : يا بخت من نفع واستنفع، تعبٌ كلها الحياة فما أعجب إلا من راغب في ازدياد.
أهو كلام : هه وآدي أومة، أنا حاستنى أما يندهولي؟ أروح انا اسعى على رزقي (يخرج من الممر).
٥٦ غربية : مطلوب خبير في الكيف، والسجاير اللف والماكينة وخلافه وخلافه.
فركة كعب (ينظر إلى يمينه فيجد المقاعد خالية وكذلك إلى يساره) : أظن دي بقى آخدها انا بالتزكية.
(ثم يخرج إلى الممر.)

(يختفي الأخ اختفاء غير محسوس، وتقوم ألماظ على مكتبها متأبطة دوسيهًا آخر، وحين تصل إلى باب رئيس مجلس الإدارة.)

دكتور ع الريق : ممنوع.
ألماظ : نعم؟
دكتور ع الريق : لا مؤخذة بحكم العادة. إنما انت بقى فوق العادة. اتفضلي (تدخل).
ر.م.ا : بنت حلال! كنت عايزك بشكل.
ألماظ : دانا اللي كنت عايزاك في موضوع مهم.
ر.م.ا : مش أهم من الموضوع الخصوصي اللي انا عايزك فيه.
ألماظ : خصوصي قوي ولا خصوصي بس؟
ر.م.ا : خصوصي قوي قوي جدًّا كمان.
ألماظ : طب نأجله دقيقة واحدة على بال ما نخلص من الشغل.
ر.م.ا : الشغل الشغل، هو مفيش حاجة عندك الا الشغل؟
ألماظ : وانا باشتغل عشان مين؟!
ر.م.ا : عشاني، طبعًا عشاني، امال حيكون عشان مين؟! أما انا عبيط بشكل، أيوه يا ستي نشتغل، يالا بقى نشتغل.
ألماظ : نشتغل ازاي؟ ما نقدرش نشتغل.
ر.م.ا : ليه بس؟ ما انا اهه وانتي اهه.
ألماظ : لا ما ينفعش كده، احنا ما نشتغلتش كل حاجة النهارده، بكره ما نلاقيش شغل، عايزين خطة يا عزيزي.
ر.م.ا : نعمل خطة.
ألماظ : لا، مش احنا اللي نعمل، المدير بتاع قسم بكره اللي عملناه، هو اللي يعمل.
ر.م.ا : احنا عملنا قسم اسمه قسم بكره؟
ألماظ : واتعين مديره من زمان، تحب اعرفك بيه؟ دا شاب ظريف قوي.
ر.م.ا : شاب وظريف؟ لأ مش عايز اعرفه.
ألماظ : عشان خاطري، عشان خاطري، عشان خاطري.
ر.م.ا : أعرفه واعرف أبوه كمان.
(تخرج ألماظ وتقف على الباب الفاصل.)

ألماظ : اتفضل يا أخ.
ر.م.ا : أخ؟
ألماظ : أيوه اسمه كده.
(يدخل الأخ من باب السكرتير، ثم من الباب الفاصل.)

ر.م.ا : ****! دا مخطط راخر، إيه الحكاية بالضبط؟
الأخ : انت عايز تعرف الحكاية إيه بجد؟
ر.م.ا : امال بهزر، الحكاية بجد إيه؟
الأخ : الحكاية انك مش عارف تشتغل.
ر.م.ا : انت بتقول إيه يا جدع انت؟ بيقول إيه الجدع ده؟
الأخ : بقول مش عارف تشتغل، الشغل مش كده يا سعادة رئيس مجلس الإدارة.
ر.م.ا : امال الشغل يبقى ازاي يا حبيبي؟
الأخ : بقى مؤسسة السعادة الكبرى ييجي لها المعرِّي لغاية باب رئيس مجلس الإدارة، يقوم يطرده كده ويرجع المعرِّي ماشي؟!
ر.م.ا : امال كنت عايزني اعمل له إيه يا حبيبي؟
الأخ : تعمل له حاجات كتير، أنا لو منك كنت خليته عمل مؤتمر صحفي، كنت خليت العالم كله يتكلم عن معجزة ظهور المعرِّي بعد ألف سنة من موته، عشان بس يمدح المؤسسة ورئيس المؤسسة. كنت جندت وسائل الإعلام كلها لمدة سنة عشان تتكلم عن الحدث الخطير دا.
ر.م.ا : معلهش فاتتنا دي، إنما ملحوقة نبعت نجيبه.
الأخ : بعد إيه، بعد إيه؟ ثم مؤسستكم دي بتعمل ايه؟
ر.م.ا : بتقدم للناس السعادة الكبرى.
الأخ : سعادة مزيفة، سعادة مريضة، مخدرة مؤقتة، سعادة المساواة في التعاسة، احنا عايزين السعادة الحقيقية، السعادة بتاعة النهارده وبكرة، السعادة اللي لقدام، السعادة الدوغري اللي على طول، المحددة، الدايمة …
ر.م.ا : أفهم من كده يعني ان حضرتك عندك نقد للمؤسسة، بتنقدنا يعني؟
الأخ : بنقدكم، دانتو عايزين الهدم مش النقد.
ر.م.ا : وعلى إيه؟ خلاص يا سيدي ولا تزعل، نعينك مدير عام.
ألماظ : ما هو متعين.
ر.م.ا : منبقى نرقيه، انت من هنا ورايح تترقى، عايز تترقى إيه؟
الأخ : رئيس مجلس إدارة.
ر.م.ا : هه هه (يضحك) لأ كويسة، نكتة كويسة.
الأخ : دي مش نكتة.
ر.م.ا : **** دا باينه مجنون، وعايز يعمل رئيس مجلس إدارة، يا خبر! دا باين من الأعداء، يا ساعي (يضغط على الجرس) يا بودي جارد (يضغط على الجرس) يا مستخدمين يا كل اللي بيشتغلوا في المؤسسة (يضغط على الجرس عدة ضغطات. واحدًا وراء الآخر يدخل دكتور ع الريق، ٥٦ غربية، ثم طعمية، ثم فركة كعب، ويقفون عن يمين ويسار الأخ الذي يتقدم في اتجاه المكتب، ورئيس مجلس الإدارة يرمقهم ثم يقهقه فجأة).
ر.م.ا : لأ، كويسة، انتو عايزين تخضوني ولا هي إيه؟
(يصمتون ويقتربون وهم صامتون.)

ر.م.ا : يا نهار اسود! اليوجا.
(ينقلب فوق المكتب ويرمقهم بعينيه المقلوبتين فيجد أنهم يتقدمون فيقول في الحال.) طب، طب، طب، انتو عايزين إيه؟
الأخ : عايزين الكرسي دا لو سمحت.
ر.م.ا : كرسي إيه يا اخينا؟ (يمسك التليفون) يا بوابة، يا بوابة، يا حسابات، يا حسابات، يا إدارة، يا إدارة.
الأخ : ما تتعبش نفسك، المؤسسة كلها مخططين.
ر.م.ا : يا ألماظ.
ألماظ : انت مش شايفني مخططة؟
ر.م.ا : أنا اللي استاهل.
الأخ : تسمح؟
ر.م.ا : إيه؟
الأخ : الكرسي.
ر.م.ا : الكرسي بس، خد لك دستة كراسي بحالها.
الأخ : والمكتب دا لو سمحت.
ر.م.ا : والمكتب إذا كان نفسك فيه خده راخر.
الأخ : والأوضة لو سمحت.
ر.م.ا : حقه كله إلا كده؟ طب وانا؟ أنا اروح فين؟
الأخ : تروح بيتكم.
ر.م.ا : أروح بيتنا ازاي؟ حاشتغل رئيس مجلس إدارة على مراتي؟
الأخ : تشتغل ما تشتغلش، انت حر، ياللا.
ر.م.ا : هو انا قلت حاجة؟ اتفضل الكرسي اهو (يغادر الكرسي) والمكتب اهه، والأوضة اهي. اتفضل اقعد واستريح، و**** و**** أنا قلبي كان حاسس من ساعة ما دخلت، بالشر من قبل ما تدخل، من بدري وانا حاسس (في أنفة وكبرياء يتجه الأخ إلى الكرسي ويجلس عليه، ثم يرمقهم وتتوقف عيناه عند ر.م.ا.)
الأخ : مستني إيه؟
ر.م.ا : مش عايزين حاجة، محتاجة؟ الكرسي مريح، تاعبك، أوطيهولك ولا أعليهولك؟ أحسن احسن أعليهولك.
الأخ : لا، متشكر، كده كويس.
ر.م.ا : طب والنبي، والنبي لي رجاء، رجاء أخير.
الأخ : قوله وخلصنا.
ر.م.ا : أنا ما احبش قعدة البيت، شوفلي سعادتك أي شغلة كده ولا كده.
الأخ : متأسف، احنا ما بنشغلش إلا المخططين اللي زينا.
ر.م.ا : طب ما انا زيكم.
الأخ : انت لابس سادة.
ر.م.ا : مين قال كده؟ دا من فوق بس وحياتك، إنما انا من زمان (ويخلع جاكتته) متخطط زيكو تمام، هو انا عبيط؟ دا انا قلبي كان حاسس (ويخلع الجاكتة فإذا بها مخططة من الداخل يرتديها بالمقلوب).
الأخ : والبنطلون.
ر.م.ا : متخطط راخر وحياتك، والفانلة، وكله.
(يخلع البنطلون ويضع ساقيه فيه.)
الأخ : برضه متأسف، داحنا حنهد المؤسسة المزيفة دي ونبنيها من جديد، من م. س. ك مؤسسة السعادة الكبرى حانخليها م. س. ح مؤسسة السعادة الحقيقية. وانت اللي بنيتها واللي بنى حاجة مش ممكن يهدها أبدًا. دي عايزة واحد تاني خالص، فهم جديد يشتغل بطريقة جديدة.
ر.م.ا : أنا في عرضك، اديني فرصة، أنا طنيبك، أنا خدامك، قللي امسح البلاط امسح، أنفض جزمتك انفضها، أموت بدالك اموت، دانت حبيبي واخويا واخو الدنيا كلها، وانا حاكون أخلص م الكلب وأنعم م القطة، أنا في عرضك
الأخ (مفكرًا هنيهة) : كده؟
دكتور ع الريق : احنا لا يمكن نشغل الانتهازية اللي زيه.
الأخ : مين قال كده؟ مين قال ان احنا ما نشغلهمش ونستفيد منهم؟ دا أحسن شغل تاخده من الانتهازية دول، وعلى العموم احنا نختبره.
ر.م.ا : إيدك ابوسها (ينقضُّ على يده ويقبِّلها ويستمتع الأخ بالقبلة) أنا تحت أمرك، أنا تحت أمر اللي تحت أمرك.
الأخ : المسرح الكوميدي بيعرض رواية ناجحة قوي، تعرف تروح تستولى عليها؟
ر.م.ا : أعرف قوي، دانا بتاع المسرح كله، أستولى عليها، وعلى اللي بيمثلوها، واللي بيتفرجوا عليها كمان.
الأخ : خد معاك ناس.
ر.م.ا (خارجًا) : ما تخافش، اعتبر المسرح الكوميدي وقسم عابدين، وعابدين والأزبكية كلها اتخططت من الساعة دي.
دكتور ع الريق : كنت أنا رحت فيها دي، دا انا اعرف عم حسين بواب البناية.
الأخ : لأ، انت عليك الأوبرا.
دكتور ع الريق : ي. ا. ا.
طعمية : تعلِّم في المتبلِّم يصبح ناسي. الضرب في الميت حرام.
الأخ : وانتي ع الحسين، خدي الجامع بالحي اللي فيه، ما تخليش ولا واحد.
طعمية : شي *** يا حسن وحسين مدد، أنا جايالك يابن بنت المصطفى، جايالك (تخرج).
٥٦ غربية : أهي كنت عايزها انا دي، حقه في هناك كام قهوة منشِّن عليها.
الأخ : لأ، انت تروح آسيا.
٥٦ غربية : آسيا خبط لزق كده؟
الأخ : بس خد بالك في هناك حروب كتير.
٥٦ غربية : ما تخفش عليَّ يا أخ، أنا مش هارجعلك إلا بالتمنميت مليون كلهم ابيض واسود إن شاء **** (يخرج).
الأخ : وأنت (مشيرًا لفركة كعب) عليك وعلى تركيا وبلغاريا والبلقان.
فركة كعب : مفيش مانع بس البايخ فيها حتة الدخان التركي، أصلو بيعملي حساسية.
أهو كلام : وانا يا سيادة الأخ؟ انت نسيتني ولا إيه؟
الأخ : نسيتك ازاي؟ وانت عليك أخطر حاجة.
أهو كلام : لازم الربع الخالي واليمن والهِو دا.
الأخ : لا لا، انت عليك الذاكرة والأحلام.
أهو كلام : الذاكرة والأحلام؟
الأخ : أيوه ابتدي من الحاضر، وارجع مع التاريخ، خططه كله، ولما تخلص خطط الأحلام.
أهو كلام : بس كده؟ مبسط خالص كلا كام مليون سنة، فكرة فركة كعب.
الأخ : أما انتي بقى.
ألماظ : أيوه انا بقى؟
الأخ : انتي على هوليود على طول، ابتدي بعمر الشريف.
ألماظ : وانت حانسيبك لوحدك هنا؟
الأخ : لوحدي مين؟ مين قال ان لوحدي، أنا معايا العالم كله.
ألماظ : فين؟
الأخ : هنا في دماغي، متخطط وجاهز وسعيد، لوحدي ازاي؟!
ألماظ : طب وقلبك زمانه فاضي.
الأخ : قلبي مليان دم، وما دام العالم في دماغي وقلبي فيه الدم ابقى لوحدي ازاي؟!
ألماظ : طب مش عايز حاجة؟
الأخ : أيوه عايزك قبل ما تمشي تخليهم يغيروا يافطة المؤسسة ويحطوا يافطة مؤسسة السعادة الحقيقية م. س. ح. الكاف دي يلغوها خالص، يلغوا أي كاف؛ فلقد آن للعالم أن يتذوق طعم السعادة الحقيقية.
(تنسحب ألماظ بهدوء ويبقى الأخ وحده في منتصف الحجرة ثم يهبط الستار ببطء.)
وهكذا يخطط العالم أجمع — والفكرة التي تبدأ مجرد إيمان في قلب إنسان واحد ما يلبث أن يعتنقها نفر قليل من المؤمنين المخلصين يكافحون ويناضلون ويُضطهدون ولكنهم بالإيمان واليقين يُنصرون.
(ستار)

الفصل الثالث​

(يُفتح الستار على عرض سينمائي أو عرض بالشرائح يصوِّر العالم كله وقد تخطط، الشوارع مخططة بالخطوط العريضة البيضاء والسوداء، البيوت، إشارات المرور، الأوتوبيسات، واجهات الدكاكين والناس جميعًا يرتدون المخطط، في آسيا وأفريقيا، واسنكندناوه، حتى بالونات الأطفال مخططة، والطائرات والطيور، وحتى الأسماك في البحر مخططة.)

صوت الميكرفون (معلقًا على الفيلم أو الشرائح) : وهكذا تخطَّط العالم أجمع، والمذهب الذي بدأ مجرد إيمان في قلب إنسان واحد ما لبث أن اعتنقه نفر قليل من المؤمنين المخلصين، كافحوا، وناضلوا، واضطُهِدوا، ولكنهم بالإيمان واليقين انتصروا، وانتهت التعاسة من فوق سطح الكرة الأرضية وحلَّت الخطوط محل الفوضى. إنها وإن كانت رحلة المائة شهر في عمر الإنسانية إلا أنها لم تكن سهلة أبدًا أو ميسورة؛ فقد كافح الناس طويلًا من أجل ذلك اليوم، وصبر مواطنو العالم كثيرًا ليعيشوا إلى الوقت الذي يرون فيه عالمهم وقد اختفى منه كل القبح وحلَّ الجمال، وأصبح الأبيض والأسود هو القانون، إننا في هذا اليوم الذي نحتفل فيه بالذكرى الأولى لنجاح التخطيط وشموله العالم كله، إنما نتوجه بقلوبنا وأرواحنا إلى زعيمنا وزعيم المخططين في الدنيا، إلى الرجل الذي آمن وانتصر وانتصرنا معه، إلى الأخ الأكبر قائدنا ومعلِّمنا وخالق التخطيط في العالم كله ومُطبقه.
(في هذه الأثناء تتدلى صورة الأخ؛ صورة ضخمة له وهو يرتدي سترةً مخططةً وكرافتة مخططة ومنديلًا مخططًا، لتصنع الخلفية التي يُعرض عليها الجزء الأخير من الفيلم أو «الشرائح». ثم تصبح الصورة هي وحدها المضيئة، حين ينتهي الفيلم والتعليق تبدأ إضاءة خفيفة على المسرح لا تلبث أن تعلو لنجِد قاعة ضخمة للاجتماعات لها نافذة كبيرة على فيراندة، وبابان يمين ويسار، وفيها منضدة اجتماعات هائلة المساحة، وعلى رأسها كرسي هائل الضخامة أيضًا وعلى جانب منها أربعة كراسي وجهاز أشبه بالشفونيرة تحت الصورة أو قريبًا منها، وكل جدران القاعة وسقفها والمنضدة والكراسي وكل شيء مخطط بالأبيض والأسود. في وسط القاعة تلمح صورة الأخ، ونجد الأخ نفسه وهو يبدو أكبر كثيرًا من صورته وقد خط الشيب شعره وبجانبه ألماظ وهما يتطلعان إلى الصورة.)

ألماظ : تسمح لي أقول لك كل سنة وانت طيب؟
الأخ : كل سنة والعالم طيب يا ألماظ.
ألماظ : أظن بقى متهيألي كده انك أسعد واحد في الدنيا دي.
الأخ : أنا؟
ألماظ : ومش سعادة بعقل كمان، دا الواحد لما بتقوله كلمة، وتسمع بعد كده ان حد تاني قالها بتفرح كأنها لقت لقية، انت مش واحد دا ٣ ألاف مليون واحد بقيوا النهارده ومآمنين بالكلام اللي كنت بتقوله لوحدك. تصوَّر بقى لما الإنسان يعيش لغاية ما يلاقي الدنيا كلها آمنت بكلامه، دا لازم يطير من كتر السعادة. دا انا شخصيًّا كنت اموت.
الأخ : وتفتكري المهم ان اكون سعيد؟
ألماظ : طبعًا مهم جدًّا.
الأخ : والعالم يا ألماظ؟ أنا ما كنتش بقول كلام، أنا كنت عايز الناس في الدنيا كلها تبقى سعيدة، الخطوط والابيض والاسود كلها كلها كانت وسيلة في رأيي لإسعاد الناس.
ألماظ : والناس سعداء ومبسوطين، دا انا لو منك اطير م الفرحة.
الأخ : إيش عرفك انهم سعدا ومبسوطين؟
ألماظ : ودي عايزة كلام؟ افتح الجرايد، اسمع الراديو، انزل الشارع، الناس في فرح، الناس حايجننوا من الفرح، دا انا سامعة الضحك وانا هنا، والرقص في الميادين ليل مع نهار. دا حتى الجواز، كلهم بيستنوا يوم العيد دا عشان يجوزوا. اسأل قسم الإحصا، أنا سألته النهارده، وبمناسبة العيد الأول للتخطيط اتجوز في العالم كله ميت مليون شاب بميت مليون بنت. عايز اكتر من كده إيه؟
الأخ : عايز الحقيقة.
ألماظ : وفيه حقيقة أكتر من كده؟ دي أرقام وعمر الأرقام ما تكدب أبدًا.
الأخ : بس الحقيقة أقوى. انتي ناسية اننا معافين الناس من رسم الجواز بمناسبة العيد.
ألماظ : ولو، لو مش فرحانين مش حايفكروا في الجواز خالص.
الأخ : الناس طول عمرها بتتجوز، فرحانين، زعلانين، دا مش مقياس.
ألماظ : امال إيه المقياس؟
الأخ : مش عارف.
ألماظ : دا انا أول مرة اسمعك تقول مش عارف، عمرنا ما سألنا سؤال إلا وكان دايمًا عندك جوابه.
الأخ : إلا دي، لغاية هنا وما قدرش اعرف إذا كان الناس مبسوطين ولا مش مبسوطين.
ألماظ : طب بلاش الناس، انت شخصيًّا مش سعيد؟
الأخ : أنا؟
ألماظ : أيوه انت، قصدي أخاوتك.
الأخ : مش عارف.
ألماظ : مش عارف ازاي بس؟ حد ما يقدرش يعرف إن كان سعيد ولا مش سعيد.
الأخ : أنا.
ألماظ : والنهارده بالذات؟ دا مش معقول دا. بقى الأخ بذاته، الأخ بتاع الدنيا كلها مش قادر يعرف إن كان يوم الاحتفال بالعيد الأول لنجاح دعوته مبسوط ولا مش مبسوط؟
الأخ : الحقيقة مش قادر.
ألماظ : دي حاجة تجنن، قول لي بصراحة، هو في حاجة انت مخبيها عني؟
الأخ (تائهًا) : حاجة؟
ألماظ : أيوه، وحياتك، أنا زي، أنا زي (بضغطة) اختك تمام، قولي ما تخبيش عليَّ.
الأخ : أقولك إيه؟ ما قدرش، مش قادر.
ألماظ : هي خطيرة للدرجة دي؟ ريَّح نفسك وقولها لي.
الأخ : ما قدرش.
ألماظ : يا ناس أنا حاجنن، انت مش كنت عايز العالم يتخطط واهو اتخطط، إيه بس اللي مضايقك؟
الأخ : أنا كنت عايز، يتخطط عشان يسعد.
ألماظ : واهو سعيد.
الأخ : إيش عرفك؟
ألماظ : انت بتشك في كده، ما تسأل الناس، اعمل استفتا.
الأخ : وإيه فايدة السؤال؟ حتى لو الناس سعدا أنا مش سعيد.
ألماظ : في قمة انتصاراتك مش سعيد؟
الأخ : أنا لا كنت عايز انتصر ولا واخدها معركة، أنا كنت عايز الحقيقة، وكنت فاكر ان السعادة الحقيقة مش حاتحصل إلا لما يتخطط العالم.
ألماظ : واهو العالم اتخطط وبقى سعيد.
الأخ : بس الحقيقة اتغيرت.
ألماظ : اتغيرت ازاي؟ أنا مش شايفة حاجة اتغيرت أبدًا من يوم ما انتصرنا، كله ابيض واسود، مفيش سنتي واحد في الدنيا مش ابيض واسود، والسنة الجاية حانحتفل بتخطيط القمر، والمريخ من بعده، والكون كله.
الأخ : مسكينة.
ألماظ : أنا المسكينة؟
الأخ : مخدوعة.
ألماظ : أنا مخدوعة؟
الأخ : مسكينة ومخدوعة زي انا ما كنت.
ألماظ : امال انت دلوقت إيه؟
الأخ : عرفت ووصلت وشفت أكتر.
ألماظ : شفت إيه؟
الأخ : شفت كله بقى ابيض واسود، شفت كله اتخطط، كله خطوط، حتى أمخاخ الناس اتخططت وبقت يا ابيض يا اسود يا ابيض واسود، شفت الحياة وقفت.
ألماظ : ****! إيه الكلام اللي بتقوله ده؟ دا زي الكلام اللي كان الأعداء بيقولوه علينا. ****! دا كلام الأعداء دا، انت ناسي اننا هزمناهم وانتصرنا عليهم واختفى الكلام دا من زمان.
الأخ : اختفى من على الأرض آه، إنما فيه حقيقة بتختفي؟!
ألماظ : حقيقة إيه اللي بتتكلم عليها؟ الحقيقة الوحيدة اللي اعرفها، الحقيقة الوحيدة اللي سادت وانتصرت، هي الابيض والاسود، حتى لو كانت كدب ما كانتش سادت ولا انتصرت. لو كانت ضد الحياة ما كانتش عاشت، ما دام سادت وانتصرت وعاشت تبقى الحقيقة وأي كلام غيرها يبقى كدب، كدب، كدب، دا كلامك انت دا، مش فاكره ولا إيه؟
الأخ : دا كان كلامي.
ألماظ : ودلوقتي؟
الأخ : عندي كلام تاني.
ألماظ : بقى دا كلام؟ حد في لحظة انتصاره، في أعظم لحظات قوته، في قمة مجد كلامه يقول عنده كلام تاني؟! أنا مش مصدقاك وانت بتقول كده ولا مصدقة نفسي اني بسمعه لك.
الأخ : لازم تسمعيني، انتي اقرب الناس لي.
ألماظ : صحيح؟
الأخ : أيوه صحيح.
ألماظ : طب ومقلتليش من زمان كده ليه؟
الأخ : ما كانش اتغير حاجة أبدًا.
ألماظ : أبدًا.
الأخ : أبدًا أبدًا.
ألماظ : عندك حق، ما دام العالم في دماغك متخطط وسعيد وقلبك فيه الدم.
الأخ : العالم مش في دماغي يا ألماظ، العالم اهه، بره، مالي الأرض، العالم اهه بقى كله كله ابيض واسود، ابيض واسود، أنا كفرت خلاص.
ألماظ : كفرت، كفرت ازاي؟
الأخ : العالم مش ابيض واسود بس، العالم حاجات كتير قوي، أكتر بكتير من خطين.
ألماظ : يا نهاري! بس، هس، أرجوك اسكت لحسن زمانهم جايين للاجتماع لحد يسمعك منهم.
الأخ : يسمعوني بقى، زهقت خلاص من كتر ما اكلمت وسمعت لوحدي، من الليالي اللي قضيتها اسأل نفسي واعصرها واقول، انت كنت عايز تسعد العالم بجد ولا كنت عايز تخططه عشان تحكمه وتبقى الزعيم؟ بقالي سنة عايش لوحدي، كابوس مخيف، رعب غريب. ياما ضحكت على نفسي وقلت لها وإيه أهمية الحقيقة ما دام التخطيط نجح والناس مبسوطين، وانت الزعيم دخلت التاريخ وعمرك ما حاتخرج منه؟ دي أهم حقيقة تحطها قدام عنيك، وأحيانًا اقوم من النوم مفزوع، احس اني كداب، اني حابتدي اكدب، إني حاشوف حاجة وحاقول حاجة تانية، وانا مش كده، أنا بشرت بالتخطيط لأني كنت مآمن به، كان هو الحقيقة الوحيدة قدامي وأي حاجة تانية كدب تضليل.
ألماظ : ودلوقتي؟
الأخ : شايف اننا لازم نثور ع الابيض والاسود، شايف اننا لازم نفضل نترقى، شايف الثورة الجديدة. كل ما اشوف الدنيا كلها بقت ابيض واسود بس احس اني حرتكب جريمة …
ألماظ : أما حاجة مش معقولة! بقى انت اللي بتقول كده؟! مش انت اللي كنت دايمًا بتقول لنا لما تيجي سيرة الخيرة ان الحياة ما فيهاش خيرة، وان الخيرة بتعملها عقولنا، بتعملها الدعاية والعرف السايد، واننا لو عملنا الابيض والاسود سايد حاتختاره الناس؟ مش انت اللي كنت دايمًا بتقول كده؟
الأخ : كان العالم في مخي، كان بيتهيألي ان مخي أكبر من العالم.
ألماظ : ودلوقتي؟
الأخ : عرفت ان العالم كبير، كبير قوي، أكبر من مخي، أكبر من مخ أي واحد؛ دا في تلات آلاف مليون مخ.
ألماظ : على العموم نبقى نتناقش في آراءك دي بعدين؛ أصل سمعاهم وصلوا في الأوضة التانية، ودلوقتي حايدخلوا الاجتماع، وأرجوك وحياتي عندك إذا كنت اقرب الناس ليك صحيح، أرجوك ما تجبش سيرة الكلام دا في الاجتماع، وما تنساش انه اجتماع الاحتفال بالعيد الأول لنجاح المخططين في العالم كله.
الأخ : أنا حايهمني منهم، ولا حتى منك؟! دا انا اللي عاملهم وعاملك. دا بإشارة مني تبقوا مجلس إدارة العالم كله، وبرضه بإشارة مني يبقوا لا شيء، انت نسيتي أنا مين؟ دنا الأخ برضه يا ألماظ، اوعي تكوني نسيتي.
ألماظ : اوعى انت تكون نسيت انك الأخ واجتماع مجلس إدارة العالم، وانت الأخ وهم المخططين، مش كده؟
(يبتسم الأخ ويهز رأسه، تتحرك ألماظ إلى الباب اليسار وتتسمع قليلًا إلى الكلام المتداخل بالخارج، ثم تفتح الباب وتبتسم ابتسامة واسعة.)

ألماظ : اتفضلوا (يدخل المخططون وقد تحسَّن زيُّهم وتحسنت أشكالهم إلى حد كبير، دكتور ع الريق ثم أهو كلام ثم طعمية ثم ٥٦ غربية ثم فركة كعب، وأخيرًا رئيس مجلس الإدارة السابق ر.م.ا).
الأخ : اتفضلوا (جالسًا فوق الكرسي الكبير).
(ينكسون الرءوس وهم يأخذون طريقهم إلى كراسيهم، وما إن يجلسوا حتى يلتفت كل منهم إلى الذي على يساره، وفجأة يقولون في نفس واحد):
الجميع : كل سنة وانت طيب يا أخ.
الأخ (متفحصًا إياهم صامتًا برهة طويلة) : كل سنة والعالم طيب.
٥٦ غربية : يا سيادة الأخ، أنا معايا لك ألف مليون تحية من الصين وأندونيسيا وكوريا وفيتنام وآسيا كلها، دول موصيني واحد واحد لازم أبوسك ألف مليون بوسة.
فركة كعب : وانا جايبها من تركيا وطالع ليوغوسلافيا والمجر وبلاد تركب الفولكس واجن وبلاد ترتدي الميني جيب والميكرو جيب، وبلاد الشمال اللي ما بترتديش حاجة خالص، كلهم أصبحوا متخططين في أمانة ****، وكلهم سعدا وآخر روك آند رول وهالي جالي واجرك واليوجويوجو، وكله معاك ومعاك ع الخط.
دكتور ع الريق : ومن كولخوزات وتعاونيات، ولجان مركزية وأهلية ورسمية وشخصية في الاتحاد السوفيتي وألمانيا الشرقية وبولندا وفنلندا والنرويج وهولندا.
فركة كعب : عندك يا دكتور، بولندا دي من بلاد الشمال؛ تبعي.
دكتور ع الريق : دي بلد سلافي، تبقى تبعي أنا.
فركة كعب : ما هو لا بد من تحديد الاختصاصات يا أخ، لازم نعرف راسنا من رجلينا، وخصوصًا في بلاد الشمال دي اللي في عز الشتا يلبسوا الميني جيب، وسمار جلدهم بيبقى باين من الشرابات حاجة تخلي الواحد عايز يتقلب نيام نيام وأكلة لحوم البشر.
ر.م.ا : أخاوتك عاهدلي بأصعب مهمة، أفريقيا، واقدر اقول بمنتهى التواضع ونكران الذات ان أفريقيا كلها وأمريكا اللاتينية بما فيها كوبا تحت المنديل المخطط اللي في جيب أخاوتك دا (ثم فجأة) بس انا شايف ان الست ألماظ متغيرة، تكونش صادفت عقبات في أمريكا وكندا واستراليا؟
ألماظ : بالعكس دا حتى عشان خاطري لغوا خطوط العرض كلها هناك مبقاش فيه إلا خطوط طول بس.
ر.م.ا : أمال شايفك متغيرة شوية، يكونش …
ألماظ (مقاطعة) : أرجوك ما ليكش دعوه بيه، خليك في نفسك بس.
أهو كلام : … وانا يا أخ، من أول قدماء المصريين العشتروت وبابل وهاشور وقابيل وهابيل وسفينة نوح وحتى رزمة التوت بتاعة ستنا حواء اتخططت هي كمان، كله كله اتخطط لغاية أحلام اليقظة وأحلام النوم، حتى الأحلام الوردية بقت ابيض واسود.
الأخ (يدق على المنضدة بقلم مخطط في يده) : من فضلكم (صمت) (ثم يواصل الأخ كلامه) أنا مهمتي الليلة صعب وعايزكم تعاونوني، فلو نجحنا الليلة حيكون دا اجتماع تاريخي لمجلس إدارة العالم (صمت).
ر.م.ا (يتنحنح) : بتقول أخاوتك لو نجحنا، امال احنا مجتمعين ليه ومجتمعين ازاي؟ احنا نجحنا، بقى لنا سنة وزيادة، نجاح حصل وحصل بشدة كمان، نجاح ساحق مهول، نجاح اكتسح الكرة الأرضية، نجاح تردد صداه في الكون كله، أنا ما ببالغش، لو فيه كائنات حية في المريخ وبتبص للأرض دلوقتي كان زمانها رصدت نجاحنا من سنة فاتت، وشافت الكرة الأرضية وهي متخططة وحلوة وجميلة متحزمة ونازلة رقص في أثير كمان، أنا سكت خلاص.
الأخ (الذي كان يحدق فيه طول الوقت حتى أرغمه التحديق على السكوت) : مش عايز أي مقاطعة، مفهوم احنا مؤسستنا اللي بدينا بيها يا سيد اليوجا — فاكر — اسمها مؤسسة السعادة الحقيقية، بس مش للناس، ليكم انتو. واضح جدًّا انكم سعدا ومبسوطين وموزعين مناطق النفوذ وكل شيء رائع وجميل في نظركم. حدش منكم سأل نفسه هل السعادة الحقيقية اتحققت للناس؟ هل الناس سعدا فعلًا؟ دي عندكم مش مشكلة، إنما عندي انا هي كل المشكلة، الليلة دي اجتماع فاصل، وعايزكم تعاونوني، بالظبط زي أول يوم ظهرنا للناس فيه وبقينا علني، احنا بالتخطيط حققنا الخطوة الأولى، أيوه صحيح، كان لازم «السادة» تزول، كان لازم العالم يتخطط، إنما هل وصلنا للسعادة الحقيقية بجد؟ دا اللي بشك فيه، واللي بقالي سنة بشك فيه، بقالي سنة حاسس اننا لازم نغير الابيض والاسود، ولازم نغيره بثورة، ولازم نثور على الابيض والاسود، لازم …
فركة كعب : نثور؟
دكتور ع الريق : نثور؟
٥٦ غربية : نثور؟
الأخ : أيوه نثور، ما تعرفوش يعني إيه نثور؟
(فجأة يضحك أهو كلام بصوت مرتفع، ينظر إليه الأخ.)

أهو كلام : أصل فهمت النكتة.
الأخ (يتردد) : نكتة إيه؟
أهو كلام : ****! هو مش أخاوتك بتمتحنا عشان تشوف إذا كنا لسه مؤمنين بالابيض والاسود ولا لأ؟
الأخ : أنا بتكلم جد.
فركة كعب : جد؟
دكتور ع الريق : جد؟
٥٦ غربية : جد؟
الأخ (يردد) : أيوه جد.
(يفتح أهو كلام فمه ليضحك ولكن يعدل عن رأيه، وفجأة وكأنه قد أدرك متأخرًا يقول بدهشة شديدة.)
أهو كلام : جد؟
الأخ : أيوه من هنا ورايح حنثور ع الابيض والاسود.
ر.م.ا : الابيض والاسود؟
الأخ : كانت مرحلة.
ر.م.ا : وحتفضل على طول يا سيادة الأخ.
الأخ : انتهت خلاص.
ر.م.ا : مين اللي نهاها؟
الأخ : أنا.
ر.م.ا : ولا مؤاخذة سيادتك اللي بديتها.
الأخ : زي ما بديتها حانهيها.
ر.م.ا : آهي دي بقى فيها كلام، ولا إيه يا أستاذ اهو كلام؟
أهو كلام : دا فيها كلام للصبح، للسنة الجاية، للعمر كله احنا ورانا إيه؟
الأخ : أنا زي ما بديتها حانهيها، دا الطريق.
فركة كعب : طريق ولا مش طريق، دا كان زمان قبل العالم كله ما يتخطط، دلوقت مفيش طريق غيره، ولا يمكن يكون فيه طريق غيره.
الأخ : اسكت.
فركة كعب : إذا كان على سكوتي اسكت مفيش مانع، بس الكلام دا ما يتسكتش عليه ابدًا، ما تتكلموا ساكتين ليه؟
(فترة صمت طويلة.)
طعمية : وحِّدوه.
الجميع : لا إله إلا ****.
(الأخ: ينقل بينهم نظرات ملتهبة قلقة.)
٥٦ غربية : بالراحة يا اخوانا، بالتفاهم، انت أخاوتك عايز بالظبط إيه؟
الأخ : الابيض والاسود ما أسعدشي العالم، وسعادة العالم هي هدفنا، فلازم نبتدي دعوة جديدة.
دكتور ع الريق : دعوة تبشر بيها تاني، وتقنع الناس بيها ونطبقها.
الأخ : بالظبط كده.
٥٦ غربية : دول كانوا ضربونا ضرب، بقى نقعد سنين نقول لهم الابيض والاسود لغاية ما يصدقونا ويتخططوا، ويدوبك لسه مخلصين نرجع نقول لهم لأ، اتلونوا تاني، دا كانوا ضربونا ضرب.
الأخ : ضرب مش ضرب دا واجبنا ولازم نقوم به.
ر.م.ا : واجبنا النهارده دا نحافظ ع اللي حققناه، انه يستمر، انه يبقى في أمان، اننا نبطش بأي واحد يفكر في هدمه، أي واحد يا سيادة الأخ حتى لو كان واحد منا؛ لأنه ساعتها يبقى خالفنا، يبقى بيطعنَّا، يبقى بيهد كل اللي عملناه، يبقى بيهدنا احنا.
الأخ : هو احنا الخطوط الابيض والاسود؟
دكتور ع الريق : بالظبط كده، بالظبط قبل ما يتخطط العالم كنا مجرد مبشرين، دلوقت زي ما احنا مجلس إدارة العالم احنا برضه التخطيط، احنا الابيض والاسود، احنا الدعاية واحنا التطبيق.
الأخ : ورأيك كده يا ألماظ، ساكتة ليه؟
ألماظ : لأن كلامهم صح، الواحد بيبتدي الفكرة ويمكن ما يبقاش مؤمن بيها ١٠٠ الماية، لما بيكافح عشان يحققها بيغوص فيها وتغوص فيه لغاية ما هو والفكرة يبقوا شيء واحد، كلامهم صح.
الأخ : حتى لو كان الابيض والاسود نفسه غلط؟
ألماظ : حتى لو غلط يبقى برضه صح مدام بقى حقيقة، بقى واقع، بقى العالم كله، يبقى هو الصح.
الأخ : غلط، غلط، غلط، دا جو خانق، دا جو مقبض، جو كئيب، احنا مش عصابة نحكم العالم، احنا أصحاب مبادئ.
ر.م.ا : بالظبط، بالظبط، صح، صح جدًّا، احنا أصحاب مبادئ، بالظبط بالظبط أصحاب مبدأ واحد، الابيض والاسود، احنا قلنا حاجة غير كده؟ وأي خروج علينا يبقى خروج على مبدأنا، صح ولا مش صح؟
الأخ : مبادئنا هي الحقيقة، هي سعادة الإنسان.
ر.م.ا : وسعادة الناس انهم في الخطوط الابيض والاسود، صح ولا مش صح؟
الأخ : أنا باين زعيم عصابة مش زعيم المخططين.
أهو كلام : حاشا **** انت بنفسك بتقولها، زعيم إيه؟ زعيم المخططين، ما قلناش حاجة احنا.
الأخ : أنا مش بدَّن في مالطة، انتم عايزين تفهمونا انكم مش فاهمين؟ باقولكم إيه؟ باعترف اني غلطان، باعترف اننا لازم نكافح عشان الصح، أنا بنفسي باعترف اهه.
ر.م.ا : وإيه الفايدة يا سيادة الأخ؟ بعد ما المبدأ بقى دول وقارات وعالم بأكمله، بعد ما بقى حركة، بقى صناعة وزراعة، بقى إنتاج، بقى الساعة الكونية المنظمة لحركة الناس، بتعترف انك انت نفسك عايز تهد دا كله عليَّ عشان تبني حاجة جديدة، جايز هي رخرة تطلع غلط وتقف يوم تحقيقها وتقول انا غلطان، فات الأوان يا أخ، مدام الفكرة اتحققت وبقت عادة وبني آدمين تبقى هي الحقيقة الوحيدة، وأي حاجة في دماغك ليست سوى مجرد فكرة لا قيمة لها (يرددون) بالمرة، مثلها مثل أي حلم من أحلام المراهقين.
الأخ : بتقول إيه؟
فركة كعب (يتلفت في وجوه زملائه ثم يمد يده بعلبة سجاير ناحية الأخ) : تاخد سيجارة تركي؟
(يضحك المخططون ثم لا يلبث كل منهم في حديث هامس مع جاره في اليمين واليسار، فجأة يدق الأخ المنضدة بجماع يده ويصرخ.)
الأخ : أنا كنت باتكلم عن الثورة (يحدقون ناحيته ثم يعودون إلى الانخراط في الأحاديث الجانبية).
الأخ (بصراخ أعلى) : الثورة عارفين يعني إيه ثورة؟ زي ما بشرنا بالابيض والاسود (لا يزالون منخرطين في الحديث) حنبشر بثورة جديدة على الابيض والاسود بقى.
دكتور ع الريق (مخرجًا من جيبه الداخلي زجاجة) : إيه رأيكم في كاس وسكي؟
ر.م.ا : **** عليها مع السيجار الكوبي (ويخرج من جيبه الداخلي بضع سيجارات).
فركة كعب : والجبنة الفلمنك يا جدع.
الأخ (بزعيق هائل) : فركة كعب.
فركة كعب (بطريقة كوميدية مع تعظيم سلام) : أفندم؟
الأخ : روح اقف تحت الصورة دي واقلع هدومك.
(فركة كعب ضاربًا تعظيم سلام وهو يبتسم أوسع وأعرض ابتسامة.)
الأخ (بزعيق أعلى) : بقولك روح اقلع هدومك.
فركة كعب (بصوت بارد كالثلج) : هه هه هه، بقول ايه؟ مش برضه تبقى بايخة شوية لما عضو مجلس إدارة العالم يتعامل بالشكل دا ويقلع هدومه ويقف وشه في الحيط، مش شايف انها كتيرة شوية يا أخ؟
الأخ : انت عضو مجلس إدارة العالم؟! انت؟! انت لا شيء، وانا اللي عاملك، انت كنت ولا زلت فركة كعب، روح حتفضل طول عمرك فركة كعب.
فركة كعب (مغمغمًا) : لا، لا، بلاش تلبيخ بقى، إذا كان ع التلبيخ نلبخ قوي.
الأخ : أنا اللي عاملكم يا أعضاء مجلس إدارة العالم.
ر.م.ا : لو سمحت لي وهدِّيت خلقك شوية وعملت تمرين كتم نفس، يمكن نقدر نتفاهم، انت عملتنا مخططين صحيح، بس برضه احنا اللي عملناك زعيم، فاحنا العالم، وانت الزعيم ما بنقولش حاجة، بس احنا العالم، فاهم يا أخ؟
الأخ : الانتهازي بيفضل طول عمره انتهازي.
دكتور ع الريق : بس بيتكلم كويس، بيتكلم صح، ما هو أحسن كلام في الدنيا تاخده من الانتهازيين دول.
الأخ : حتى أنت يا بروتس؟!
دكتور ع الريق : أنا مش بروتس وانت كمان ما انتاش قيصر، احنا جمعنا مبدأ واحد آمنا به كلنا وأصبحنا رفاق طريق، يبقى انت بقى اللي بتغدر بنا وتسيب الطريق.
الأخ : دا رأيك يا ٥٦ غربية؟
٥٦ غربية : انت مش عارف يا أخ ان نمرتي اتغيرت من زمان ما بقتش ٥٦ غربية، أنا دلوقتي ١٠٠٠ مليون آسيوية.
أهو كلام (يقف ويقول) : لو سمحتولي أيها الإخوة أعضاء مجلس إدارة العالم، لو سمحتلي أيها الأخ الزعيم، نفسي اقول كلمة، اسمعوها من اهو كلام، داحنا زي الدنيا مع التخطيط اتولدنا، وإذا مات التخطيط حانموت معاه، دا هو احنا خلقناه واتخلقنا معاه، وهو قدري، كنا من غيره لا شيء وأصبحنا به كل شيء، وهو كان من غيرنا فكرة في دماغك يا أخ دلوقت بقى الدنيا كلها، من غيره نعمل إيه والناس تعمل إيه؟ داحنا نتوه والناس تتوه. (يصفقون له تصفيقات متناثرة وبقوة ينحني عدة مرات ويجلس) أشكركم، أشكركم.
طعمية : عين العقل انك ترضى بنصيبك، ما تبقاش العضمة في بقك وتبص لعضمة تانية.
الأخ : يعني بقى كلامك معقول قوي يا طعمية ومفهوم خالص.
طعمية : اللي ما بتعلموش الأيام تعلمه الليالي، واللي ما يفوقش وهو رئيس مجلس إدارة العالم امتى حيفوق؟
الأخ (واقفًا ومحدقًا فيهم) : عمر م الفيران تنفع قطط ولا الكلب يبقى ديب، وانا مش بستغرب اللي حصل، بالعكس كنت متوقعه، وإذا كان على مجلس إدارة العالم اعتبروا ان دا آخر يوم لكم فيه، انتم من النهارده مفصولين، وزي ما عملتكم حاعمل غيركم (يغادر كرسيه فيقوم ٥٦ غربية ودكتور ع الريق ويمسكان به).
طعمية : جابوا العروسة لقيوا العريس غضبان.
٥٦ غربية : على فين انشا ****؟
الأخ (متخلصًا منهما) : رايح للناس، الناس الأشرف والأنضف من مجلس إدارتهم.
طعمية : جابوا العروسة لقيوا العريس غضبان.
الأخ : كنت فاكرك تيجي معايا يا ألماظ.
ألماظ : أنا؟
الأخ : يا أقرب الناس لي.
ألماظ : أنا مشيت وياك والعالم في دماغك مخطط وسعيد وقلبك فيه الدم، دلوقتي بعد ما آمنت بالعالم المتخطط السعيد اللي كان في دماغك عايزني اسيبه وامشي وراك؟ ما اقدرش، انا كنت مؤمنة بالابيض والاسود لأني كنت بحبك، دلوقت بحبك لأني مؤمنة بالابيض والاسود، ما اقدرش …
الأخ : وانا؟
ألماظ : انت عمرك ما احتجت لحد، روح ومش حتمنى لك التوفيق.
(يتجه الأخ إلى باب الخروج، يتحرك ٥٦ غربية ويمسكه بينما يعترض طريقه دكتور ع الريق.)

دكتور ع الريق : مستحيل نسيبك تخرب اللي عملناه، مستحيل.
خطب، مجرد خطب تقولها في احتفال، معلش، احنا يا أخ لو سبناهم م الأول يختاروا كان ممكن نموت كلنا ويموت اولادنا وأحفادنا قبل ما يتخطط العالم ويبقى كله ابيض واسود، الناس عشان تختار عايزة زمن، عايزة خلافات وخناقات، والحياة قصيرة والوقت محدود، وده اللي خلانا نعمل مخططين، واللي خلانا نرضى بك زعيم ونستحمل نبقى اقل من خدامك وعبيدك ونتعلم ازاي نتسلل وازاي نتخابث وازاي ننافق وازاي نطعن وازاي نحاصر، وكل دا عشان نحقق الحلم واحنا لسه عايشين، ما هو حلم اتحقق، عايز تحلم وتحقق تاني؟ احلم لوحدك وإن الناس اللي بتتكلم عليهم دول، واحنا، والدنيا كلها عايزة تعيش، كفاية عليهم أحلام، الناس عايزة تعيش.
الأخ : يا خسارة، كنتو متمردين على أوضاع دلوقتي اتوافقتوا معاها.
أهو كلام : اتوافقنا طبعًا مع الأوضاع اللي حفينا واحنا بنحلم بيها، جريمة يا ناس اننا نتوافق في الوضع؟!
٥٦ غربية : يا عم **** يرضى عليك، الناس عايزة تعيش.
ر.م.ا (فجأة) : ولا انت كمان تعرف الناس، اسمع، انت عايز تروح للناس، عايز تروح لهم، سيبوه، سيبوه يروح للناس، سيبوه.
(ستار)

المشهد الثاني​

(حين يُفتح الستار نجد المخططين في أماكنهم من منضدة الاجتماع بينما كرسي الرئيس لا يحتله أحد، ونجد قريبًا من المجتمعين ضابط بوليس يرتدي زِيَّ بوليس مخططًا أيضًا كبير الرتبة، كبير السن، ناعمًا جدًّا، يقف كأنما هو في حالة الإدلاء بتقرير.)
ر.م.ا : مين اللي بلغكم؟
الضابط : صاحب القهوة بنفسه يا افندم.
ر.م.ا : قال لكم إيه بالضبط؟
الضابط : قال انه والزبائن كانوا قاعدين في أمان ****، بصوا لقوا واحد لابس بدلة حمرا داخل عليهم وقعد في طرابيزة لوحده، استغرب معلم القهوة والزبائن اللي حواليه م البدلة بتاعته؛ لأن القماش الاحمر مقطوع خالص م السوق، وده جابها منين ده؟ إنما ما كلمهمش، سابوه في حاله بصوا لقوه بعد شوية بدأ يقول الخطوط دي كلام فارغ، لا بد من ثورة على الابيض والاسود، افتكروه مخبر واحنا باعتينه عشان يختبر إخلاصهم، فنزلوا فيه شتيمة وقالوا له مفيش احسن في الدنيا م التخطيط، قال لهم انتم مبسوطين؟ قالوا احنا …
ر.م.ا : وبعدين؟ انا عايز اعرف بالظبط حقيقة اللي حصل إيه.
الضابط : الحقيقة اللي حصلت في القهوة يعني، واللا اللي مكتوبة في التقرير؟
ر.م.ا : أنا مش بهزر، الحقيقة بجد بقولك.
الضابط : ما هم الاتنين بجد يا افندم.
ر.م.ا : انت فاهمني، والا مش عاوز تفهمني؟
الضابط : فاهمك كويس قوي يا افندم، حاقول لسعادتك المعلم بيقول انه الناس في الأول قعدوا يشتموه افتكروه مخبر احنا بعتينه علشان نكشف أعداء الابيض والاسود.
ر.م.ا : دا استنتاجك والا كلام المعلم؟
الضابط : كلامه يا افندم، ورحمة والدي كلامه.
ر.م.ا : وبعدين؟
الضابط : الظاهر ان سعادة أخاوته حس انهم خايفين منه، فقالهم انتم مش عارفين انا مين؟ أنا الأخ بنفسه، وانا كنت غلطان، وبيقول اننا لازم نثور ع الابيض والاسود.
ر.م.ا : هيه؟
الضابط : ف. ق.
ر.م.ا : ق. إيه؟ حصل ايه؟ خلصني.
الضابط : عملنا شغلنا وقبضنا عليه وعلى زباين القهوة.
دكتور ع الريق : وازاي البوليس اللي مسكه عرفه انه الأخ؟
الضابط : **** يا سعادة عضو المجلس الإدارة، هو البوليس غبي للدرجة دي؟ من صوره.
ر.م.ا : وبعدين حصل إيه؟
الضابط : دا كله كان في القسم، القسم أخطر المباحث الجنائية، والمباحث الجنائية أخطرت المباحث العامة، وأخطروني رحت لقيته في حالة يُرثى لها، ركبته في عربية مقفولة وجبته على هنا، ضمدنا جروحه، واحنا في انتظار الأوامر.
فركة كعب : ومش بالمرة تقول لنا عملتوا إيه في الافندي التاني؟
الضابط : تحفَّظنا عليه يا افندم، وهو دلوقتي في سجن الأعداء في القطب الجنوبي.
ألماظ : وليه ما حكمتهوش بتهمة الخيانة؟
الضابط : وعلى إيه المحاكمة يا افندم؟ جايز يتكلم، جايز لسانه يفلت بكلمة عن سيادة الأخ، القطب الجنوبي كويس قوي لأمثاله.
ر.م.ا : هاتوه.
الضابط : م القطب يا افندم؟
ر.م.ا : من الأوضة التانية يا حضرة الضابط، امال بوليس وذكي ازاي؟
الضابط : أمرك يا افندم (يعظِّم ويخرج).
ر.م.ا : مش قلت لكم سيبوه، أنا عارف الناس كويس.
(يفتح الباب ويدخل الضابط أولًا ثم في أعقابه يظهر الأخ على جبهته آثار جرح مضمد وفي جبهته كدمة ويرتدي بدلة حمراء فاقعة.)
ر.م.ا : طب سيبنا انت.
الضابط : هو ولا انا يا افندم؟
ر.م.ا (كاتمًا نفسه) : انت، انت يا حضرة.
الضابط : أمرك يا افندم (يعظِّم ويخرج).
(يظل الأخ واقفًا قريبًا من الباب المغلق.)
ر.م.ا : رحت للناس يا أخ؟ (الأخ لا يرد.)
ر.م.ا : أظن اللي حصل لك دا يخليك تفكر ألف مرة قبل ما تكلمنا عن الألوان.
ر.م.ا : لأ، اسمحلي بقى، آدي انت حاولت تروح للناس تقول لهم الحقيقة، رفضوك الناس، الأرض كلها رفضتك، الأرض كلها مخططة ما فيهاش خرم إبرة لأي لون، بيتهيألي مدام ما لكش مكان في الأرض لازم تروح السما، تحب تروح السما؟
الأخ : أروح السما ازاي؟
ر.م.ا (وهو يقوم من مكانه) : ببساطة شديدة، بمنتهى البساطة (يكون قد وصل إلى قطعة الموبيليا التي تشبه الشوفونيرة والمركونة بجوار الحائط) كده (يضغط على زر فيها، يتصاعد من الجهاز صوت مذيع يتحدث بنبرات متهدجة).
المذيع : وهكذا أيها الإخوة سكان العالم الحزين، بعد ما رقد جثمان زعيمنا مؤسس التخطيط في قاعة الأعمدة الرخامية بالقصر الكبير ليُلقي عليه عشرات الملايين من أركان الدنيا الأربعة نظرتهم الأخيرة، ها هو الجثمان يوضع في التابوت ويُلف بعلم الدنيا المخطط، والألوف تحمله إلى خارج القاعة حيث يُشيَّع جثمانه الكريم إلى مقرِّه الأخير.
(يضغط ر.م.ا على الزر مرة أخرى.)
مذيع آخر (عاليًا هذه المرة) : وها هو النعش الذي يضم أعز إنسان عاش أو سيعيش على سطح الأرض، يطل على الآلاف المؤلَّفة التي احتشدت وأبت أن تغادر مكانها منذ أيام تنثر فوقه الزهور المخططة، ويودِّعوه والحزن جاثم على الأنفُس والصدور يخنقها البكاء ويلفُّها بالآلام، حتى الأطفال أراهم من مكاني يبكون.
(يضغط ر.م.ا على الزر.)
مذيع آخر (بصوت عال مبحوح وكأنه من أثر البكاء) : وها هو الموكب الحزين يغادر الشارع الرئيسي ويطل على الميدان. إن بطل العالم وخالقه ومنشئه من جديد يغادر عالمنا التعس. إنها لحظة لا بد أن نقف لها جميعًا خاشعين، حتى الكواكب في سمائها لا بد أن تخشع؛ فإن الكارثة أكبر من أن تحتملها وحدها كرتنا الأرضية المسكينة، أيها الإخوة سكان العالم! إن الروح تغادر عالمنا إلى الأبد. هنيئًا لها في مستقرها، وليكن عزاؤنا أنه إذا كان الزعيم قد ذهب فإن التخطيط باقٍ، ومجلس إدارة المخططين — هؤلاء الإخوة المخلصين — باقٍ، ليكن عزاؤنا أننا سنظل دائمًا وأبدًا تلاميذ المخططين المخلصين.
ر.م.ا : تحب تسمع تاني؟
الأخ (بنوع من الاستسلام) : لا، كفاية.
ر.م.ا : ما تحبش تروح السما، مش كده؟
الأخ : ومن رضي قبلي بالموت؟
ر.م.ا : يبقى اتفقنا، فين الموت م الحياة؟ وأي حياة؟ دي ألذ وأجمل وأروع حياة خلقها ****، زعيم العالم كله، الدنيا كلها تحت أمره، يعيش ويحكم ويستمتع بكل لحظة وثانية من عمره ويعوض بيها كل اللي فات، كل الحرمان اللي فات.
طعمية : والطعمية، واهو كلام.
أهو كلام : والبيات في الاجران وعلى الأرصفة.
فركة كعب : وأعقاب السجاير.
٥٦ غربية : والرفض، منين ما تروح يرفدوك، أعوذ ب****.
ر.م.ا : النهارده بالذات يوم مهم، النهارده العالم كله بيحتفل بعيد ميلادك، تصوَّر العالم كله فاكر عيد ميلادك وانت بس اللي ناسيه، والجماهير مالصبح مالية الميدان ومستنية تطل عليها وتقول لهم كلمة، حد يسيب كل ده؟ بذمتك دا ولا المجانين (يقول هذا ويعود إلى كرسيه، وكذلك تعود ألماظ، بينما الأخ في مكانه لا يتحرك، يصمت الأخ وكأنه يفكر في ألف شيء معًا، ثم يجلس ثانية مترددة، ثم وقفة يتوجه إلى حيث كرسيه، وما إن يصل إليه حتى يهبَّ الجميع واقفين، يجلس الأخ كأنما يتهالك ويظلوا واقفين).
الأخ : اتفضلوا.
(يجلسون)
فركة كعب : ما أحلى الرجوع إليه، حاشرب عشرة أنخاب عودة الشمل، مفيش احسن من كده في الدنيا.
الأخ : نبتدي.
ر.م.ا : احنا تحت أمرك.
الأخ : فيه إيه في جدول الأعمال؟
(وأصوات جماعية محتشدة في الخارج ترد عبر النوافذ.)
أهو كلام : فيه اقتراح مرفوع لنا من قواعد الجالية الاسترالية في كندا، بيقترحوا فيه الأرض اللي بيزرعوا فيها طويلة جدًّا ومش ممكن تخطيطها بالطول، اننا نسمح لهم تخطيطها بالعرض.
طعمية : الاقتراح مرفوض، مش ممكن.
فركة كعب : مرفوض ليه بس؟ و**** اقتراح معقول جدًّا، إيه المانع انهم يخططوا بالعرض، فيها إيه، ما هو كلها خطوط في خطوط؟
طعمية : أصل التخطيط بالطول له حكمة.
فركة كعب : حكمتها إيه بقى؟
طعمية : عمر اللي يخطط بالطول ميعرفش يخطط بالعرض.
٥٦ غربية : لأ، أبدًا، دا حكمتها تبان للأعمى، دي باينه من أبسط حاجة، امسكوا عجل العربية مثلًا، طب ما ممكن كانوا عملوه بالعرض، والعربية تمشي بعرضها، عملوه بالطول ليه؟ لأن محدش يقدر يمشي إلا بطوله، احنا عايزين نمشي نجري على ألف ٥٠٠ كيلو كده، كده ولا لأ يا سيادة الأخ؟
الأخ : ليه متتخططش بالعرض يعني؟
٥٦ غربية : تمام كده ليه؟
الأخ : لأن الأصل في التخطيط إيه؟ هو التحديد اﻟ… اﻟ… اﻟ… (ثم منفجرًا) لأ، مستحيل، دا الضرب ارحم، دا السجن ارحم، والموت ارحم، لساني مش قادر ينطق اللي انا مش حاسه بقلبي، اللي مخي بيفكر في غيره، أنا مش حجر انا بني آدم، ومش بني آدم وبس دانا مؤمن بحاجة تانية خالص، أنا كافر، كافر بخطوطكم وابيضكم واسودكم، أنا العالم بتاعي، العالم اللي بيناديني وبحلم بيه عالم تاني خالص (أصوات الجماهير يتزايد علوُّها في الخارج) أنا لا يمكن اخدع نفسي أبدًا واضحك عليها، لا يمكن اخدع الناس اللي برا دول واكدب عليهم، الناس ذنبها إيه؟
ر.م.ا : ذنبها انك انت اللي خليتهم يؤمنوا بكده.
الأخ : وزي ما خليتهم يؤمنوا حاخليهم يكفروا بالكدب ويآمنوا بالحقيقة المخنوقة هنا، اللي بتخنقوها عن عمد حاحررها واخليها لكل الناس.
ر.م.ا : حتعمل ايه يعني؟
الأخ : حاعمل كده (يندفع خارجًا إلى الشرفة، وما إن يطل على الناس حتى تتصاعد نوبات هتاف حارة متعالية. يبتسم الأخ في غبطة عصبية ويلوح للجماهير فتزداد حمَّى الهتاف، يُلقي نظرة على المخططين وكأنه يتشفَّى فيهم، ثم يعود يلوِّح للناس فيصل الجئير إلى حد الحمَّى والسعار).
(يسرع ر.م.ا إلى حيث الجهاز، ويتطلع إلى الصورة.)
الأخ : يا أبناء العالم (موجة هتاف عالية تتلاشى رويدًا حتى تنتهي).
الجماهير : عاش الأخ، عاش الأخ، عاش الأخ!
(هتاف)
أحد الجماهير : هو لابس بدلة حمرا ليه؟
الأخ : أشكركم أنكم كبدتم أنفسكم مشقة الحضور لتهنئتي بعيد ميلادي، والحق أن اليوم هو عيد ميلادي الحقيقي، وأني سأنتهز هذه الفرصة لأقول لكم كيف وُلدت من جديد، لقد اكتشفت يا زملائي في الإنسانية أن التخطيط، الأبيض والأسود.
الميكروفونات : أعظم وأهم اكتشاف عرفه الإنسان منذ أن أصبح إنسانًا.
الأخ : كدب، كدب، كدب.
الميكروفونات : وأن أعظم ما يمكن أن نؤديه من خدمة لأبنائنا وأحفادنا أن نحافظ على هذا الاكتشاف ونرعاه ونؤمن به ونقدسه، مثلما نؤمن ونقدس حبات العيون.
الأخ : كنت غلطان، أنا باعترف، لقد أخطأت، كان العالم في رأسي.
الميكروفونات : الويل كل الويل لمن يفكر في معاداة طريقنا.
الأخ : إني معكم إلى آخر قطرة من دمي، لقد أذنبت، وها أنا ذا أختنق بنفس وسائلي.
الميكروفونات : إنهم أعداؤنا أعداء الأبيض والأسود، أعداء البشرية، أعداء الإنسان، أعداء ****، أعداء الشرف، أعداء ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، أشكركم وأحييكم.
ر.م.ا : مش ممكن نسمح لك بكده أبدًا.
الأخ : تسمحوا لي بإيه؟
ر.م.ا : انك تهد اللي بنيناه، انت فاكر كلمتك ليَّه: اللي يبني حاجة مش ممكن هو بنفسه اللي يهدها؟ دي عايزة واحد تاني بعقلية تانية.
الأخ : ابعد عني.
ر.م.ا : ما عنديش مانع ابدًا، بس لي طلب صغير جدًّا، بسيط خالص.
الأخ : عايز ايه؟
ر.م.ا : تسمح لي بالكرسي دا.
الأخ : دا كرسي بتاعي وانا لا يمكن اسيبه.
ر.م.ا : دا عهدة، دا بتاع زعيم المخططين، تسمح لنا بيه؟
الأخ : وانا، أنا اروح فين؟
ر.م.ا : انت …
(تنطفئ الأضواء في القاعة لتظل صورة الأخ وحدها هي المضيئة بالكشافات، بينما يبدو المخططون في ضوء سلويت وهم جميعًا يتركون مقاعدهم ويتجهون في اتجاه الصورة ويتطلعون إليها، تاركين الأخ على كرسيه في الظلام بينما ببطء وبشكل محسوس ينسدل الستار.)
ر.م.ا : انت معجزة العصر وكل عصر.
دكتور ع الريق : مؤسس وكالة المخططين في العالم.
طعمية : ومانح السعادة للغلابة والمساكين.
أهو كلام : وزعيمنا وقائدنا.
٥٦ غربية : ومعلمنا.
فركة كعب : ومثلنا الأعلى ومانحنا البركة.
ألماظ : وحبيبنا وحبيب الدنيا لأبد الآبدين.
(ستار النهاية)
 

المستخدمون الذين يشاهدون هذا الموضوع

أعلى أسفل